ملتقى نسائم العلم

ملتقى نسائم العلم (http://nsaaem.com/index.php)
-   ملتقى عام (http://nsaaem.com/forumdisplay.php?f=14)
-   -   شرح حلية طالب العلم (http://nsaaem.com/showthread.php?t=95)

أم أبي التراب 11-06-2018 04:16 AM

32- الأمانةُ العلْمِيَّةُ :
الأمر الثاني والثلاثون - الأمانةُ العلْمِيَّةُ :
يَجِبُ على طالبِ العلْمِ ، فائِقُ التحَلِّي بالأمانةِ العِلْمِيَّةِ ، في الطلَبِ والتحَمُّلِ والعمَلِ والبلاغِ ، والأداءِ :
( فإنَّ فَلاحَ الأُمَّةِ في صَلاحِ أعمالِها ، وصلاحَ أعمالِها في صِحَّةِ عُلُومِها ، وصِحَّةَ عُلومِها في أن يكونَ رجالُها أُمناءَ فيما يَرْوُونَ أو يَصِفُونَ، فمَن تَحَدَّثَ في العِلْمِ بغيرِ أمانةٍ ؛ فقد مَسَّ العلْمَ بقُرحةٍ ووَضَعَ في سبيلِ فَلاحِ الأُمَّةِ حَجَرَ عَثْرَةٍ ) .
شرح الشيخ العثيمين رحمه الله:
الشيخ:
هذا أيضا من أهم ما يكون في طالب العلم أن يكون أمينا في علمه، فيكون أمينا في نقله، وأمينا في وصفه. إذا وصف الحال فليكن أمينا لا يزيد ولا ينقص، وإذا نقل فليكن أمينا في النقل لا يزيد ولا ينقص وكثير من الناس تنقصه هذه الأمانة، فتجده يصف من الأحوال ما يناسب رأيه ويحذف الباقي، وينقل من أقوال أهل العلم، بل ومن النصوص ما يوافق رأيه ويحذف الباقي فيكون كالذي قال:
ما قال ربك ويل للأولى سكروا = بل قال ربك ويل للمصلين"فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ"
الماعون 4
نعوذ بالله وحذف "الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ"الماعون 5. وهذا لا شك أنه حجر عثرة وأنه تدليس على العلم، لأن الواجب النقل بأمانة والوصف بأمانة، وما يضرك إذا كان الدليل على خلاف ما تقول، فإنه يجب عليك أن تتبع الدليل وأن تنقله للأمة حتى يكونوا على بصيرة من الأمر.
ومثل هذه الحال- أعني عدم الأمانة- يوجب أن يكون الإنسان فاسقا لا يوثق له بخبر ولا يقبل له نقل لأنه مدلس.

القارئ:
لا تَخلُو الطوائفُ المنتمِيَةُ إلى العلومِ من أشخاصٍ لا يَطلبونَ العِلْمَ ليَتَحَلَّوْا بأَسْنَى فضِيلَةٍ ، أو ليَنْفَعُوا الناسَ بما عَرَفُوا من حِكمةٍ ، وأمثالُ هؤلاءِ لا تَجِدُ الأمانةُ في نفوسِهم مُسْتَقَرًّا ، فلا يَتَحَرَّجُون أن يَرْوُوا ما لم يَسْمَعُوا أو يَصِفُوا ما لم يَعْلَمُوا ، وهذا ما كان يَدْعُو جهابذةَ أهلِ العلْمِ إلى نَقْدِ الرجالِ .

الشيخ:
يقول: (لا تَخلُو الطوائفُ المنتمِيَةُ إلى العلومِ من أشخاصٍ لا يَطلبونَ العِلْمَ ليَتَحَلَّوْا بأَسْنَى فضِيلَةٍ ) لأن طلب العلم يؤدي إلى التحلي بأسنى فضيلة، أي: بأعلاها، (أو ليَنْفَعُوا الناسَ بما عَرَفُوا من حِكمةٍ) ، وإنما يطلبون العلم من أجل نصر آرائهم فتجده يبحث في بطون الكتب ليجد شيئا يقوي به رأيه، سواء كان خطأ أم صوابا، وهذا والعياذ بالله هو المراء والجدال المنهي عنه، أما من يقلب بطون الكتب من أجل أن يعرف الحق فيصل إليه، فلا شك أن هذا هو الأمين المنصف.

القارئ:
وهذا ما كان يَدْعُو جهابذةَ أهلِ العلْمِ إلى نَقْدِ الرجالِ

الشيخ:
يعني هذا هو الذي يدعو جهابذة أهل العلم إلى نقد الرجال ليبينوا أحوالهم وأنه رجل يتبع الهوى ولا يريد الهدى.

القارئ:
وتَمييزِ مَن يُسْرِفُ في القوْلِ مِمَّنْ يَصوغُه على قَدْرِ ما يَعْلَمُ ، حتى أَصْبَحَ طُلَّابُ العِلْمِ على بَصيرةٍ من قِيمةِ ما يَقرؤونَه ، فلا تَخْفى عليهم مَنْزِلَتُه ، من القطْعِ بصِدقِه أو كَذِبِه ، أو رُجحانِ أحدِهما على الآخَرِ ، أو احتمالِهما على سواءٍ ) اهـ .

آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري
القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
32- الأمانةُ العلْمِيَّةُ :
يَجِبُ على طالبِ العلْمِ ، فائِقُ التحَلِّي بالأمانةِ العِلْمِيَّةِ ، في الطلَبِ والتحَمُّلِ والعمَلِ والبلاغِ ، والأداءِ :
(فإنَّ فَلاحَ الأُمَّةِ في صَلاحِ أعمالِها ، وصلاحَ أعمالِها في صِحَّةِ عُلُومِها ، وصِحَّةَ عُلومِها في أن يكونَ رجالُها أُمناءَ فيما يَرْوُونَ أو يَصِفُونَ ، فمَن تَحَدَّثَ في العِلْمِ بغيرِ أمانةٍ ؛ فقد مَسَّ العلْمَ بقُرحةٍ ووَضَعَ في سبيلِ فَلاحِ الأُمَّةِ حَجَرَ عَثْرَةٍ)
لاتَخلُو الطوائفُ المنتمِيَةُ إلى العلومِ من أشخاصٍ لايَطلبونَ العِلْمَ ليَتَحَلَّوْا بأَسْنَى فضِيلَةٍ ، أو ليَنْفَعُوا الناسَ بماعَرَفُوا من حِكمةٍ ، وأمثالُ هؤلاءِ لا تَجِدُ الأمانةُ في نفوسِهم مُسْتَقَرًّا ، فلا يَتَحَرَّجُون أن يَرْوُوا ما لم يَسْمَعُوا أو يَصِفُوا ما لم يَعْلَمُوا ، وهذا ما كان يَدْعُو جهابذةَ أهلِ العلْمِ إلى نَقْدِ الرجالِ ، وتَمييزِ مَن يُسْرِفُ في القوْلِ مِمَّنْ يَصوغُه على قَدْرِ ما يَعْلَمُ ، حتى أَصْبَحَ طُلَّابُ العِلْمِ على بَصيرةٍ من قِيمةِ ما يَقرؤونَه ، فلا تَخْفى عليهم مَنْزِلَتُه ، من القطْعِ بصِدقِه أو كَذِبِه ، أو رُجحانِ أحدِهما على الآخَرِ ، أو احتمالِهما على سواءٍ ) اهـ .
الشيخ:
الصفة الثانية والثلاثون من صفات طالب العلم : الأمانة العلمية ، بحيث لا يكون كاذباً بنسبة شيء إلى نفسه وهو من كلام غيره ، ولا يكون كذلك خائناً فيما يتعلق بعلمه ، فلا يُعطي ولا يتكلم إلا بما يظنه هو الصواب والصحيح ، فالأمانة العلمية في النقل ، والأمانة العلمية في الحديث والتكلم.
وقد جاءت النصوص بالترغيب في الأمانة وفي حفظها ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، وحذرت الشريعة من الخيانة ، فمن خصال المنافق أنه إذا عاهد غدر ، وإذا اؤتمن خان.
ونهت الشريعة عن الخيانة ، في الحديث : أنّ أهل الخيانة ينصب لهم ألوية يوم القيامة على أستائهم يقولون : هذه غدرة فلان بن فلان.1
إذا تقرر هذا ، فإنّ الأمانه تكون في الطلب وتكون في وقت التحمل والحفظ ، وتكون وقت العمل ، وتكون أثناء الدعوة والبلاغ.
قال المؤلف : (من تحدث في العلم بغير أمانه ، فقد مسّ العلم بقرحة) القرحة مرض باطني يكون في المعدة ، يصيبها فيجعلها لا تتمكن من هضم الطعام ، فمن تحدث في العلم بغير أمانة ، فإنه سيشوّش على الناس ، (ووضع في سبيل فلاح الأمة حجر عثرة).
ثم قال المؤلف هناك طوائف يتعلمون العلم لأهداف غير مقبولة ، هم لا يتعلمون العلم ليتحلّوا بالفضائل ويتخلقوا بها ، وهم لا يتعلمون العلم لنفع الناس وتعليمهم ، فحينئذ لم توجد أمانة علمية.
بعض الناس يحاول أن يمدح نفسه في نسبة أفعال جميلة للآخرين إليه ، وفي الحديث :" المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" 2 وهذا هو الذي جعل بعض الأئمة يتكلم في بعض الرواة قدحاً ، فكلما وجدوا شخصاً ألَّف أو روى تكلموا فيه ، ببيان مواطن خطأه ، ومواطن تعثره ، ليصبح الطلاب على بصيرة من قيمة هذه المقروءات والمسموعات.
والأولى عدم ذكر الشخص باسمه ليكون ذلك أدعى لنهي التعصب ، ولعله يهدي الله عز وجل ذلك الشخص ، نعم.

آفاق التيسير
- " إذا جمعَ اللهُ الأولينَ والآخرينِ يومَ القيامةِ ، يُرفعُ لكل غادرٍ لواءٌ ، فقيل : هذه غدرةُ فلانِ بن فلانٍ" الراوي : عبدالله بن عمر المحدث : مسلم- المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 1735 خلاصة حكم المحدث : صحيح
الدرر السنية
2
"جاءت امرأةٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالت : إنَّ لي ضَرَّةً . فهل عليَّ جناحٌ أن أتشبَّعَ من مالِ زوجي بما لم يُعطني ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ " المتشبِّعُ بما لم يُعْطَ ، كلابسِ ثوبيْ زورٍ" .

الراوي : أسماء بنت أبي بكر المحدث : مسلم-المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2130 خلاصة حكم المحدث : صحيح

الدرر السنية

أم أبي التراب 11-06-2018 04:17 AM

33- الصِّدْقُ :
*صِدْقُ اللهجةِ : عُنوانُ الوَقارِ وشَرَفُ النفْسِ ، ونقاءُ السَّريرةِ وسُمُوُّ الْهِمَّةِ ورُجحانُ العَقْلِ ، ورسولُ الْمَوَدَّةِ من الْخَلْقِ ، وسعادةُ الجماعةِ وصِيانةُ الديانةِ ، ولهذا كان فَرْضُ عينٍ ، فيا خَيْبَةَ مَن فَرَّطَ فيه ، ومَن فَعَلَ فقد مَسَّ نفسَه وعِلْمَهُ بأَذًى
*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
الصدق هنا قريب من مسألة الأمانة العلمية، لأن الأمانة العلمية تكون بالصدق، والصدق كما قال: عنوان الوقار، وشرف النفس، ونقاء السريرة وإذا كان الكذب ينجي، فإن الصدق أنجى وأنجى. وإن كان الكذب أيضا لا يدوم، لأنه سرعان ما يتبين الكذب ويفتضح الكاذب.
لكن الصدق عاقبته حميدة. فعليك بالصدق، ولو كنت تتخيل أنه يضرك فاصبر، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا.

- إنَّ الصِّدقَ يَهدي إلى البِرِّ ، وإنَّ البِرَّ يَهدي إلى الجنَّةِ ، وإنَّ الرَّجُلَ ليَصدُقُ حتَّى يَكونَ صدِّيقًا ، وإنَّ الكذِبَ يَهدي إلى الفُجورِ ، وإنَّ الفجورَ يَهدي إلى النَّارِ ، وإنَّ الرَّجُلَ ليَكذِبُ ، حتَّى يُكتَبَ عندَ اللَّهِ كذَّابًا .

الراوي : عبدالله بن مسعود المحدث : البخاري-المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 6094 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]الدرر السنية


وإني لأذكر رجلا من عامة الناس شهر بالصدق، فكان الناس يتناقلون أخباره في المجالس على التلذذ بها أكثر مما يذكرون أخبار العلماء الذين في وقته لأن الصدق يرفع الله به من اتصف به، لا سيما في مسائل العلم.
فلا تقل إن الله حرم هذا وهو لم يحرمه، ولا أوجب هذا وهو لم يوجبه، ولا قال فلان كذا وهو لم يقله. بل تجنب هذا كله.
وكان الإمام أحمد – رحمه الله – وغيره من الأئمة لا يصرحون بالتحريم إلا ما جاءت النصوص به، وإلا فإنك تجد الإمام أحمد يقول: أكره كذا، لا يعجبني ، لا تفعل . وما أشبه ذلك.
وقول الشيخ بكر – وفقه الله- «ولهذا كان فرض عين»، يعني الصدق فرض عين، لا فرض كفاية، فلا يقول: أنا أكذب، والثاني يصدق.. لا ... لا يجوز أن تكذب.
استثنى بعض العلماء ما جاء عن طريق التورية، ولكن لا حاجة للاستثناء، لأن التورية صدق باعتبار ما في نفس القائل، كمثل قول إبراهيم عليه السلام للملك الجبار هذه أختي.
وهذا ليس بالكذب، وإن كان إبراهيم اعتذر عن الشفاعة بأنه كذب ثلاث كذبات، لكنه كذب من وجه وهو التلبيس على الظالم المعتدي، ولكنه صدق باعتبار ما في نفس القائل.
استثنى بعض العلماء أيضا ما جاء في الحديث أنه لا يجوز الكذب إلا في ثلاث: في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث المرأة لزوجها وحديث الرجل لزوجته.
ولكن بعض العلماء يقول: إن هذا محمول على التورية، وليس على الحقيقة، فالحرب خدعة، بأن تري عدوك أنك تريد جهة ما، وأنت تريد الجهة الأخرى، أو تري عدوك أن عندك جنود كثيرة بحيث أن تجعل الجيش يتراسم، كما فعل القعقاع بن عمرو في أحدى غزواته، قسم الجيش وهم عدد قليل، لكن العدو يظنه عددا كثيرا.
كذلك الإصلاح بين الناس ... لا تكذب، ولكن تأل. إذا قال لك فلان: يقول في كذا وكذا. تقول: لا لم يقل فيك شيئا.
كذلك حديث المرأة زوجها وحديث الرجل زوجته، يعني: على سبيل التورية لا التصريح وهذا القول ليس ببعيد، لأن الكذب كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم يهدي إلى الفجور، لا يهدي إلى الخير. ثم إن الإنسان إذا اعتاد هذا- لاسيما مع الزوجة وصار كلما حدثها بحديث وبحثت عنه وجدته كذبا لم تثق فيه بعد ذلك، وربما يكون سببا لفقدها إياه وللفراق التام.
وعند العامة يستثني كذبا أكثر من ذلك يقولون: الكذب الحرام ما كان فيه أكل للمال بالباطل، وأما ما سواه فهو كذب أبيض ويقسمون الكذب إلى قسمين: كذب أبيض وكذب أسود. والأبيض حلال، والأسود حرام. والأسود ما فيه أكل المال بالباطل، والأبيض ما ليس كذلك، ولكن هذا هو دين العامة وليس شريعة محمد صلى الله عليه وسلم
*قالَ الأوزاعيُّ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( تَعَلَّمِ الصدْقَ قبلَ أن تَتَعَلَّمَ العِلْمَ ) .
وقالَ وَكيعٌ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( هذه الصَّنْعَةُ لا يَرتفِعُ فيها إلا صادقٌ ) .
فتَعَلَّمْ – رَحِمَكَ اللهُ – الصدْقَ قبلَ أن تَتَعَلَّمَ العلْمَ ، والصدْقُ : إلقاءُ الكلامِ على وَجْهٍ مُطابِقٍ للواقِعِ والاعتقادِ ، فالصدْقُ من طريقٍ واحدٍ ، أمَّا نقيضُه الكَذِبُ فضُروبٌ وألوانٌ ومَسالِكُ وأَوديةٌ ، يَجْمَعُها ثلاثةٌ :
كَذِبُ الْمُتَمَلِّقِ : وهو ما يُخالِفُ الواقِعَ والاعتقادَ ، كمن يَتَمَلَّقُ لِمَنْ يَعْرِفُه فاسقًا أو مُبْتَدِعًا فيَصِفُه بالاستقامةِ .
وكَذِبُ المنافِقِ : وهو ما يُخالِفُ الاعتقادَ ويطابِقُ الواقعَ كالمنافِقِ يَنْطِقُ بما يقولُه أهلُ السُّنَّةِ والهدايةِ .
وكَذِبُ الغَبِيِّ : بما يُخالِفُ الواقِعَ ويُطابِقُ الاعتقادَ ، كمَن يَعتقِدُ صلاحَ صُوفِيٍّ مبتدِعٍ فيَصِفُه بالوَلايةِ .

الشرح:
الصدق لا شك أنه سبيل واحد، والكذب سبل، وهكذا الهداية والضلالة.

الهداية سبيلها واحد، والضلالة سبل متفرقة. قال الله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) (سورة الأنعام:153). وأما قوله: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام)(سورة المائدة:16). فقد جمعها باعتبار تنوع الشرائع... صلاة، زكاة، صيام، حج، بر، صلة، صدقة- وما أشبه ذلك فجمعها باعتبار وتوحيدها باعتبار آخر.
أما الكذب فضروب وألوان متعددة، ويتعدد بتعدد أغراضه فهو يجمعها ثلاثة. يقول:
1- «كذب المتملق: وهو ما يخالف الواقع والاعتقاد، كمن يتملق لمن يعرفه فاسقا أو مبتدعا فيصفه بالاستقامة».
تعرف أن هذا الرجل فاسق ثم تأتي إليه وتقول: ما شاء الله أنت رجل مستقيم، مستقيم الأخلاق، مستقيم الدين، مستقيم المنهج. وأنت تعرف أنه أفسق عباد الله.
هذا ماذا يقال له؟ يقال له متملق وهذا أكثر ما يكون عند الملوك والأمراء، تجد الرجل يتملق إلى الأمير أو الملك ويقول: أنت فيك كذا وأنت فيك كذا، وهذا من النفاق العلمي: إذا حدث كذب والعياذ بالله.
2- «كذب المنافق: وهو ما يخالف الاعتقاد ويطابق الواقع» ومنه قوله تعالي (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله). وكونه رسول الله مطابق للواقع. ما الدليل؟ قوله: (والله يعلم إنك لرسوله) . لكن شهادتهم هذه مخالفة لاعتقادهم، لأن الله قال: (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) (سورة المنافقون:1).
أي في قولهم نشهد إنك لرسول الله لا في قولهم إنه لرسول الله. هذا يخالف الاعتقاد ويطابق الواقع.
وهذا باعتبار قول المنافق في غيره، أما باعتبار قوله في نفسه مثلا أنه صالح، فهو يخالف الاعتقاد، ويخالف الواقع إلا ظاهرا.
3- «كذب الغبي: بما يخالف الواقع ويطابق الاعتقاد». وهو أن يقول الشيء ما ليس فيه لغباءه، فيقول مثلا عن أهل الكلام أنهم هم العقلاء، وأنهم أهل العلم والحكمة، أما أهل السنة فهم أغبياء يفوضون النصوص ولا يعرفون لها معنى.
نقول: هذا غبي، ولهذا عبر شيخ الإسلام- رحمه الله- في كتابه الفتوى الحموية، عبر بهذا الوصف فقال:«قال بعض الأغبياء: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم».
وكذلك من يشاهد الصوفية وتصنعهم وعباداتهم، فيقول: إنهم أهل الصلاح وأهل الولاية.
نقول: أنت غبي لا تعرف حقيقتهم فلا تحكم عليهم بالصلاح حتى تعرف الحقيقة، وإلا كنت غبيا.
فهذا كاذب، فهل يعذر بكذبه؟ نقول: إذا أفرط في البحث فلا بعذر وإن كان هذا منتهي علمه، فإنه يعذر لأنه جاهل. أما الأول فهو متملق، والثاني فهو منافق فلا عذر لهم في ذلك.
*فالْزَم الْجَادَّةَ ( الصدْقَ ) ، فلا تَضْغَطْ على عَكَدِ اللسانِ ، ولا تَضُمَّ شَفَتَيْكَ ، ولا تَفتَحْ فاكَ ناطقًا إلا على حُروفٍ تُعَبِّرُ عن إحساسِك الصادِقِ في الباطِنِ ؛ كالحُبِّ والبُغْضِ ، أو إحساسِك في الظاهِرِ ؛ كالذي تُدْرِكُه الحواسُّ الخمْسُ : السمْعُ، البَصَرُ ، الشمُّ ، الذَّوْقُ ، اللمْسُ .فالصادقُ لا يقولُ : ( أَحْبَبْتُكَ ) وهو مُبْغِضٌ ، ولا يقولُ : ( سَمِعْتُ ) وهو لم يَسْمَعْ ، وهكذا .
واحْذَرْ أن تَحومَ حولَك الظنونُ ، فتَخونَك العزيمةُ في صِدْقِ اللهجةِ ، فتُسَجَّلَ في قائمةِ الكذابينَ .وطريقُ الضَّمانةِ لهذا – إذا نَازَعَتْكَ نفسُك بكلامٍ غيرِ صادقٍ فيه - : أن تَقْهَرَهَا بذِكْرِ مَنزِلَةِ الصدْقِ وشَرَفِه ورَذيلةِ الكَذِبِ ودَرَكِه ، وأنَّ الكَاذِبَ عن قريبٍ يَنْكَشِفُ .
واستَعِنْ باللهِ ولا تَعْجِزَنَّ .ولا تَفْتَحْ لنفسِك سابلةَ الْمَعارِيضِ في غيرِ ما حَصَرَه الشرْعُ .
فيا طالبَ العلْمِ ! احْذَرْ أن تَمْرُقَ من الصدْقِ إلى الْمَعارِيضِ فالْكَذِبِ ، وأَسوأُ مَرَامِي هذا الْمُروقِ ( الكَذِبُ في العلمِ ) ؛ لداءِ مُنافَسَةِ الأقرانِ وطَيَرانِ السُّمعةِ في الآفاقِ .

هنا إضافة مهمة جدا، هو أن بعض الناس يتسرع في الرقي إلى العلو بما يلفقه ويوهم الناس به من أنه عنده علم واسع، وأنه عبقري، وأنه في كل فن له يد وما أشبه ذلك. وهذا لا شك أنه غلط عظيم، فهو مع جمعه الكذب، فيه خيانة الناس وإيهامهم بخلاف الواقع. وفيه أيضا التغرير بالنفس، أن الإنسان يزهو بنفسه حتى يحجمها ويكبرها وهي دون ذلك، وكم من إنسان هلك بمثل هذا سواء في طريق العلم أو في طريق العبادة، ولكن سرعان ما ينكشف، سرعان ما يرد عليه شيء يعجز عنه وحينئذ إما أن يقول ما هو معلوم كذبه فينكشف، وإما أن يتذبذب ويفتضح أمره.
ولهذا كان مما قاله عبد الله بن مسعود:«إن من العلم أن تقول لما لا تعلم لا أعلم».
وذكر بعضهم أن قول القائل:«لا أعلم» هي نصف العلم، ولكن في الواقع: العلم كله، والإنسان إذا عرف بالتحري وأنه يقول بما لا يعلم«لا أعلم» وثق الناس بقوله، أما إذا كان يجيب على كل ما يسأل حتى لو كان لا يعرف شيئا فيما سئل فيه، فإنه سوف ينكشف أمره وسوف لا يثق الناس بقوله حتى ولو كان حقا. ولكن ما الذي يحمل الإنسان على أن يقول مثل هذا؟
يحمله طلب العلو، أن يكون فائقا على الأقران، أو طلب الصيت والشهرة بحيث يقال العلامة، الفهامة، البحر الزاخر وما أشبه ذلك.
وهذه لا شك أنها من مكائد الشيطان، فالواجب عليك أن تعرف قدر نفسك وأن لا تنزلها فوق منزلتها، ثم إن القول في مسائل الدين أخطر ما يكون لأنه قول على الله بلا علم، وقد قال الله عز وجل (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) (سورة الأعراف: 33).
بعض الناس إذا عثر على خطأه قال: سبحان الله، سبحان الذي لا ينسى نعم.... لكن أنت لم تنس، بل أنت جاهل من أصله.
ومَن تَطَلَّعَ إلى سُمْعَةٍ فوقَ مَنْزِلَتِه ؛ فلْيَعْلَمْ أنَّ في الْمِرصادِ رِجالًا يَحْمِلون بصائرَ نافذةً ، وأقلامًا ناقدةً ، فيَزِنُونَ السُّمعةَ بالأَثَرِ ، فتَتِمُّ تَعريتُك عن ثلاثةِ معانٍ :
فَقْدُ الثقةِ من القلوبِ .
ذَهابُ عِلْمِكَ وانحسارُ القَبولِ .
أن لا تُصَدَّقَ ولو صَدَقْتَ .
وبالجملةِ ؛ فمَن يَحترِفْ زُخرُفَ القولِ ؛ فهو أَخُو الساحرِ ، ولا يُفْلِحُ الساحرُ حيث أَتَى، واللهُ أَعْلَمُ .

هذا صحيح.. الإنسان إذا تطلع إلى السمعة فقط ونزل فوق منزلته فسرعان ما ينكشف،ثم إن النية في طلب العلم يجب فيها الإخلاص لله عز وجل، ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم :«أن من طلب علما وهو مما يبتغي به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة. وأن من طلب العلم ليماري به السفهاء أو ليجاري به العلماء فليتبوء مقعده من النار» . فالمسألة خطيرة، ولا سيما العلوم الشرعية. وذكر ثلاث مضار.
أولا- فقد الثقة في القلوب، متى تفقد؟ إذا تبين أنه قال عن جهل؛ ما يثقون به وينصرفون إلى غيره.
ثانيا- ذهاب علمك وانحسار القبول: لأنه إذا فقدت الثقة لم يقبله الناس فإذا كان يقبله مثلا (10)، فإنهم إذا فقدوا الثقة انحسروا إلى (5) أو إلى (4).
ثالثا- أن لا تصدق ولو صدقت: حتى لو حدثتهم بحديث يعرفونه. قالوا: هذا رمية من غير رام.
فالحاصل أن الإنسان يجب أن يعرف مقدار نفسه وأن يحترم العلم، وأن لا يجعله به وسيلة للرقي الخادع.
آفاق التيسير

*شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري

القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
33- الصِّدْقُ :
صِدْقُ اللهجةِ : عُنوانُ الوَقارِ وشَرَفُ النفْسِ ، ونقاءُ السَّريرةِ وسُمُوُّ الْهِمَّةِ ورُجحانُ العَقْلِ ، ورسولُ الْمَوَدَّةِ من الْخَلْقِ ، وسعادةُ الجماعةِ وصِيانةُ الديانةِ ، ولهذا كان فَرْضُ عينٍ ، فياخَيْبَةَ مَن فَرَّطَ فيه ، ومَن فَعَلَ فقد مَسَّ نفسَه وعِلْمَهُ بأَذًى .
قالَ الأوزاعيُّ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( تَعَلَّمِ الصدْقَ قبلَ أن تَتَعَلَّمَ العِلْمَ) .
وقالَ وَكيعٌ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( هذه الصَّنْعَةُ لا يَرتفِعُ فيها إلاصادقٌ) .
فتَعَلَّمْ – رَحِمَكَ اللهُ – الصدْقَ قبلَ أن تَتَعَلَّمَ العلْمَ ، والصدْقُ : إلقاءُ الكلامِ على وَجْهٍ مُطابِقٍ للواقِعِ والاعتقادِ ، فالصدْقُ من طريقٍ واحدٍ ، أمَّا نقيضُه الكَذِبُ فضُروبٌ وألوانٌ ومَسالِكُ وأَوديةٌ ، يَجْمَعُها ثلاثةٌ :
كَذِبُ الْمُتَمَلِّقِ : وهو ما يُخالِفُ الواقِعَ والاعتقادَ ، كمن يَتَمَلَّقُ لِمَنْ يَعْرِفُه فاسقًا أو مُبْتَدِعًا فيَصِفُه بالاستقامةِ .
وكَذِبُ المنافِقِ : وهو ما يُخالِفُ الاعتقادَ ويطابِقُ الواقعَ كالمنافِقِ يَنْطِقُ بما يقولُه أهلُ السُّنَّةِ والهدايةِ .
وكَذِبُ الغَبِيِّ : بما يُخالِفُ الواقِعَ ويُطابِقُ الاعتقادَ ، كمَن يَعتقِدُ صلاحَ صُوفِيٍّ مبتدِعٍ فيَصِفُه بالوَلايةِ .
فالْزَم الْجَادَّةَ ( الصدْقَ ) ، فلا تَضْغَطْ على عَكَدِ اللسانِ ، ولا تَضُمَّ شَفَتَيْكَ ، ولا تَفتَحْ فاكَ ناطقًا إلا على حُروفٍ تُعَبِّرُ عن إحساسِك الصادِقِ في الباطِنِ ؛ كالحُبِّ والبُغْضِ ، أو إحساسِك في الظاهِرِ ؛ كالذي تُدْرِكُه الحواسُّ الخمْسُ : السمْعُ، البَصَرُ ، الشمُّ ، الذَّوْقُ ، اللمْسُ .فالصادقُ لا يقولُ : ( أَحْبَبْتُكَ ) وهو مُبْغِضٌ ، ولا يقولُ : ( سَمِعْتُ ) وهو لم يَسْمَعْ ، وهكذا .
واحْذَرْ أن تَحومَ حولَك الظنونُ ، فتَخونَك العزيمةُ في صِدْقِ اللهجةِ ، فتُسَجَّلَ في قائمةِ الكذابينَ .وطريقُ الضَّمانةِ لهذا – إذا نَازَعَتْكَ نفسُك بكلامٍ غيرِ صادقٍ فيه - : أن تَقْهَرَهَا بذِكْرِ مَنزِلَةِ الصدْقِ وشَرَفِه ورَذيلةِ الكَذِبِ ودَرَكِه ، وأنَّ الكَاذِبَ عن قريبٍ يَنْكَشِفُ .
واستَعِنْ باللهِ ولا تَعْجِزَنَّ .ولاتَفْتَحْ لنفسِك سابلةَ الْمَعارِيضِ في غيرِ ما حَصَرَه الشرْعُ .
فيا طالبَ العلْمِ ! احْذَرْ أن تَمْرُقَ من الصدْقِ إلى الْمَعارِيضِ فالْكَذِبِ ، وأَسوأُ مَرَامِي هذا الْمُروقِ ( الكَذِبُ في العلمِ ) ؛ لداءِ مُنافَسَةِ الأقرانِ وطَيَرانِ السُّمعةِ في الآفاقِ .
ومَن تَطَلَّعَ إلى سُمْعَةٍ فوقَ مَنْزِلَتِه ؛ فلْيَعْلَمْ أنَّ في الْمِرصادِ رِجالًا يَحْمِلون بصائرَ نافذةً ، وأقلامًا ناقدةً ، فيَزِنُونَ السُّمعةَ بالأَثَرِ ، فتَتِمُّ تَعريتُك عن ثلاثةِ معانٍ :
فَقْدُ الثقةِ من القلوبِ .
ذَهابُ عِلْمِكَ وانحسارُ القَبولِ .
أن لا تُصَدَّقَ ولوصَدَقْتَ .
وبالجملةِ ؛ فمَن يَحترِفْ زُخرُفَ القولِ ؛ فهو أَخُو الساحرِ ، ولا يُفْلِحُ الساحرُ حيث أَتَى ، واللهُ أَعْلَمُ .
الشيخ :
هذا هو الأدب الثالث والثلاثون من آداب طالب العلم : الصدق ، قد قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :" عليكم بالصدق ، فإنّ الصدق يهدي إلى البر ، وإنّ البر يهدي إلى الجنة ، وإياكم والكذب ، فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور ، وإنّ الفجور يهدي إلى النار".
ويقول صلى الله عليه وسلم :" الصدق طمأنينة ، والكذب ريبة"
والصدق له صلة بالأمانة ، فإنّ غير الأمين غير صادق ، ونضرب لهذا مثلاً :
من قال أنّ الفقيه الفلاني يقول : بكذا وهو لم يتأكد أو يعرف خلافه ، فحينئذ ليس بصادق ولا بأمين.
وصدق اللهجة ينتج عن أمور :
أولها : رضا رب العزة والجلال وتحصيل التقوى.
وثانيها : أنّ الصدق سبب لتوقير الخلق بالإنسان وقبولهم ما جاء به.
وثالثها : أنّ الصدق يحصل به الشرف وطمأنينة النفس ، ونقاء السريرة ، وسمو الهمة.
الصدق يحصل به رجحان العقل ، ويحصل به محبة الخلق ويحصل به (صيانة الديانة) ، (قال الأوزاعي :" تعلم الصدق قبل العلم").
(قال وكيع :" هذه الصنعة لا يرتفع بها إلا الصادق") يعني لا يحُصِّل فيها العلم إلا صادق.
ومن هنا يقّدم تعويد النفس على الصدق على طلب العلم ، والصدق يكون بأمرين : موافقة الواقع ، وموافقة الاعتقاد.
أنا أظن أنّ زيد ليس وراء الجدار ، وقلت : زيد وراء الجدار ، فصار حقيقةً زيد وراء الجدار ، حينئذ هذا يخالف الاعتقاد لكنه لا يخالف الواقع.
مثال هذا : رأى أخته حاملاً ، قال في بطنها ولد ذكر ، ولدت وأصبح ولداً ذكراً ، نقول هنا : هذا كلام كاذب وهو وإن وافق الواقع لكنه يخالف الاعتقاد وبالتالي يكون كلاماً كذباً.
ومن هنا قسم المؤلف الناس ثلاثة أقسام :
كذب المتملق : وهو الذي يعتقد أنّ كلامه باطل ، ويكون كلامه مخالفاً للواقع.
أبو محمد قابله شخص بينه وبينه عداوة ، فقال له : إني أحبك.
وهو لا يحبه ولا شيء ، ويعاديه ، حينئذ ؛ هل هو موافق للواقع ، هل هو موافق للاعتقاد ، مخالف للواقع ومخالف للاعتقاد ، هذا إذاً متملق ، هذا إيش يصير؟ متملق.
الثاني كذب المنافق : المنافق يقول : أنا أحب المؤمنين ، وأحب أهل التقوى وهو يكذب ، يقول : الدعاةُ صادقون ، لكن في نفسه يقول : ما لهم فائدة في المجتمع ، فهو يقول الدعاة صادقون نافعون للأمة بلسانه ، لكن في قلبه يقول : ضيّقوا على الناس ، حينئذ نقول : هذا منافق ، لأنه تكلم بكلام يوافق الواقع لكنه يخالف اعتقاده.
النوع الثالث كذب الغبي : بما يخالف الواقع ، قال : يظن أنّ محمد خلف الجدار فقال : محمد خلف الجدار ، لكنه لم يكن خلف الجدار.
كذلك من اعتقد أنّ الصوفي صالح ، وهو مبتدع ، ووصفه بالولاية ، هذا يخالف الواقع ، لأنّ شرط الولاية الإيمان والتقوى ، كما في قوله سبحانه :" أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" إذا جاءك صوفي يقول : تُطرح التكاليف ، فحينئذ نقول : هذا ، هل هو مخالف للواقع؟ نعم ، مخالف للواقع ، لكنه يطابق اعتقاده ، فيكون هذا من كذب الغبي.
قال : (فلا تضغط على عكد اللسان) جزء من الزائد من اللسان ، يعني بالكذب.
(ولا تضم شفتيك ولا تفتح فاك –يعني الفم- ناطقا) ولاتتكلم إلا بالصدق.
(بحروف تعبر عن إحساسك الصادق في الباطن ، كالحب والبغض ، وإحساسك في الظاهر ، سواء أدركته بالحواس الخمس) أو أدركته بواسطة الاستدلال.
قال : ( فالصادق لايقول "أحببتك" وهو مبغضك) هذا من أي أنواع الكذبة ، المتملق ، مخالف الواقع والاعتقاد.
(ولا يقول "سمعت" وهو لم يسمع ، واحذر أن تحوم حولك الظنون) فيتهموك بالكذب ، وحينئذ لا يقبل منك ، وبالتالي تصبح من الكذبة.
قد يقول قائل : كيف أدرّب نفسي على الصدق وترك الكذب؟ هذا بأمور :
أولاً : استحضار أنّ الله أمرك بذلك.
ثانياً : بمعرفة رذيلة الكذب وفائدة الصدق.
وثالثاً : بالنظر في أحوال الصدقة والكذبة ، أهل الصدق نصرهم الله وأيّدهم ، وأهل الكذب خذلهم الله.
قال المؤلف عن المعاريض ؛ المعاريض : أن تتكلم بكلام له معنيان ، أحدهما صدق وواقع وتريد غيرك يطلع عليه ، والثاني خفي قد تُكَذّب فيه.
جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم :" إنّ في المعاريض لمندوحةً عن الكذب" ، نمثل للمعاريض : هذا أخوك؟ لـمّا سألته : هذا أخوك ، وهو ليس ابن أبيه ولا أمه ، قال : نعم ، وأراد أخوة الإسلام ، ظاهر مني لـمّا سألت : هل هذا أخوك أريد الأخوة من النسب ، فلما قال : نعم ، حينئذ أوهمني بأن المراد الأخوة النسبية ، وكان مراده الأخوة الإيمانية.
هكذا أيضاً ، ما حكم المعاريض ، المعاريض على أربعة أنواع :
النوع الأول : إذا كان يتوصل بها إلى إبطال الحقوق وأكل أموال الناس فهي حرام.
قال : أشهد بالله أنّ ماله عند زيد شيء ، ظاهر هذه العبارة أنّ ما نافية ، أليس كذلك ؛ تنفي وجود الحق ، لكن لما عدنا إليه وسألناه ، قال: أنا أقصد ما الموصولة ، ما له يعني : الذي له على زيد شيء ، هذا إيش؟ من المعاريض ، وتوصّلنا به إلى إبطال الحق ، فيكون محرماً.
كذلك المعاريض في الأيمان ماتجوز ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" يمينك على مايصدقك به صاحبك"
المعاريض التي يتوصل بها إلى إحقاق حق أو إصلاح بين اثنين ، أو إبطال خصومه ، هذه مشروعة.
ويؤجر إن شاء الله الإنسان عليها.
بعض الناس يكذب في المسائل العلمية ليهزّ الناس ، ويكون له مكانة ومنزلة ، قال : أنا وجدت في الكتاب الفلاني ، وما قرأ ولا اطّلع عليه ، هذا كذب ، لا يبارك له في كلامه.
قال المؤلف : ( فمن تطلع إلى سمعة فوق منزلته) فإنّ الله سيعاقبه ، وما طار طيرٌ وارتفع إلا كما طار وقع.
والكذب يورث عدم الثقة في الكاذب ، إذا كذب أول مرة احتمال أن يكذب عليك مرة ثانية ، وذهاب بركة علمه ، بل قد يؤدي إلى زوال علمه بالكلية ، والثالث : عدم قبول الناس وعدم تصديق الناس لكلامه.
الساحر يُظهر للناس أمور مخالفة للحق وللواقع ، فحينئذ كان فيه شبه من الكاذب ، ولذلك قارن المؤلف بينهما ، نعم.

آفاق التيسير

أم أبي التراب 11-06-2018 04:18 AM

34-جُنَّةُ طالِبِ العلْمِ :
جُنَّةُ العالِمِ ( لا أَدْرِي ) ويَهْتِكُ حِجابَه الاستنكافُ منها ، وقولُه: يُقالُ .....
وعليه ؛ فإن كان نِصْفُ العلْمِ ( لا أَدْرِي ) ؛ فنِصْفُ الجهْلِ ( يُقالُ ) و( أَظُنُّ )
*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

الشيخ:
نعم صحيح. هذا تتميم لما قبله، أن الإنسان يجب عليه إذا لم يعلم أن يقول: لا أعلم ولا يضره هذا، بل يزيده ثقة بقوله.
وأما قوله :«نصف الجهل أظن أو يقال » هذا صحيح. بعض العوام تسأله هل هذا حرام أم حلال ؟ يقول أظنه حرام. هذا عامي، يقول أظنه حرام. أو يقولون: إنه حرام، بدل يقال ، هذا أيضا نصف الجهل في الواقع، ولكن هل أثق بقول العامي أظن كذا؟! لا يجوز، ولهذا كم من أناس أفتاهم العوام بفتاوي خاطئة ولا سيما في أيام الحج. سبحان الله العظيم أيام الحج يكثر العلماء تجد كل عمود خيمة تحته عالمان كل واحد منهما يفتي ، حتى إنه قيل لي: إن أحد الناس قال: إن الذي يطوف في السطح أو في الدور الثاني يكفيه عن سبعة أشواط ثلاثة أشواط ونصف . لماذا؟ لاتساع الدائرة ، وكأنه قاس الأشواط بالخطوات، وعلى قياس قوله أن الذي يطوف في أطراف الصحن يكفيه كم؟ خمسة ، لأنه ليس كالذي عند الكعبة ن لأن عند الكعبة أقل، إلا أن يقال: مشقة هذا الذي عند الكعبة، تقابل كثرة خطوات هذا فيمتنع القياس ، على كل حال أنا أقول: إنه لا يجوز الاعتماد على فتوى العامي أبداً، لا تستفتي إلا إنسانا تثق في علمه وأمانته.

آفاق التيسير
*شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري

القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
34- جُنَّةُ طالِبِ العلْمِ :
جُنَّةُ العالِمِ ( لا أَدْرِي ) ويَهْتِكُ حِجابَه الاستنكافُ منها ، وقولُه : يُقالُ .....
وعليه ؛ فإن كان نِصْفُ العلْمِ ( لا أَدْرِي ) ؛ فنِصْفُ الجهْلِ ( يُقالُ ) و( أَظُنُّ ) .
الشيخ :
جُنة طالب العلم ، هذا هو الأدب الرابع والثلاثون ، والجُنّة : الوقاية.
إذا كان على بدنك حديد يحميك في المعارك يسمونها واقية الرصاص ، هذا الجُنّة مثل واقية الرصاص.
ما هي التي تقي طالب العلم من الشرور ، كلمة (لا أدري) ، فإذا سئل عن مسألة وهو لا يعرفها قال : (لا أدري)
كان الأئمة يحرصون على هذا ، قال قائلهم : من أخطأ (لا أدري) أصيبت مقاتله ، كأنه أصيب في المحل الذي يموت منه غالباً.
سئل الإمام مالك : عن ست وثلاثين مسألة ، فقال في ثنتين وثلاثين منها : لا أدري ، وأجاب في أربع.
قيل للإمام مالك في مسألة ، فقال : لا أدري ، قال : أتيت إليك من مصر ، وقد سأل أهلها عن هذه المسألة ، قال : أخبر من وراءك أنّ مالكاً لا يدري ، هل أنقص من درجة الإمام مالك ، هل قلل من قيمته وإمامته ، لا والله ، بل زاده إمامة و رفعة .
ومن هنا لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عن وقت الساعة قال :" ما المسئول .." يعني لا أعلم.

- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سلوني فهابوه أن يسألوه . فجاء رجل فجلس عند ركبتيه . فقال : يا رسول الله ! ما الإسلام ؟ قال " لا تشرك بالله شيئا . وتقيم الصلاة . وتؤتى الزكاة . وتصوم رمضان " قال : صدقت . قال : يا رسول الله ! ما الإيمان ؟ قال " أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتابه ، ولقائه ، ورسله ، وتؤمن بالبعث ، وتؤمن بالقدر كله " قال : صدقت . قال : يا رسول الله ! ما لإحسان ؟ قال " أن تخشى الله كأنك تراه . فإنك إن لا تكن تراه فإنه يراك " قال صدقت . قال : يا رسول الله ! متى تقوم الساعة ؟ قال " ما المسئول عنها بأعلم من السائل . وسأحدثك عن أشراطها . إذا رأيت المرأة تلد ربها فذاك من أشراطها . وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها . وإذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان فذاك من أشراطها . في خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله . ثم قرأ :" إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }سورة لقمان ، آية 34 ] قال ثم قام الرجل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ردوه على " فالتمس فلم يجدوه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذا جبريل أراد أن تعلموا . إذا لم تسألوا " الراوي : أبو هريرة المحدث : مسلم المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 10 خلاصة حكم المحدث : صحيحالدرر السنية


فإذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسأل المسألة ما يجيب ، ينتظر الوحي ، فإذا كان من كان كذلك يَتوقف في الجواب عن مسائل ، فكيف بنا نحن.
ومن هنا ؛ ما يستحي الواحد منا أن يقول : لا أدري ، ومثله الجملة الأخرى التي تماثلها : هذه المسألة تحتاج إلى بحث ولم أبحثها ، تحتاج إلى تقليب نظر.
إذا استنكف الإنسان عن هذه الكلمة ، بمعنى أنه تركها تكبراً عليها وظناً أنها من أسباب التنقص ، فحينئذٍ وقع في الجهل ، وخُشي عليه ممن يقول على الله بلا علم ، نعم.
آفاق التيسير

أم أبي التراب 11-06-2018 04:19 AM

35- المحافَظَةُ على رأسِ مالِك ( ساعاتِ عُمُرِك) :

الوقتَ الوقتَ للتحصيلِ ، فكن حِلْفَ عمَلٍ لا حِلْفَ بَطالةٍ وبَطَرٍ ، وحِلْسَ مَعْمَلٍ لا حِلْسَ تَلَهٍّ وسَمَرٍ ، فالْحِفْظُ على الوَقْتِ ؛ بالجِدِّ والاجتهادِ ومُلازَمَةِ الطلبِّ ، ومُثافَنَةِ الأشياخِ ، والاشتغالِ بالعلْمِ قراءةً وإقراءً ومطالَعَةً وتَدَبُّرًا وحِفْظًا وبَحْثًا ، لا سِيَّمَا في أوقاتِ شرْخِ الشبابِ ، ومُقْتَبَلِ العُمْرِ ، ومَعْدِنِ العافيةِ ، فاغْتَنِمْ هذه الفرصةَ الغاليةَ ، لتنالَ رُتَبَ العلْمِ العاليةَ ؛ فإنها ( وقتُ جَمْعِ القلبِ ، واجتماعِ الفِكْرِ ) ؛ لقِلَّةِ الشواغِلِ والصوارِفِ عن التزاماتِ الحياةِ والتَّرَؤُّسِ ، ولِخِفَّةِ الظَّهْرِ والعِيالِ :

ما للمُعيلِ وللعوالِي إنمـايَسْعَى إليهنَّ الفريدُ الفارِدُ

*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

الشيخ:
ولهذا قال عمر رضي الله عنه :«تفقهوا قبل أن تسودوا»

إياك والتذرع بكثرة الأشغال عن تحصيل العلم ، فقد قال عمرـ رضي الله عنه ـ :(تفقهوا قبل أن تسودوا )،[رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به] ؛ وقال ـ أي البخاري ـ : وبعد أن تسودوا فقد تعلم أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كبر سنهم..هنا
- قالَ عمرُ: تفقَّهوا قبلَ أن تُسَوَّدوا"

الراوي : - المحدث : ابن حجر العسقلاني-المصدر : فتح الباري لابن حجر الصفحة أو الرقم: 1/199 خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح- الدرر السنية

وفي لفظ «تسودوا» لأن الإنسان إذا ساد كثرت المشاكل، وكثرت أفكاره وتفرقت وتمزقت عزائمه، فبينما يعزم على شيء إذا بحاجة نزلت به أشد إلحاحا مما عزم عليه... فيتفرق. ولذلك اجتهد ما دمت في زمن الإمهال وانتبح، واعمل، وابحث، واجعل بطون الكتب هي مرئياتك حتى تعتاد على هذا، واعلم أنك إذا اعتدت على هذا- يعني على الجد والاجتهاد- صار طبيعة لك بحيث لو أنك إذا كسلت يوما من الأيام في الرحلة فإنك تستنكر هذا وتجد الفراغ.

وليكن بحثك مركزا، بحيث لا تقطف من كل زهرة جزءا، اجعل بحثك مركزا الأهم فالأهم، حتى يكون لك ملكة تستطيع أن تخرج المسائل على القواعد والفروع على الأصول.
ما للمعيل وللعوالي إنما = يسعى إليهن الفريد الفارد
المعيل: كثير العيال. والعوالي: جمع عالية- يعني المنازل العالية فإذا كثرت العيال وكثرت المشاغل ألهتك لأن الإنسان بشر، والطاقة محدودة، فما دمت متفرغا فلتكن متفردا. ولا تظن أن المؤلف يريد بهذا ألا تطلب العيال والنكاح، بل إن النكاح قد يكون من أسباب الراحة إذا وفق الإنسان فيه ويسرت له امرأة صالحة.

*وإيَّاك وتأميرَ التسويفِ على نفسِك ؛ فلا تُسَوِّفْ لنفسِكَ بعدَ الفراغِ من كذا ؛ وبعدَ ( التقاعُدِ ) من العَمَلِ هذا ... وهكذا ، بل البِدارَ قبلَ أن يَصْدُقَ عليك قولُ أبي الطَّحَّانِ القَيْنيِّ :

حَنَتْنِي حانياتُ الدهْـرِ حَتَّـى كأني خَاتِـلٌ أَدْنُـو لصَيْـدٍ
قصيرُ الْخَطْوِ يَحْسَبُ مَن رآنِيولسْتُ مُقَيَّـدًا أنِّـي بِقَيْـدِ
خاتل أدنو لصيد: الرجل يكسر ظهره كأنه راكب يمشي ببطء على الأرض يخشى أن الطير يحس به فيطير.
«ولست مقيدا أني بقيد» وهذا صحيح، لأن الله عز وجل قال في كتابه "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ "(سورة الروم:54).
والإنسان في حالة شبابه يظن أنه لن يتعب ولن يسأم ولن يمل، لكن إذا كبر فكما قال عن زكريا :قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً "سورة مريم:4. لا بد أن يتعب، لا بد أن يمل، فكون الإنسان ينتهز الفرصة هذا أمر لا بد منه.
*وقال أُسامةُ بنُ مُنْقِذٍ :
مع الثمانينَ عاثَ الضعْفُ في جَسَدِي وساءني ضَعْفُ رِجْلِي واضطرابُ يَدِي
إذا كَتَبْتُ فخَطِّي خـطُّ مُضْطَـرِبٍ كخـطِّ مُرْتَعِـشِ الكَفَّيْـنِ مُرْتَعِـدِ
فاعْجَبْ لضَعْفِ يَدِي عن حَمْلِها قَلَمًامن بعدِ حَمْلِ الْقَنَا في لَبَّـةِ الأسَـدِ
فقـلْ لِمَـن يَتَمَنَّـى طُـولَ مُدَّتِـهِ هذي عَواقِبُ طُولِ العُمُرِ والْمُـدَدِ
*فإن أَعْمَلْتَ البِدارَ فهذا شاهدٌ منك على أنك تَحْمِلُ ( كِبَرَ الهمَّةِ في العِلْمِ ) .
هذه كلها أبيات تدل على الحكمة، أن الإنسان مآله إلى هذا. يقول: «مع الثمانين عاث الضعف في جسدي» أي: انتشر وشاع.
لكن المؤمن- والحمد لله- ما دام عقله باقيا وقلبه ثابتا، فإن بلغ هذا المبلغ من العجز البدني، فالقلب حاضر يستطيع أن يشغل وقته بذكر الله عز وجل والتفكير في آياته، لأن هذا لا عجز عن مراده إلا الغفلة، والغفلة شيء مشكل.
على كل حال فالمؤلف- وفقه الله- يدعونا إلى انتهاز الفرصة وألا نضيع الأوقات واعلم أنك إذا اعتدت على تضييع الوقت، عجزت بعد ذلك عن الحرص عليه وعن الانتفاع به، لأنك تكون قد اعتدت على الكسل. فإن قال قائل: أليس لنفسك عليك حقا؟1
1
- آخى النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بين سلمانَ وأبي الدرداءِ، فزار سلمانُ أبا الدرداءِ، فرأى أمَّ الدرداءِ متبذِّلةً، فقال لها : ما شأنُكِ ؟ قالت : أَخُوكَ أبو الدرداءِ ليس له حاجةٌ في الدنيا، فجاء أبو الدرداءِ، فصنع له طعامًا، فقال : كُلْ فإني صائمٌ، قال : ما أنا بآكِلٍ حتى تأكلَ، فأكل، فلما كان الليلُ ذهب أبو الدرداءِ يقومُ، فقال : نَمْ، فنام، ثم ذهب يقومُ، فقال : نَمْ، فلما كان آخِرُ الليلِ، قال سلمانُ : قُمِ الآنَ، قال : فصَلَّيَا، فقال له سلمانُ : إن لربِّكَ عليك حقًّا، ولنفسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا، فأَعْطِ كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه، فأتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فذكر ذلك له، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( صَدَق سلمانُ ) . أبو جُحَيْفَةَ وهبٌ السُّوائيُّ، يقال : وَهْبُ الخيرِ . الراوي : وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة المحدث : البخاري
المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 6139 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
الدرر السنية
فالجواب: بلى، إن لنفسك عليك حقا، ونحن لا نقول إذا تعبت أو مللت استمر. نقول: لا استرح، حتى إن الإنسان الذي يصلي إذا أتاه النعاس مأمور أن يدع الصلاة وينام.
لكن ما دمت نشيطا فاحرص، لأن هناك فرقا بين العجز والكسل. الكسل ضعف في الإرادة، والعجز ضعف في البدن، وضعف البدن لا حيلة فيه. لكن الإرادة هي التي يستطيع الإنسان يعود نفسه على الهمة العالية كي يستغل.
آفاق التسير

القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
35- المحافَظَةُ على رأسِ مالِك ( ساعاتِ عُمُرِك) :
الوقتَ الوقتَ للتحصيلِ ، فكن حِلْفَ عمَلٍ لا حِلْفَ بَطالةٍ وبَطَرٍ ، وحِلْسَ مَعْمَلٍ لا حِلْسَ تَلَهٍّ وسَمَرٍ ، فالْحِفْظُ على الوَقْتِ ؛ بالجِدِّ والاجتهادِ ومُلازَمَةِ الطلبِّ ، ومُثافَنَةِ الأشياخِ ،والاشتغالِ بالعلْمِ قراءةً وإقراءً ومطالَعَةً وتَدَبُّرًا وحِفْظًا وبَحْثًا ، لاسِيَّمَا في أوقاتِ شرْخِ الشبابِ ، ومُقْتَبَلِ العُمْرِ ، ومَعْدِنِ العافيةِ ، فاغْتَنِمْ هذه الفرصةَ الغاليةَ ، لتنالَ رُتَبَ العلْمِ العاليةَ ؛ فإنها ( وقتُ جَمْعِ القلبِ ، واجتماعِ الفِكْرِ ) ؛ لقِلَّةِ الشواغِلِ والصوارِفِ عن التزاماتِ الحياةِ والتَّرَؤُّسِ ، ولِخِفَّةِ الظَّهْرِ والعِيالِ :
مـا للمُعيـلِ وللعوالِـي إنـمـا يَسْعَى إليهنَّ الفريدُ الفارِدُ
وإيَّاك وتأميرَ التسويفِ على نفسِك ؛ فلا تُسَوِّفْ لنفسِكَ بعدَ الفراغِ من كذا ؛ وبعدَ ( التقاعُدِ ) من العَمَلِ هذا ... وهكذا ، بل البِدارَ قبلَ أن يَصْدُقَ عليك قولُ أبي الطَّحَّانِ القَيْنيِّ :
حَنَـتْـنِـي حـانـيـاتُ الـدهْــرِ حَـتَّــى كـــأنـــي خَـــاتِـــلٌ أَدْنُـــــــو لــصَــيْـــدٍ
قصيرُ الْخَطْوِ يَحْسَبُ مَن رآنِي ولـــسْــــتُ مُــقَــيَّـــدًا أنِّـــــــي بِــقَــيْـــدِ
وقال أُسامةُ بنُ مُنْقِذٍ :
مع الثمانينَ عاثَ الضعْفُ في جَسَدِي وساءني ضَعْفُ رِجْلِي واضطرابُ يَـدِي
إذا كَـتَـبْــتُ فـخَــطِّــي خـــــطُّ مُـضْــطَــرِبٍ كــــخــــطِّ مُــرْتَـــعِـــشِ الــكَــفَّــيْــنِ مُـــرْتَـــعِـــدِ
فاعْجَبْ لضَعْفِ يَدِي عن حَمْلِها قَلَمًا مــن بـعـدِ حَـمْـلِ الْـقَـنَـا فـــي لَـبَّــةِ الأسَـــدِ
فـــقــــلْ لِـــمَــــن يَـتَــمَــنَّــى طُــــــــولَ مُــــدَّتِــــهِ هـــذي عَــواقِــبُ طُــــولِ الـعُـمُــرِ والْــمُــدَدِ
فإن أَعْمَلْتَ البِدارَ فهذا شاهدٌ منك على أنك تَحْمِلُ ( كِبَرَ الهمَّةِ في العِلْمِ) .
الشيخ :
الله جل وعلا خلقنا من أجل غاية وهي عبادته جل وعلا كما في قوله :{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ومن أعلى درجات العبادة ، طلب العلم.
ومن هنا فاستعمل حياتك فيما خلقت له ، واستعمل جميع وقتك للهدف والغاية التي خلقت من أجلها ، ثم إنك ستَرِد على رب العزة والجلال ، وسيسألك عن كل أعمالك وجميع أوقاتك ، ماذا علمت بها فحينئذ استعمل هذا الوقت فيما إذا أَخْبرت عنه عند الله كان سباباً لنجاحك وفلاحك.

- لاَ تزولُ قدَمُ ابنِ آدمَ يومَ القيامةِ من عندِ ربِّهِ حتَّى يسألَ عن خمسٍ : عن عمرِهِ فيمَ أفناهُ ، وعن شبابِهِ فيما أبلاَهُ ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ ، وماذا عملَ فيما علِمَ

الراوي : عبدالله بن مسعود المحدث : الألباني
المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 2416 خلاصة حكم المحدث : صحيح
الدرر السنية
ومن ثَمّ يترك الإنسان تضييع الأوقات فيما لا يفيد ، كان بعض الأئمة يحرص على استعمال وقته فيما يفيد ، ولا يترك منه شيئاً حتى أنّ المجد بن تيمية ، جد شيخ الإسلام كان يُقرأ عليه العلم عند قضائه للحاجة ، لا يريد أن يفوت وقتاً ، وبعضهم كان إذا جاءه الأضياف يحرص أن يشتغل ببري القلم عند أضيافه لئلا يضيع شيء من وقته ، والشواهد في هذا كثيرة ، ومن هنا فاحفظ عمرك.
قال : ( كن حلف عمل لا حلف بطالة وبطر) الحلف : وهو العقد الذي يعقده الإنسان ، فاعقد نفسك مع الأعمال ، حتى تنتج وتثمر ، ولا تكون مع البطالة وهي ترك العمل ، والبطر الذي هو تضييع الوقت وجحد هذه النعمة.
وحينئذ تكون(حلس معمل) الحلس هو المرابط.
لا تكن (حلس ثلة أو تلّهٍ وسمر) فالتلّهي ابتعد عنه ، والسمر الذي لا يفيدك : ابتعد عنه.
(فالحفظ على الوقت يكون بالجد والاجتهاد وملازمة الطلب ومثافنة الأشياخ) بملازمتهم حتى تكون قريباً منهم.
(والاشتغال بالعلم قراءة) يقرأ لنفسه (وإقراءًا) يقرأ لغيره ، أو يُقرأ عليه.
(ومطالعة وتدبراً –فهماً- وحفظاً وبحثاً ، وخصوصاً في أوقات شرخ الشباب) ووقت الشباب أدعى بأن تحفظه.
(ومقتبل العمر) وبذلك إذا اغتنمت الوقت حَصَلت على رتب العلم العالية ، فإنّ وقت الشباب هو وقت اجتماع القلب ، ما عندك مشغلات كثيرة تشغل قلبك ، تجعلك تنسى.
( ووقت الشباب هو وقت اجتماع الفكر لقلة الشواغل والصوارف) ماعنده عيال ولا عنده حوائج يُرسل فيها.
ولا يهتم بقضايا العامة أوالخاصة ، ومن ثَمّ اجتنب التسويف : بعدين ، شغلي بسويه بكره ، لا ، ابدأ ، بادر ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "بادروا بالأعمال ، هل تنتظرون إلا مرضاً مفسداً ، أو كبراً مفنّداً ، ...." إلى آخر ما ذكر من السبع التي وردت في الحديث.

- أنه سمعَ عبدَ اللهِ بن عمروٍ رضي الله عنهما بلغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أني أسرُدُ الصومَ وأصلي الليلَ ، فإما أرسلَ إليَّ وإما لقِيتُه ، فقال: ألم أُخْبَرْ أنك تصومُ ولا تُفطرُ ، وتصلِّي ولا تنامُ ؟ فصمْ وأَفطرْ ، وقمْ ونمْ ، فإن لعيْنِك عليك حظًّا ، وإن لنفسِك وأهلِك عليك حظًّا قال : إني لأقوَى لذلك ، قال : فصمْ صيامَ داودَ عليه السلام قال: وكيف ؟ قال: كان يصومُ يومًا ويُفطرُ يومًا ، ولا يفرُّ إذا لاقَى . قال : من لي بهذه يا نبيَّ اللهِ ؟ قال عطاءٌ : لا أدري كيف ذكرَ صيامَ الأبدِ؟ ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : لا صامَ من صامَ الأبدِ مرتين .

الراوي : عبدالله بن عمرو المحدث : البخاري
المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1977 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
الدرر السنية
بادروا بالأعمالِ ستًّا طلوعُ الشمسِ من مغربِها أو الدُّخانُ أو الدجالُ أو الدابةُ أو خاصةُ أحدِكم أو أمرُ العامةِ

الراوي : أبو هريرة المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2947 خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية


- بادِرُوا بِالأعمالِ سبعًا ، هل تَنظُرُونَ إلَّا فَقرًا مُنْسِيًا ، أو غِنًى مُطْغِيًا ، أو مَرَضًا مُفسِدًا ، أو هَرَمًا مُفَنِّدًا ، أو مَوتًا مُجْهِزًا ، أو الدَّجالُ ، فشَرُّ غائِبٍ يَنتَظِرُ ، أو الساعةُ ، فالساعةُ أدْهَى وأمَرَّ

الراوي : أبو هريرة المحدث :الألباني-المصدر : ضعيف الترغيب-الصفحة أو الرقم: 1957 خلاصة حكم المحدث : ضعيف جداً الدرر السنية

إذا بادر الإنسان على أعمال الطاعة ، ومنها طلب العلم فهذا شاهد وجود كبر الهمة لديه.
آفاق التسير

أم أبي التراب 11-06-2018 04:20 AM

36-إجمامُ النفْسِ :
خُذْ من وَقْتِك سُويعاتٍ تُجِمُّ بها نفسَك في رِياضِ العِلْمِ من كُتُبِ المحاضراتِ ( الثقافةِ العامَّةِ ) ؛ فإنَّ القلوبَ يُرَوَّحُ عنها ساعةً فساعةً .
وفي المأثورِ عن أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنه قالَ : ( أَجِمُّوا هذه القلوبَ ، وابْتَغُوا لها طرائفَ الْحِكمةِ ، فإنها تَمَلُّ كما تَمَلُّ الأبدانُ ) .
وقالُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى في حِكْمَةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ في مُطْلَقِ الأوقاتِ :( بل في النهيِ عنه بعضَ الأوقاتِ مصالِحُ أُخَرُ من إِجمامِ النفوسِ بعضَ الأوقاتِ ، من ثِقَلِ العِبادةِ ؛ كما يُجَمُّ بالنوْمِ وغيرِه ، ولهذا قالَ مُعاذٌ : إني لأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي ، كما أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي ...
وقالَ : ( بل قد قيلَ : إنَّ من جُملةِ حِكمةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ المطلَقِ في بعضِ الأوقاتِ : إجمامَ النفوسِ في وَقْتِ النهيِ لتَنْشَطَ للصلاةِ ؛ فإنها تَنْبَسِطُ إلى ما كانت مَمنوعةً منه ، وتَنْشَطُ للصلاةِ بعدَ الراحةِ . واللهُ أَعْلَمُ ) اهـ .

*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
الشيخ:
وهنا يجب أن نعلم أن إجمام النفس وإعطاءها شيئا من الراحة حتى تنشط في المستقبل وحتى تستريح بعض الراحة مما سبق أن هذا من الأمور الشرعية التي دل عليها قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (إن لنفسك عليك حقا ولربك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولزوجك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه).

- آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وبين أبي الدرداء ، فزار سلمان أبا الدرداء ، فرأى أم الدرداء متبذلة ، فقال : ما شأنك متبذلة ؟ ! قالت : إن أخاك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا ، قال : فلما جاء أبو الدرداء ، قرب إليه طعاما ، فقال : كل ، فإني صائم ، قال : ما أنا بآكل حتى تأكل ، قال : فأكل ، فلما كان الليل ، ذهب أبو الدرداء ليقوم ، فقال له سلمان : نم ، فنام ، ثم ذهب يقوم ، فقال له : نم ، فنام ، فلما كان عند الصبح ، قال له سلمان : قم الآن ، فقاما فصليا ، فقال : إن لنفسك عليك حقا ، ولربك عليك حقا ، ولضيفيك عليك حقا ، وإن لأهلك عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه ، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرا ذلك ؟ فقال له : صدق سلمان

الراوي : وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة المحدث : الألباني
المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 2413 خلاصة حكم المحدث : صحيح
الدرر السنية
- أنه سمعَ عبدَ اللهِ بن عمروٍ رضي الله عنهما بلغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أني أسرُدُ الصومَ وأصلي الليلَ ، فإما أرسلَ إليَّ وإما لقِيتُه ، فقال: ألم أُخْبَرْ أنك تصومُ ولا تُفطرُ ، وتصلِّي ولا تنامُ ؟ فصمْ وأَفطرْ ، وقمْ ونمْ ، فإن لعيْنِك عليك حظًّا ، وإن لنفسِك وأهلِك عليك حظًّا قال : إني لأقوَى لذلك ، قال : فصمْ صيامَ داودَ عليه السلام قال: وكيف ؟ قال: كان يصومُ يومًا ويُفطرُ يومًا ، ولا يفرُّ إذا لاقَى . قال : من لي بهذه يا نبيَّ اللهِ ؟ قال عطاءٌ : لا أدري كيف ذكرَ صيامَ الأبدِ؟ ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : لا صامَ من صامَ الأبدِ مرتين .
الراوي : عبدالله بن عمرو المحدث : البخاري
المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1977 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]. الدرر السنية
وهذا الحديث هو الميزان الحقيقي الذي تطمئن إليه النفس لا ما روي عن عمر ولا عن علي وغيرهما، فلو أن المؤلف استدل بهذا الحديث لكان أبين وأظهر، والنفس إذا جعلتها دائما في جد لا بد أن تمل وتسأم، وأما ما قيل: إن من جملة حكمة النهي عن التطوع المطلق في بعض الأوقات. فهذا من جملة الحكمة، وليس هو الحكمة، بل الحكمة الحقيقية ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام: أن الشمس إذا طلعت فإنها تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار وكذلك إذا غربت يسجدون لها. فهم يسجدون لها استقبالا، ويسجدون لها وداعا.

أما وقت الزوال فإن الحكمة فيه: أنه الوقت التي تسجر فيه جهنم فيلحق النفس من التعب في الحر لا سيما في أيام الصيف ما ينهى أن يصلي الإنسان فيه. وليس هذا القيل الذي قيل معارضا للحديث لكنه من جملة الحكمة، والله أعلم.
القارئ:
ولهذا كانت العُطَلُ الأسبوعيَّةُ للطُّلَّابِ مُنتشِرَةً منذُ أَمَدٍ بعيدٍ ، وكان الأَغْلَبُ فيها يومَ الْجُمعةِ وعَصْرَ الخميسِ ، وعندَ بعضِهم يومَ الثلاثاءِ ويومَ الاثنينِ ، وفي عِيدَي الفطْرِ والأَضْحَى من يومٍ إلى ثلاثةِ أيَّامٍ وهكذا .
الشيخ:
صحيح... العطل الأسبوعية منتشرة منذ زمن، لكن بعضهم يقتصر على الجمعة فقط، وبعضهم يضيف إلى الجمعة يوم الخميس، وبعضهم يجعل الجمعة ونصف الأسبوع، وكان شيخنا عبد الرحمن بن سعدي –رحمه الله- يفعل هذا، يكون العطلة يوم الجمعة، ويوم الثلاثاء الذي هو وسط الأسبوع لأجل ألا يتوالى يومان كلاهما عطلة، ولئلا يمل الإنسان، وهذا يرجع على كل حال إلى أحوال الناس والأحوال تختلف، فيجعل من العطل ما يناسب.

القارئ:
ونَجِدُ ذلك في كُتُبِ آدابِ التعليمِ ، وفي السِّيَرِ ، ومنه على سبيلِ الْمِثالِ : ( آدابُ المعَلِّمِينَ ) لسُحْنونٍ ( ص 104 ) ، ( والرسالةُ الْمُفَصَّلَةُ ) للقابسيِّ ، ( والشقائقُ النُّعْمانيَّةُ ) وعنه في : ( أَبْجَدِ العلومِ ) ، وكتابِ ( أَلَيْسَ الصبْحُ بقريبٍ ) للطاهرِ ابنِ عاشورٍ ، ( وفتاوَى رَشيد رِضَا ) و( مُعْجَمِ البِلدانِ ) و ( فتاوى شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ ) .
آفاق التيسير
*شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري:
القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
36- إجمامُ النفْسِ :
خُذْمن وَقْتِك سُويعاتٍ تُجِمُّ بها نفسَك في رِياضِ العِلْمِ من كُتُبِ المحاضراتِ ( الثقافةِ العامَّةِ ) ؛ فإنَّ القلوبَ يُرَوَّحُ عنها ساعةً فساعةً .
وفي المأثورِ عن أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنه قالَ : ( أَجِمُّوا هذه القلوبَ ، وابْتَغُوا لها طرائفَ الْحِكمةِ ، فإنها تَمَلُّ كما تَمَلُّ الأبدانُ ) .
وقالُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى في حِكْمَةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ في مُطْلَقِ الأوقاتِ : ( بل في النهيِ عنه بعضَ الأوقاتِ مصالِحُ أُخَرُ من إِجمامِ النفوسِ بعضَ الأوقاتِ ، من ثِقَلِ العِبادةِ ؛ كما يُجَمُّ بالنوْمِ وغيرِه ، ولهذا قالَ مُعاذٌ : إني لأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي ، كما أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي ... )
وقالَ : ( بل قد قيلَ : إنَّ من جُملةِ حِكمةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ المطلَقِ في بعضِ الأوقاتِ : إجمامَ النفوسِ في وَقْتِ النهيِ لتَنْشَطَ للصلاةِ ؛ فإنها تَنْبَسِطُ إلى ما كانت مَمنوعةً منه ، وتَنْشَطُ للصلاةِ بعدَ الراحةِ . واللهُ أَعْلَمُ ) اهـ .
ولهذاكانت العُطَلُ الأسبوعيَّةُ للطُّلَّابِ مُنتشِرَةً منذُ أَمَدٍ بعيدٍ ، وكان الأَغْلَبُ فيها يومَ الْجُمعةِ وعَصْرَ الخميسِ ، وعندَ بعضِهم يومَ الثلاثاءِ ويومَ الاثنينِ، وفي عِيدَي الفطْرِ والأَضْحَى من يومٍ إلى ثلاثةِ أيَّامٍ وهكذا .
ونَجِدُ ذلك فيكُتُبِ آدابِ التعليمِ ، وفي السِّيَرِ ، ومنه على سبيلِ الْمِثالِ : ( آدابُ المعَلِّمِينَ ) لسُحْنونٍ ( ص 104 ) ، ( والرسالةُ الْمُفَصَّلَةُ ) للقابسيِّ ( ص135-137 ) ، ( والشقائقُ النُّعْمانيَّةُ ) ( ص20) وعنه في : ( أَبْجَدِ العلومِ ) ( 1/195-196 ) ، وكتابِ ( أَلَيْسَ الصبْحُ بقريبٍ ) للطاهرِ ابنِ عاشورٍ ، ( وفتاوَى رَشيد رِضَا ) (1212) و( مُعْجَمِ البِلدانِ ) ( 3/102) و ( فتاوى شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ ) ( 25/318-320، 329)
الشيخ :
هذا هو الأدب السادس والثلاثون من آداب طالب العلم : إجمام النفس ، بحيث لا يحملها على شيء في جميع الأوقات فتملّ منه ، وكذلك لا يُذهب نفسه تعبا يجعلها تصبح لا تميّز العلوم ، من جعل نومه قليلا ، أقل مما تحتاجه إليه نفسه ضعفت نفسه ، ولم يستطع التركيز والفهم ، وهكذا من لم يطعم الطعام الذي يغذيه فإنّ نفسه تضعف ، وبالتالي يكلّ ولا يتمكن من الفهم ومن مواصلة التعلم.
وشاهد هذا كثير في النصوص الشرعية ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى"
ضعيف المنبت الذي يركب ناقته ويسير بها ويواصل بدون أن يرتاح.
- إِنَّ هذا الدينَ متينٌ ، فأوْغِلْ فيه برِفْقٍ ، فإِنَّ الْمُنبَتَّ لا أرضًا قطعَ ، ولَا ظهْرًا أبْقَى

الراوي : جابر بن عبدالله المحدث : الألباني-المصدر : ضعيف الجامع- الصفحة أو الرقم: 2022 خلاصة حكم المحدث : ضعيف
الدرر السنية
فحينئذ يُتعب ناقته فتعجز في نصف الطريق ، فيكون لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ، وجاء في الحديث : حديث النفر الثلاثة الذين قال قائلهم : أصوم ولا أفطر ، وقال الآخر: أقوم ولا أنام ، وقال الثالث : لا أتزوج النساء ، فعتب عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال : "إني أخشاكم لله وأتقاكم له ، أما أني أقوم وأنام ، وأصوم ، وأفطر ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني"

- جاء ثلاثُ رهطٍ إلى بُيوتِ أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، يَسأَلونَ عن عبادةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فلما أُخبِروا كأنهم تَقالُّوها ، فقالوا : أين نحن منَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ قد غفَر اللهُ له ما تقدَّم من ذَنْبِه وما تأخَّر ، قال أحدُهم : أما أنا فإني أُصلِّي الليلَ أبدًا ، وقال آخَرُ : أنا أصومُ الدهرَ ولا أُفطِرُ ، وقال آخَرُ : أنا أعتزِلُ النساءَ فلا أتزوَّجُ أبدًا ، فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : ( أنتمُ الذين قلتُم كذا وكذا ؟ أما واللهِ إني لأخشاكم للهِ وأتقاكم له ، لكني أصومُ وأُفطِرُ ، وأُصلِّي وأرقُدُ ، وأتزوَّجُ النساءَ ، فمَن رغِب عن سُنَّتي فليس مني .الراوي : أنس بن مالك المحدث :البخاري-المصدر :صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 5063 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]الدرر السنية


وشاهدوا هذا أيضا في منع المكلّف من العبادة في بعض الأوقات من أجل أن لا يتعب نفسه ، وانظر إلى حديث عبدالله بن عمرو لما كان يصوم ولا يُفطر ، وكان يقوم حتى أثّر ذلك على نفسه ، فجاء أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن عبادته ، ثم بعد ذلك أرشده إلى ترك مواصلة العبادة ، بحيث يجعل وقتا للراحة ، ولا يشق على نفسه.
وانظر في حديث تلك المرأة التي كانت تضع حبلا في المسجد صفيّة ، حتى إذا تعبت استندت إلى الحبل ، فقال صلى الله عليه وسلم : "حلّوه –فكوا الحبل- ليصلّي أحدكم نشاطه ، فإذا فتر فليرقد ، فلعلّه يذهب يسأل ربه فيسب نفسه"

دخلَ المسجدَ فرأى حبلًا ممدودًا بينَ ساريتينِ فقالَ ما هذا الحبلُ قالوا لزينبَ تصلِّي فيهِ فإذا فترت تعلَّقت بِه فقالَ "حلُّوهُ حلُّوهُ ليصلِّ أحدُكم نشاطَه فإذا فترَ فليقعُدْ"
الراوي : أنس بن مالك المحدث : الألباني
المصدر : صحيح ابن ماجه الصفحة أو الرقم: 1137 خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية
حتى عاد ما ميّز في الكلام ، هكذا في طلب العلم ، يصبح ما عاد يميّز.

- أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: إذا نَعَسَ أحدُكم وهو يصلي فلْيرقُدْ ، حتى يذهبَ عنه النومُ ، فإن أحدَكم إذا صلى وهو ناعِسٌ ، لا يدري لعلَّه يَستغفِرُ فيسُبَّ نفسَه .

الراوي :عائشة أم المؤمنين المحدث : البخاري-المصدر :صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 212 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
الدرر السنية
ومن ذلك المفاوتة بين الفنون ، لو استمريت على فن واحد يمكن تمل نفسك منه ، فتنتقل من علم إلى علم ، كداخل البستان ، مرة يأكل عنبا ، ومرة يأكل رمانا ، ومرة يأكل تينا ، ومرة يأكل من غيره ، فيلتذّ ذلك ، أما لو أكل من صنف واحد فسيملّ منه.
ومن وسائل ذلك ، إعطاء النفس راحتها ، والقيام على النفس بشئونها ، سواء في نظافة الإنسان أو في مأكله أو في مشربه ، أو نحو ذلك.
وكذلك النظر في بعض النكت والطرائف ، النكت : هي الأمور الغريبة ، حتى تنشط نفسك ، والطرائف : هي التي تتحرّك لها النفس وتطرب ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما جاء منه المزاح.
(قال علي : أجمّوا هذه القلوب ، وابتغوا لها طرائف الحكمة ، فإنها تملّ) ومن هذا حرص أهل العلم على جعل إجازة وعطلة في الدراسة ، نعم.


آفاق التيسير

أم أبي التراب 11-06-2018 04:21 AM

الأمر السابع والثلاثون
قراءةُ التصحيحِ والضبْطِ :

احْرِصْ على قِراءةِ التصحيحِ والضبْطِ على شيخٍ مُتْقِنٍ؛ لتأْمَنَ من التحريفِ والتصحيفِ والغلَطِ والوَهْمِ . وإذا اسْتَقْرَأْتَ تَراجمَ العُلماءِ – وبخاصَّةٍ الْحُفَّاظَ منهم – تَجِدُ عَددًا غيرَ قليلٍ مِمَّنْ جَرَّدَ المطَوَّلَاتِ في مجالِسَ أو أيَّامٍ قراءةَ ضَبْطٍ على شيخٍ مُتْقِنٍ .
الشيخ:
وهذه الفقرة من أهم الفقرات، وهو إتقان العلم وضبطه ومحاولة الرسوخ في القلب، لأن ذلك هو العلم، ولا بد أن يكون على شيخ متقن أما الشيخ المتمشيخ فإياك إياك فقد يضرك ضررا كثيرا والإتقان يكون في كل فن بحسبه، قد نجد رجلا متقنا في الفرائض مثلا غير متقن في أحكام الصلاة، ونجد رجلا متقنا في علوم العربية غير عارف بالعلوم الشرعية وآخر بالعكس، فخذ من كل عالم ما يكون متقنا فيه ما لم يتضمن ذلك ضررا، مثل أن نجد رجلا متقنا في علوم العربية، لكنه منحرف في عقيدته وسلوكه فهذا لا ينبغي أن نجلس إليه لأننا إذا جلسنا إليه اغتر به الآخرون وظنوا أنه على حق، فنحن نطلب العلم من غيره وإن كان أجود الناس في هذا الفن، لكن ما دام منحرفا فلا ينبغي أن نجلس إليه.

القارئ:
فهذا الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى قَرَأَ ( صحيحَ البخاريِّ ) في عشرةِ مجالسَ ، كلُّ مجلِسٍ عشرُ ساعاتٍ .

كم عدد الساعات ؟ ! 100 ساعة .. الله المستعان ، ولكن على كل حال هو قراءة فقط دون شرح وتأمل.
( وصحيحَ مسلِمٍ ) في أربعةِ مجالسَ في نحوِ يومينِ وشيءٍ من بُكْرَةِ النهارِ إلى الظهْرِ وانتهى ذلك في يومِ عَرَفَةَ ،
وانتهى ذلك في يومِ عَرَفَةَ ، وكان يومَ الجمُعَةِ سنةَ 813 هـ ، وقرأَ ( سُنَنَ ابنِ ماجهْ ) في أربعةِ مجالِسَ ، و ( مُعجَمَ الطبرانيِّ الصغيرَ ) في مَجلِسٍ واحدٍ ، بينَ صَلَاتَي الظهْرِ والعَصْرِ .

وشيخُه الفَيروزآباديُّ قَرَأَ في دِمَشْقَ ( صحيحَ مُسْلِمٍ ) على شيخِه ابنِ جَهْبَلَ قِراءةَ ضَبْطٍ في ثلاثةِ أيَّامٍ .
وللخطيبِ البَغدادىِّ والمؤتَمَنِ الساجيِّ ، وابنِ الأبَّارِ وغيرِهم في ذلك عجائبُ وغرائبُ يَطولُ ذِكْرُها، وانْظُرْها في ( السِّيَرِ ) للذهبيِّ و ( طَبقاتِ الشافعيَّةِ ) للسُّبْكيِّ ، و ( الجواهِرِ والدُّرَرِ ) للسَّخَاويِّ ، و( فتْحِ الْمُغيثِ ) و ( شَذَراتِ الذهَبِ ) ، و ( خُلاصةِ الأثَرِ ) ، و ( فِهْرِسِ الفهارِسِ ) للكَتَّانِيِّ ، و ( تاجِ العَروسِ ) .

فلا تَنْسَ حَظَّكَ من هذا .
الشيخ:
الظاهر أن ما لي حظ أبدا في هذا . سبحان الله، والله المستعان.

شرح الشيخ العثمين آفاق التيسير

*شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري :
القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
37- قراءةُ التصحيحِ والضبْطِ :
احْرِصْ على قِراءةِ التصحيحِ والضبْطِ على شيخٍ مُتْقِنٍ ؛ لتأْمَنَ من التحريفِ والتصحيفِ والغلَطِ والوَهْمِ . وإذا اسْتَقْرَأْتَ تَراجمَ العُلماءِ – وبخاصَّةٍ الْحُفَّاظَ منهم – تَجِدُ عَددًا غيرَ قليلٍ مِمَّنْ جَرَّدَ المطَوَّلَاتِ في مجالِسَ أو أيَّامٍ قراءةَ ضَبْطٍ على شيخٍ مُتْقِنٍ .
فهذا الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى قَرَأَ ( صحيحَ البخاريِّ ) في عشرةِ مجالسَ ،كلُّ مجلِسٍ عشرُ ساعاتٍ ، ( وصحيحَ مسلِمٍ ) في أربعةِ مجالسَ في نحوِ يومينِ وشيءٍ من بُكْرَةِ النهارِ إلى الظهْرِ وانتهى ذلك في يومِ عَرَفَةَ ، وكان يومَ الجمُعَةِ سنةَ 813 هـ ، وقرأَ ( سُنَنَ ابنِ ماجهْ ) في أربعةِ مجالِسَ ، و ( مُعجَمَ الطبرانيِّ الصغيرَ ) في مَجلِسٍ واحدٍ ، بينَ صَلَاتَي الظهْرِ والعَصْرِ .
وشيخُه الفَيروزآباديُّ قَرَأَ في دِمَشْقَ ( صحيحَ مُسْلِمٍ ) على شيخِه ابنِ جَهْبَلَ قِراءةَ ضَبْطٍ في ثلاثةِ أيَّامٍ .
وللخطيبِ البَغدادىِّ والمؤتَمَنِ الساجيِّ ، وابنِ الأبَّارِ و غيرِهم في ذلك عجائبُ وغرائبُ يَطولُ ذِكْرُها ، وانْظُرْها في ( السِّيَرِ ) للذهبيِّ 18/277 و 279، 19/310، 21/253 ) و ( طَبقاتِ الشافعيَّةِ ) للسُّبْكيِّ ( 4/30 ) ، و ( الجواهِرِ والدُّرَرِ ) للسَّخَاويِّ ( 1/103-105 ) ، و( فتْحِ الْمُغيثِ ) (2/46) و ( شَذَراتِ الذهَبِ ) ( 8/121و206 ) ، و ( خُلاصةِ الأثَرِ ) ( 1/72-73 ) ، و ( فِهْرِسِ الفهارِسِ ) للكَتَّانِيِّ ، و ( تاجِ العَروسِ ) ( 1/45-46 ) . فلا تَنْسَ حَظَّكَ من هذا .

الشيخ :
هذه من آداب طالب العلم أنه يحرص على قراءة الكتب خصوصا المطوّلات على أشياخه من أجل أن يضبط كيفية نطق الكلمات ويضبط التشكيل ويضبط النحو ، وكذلك يأمن من الغلط ، والوهم ، من إدخال الجملة في جملة أخرى ، ويسأل عما استشكل لديه من مثل هذا.
فكان أهل العلم يفعلون هذا ، وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون في القرآن فيقرأون على النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الله ، وإذا وقع عندهم استشكال جاءوا وقرءوا ، وكم من صحابي قد قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم.
وبواسطة قراءة هذه المطولات في المجالس القليلة والأوقات القليلة يحصل فوائد منها :
تحصيل العلوم والمعارف الكثيرة في الزمن القليل ، ومنها توسيع مدارك الإنسان بحيث يعرف أمورا وأقوالا مخالفة لما يستقر في نفسه ، وبذلك يتمكن من استخراج النوادر والمسائل والفرائد الغريبة ، وبذلك أيضا يتكون عند الإنسان قدرة على معرفة موطن بحث المسائل في كتب أهل العلم ، وكذلك تعرف طرائق التأليف ، وأنواع المؤلفات والمصطلحات التي يستخدمها علماء الشريعة فيها ، وينبغي أن تميّز ما قرأته وتضع علامة بحيث لا يفوتك شيء من المقروء.


أم أبي التراب 11-06-2018 04:22 AM

الأمر الثامن والثلاثون:
جَرْدُ الْمُطَوَّلَاتِ :

القارئ:
الأمر الثامن والثلاثون: جَرْدُ الْمُطَوَّلَاتِ :

الْجَرْدُ للمُطَوَّلاتِ من أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ ؛ لتَعَدُّدِ المعارِفِ ، وتوسيعِ الْمَدَارِكِ واستخراجِ مَكنونِها من الفوائدِ والفرائدِ ، والخبرةِ في مَظَانِّ الأبحاثِ والمسائلِ ، ومَعرِفَةِ طرائقِ الْمُصَنِّفِينَ في تآليفِهم واصطلاحِهم فيها .

وقد كان السالِفون يَكتبون عندَ وُقوفِهم : ( بَلَغَ ) حتى لا يَفوتَه شيءٌ عندَ الْمُعاوَدَةِ ، لا سيَّمَا مع طُولِ الزَّمَنِ .


الشيخ:
هذه فيها نظر – يعني جرد المطولات- قد يكون فيه مصلحة للطالب وقد يكون فيه مضرة، فإذا كان الطالب مبتدئا، فإن جرد المطولات له هلكة، كرجل لا يحسن السباحة يرمي نفسه في البحر.
وإن كان عند الإنسان العلم، ولكنه أراد أن يسرد هذه المطولات من أجل أن يكسب فوق علمه الذي عنده، فهذا قد يكون حسن.
فهذه الفقرة تحتاج إلى تفصيل. لو أن رجلا بدأ بالعلم من الآن ونقول له اذهب راجع المغني وراجع شرح المهذب وراجع الحاوي الكبير... وراجع كذا وعددت له من الكتب الموسعة. هذا معناه أنك أهلكته، رميته في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج. أما الإنسان الذي أعطاه الله علما وأراد أن يتبحر ويتوسع فهنا نقول: عليك بالمطولات، وقد ذكر لي بعض الإخوة أن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين -رحمه الله- أنه لم يتجاوز (الروض المربع) في مراجعاته في الفقه، ومع ذلك كان يطلق عليه مفتي الديار النجدية وله حواش على الروض المربع وهو لم يتجاوزه، لكنه يكرره ويتأمله منطوقا ومفهوما وإماء وإشارة.
أما كتابة «بلغ» فهذا طيب إنك إذا راجعت كتابا فاكتب عند المنتهى «بلغ» لتستفيد فائدتين:
الأولى- ألا تنسى ما قرأت، لأن الإنسان ربما ينسى فلا يدري هل بلغ هذه الصفحة أم لا؟ وربما يفوته بعض الصفحات إذا ظن أنه قد تقدم في المطالعة.
والفائدة الثانية- أن يعلم الآتي بعدك الذي يقرأ هذا الكتاب أنك قد أحصيته وأكملته فيثق به أكثر.
شرح الشيخ العثمين
آفاق التيسير

*شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري :
القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
38-جَرْدُ الْمُطَوَّلَاتِ :
الْجَرْدُ للمُطَوَّلاتِ من أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ ؛ لتَعَدُّدِ المعارِفِ ، وتوسيعِ الْمَدَارِكِ واستخراجِ مَكنونِها من الفوائدِ والفرائدِ ، والخبرةِ في مَظَانِّ الأبحاثِ والمسائلِ ، ومَعرِفَةِ طرائقِ الْمُصَنِّفِينَ في تآليفِهم واصطلاحِهم فيها .
وقدكان السالِفون يَكتبون عندَ وُقوفِهم : ( بَلَغَ ) حتى لا يَفوتَه شيءٌ عندَ الْمُعاوَدَةِ ، لا سيَّمَا مع طُولِ الزَّمَنِ .
الشيخ :
وهذا هو شأن أهل العلم ، والدروس العلمية كانت تُجعل على نوعين :
النوع الأول : دروس جرد المطولات ، يقرأون فيها ولا يتوقفون إلا عند نقطة مشكلة.
والثاني : قراءة المتون ، والمتون للمبتدئين ، ويحرص فيها على التفهيم والإفهام.
وللعلماء طرائق متعددة في التفهيم أول هذه الطرائق :
الطلب من الطلاب أن يبيّنوا فهمهم للكتاب ثم يقوم الشيخ بالتصحيح ، مثال هذا : عندنا درس في زاد المستقنع مثلا ، أتينا بجملة ، أقول : ما معناها يا زيد؟ ما معناها يا عمرو؟ ما معناها يا خالد؟ ثم أصحح ، وأقول : الصواب في الفهم كذا.
وأما فهمك في الفهم الفلاني فهو خطأ ، وسبب خطأه كذا ، فتستقر المعلومات ، وكل جملة يسأل عنها أشخاص مختلفين ، وهذه أحسن الطرق وهي التي تستقرّ في الذهن.
النوع الثاني : نوع المجادلة والمناقشة ، بحيث نقسّم الطلاب إلى فريقين ، وكلما جاءت مسألة نقول : انتخبوا لنا واحدا مغايرا لما أخذتموه في المسائل السابقة ، فيشرح ثم يشرح الثاني ونقارن بينهما ، أو يشرح أحدهما ويصحح له الآخر ، ثم يصحح الشيخ لهما ، وهذه أيضا طريقة جميلة ويستقر بها.
وهاتان الطريقتان لهما أصل في السنة ، كما في حديث ابن عمر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن شجرة صفتها كذا وصفتها كذا ، هذا سؤال ؛ الشيخ هو الذي يسأل ، ويطلب من الطلاب أن يجيبوه.
الطريقة الثالثة : أن يقوم طالبان بالمناظرة ، تُسمّى طريقة المناظرة ، يتناظران في المسألة بحيث هذا يناظر هذا ، وننظر ، هذا يتبنى قولا وهذا يتبنى قولا ، وننظر من يكون معه الغلبة ، ثم يعقّب الشيخ بما يستقيم.
الطريقة الرابعة : طريقة السرد ، مثل طريقتنا هذه ، وهي من أضعف الطرق في إبقاء المعلومات ، ولكنها جيدة ، يحصّل الناس منها شيء ، خصوصا إذا كان هناك كتاب وتسجيل ، وتَنَاقش الطلاب فيها فيما بعد ، فإنها تبقى المعلومة
حينئذ.

آفاق التيسير

أم أبي التراب 11-06-2018 04:23 AM

مجلس 71
39- حُسْنُ السؤالِ :
الْتَزِمْ أَدَبَ الْمُباحَثَةِ ، من حُسْنِ السؤالِ ، فالاستماعِ ، فصِحَّةِ الفَهْمِ للجَوابِ ، وإيَّاكَ إذا حَصَلَ الجوابُ أن تَقولَ : لكنَّ الشيخَ فلانًا قالَ لي كذا ، أو قالَ كذا ، فإنَّ هذا وَهَنٌ في الأَدَبِ ، وضَرْبٌ لأَهْلِ العِلْمِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ هذا .

وإن كنتَ لا بُدَّ فاعلاً ، فكنْ واضحًا في السؤالِ ، وقل ما رأيُك في الفَتْوَى بكذا ، ولا تُسَمِّ أَحَدًا .

من آداب طالب العلم:
أولا- أن يكون عنده حسن سؤال، حسن إلقاء مثل أن يقول: أحسن الله إليك ما تقول في كذا، وإن لم يقل هذه العبارة فليكن قوله رقيقا بأدب.
الثاني- حسن الاستماع، أما أن تقول: يا شيخ أحسن الله إليك ماذا تقول في كذا وكذا.. وانتظر.
الثالث- صحة الفهم للجواب.. وهذا أيضا يفوت بعض الطلبة، تجده إذا سأل وأجيب. يستحيي أن يقول ما فهمت.
بعد هذا يأتي بعض الناس بعدما يستمع للجواب يقول: لكن قال الشيخ الفلاني كذا وكذا.. في وسط الحلقة. هذا من سوء الأدب، معنى هذا إنك لم تقتنع بجوابه، ومعنى هذا إثارة البلبلة بين العلماء.
وإن كان لا بد فيقول: قال قائل... ثم يورد ما قاله الشيخ فلان لأن أحدا لا يفهم إذا قال إن قال قائل أنه أراد بذلك جواب شيخ آخر. لهذا يقول: «لكن إذا كنت لا بد فاعلا فقل ما رأيك في الفتوى بكذا» وهذا أيضا ما هو بحسن.
أحسن منه أن تقول (فإن قال قائل)، لأنك إذا قلت: ما رأيك في الفتوى بكذا- وهي خلاف ما أفتاك به- فيعني إنك تريد أن تعارض فتواه بفتوى آخر، لكن هي أحسن من قولك: قال الشيخ الفلاني كذا.

قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( وقيلَ : إذا جَلَسْتَ إلى عالِمٍ ؛ فسَلْ تَفَقُّهًا لا تَعَنُّتًا ) اهـ .
وقالَ أيضًا : ( وللعلْمِ سِتَّةُ مَراتِبَ ) .
أوَّلُها : حسْنُ السؤالِ .
الثانيةُ : حسْنُ الإنصاتِ والاستماعِ .
الثالثةُ : حسْنُ الْفَهْمِ .
الرابعةُ : الْحِفْظُ .
الخامسةُ : التعليمُ .
السادسةُ : وهي ثَمَرَتُه ؛ العمَلُ به ومُراعاةُ حُدودِه اهـ .
ثم أَخَذَ في بيانِها ببَحْثٍ مُهِمٍّ .
ترتيبها على هذا الوجه لا شك أنه مناسب.
حسن السؤال: إذا دعَت الحاجة إلى حسن السؤال أما إذا لم تدعُ إلى السؤال فلا تلق السؤال، لأنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل إلا إذا احتاج هو إلى السؤال، أو ظن أن غيره يحتاج إلى السؤال قد يكون مثلا هو فاهم الدرس، ولكن فيه مسائل صعبة يحتاج إلى بيانها إلى بقية الطلبة، بل من أجل حاجة غيره.
والسائل من أجل حاجة غيره كالمعلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه جبريل وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها. قال «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم».1
فإذا كان الباعث على السؤال حاجة السائل. فسؤاله واضح أنه وجيه أو حاجة غيره إن سئأل ليعلم غيرَه فهذا أيضا طيب، أما إذا سأل ليقول الناس: ما شاء الله فلان عنده حرص على العلم كثير السؤال، وابن عباس رضي الله عنه يقول: لما سئل بما أدركت العلم؟ قال :«بلسان سؤول وقلب عقول وبدن غير ملول»، فهذا غلط، وعلى عكس من ذلك من يقول: لا أسأل حياء. فالثاني مفرط.
والأول- مفرط، وخير الأمور الوسط.
الثاني- حسن الاتصال الانصات للاستماع.
الثالث- حسن الفهم.
الرابع- الحفظ، وهذا الحفظ ينقسم إلى قسمين: قسم غريزي يهبه الله لمن يشاء، فتجد الإنسان يمر عليه المسألة والبحث فيحفظه ولا ينساه، وقسم آخر كسبي.
بمعنى أن يمرن الإنسان نفسه على الحفظ ويتذكر ما حفظ، فإذا عود نفسه تذكر ما حفظ، سهل عليه الحفظ.
الخامسة- التعليم، والذي أرى أن تكون هي السادسة وأن العمل بالعلم قبل السادسة، فيعمل بالعلم ليصلح نفسه قبل أن يبدأ بإصلاح غيره ثم بعد ذلك يعلم الناس. قال النبي صلى الله عليه وسلم :«ابدأ بنفسك ثم بمن تعول».2 فالعمل به قبل تعليمه. بلى قد تقول أن تعليمه من العمل به، لأن من جملة العمل بالعلم أن تفعل ما أوجب الله عليك فيه من بثه ونشره.

شرح الشيخ العثمين
آفاق التيسير
1-.....ثم قال لي : " يا عمر ! أتدري من السائل ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " الراوي : عمر بن الخطاب - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 8- خلاصة حكم المحدث : صحيح
الدرر السنية
2-"ابدأْبنَفسِكَ ثمَّ بمَنْ تعولَ"

الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : إرواء الغليل
الصفحة أو الرقم: 1448 - خلاصة حكم المحدث : صحيح مركب من حديثين الدرر السنية

وقد أبدع أبو الأسود الدؤلي في بيان تلك الحقيقة حين قال: يا أيها الرجل المعلم غيره، هلاّ لنفسك كان ذا التعليمُ، تصف الدواء لذي السّقام وذي الضّنى، كيما يصح به وأنت سقيمُ، إلى أن قال: ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها، فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ، فهناك يُقبل ما وعظت ويقتدى، بالعلم منك وينفع التعليمُ.
فهذا نبينا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام نجده دائماً في أحاديثه وكلامه يبدأ بنفسه، ففي حديث النساء :

"خيرُكُم خيرُكم لِأهْلِهِ ، وَأَنَا خيرُكم لِأَهْلِي"الراوي : عائشة و ابن عباس و معاوية بن أبي سفيان - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع الصفحة أو الرقم: 3314 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية

*شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري :
القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
39- حُسْنُ السؤالِ:
الْتَزِمْ أَدَبَ الْمُباحَثَةِ ، من حُسْنِ السؤالِ ، فالاستماعِ ، فصِحَّةِ الفَهْمِ للجَوابِ ، وإيَّاكَ إذا حَصَلَ الجوابُ أن تَقولَ : لكنَّ الشيخَ فلانًا قالَ لي كذا ، أو قالَ كذا ، فإنَّ هذا وَهَنٌ في الأَدَبِ ، وضَرْبٌ لأَهْلِ العِلْمِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ هذا .
وإن كنتَ لا بُدَّ فاعلاً ، فكنْ واضحًا في السؤالِ ، وقلما رأيُك في الفَتْوَى بكذا ، ولا تُسَمِّ أَحَدًا .
قال َابنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( وقيلَ : إذاجَلَسْتَ إلى عالِمٍ ؛ فسَلْ تَفَقُّهًا لا تَعَنُّتًا ) اهـ .
وقال َأيضًا : ( وللعلْمِ سِتُ مَراتِبَ ) .
أوَّلُها : حسْنُ السؤالِ .
الثانيةُ : حسْنُ الإنصاتِ والاستماعِ .
الثالثةُ : حسْنُ الْفَهْمِ .
الرابعةُ : الْحِفْظُ .
الخامسةُ : التعليمُ .
السادسةُ : وهي ثَمَرَتُه ؛ العمَلُ به ومُراعاةُ حُدودِه اهـ .
ثم أَخَذَ في بيانِها ببَحْثٍ مُهِمٍّ .

الشيخ :
من آداب طالب العلم حسن السؤال ، السؤال من الأمور التي يرغب فيها ، فإذا استشكل عليك فاسأل حتى تتقن العلم ، ولذلك أثنى عمر على ابن مسعود أو ابن عباس فقال : نالا العلم بلسان سؤول وقلب عقول.
وإذا تقرر هذا فإنّ السؤال لابد أن يكون على السند ، بحيث يلتزم فيه الطالب بالأدب ، فلا يسأل في غير الفن الذي يتدارسونه.
درسنا هذا في آداب طالب العلم فلا تنقلنا إلى مسائل الفتوى ، ندرس في باب الصيام ، فلا يحق لك أن تنقلنا إلى باب القصاص ، أو باب ، أبواب الأنكحة.
الثاني : حسن انتقاء الألفاظ ، حسن انتقاء الألفاظ ، لا تأتي بلفظ نابي ، ولا لفظ غريب ، ولا لفظ غير مرغوب فيه.
الثالث : أن لا تسأل في شيء قد تكلم فيه الشيخ ، فمسألة طرحها الشيخ وهي واضحة وجلية وحكم قد قرره الشيخ لا يصح أن تقول بعد ذلك ، ما الحكم في كذا ، والشيخ قد قرره.
الأمر الرابع : لابد أن يكون سؤالك سؤالا صحيحا ، فبعض الناس يسأل سؤال مركب بصياغة غير صحيحة.
الأمر الخامس : أن يكون سؤالك سؤالا واقعيا.
والأمر السادس : أن لا يكون من التعنت ، تريد أن تختبر الشيخ ، وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات في العلم.*
والأمر السابع : أن لا يكون سؤالك على جهة إبطال قول الشيخ ، قد تستفهم لكن لا تحاول الإبطال ، إبطال قول الشيخ ، فإنّ هذا سوء أدب ، وقد يكون سوء فهم منك ، وبالتالي لا يكون كلامك صحيحا ، قد تعترض وتقول : كيف الجمع بين كذا وكذا ، هذا لا بأس فيه ، لكن أن تقول : كلامك فيه ما فيه لأنّ الله يقول : كذا ، هذا سوء أدب ، وليس من حسن السؤال في شيء.
قال المؤلف : (التزم أدب المباحثة من حسن السؤال) وكذلك التزم الاستماع ، والتزم صحة الفهم للجواب ، مرات يأخذ بعض الناس جزءا من الجملة ، ولا يلتفت إلى بقيتها فيفهم فهما خاطئا ، وهذا يحصل خصوصا من عوام الناس يمسك ربع جملة ثم يبدأ ينسب إلى الشيخ ما لم يقله ، ولذلك لا يجوز أن ينسب إلى عالم أي مقالة ، إلا إذا كان الإنسان قد سمع المقالة كاملة ، مرّات يأتي العالم ويتكلم بنقل كلام باطل ، ثم يجيب عنه ويرد عليه ، فيأتيك بعض الناس ما سمع إلا المقالة الباطلة ، فيقول الشيخ الفلاني يقول كذا ، فيكون قد كذب عليه ، لأنّ الشيخ نقل هذه الجملة ليردّ عليها ويبطلها.
وبعض الناس يجئ بشريط وينقل هذه الجملة ، الجزء ، ويقول اسمعوا الشيخ يقول كذا ، وبالتالي يكون قد كذب عليه وصدّ الناس عن سبيل الله ، لأنّ إبعاد الناس عن علماء الشريعة والكلام في أعراضهم ، وتشويه سمعتهم وإنزال مكانتهم يؤدّي إلى جعل الناس ينصرفون عن العلم الذي يحملونه.
كذلك من سوء الأدب معارضة الأقوال بعضها ببعض ، قال المؤلف : (هذا وهن في الأدب) تكلّم وقال : طيب الشيخ االفلاني يقول كذا ، هذا اجتهاده وهذا اجتهادي ، ما يصح لك أن تضرب قولي بقوله.
(قال ابن القيم : سل تفقها) يعني من أجل تحصيل الفقه.
(لا تعنتا) من أجل إنزال المشقة على العالم.
ثم ذكر للعلم ست مراتب : حسن السؤال ، وحسن الإنصات ، وحسن الفهم ، ثم الحفظ والتعليم ثم العمل.

آفاق التيسير
*-" أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ نهى عنِ الأُغلوطاتِ" الراوي : معاوية بن أبي سفيان - المحدث : ابن حجر العسقلاني - المصدر : تخريج مشكاة المصابيح -الصفحة أو الرقم: 1/161 - خلاصة حكم المحدث : [حسن كما قال في المقدمة] الدرر السنية

*قال ابن حجر _ رحمه الله _ في الفتح :
وأما ما رواه أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الأغلوطات - قال الأوزاعي أحد رواته : هي صعاب المسائل - فإن ذلك محمول على ما لا نفع فيه ، أو ما خرج على سبيل تعنت المسئول أو تعجيزه.
وقال في موضع آخر : وقد ثبت النهي عن الأغلوطات أخرجه أبو داود من حديث معاوية ، وثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جدا ، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن ، إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ .

*وفيه كراهة التعمق والتكلف مما لا حاجة للإنسان إليه من المسألة ،ووجوب التوقف عما لا علم للمسئول به.
وقد رُوِينا عن أبي بن كعب :أن رجلاً سأله عن مسألة فيها غموض ،فقال : هل كان هذا ؟ قال: لا. فقال:أمهلني إلى أن يكون .
وسأل رجلٌ مالك بن أنس ؛عن رجلٍ شرب في الصلاة ناسيًا ؟ .فقال : ولم لم يأكل؟! ،ثم قال : حدثنا الزهري عن علي بن حسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه

-" من حسنِ إسلامِ المَرءِ تركُه ما لا يَعنيه"الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم: 2317 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. الدرر السنية

أم أبي التراب 11-06-2018 04:24 AM

مجلس 72
40- الْمُناظَرَةُ بلا مُمَارَاةٍ
إيَّاكَ والْمُمَارَاةَ ؛ فإنها نِقْمَةٌ ، أمَّا المناظَرَةُ في الْحَقِّ ؛ فإنها نِعْمَةٌ إذ الْمُناظَرَةُ الْحَقَّةُ فيها إظهارُ الحقِّ على الباطلِ ، والراجِحِ على المرجوحِ ، فهي مَبْنِيَّةٌ على الْمُناصَحَةِ والْحِلْمِ ، ونَشْرِ العلْمِ ، أمَّا الْمُماراةُ في المحاوَرَاتِ والمناظَرَاتِ ؛ فإنها تَحَجُّجٌ ورِياءٌ ، ولَغَطٌ وكِبرياءُ ومُغالَبَةٌ ومِراءٌ ، واختيالٌ وشَحْنَاءُ ، ومُجاراةٌ للسفهاءِ ، فاحْذَرْها واحْذَرْ فاعِلَها ؛ تَسْلَمْ من المآثِمِ وهَتْكِ الْمَحارِمِ ، وأَعْرِضْ تَسْلَمْ وتَكْبُت الْمَأْثَمَ والْمَغْرَمَ .
*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )
المناظرة والمناقشة تشحذ الفهم وتعطي الإنسان قدرة على المجادلة. والمجادلة في الحق مأمور بها كما قال الله تعالى: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
فإذا تمرن الإنسان على المناظرة والمجادلة حصل على خير كثير، وكم من إنسان جادل بالباطل فغلب صاحب الحق لعدم قدرته على المجادلة.
لكن المجادلة نوعان: مجادلة المماراة، يماري بذلك السفهاء ويجادل الفقهاء ويريد أن ينتصر لقوله،فهذه مذمومة.
والثاني لإثبات الحق وإن كان عليه، فهذه محمودة مأمور بها. وعلامة ذلك- المجادلة الحقة - أن الإنسان إذا بلغه الحق اقتنع وأعلن الرجوع، أما المجادل الذي يريد الانتصار لنفسه فتجده لو بان الحق، وكان ظاهر الحق مع خصمه يورد إيرادات: لو قال قائل. ثم إذا أجيب. ولو قال قائل. ثم إذا أجيب، قال ولو قال قائل. ثم تكون سلسلة لا منتهي لها، ومثل هذا عليه خطر أن لا يقبل قلبُه الحقَ، لا بالنسبة للمجادلة مع الآخر، لكن حتى في خلوته، ربما يورد الشيطان عليه هذه الإيرادات.
قال الله تعالى:" وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ "الأنعام110. وقال الله تعالى: "وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ "المائدة49
فعليك يا أخي ابتغاء الحق سواء كان بمجادلة غيرك أو بمجادلة نفسك متى تبين قل: سمعنا وأطعنا. لهذا تجد الصحابة يقبلون ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم وما أخبر به دون أن يوردوا عليه الاعتراضات أو قول: أرأيت . . . أرأيت.
ولهذا جادل رجل عبد الله بن عمر فقال له: أرأيت؟! قال له :«اجعل أرأيت في اليمن». لأنه من أهل اليمن.
عندما سأل أهل العراق عن دم البعوضة. وهل يجوز قتل البعوضة؟! قال: سبحان الله !! أهل العراق يقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتون يسألون عن دم البعوضة!! هذه مجادلة ولا شك.
آفاق التيسير

شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ):

الشيخ:
المماراة هي المناقشات العقيمة ، والمناقشات التي تكون لإظهار النفس ، لا لتعرف الحق ، قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أنا ضمين ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا".1
أما المناظرة والمناقشة والمجادلة ، هذه مطلوبة لأنّ الإنسان يقصد بها الوصول إلى الحق ، ولأنّ الكلام فيها يُبنى على دليل صحيح ، ولأنّ المرء في المناظرة والمناقشة إذا وصل إلى الدليل سمع وله أذعن ، أما في المماراة فهو يريد إبطال دليل خصمِه ولو كان دليلا صحيحا في نظره.
وقد قال الله تعالى : {
ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...}النحل125 ، وقال سبحانه : "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }العنكبوت46
ومن هنا فإنّ المناقشة محمودة وهي نوع من أنواع النصح ، ونوع من أنواع التعلم ، وقد ذكر الله في كتابه عددا من المناقشات والمناظرات بين الأنبياء وأقوامهم ، انظر لمناقشة موسى عليه السلام لفرعون ، ومناقشة إبراهيم عليه السلام لقومه ، وبعض مناقشات النبي صلى الله عليه وسلم لبعض مَنْ في زمانه ،" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }آل عمران64، "هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }آل عمران66
(قرأها الشيخ : جادلتم في الموضعين ) ، "وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ "البقرة111

وبالتالي فإنّ المراء مذموم لأن المقصود فيه الغلبة ، وليس المقصود الحق ، وبالتالي تجده يرفع الصوت ليغلب من أمامه ، وتجده يموّه في الكلام ليغلب من أمامه ، وتجده يحاول أن يوجد تناقضات في كلام مقابله ولو لم تكن صحيحة من أجل أن يغلبه ويتمكّن منه ، وبالتالي فالمراء مؤثّر على صحة النيّة ، غير موصل إلى حق.
من هنا فإنه يُنهى عنه ، لأنه سبب من أسباب الإثم ، فإذا وجدت هذه المناقشات تحوّلت إلى مراء ، مناقشات عقيمة والمقصود الغلبة والانتصار ، حينئذ أعرض عنها ، وأوْصل الحق فقط ، ولا تُجادل ولا تُناقش ، إذا كان المقصود كذلك.

آفاق التيسير
1
-" أنا زعيمٌ ببيتِ في رَبَضِ الجنةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وإن كان مُحِقًّا ، وببيتِ في وسطِ الجنةِ لمَن تركَ الكذبَ وإن كان مازحًا ، وببيتٍ في أعلى الجنةِ لمَن حُسُنَ خلقُه". الراوي : أبو أمامة الباهلي - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 4800- خلاصة حكم المحدث : حسن- الدرر السنية

أم أبي التراب 11-06-2018 04:25 AM



الأمر الحادي والأربعون:
مُذاكَرَةُ العِلْمِ :
تَمَتَّعْ مع البُصَرَاءِ بالْمُذاكَرَةِ والْمُطارَحَةِ ؛ فإنها في مَواطِنَ تَفوقُ الْمُطالَعَةَ وتَشْحَذُ الذهْنَ وتُقَوِّي الذاكرةَ ؛ مُلْتَزِمًا الإنصافَ والملاطَفَةَ مُبْتَعِدًا عن الْحَيْفِ والشَّغَبِ والمجازَفَةِ .
وكُنْ على حَذَرٍ ؛ فإنها تَكْشِفُ عُوارَ مَن لا يَصْدُقُ .
فإن كانت مع قاصرٍ في العِلْمِ ، باردِ الذهْنِ ؛ فهي داءٌ ومُنافَرَةٌ ، وأمَّا مُذاكرَتُك مع نفسِك في تقليبِك لمسائِلِ العلْمِ ؛ فهذا ما لا يَسوغُ أن تَنْفَكَّ عنه .
وقد قيلَ : إحياءُ العِلْمِ مُذاكرَتُه .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )

الشيخ:
هذا أيضا من الذي ينبغي لطالب العلم أن يقوم به، وهو المذاكرة. والمذاكرة نوعان: مذاكرة مع النفس. ومذاكرة مع الغير.
المذاكرة مع النفس: تجلس مثلا جلسة واحدة، ثم تفرض مسألة من المسائل أو تكون مسألة مرت عليك، ثم تأخذ في محاولة ترجيح ما قيل في هذه المسألة بعضه على بعض. يعني ترجيح بعض الأقوال على بعض في هذه المسألة. وهذه سهلة على (...) هي أيضا تساعد على مسألة المناظرة السابقة.
أما المذاكرة مع الغير: فهي أيضا واضحة يختار الإنسان من إخوانه الطلبة من يكون عونا له على طلب العلم، مفيدا له فيجلس معه ويتذاكرا،
يَقْرَآنِ مثلا ما حفظاه كل واحد يقرأ على الآخر قليلا أو يتذاكران في مسألة من المسائل بالمراجعة أو بالمفاهمة إن قدرا على ذلك، فإن هذا مما ينمي العلم ويزيده.
لكن إياك والشغب والصلف-
صلِف الشَّخصُ :
• ادَّعى ما فوق قَدْره عُجْبًا وتكبُّرًا -هنا
، لأن هذا لا يفيد. أنت الآن تحاج في مقام الإقناع أم في مقام التأديب؟ في مقام الإقناع. واعلم أنه لن يقتنع كلما اشتد غضبك عليه، بل ربما إذا اشتد غضبك عليه، اشتد غضبه عليك ثم ضاع الحق بينكما، لكن بالهدوء.

أما لو علمت منه الإعنات، مثل أن تكون أنت أعلم منه وتفهم من العلم ما لا يفهم، ولكن عرفت أن هذا الرجل يريد العنت-.
الْخَطَأ -والمكابرة عنادا هنا -فحينئذ لك أن تشتد عليه وأن تقول: لن أفهمك لقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }المائدة42. ولهذا قال المؤلف : «فإن كانت مع قاصرٍ في العِلْمِ ، باردِ الذهْنِ ؛ فهي داءٌ ومُنافَرَةٌ ».
(...) بعض الناس أكثر علما من الآخر لكن الثاني أفهم منه في معرفة النصوص والثالث أعقل منهم أيضا في معرفة مصادر الشريعة ومواردها لأنه قد يفهم الإنسان النص فهما كاملا لكن ليس عنده ذاك العقل الذي يجمع بين أدلة الشريعة وبين مقاصدها وأسرارها فتجده يأخذ بظاهر اللفظ ولو كان بعيدا عن مقاصد الشرع وهذا خلل عظيم، أرأيت قول ابن حزم في الشاة الثنية *لا تجزئ وفي الجذعة، تجزئ، هذا بعيد جدا عن مقاصد الشريعة ، إذا كانت الجذعة تجزئ فالثنية من باب أولى ولا شك، أو يقول بعض الظاهرية: إذا استأذن الرجل ابنته البكر في أن يزوجها رجلا فقالت: يا أبت لا أريد إلا هذا الرجل وأمثاله وأنا موافقة يقول: هذا ليس بإذن ، لا يزوجها ، والبنت الثانية لما شاورها سكتت ولم تقل شيء هذه تزوج والأخرى لا تزوج مع أنها صرحت بالرضا والثانية سكوتها دليل الرضا وليس هو الرضا فالمهم أنه لا بد من عقل، فقد يكون بعض الناس أكثر علما لكنه لا يفهم، وقد حدثتكم مرة عن حمار الفروع تذكرون، رجل حفظ كتاب الفروع لابن مفلح (ثلاثة مجلدات) ولكنه لا يفهم منه ولا معنى واحد فكان أصحابه يجعلونه كمكتبة إذا أشكل عليهم شيء قالوا: ماذا قال صاحب الفروع في الفصل الفلاني أو الباب الفلاني أوالكتاب الفلاني؟ (...) وهو ما يعرف معناه أبدا ، فهذا ليس عنده فهم، فلا بد من فهم.

آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ)
الشيخ :
هذا هو الأدب الحادي والأربعون من آداب طالب العلم : مذاكرة العلم ؛ يعني مراجعته والمناقشة فيه ، الباب الفلاني ماذا يشتمل عليه من المسائل؟
يشتمل على المسألة الأولى كذا ، والمسألة الثانية كذا ، والمسألة الثالثة كذا.
الباب الفلاني من أبواب العلم ما هي الأحاديث التي تكون فيه؟
أورد حديثا ، ثم أنت تورد حديثا.
باب الاعتكاف ماذا وجد فيه من الآيات القرآنية والأحاديث؟
أورد الآيات ثم نورد الأحاديث ، واحدا واحدا ، أنت تورد حديثا ، وأنا أورد حديثا آخر ، هذا يُسمّى مذاكرة العلم.
ومذاكرة العلم من أكبر الوسائل المؤدّية إلى حفظ العلم ، وقد كان الصحابة والتابعون والأئمّة يتذاكرون العلم ، إذا جلسوا بدؤوا يتذاكرون ، وكل يوم يتذاكرون في باب أو نحوه ، وبالتالي يحفظون العلم.
قال المؤلف : وهذا شاهده ودليله : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان في رمضان يأتيه جبريل فيقرأ عليه القرآن في كل عام مرة ، هذا من مذاكرة العلم ، وكان الصحابة يُذاكرون العلم ، أبوهريرة كان في الليل يُراجع الأحاديث التي حفظها لتبقى في ذهنه ، وهكذا الأئمة لا زالوا على طلب العلم بواسطة المُذاكرة.
والمذاكرة فوق المُطالعة ، إذا جيت كتاب وقرأت فيه باب الاعتكاف في كتب الحديث ، هذه مطالعة ، فإذا جلست مع طالب علم وبدأت تذاكر ، ماذا ورد في الباب الفلاني في باب الاعتكاف من الأحاديث هذا أقوى في رسوخ المعلومة من الأول ، وفي نفس الوقت تعوّد ، أو تجعل الذهن متوقّدا حاضرا لهذا الباب ، وتقوّي ذاكرة الإنسان ، وتجعله منصفا في كلامه مع غيره ، يعني مرة يُعطي معلومة ، ومرة يأخذ المعلومة من غيره ، وبالتالي يكون لطيفا بخلاف المناظرات فإنه قد يكون فيها ما يكون فيها من القوة ، وما ينافي الملاطفة بخلاف المذاكرة.
لكن ينبغي أن تبتعد عن ذلك المتعالِم أو ذلك الكاذب ، أو من ليس عنده أمانة علميّة ، لأنّ قد يوهمك أنّ في هذا الباب الحديث الفلاني ، ويوهمك أنّ هذه المسألة توجد في باب كذا ، ويوهمك أنّ هذه المعلومة عند هؤلاء الفقهاء على هذا النحو ، ولا يكون الأمر كذلك.
أما مراجعة الإنسان لمسائل العلم في نفسه فهذا عظيم الفائدة كبير الثمرة ، نعم.
آفاق التيسير
* فالجذع من الضأن : ما أتم ستة أشهر عند الحنفية والحنابلة ، وعند المالكية والشافعية ما أتم سنة . والمسنة (الثني) من المعز : ما أتم سنة عند الحنفية والمالكية والحنابلة ، وعند الشافعية ما أتم سنتين .
والمسنة من البقر : ما أتم سنتين عند الحنفية والشافعية والحنابلة ، وعند المالكية ما أتم ثلاث سنوات .
والمسنة من الإبل : ما أتم خمس سنوات عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/70) :
" وتقدير هذه الأسنان بما قلنا لمنع النقصان لا لمنع الزيادة ;
هنا

أم أبي التراب 11-06-2018 04:26 AM

42- طالبُ العلْمِ يَعيشُ
بينَ الكتابِ والسُّنَّةِ وعلومِها
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )
القارئ:

الأمر الثاني والأربعون: طالبُ العلْمِ يَعيشُ بينَ الكتابِ والسُّنَّةِ وعلومِها :

فهما له كالْجَناحينِ للطائرِ ، فاحْذَرْ أن تكونَ مَهيضَ الْجَناحِ .

الشيخ:
صحيح .. هذا أيضا من آداب طالب العلم. وبقي شيء آخر (طالب العلم يعيش بين الكتاب والسنة)، فهما كالجناجين للطائر والطائر لا يطير إلا بجناحين إذا انكسر أحدهما لم يطر، إذا لا تراعي السنة وتغفل عن القرآن، أو القرآن وتغفل عن السنة، كثير من طلبة العلم يعتني بالسنة وشروحها ورجالها، ومصطلحاتها اعتناء كاملا، لكن لو سألته عن آية من كتاب الله. ما قدم الإجابة، ولا عرف شيئا.
هذا غلط، لكن لا بد أن يكون الكتاب والسنة كلاهما جناحان لك، والجناح الأصل هو: القرآن.
وثم أيضا شيء ثالث- لكن هو داخل في قول المؤلف و(علومها): كلام العلماء، أيضا لا تهمل كلام العلماء ولا تغفل عنه، لأن العلماء أشد منك رسوخا في العلم، وعندهم من قواعد الشريعة وضوابط الشريعة وأسرارها ما ليس عندك فلا تغفله.
ولذلك كان العلماء الأجلاء المحققون إذا ترجح عندهم قول يقولون: «إن كان أحد قال به وإلا فلا نقول به».
شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على علمه وسعة إطلاعه، إذا قال قولا لا يعلم به قائلا. قال : «أنا أقول به إن كان قد قيل به». ولا يأخذ برأيه، ويقول: خلاص أنا فهمت من القرآن كذا ولا علي من الناس.
هذا غلط. أنت إذا رأيت أكثر العلماء على قول، فلا تعدل عن قول أكثر العلماء إلا بعد التمحيص والتحقق، لأنه من المستبعد أن يكون الأقل هم أهل العلم. بمعنى: إذا رأيت مسألة من المسائل اختلف فيها العلماء وأكثرهم يقول بكذا، والآخرون يقولون بكذا، وترجح عندك قول الأقل ، لا تأخذ به مباشرة ، فكر، ما أدلة الآخرين؟ لأن الأكثر في الغالب يكون معهم الحق ، ففكر أولا ، ثم إذا تبين لك أن الحق مع الأقل فاتبع الحق ، لكن كونك تأخذ مباشرة بما ترجح عندك والجمهور على خلافه هذا لا ينبغي أبدا .
كذلك أيضا تأتي مثلا أدلة شواذ تخالف الأدلة التي هي كالجبال في الشريعة والدلالة فيأخذ الإنسان بهذا الدليل الشاذ، ولعله لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ثبت وهو منسوخ ، أو ثبت وهو مخصوص، فنقول ارفق ما دام هذا يخالف الأدلة التي هي كالجبال للشريعة فلا تتعجل في الأخذ به انتظر وتمهل ، فهذان أمران أنبه عليهما لأهميتهما :
- مخالفة الجمهور.
- ومخالفة القواعد في الشريعة الإسلامية.
القواعد التي تعتبر كالجبال للأرض ، رواسخ.


آفاق التيسير

شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ

القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
42- طالبُ العلْمِ يَعيشُ بينَ الكتابِ والسُّنَّةِ وعلومِها :
فهما له كالْجَناحينِ للطائرِ ، فاحْذَرْ أن تكونَ مَهيضَ الْجَناحِ .

الشيخ:
الأصل في العلم الشرعي هو الكتاب والسنة ، وحينئذ لابد أن يكون هما الذي يعوّل عليه طالب العلم في علمه ، ومن ثَمّ فقراءة أقوال العلماء والبحث في كتب الفقه ، إنما هي وسائل يستعين بها الإنسان على ضبط العلم وعلى القدرة على مراجعة النصوص الشرعية كتابا وسنة ، فهذه وسائل ، وإلا فإنّ الأصل هو الكتاب والسنة ، ولذلك طالب العلم تجده يعيش بين هذين الأصلين :
أولا : يراجع حفظه للقرآن ، ويتأمل في فهم القرآن.
وثانيا : يسرد كتب السنة ويحاول ضبط ما يستطيع ضبطه منها.
والله جل وعلا قد أمر بالرجوع إلى الكتاب والسنة ، {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} آيات الله يعني القرآن ، والحكمة يعني السنة.
{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} يعني الكتاب والسنة ، نعم .
آفاق التيسير

أم أبي التراب 11-06-2018 04:27 AM

43-استكمالُ أدواتِ كلِّ فَنٍّ :
لن تكونَ طالبَ عِلْمٍ مُتْقِنًا مُتَفَنِّنًا – حتى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِياطِ – ما لم تَستكمِلْ أدواتِ ذلك الفَنِّ ، ففي الفِقْهِ بينَ الفقْهِ وأصولِه ، وفي الحديثِ بينَ عِلْمَي الروايةِ والدِّرايةِ .... وهكذا ، وإلا فلا تَتَعَنَّ .
قالَ اللهُ تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ } فيُستفادُ منها أنَّ الطالِبَ لا يَتْرُكُ عِلْمًا حتى يُتْقِنَهُ .

شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )

الشيخ:
استكمال أدوات كل فن. يريد بذلك: أنك إذا أردت أن تكون طالب علم في فن معين، وهو ما يعرف عندنا بالتخصص، فلا بد أن تكون مستكملا أدوات ذلك الفن، يعني عندك علما به، فمثلا في الفقه إذا كنت تريد أن تكون عالما بالفقه، فلا بد أن تقرأ الفقه وأصول الفقه لتكون متبحرا فيه، وإلا فيمكن أن تعرف الفقه بدون علم الأصول، ولكن لا يمكن أن تعرف أصول الفقه بدون الفقه.
يعني: يمكن أن يستغني الفقيه عن أصول الفقه، لكن لا يمكن أن يستغني الأصولي عن الفقه، إذا كان يريد الفقه.
ولهذا اختلف العلماء، علماء الأصول: هل الأولى لطالب العلم أن يبدأ بأصول الفقه لابتناء الفقه عليه أو بالفقه لدعاء الحاجة إليه، حيث أن الإنسان يحتاجه في عمله، حاجاته، ومعاملاته قبل أن يفطن إلى أصول الفقه.
والثاني- هو الأولى وهو المتبع غالبا. وهنا استدل بقول الله تعالى :(الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته) (سورة البقرة: 121). والمراد بالتلاوة هنا: التلاوة اللفظية، والتلاوة المعنوية، والتلاوة العملية، مأخوذة من تلاه إذا اتبعه، فالذين آتاهم الكتاب لا يمكن أن يوصفوا بأنهم أهل الكتاب حتى يتلوه حق تلاوته.
قوله :«وفي الحديث بين علمي الرواية والدراية» يعني بذلك الرواية في أسانيد الحديث ورجال الحديث. والدراية في فهم معناه.
آفاق التيسير


شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ)
القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
43- استكمالُ أدواتِ كلِّ فَنٍّ :
لن تكونَ طالبَ عِلْمٍ مُتْقِنًا مُتَفَنِّنًا – حتى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِياطِ – ما لم تَستكمِلْ أدواتِ ذلك الفَنِّ ، ففي الفِقْهِ بينَ الفقْهِ وأصولِه ، وفي الحديثِ بينَ عِلْمَي الروايةِ والدِّرايةِ .... وهكذا ، وإلا فلا تَتَعَنَّ .
قال َاللهُ تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ } فيُستفادُ منها أنَّ الطالِبَ لا يَتْرُكُ عِلْمًا حتى يُتْقِنَهُ .
الشيخ :
هذا الأدب اشتمل على أمرين :
الأمر الأول : معرفة أدوات العلم قبل الدخول فيه ، لو جاءنا إنسان وبدأ يدرس النحو ، وأصبح أخذ المرفوعات والمنصوبات ، لكنه أصلا لا يعلم ولا يعرف أنّ النحو يتعلّق بأواخر الكلمات ، ليس لديه فهم المصطلحات لهذا العلم ، ولا يعرف المنشأ الذي نشأ منه هذا العلم ، فلن يتقن هذا العلم ، وهكذا في بقيّة الفنون ، عندما يريد الإنسان فهم الكتاب والسنة ، واستخراج الأحكام منها ، إذا لم يعرف القواعد الأصولية لن يتمكن من هذا ، وحينئذ إذا أراد أن يحكم على الأحاديث تصحيحا وتضعيفا ، لابد أن يعرف قواعد المصطلح ويكون عنده قدرة على معرفة أحوال الرواة ، فإذا لم يكن محيطا بالوسيلة لن يتمكن من الوصول إلى الغاية ، وبالتالي لابد من معرفة الأدوات قبل الولوج في تعلّم العلم.
الأمر الثاني : مما ذكره المؤلف هنا ؛ ألا يترك العلم حتى يتقنه ، إذا ابتدأ الطالب بعلم ثم ملّ وانتقل إلى غيره ، وأهمل العلم الأوّل فحينئذ قد أضاع وقته ، من أخذ كتابا وقرأ ربعه ، نصفه ثم انتقل إلى غيره ، ما يتمكّن أن يقول : قرأت الكتاب ، ولا يتمكّن أن يقول : هذه المعلومة ليست في الكتاب ، لأنه لم يحط بالكتاب ، نعم.

آفاق التيسير

عِلم الحديث" روايــة " و " درايــة"

*أولاً : علـم الحديــث روايــة :
علـم الحديـث روايـة هـو : نقـل السـنة مـن أقـوال النبــي ـ

صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وأفعالـه ، وتقريراتـه ،وخَلْقِـهِ ، وخُلقِـهِ ، وغيـر ذلـك ، وحفظهـا في الصـدور ، وإثباتهـا بالسـطور ، وضبطهـا ، وتحريـرألفاظهـا ، وإسـناد ذلـك إلـى مـن عـزي إليـه بتحديـث وإخبـار وغيـر ذلـك.
120 سؤال وجواب ... / الحكمي / ص : 15 .
فعلـم الحديـث روايـة يبحـث عمـا يُنقَـل عـن النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مـن أقوالـه وأفعالـه وأحوالـه .
مثالـه : إذا جاءنـا حديـث عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فإننـا نبحـث فيـه هـل هـو قـول أو فعـل أو حـال ؟ .
وهـل يـدل علـى كـذا أو لا يـدل ؟ فهـذا هـو علـم الحديـث روايـة ، وموضوعـه
البحـث فـي ذات النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ،ومـا يصـدر عـن هـذه الـذات مـن أقـوال وأفعـال وأحـوال .

ومـن الأفعـال الإقـرار ، فإنـه يعتبـر فعـلاً .
وأمـا الأحـوال فهـي صفاتـه ، كالطـول ، والقِصَـر واللـون والغضـب والفـرح ومـا أشـبه ذلـك .
شرح البيقونية ... / للشيخ العثيمين / ص : 8 / بتصرف .
حكمـــه :
ـ الوجـوب الكفائـي علـى الأمـة .
ـ الوجـوب العينـي علـى مـن تفـرد بـه .
جَنْـي الثمـار فـي مصطلـح أهـل الأثـار . أبـو عبـد الله أشـرف خليفـة عبـد المنعـم السـيوطي / ص : 17 .

*ثانيـًا : علـم الحديــث درايــة :

علـم الحديـث درايـة يُعْـرَف " بمصطلـح الحديـث " أو " بأصـول الحديـث " .
وموضوعـه :
بيـان قواعـد البحـث فـي آحـاد السـنة عـن أحـوال السـند والمتـن وما يتعلـق بهمـا مـن حيـث القبـول والـرد .

120 سؤال وجواب في ... / ص 20 / بتصرف .
أي هـو علـم يُعْـرَف بـه حـال الـراوي والمـروي مـن حيـث القبـول والـرد .
جَنْـي الثمـار فـي مصطلـح أهـل الأثـار . أبـو عبـد الله أشـرف خليفـة عبـد المنعـم السـيوطي / ص : 13 .
حكمـــه :
ـ الوجـوب الكفائـي علـى الأمـة فـي مجموعهـا لتوقـف معرفـة المقبـول والمـردود عليـه .
ـ والوجـوب العينـي علـى مـن تفـرد بمعرفتـه فيجـب عليـه أن يعمـل بمقتضـى العلـم بـه تدريسـًا وتصنيفـًا وتطبيقـًا فـي قبـول مـا يُقْبَـل ورد مـا يُـرد .
جَنْـي الثمـار فـي مصطلـح أهـل الأثـار . أبـو عبـد الله أشـرف خليفـة عبـد المنعـم السـيوطي / ص : 15 .
فـعلم الحديث رواية : المقصود به هو نقل السنة وضبطها كما فعل العلماء في كتب الحديث والسنن.
أما علم الحديث دراية فالمراد به هو: علم مصطلح الحديث.
فهوعلم يعرف به حال الراوي والمروي من جهة القبول والرد .

- علم الحديث روايةً: وهو العلم الذي يبحث في نقل الحديث من جيل إلى جيل بشكل منضبط، حفظاً في الصدور وكتابة في السطور.هنا
- علم الحديث درايةً: وهو العلم الذي يبحث في القواعد التي يعرف بها الحديث المقبول من الحديث المردود، فقد وضع العلماء مجموعة من الأسس والقواعد المتعلقة بسند الحديث ومتنه، والتي تساعد في الحكم على الحديث من حيث صحة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم
أو عدم صحتها، ويسمى علم الحديث درايةً علم مصطلح الحديث أو علم أصول الحديث.
هنا
أهداف علم الحديث:
لعلم الحديث روايةً ودرايةً أهداف في غاية الأهمية منها:
1- حفظ الحديث النبوي من الضياع والاندثار، وذلك بروايته مشافهةً وكتابته جيلاً عن جيل، حتى وصل إلينا.
2- التمييز بين الأحاديث الصحيحة وغير الصحيحة، وقد منع هذا من دخول الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الدين.
3- بناء العقلية الإسلامية الناقدة الممحصة، التي لا تأخذ كلَّ ما تسمع وإنما تبحث وتتحرى وتنقب حتى تصل إلى الحقيقة، فإن صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلناه وإن لم يصح رددناه.
4- ابتغاء الأجر العظيم على بذل الجهد للمحافظة على سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

5- تسهيل مهمة المفسر والفقيه لاستنباط الأحكام.هنا

أم أبي التراب 11-06-2018 04:28 AM

الفصل السادس
التَحَلِّي بالعَمَلِ
44- من عَلاماتِ العِلْمِ النافِعِ :
تَسَاءَلْ مع نفْسِك عن حَظِّكَ من عَلاماتِ العِلْمِ النافعِ ، وهي :
العَمَلُ به .
كراهيةُ التزكيةِ والمدْحِ والتكبُّرِ على الْخَلْقِ .
تكاثُرُ تَواضُعِكَ كُلَّمَا ازْدَدْتَ عِلْمًا .
الهرَبُ من حُبِّ الترَؤُّسِ والشُّهرةِ والدنيا .
هَجْرُ دَعْوَى العِلْمِ .
إساءةُ الظنِّ بالنفْسِ ، وإحسانُه بالناسِ ؛ تَنَزُّهًا عن الوُقوعِ بهم .
وقد كان عبدُ اللهِ بنُ المبارَكِ إذا ذَكَرَ أَخلاقَ مَن سَلَفَ يُنشِدُ :
لا تَعْرِضَنَّ بذِكْرِنا مع ذِكْرِهمْ = ليس الصحيحُ إذا مَشَى كالْمُقْعَدِ

شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ
تَسَاءَلْ مع نفْسِك عن حَظِّكَ من عَلاماتِ العِلْمِ النافعِ ، وهي :
العَمَلُ به .
كراهيةُ التزكيةِ والمدْحِ والتكبُّرِ على الْخَلْقِ .
تكاثُرُ تَواضُعِكَ كُلَّمَا ازْدَدْتَ عِلْمًا .
الهرَبُ من حُبِّ الترَؤُّسِ والشُّهرةِ والدنيا .
هَجْرُ دَعْوَى العِلْمِ .
إساءةُ الظنِّ بالنفْسِ ، وإحسانُه بالناسِ ؛ تَنَزُّهًا عن الوُقوعِ بهم .
هذه من علامات العلم النافع:
أولا- العمل به: وهذا بعد الإيمان، أن تؤمن بما علمت ثم تعمل إذ لا يمكن العمل إلا بإيمان، فإن لم يوفق الإنسان لذلك، بأن كان يعلم الأشياء ولكن لا يعمل بها فعلمه غير نافع، لكن هل هو ضار أم لا نافع ولا ضار؟ هو ضار... لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «القرآن حجة لك أو عليك»* ولم يقل: لا لك ولا عليك فالعلم إما نافع أو ضار.
ثانيا- كراهية التزكية، والمدح، والتكبر على الخلق: وهذه ابتلي به بعض الناس، فيزكي نفسه ويرى أن ما قاله هو الصواب وأن غيره إذا خالفه فهو مخطئ وما أشبه ذلك، كذلك يحب المدح. تجده يسأل ماذا قالوا لما تحدثوا عنه؟ وإذا قالوا: إنهم مدحوك، انتفخ وزاد انتفاخه حتى يعجز جلده عن تحمل بدنه، كذلك التكبر على الخلق، بعض الناس- والعياذ بالله – إذا آتاه الله علما تكبر. الغني بالمال ربما يتكبر، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم : العائل المستكبر من الذين لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.1
لأنه ليس عنده مال يوجب الكبرياء، ولكن العالم لا ينبغي أن يكون كالغني كلما ازداد علما ازداد تكبرا، بل ينبغي العكس كلما ازداد علما ازداد تواضعا، لأن من العلوم التي يقرؤها أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخلاقه كلها تواضع للحق، وتواضع للخلق، لكن على كل حال إذا تعارض التواضع للخلق أو الحق. أيهما يقدم؟ التواضع للحق.-
على كل حال إذا تعارض التواضع للحق مع التواضع للخلق أيهما يقدم؟ يقدم التواضع للحق، فمثلا لو كان هناك إنسان يسبّ الحق ويفرح بمعاداة من يعمل به، فإنا لا نتواضع له، تواضع للحق، وجادل هذا الرجل حتى وإن أهانك أو تكلم فيك فلا تهتم به، فلا بد من نصرة الحق.-هنا
ثالثا- تكاثر تواضعك كلما ازددت علما: وهذا في الحقيقة فرع من الثاني، يعني تتكبر على الخلق، وينبغي كلما ازددت علما تزداد تواضعا.
رابعا- الهرب من حرب الترؤس والشهرة والدنيا: هذه أيضا قد تكون متفرعة عن كراهية التزكية والمدح، يعني لا تحاول أن تكون رئيسا لأجل علمك، لا تحاول أن تجعل علمك مطية إلى نيل الدنيا، فإن هذا يعني أنك جعلت الوسيلة غاية، والغاية وسيلة، ولكن هل معنى ذلك لو أنك كنت تجادل شخصا لإثبات الحق هل ينبغي أن تجعل نفسك فوقه أو دونه؟ فوقه لأنك لو شعرت بأنك دونه ما استطعت أن تجادله، أما لو أنك شعرت أنك فوقه من أجل أن الحق معك، فإنك حينئذ تستطيع أن تسيطر عليه.
خامسا- هجر دعوى العلم: معناها: لا تدَّعِي العلمَ. لا تقول أنا العالم.
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا = متى أضع العمامة تعرفوني
ومتى كان في المجلس تصدر المجلس، وإذا أراد أحد أن يتكلم يقول: اسكت أنا أعلم منك.
سادسا- إساءة الظن بالنفس، وإحسانه بالناس، تنزها عن الوقوع بهم: أن يسيء الظن بنفسه لأنها ربما تغره وتأمره بالسوء فلا يحسن الظن بالنفس، وكلما أملت عليه أخذ بها.
أما قوله «إحسانه بالناس» فهذا يحتاج إلى تفصيل. الأصل إحسان الظن بالناس وإنك متى وجدت محملا حسنا لكلام غيرك فأحمله عليه ولا تسيء الظن، لكن إذا عُلم عن شخصٍ من الناس أنه محل لإساءة الظن، فهنا لا حرج أن تسيء الظن من أجل أن تحترس منه لأنك لو أحسنت الظن به لأفضيت إليه كل ما في صدرك، ولكن ليس الأمر كذلك.

وقد كان عبدُ اللهِ بنُ المبارَكِ إذا ذَكَرَ أَخلاقَ مَن سَلَفَ يُنشِدُ :
لا تَعْرِضَنَّ بذِكْرِنا مع ذِكْرِهمْ = ليس الصحيحُ إذا مَشَى كالْمُقْعَدِ.
آفاق التيسير

شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ

القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
الفصلُ السادسُ : التَحَلِّي بالعَمَلِ
44- من عَلاماتِ العِلْمِ النافِعِ :
تَسَاءَلْ مع نفْسِك عن حَظِّكَ من عَلاماتِ العِلْمِ النافعِ ، وهي :
العَمَلُ به .
كراهيةُ التزكيةِ والمدْحِ والتكبُّرِ على الْخَلْقِ .
تكاثُرُ تَواضُعِكَ كُلَّمَا ازْدَدْتَ عِلْمًا .
الهرَبُ من حُبِّ الترَؤُّسِ والشُّهرةِ والدنيا .
هَجْرُ دَعْوَى العِلْمِ .
إساءةُ الظنِّ بالنفْسِ ، وإحسانُه بالناسِ ؛ تَنَزُّهًا عن الوُقوعِ بهم .
وقد كان عبدُ اللهِ بنُ المبارَكِ إذا ذَكَرَ أَخلاقَ مَن سَلَفَ يُنشِدُ :
لا تَـعْـرِضَـنَّ بـذِكْـرِنــا مــــع ذِكْــرِهــمْ ليس الصحيحُ إذا مَشَى كالْمُقْعَدِ

الشيخ :
الأدب الرابع والأربعون من آداب طالب العلم : العمل بالعلم ، ويترتب على هذا أن تكون عارفا لمقدار نفسك ، فإنه كلما ازداد الإنسان من العلم كلما احتقر نفسه وتواضع لغيره ، وكلما نقص علم الإنسان ظنّ أنه قد حصّل العلم ، فتكبّر فيه ، ولذلك يحرص طالب العلم على العمل بما علمه.

آفاق التيسير
*

- إسباغُ الوضوءِ شطرُ الإيمانِ و الحمدُ للهِ تملأ الميزانَ ، و سبحان اللهِ و الحمدُ للهِ تملآنِ أو تملأ ما بين السماءِ و الأرضِ ، و الصلاةُ نورٌ ، و الصدقةُ برهانٌ ، و الصبرُ ضياءٌ ، و القرآنُ حُجَّةٌ لك أو عليك ، كلُّ الناسِ يَغدو ، فبائعٌ نفسَه ، فمُعتِقُها أو موبِقُها

الراوي : أبو مالك الأشعري- المحدث : الألباني- المصدر : صحيح الترغيب
الصفحة أو الرقم: 189 - خلاصة حكم المحدث : صحيح
الدرر السنية
1- ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهمْ اللهُ يومَ القِيامةِ ولا يُزَكِّيهِمْ ( قال أبُو مُعاوِيَةَ : ولا يَنظُرُ إليهِمْ ) ولَهُمْ عذابٌ ألِيمٌ : شَيْخٌ زانٍ . ومَلِكٌ كذَّابٌ . وعائِلٌ مُستَكْبِرٌ الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 107 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية

أم أبي التراب 11-06-2018 04:30 AM

45- زكاةُ العِلْمِ :
أَدِّ ( زَكاةَ العِلْمِ ) : صادعًا بالحَقِّ ، أمَّارًا بالمعروفِ ، نَهَّاءً عن الْمُنْكَرِ ، مُوازِنًا بينَ الْمَصالِحِ والْمَضَارِّ ، ناشرًا للعِلْمِ ، وحبِّ النفْعِ وبَذْلِ الجاهِ ، والشفاعةِ الحسَنَةِ للمسلمينَ في نوائِبِ الحقِّ والمعروفِ .
وعن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :
(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ، أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ )) ، رواه مسلِمٌ وغيرُه .
قالَ بعضُ أهلِ العلْمِ : هذه الثلاثُ لا تَجتمِعُ إلا للعالِمِ الباذِلِ لعِلْمِه فبَذْلُه صَدَقَةٌ ، يُنْتَفَعُ بها ، والْمُتَلَقِّي لها ابنٌ للعالِمِ في تَعَلُّمِه عليه ، فاحْرِصْ على هذه الْحِلْيَةِ ؛ فهي رأسُ ثَمرةِ عِلْمِكَ .
ولشَرَفِ العِلْمِ ؛ فإنه يَزيدُ بكثرةِ الإنفاقِ ، ويَنْقُصُ مع الإشفاقِ، وآفَتُه الكِتْمَانُ .
ولا تَحْمِلْكَ دَعْوَى فَسادِ الزمانِ ، وغَلَبَةِ الفُسَّاقِ ، وضَعْفِ إفادةِ النصيحةِ عن واجبِ الأداءِ والبَلاغِ ، فإن فَعَلْتَ ، فهي فِعْلَةٌ يَسوقُ عليها الفُسَّاقُ الذهَبَ الأحْمَرَ لِيَتِمَّ لهم الخروجُ على الفضيلةِ ورَفْعُ لواءِ الرَّذيلةِ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )

هذا زكاة العلم. تكون بأمور:
منها: نشر العلم. كما يتصدق الإنسان بشيء من ماله، فهذا العالم يتصدق بشيء من علمه، وصدقة العلم أبقى دواما وأقل كلفة ومؤنة.
أبقى دواما لأنه ربما كلمة من عالم تسمع ينتفع بها فئام من الناس وما زلنا الآن ننتفع بأحاديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولم ننتفع بدرهم واحد من الخلفاء الذين كانوا في عهده.
وكذلك العلماء تنتفع بكتبهم وعلومهم، فهذه زكاة. وهذه الزكاة لا تنقص العلم بل تزيده.
يزيد بكثرة الإنفاق منه = وينقص إن به كفا شددت
ومن زكاة العلم أيضا: العمل به لأن العمل به دعوة إليه بلا شك، وكثير من الناس يتأسون بالعالم وبأعماله، أكثر مما يتأسون بأقواله وهذا بلا شك زكاة أيما زكاة، لأن الناس يشربون منها وينتفعون.
ومنها أيضا: ما قاله المؤلف أن يكون صداعا للحق. وهذا من جملة النشر، ولكن النشر قد يكون في حال السلامة والأمن على النفس، وقد يكون في حالة الخطر، فيكون صداعا بالحق.
ومنها: أي من تزكية العلم- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا شك أنه من زكاة العلم، لأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو عارف بالمعروف وعارف بالمنكر، ثم قائم بواجبه نحو هذه المعرفة.
والمعروف: كل ما أمر به الله ورسوله. والمنكر: كل ما نهى الله عنه ورسوله. موازنا بين المصالح والمضار. لأنه قد يكون من الحكمة ألا تنهى حسب ما تقتضيه المصلحة، فالإنسان ينظر إلى المصالح والمضار.**
وقوله : «ناشرا للعلم وحب النفع» يعني تنشر العلم بكل وسيلة للنشر من قول باللسان وكتابة بالبنان. وبكل طريق، وفي عصرنا هذا سخر الله لنا الطرق لنشر العلم، فعليك أن تنتهز هذه الفرصة من أجل أن تنشر العلم الذي أعطاك الله إياه، فإن الله تعالى أخذ على أهل العلم ميثاق أن يبينوه للناس ولا يكتموه، ثم ساق المؤلف حديث أبي هريرة رضي الله عنه والشاهد في قوله «أو علم ينتفع به» .
أما قوله :«قال بعض أهل العلم. فبدله صدقة ينتفع بها والمتلقي لها ابن للعالم في تعلمه عليه».
هذا قصور. والصواب خلاف ذلك. أن المراد بالصدقة الجارية، صدقة المال.
وأما صدقة العلم فذكرها بعده بقوله «أو علم ينتفع به أو ولد صالح»* المراد به الولد بالنسب، لا الولد بالتعليم.
فحمل الحديث على أن المراد بالعالم يعلم فيكون صدقة ويبقى علمه بعد موته ينتفع به ويكون طلابه أبناء له، فهذا لا شك تقصير في تفسير الحديث.
والصواب: أن الحديث دل على ثلاثة أجناس مما ينتفع به الإنسان بعد موته.
الصدقة الجارية، والصدقة إما جارية وإما مؤقتة. فإذا أعطبت فقيرا يشتري طعاما فهذه صدقة لكنها مؤقتة، وإذا حفرت بئرا ينتفع به المسلمون بالشرب، فهذه صدقة جارية.
والأولى أن يقال «ولبركة العلم» فهذا أمثل، لكونه يزيد بكثرة الإنفاق. ووجه زيادته أن الإنسان إذا علم الناس مكث علمه في قلبه واستقر، وإذا غفل نسي.
ثانيا- أنه إذا علم الناس فلا يخلو هذا التعليم من الفوائد الكثيرة، بمناقشة أو سؤال، فينمي علمه ويزداد، وكم من أستاذ تعلم من تلاميذه. قد يذكر التلميذ مسألة ما جرت على بال الأستاذ وينتفع بها الأستاذ فلهذا كان بذل العلم سببا في كثرته وزيادته.
ثم لا تيأس ولا تقل: إن الناس غلب عليهم الفسق والمجون والغفلة، لا! أبذل النصيحة ما استطعت ولا تيأس لأنك إذا تقاعست واستحسرت فمن يفرح بذلك ؟ الفساق والفجار. كما قيل:
خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري
فلا تيأس، فكم من إنسان يأست من صلاحه، ففتح الله عليه وصلح. لكن يئست.

آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ

القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :

45- زكاةُ العِلْمِ :
أَدِّ ( زَكاةَ العِلْمِ ) : صادعًا بالحَقِّ ، أمَّارًا بالمعروفِ ، نَهَّاءًا عن الْمُنْكَرِ ، مُوازِنًا بينَ الْمَصالِحِ والْمَضَارِّ ، ناشرًا للعِلْمِ ، وحبِّ النفْعِ وبَذْلِ الجاهِ ، والشفاعةِ الحسَنَةِ للمسلمينَ في نوائِبِ الحقِّ والمعروفِ .
وعن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ، أَوْعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ)) رواه مسلِمٌ وغيرُه .
قالَ بعضُ أهلِ العلْمِ : هذه الثلاثُ لا تَجتمِعُ إلا للعالِمِ الباذِلِ لعِلْمِه فبَذْلُه صَدَقَةٌ ، يُنْتَفَعُ بها ، والْمُتَلَقِّي لها ابنٌ للعالِمِ في تَعَلُّمِه عليه ، فاحْرِصْ على هذه الْحِلْيَةِ ؛ فهي رأسُ ثَمرةِ عِلْمِكَ .
ولشَرَفِ العِلْمِ ؛ فإنه يَزيدُ بكثرةِ الإنفاقِ ، ويَنْقُصُ مع الإشفاقِ ، وآفَتُه الكِتْمَانُ .
ولا تَحْمِلْكَ دَعْوَى فَسادِ الزمانِ ، وغَلَبَةِ الفُسَّاقِ ، وضَعْفِ إفادةِ النصيحةِ عن واجبِ الأداءِ والبَلاغِ ، فإن فَعَلْتَ ، فهي فِعْلَةٌ يَسوقُ عليها الفُسَّاقُ الذهَبَ الأحْمَرَ لِيَتِمَّ لهم الخروجُ على الفضيلةِ ورَفْعُ لواءِالرَّذيلةِ .
الشيخ :

الأدب الخامس والأربعون : الحرص على الدعوة ونشر العلم وبثّه في الأمّة ، سواءًا إذا وجدت شخصا تاركا لما تعلمه من الخير والصدق أو بواسطة مجالس العلم ، أو بالتأليف أو نحو ذلك.
وهكذا أيضا الحرص على نفع الآخرين بالشفاعة الحسنة لهم ، والعلم يزيد بالنفقة منه ، كلما دعوت إليه وعلّمت الناس بقي العلم في نفسك ، وأعطاك الله علما لم تكن عالما به ، وبارك الله بعلمك ، وكلما تكاسل الإنسان في نشر العلم فإنه سينساه عن قرب ، ولن يُبارك له في علمه ، بعض الناس يقول : الناس قد فسدوا ، وتجاهلوا العلم.
فنقول : هذه تجعلك تحرص على كثرة التعليم ، وتبذل الأسباب ، فإذا فسد الناس وكثر الجهل فيهم ، فلابد أن يقوم العلماء وطلبة العلم بالتعليم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ما بال أقوام لا يعلّمون جيرانهم ، وما بال أقوام لا يتعلّمون من جيرانهم"x
ضعيف
والفسّاق يريدون من العلماء أن يسكتوا ولا ينشروا علما ولا يوجّهوا الناس وينصحوهم ليتمكّنوا من مرادهم في فسقهم ، لكن ينبغي ألا نحقق مطلوبهم ، وأن نحتسب للأجر في بث العلم ، نعم.
آفاق التيسير

.**قال سفيان الثوري رحمه الله: «لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى».
ينبغي أن نعلم أنه إذا غلب على ظن من ينهى عن المنكر أنه إذا قام بتغيير هذا المنكر، فإنه يتعدى الضرر والأذى الكبير إلى أحد من أقاربه، أو أصحابه، أو جيرانه، أو يُعتدى على محارمه، أو غيرهم من الناس وهم غير راضين عن ذلك، فلم يجز له تغيير هذا المنكر، ويصبح ترك النهي عن المنكر في هذه الحالة واجباً، لأن التغيير لا يتحقق إلا بمنكر أعظم منه
قال الإمام أبو حامد الغزالي - رحمه الله تعالى - في الحديث عن الحسبة:

«فإذا كان يؤدي ذلك إلى أذى فوقه ليتركه، وذلك كالزاهد الذي له أقارب أغنياء، فإنه لا يخاف على ماله إن احتسب على السلطان، ولكنه - أي السلطان - يقصد أقاربه انتقاماً منه بواسطته، فإذا كان يتعدى الأذى من حسبته إلى أقاربه، وجيرانه فليتركها فإن إيذاء المسلمين محظور، كما أن السكوت على المنكر محظور»

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الحكام وولاة الأمور:
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الحكام، وولاة الأمور، من المسائل الهامة، والتي إذا أساء الناس فهمها، لترتب على ذلك فتن عظيمة، ومفاسد كبيرة في البلاد والعباد، ويجب أن نعلم أن الله قد أرسل رسولين كريمين، وهما موسى وهارون إلى حاكم كافر، ادعى أنه رب لهذا الكون وأنه إله للناس، وهو فرعون والله تعالى يعلم أن فرعون سوف يموت على كفره وعلى الرغم من ذلك طلب منهما أن ينهياه عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، فقال سبحانه وتعالى: "اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى *فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى *قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى *قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى *فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى *إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى"
فانظر أخي الكريم:إذا كانت هذه هي كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الحاكم الكافر، فكيف تكون إذاً مع الحاكم المسلم؟ إنها لا شك يجب أن تكون أكث ليناً في الكلام مع استخدام حسن الأدب في الحوار.
نصيحة ولاة الأمور تكون سراً:
ينبغي أن تكون النصيحة للحكام، وولاة الأمور سراً، ودون التشهير بهم أمام عامة الناس، وذلك بدليل ما يلي:
روى أحمد في مسنده من حديث عياض بن غنم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يُبْدِ لَهُ علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا قد أدى الذي عليه له هنا
"مَن أرادَ أن ينصحَ لذي سلطانٍ في أمرٍ فلا يُبدِهِ عَلانيةً ولَكِن ليأخذْ بيدِهِ فيَخلوَ بهِ فإن قبِلَ منهُ فذاكَ وإلَّا كانَ قد أدَّى الَّذي علَيهِ لَهُ"
الراوي : عياض بن غنم - المحدث : الألباني - المصدر : تخريج كتاب السنة
-الصفحة أو الرقم: 1097 - خلاصة حكم المحدث : صحيح
*ولد صالح يدعو له.
سواء أكان من أولاده الحسيين أو مـــن أولاده الروحيين الذين تخرجوا بتعليمه ، وهدايته وإرشاده ،السعدي .هنا
ولد صالح يدعو له. ولد يشمل ذكر وأنثى يعني ابن أو بنت يشمل ابنك لصلبك وابنتك لصلبك وأبناء أبنائك وأبناء بناتك وبنات أبنائك وبنات بناتك إلى آخره ولد صالح يدعو للإنسان بعد موته هذا أيضا يثاب عليه الإنسان وانظر كيف قال الرسول صلى الله عليه وسلم ولد صالح يدعو له ولم يقل: ولد صالح يصلي له أو يقرأ له القرآن أو يتصدق عنه أو يصم عنه لا ما قال هذا مع أن هذه كلها أعمال صالحة بل قال: ولد صالح يدعو له وفي هذا دليل على أن الدعاء لأبيه وأمه وجده وجدته أفضل من الصدقة عنهم وأفضل من الصلاة لهم وأفضل من الصيام لهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يدل أمته إلا على خير ما يعلمه لهم ما من نبي بعثه الله إلا & دل أمته على خير ما يعلمه لهم فلو علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن كونك تتصدق عن أبيك وأمك أفضل من الدعاء لقال في الصدقة ما قال الدعاء فلما عدل عن الصدقات والصيام والصلاة وقراءة القرآن والمقام مقام تحدث عن الأعمال لما عدل عن هذه الأعمال إلى الدعاء علمنا يقينا لا إشكال فيه أن الدعاء أفضل من ذلك فلو سألنا سائل: أيهما أفضل أتصدق لأبي أو ادعو له قلنا الدعاء أفضل لأن رسول الله . شرح رياض الصالحين للعثيمين هنا
x
ما بالُ أقوامٍ لا يُفقِّهون جيرانَهم ، ولا يُعلِّمونهم ، ولا يَعِظونَهم ، ولا يأمرونهم ، ولا ينهونهم ؟ ! وما بالُ أقوامٍ لا يتعلَّمون من جيرانِهم ، ولا يتفقَّهون ! ولا يتَّعِظون ؟ ! واللهِ لَيُعلِّمَنَّ قومٌ جيرانَهم ، ويُفقِّهونهم ، ويعِظونهم ، ويأمرونهم ، وينهونهم ، ولَيَتَعَلَّمنَّ قومٌ من جيرانهم ، ويتفقَّهون ، ويتَّعِظون ، أو لأُعاجِلنَّهم العقوبةَ . ثم نزل . فقال قومٌ : مَن ترونَه عَنِيَ بهؤلاءِ ؟ قال : الأشعريِّينَ ، هم قومٌ فقهاءُ ، ولهم جيرانٌ جفاةٌ من أهلِ المياهِ والأعرابِ فبلغ ذلك الأشعريِّينَ ، فأتوا رسولَ اللهِ فقالوا : يا رسولَ اللهِ ! ذكرتَ قومًا بخيرٍ ، وذكرتَنا بشرٍّ ، فما بالُنا ؟ فقال : لَيُعلِّمَنَّ قومٌ جيرانَهم وليَعِظُنَّهم ، وليأمرُنَّهم ، ولينهونَّهم ، وليتعلمَنَّ قومٌ من جيرانِهم ويتَّعظون ويتفقّهون ، أو لأعاجلنَّهم العقوبةَ في الدنيا . فقالوا : يا رسولَ اللهِ ! أَنُفَطِّنُ غيرَنا ؟ فأعاد قولَه عليهم ، فأعادوا قولَهم : أَنُفطِّنُ غيرَنا ؟ فقال ذلك أيضًا . فقالوا : أَمهِلْنا سنةً ، فأمهلَهم سنةً ، ليُفقِّهونهم ، ويُعلِّمونهم ، ويعِظونهم . ثم قرأ رسولُ اللهِ هذه الآيةَ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ الآية .
الراوي : عبدالرحمن بن أبزى - المحدث : الألباني - المصدر : ضعيف الترغيب-الصفحة أو الرقم: 97 - خلاصة حكم المحدث : ضعيف
هنا

أم أبي التراب 11-06-2018 04:30 AM

46- عزة العلماء
التَّحَلِّي بـ ( عِزَّةِ العُلَمَاءِ ) : صيانةُ العِلْمِ وتَعظيمُه ، وحمايةُ جَنابِ عِزِّه وشَرَفِه وبِقَدْرِ ما تَبْذُلُه في هذا يكونُ الكَسْبُ منه ومن العَمَلِ به ، وبِقَدْرِ ما تُهْدِرُه يكونُ الفَوْتُ ، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العزيزِ الحكيمِ .
وعليه ؛ فاحْذَرْ أن يَتَمَنْدَلَ بك الكُبراءُ ، أو يَمْتَطِيَكَ السفهاءُ ، فتُلَايِنَ في فَتْوَى أو قضاءٍ أو بَحْثٍ أو خِطابٍ .
ولا تَسْعَ به إلى أهلِ الدنيا ، ولا تَقِفْ به على أَعتابِهم ، ولا تَبْذُلْه إلى غيرِ أهلِه وإن عَظُمَ قَدْرُه .
ومَتِّعْ بَصَرَك وبَصِيرَتَكَ بقِراءةِ التراجِمِ والسيَرِ لأَئِمَّةٍ مَضَوْا ، تَرَ فيها بَذْلَ النفْسِ في سبيلِ هذه الحمايةِ لا سِيَّمَا مَن جَمَع مُثُلًا في هذا ؛ مثلَ كتابِ ( من أخلاقِ العُلماءِ ) لِمُحَمَّدٍ سليمانَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ ( الإسلامِ بينَ العُلماءِ والحكَّامِ ) لعبدِ العزيزِ البَدْرِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ ( مَناهِجِ العُلماءِ في الأمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عن الْمُنكَرِ ) لفاروقٍ السامَرَّائيِّ .
وأرجو أن تَرى أضعافَ ما ذَكَرُوه في كتابِ ( عِزَّةِ العُلَمَاءِ ) يَسَّرَ اللهُ إتمامَه وطَبْعَه .
وقد كان العلماءُ يُلَقِّنُونَ طُلَّابَهُم حِفْظَ قصيدةِ الْجُرجانيِّ عليِّ بنِ عبدِ العزيزِ ( م سنةَ 392 هـ ) رَحِمَه الله تعالى كما نَجِدُها عندَ عددٍ من مُتَرْجِمِيهِ ، ومَطْلَعُها .
يقولونَ لي فيك انقباضٌ وإنما = رَأَوْا رجُلًا عن مَوْضِعِ الذلِّ أَحْجَمَا
أرى الناسَ مَن داناهُم هانَ عِنْدَهمْ = ومَن أَكرَمَتْهُ عِزَّةُ النفْسِ أُكْرِمَا
ولو أنَّ أهلَ العلْمِ صانُوه صانَهُمْ = ولو عَظَّمُوه في النفوسِ لعَظَّمَا

( لعَظَّمَا ) بفتحِ الظاءِ المعجَمَةِ الْمُشالَةِ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )

التَّحَلِّي بـ ( عِزَّةِ العُلَمَاءِ ) : صيانةُ العِلْمِ وتَعظيمُه ، وحمايةُ جَنابِ عِزِّه وشَرَفِه وبِقَدْرِ ما تَبْذُلُه في هذا يكونُ الكَسْبُ منه ومن العَمَلِ به ، وبِقَدْرِ ما تُهْدِرُه يكونُ الفَوْتُ ، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العزيزِ الحكيمِ .
وعليه ؛ فاحْذَرْ أن يَتَمَنْدَلَ** بك الكُبراءُ ، أو يَمْتَطِيَكَ السفهاءُ ، فتُلَايِنَ في فَتْوَى أو قضاءٍ أو بَحْثٍ أو خِطابٍ .
ولا تَسْعَ به إلى أهلِ الدنيا ، ولا تَقِفْ به على أَعتابِهم ، ولا تَبْذُلْه إلى غيرِ أهلِه وإن عَظُمَ قَدْرُه .
هذا فيه شيء صواب، وشيء فيه نظر، صيانة العلم وتعظيمه وحماية جنابه، لا شك أنه عز وشرف. فإن الإنسان إذا صان علمه عن الدناءة وعن التطلع إلى ما في أيدي الناس، وعن بذل نفسه فهو أشرف له وأعز، ولكن كون الإنسان لا يسعى به إلى أهل الدنيا ولا يقف على أعتابهم ولا يبلغه إلى غير أهله وإن عظم قدره فيه تفصيل.
فيقال إذا سعيت به إلى أهل الدنيا وكانوا ينتفعون بذلك فهذا خير، وهو داخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما إن كانوا يقفون من هذا العالم الذي دخل عليهم وأخذ يحدثهم، موقف الساخر المتململ، فهنا لا ينبغي أن يهدي العلم إلى هؤلاء، لأنه إهانة له وإهانة لعلمه. ولنفرض أن رجلا دخل على أناس من هؤلاء النفر، وجلس، وجعل يتحدث إليهم بأمور شرعية، ولكنه يشاهدهم تتمعر وجوههم، ويتململون ويتغامزون، فهؤلاء لا ينبغي أن يحوم حولهم لأن هذا ذل له ولعلمه.
أما إذا دخل على هؤلاء وجلس وتحدث، ووجد وجوها تهش، وأفئدة تطمئن، ووجد منهم إقبالا، فها هنا يجب أن يفعل، ولكل مقام مقال.
لو كان دخل طالب علم صغير على هؤلاء المترفين، فلربما يقفون منه موقف الاستهزاء والسخرية، لكن لو دخل عليهم من له وزن عندهم وعند غيرهم لكان الأمر بالعكس، فلكل مقام مقال.
ومَتِّعْ بَصَرَك وبَصِيرَتَكَ بقِراءةِ التراجِمِ والسيَرِ لأَئِمَّةٍ مَضَوْا ، تَرَ فيها بَذْلَ النفْسِ في سبيلِ هذه الحمايةِ لا سِيَّمَا مَن جَمَع مُثُلًا في هذا ؛ مثلَ كتابِ ( من أخلاقِ العُلماءِ ) لِمُحَمَّدٍ سليمانَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ ( الإسلامِ بينَ العُلماءِ والحكَّامِ ) لعبدِ العزيزِ البَدْرِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ ( مَناهِجِ العُلماءِ في الأمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عن الْمُنكَرِ ) لفاروقٍ السامَرَّائيِّ .
وأرجو أن تَرى أضعافَ ما ذَكَرُوه في كتابِ ( عِزَّةِ العُلَمَاءِ ) يَسَّرَ اللهُ إتمامَه وطَبْعَه .
وقد كان العلماءُ يُلَقِّنُونَ طُلَّابَهُم حِفْظَ قصيدةِ الْجُرجانيِّ عليِّ بنِ عبدِ العزيزِ ( م سنةَ 392 هـ ) رَحِمَه الله تعالى كما نَجِدُها عندَ عددٍ من مُتَرْجِمِيهِ ، ومَطْلَعُها .

ومن أحسن ما رأيت في هذا كتاب «روضة العقلاء» للبسني، كتاب عظيم على اختصاره، فيه فوائد عظيمة ومآثر كريمة للعلماء المحدثين وغيرهم، وكان مقررا في المعاهد أيام كنا ندرس في المعهد، مقررا كتاب مطالعة للطلاب وانتفع به الكثير.
أما ما ذكره الشيخ بكر، يعضها اطلعنا عليه، وبعضها لم نطلع عليه، لكن بعضها مختصر جدا، لا يستفيد الإنسان منه كثير فائدة. لكن سير أعلام النبلاء مفيد أيضا فائدة كبيرة، فمراجعته عظيمة. أما كتاب «عزة العلماء» فهو من كتابات المؤلف، وهو يدعو إلى الله تعالى أن ييسر إتمامه وطبعه.

يقولون لي فيك انقباض وإنما = رأوا رجلا عن موضع الذل احجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم = ومن أكرمته عزة النفس أكرما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم = لو عظموه في النفوس لعظما

(لعظما)، بفتح الظاء المعجمة المشالة.
هذا الضبط فيه نظر، والظاهر: ولو عظموه في النفوس لعظما. يعني لكان عند الناس عظيما، لكنهم لم يعظموه في النفوس، بل أهانوه وبذلوه لكل غال ورخيص.
وهذه مرت علي في البداية والنهاية لابن كثير في ترجمة الناظم الذي نظمها.

آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ

القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
46- عِزَّةُ العُلماءِ :
التَّحَلِّي بـ ( عِزَّةِ العُلَمَاءِ ) : صيانةُ العِلْمِ وتَعظيمُه ، وحمايةُ جَنابِ عِزِّه وشَرَفِه وبِقَدْرِ ما تَبْذُلُه في هذا يكونُ الكَسْبُ منه ومن العَمَلِ به ، وبِقَدْرِ ما تُهْدِرُه يكونُ الفَوْتُ ، ولا حولَ ولاقُوَّةَ إلا باللهِ العزيزِ الحكيمِ .
وعليه ؛ فاحْذَرْ أن يَتَمَنْدَلَ بك الكُبراءُ ، أو يَمْتَطِيَكَ السفهاءُ ، فتُلَايِنَ في فَتْوَى أو قضاءٍ أو بَحْثٍ أو خِطابٍ .
ولا تَسْعَ به إلى أهلِ الدنيا ، ولا تَقِفْ به على أَعتابِهم ، ولاتَبْذُلْه إلى غيرِ أهلِه وإن عَظُمَ قَدْرُه .
ومَتِّعْ بَصَرَك وبَصِيرَتَكَ بقِراءةِ التراجِمِ والسيَرِ لأَئِمَّةٍ مَضَوْا ، تَرَى فيها بَذْلَ النفْسِ في سبيلِ هذه الحمايةِ لا سِيَّمَا مَن جَمَع مُثُلًا في هذا ؛ مثلَ كتابِ ( من أخلاقِ العُلماءِ ) لِمُحَمَّدٍ سليمانَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ ( الإسلامِ بينَ العُلماءِ والحكَّامِ ) لعبدِ العزيزِ البَدْرِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ(مَناهِجِ العُلماءِ في الأمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عن الْمُنكَرِ ) لفاروقٍ السامَرَّائيِّ .
وأرجو أن تَرى أضعافَ ما ذَكَرُوه في كتابِ ( عِزَّةِ العُلَمَاءِ ) يَسَّرَ اللهُ إتمامَه وطَبْعَه .
وقد كان العلماءُ يُلَقِّنُونَ طُلَّابَهُم حِفْظَ قصيدةِ الْجُرجانيِّ عليِّ بنِ عبدِ العزيزِ ( م سنةَ 392 هـ ) رَحِمَه الله تعالى كما نَجِدُها عندَ عددٍ من مُتَرْجِمِيهِ ، ومَطْلَعُها .
يـقـولـونَ لـــي فـيــك انـقـبـاضٌ وإنـمــا رَأَوْا رجُلًا عن مَوْضِعِ الذلِّ أَحْجَمَا
أرى الناسَ مَن داناهُم هانَ عِنْدَهمْ ومَـــن أَكـرَمَـتْـهُ عِـــزَّةُ الـنـفْـسِ أُكْـرِمَــا
ولـو أنَّ أهـلَ العلْـمِ صانُـوه صانَهُـمْ ولــو عَظَّـمُـوه فـــي الـنـفـوسِ لعَـظَّـمَـا
(لعَظَّمَا ) بفتحِ الظاءِ المعجَمَةِ الْمُشددةِ .
الشيخ :
قال المؤلف في الأدب السادس والأربعين : عزة العلماء ، بحيث لا يبذل العلماء علمهم فيما لا يناسبه من المواطن والمحال ، و بحيث لا يكون العلماء ممن يبذل علمه في تحقيق أهواء الناس وأغراضهم المخالفة للشريعة.
قال المؤلف : (التحلّي بـ "عزة العلماء") وفسّره : بصيانة العلم وتعظيمه وحماية جناب عزه.
قال : (و عليه فاحذر أن يتمندل بك الكبراء) يعني يجعلونك منديلا يمسحون به أيديهم ، لماذا؟ لأنك تذل لهم ، ومن ثَمّ يتوصلون بك إلى تحقيق أغراضهم.
(أو يمتطيك السفهاء) يعني يركبوك ويجعلوك مطيّة لهم ، ومن ثَمّ : (تلاين لهم في فتوى أو في قضاء أو في بحث أو في خطاب) ومما يترتب على هذا أن يعزّ طالب العلم نفسه ، فلا يذهب إلى مجالس أهل الدنيا إلا إذا دعوه ليبلّغ حقّه ، وأما أن يذهب إليهم ابتداء فليس هذا من طالب العلم.
(ولا تقف به على أعتابهم) وكثير من الأئمة يقول بأنّ مجالس العلم يُؤتى إليها ، ولا يصح أن تُنقل مجالس العلم إلى مواطن أهل الدنيا ، فيقال : إذا أردت التعلّم فتعال.
والإمام أحمد وغيره من الأئمة طلبهم السلاطين في وقتهم إلى أن ينقلوا حديثهم لمواطن السلطان فأبوا ، وقال الواثق –في ظني-: أريد أن تعلم فلانا وفلانا من أبنائي ، قال : فليحضروا إلينا وليتعلموا كما يتعلم غيرهم.
وجاء هشام بن عبد الملك فطاف بالبيت وجاءت له مسألة ، فجاء إلى عطاء وكان يصلي ، فما نقص من صلاته شيئا ، ثم بعد ذلك أجاب الناس حتى جاء الدور إلى هشام بن عبد الملك فأجابه عن مسألته.
ولازال العلماء في الزمان الأول يأتيهم الولاة ويأتيهم الأمراء ويسألونهم في مسائلهم في بيوت العلماء ، فالعلم يُؤتى إليه.
وذكر المؤلف نماذج من كتب أهل العلم التي ذكرت تراجم وسير لأئمة مضوا ، حموا أنفسهم من إذلال علمهم لمثل هؤلاء ، إلا أنّ بعض أهل العلم خصّ من هذا مجلس الإمام الأعظم ، فالعلماء ينبغي بهم أن يحرصوا على سوق ما لديهم من علم إليه ، ومثل هذا يختلف باختلاف اجتهاد المجتهدين.
وذكر المؤلف قصيدة الجرجاني وفيها شيء من هذا المعنى ، وقد جاء في سنن أبي داود أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من بدا جفا ، ومن تتبع الصيد غفل ، ومن أتى أبواب السلاطين افتتن" وهذا له أسانيد متعددة يُقوّي بعضها بعضا.
آفاق التيسير

**قال سفيان الثوري: إنما اتجرت لئلا يتمندل بنا هؤلاء أي طلبت التجارة. لئلا يتسلط علي أهل الملك والجاه فأكون في أيديهم كالمنديل التجارة عز نفس

أم أبي التراب 11-06-2018 04:32 AM

47 – صِيانةُ العِلْمِ
إن بَلَغْتَ مَنْصِبًا فتَذَكَّرْ أنَّ حَبْلَ الوَصْلِ إليه طَلَبُكَ للعِلْمِ ، فبِفَضْلِ اللهِ ثم بسببِ عِلْمِك بلَغْتَ ما بَلَغْتَ من وَلايةٍ في التعليمِ ، أو الفُتْيَا أو القضاءِ ... وهكذا فأَعْطِ العِلْمَ قَدْرَه وحَظَّهُ من العمَلِ به وإنزالَه مَنْزِلَتَهُ .
واحْذَرْ مَسْلَكَ مَن لا يَرْجُونَ للهِ وَقَارًا ، الذين يَجْعَلون الأساسَ ( حِفْظَ الْمَنْصِبِ ) فيَطْوُونَ أَلْسِنَتَهُم عن قولِ الحَقِّ ، ويحملُهم حُبُّ الوَلايةِ على الْمُجَارَاةِ .
فالْزَمْ – رَحِمَكَ اللهُ – المحافَظَةَ على قِيمَتِكَ بحِفْظِ دِينِك ، وعِلْمِك وشَرَفِ نفسِكَ ، بحِكْمَةٍ ودِرايةٍ وحُسْنِ سِياسةٍ : ( احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ ) ( احْفَظِ اللهَ في الرخاءِ يَحْفَظْكَ في الشدَّةِ ... )1 .
وإن أَصْبَحْتَ عاطلًا من قِلادةِ الوِلايةِ – وهذا سبيلُك ولو بعدَ حينٍ – فلا بأسَ ؛ فإنه عَزْلُ مَحْمَدَةٍ لا عَزْلُ مَذَمَّةٍ ومَنْقَصَةٍ .
ومن العجيبِ أنَّ بعضَ مَن حُرِمَ قَصْدًا كبيرًا من التوفيقِ لا يكونُ عندَه الالتزامُ والإنابةُ والرجوعُ إلى اللهِ إلا بعدَ
( التقاعُدِ ) ، فهذا وإن كانت تَوبَتُه شرعيَّةً ؛ لكن دِينَه ودِينَ العجائزِ سواءٌ ، إذ لا يَتَعَدَّى نَفْعُه ، أمَّا وَقْتُ وِلايتِه حالَ الحاجةِ إلى تَعَدِّي نَفْعِه ؛ فتَجِدُه من أَعْظَمِ الناسِ فُجورًا وَضَرَرًا ، أو باردَ القلْبِ أَخْرَسَ اللسانِ عن الْحَقِّ .
فنَعوذُ باللهِ من الْخِذلانِ .

شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ
إن بَلَغْتَ مَنْصِبًا فتَذَكَّرْ أنَّ حَبْلَ الوَصْلِ إليه طَلَبُكَ للعِلْمِ ، فبِفَضْلِ اللهِ ثم بسببِ عِلْمِك بلَغْتَ ما بَلَغْتَ من وَلايةٍ في التعليمِ ، أو الفُتْيَا أو القضاءِ ... وهكذا فأَعْطِ العِلْمَ قَدْرَه وحَظَّهُ من العمَلِ به وإنزالَه مَنْزِلَتَهُ .
واحْذَرْ مَسْلَكَ مَن لا يَرْجُونَ للهِ وَقَارًا ، الذين يَجْعَلون الأساسَ ( حِفْظَ الْمَنْصِبِ ) فيَطْوُونَ أَلْسِنَتَهُم عن قولِ الحَقِّ ، ويحملُهم حُبُّ الوَلايةِ على الْمُجَارَاةِ .
فالْزَمْ – رَحِمَكَ اللهُ – المحافَظَةَ على قِيمَتِكَ بحِفْظِ دِينِك ، وعِلْمِك وشَرَفِ نفسِكَ ، بحِكْمَةٍ ودِرايةٍ وحُسْنِ سِياسةٍ : ( احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ ) ( احْفَظِ اللهَ في الرخاءِ يَحْفَظْكَ في الشدَّةِ ... )


إذا أراد بهذا الحديث، فليس هذا لفظ الحديث، والجملة الثانية «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» هذا نص الحديث.
يريد بهذه الآداب: أن الإنسان يصون علمه، فلا يجعله مبتذلا، بل يجعله محترما، معظما، فلا يلين في جانب من لا يريد الحق، بل يبقى طورا شامخا، ثابتا، وأما أن يجعله الإنسان سبيلا إلى المداهنة وإلى المشي فوق بساط الملوك وما أشبه ذلك، فهذا أمر لا ينبغي، ولم يكن الإنسان صائنا لعلمه إذا سلك الإنسان هذا المسلك.
والواجب قول الحق، لكن قول الحق قد يكون في مكان دون مكان، والإنسان ينتهز الفرصة فلا يفوتها، ويحذر الذلة فلا يقع فيها.
قد يكون من المستحسن أن لا أتكلم في هذا المكان بشيء، وأن أتكلم في مكان آخر، لأني أعرف أن كلامي في الموضع الآخر أقرب إلى القبول والاستجابة. فلكل مقام مقال، ولهذا يقال : «
بحِكْمَةٍ ودِرايةٍ وحُسْنِ سِياسةٍ» فلا بد أن الإنسان يكون عنده علم ومعرفة وسياسة، بحيث يتكلم إذا كان للكلام محل، ويسكت إذا كان ليس للكلام محل.
وقوله :«وفي الحديث «احفظ الله يحفظك» يعني: احفظ حدود الله كما قال الله تعالى في سورة التوبة : ( والحافظون لحدود الله) (سورة التوبة: 112). فلا ينتهكونها بفعل محرم، ولا يضيعونها بترك واجب.
وقوله «يحفظك» يعني في دينك ودنياك وفي أهلك ومالك. فإن قال قائل: إننا نرى بعض الحافظين لحدود الله يصيبهم ما يصيبهم. فنقول: هذا زيادة في تكفير سيئاتهم ورفعة درجاتهم، ولا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» قوله «يعرفك» لا تظن أن الله تعالى لا يعرف الإنسان إذا لم يتعرف إليه، لكن هذه معرفة خاصة، فهي كالنظر الخاص المنفي عمن نفي عنه كما في قوله تعالى : (ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم) (سورة آل عمران: 77). مع أن الله لا يغيب عن نظره شيء، لكن النظر، نظران:
نظر خاص، ونظر عام. كذلك المعرفة: معرفة خاصة، ومعرفة عامة. والمراد هنا المعرفة الخاصة.
بقي أن يقال: إن المشهور عند أهل العلم أن الله تعالى لا يوصف بأنه عارف.
يقال: عالم، ولا يقال عارف.
وفرقوا بين العلم والمعرفة. بأن المعرفة تكون للعلم اليقيني والظني وأنها- أي معرفة- انكشاف بعد خفاء. وأما العلم فليس كذلك.
فنقول ليس المراد بالمعرفة هنا ما أراده الفقهاء أو أراده الأصوليون إنما المراد بالمعرفة هنا: أن الله تعالى يزداد عناية لك ورحمة بك، مع علمه بأحوالك- عز وجل.
وإن أَصْبَحْتَ عاطلًا من قِلادةِ الوِلايةِ – وهذا سبيلُك ولو بعدَ حينٍ – فلا بأسَ ؛ فإنه عَزْلُ مَحْمَدَةٍ لا عَزْلُ مَذَمَّةٍ ومَنْقَصَةٍ .
هذه قاعدة مهمة: وهي أن الإنسان إذا أصبح عاطلا عن قلادة الولاية، - وهذا سبيلك ولو بعد حين- يعني سوف تترك الولاية ولو بقيت في الولاية حتى الموت فإنك ستتركها لا بد.
وقوله : «
فلا بأسَ ؛ فإنه عَزْلُ مَحْمَدَةٍ لا عَزْلُ مَذَمَّةٍ ومَنْقَصَةٍ .». هذا أيضا ليس على عمومه، لأن من الناس من يعزل عزل محمدة وعزة لكونه يقوم بالواجب عليه من الملاحظة والنزاهة، لكن يضيق على من تحته فيحفرون له حتى يقع، وهذا كثير مع الأسف. ومن الناس من يعزل لأنه قد تبين أنه ليس أهلا للولاية، فهل هذا العزل عزل محمدة أم عزل مذمة؟ عزل مذمة لا شك.
ومن العجيبِ أنَّ بعضَ مَن حُرِمَ قَصْدًا كبيرًا من التوفيقِ لا يكونُ عندَه الالتزامُ والإنابةُ والرجوعُ إلى اللهِ إلا بعدَ ( التقاعُدِ ) ، فهذا وإن كانت تَوبَتُه شرعيَّةً ؛ لكن دِينَه ودِينَ العجائزِ سواءٌ ، إذ لا يَتَعَدَّى نَفْعُه ، أمَّا وَقْتُ وِلايتِه حالَ الحاجةِ إلى تَعَدِّي نَفْعِه ؛ فتَجِدُه من أَعْظَمِ الناسِ فُجورًا وَضَرَرًا ، أو باردَ القلْبِ أَخْرَسَ اللسانِ عن الْحَقِّ .فنَعوذُ باللهِ من الْخِذلانِ .
من العجب أن بعض الناس إذا عزل عن الولاية وترك المسؤولية ازداد إنابة إلى الله عز وجل، لأنه إن عزل في حالة يحمد عليها لجأ إلى الله وعرف أنه لا يغنيه أحد عن الله عز وجل، وعرف افتقاره إلى الله تبارك وتعالى، فصلحت حاله. وإن كان انفصاله إلى غير ذلك فلربما يمن الله عليه بالتوبة لتفرغه وعدم تحمله المسئولية، فيعود إلى الله تبارك وتعالى.
وأما قوله : «و
أمَّا وَقْتُ وِلايتِه حالَ الحاجةِ إلى تَعَدِّي نَفْعِه ؛ فتَجِدُه من أَعْظَمِ الناسِ فُجورًا وَضَرَرًا ».
هذا موجود بلا شك، لكنه ليس كثيرا في الناس، والحمد لله. لكن من الناس من يكون متهاونا في أداء وظيفته، فإذا تركها رجع إلى الله عز وجل.


آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ

القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
47- صِيانةُ العِلْمِ :
إن بَلَغْتَ مَنْصِبًا فتَذَكَّرْ أنَّ حَبْلَ الوَصْل ِإليه طَلَبُكَ للعِلْمِ ، فبِفَضْلِ اللهِ ثم بسببِ عِلْمِك بلَغْتَ ما بَلَغْتَ من وَلايةٍ في التعليمِ ، أو الفُتْيَا أو القضاءِ ... وهكذا فأَعْطِ العِلْمَ قَدْرَه وحَظَّهُ من العمَلِ به وإنزالَه مَنْزِلَتَهُ .
واحْذَرْ مَسْلَكَ مَن لا يَرْجُونَ للهِ وَقَارًا ، الذين يَجْعَلون الأساسَ ( حِفْظَ الْمَنْصِبِ ) فيَطْوُونَ أَلْسِنَتَهُم عن قول ِالحَقِّ ، ويحملُهم حُبُّ الوَلايةِ على الْمُجَارَاةِ .
فالْزَمْ – رَحِمَكَ اللهُ – المحافَظَةَ على قِيمَتِكَ بحِفْظِ دِينِك ، وعِلْمِك وشَرَفِ نفسِكَ ، بحِكْمَةٍ ودِرايةٍ وحُسْنِ سِياسةٍ : ( احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ ) ( احْفَظِ اللهَ في الرخاءِ يَحْفَظْكَ في الشدَّةِ ... ) .
وإن أَصْبَحْتَ عاطلًا من قِلادةِ الوِلايةِ – وهذا سبيلُك ولو بعدَ حينٍ – فلا بأسَ ؛ فإنه عَزْلُ مَحْمَدَةٍ لا عَزْلُ مَذَمَّةٍ ومَنْقَصَةٍ .
ومن العجيبِ أنَّ بعضَ مَن حُرِمَ قَصْدًا كبيرًا من التوفيقِ لا يكونُ عندَه الالتزامُ والإنابةُ والرجوعُ إلى اللهِ إلا بعدَ (التقاعُدِ ) ، فهذا وإن كانت تَوبَتُه شرعيَّةً ؛ لكن دِينَه ودِينَ العجائزِ سواءٌ، إذ لا يَتَعَدَّى نَفْعُه ، أمَّا وَقْتُ وِلايتِه حالَ الحاجةِ إلى تَعَدِّي نَفْعِه ؛ فتَجِدُه من أَعْظَمِ الناسِ فُجورًا وَضَرَرًا ، أو باردَ القلْبِ أَخْرَسَ اللسانِ عن الْحَقِّ .فنَعوذُ باللهِ من الْخِذلانِ .
الشيخ :
هذا أدب آخر من آداب طالب العلم وهو أنّ المرء إذا كان في منصب أو ولاية فلا ينبغي أن ينقطع عن طلب العلم ، أو إقرائه وتدريسه ليبقى العلم عنده ، وذلك أنه بالتعليم والتدريس يبقى هذا العلم الذي وصل به الإنسان إلى هذه الولاية ، وبذلك يُرضي ربه جل وعلا ، ويتواصل الناس بالعلم وتعليمه و إقرائه ، ويأخذ الخلف عن السلف، ويبقى العلم ويستمر في الأمة.
وأما إذا انقطع الإنسان عن التعلم والتعليم بسبب انشغاله بالولاية ، فإنّ هذا يؤدّي إلى جعله من أهل الجهالة لأنه سينسى ذلك العلم الذي تعلّمه.
وكذلك ليُعلم أنّ ترك المنصب لا يعني منقصة في صاحبه ، وبالتالي ينبغي أن يعوّد أصحابُ المناصب أنفسهم أنهم سيتركون مناصبهم عما قريب ، ولذلك عليهم أن يحرصوا على تقوى الله حال ولايتهم ، وأن يبذلوا ما يستطيعونه من إقراء للعلم ومن أمر بمعروف ونهي عن المنكر تقرّبا لله جل وعلا ، وكذلك إذا عُزل الإنسان من منصبه لا ينبغي لطلبة العلم أن يقاطعوه بحيث إذا كان في المنصب وصلوه ودرسوا على يديه ، وإذا انقطع عن المنصب قاطعوه ، هذا ليس من شأن أهل العلم ، بل إذا ترك منصبه فإن هذا عزل محمدة ، ومن ثَمّ ينبغي لطلبة العلم أن يطلبوا على يديه العلم ، لأنه تفرّغ للإقراء حينئذ ، ولا يُنقص ابتعاده عن قلادة الولاية ، لا يُنقص ذلك من منزلته العلمية ، نعم.
آفاق التيسير
1- تعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يعرفُك في الشدَّةِالراوي : أبو سعيد الخدري و أبو هريرة و ابن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع- الصفحة أو الرقم: 2961 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر السنية

أم أبي التراب 11-06-2018 04:33 AM

48الْمُداراةُ لا الْمُداهَنَةُ :
الْمُداهَنَةُ خُلُقٌ مُنْحَطٌّ ، أمَّا الْمُدارَاةُ فلا ، لكن لا تَخْلِطْ بينَهما فتَحْمِلَك المداهَنَةُ إلى حَضَارِ النفاقِ مُجاهَرَةً ، والْمُداهَنَةُ هي التي تَمَسُّ دِينَك .

شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ القارئ:
الأمر الثامن والأربعون: الْمُداراةُ لا الْمُداهَنَةُ :
الْمُداهَنَةُ خُلُقٌ مُنْحَطٌّ ، أمَّا الْمُدارَاةُ فلا ، لكن لا تَخْلِطْ بينَهما فتَحْمِلَك المداهَنَةُ إلى حَضَارِ النفاقِ مُجاهَرَةً ، والْمُداهَنَةُ هي التي تَمَسُّ دِينَك .
الشيخ:
لا بد أن نعرف ما الفرق بين المداهنة والمداراة؟.
المداهنة: أن يرضى الإنسان بما عليه قبيله، كأنه يقول: لكم دينكم ولي دين، ويتركه.
وأما المداراة: فهو أن يعزم بقلبه على الإنكار عليه، لكنه يداريه فيتألفه تارة، ويؤجل الكلام معه تارة أخرى، وهكذا حتى تتحقق المصلحة.
فالفرق بين المداهنة والمداراة ، أن المداراة يراد بها الإصلاح لكن على وجه الحكمة والتدرج في الأمور.
وأما المداهنة، فإنها الموافقة ولهذا جاءت بلفظ الدهن، لأن الدهن يسهل الأمور، والعامة يقولون في أمثالهم: ادهن السيل يسير يعني: أعطي الرشوة إذا أردت أن تمشي أمورك. على كل حال المداهنة أن الإنسان يترك خصمه وما هو عليه ولا يحاول إصلاحه يقول ما دام أنت ساكت عني فأنا أسكت عنك، {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ }القلم9 والمداراة: أنه يريد الإصلاح ويحاول إصلاح خصمه لكن على وجه الحكمة فيشتد أحيانا ويلين أحيانا وينطق أحيانا ويسكت أحيانا ، وما المطلوب من طالب العلم المداراة أم المداهنة؟ المداراة.
آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ

القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
48- الْمُداراةُ لا الْمُداهَنَةُ :
الْمُداهَنَةُ خُلُقٌ مُنْحَطٌّ ، أمَّا الْمُدارَاةُ فلا ، لكن لا تَخْلِطْ بينَهما فتَحْمِلَك المداهَنَةُ إلى حَضَارِ النفاقِ مُجاهَرَةً ، والْمُداهَنَةُ هي التي تَمَسُّ دِينَك .
الشيخ :
المداهنة : ترك بعض الأحكام الشرعية من أجل صاحبك ، ومنه قوله تعالى : {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ }القلم9 كأن تترك الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر ، هذا مداهنة.
وأما المداراة : فهي المجاراة ، بحيث قد لا أعرف للمسألة التي تكون سببا لإحراج أو مشكل ، لكن المداهنة أن أوافقك وأنا لا أرى رأيك.
ومن أمثلة هذا : أن أعلم أن فلانا يعصي الله بالمعصية الفلانية ، لكنه لا يعصي الله عندي ، فلا أتعرض لهذا خشية من هروبه من الحق وابتعاده عما أقوله من الخير ، فأرشده إلى ما يصلح قلبه ، وإن لم أتعرض لمعصيته ، كأن يكون على معصية سماع الأغاني ، لكنه لا يسمعها لديّ ، فأقوم بالحديث معه في الصلاة وأهميتها ، كيف يستحضر قلبه في الصلاة ، هو يصلي ، لأنه إذا استحضر القلب في الصلاة أثّر ذلك على بقيّة أمره.
لكن المداهنة ؛ أن أقول له : لا بأس ، أو أن أحضر المسجّل فأجعله يستمع للأغاني بحضرتي ، أو أحضر ذلك المجلس ، هذا مداهنة.
آفاق التيسير

أم أبي التراب 11-06-2018 04:35 AM

49 – الغَرامُ بالْكُتُبِ
شرَفُ العِلْمِ معلومٌ لعُمومِ نَفْعِه ، وشِدَّةُ الحاجةِ إليه كحاجةِ البَدَنِ إلى الأنفاسِ ، وظهورُ النقْصِ بقَدْرِ نقْصِه ، وحصولُ اللذةِ والسرورِ بقَدْرِ تحصيلِه ، ولهذا اشْتَدَّ غَرامُ الطُّلَّابِ بالطلَبِ ، والغَرامُ بجَمْعِ الكُتُبِ مع الانتقاءِ ، ولهم أَخبارٌ في هذا تَطُولُ ، وفيه مُقَيَّدَاتٌ في ( خبرِ الكِتابِ ) يَسَّرَ اللهُ إتمامَه وطَبْعَهُ .
وعليه ، فأَحْرِز الأصولَ من الكُتُبِ ، واعْلَمْ أنه لا يُغْنِي منها كتابٌ عن كتابٍ ولا تَحْشُرْ مَكتَبَتَكَ وتُشَوِّشْ على فِكْرِك بالكُتُبِ الغُثَائِيَّةِ ، لا سِيَّمَا كُتبَ المبتدِعَةِ ؛ فإنها سُمٌّ ناقعٌ .

شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )

جمع الكتب مما ينبغي لطالب العلم أن يهتم به، ولكن يبدأ بالأهم فالأهم. فإذا كان الإنسان قليل الراتب فليس من الخير ولا من الحكمة أن يشتري كتبا كثيرة يلزم نفسه بغرامة قيمتها، فإن هذا من سوء التصرف.
ولذلك لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي أراد أن يزوجه ولم يجد شيئا، أن يقترض ويستدين.1
واحرص على كتب الأمهات2، الأصول، دون المؤلفات الحديثة لأن بعض المؤلفين حديثا ليس عنده علم راسخ، ولهذا إذا قرأت كتابا ما تجد أنه سطحي، قد ينقل الشيء بلفظه، وقد يحرفه إلى عبارة طويلة، لكنها غثاء.
فعليك بالأمهات، عليك بالأصل ككتب السلف، فإنها خير وأبرك بكثير من كتب الخلف.
ثم احذر أن تضم مكتبتك الكتب التي ليس فيها خير، لا أقول التي فيها ضرر، بل أقول التي ليس فيها خير لأن الكتب تنقسم إلى ثلاثة أقسام: خير، وشر، ولا خير ولا شر.
فاحرص أن تكون مكتبتك خالية من الكتب التي ليس فيها خير. هناك كتب يقال أنها كتب أدب، لكنها تقطع الوقت وتقتله من غير فائدة، هناك كتب غامضة ذات أفكار معينة ومنهج معين، فهذه أيضا لا تدخل مكتبتك.
50- قِوامُ مَكتَبَتِكَ :
عليك بالكُتُبِ الْمَنسوجَةِ على طريقةِ الاستدلالِ ، والتَّفَقُّهِ في عِلَلِ الأحكامِ ، والغَوْصِ على أسرارِ المسائلِ ، ومن أَجَلِّها كتُبُ الشيخينِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيْمِيَةَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وتِلميذِه ابنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وعلى الجادَّةِ في ذلك من قَبْلُ ومن بعدُ كُتُبُ :
الحافظُ ابنُ عبدِ البَرِّ ( م سنة 463هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى، وأَجَلُّ كُتُبِه ( التمهيدُ ) .
الحافظُ ابنُ قُدامَةَ (م سنة 620 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى، وأَرْأَسُ كُتُبِه ( الْمُغْنِي ) .
الحافظُ ابنُ الذهبيِّ (م سنة 748 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
الحافظُ ابنُ كثيرٍ (م سنة 774 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
الحافِظُ ابنُ رَجَبٍ (م سنةَ 795 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
الحافظُ ابنُ حَجَرٍ (م سنةَ 852 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
الحافظُ الشوكانيُّ (م سنةَ 1250 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
الإمامُ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ (م سنةَ 1206 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
كُتُبُ عُلماءِ الدعوةِ، ومن أَجْمَعِها ( الدُّرَرُ السنِيَّةُ ) .
العلامَةُ الصنعانيُّ (م سنةَ 1182هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى ، لا سِيَّمَا كتابُه النافعُ ( سُبُلُ السلامِ ) .
العَلَّامَةُ صِدِّيقُ حسن خان القنَّوجيُّ (م سنةَ 1307هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
العَلَّامَةُ محمَّدٌ الأمينُ الشِّنقيطيُّ (م سنة 1393هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى لا سِيَّمَا كتابُه ( أضواءُ البيانِ ) .
هذا أيضا مهم، أن يختار الإنسان في مكتبته الكتب الأصيلة القديمة، لأن غالب المتأخرين قليلة المعاني، كثيرة المباني، تقرأ صفحة كاملة يمكن أن تلخصها في سطر أو سطرين مع التعريج والمطآب والتغريزات في بعض الكلمات التي لا تفهم إلا بعد افتراض، لكن كتب السلف تجدها سهلة لينة رصينة، لا تجد كلمة واحدة ليس لها معنى.
51- التعامُلُ مع الكتابِ :
لا تَسْتَفِدْ من كتابٍ حتى تَعْرِفَ اصطلاحَ مؤَلِّفِه فيه ، وكثيرًا ما تكونُ الْمُقَدِّمَةُ كاشفةً عن ذلك ، فابْدَأْ من الكتابِ بقراءةِ مُقَدِّمَتِه .

التعامل مع الكتاب يكون بأمور:
الأول: معرفة موضوعه، حتى يستفيد الإنسان منه لأنه يحتاج إلى التخصص.
الثاني: أن تعرف مصطلحاته، وهذا في الغالب يكون في المقدمة، لأن معرفة المصطلحات يحصل بها في الواقع أنك تحفظ أوقات كثيرة، وهذا يفعله الناس في مقدمات الكتب، فمثلا نعرف أن صاحب بلوغ المرام إذا قال: متفق عليه، يعني رواه البخاري ومسلم. لكن صاحب المنتقى إذا قال: متفق عليه في الحديث يعني أنه رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم، كذلك أيضا كتب الفقه يفرق بين القولين، الوجهين، الروايتين، والاحتمالين، كما يعرف الناس من تتبع كتب الفقهاء. الروايتين عن الإمام، والوجهين عن أصحابه، لكن أصحاب المذهب الكبار أهل التوجيه، والاحتمالين للتردد بين قولين: والقولين أعم من ذلك كله.
كذلك يحتاج أن تعرف إذا قال المؤلف: إجماعا أو إذا قال: وفاقا. إذا قال: إجماعا يعني بين الأمة، وفاقا مع الأئمة الثلاثة كما هو اصطلاح صاحب الفروع في فقه الحنابلة.
الثالث: معرفة أسلوبه وعباراته، ولهذا تجد أنك إذا قرأت الكتاب أول ما تقرأ لا سيما من الكتب العلمية المملوءة علما، تجد أنك تمر بك العبارات تحتاج إلى تأمل وتفكير في معناها، لأنك لم تألفها فإذا كررت هذا الكتاب ألفته، وانظر مثلا إلى كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، الإنسان الذي لا يتمرن على كتبه يصعب أن يفهمها لأول مرة، لكن إذا تمرن عرفها بسر وسهولة.
أما ما يتعلق بأمر خارجي عن التعامل مع الكتاب، وهو التعليق بالهوامش أو بالحواشي، فهذا أيضا مما يجب لطالب العلم أن يغتنمه، وإذا مرت به مسألة تحتاج إلى شرح أو دليل أو إلى تعليق ويخشى أن ينساها فإنه يعلقها، إما بالهامش وهو الذي على يمينه أو يساره وإما بالحاشية، وهي التي تكون بأسفل.
وكذلك أيضا إذا كان الكتاب فيه فقه مذهب من المذاهب ورأيت أنه يخالف المذهب في حكم هذه المسألة، فإنه من المستحسن أن تقيد المذهب في الهامش أو الحاشية حتى تعرف أن الكتاب خرج عن المذهب، ولا سيما إذا كان المذهب أقوى مما ذهب إليه صاحب الكتاب.
52- ومنه :
إذا حُزْتَ كِتابًا ؛ فلا تُدْخِلْه في مَكتبتِك إلا بعدَ أن تَمُرَّ عليه جَرْدًا أو قراءةً لِمُقَدِّمَتِه ، وفِهْرِسِه ، ومواضِعَ منه ، أمَّا إن جَعَلْتَه مع فَنِّه في الْمَكتبةِ ؛ فرُبَّما مَرَّ زمانٌ وفاتَ العُمُرُ دونَ النَّظَرِ فيه ، وهذا مُجَرَّبٌ ، واللهُ الْمُوَفِّقُ .

هذا صحيح..... وهو حاصل كثيرا، أكثر ما يكون في حال الإنسان إذا جاءه كتاب جديد بتصفحه، أو إذا كان كثيرا يقرأ الفهرس.
قل أن تجد شخصا- مثلا- أو مر بك حال من حين يأتيك الكتاب أن تقرأه. هذا قليل.
وإنما قال الشيخ هذا، لأجل إن احتجت إلى مراجعته عرفت أنه يتضمن حكم الذي تريد، أما إذا لم تجرده مراجعة ولو مرورا فإنك لا تدري ما فيه من الفوائد والمسائل، فيفوتك شيء كثير موجود في هذا الكتاب الذي عندك في الرف.

آفاق التيسير
53- إعجامُ الكتابةِ :
إذا كَتَبْتَ فأَعْجِم الكتابةَ بإزالةِ عُجْمَتِها ، وذلك بأمورٍ :
وضوحُ الخطِّ .
رَسْمُه على ضَوْءِ قواعدِ الرسْمِ ( الإملاءِ ) .
وفي هذا مؤلَّفاتٌ كثيرةٌ من أَهَمِّها :
( كتابُ الإملاءِ ) لحسين والي . ( قواعدُ الإملاءِ ) لعبدِ السلامِ محمد هارون .
( الْمُفْرَدُ العَلَمُ ) للهاشميِّ ، رَحِمَهُم اللهُ تعالى .
النَّقْطُ للمُعْجَمِ والإهمالُ للمُهْمَلِ .
الشَّكْلُ لِمَا يُشْكِلُ .
تَثبيتُ عَلاماتِ الترقيمِ في غيرِ آيةٍ أو حديثٍ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )

القارئ:

الثالث والخمسون: إعجامُ الكتابةِ :
إذا كَتَبْتَ فأَعْجِم الكتابةَ بإزالةِ عُجْمَتِها
الشيخ:
يقول أعجم، كتاب معجم، أعجم الكتابة معناه: اجعله أعجميا؟! لا، معناه أزل عجمته بإعرابه وتشكيله ونقطه، حتى لا يشكل وهذا من الأفعال التي يراد بها الضدان كما جاء في الحديث (يتحنث) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (يتحنث في غار حراء الليالي ذوات العدد) يتحنث يعني؟ يزيل الحنث أم يفعل الحنث؟ يزيله ، وهذه لها أمثلة كثيرة ، فمعنى أعجم الكتاب: أزال عجمته بتشكيله وإعرابه.

القارئ:
وذلك بأمورٍ :
أولاً: وضوحُ الخطِّ .
ثانيا: رَسْمُه على ضَوْءِ قواعدِ الرسْمِ ( الإملاءِ ) .

الشيخ:
لا بد أن تكون عالما بالنحو أخشى أن تقع في قول القائل يريد أن يعربه فيعجمه، أو فأعجمه، لا بد أن تكون عالما بالنحو أما مثلا فكرة أن يقول لك هذه مرفوعة ، منصوبة ، مكسورة، وتفعل لا، لا بد أن تكون عالما ، وإذا أشكلت عليك الكلمة فارجع إلى مظانها ، إذا أشكل عليك ترقيم الكلمة
أو حركاتها في تركيبها لا في إعرابها فارجع إلى كتب اللغة لأن هناك أخطاء شائعة بين الناس، مثلا يقولون: تَجْرِبة وتَجَارِب. أكثر الناس إن لم أقل كل الناس يضمونها ، فأخشى أن يأتي واحد بيعجن فتمر به تجربة فيقول: تجربة بضم الراء ، فيشكلها نطقا وإعرابا ، وهذا غلط ، لأنه قد يشتهر بين الناس أشياء وليس لها أصل فلا بد أن ترجع للأصل .
القارئ:
وفي هذا مؤلَّفاتٌ كثيرةٌ من أَهَمِّها : ( كتابُ الإملاءِ ) لحسين والي .
( قواعدُ الإملاءِ ) لعبدِ السلامِ محمد هارون .
( الْمُفْرَدُ العَلَمُ ) للهاشميِّ ، رَحِمَهُم اللهُ تعالى .
ثالثا: النَّقْطُ للمُعْجَمِ والإهمالُ للمُهْمَلِ .
رابعا: الشَّكْلُ لِمَا يُشْكِلُ .
خامسا: تَثبيتُ عَلاماتِ الترقيمِ في غيرِ آيةٍ أو حديثٍ .
الشيخ:
هذه قواعد إملائية ينبغي مراعاتها.
آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ
القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
49- الغَرامُ بالْكُتُبِ :
شرَفُ العِلْمِ معلومٌ لعُمومِ نَفْعِه ، وشِدَّةُ الحاجةِ إليه كحاجةِ البَدَنِ إلى الأنفاسِ ، وظهورُ النقْصِ بقَدْرِ نقْصِه ، وحصول ُاللذةِ والسرورِ بقَدْرِ تحصيلِه ، ولهذا اشْتَدَّ غَرامُ الطُّلَّابِ بالطلَبِ ، والغَرامُ بجَمْعِ الكُتُبِ مع الانتقاءِ ، ولهم أَخبارٌ في هذا تَطُولُ ، وفيه مُقَيَّدَاتٌ في ( خبرِ الكِتابِ ) يَسَّرَ اللهُ إتمامَه وطَبْعَهُ .
وعليه ، فأَحْرِز الأصولَ من الكُتُبِ ، واعْلَمْ أنه لا يُغْنِي منها كتابٌ عن كتابٍ ولاتَحْشُرْ مَكتَبَتَكَ وتُشَوِّشْ على فِكْرِك بالكُتُبِ الغُثَائِيَّةِ ، لاسِيَّمَا كُتبَ المبتدِعَةِ ؛ فإنها سُمٌّ ناقعٌ .
50- قِوامُ مَكتَبَتِكَ :
عليك بالكُتُبِ الْمَنسوجَةِ على طريقةِ الاستدلالِ ، والتَّفَقُّهِ في عِلَلِ الأحكامِ ، والغَوْصِ على أسرارِ المسائلِ ، ومن أَجَلِّها كتُبُ الشيخينِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيْمِيَةَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وتِلميذِه ابنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وعلى الجادَّةِ في ذلك من قَبْلُ ومن بعدُ كُتُبُ :
الحافظُ ابنُ عبدِ البَرِّ ( م سنة 463هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى ، وأَجَلُّ كُتُبِه ( التمهيدُ ) .
الحافظُ ابن ُقُدامَةَ (م سنة 620 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى ، وأَرْأَسُ كُتُبِه ( الْمُغْنِي ) .
الحافظُ ابنُ الذهبيِّ (م سنة 748 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
الحافظُ ابنُ كثيرٍ (م سنة 774 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
الحافِظُ ابنُ رَجَبٍ (م سنةَ 795 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى.
الحافظُ ابنُ حَجَرٍ (م سنةَ 852 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
الحافظُ الشوكانيُّ (م سنةَ 1250 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
الإمامُ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ (م سنةَ 1206 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
كُتُبُ عُلماءِ الدعوةِ ، ومن أَجْمَعِها ( الدُّرَرُ السنِيَّةُ) .
العلامَةُ الصنعانيُّ (م سنةَ 1182هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى ، لاسِيَّمَا كتابُه النافعُ ( سُبُلُ السلامِ) .
العَلَّامَةُ صِدِّيقُ حسن خان القنَّوجيُّ (م سنةَ 1307هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
العَلَّامَةُ محمَّدٌ الأمينُ الشِّنقيطيُّ (م سنة 1393هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى لا سِيَّمَا كتابُه ( أضواءُ البيانِ) .
51- التعامُلُ مع الكتابِ :
لاتَسْتَفِدْ من كتابٍ حتى تَعْرِفَ اصطلاحَ مؤَلِّفِه فيه ، وكثيرًا ما تكونُ الْمُقَدِّمَةُ كاشفةً عن ذلك ، فابْدَأْ من الكتابِ بقراءةِ مُقَدِّمَتِه .
52- ومنه :
إذاحُزْتَ كِتابًا ؛ فلا تُدْخِلْه في مَكتبتِك إلا بعدَ أن تَمُرَّ عليه جَرْدًا أو قراءةً لِمُقَدِّمَتِه ، وفِهْرِسِه ، ومواضِعَ منه ، أمَّا إن جَعَلْتَه مع فَنِّه في الْمَكتبةِ ؛ فرُبَّما مَرَّ زمانٌ وفاتَ العُمُرُ دونَ النَّظَرِ فيه ، وهذا مُجَرَّبٌ ، واللهُ الْمُوَفِّقُ .
53- إعجامُ الكتابةِ :
إذا كَتَبْتَ فأَعْجِم الكتابةَ بإزالةِ عُجْمَتِها ، وذلك بأمورٍ :
وضوحُ الخطِّ .
رَسْمُه على ضَوْءِ قواعدِ الرسْمِ ( الإملاءِ) .
وفي هذا مؤلَّفاتٌ كثيرةٌ من أَهَمِّها :
(كتابُ الإملاءِ ) لحسين والي . ( قواعدُ الإملاءِ ) لعبدِ السلامِ محمد هارون .
(الْمُفْرَدُ العَلَمُ ) للهاشميِّ ، رَحِمَهُم اللهُ تعالى .
النَّقْطُ للمُعْجَمِ و الإهمالُ للمُهْمَلِ .
الشَّكْلُ لِمَا يُشْكِلُ .
تَثبيتُ عَلاماتِ الترقيمِ في غيرِ آيةٍ أو حديثٍ .
الشيخ :
هذه آداب لطالب العلم متعلقة بالكتب ، منها الحرص على الكتب جمعا ، بحيث يجمع كل ما يمكن أن يستفيد منه من كتب أهل العلم ، وذلك أنّ الكتب فيها علم كثير ، وفيها ترتيب للمسائل ، وتعين الإنسان على بحث ما يعرض إليه من مسائل الفقه والشرع.
الثاني : أنّ المرء حريص على استكمال مكتبته في الكتب في كل فن نافع ، ومن ثَمّ يكون لديه أصول المسائل.
الثالث : أن يحذر من الكتب المطوّلة التي فيها كلام كثير وفائدتها قليلة ، خصوصا من كتب المعاصرين ، فإنّ كلامهم كثير ، وفائدته قليلة.
كذلك يحذر من كتب المبتدعة لأنهم يدسّون السم في الدسم ، وقد يأتون بالكلمة لا يتفطّن الإنسان لما فيها ، انظر مثلا في تفسير بعض المعتزلة ، لما ذكر الجنة وما وضعه الله فيها من الخيرات ، قال : ودخول الجنة أعلى نعيم يحصّله العبد ، وهذا منطلق من عقيدة المعتزلية في نفي رؤية المؤمنين لله عز وجل التي هي أكمل النعيم ، كما ورد في حديث جرير: فلا يُعطون شيئا أحب إليهم من ذلك ، يعني من النظر لله ، فهذه لو قرأت الكتاب يمكن أن تمرّ عليك وترسخ في نفسك ولا تتبين وجه الحق فيها.
الأمر الرابع : أن يحرص على الكتب التي فيها استدلال بالأدلة ، بحيث يتعوّد على الاستدلال ويتعوّد على استنباط الفوائد من الأدلّة الشرعية ، ومن ثَمّ يصبح ممن ارتبط بالدليل الشرعي ، وقد ذكر المؤلف نماذج لمن كتب في ذلك.
الأمر الخامس : معرفة اصطلاحات أهل العلم في كتبهم ، ومعرفة ترتيب كتب أهل العلم بحيث يبقى ، أو بحيث يكون المرء قادرا على فهم الكتاب متى قرأه ، أما إذا قرأت كتابا وفسّرت هذا الكتاب بتفسيرات غير صاحب ذلك الكتاب فقد تقع في إشكالات كثيرة.
مثال هذا :
كلمة شيخ الإسلام نجد هذه الكلمة عند كثير من أهل العلم يريد بها شيخ الإسلام ابن تيمية ، لكن هناك مؤلفات تريد غيره ، كمؤلفات ابن السبكي الابن ، إذا قال شيخ الإسلام فهو يريد والده ، فإذا نسبت كلام ابن السبكي إلى ابن تيمية بناء على أنه قد نُسب إلى شيخ الإسلام فقد وقعت في الخطأ ، وهكذا في بقيّة المصطلحات.
ومن هنا لابد من قراءة مقدّمة الكتاب حتى تعرف المصطلحات ، وأضرب لهذا مثلا :
في (كنز العمّال) هناك رموز ، هذه الرموز مرّات إذا فسّرتها برموز غيره حينئذ وقعت في الخطأ ، ط. س ماذا تعني؟ الطبراني في الأوسط ، غيره يريد بها ، الطيالسي مثلا ، فحينئذ احذر من مثل هذا.
كذلك ينبغي بك قبل أن تدخل الكتاب في مكتبتك أن تعرف طريقته ، وأن تقرأ مقدمته وخاتمته ، وأن تمرّ على شيء من مسائله ، وأما إذا وضعت الكتاب في محلّه في المكتبة بدون أن تنظر فيه فقد لا تتمكن من قراءته ولا معرفته في وقت آت.
كذلك ينبغي للإنسان في الكتب أن يحرص على إبراز الكتب النافعة لتكون قريبة من متناول يده ، بينما الكتب التي تقل فائدتها أو تقل مراجعته لها يضعها في مكان أقصى قليلا ، وينبغي فيه أن يحرص على اختيار كتاب جامع في كل فن بحيث إذا أشكل عليه شيء راجع ذلك الكتاب ، و بذلك يعرف مواطن بحث المسائل في ذلك الكتاب لئلا يقع في زلل فيه.
وهناك أيضا ما يتعلّق بتعليقات الإنسان أو بكتابته ، ينبغي أن يتأنّى فيها ، لا تكتب تعليقا حتى تفكّر هل هذا التعليق مناسب أو لا.
كم من مرة كتبت تعليقا ثم نقدت على نفسك وعرفت خطأك في هذا التعليق بعد مدة قليلة ، فلا تكتب التعليق إلا بعد تأمّل وتفكّر ، وإذا كتبت فاحرص على وضوح الخط ، واحرص على أن يكون جليّا ، واحرص على أن يكون منقوطا ، واحرص على أن يكون واضح الأسلوب يفهمه كل من قرأه.

آفاق التيسير
1- جاءتِ امرأةٌ إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ ، فقالَ : من يتزوَّجُها ؟ فقالَ رجلٌ : أنا ، فقالَ لَهُ النَّبيُّ صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ : أعطِها ولو خاتمًا من حديدٍ ، فقالَ : ليسَ معي ، قالَ : قد زوَّجتُكَها على ما معَكَ منَ القرآن".

الراوي : سهل بن سعد الساعدي - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه-الصفحة أو الرقم: 1545 - خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح - شرح الحديث-الدرر السنية
2-فائدة
الخطأ : أمهات الكتب- الصواب :
أُمَّات الكتب-
السبب : تذكر كثير من المعاجم اللغوية :
أن الأمهات فيمن يعقل ، وال
أُمَّات فيما لايعقل ،

وبما أن الكتب غير عاقلة ، فجمعها يكون :
أُمَّات ،
ولكن ابن جني وغيره أجازوا جمع الجميع على
أُمَّات أوأُمَّهات ( للعاقل وغير العاقل ) .
هنا

*.*.*.*.*.*.*
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين
قوله: «أُمُّهات الأولاد» يقال: أمهات في بني آدم،
وأُمَّات في الحيوان، تقول: أمات السخال ولا تقل: أمهات،
وإنما يقال: أمهات في بني آدم،قال الله تعالى: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}} [النساء: 23]
هنا

أم أبي التراب 11-06-2018 04:36 AM

53- إعجامُ الكتابةِ :
إذا كَتَبْتَ فأَعْجِم الكتابةَ بإزالةِ عُجْمَتِها ، وذلك بأمورٍ :
وضوحُ الخطِّ .
رَسْمُه على ضَوْءِ قواعدِ الرسْمِ ( الإملاءِ ) .
وفي هذا مؤلَّفاتٌ كثيرةٌ من أَهَمِّها :
( كتابُ الإملاءِ ) لحسين والي . ( قواعدُ الإملاءِ ) لعبدِ السلامِ محمد هارون .
( الْمُفْرَدُ العَلَمُ ) للهاشميِّ ، رَحِمَهُم اللهُ تعالى .
النَّقْطُ للمُعْجَمِ والإهمالُ للمُهْمَلِ .
الشَّكْلُ لِمَا يُشْكِلُ .
تَثبيتُ عَلاماتِ الترقيمِ في غيرِ آيةٍ أو حديثٍ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )

القارئ:

الثالث والخمسون: إعجامُ الكتابةِ :
إذا كَتَبْتَ فأَعْجِم الكتابةَ بإزالةِ عُجْمَتِها
الشيخ:
يقول أعجم، كتاب معجم، أعجم الكتابة معناه: اجعله أعجميا؟! لا، معناه أزل عجمته بإعرابه وتشكيله ونقطه، حتى لا يشكل وهذا من الأفعال التي يراد بها الضدان كما جاء في الحديث (يتحنث) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (يتحنث في غار حراء الليالي ذوات العدد) يتحنث يعني؟ يزيل الحنث أم يفعل الحنث؟ يزيله ، وهذه لها أمثلة كثيرة ، فمعنى أعجم الكتاب: أزال عجمته بتشكيله وإعرابه.

القارئ:
وذلك بأمورٍ :
أولاً: وضوحُ الخطِّ .
ثانيا: رَسْمُه على ضَوْءِ قواعدِ الرسْمِ ( الإملاءِ ) .

الشيخ:
لا بد أن تكون عالما بالنحو أخشى أن تقع في قول القائل يريد أن يعربه فيعجمه، أو فأعجمه، لا بد أن تكون عالما بالنحو أما مثلا فكرة أن يقول لك هذه مرفوعة ، منصوبة ، مكسورة، وتفعل لا، لا بد أن تكون عالما ، وإذا أشكلت عليك الكلمة فارجع إلى مظانها ، إذا أشكل عليك ترقيم الكلمة
أو حركاتها في تركيبها لا في إعرابها فارجع إلى كتب اللغة لأن هناك أخطاء شائعة بين الناس، مثلا يقولون: تَجْرِبة وتَجَارِب. أكثر الناس إن لم أقل كل الناس يضمونها ، فأخشى أن يأتي واحد بيعجن فتمر به تجربة فيقول: تجربة بضم الراء ، فيشكلها نطقا وإعرابا ، وهذا غلط ، لأنه قد يشتهر بين الناس أشياء وليس لها أصل فلا بد أن ترجع للأصل .
القارئ:
وفي هذا مؤلَّفاتٌ كثيرةٌ من أَهَمِّها : ( كتابُ الإملاءِ ) لحسين والي .
( قواعدُ الإملاءِ ) لعبدِ السلامِ محمد هارون .
( الْمُفْرَدُ العَلَمُ ) للهاشميِّ ، رَحِمَهُم اللهُ تعالى .
ثالثا: النَّقْطُ للمُعْجَمِ والإهمالُ للمُهْمَلِ .
رابعا: الشَّكْلُ لِمَا يُشْكِلُ .
خامسا: تَثبيتُ عَلاماتِ الترقيمِ في غيرِ آيةٍ أو حديثٍ .
الشيخ:
هذه قواعد إملائية ينبغي مراعاتها.
آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ

القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
49- الغَرامُ بالْكُتُبِ :
شرَفُ العِلْمِ معلومٌ لعُمومِ نَفْعِه ، وشِدَّةُ الحاجةِ إليه كحاجةِ البَدَنِ إلى الأنفاسِ ، وظهورُ النقْصِ بقَدْرِ نقْصِه ، وحصول ُاللذةِ والسرورِ بقَدْرِ تحصيلِه ، ولهذا اشْتَدَّ غَرامُ الطُّلَّابِ بالطلَبِ ، والغَرامُ بجَمْعِ الكُتُبِ مع الانتقاءِ ، ولهم أَخبارٌ في هذا تَطُولُ ، وفيه مُقَيَّدَاتٌ في ( خبرِ الكِتابِ ) يَسَّرَ اللهُ إتمامَه وطَبْعَهُ .
وعليه ، فأَحْرِز الأصولَ من الكُتُبِ ، واعْلَمْ أنه لا يُغْنِي منها كتابٌ عن كتابٍ ولاتَحْشُرْ مَكتَبَتَكَ وتُشَوِّشْ على فِكْرِك بالكُتُبِ الغُثَائِيَّةِ ، لاسِيَّمَا كُتبَ المبتدِعَةِ ؛ فإنها سُمٌّ ناقعٌ .
50- قِوامُ مَكتَبَتِكَ :
عليك بالكُتُبِ الْمَنسوجَةِ على طريقةِ الاستدلالِ ، والتَّفَقُّهِ في عِلَلِ الأحكامِ ، والغَوْصِ على أسرارِ المسائلِ ، ومن أَجَلِّها كتُبُ الشيخينِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيْمِيَةَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وتِلميذِه ابنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وعلى الجادَّةِ في ذلك من قَبْلُ ومن بعدُ كُتُبُ :
الحافظُ ابنُ عبدِ البَرِّ ( م سنة 463هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى ، وأَجَلُّ كُتُبِه ( التمهيدُ ) .
الحافظُ ابن ُقُدامَةَ (م سنة 620 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى ، وأَرْأَسُ كُتُبِه ( الْمُغْنِي ) .
الحافظُ ابنُ الذهبيِّ (م سنة 748 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
الحافظُ ابنُ كثيرٍ (م سنة 774 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
الحافِظُ ابنُ رَجَبٍ (م سنةَ 795 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى.
الحافظُ ابنُ حَجَرٍ (م سنةَ 852 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
الحافظُ الشوكانيُّ (م سنةَ 1250 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
الإمامُ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ (م سنةَ 1206 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
كُتُبُ عُلماءِ الدعوةِ ، ومن أَجْمَعِها ( الدُّرَرُ السنِيَّةُ) .
العلامَةُ الصنعانيُّ (م سنةَ 1182هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى ، لاسِيَّمَا كتابُه النافعُ ( سُبُلُ السلامِ) .
العَلَّامَةُ صِدِّيقُ حسن خان القنَّوجيُّ (م سنةَ 1307هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
العَلَّامَةُ محمَّدٌ الأمينُ الشِّنقيطيُّ (م سنة 1393هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى لا سِيَّمَا كتابُه ( أضواءُ البيانِ) .
51- التعامُلُ مع الكتابِ :
لاتَسْتَفِدْ من كتابٍ حتى تَعْرِفَ اصطلاحَ مؤَلِّفِه فيه ، وكثيرًا ما تكونُ الْمُقَدِّمَةُ كاشفةً عن ذلك ، فابْدَأْ من الكتابِ بقراءةِ مُقَدِّمَتِه .
52- ومنه :
إذاحُزْتَ كِتابًا ؛ فلا تُدْخِلْه في مَكتبتِك إلا بعدَ أن تَمُرَّ عليه جَرْدًا أو قراءةً لِمُقَدِّمَتِه ، وفِهْرِسِه ، ومواضِعَ منه ، أمَّا إن جَعَلْتَه مع فَنِّه في الْمَكتبةِ ؛ فرُبَّما مَرَّ زمانٌ وفاتَ العُمُرُ دونَ النَّظَرِ فيه ، وهذا مُجَرَّبٌ ، واللهُ الْمُوَفِّقُ .
53- إعجامُ الكتابةِ :
إذا كَتَبْتَ فأَعْجِم الكتابةَ بإزالةِ عُجْمَتِها ، وذلك بأمورٍ :
وضوحُ الخطِّ .
رَسْمُه على ضَوْءِ قواعدِ الرسْمِ ( الإملاءِ) .
وفي هذا مؤلَّفاتٌ كثيرةٌ من أَهَمِّها :
(كتابُ الإملاءِ ) لحسين والي . ( قواعدُ الإملاءِ ) لعبدِ السلامِ محمد هارون .
(الْمُفْرَدُ العَلَمُ ) للهاشميِّ ، رَحِمَهُم اللهُ تعالى .
النَّقْطُ للمُعْجَمِ و الإهمالُ للمُهْمَلِ .
الشَّكْلُ لِمَا يُشْكِلُ .
تَثبيتُ عَلاماتِ الترقيمِ في غيرِ آيةٍ أو حديثٍ .
الشيخ :
هذه آداب لطالب العلم متعلقة بالكتب ، منها الحرص على الكتب جمعا ، بحيث يجمع كل ما يمكن أن يستفيد منه من كتب أهل العلم ، وذلك أنّ الكتب فيها علم كثير ، وفيها ترتيب للمسائل ، وتعين الإنسان على بحث ما يعرض إليه من مسائل الفقه والشرع.
الثاني : أنّ المرء حريص على استكمال مكتبته في الكتب في كل فن نافع ، ومن ثَمّ يكون لديه أصول المسائل.
الثالث : أن يحذر من الكتب المطوّلة التي فيها كلام كثير وفائدتها قليلة ، خصوصا من كتب المعاصرين ، فإنّ كلامهم كثير ، وفائدته قليلة.
كذلك يحذر من كتب المبتدعة لأنهم يدسّون السم في الدسم ، وقد يأتون بالكلمة لا يتفطّن الإنسان لما فيها ، انظر مثلا في تفسير بعض المعتزلة ، لما ذكر الجنة وما وضعه الله فيها من الخيرات ، قال : ودخول الجنة أعلى نعيم يحصّله العبد ، وهذا منطلق من عقيدة المعتزلية في نفي رؤية المؤمنين لله عز وجل التي هي أكمل النعيم ، كما ورد في حديث جرير: فلا يُعطون شيئا أحب إليهم من ذلك ، يعني من النظر لله ، فهذه لو قرأت الكتاب يمكن أن تمرّ عليك وترسخ في نفسك ولا تتبين وجه الحق فيها.
الأمر الرابع : أن يحرص على الكتب التي فيها استدلال بالأدلة ، بحيث يتعوّد على الاستدلال ويتعوّد على استنباط الفوائد من الأدلّة الشرعية ، ومن ثَمّ يصبح ممن ارتبط بالدليل الشرعي ، وقد ذكر المؤلف نماذج لمن كتب في ذلك.
الأمر الخامس : معرفة اصطلاحات أهل العلم في كتبهم ، ومعرفة ترتيب كتب أهل العلم بحيث يبقى ، أو بحيث يكون المرء قادرا على فهم الكتاب متى قرأه ، أما إذا قرأت كتابا وفسّرت هذا الكتاب بتفسيرات غير صاحب ذلك الكتاب فقد تقع في إشكالات كثيرة.
مثال هذا :
كلمة شيخ الإسلام نجد هذه الكلمة عند كثير من أهل العلم يريد بها شيخ الإسلام ابن تيمية ، لكن هناك مؤلفات تريد غيره ، كمؤلفات ابن السبكي الابن ، إذا قال شيخ الإسلام فهو يريد والده ، فإذا نسبت كلام ابن السبكي إلى ابن تيمية بناء على أنه قد نُسب إلى شيخ الإسلام فقد وقعت في الخطأ ، وهكذا في بقيّة المصطلحات.
ومن هنا لابد من قراءة مقدّمة الكتاب حتى تعرف المصطلحات ، وأضرب لهذا مثلا :
في (كنز العمّال) هناك رموز ، هذه الرموز مرّات إذا فسّرتها برموز غيره حينئذ وقعت في الخطأ ، ط. س ماذا تعني؟ الطبراني في الأوسط ، غيره يريد بها ، الطيالسي مثلا ، فحينئذ احذر من مثل هذا.
كذلك ينبغي بك قبل أن تدخل الكتاب في مكتبتك أن تعرف طريقته ، وأن تقرأ مقدمته وخاتمته ، وأن تمرّ على شيء من مسائله ، وأما إذا وضعت الكتاب في محلّه في المكتبة بدون أن تنظر فيه فقد لا تتمكن من قراءته ولا معرفته في وقت آت.
كذلك ينبغي للإنسان في الكتب أن يحرص على إبراز الكتب النافعة لتكون قريبة من متناول يده ، بينما الكتب التي تقل فائدتها أو تقل مراجعته لها يضعها في مكان أقصى قليلا ، وينبغي فيه أن يحرص على اختيار كتاب جامع في كل فن بحيث إذا أشكل عليه شيء راجع ذلك الكتاب ، و بذلك يعرف مواطن بحث المسائل في ذلك الكتاب لئلا يقع في زلل فيه.
وهناك أيضا ما يتعلّق بتعليقات الإنسان أو بكتابته ، ينبغي أن يتأنّى فيها ، لا تكتب تعليقا حتى تفكّر هل هذا التعليق مناسب أو لا.
كم من مرة كتبت تعليقا ثم نقدت على نفسك وعرفت خطأك في هذا التعليق بعد مدة قليلة ، فلا تكتب التعليق إلا بعد تأمّل وتفكّر ، وإذا كتبت فاحرص على وضوح الخط ، واحرص على أن يكون جليّا ، واحرص على أن يكون منقوطا ، واحرص على أن يكون واضح الأسلوب يفهمه كل من قرأه.
آفاق التيسير

أم أبي التراب 11-06-2018 04:36 AM

الفصلُ السابعُ
الْمَحاذِيرُ
54- حِلْمُ اليَقَظَةِ :
إيَّاك و ( حِلْمَ اليَقَظَةِ ) ، ومنه بأن تَدَّعِيَ العلْمَ لِمَا لم تَعْلَمْ ، أو إتقانَ ما لم تُتْقِنْ ، فإن فَعَلْتَ ؛ فهو حِجابٌ كَثيفٌ عن الْعِلْمِ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )

الشيخ:
هذا صحيح.. وما أسرع أن يغتر الإنسان ، أحيانا بعض الناس يري الحاضرين بأنه عالم مطلع، فتجده إذا سئل.... يسكت قليلا- يعني كأنه يتأمل ويطلع على الأسرار ثم يرفع رأسه ويقول: هذه المسألة فيها قولان للعلماء !! ، ولو قلت له ما هما القولين؟ يأتي بالقولين من عنده أو يقول تحتاج إلى مراجعة ، فالمهم أنك لا تدعي العلم ولا تنصب نفسك عالما مفتيا وأنت لا علم عندك؛ لأن هذا من السفه في العقل والضلال في الدين. ولهذا قال : «فإن فعلت فهو حجاب كثيف عن العلم». لأن الإنسان إذا فعل هذا ، يقول خلاص أنا صرت عالم لا أحتاج إلى ان أطلب العلم فينحجب عن العلم بهذا الاعتقاد الباطل.

الخامس والخمسون: احْذَرْ أن تكونَ ( أبا شِبْرٍ ) :
فقد قيلَ : العلْمُ ثلاثةُ أَشبارٍ ، مَن دَخَلَ في الشبْرِ الأَوَّلِ ؛ تَكَبَّرَ ؛ وَمَنْ دَخَلَ في الشبْرِ الثاني ؛ تَواضَعَ ، ومَن دَخَلَ في الشبْرِ الثالثِ ؛ عَلِمَ أنه ما يَعْلَمُ .

الشبر الأول يتكبر لأنه ما عرف نفسه حقيقة، الثاني تواضع، لكن متواضع وهو يرى نفسه عالما، الأول يرى نفسه عالما لكن متكبر ، والثاني يرى نفسه عالما لكنه متواضع ، والثالث أنه جاهل لا يعلم. وبالضرورة فلن يتكبر وهو يرى نفسه جاهلا، لكن هل هذه الأخيرة محمودة أم لا؟ أن ترى نفسك جاهلا؟ إذا رأيت نفسك جاهلا فاعلم أنك لن تقدم على عزم في الفتيا مثلا، ولهذا تجد بعض طلبة العلم لا يعطيك جزما يقول: الذي يظهر... أو يحتمل ...
لا يا أخي ما دام الله قد فتح عليك وكنت عالما حقا، فاعتبر نفسك عالما.. اجزم بالمسألة، لا تجعل الإنسان السائل طريح الاحتمال، وإلا ما أفدت الناس.
أما الإنسان الذي ليس عنده علم متمكن فهذا ينبغي أن يرى نفسه غير عالم.هنا


56- التَّصَدُّرُ قبلَ التأَهُّلِ :

احْذَرِ التَّصَدُّرَ قبلَ التأَهُّلِ ؛ فهو آفةٌ في العِلْمِ والعَمَلِ .
وقد قيلَ : مَن تَصَدَّرَ قبلَ أَوانِه ؛ فقد تَصَدَّى لِهَوَانِهِ .

هذا أيضا مما يجب الحذر منه، أن يتصدر الإنسان قبل أن يكون أهل للتصدر؛ لأنه إذا فعل ذلك كان هذا دليلا على أمور:
الأول- إعجابه بنفسه، حيث تصدر فهو يرى نفسه علم الأعلام.
الثاني- أن ذلك يدل على عدم فقهه ومعرفته بالأمور، وإذا الناس رأوه متصدرا، أوردوا عليه من المسائل ما يبين عواره.
الثالث- إنه إذا تصدر قبل أن يتأهل، لزمه أن يقول على الله ما لا يعلم، لأن غالب من كان هذا قصده الغالب أنه لا يبالي أن يحطم العلم تحطيما وأن يجيب عن كل ما سئل عنه.
الرابع- أن الإنسان إذا تصدر فإنه في الغالب لا يقبل الحق، لأنه يظن بسفهه أنه إذا خضع لغيره، وإن كان معه الحق كان هذا دليلا على أنه ليس بأهل في العلم.

هنا
آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ
القارئ :
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا :
الفصل ُالسابعُ : الْمَحاذِيرُ
54- حِلْمُ اليَقَظَةِ :
إيَّاك و ( حِلْمَ اليَقَظَةِ ) ، ومنه بأن تَدَّعِيَ العلْمَ لِمَا لم تَعْلَمْ ، أو إتقانَ ما لم تُتْقِنْ ، فإن فَعَلْتَ ؛ فهو حِجابٌ كَثيفٌ عن الْعِلْمِ .
55- احْذَرْ أن تكونَ ( أبا شِبْرٍ) :
فقد قيلَ : العلْمُ ثلاثةُ أَشبارٍ ، مَن دَخَلَ في الشبْرِ الأَوَّلِ ؛ تَكَبَّرَ ؛ وَمَنْ دَخَلَ في الشبْرِ الثاني تَواضَعَ ، ومَن دَخَلَ في الشبْرِ الثالثِ ؛ عَلِمَ أنه لا يَعْلَمُ .
56- التَّصَدُّرُ قبلَ التأَهُّلِ :
احْذَرِ التَّصَدُّرَ قبلَ التأَهُّلِ ؛ فهو آفةٌ في العِلْمِ والعَمَلِ .
وقد قيلَ : مَن تَصَدَّرَ قبلَ أَوانِه ؛ فقد تَصَدَّى لِهَوَانِهِ .

...
الشيخ :
لما انتهى المؤلف رحمه الله من آداب طالب العلم ذكر عددا من المسائل التي ينبغي لطالب العلم أن يحذرها :
أول هذه الأمور : حلم اليقظة ، بأن يتمنى على الله الأماني وهو لم يفعل الأسباب فحينئذ يوقعه ذلك في المهالك ، يجعل نفسه تزهو وتظن أنّ لديها شيئا ، وهكذا أيضا إذا لم يتقن الإنسان العلم فقد تغرّه نفسه ، ويعجب بها لأنه لم يعرف العلم.
وكذلك من المحاذير أن يتصدّر الإنسان للتعليم أو الإقراء أو التأليف قبل أن يكون متأهلا ، مثل جلوسي بين يديكم اليوم ، نسأل الله السلامة.
آفاق التيسير

أم أبي التراب 11-06-2018 04:37 AM

57- التَّنَمُّرُ بالعِلْمِ :
احْذَرْ ما يَتَسَلَّى به الْمُفْلِسُونَ من العِلْمِ ، يُراجِعُ مسألةً أو مسألتين، فإذا كان في مَجلسٍ فيه مَن يُشارُ إليه ؛ أثارَ البحثَ فيهما ؛ ليُظْهِرَ عِلْمَه ، وكم في هذا من سَوْأَةٍ ، أقَلُّها أن يَعلمَ أنَّ الناسَ يَعلمونَ حقِيقَتَه . وقد بَيَّنْتُ هذه مع أخواتٍ لها في كتابِ ( التعالمِ ) والحمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )
الشيخ:
هذا مثله ، التنمر بالعلم ، يعني أن يجعل الإنسان نفسه نمرا، تعرفون النمر، أخو الأسد، فيأتي مثلاً إلى مسألة من المسائل ويبحثها ويحققها بأدلتها ومناقشتها مع العلماء، وإذا حضر مجلس عالم يشار إليه بالبنان، ماذا تقول أحسن الله إليك في كذا وكذا؟ قال: هذا حرام مثلا.
قال: كيف؟ بماذا نجيب عن قوله صلى الله عليه وسلم كذا، عن قول فلان كذا، ثم يأتي من الأدلة التي لا يعرفها العالم؛ لأن العالم ليس محيطا بكل شيء، لكي يظهر نفسه أنه أعلم من هذا العالم، ولذلك تجد العوام يتحدثون: والله فلان البارحة جالس مع فلان -الذي هو كبير من العلماء- وأفحمه في مسألة (...) بلغ مبلغا عظيما ، صار كبير كبار العلماء.
لأن العالم لا يدري وهذه تقع كثير جدا ، كثيرا ما يأتي إنسان يكون بحث مسألة بحثا دقيقا جيدا، ثم يباغت العلماء بمثل هذا ، وهذا لا شك أنه كما قال الشيخ حفظه الله تنمر، لكنه من مفلس ، لكن ما دواء هذا؟ (...) نقول: أعرب قول الشاعر، حينئذ (...) ، أو اقسم هذه المسألة الفرضية، يتبين أنه ليس عنده شيء، ومن قاتلك بسكين فقاتله بسيفك، وهذا واقع كثير من العلماء الآن ومن طلبة العلم، يكون له اختصاص في شيء معين مثل أن يدرس كتاب النكاح مثلا ويحقق فيه. لكن لو تخرج به إلى كتاب البيع -الذي هو قبل باب النكاح في الترتيب عند الفقهاء- لن تجده عنده شيئا، كثير من الناس الآن يتنمر في الحديث، يعرض حديث فيقول رواه فلان عن فلان، وفيه انقطاع، وانقطاعه كذا. ثم يضفي على هذا ظلالا من كبريات العلم ثم لو تسأله عن آية من كتاب الله ما أجاب.
والحاصل أن الإنسان يجب أن يكون أديبا مع من هو أكبر منه ، يجب أن يتأدب، وإذا كان من هو أكبر منه أخطأ في هذه المسألة ، فالخطأ يجب أن يبين لكن بصيغة لبقة أو ينتظر حتى يخرج مع هذا العالم ويمشي معه ويتكلم معه بأدب ، والعالم الذي يتقي الله إذا بان له الحق فإنه سوف يرجع إليه وسوف يبين للناس أنه رجع. (...) لكن المهم ألا يكون هم طالب العلم أن يكون رئيسا في الناس لأن هذا من ابتغاء الدنيا بالدين.
آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ

الشيخ:
وأيضا التّنمر بالعلم ؛ بأن يحاول الإنسان إبراز نفسه أن عنده علما وهو لم يعرف إلا مسألة أو مسألتين ، فإذا وجد عالما أراد أن يردّ على ذلك العالم في هذه المسألة ، وكلما وجد حلقة علميّة كتب سؤالا في تلك المسألة من أجل أن يناقش العالم بعد الدرس ، أنت لم تفهم المسألة ، هذه المسألة قد قال فيها فلان كذا وكذا من أجل أن يبرز نفسه.
ومما يتعلّق بهذا: المبادرة للتأليف بدون أن يكون هناك هدف صحيح في الكتابة والتأليف ، أو يكون هناك عدم قدرة للكتابة في هذا العلم والإحاطة به فيكتب حينئذ ، ولكن لابد أن يكون لنا هدف في المؤلفات قبل أن نكتب فيها.
كذلك إذا وجدنا وهما أو خطأً لبعض أهل العلم لا ينبغي أن نبادر فيه ، وأن نعليه وأن نشهره رغبة في إظهار أنفسنا ، وإنما نحاول تصحيح الأمر بما يكون مظهرا للعلم ومبيّنا للحق ، وبما لا يكون منقصا لمقدار ذلك العالم ، فإنه ما من أحد إلا ويحتمل أن يقع في خطأ وزلل.
آفاق التيسير

أم أبي التراب 11-06-2018 04:38 AM

58- تَحْبِيرُ الكَاغَدِ:
كما يكونُ الحذَرُ من التأليفِ الخالي من الإبداعِ في مَقاصِدِ التأليفِ الثمانيةِ1، والذي نِهايتُه ( تَحبيرُ الكاغَدِ2 ) فالْحَذَرَ من الاشتغالِ بالتصنيفِ قبلَ استكمالِ أَدواتِه ، واكتمالِ أهْلِيَّتِكَ ، والنضوجِ على يَدِ أشياخِك ؛ فإنك تُسَجِّلُ به عارًا ، وتُبْدِي به شَنَارًا .
أمَّا الاشتغالُ بالتأليفِ النافعِ لِمَن قامَتْ أهْلِيَّتُه ، واستَكْمَلَ أَدواتِه وتَعَدَّدَتْ مَعارِفُه ، وتَمَرَّسَ به بَحْثًا ومُراجعةً ومُطالَعَةً وجَرْدًا لِمُطَوَّلاتِه وحِفْظًا لِمُخْتَصَرَاتِه ، واستذكارًا لمسائلِه ؛ فهو من أَفْضَلِ ما يَقومُ به النُّبلاءُ من الفُضلاءِ .
ولا تَنْسَ قولَ الْخَطيبِ : ( مَن صَنَّفَ ؛ فقد جَعَلَ عقْلَه على طَبَقٍ يَعْرِضُه على الناسِ ) .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )

هذه الشروط التي ذكرها، الآن متعذرة. الآن تجد رسائل في مسألة معينة يكتبها أناس ليس لهم ذكر ولا معرفة، وإذا تأملت ما كتبوه وجدت أنه ليس صادرا عن علم راسخ، وأن كثيرا منه نقولات، وأحيانا ينسبون النقل إلى قائله، وأحيانا لا ينسبون، وعلى كل حال نحن لا نتكلم عن النيات، فالنية علمها عند الله عز وجل. لكن نقول: انتظر.... انتظر.
وإذا كان لديك علم وقدرة فاشرح هذه الكتب الموجودة شرحا لأن بعض هذه الكتب لا يوجد فيه الدليل على وجه كامل.


آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ

الشيخ:
وأيضا التّنمر بالعلم ؛ بأن يحاول الإنسان إبراز نفسه أن عنده علما وهو لم يعرف إلا مسألة أو مسألتين ، فإذا وجد عالما أراد أن يردّ على ذلك العالم في هذه المسألة ، وكلما وجد حلقة علميّة كتب سؤالا في تلك المسألة من أجل أن يناقش العالم بعد الدرس ، أنت لم تفهم المسألة ، هذه المسألة قد قال فيها فلان كذا وكذا من أجل أن يبرز نفسه.
ومما يتعلّق بهذا: المبادرة للتأليف بدون أن يكون هناك هدف صحيح في الكتابة والتأليف ، أو يكون هناك عدم قدرة للكتابة في هذا العلم والإحاطة به فيكتب حينئذ ، ولكن لابد أن يكون لنا هدف في المؤلفات قبل أن نكتب فيها.
كذلك إذا وجدنا وهما أو خطأً لبعض أهل العلم لا ينبغي أن نبادر فيه ، وأن نعليه وأن نشهره رغبة في إظهار أنفسنا ، وإنما نحاول تصحيح الأمر بما يكون مظهرا للعلم ومبيّنا للحق ، وبما لا يكون منقصا لمقدار ذلك العالم ، فإنه ما من أحد إلا ويحتمل أن يقع في خطأ وزلل.
آفاق التيسير
1مَقاصِدِ التأليفِ الثمانيةِوهي:
أوّلاً: « اختراعُ معـدوم» أَي : لم تُسبَق إليه - فيما تعلم وتعتقد -.
ثانياً: « جَمِـعُ مُفتَـرقٍ » أي : مسأَلة مُشتّتة وَأَدلَّتُها في بطون الكُتب تَجمعها في كتاب واحد .
ثالثاً: «تكميـلُ ناقـصٍ » أَي : أنَّ الموضوع لم يكتمل فيه جانب من الجوانب فتُكمِلُه أَنتَ .
رابعاً: «تفصيـلُ مجمـلٍ»أي : أَنَّك تفصِّل المسأَلةَ شيئاً فشيئاً حتّى يذهبَ تراكم المعاني ، ويتضّح المراد .
خامساً:«تهـذيبُ مطـوَّلٍ»أي : أَنّك تلجأُ إلى الاختصار دون الإخلاَل .
سادساً:«ترتيـبُ مُخلَّـطٍ»أي : أَنّك تقدِّمُ وتؤَخّر في ترتيب المادّة أوِ الموضوع.
سابعاً: «تعيـينُ مبهـمٍ »أي : أنّك تعيّن وجود موضع خفيّ في مسأَلة أو نقطة أو نكتة لتظهرها ، وتجلّي أمرها .
ثامناً : «تبيـينُ خطـإٍ»أي : أَنّك تصحّح خطأَ الغَير إذا أَيقنت صواب ما أَنت عليه.هنا
2-الكاغِدُ : القِرْطاسُ ، أَيِ الوَرَقُ الصَّالِحُ لِلْكِتَابَةِ أَوِ اللَّفِّ. هنا

أم أبي التراب 11-06-2018 04:41 AM

مجلس رقم 78

59-
مَوْقِفُكَ مِن وَهْمِ مَن سَبَقَكَ :

إذا ظَفِرْتَ بوَهْمٍ لعالِمٍ ؛ فلا تَفْرَحْ به للحَطِّ منه ، ولكن افْرَحْ به لتصحيحِ المسألةِ فقطْ ؛ فإنَّ الْمُنْصِفَ يَكادُ يَجْزِمُ بأنه ما من إمامٍ إلا وله أغلاطٌ وأوهامٌ ، لا سِيَّمَا الْمُكْثِرِين منهم .
وما يُشَغِّبُ بهذا ويَفْرَحُ به للتَّنَقُّصِ ؛ إلا مُتعالِمٌ ( يُريدُ أن يُطِبَّ زُكامًا فيُحْدِثَ به جُذَامًا ) .
نعمْ ؛ يُنَبِّهُ على خَطأٍ أو وَهْمٍ وَقَعَ لإمامٍ غُمِرَ في بَحْرِ عِلْمِه وفَضْلِه لكن لا يُثيرُ الرَّهَجَ 1 إليه بالتنَقُّصِ منه والْحَطِّ عليه فيَغْتَرَّ به مَن هو مِثْلُه .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )
هذا أيضا مهم جدا، وهو موقف الإنسان من وَهْمِ مَنْ سبقه أو مَنْ عاصرَهُ أيضا. هذا الموقف له جهتان:
الجهة الأولى- التصحيح وهذا أمر واجب، ويجب على كل إنسان عَثَرَ على وَهْمِ إنسانٍ- ولو كان من أكابر العلماء في عصره- أو فيمن سبقه- يجب عليه أن ينبه على هذا الوهم وعلى هذا الخطأ، لأن بيان هذا الوهم أمر واجب، ولا يمكن أن يضيع الحق لاحترام من قال بالباطل، لأن احترام الحق أولى من مراعاته.
لكن هل يصرح بذكر قائل الخطأ أو الوهم، أو يقول: توهم بعض الناس وقال كذا وكذا؟ هذا ينظر إلى المصلحة. قد يكون من المصلحة ألا يصرح، كما لو كان يتكلم عن عالم مشهور في عصره، موثوق عند الناس محبوب إليهم. فيقول: قال فلان كذا وكذا خطأ، فإن العامة لا يقبلون منه شيئا بل يسخرون به، ويقولون: من أنت حتى ترد على فلان، ولا يقبلون الحق. ففي هذه الحال يجب أن يقول: من الوهم أن يقول القائل كذا وكذا. ولا يقل: فلان.
وقد يكون هذا الرجل- الذي توهم- متبوعا يتبعه شرذمة من الناس، وليس له قدر في المجتمع، فحينئذ يصرح، لئلا لا يغتر الناس به، فيقول: قال فلان كذا وكذا وهو خطأ.
الجهة الثانية- في موقف الإنسان من وهم من سبقه أو من عاصره أن يقصد بذلك بيان معايبه لا إظهار الحق من الباطل.
وهذه إنما تقع من إنسان حاسد- والعياذ بالله- يتمنى أن يجد قولا ضعيفا أو خطأ لشخص ما، فينشره بين الناس ولهذا نجد أهل البدع يتكلمون في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وينظرون إلى أقرب شيء يمكن أن يقدح به، فينشرونه ويعيبونه، فيقولون: خالف الإجماع في أن الثلاث طلقات واحدة، فيكون هو شاذا. ومن شذ شذ في النار، يحكم بأن الإنسان إذا قال لامرأته أنت طالق، بأن يكفر كفارة يمين، مع أنه لم يتكلم باليمين إطلاقا، وإنما قال: إذا فعلت كذا فأنت طالق مثلا.
يقول بأن الله تعالى لم يزل فعالا ولم يزل فاعلا، وهذا يستلزم أن يكون مع الله قديم، لأن هذه المقولات الواقعة بفعل الله، إذا جعل فعل الله قديما لم يزل، لزم أن تكون المفعولات قديمة، فيكون قد قال بوجود إلهين.... وما أشبهها من هذه الكلمات التي يأخذونها زلة من زلاته يشيعونها بين الناس، مع أن الصواب معه.
لكن الحاسد الناقم- والعياذ بالله- له مقام آخر.
فأنت في وهْمِ من سبقك يجب أن يكون قصدك الحق، ومن كان قصدُه الحقَ وُفِّقَ للقبولِ، أما من كان قصدُه أن يُظهرَ عيوبَ الناسِ، فإن من تتبع عورة أخيه، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في بيت أمه.2
ثم يقول
إذا ظَفِرْتَ بوَهْمٍ لعالِمٍ ؛ فلا تَفْرَحْ به للحَطِّ منه ، ولكن افْرَحْ به لتصحيحِ المسألةِ فقطْ ؛». والحقيقة إني أقول: لا تفرح به إطلاقا، إذا عثَرَتَ على وهْمِ عالمٍ فحاول أن تدفع اللوم عنه وأن تذب عنه، لا سيما إذا كان من العلماء المشهود لهم بالعدالة والخير ونصح الأمة.
أما أن أفرح بها، فهذا لا ينبغي حتى وإن كان قصدي تصحيح الخطأ. ولهذا لو كانت العبارة «إذا ظفرت بوهم عالم فلا تفرح به للحط منه ولكن التمس العذر له وصحح الخطأ» هذا صواب العبارة.
ثم قال
فإنَّ الْمُنْصِفَ يَكادُ يَجْزِمُ بأنه ما من إمامٍ إلا وله أغلاطٌ وأوهامٌ ، لا سِيَّمَا الْمُكْثِرِين منهم ». والأفصح أن يقول :«لا سيما المكثرون منهم».
يقول أن المنصف يعني الذي يتكلم بالعدل ويتتبع أقوال العلماء يعلم أنه ما في عالم إلا وله أوهام وأخطاء، ولا سيما المكثر الذي يكثر الكتابة والفتوى. ولهذا قال بعضهم: من كثر كلامه، كثر سقطه. ومن قل كلامه، قل سقطه.
ثم قال
وما يُشَغِّبُ بهذا ويَفْرَحُ به للتَّنَقُّصِ ؛ إلا مُتعالِمٌ» يُريدُ أن يُطِبَّ زُكامًا فيُحْدِثَ به جُذَامًا.
في الحقيقة لا يفرح به للتنقص إلا إنسان معتدي لا متعالي. معتدي يريد العدوان على الشخص نفسه، ويريد العدوان على العلم الصحيح، لأن الناس إذا وجدوا هذا العالم أخطأ في مسألة ضعف قوله، أو ضعفت قوة قوله عندهم حتى في المسائل الصحيحة.
آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ

كذلك إذا وجدنا وهما أو خطأً لبعض أهل العلم لا ينبغي أن نبادر فيه ، وأن نعليه وأن نشهره رغبة في إظهار أنفسنا ، وإنما نحاول تصحيح الأمر بما يكون مظهرا للعلم ومبيّنا للحق ، وبما لا يكون منقصا لمقدار ذلك العالم ، فإنه ما من أحد إلا ويحتمل أن يقع في خطأ وزلل.
آفاق التيسير
1
- الرَّهْجُ : الشَّغْبُ. هنا
2-
-" يا مَعْشَرَ مَن آمن بلسانِه ولم يَدْخُلِ الإيمانُ قلبَه ، لا تغتابوا المسلمينَ ، ولا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِم ، فإنه مَن تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيه المسلمِ ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه ، ومَن تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه ، يَفْضَحْهُ ولو في جوفِ بيتِه"
الراوي : أبو برزة الأسلمي و البراء بن عازب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع- الصفحة أو الرقم: 7984 خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية

أم أبي التراب 11-06-2018 04:48 AM

مجلس 79

60- دَفْعُ الشُّبُهَاتِ :
لا تَجْعَلْ قلبَك كالسِّفِنْجَةِ تَتَلَقَّى ما يَرِدُ عليها فاجْتَنِبْ إثارةَ الشُّبَهِ وإيرادَها على نفسِك أو غيرِك ،
فالشُّبَهُ خَطَّافةٌ والقلوبُ ضَعيفةٌ وأَكْثَرُ مَن يُلْقِيهَا حَمَّالَةُ الْحَطَبِ – المبتَدِعَةُ – فتَوَقَّهُم .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )

هذه الوصية أوصى بها شيخ الإسلام ابن تيمية تلميذه ابن القيم قال: «لا تجعل قلبك كالإسفنجة يشرب ويقبل كل ما ورد عليه، ولكن اجعله زجاجة صافية تبين ما وراءها ولا تتأثر بما يرد عليها».
كثير من الناس يكون قلبه غير مستقر ويورد شبهات. وقد قال العلماء رحمهم الله قولا حقا وهو: أننا لو طاوعنا الإيرادات العقلية ما بقي علينا نص إلا وهو محتمل مشتبه، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يأخذون بظاهر القرآن وبظاهر السنة، ولا يوردون: ولو قال قائل.
نعم إن كان الإيراد قويا أو كان هذا الإيراد قد أورد من قبل فحينئذ يبحث الإنسان، أما أن يجعل يفكر إذا نام على فراشه «إنما الأعمال بالنيات» أفلا يحتمل بالأعمال العبادات الأم: كالصلاة والزكاة والحج والصوم، والباقي لا نية له. يمكن، فيه احتمال عقليا؛ ثم يبني على الاحتمال الذي أورده على نفسه احتمالات أخرى.
وما أكثر هذا في بعض الناس، نجده دائما يورد إيرادات وهذا في الواقع ثَلْمٌ -
شَقٌّ هنا- عظيم في تلقي العلم.
اترك الإيرادات وامش على الظاهر فهو الأصل، ولهذا اقرأوا الآن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة والأحاديث تجدون المسألة على ظاهرها.
لما حدَّثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصحابة بأن الله عز وجل ينزلُ إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير.1
قالوا: يا رسول الله كيف ينزل؟ وهل السماء تسَعَهُ؟ وهل يخلو من العرش؟ هل قالوا هكذا؟! أبدا.
لما حدثهم أن الموت يؤتى به يوم القيامة على صورة كبش، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت، ثم يذبح بين الجنة والنار.2
قالوا: كيف يكون الموت كبشا؟ ما قالوا هذا !!
لذلك أنصح نفسي وإياكم ألا توردوا هذا على أنفسكم، لا سيما في أمور الغيب المحضة، لأن العقل بحار فيها، ما يدركها، فدعها على ظاهرها ولا تتكلم فيها.
قل سمعنا وآمنا وصدقنا، وما وراءنا أعظم مما نتخيل. فهذا مما ينبغي لطالب العلم أن يسلكه.
آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ

الشيخ:
كذلك من المحاذير أن تحذر من الشبهات ، الشيطان حريص على قلبك يُلقي فيه شبهة بعد شبهة ، ودعاة الضلالة يتكلّمون عنك يمينا وشمالا ، فاحذر لا يتعلّق قلبك بهذه الشبهات ، لا تكن كالإسفنجة كلما جاءها شبهة التقطتّها ، وإنما كن كالزجاجة تشاهد الشبهات ثم بعد ذلك لا تتشبّع بها ، ثم بعد ذلك اعرف أنه ما من شبهة إلا و في كتاب الله جوابها ، و في كلام أهل العلم جوابها ، و لا تستعجل إذا كان عندك أمر يقيني وألقى إنسان عليك شبهة في ذلك ، فقل : انتظر ، عندي أمور يقينية كيف أتركها من أجل شبهة.
آفاق التيسير
-1-" يتنَزَّلُ ربُّنا تبارَكَ وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا ، حينَ يَبقى ثُلثُ الليلِ الآخرُ ، يقولُ : من يَدعوني فأستَجيبَ لَهُ ؟ مَن يسألُني فأُعْطيَهُ ؟ مَن يَستَغفرُني فأغفِرَ لَهُ" الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري- المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6321 - خلاصة حكم المحدث : [صحيح]- انظر شرح الحديث رقم 5245- الدرر السنية

2- يُؤتى بالموتِ كهيئةِ كبشٍ أملحَ ، فينادي منادٍ : يا أهلَ الجنَّةِ ، فيشرئبون وينظرون ، فيقولُ : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ، هذا الموتُ ، وكلُّهم قد رآه . ثم ينادي : يا أهلَ النارِ ، فيشرئبون وينظرون ، فيقولُ : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ، هذا الموتُ ، وكلُّهم قد رآه ، فيذبحُ . ثم يقولُ : يا أهلَ الجنَّةِ خلودٌ فلا موتَ ، ويا أهلَ النارِ خلودٌ فلا موتَ . ثم قرأ : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ - وهؤلاء في غفلةِ أهل الدنيا - وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }

الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : البخاري- المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4730 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- شرح الحديث- الدرر السنية

أم أبي التراب 11-06-2018 04:49 AM

61- احْذَر اللَّحْنَ :
ابْتَعِدْ عن اللحْنِ في اللفظِ والكُتُبِ؛ فإنَّ عَدَمَ اللحْنِ جَلالةٌ وصفاءُ ذوقٍ ووُقوفٌ على مِلاحِ المعاني لسلامةِ الْمَبانِي ؛ فعن عمرَ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنه قالَ : ( تَعَلَّمُوا العربيَّةَ ؛ فإنها تَزيدُ في الْمُروءةِ ) .
وقد وَرَدَ عن جَماعةٍ من السلَفِ أنهم كانوا يَضْرِبُونَ أولادَهم على اللَّحْنِ .
وأَسْنَدَ الخطيبُ عن الرَّحْبيِّ قالَ : ( سَمِعْتُ بعضَ أصحابنِا يَقولُ : إذا كَتَبَ لَحَّانٌ ، فكَتَبَ عن اللَّحَّانِ لَحَّانٌ آخَرُ ؛ صارَ الحديثُ بالفارِسِيَّةِ ) !. وأَنْشَدَ الْمُبَرِّدُ :

النحوُ يَبْسُطُ من لسانِ الأَلْكَنِ = والمرءُ تُكْرِمُه إذا لم يَلْحَنِ
فإذا أرَدْتَ من العلومِ أَجَلَّها = فأَجَلُّها منها مُقيمُ الأَلْسُنِ

وعليه ، فلا تَحْفَلْ بقولِ القاسمِ بنِ مُخَيْمِرَةَ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( تَعَلُّمُ النَّحْوِ : أوَّلُه شُغْلٌ وآخِرُه بَغْيٌ ) .
ولا بقولِ بِشْرٍ الحافِي رَحِمَه اللهُ تعالى : ( لَمَّا قيلَ له : تَعَلَّم النحْوَ قالَ : أَضِلُّ ، قالَ : قلُ: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا . قالَ بِشْرٌ : يا أخي ! لِمَ ضَرْبُه ؟ قالَ : يا أبا نَصْرٍ ! ما ضَرَبَه، وإنما هذا أصْلٌ وُضِعَ . فقالَ بِشْرٌ : هذا أَوَّلُه كَذِبٌ ، لا حاجةَ لي فيه ) .رواهما الخطيبُ في ( اقتضاءِ العِلْمِ العَمَلَ
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )
اللحن معناه: الميل سواء كان في قواعد التصريف أو في قواعد الإعراب. قواعد الإعراب يمكن الإحاطة بها، فيعرف الإنسان القواعد ويطبق لفظه أو كتابته عليها.
قواعد التصريف هي المشكلة، أحيانا يأتي الميزان الصرفي على غير قياس، يأتي سماعيا بحتا، وحينئذ لا يخلو إنسان في الغلط فيه.
عندك جموع التكسير، تحتاج إلى ضبط. عندك أبنية المصادر تحتاج إلى ضبط، ومع هذا لو ضبطها سوف تجد شاذا كثيرا عنها، ولكن نقول: سدد وقارب. فعليك بأن تعدل لسانك وأن تعدل بنانك، وأن لا تكتب إلا بعربية، ولا تنطق إلا بعربية، فإن عدم اللحن جلالة وصفاء لون ووقوف على ملامح المعاني لسلامة المباني. كلما سلم المبنى اتضح المعنى.
وعن عمر رضي الله عنه قال :«تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة». هذه يقولها في عهده، يأمر بتعلم العربية خوفا من أن تتغير بلسان الأعاجم بعد الفتوحات.
لكن مع الأسف أننا في هذا الزمن- الذي ليس لنا شخصية وصرنا أذيالا وأتباعا لغيرنا- صار منا من يرى أن من تكلم بالإنجليزية أو بالفرنسية هو ذو مروءة، ويفخر إذا كان الإنجليزية أو الفرنسية، بل إن بعضنا يعلم أولاده اللغة غير العربية.
بعض الصبيان يأتي يقول مع السلامة، فيقول : باي باي.
في الهاتف يقول: آلو. لماذا لم تقل: السلام عليكم، لأنك الآن تستأذن، فهذه أشياء – مع الأسف- لما كنا ليس لنا شخصية، ويجب أن يكون لنا شخصية، لأننا والحمد لله أهل دين وشريعة، لكن صار بعضنا أذيالا.
عمر يقول : «تعلموا العربية فإنها تزيدكم مروءة»، وبناء على ذلك : كلما كان الإنسان أعلم بالعربية صار أكبر مروءة وأكثر.
قال: «وقد ورد عن جماعة من السلف أنهم كانوا يضربون أولادهم على اللحن، واللحن قليل في ذلك الوقت، ومع ذلك يضربونهم عليه. عندنا الآن لا أحد يضرب على اللحن ولا أولاده ولا تلاميذه ولا غيره، على الأقل بالنسبة للتلاميذ إذا أخطأ الإنسان في العربية فرد عليه حتى لا يكون أخطأ، وظن أن سكوتك يدل على صحة ما نطق به.

آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ
الشيخ:
كذلك يحذر الإنسان من الخطأ في النحو ، ويحاول أن يقرأ الشيء مرة وثنتين وثلاثا قبل قراءته في الدرس ليضبط ما يقرؤه ، وليتعلم منه الناس والحضور الصواب فيما يتكلمه من الكلام.
إذا كان طلبة العلم يخطئون في النحو أو يخطئون في طريقة كلام في طريقة لفظ بعض الكلمات ، فحينئذ ينتشر مثل هذا ، وتوجد نُفرة من الناس لمن يُخطئ في النحو.

آفاق التيسير

أم أبي التراب 11-06-2018 04:50 AM

مجلس 80
62-
الإجهاضُ الفكريُّ :

احْذَر ( الإجهاضَ الفِكْرِيَّ ) ؛ بإخراجِ الفِكرةِ قبلَ نُضُوجِها .

63- الإسرائيلياتُ الجديدةُ :
احْذَر الإسرائيليَّاتِ الجديدةَ في نَفَثَاتِ المستشرقين من يهودَ ونَصَارَى ؛ فهي أشدُّ نِكايةً وأعظَمُ خَطَرًا من الإسرائيليَّاتِ القديمةِ ؛ فإنَّ هذه قد وَضَحَ أمْرُها ببيانِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الموْقِفَ منها ؛ ونَشْرِ العُلماءِ القولَ فيها ، أمَّا الجديدةُ الْمُتَسَرِّبَةُ إلى الفِكْرِ الإسلاميِّ في أعقابِ الثورةِ الحضارِيَّةِ واتِّصالِ العالَمِ بعضِه ببعضٍ ، وكَبْحِ المدِّ الإسلاميِّ ؛ فهي شرٌّ مَحْضٌ وبلاءٌ متَدَفِّقٌ ، وقد أخذَتْ بعضَ المسلمينَ عنها سِنَةٌ ، وخَفَضَ الْجَناحَ لها آخَرونَ فاحْذَرْ أن تَقَعَ فيها ، وَقَى اللهُ المسلمينَ شَرَّهَا .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )
القارئ
الثاني والستون: الإجهاضُ الفكريُّ :
احْذَر ( الإجهاضَ الفِكْرِيَّ ) ؛ بإخراجِ الفِكرةِ قبلَ نُضُوجِها .
الشيخ:
هذا بمعنى ما سبق، أنك لا تتعجل من حين ما يتبين لك شيئا تخرجه، لا سيما إذا كان هذا الشيء الذي أنت تريد أن تخرجه مخالفا لقول أكثر العلماء أو مخالفا لما تقتضيه الأدلة الأخرى الصحيحة، لأن بعض الناس يمشي مع
بُنَيَّاتالطريق1، فتجده إذا مر بحديث -ولو كان ضعيفا شاذا- أخذ به، ثم قام يتكلم به في الناس، فيظن الناس لهذا أنه أدرك من العلم ما لم يدركه غيره. فنقول الذي بينك وبين الله: إذا رأيت حديثا يدل على حكم تعارضه الأحاديث الصحيحة التي هي عماد الأمة، والتي تلقتها الأمة بالقبول فلا تتعجل، وكذلك إذا رأيته يدل على حكم خالف الجمهور، لا تتعجل. لكن إذا تبين لك الحق فلا بد من القول به. هذا سماه الشيخ بكر: (الإجهاض الفكري) يعني كأن امرأة وضعت حملها قبل أن يتم.
القارئ:
الثالث والستون: الإسرائيلياتُ الجديدةُ : احْذَر الإسرائيليَّاتِ الجديدةَ في نَفَثَاتِ المستشرقين من يهودَ ونَصَارَى ؛ فهي أشدُّ نِكايةً وأعظَمُ خَطَرًا من الإسرائيليَّاتِ القديمةِ ؛ فإنَّ هذه قد وَضَحَ أمْرُها ببيانِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الموْقِفَ منها ؛ ونَشْرِ العُلماءِ القولَ فيها ، أمَّا الجديدةُ الْمُتَسَرِّبَةُ إلى الفِكْرِ الإسلاميِّ في أعقابِ الثورةِ الحضارِيَّةِ واتِّصالِ العالَمِ بعضِه ببعضٍ ، وكَبْحِ المدِّ الإسلاميِّ ؛ فهي شرٌّ مَحْضٌ وبلاءٌ متَدَفِّقٌ ، وقد أخذَتْ بعضَ المسلمينَ عنها سِنَةٌ ، وخَفَضَ الْجَناحَ لها آخَرونَ فاحْذَرْ أن تَقَعَ فيها ، وَقَى اللهُ المسلمينَ شَرَّهَا .
الشيخ:
يريد بهذا الأفكار الدخيلة التي دخلت على المسلمين بواسطة اليهود والنصارى، فهي ليست إسرائيليات إخبارية، بل إسرائيليات فكرية دخل على كثير من الكتاب الأدبيين، وغير الأدبيين، أفكار دخيلة في الواقع، منها ما يتعلق بالمعاملات، ومنها ما يتعلق بالعبادات، ومنها ما يتعلق بالأنكحة، حتى إن بعض الكتاب ينكر تعدد النساء الذي ذهب كثير من العلماء إلى أن التعدد أفضل من الإفراد، وينكر التعدد ويقول هذا في زمن ولى وراح، ولم يدر أن التعدد في هذا الزمن أشد إلحاحا منه فيما سبق لكثرة النساء وكثرة الفتن واحتياج النساء إلى من يُحَصن فروجهن. كذلك أيضا من بعض الأفكار ما يتعلق بحال النبي عليه الصلاة والسلام وتعدد الزوجات في حقه ، ومن الأفكار أيضا ما يتعلق بالخلافة والإمامة، كيف كان أبو بكر يبايع له بدون أن يستشار الناس كلهم، حتى العجوز والطفل.... وما أشبه ذلك.
المهم أن هناك أفكارا جديدة واردة اشتبهت على بعض كتاب المسلمين فيجب على الإنسان الحذر منها وأن يرجع إلى الأصول في هذه الأمور فإنها خير.
آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ-مكرر

الشيخ:
كذلك لا ينبغي بك أن تتكلم بكلمة إلا إذا تفكّرت فيها ، وعرفت أدلتها وأقوال أهل العلم فيها ، و وازنت فيها ، و نظرت إلى عواقبها ومآلاتها ، أما إذا جاءت في ذهنك كلمة ، مباشرة قلتها ، وأنت لا تعلم هل هي من وساوس الشياطين ، أو هي من الشبهات ؟ هذا لا ينبغي بطالب العلم ، لأنه قد يتكلّم الإنسان بكلمة ويأتي جوابها بعد قليل ، وقد تتكلّم بالشبهة والجواب عنها في ثنايا الدرس.
هكذا في زماننا ، وُجد من يحاول أن يبثّ أفكارا خاطئة ، ويبثّ قصصا كاذبة ، ويبثّ قناعات باطلة ، فينبغي للإنسان أن لا يستثيره ذلك ، فيجعله يتقبّل بها بدون أن يفكّر في حقيقتها ، لأنّ مثل هذه المقالات ليس لها إسناد صحيح ، وإنما هي شبهات وبالتالي لا يستعجل الإنسان بتصديقها ويراجع أهل الشأن فيها.
آفاق التيسير
1-وفي الصحاح: بُنَيَّات الطَّرِيق هي الطُّرُق الصغار
أي: اقصد الأمر العظيم الشأن واترك صغار الأمور ... وبنيات الطريق : الطرق الصغار المتشعبة عن الطريق الكبيرة وكأنها بنات لها من حيث إنها تنشأت عنها وخرجت منها. ثم أطلقوا بنيات الطريق على الأباطيل، فضرب المثل عند أمر الرجل أن يقصد معظم الشأن ويدع سفساف الأمور.
هنا

أم أبي التراب 11-06-2018 04:51 AM

64- احْذَرْ الْجَدَلَ البِيزَنْطيَّ :
أي الجدَلَ العقيمَ أو الضئيلَ ، فقد كان البيزنطِيُّونَ يَتَحَاوَرُونَ في جِنْسِ الملائكةِ والْعَدُوُّ على أبوابِ بَلْدَتِهم حتى دَاهَمَهم .
وهكذا الْجَدَلُ الضئيلُ يصُدُّ عن السبيلِ .
وهَدْيُ السلَفِ كان الكَفَّ عن كَثرةِ الخِصامِ والْجِدالِ ، وأنَّ التوَسُّعَ فيه من قِلَّةِ الوَرَعِ ؛ كما قالَ الحسَنُ إذ سَمِعَ قَوْمًا يَتجادلونَ : ( هؤلاءِ مَلُّوا العِبادةَ وخَفَّ عليهم القولُ ، وقَلَّ وَرَعُهم فتَكَلَّموا ) . رواه أحمدُ في ( الزهْدِ ) وأبو نُعَيْمٍ في ( الْحِلْيَةِ ).
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )

وهذا مهم، الحذر من الجدل البيزنطي، وهو الجدال العقيم، الذي لا فائدة منه، أو الجدل الذي يؤدي إلى التنطع في المسائل والتعمق فيها بدون أن يكلفنا الله ذلك، فدع هذا الجدل واتركه، لأنه لا يزيدك إلا قسوة في القلب وكراهة للحق، إذا كان مع خصمك وغلبك فيه، فلهذا دع هذا النوع من الجدل.
أما الجدل الحقيقي الذي يقصد به الوصول إلى الحق، ويكون جدل مبني على السماحة، وعدم التنطع. فهذا أمر مأمور به. قال الله تعالى : (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (سورة النحل: 125).
ثم ذكر المؤلف – وفقه الله- مثالا للجدل العقيم: جنس الملائكة ما هم؟ يجادل هؤلاء المتكلمون: جنسهم من كذا، وجنسهم من كذا.
ونحن نعلم أنهم خلقوا من نور وأنهم أجسام وأنهم لهم أجنحة وأنهم يصعدون وينزلون إلى آخر ما ذكره الله في الكتاب أو ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة من أوصافهم، ولا نتعد في أمور الغيب غير ما بلغنا، ولا نسأل: كيف ولم؟ لأن هذا أمر فوق العقل، وأيضا سمعنا قصة مماثلة، كان العدو على أبواب المدينة، وكان الناس يتجادلون: أيما خلق أولا: الدجاجة أم البيضة؟.
ومن ذلك أيضا، ما ابتلي به أهل الكلام فيما يتعلق بالعقيدة وصاروا يتنطعون ويقولون -مثلاً-: كلام الله هل هو صفة فعلية أم ذاتية؟
وهل هو حادث أو قديم؟
وما أشبه ذلك من الكلام،
وهل نزول الله إلى السماء الدنيا حقيقة أو مجاز؟
وهل أصابعه حقيقة أم مجاز؟
وكم أصابعه؟
وما أشبه ذلك.
والله يا أخوة إن هذا البحث يقسي القلب وينتزع الهيبة- هيبة الله عز وجل- وتعظيمه وإجلاله من القلب.
إن كان الإنسان يريد أن يتكلم عن صفات الله كأنه يشرح جثة ميت!!
سبحان الله !! الناس قبل أن يدخلوا في هذا الأمر تجدهم إذا ذكر الله اقشعر جلده من هيبة الله وعظمته.
كل هذا البحث فيه عقيم، كن كما كان الصحابة رضي الله عنهم لا يسألون عن مثل هذه الأمور، لأنهم إذا سألوا وبحثوا ونقبوا، فإن الضريبة هي قسوة القلب، مؤكد. لكن إذا بقي الرب عز وجل محل الإجلال والتعظيم في قلبك، وعدم البحث في هذه الأمور صار هذا أجل وأعظم، فاستمسك به فهذا إن شاء الله هو الحق.
آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ-مكرر

الشيخ:

مما يتعلق بهذا أن نجتنب الكلام في المسائل التي لا فائدة فيها ، وهنا قاعدة : وهي أنّ المسائل التي لا يترتب عليها عمل ، لا تحرص على الترجيح فيها ، اعرف الأقوال وشيئا من الأدلة وانطلق منها ، ولا تتعب نفسك فيها ، هل جنّة آدم هي الجنّة المعتادة أو جنّة على الأرض؟ ما الثمرة وما الفائدة ؟ ، أيهما أرجح وأفضل الملائكة أو بنو آدم؟ ما ثمرتنا من هذا ، ونحو هذا من المسائل
آفاق التيسير

أم أبي التراب 11-06-2018 04:53 AM


مجلس 81
65-لا طائفية ولا حزبية يعقد الولاء والبراء عليها

أهلُ الإسلامِ ليس لهم سِمَةٌ سَِوى الإسلامِ والسلامِ : فيا طالبَ العلْمِ ! بارَكَ اللهُ فيك وفي عِلْمِك ؛ اطْلُب العِلْمَ واطْلُب العملَ وادْعُ إلى اللهِ تعالى على طَريقةِ السلَفِ .
ولا تَكُنْ خَرَّاجًا وَلَّاجًا في الجماعاتِ ، فتَخْرُجَ من السَّعةِ إلى القوالِبِ الضيِّقَةِ فالإسلامُ كلُّه لك جَادَّةً ومَنْهَجًا والمسلمونَ جَميعُهم هم الجماعةُ وإنَّ يدَ اللهِ مع الجماعةِ1 ، فلا طائفِيَّةَ ولا حِزبيَّةَ في الإسلامِ .
وأُعِيذُكَ باللهِ أن تَتَصَدَّعَ ، فتكونَ نَهَّابًا بينَ الفِرَقِ والطوائفِ والْمَذاهِبِ الباطلةِ والأحزابِ الغاليةِ ، تَعْقِدُ سُلطانَ الوَلاءِ والبَرَاءِ عليها فكُنْ طالِبَ عِلْمٍ على الْجَادَّةِ ؛ تَقْفُو الأَثَرَ ، وتَتْبَعُ السُّنَنَ ، تَدْعُو إلى اللهِ على بَصيرةٍ ، عارفًا لأهلِ الفَضْلِ فَضْلَهم وسابِقَتَهم .
وإنَّ الحزبيَّةَ ذاتَ المساراتِ والقوالِبِ الْمُستحدَثَةِ التي لم يَعْهَدْها السلَفُ من أَعْظَمِ العوائقِ عن العِلْمِ ، والتفريقِ عن الجماعةِ ، فكم أَوْهَنَت حَبْلَ الاتِّحادِ الإسلاميِّ وغَشِيَت المسلمينَ بسَبَبِها الغَوَاشِي .
فاحْذَرْ رَحِمَكَ اللهُ أَحزابًا وطَوائفَ طافَ طائفُها ونَجَمَ بالشرِّ ناجِمُها فما هي إلا كالْمَيَازِيبِ؛ تَجْمَعُ الماءَ كَدَرًا ، وتُفَرِّقُه هَدَرًا ؛ إلا مَن رَحِمَه ربُّك ، فصارَ على مِثْلِ ما كان عليه النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابُه رَضِي اللهُ عَنْهُم .
قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى عندَ عَلَامَةِ أهلِ العُبودِيَّةِ : ( العَلامةُ الثانيةُ : قولُه : ( ولم يُنْسَبُوا إلى اسمٍ ) ؛ أي : لم يَشْتَهِروا باسمٍ يُعرَفون به عندَ الناسِ من الأسماءِ التي صارَتْ أعلامًا لأهلِ الطريقِ ) .
وأيضًا ؛ فإنهم لم يَتَقَيَّدُوا بعَمَلٍ واحدٍ يُجْرَى عليهم اسْمُه ، فيُعْرَفون به دونَ غيرِه من الأعمالِ ؛ فإنَّ هذا آفةٌ في العُبوديَّةِ ، وهي عُبودِيَّةٌ مُقَيَّدَةٌ .
وأمَّا العُبوديَّةُ المطلَقَةُ ؛ فلا يُعْرَفُ صاحبُها باسمٍ مُعَيَّنٍ من معاني أسمائِها ؛ فإنه مُجيبٌ لداعيها على اختلافِ أنواعِها ، فله مع كلِّ أهلِ عُبودِيَّةٍ نصيبٌ يَضْرِبُ معهم بسَهْمٍ ؛ فلا يَتَقَيَّدُ برَسْمٍ ولا إشارةٍ ولا اسمٍ ولا بِزِيٍّ ولا طريقٍ وَضْعِيٍّ اصطلاحيٍّ ، بل إن سُئِلَ عن شَيخِه ؟ قالَ : الرسولُ . وعن طريقِه ؟ قال : الاتِّباعُ . وعن خِرْقَتِه قال : لِباسُ التَّقْوَى ، وعن مَذْهَبِه ؟ قالَ : تَحكيمُ السُّنَّةِ . وعن مَقْصِدِه ومَطْلَبِه ؟ قالَ : { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } . وعن رِباطِه وعن خَانْكَاهُ ؟ قالَ " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ " وعن نَسَبِه ؟ قالَ :
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سِوَاهُ = إذا افْتَخُروا بقيْسٍ أو تَمِيمِ
ثم قالَ : قولُه " أولئك ذخائرُ اللهِ حيث كانوا " ؛ ذخائرُ الْمُلْكِ : ما يُخَبَّأُ عندَه ويَذْخَرُه لِمُهِمَّاتِه ، ولا يَبْذُلُه لكلِّ أحدٍ ؛ وكذلك ذَخيرةُ الرجُلِ : ما يَذْخَرُه لحوائجِه ومُهِمَّاتِه ، وهؤلاءِ ؛ لَمَّا كانوا مَسْتُورِينَ عن الناسِ بأَسبابِهم ، غيرَ مُشارٍ إليهم ، ولا مُتَمَيِّزِينَ بِرَسْمٍ دونَ الناسِ ، ولا مُنتسبينَ إلى اسمِ طريقٍ أو مَذهَبٍ أو شيخٍ أو زِيٍّ ؛ كانوا بِمَنْزِلَةِ الذخائرِ المخبوءةِ، وهؤلاءِ أَبْعَدُ الْخَلْقِ عن الآفاتِ ؛ فإنَّ الآفاتِ كلَّها تَحتَ الرسومِ والتقَيُّدِ بها ، ولزومِ الطرُقِ الاصطلاحيَّةِ والأوضاعِ المتداوَلَةِ الحادِثَةِ .
هذه هي التي قَطَعَتْ أكثرَ الخلْقِ عن اللهِ وهم لا يَشعرون .
والعَجَبُ أنَّ أَهْلَها هم الْمَعروفون بالطلَبِ والإرادةِ ، والسيْرِ إلى اللهِ وهم – إلا الواحدَ بعدَ الواحدِ – الْمَقطوعون عن اللهِ بتلك الرسومِ والقُيودِ .
وقد سُئِلَ بعضُ الأئِمَّةِ عن السُّنَّةِ ؟ فقالَ : ما لا اسمَ له سِوَى ( السُّنَّةِ ) .
يعني : أنَّ أهلَ السُّنَّةِ ليس لهم اسمٌ يُنْسَبُون إليه سِواهَا .
فمِن الناسِ مَن يَتَقَيَّدُ بلِباسِ غيرِه ، أو بالجلوسِ في مَكانٍ لا يَجْلِسُ في غيرِه أو مِشْيَةٍ لا يَمْشِي غيرَها أو بِزِيٍّ وهيئةٍ لا يَخْرُجُ عنهما ، أو عبادةٍ مُعَيَّنَةٍ لا يَتَعَبَّدُ بغيرِها وإن كانت أَعْلَى منها أو شيخٍ مُعَيَّنٍ لا يُلْتَفَتُ إلى غيرِه، وإن كان أَقْرَبَ إلى اللهِ ورسولِه منه .
فهؤلاءِ كلُّهم مَحجوبون عن الظَّفَرِ بالمطلوبِ الأعلى مَصْدُودُون عنه، قد قَيَّدَتْهُم العوائِدُ والرُّسومُ والأوضاعُ والاصطلاحاتُ عن تَجريدِ المتابَعَةِ فأَضْحَوْا عنها بِمَعْزِلٍ، ومَنزِلتُهم منها أبْعَدُ مَنْزِلٍ ، فتَرَى أحدَهم يَتَعَبَّدُ بالرياضةِ والْخَلْوَةِ وتَفريغِ القَلْبِ ويَعُدُّ العِلْمَ قاطعًا له عن الطريقِ فإذا ذُكِرَ له الْمُوالاةُ في اللهِ والْمُعاداةُ فيه والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكَرِ ؛ عَدَّ ذلك فُضولًا وشَرًّا ، وإذا رَأَوْا بينَهم مَن يَقومُ بذلك أَخْرَجُوه من بينِهم وَعَدُّوه غَيْرًا عليهم ، فهؤلاءِ أَبْعَدُ الناسِ عن اللهِ ، وإن كانوا أكثرَ إشارةً . واللهُ أَعْلَمُ ) اهـ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )
هذا فصل مهم، وهو تخلي طالب العلم عن الطائفية والحزبية، بحيث يعقد الولاء والبراء على طائفة معينة أو على حزب معين، فإن هذا لا شك خلاف منهج السلف، السلف الصالح ليس عندهم حزبية كلهم حزب واحد، كلهم ينضمون تحت قول الله تعالى : "...هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ...."سورة الحج: 78.
فلا حزبية ولا تعدد ولا موالاة ولا معاداة إلا على حسب ما جاء في الكتاب والسنة.
فمن الناس مثلا من يتحزب إلى طائفة معينة، يقرر منهجها ويستدل عليه بالأدلة التي قد تكون دليل عليه، وقد تكون دليلا له ويحامي دونه، ويضلل من سواه حتى ولو كانوا أقرب إلى الحق منها ويأخذ بمبدأ: من ليس معي فهو علي.
وهذا مبدأ خبيث، يعني بعض الناس يقول: إذا لم تكن معي فأنت علي، هناك وسط بين أن يكون لك أو عليك، وإذا كان عليك في الحق فليكن عليك فإنه في الحقيقة معك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»2. ونصر الظالم أن تمنعه من الظلم، فلا حزبية في الإسلام. ولذلك لما ظهرت الأحزاب في المسلمين تنوعت الطرق وتفرقت الأمة، وصار بعضهم يضلل بعضا ويأكل لحم أخيه ميتا، فالواجب عدم ذلك.
الآن مثلا يكون بعض الناس طالب علم عند شيخ من المشايخ، ينتصر لهذا الشيخ بالحق وبالباطل. وما في سواه يضلله ويبدعه ويرى أنه- شيخه- العالم المصلح، ومن سواه إما جاهل وإما مُفسد، وهذا غلط كبير، خذ الحق من أي إنسان، وإذا استروَحَتْ نفسُكَ لشخصٍ من الناس فالزم مجلسَه، لكن لا يعني ذلك أن تكون معه على الحق والباطل، وأن تضلل من سواه وتزدريهم أو ما أشبه ذلك فإن هذا غلط.
يقول الشيخ : «أهل الإسلام ليس لهم سمة سوى الإسلام والسلام» صحيح.
"...هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ...."سورة الحج: 78. كلنا مسلمون، فهذه سمة المسلم وعلامته: مسلما لله، مستسلما له، قائما بأمره تابعا لرسوله. هذا هو سمة المسلم.
فيا طالب العلم بارك الله فيك وفي علمك اطلب العلم واطلب العمل، لا تكن مثل بعض الناس، ليس إلا كتب مجموعة، يحفظ كثيرا ويفهم كثيرا، لكنه يعمل قليلا. فهذا لا ينتج.
كن طالبا للعلم عاملا به، داعيا إلى الحق. ثلاثة أشياء: صدق الطلب، العمل به، الدعوة. لا بد من هذا، أما مجرد أن تحشر العلوم ولا ينتفع الناس بعلمك، فهذا نقص كبير.
وادع إلى الله على طريقة السلف. وما هي طريقة السلف في الدعوة إلى الله؟ هي التي أرشدهم الله إليها بقوله : "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ "سورة النحل: 125). لين في موضع اللين، وشدة في موضع الشدة.
قال: «ولا تكن خراجا ولاجا في الجماعات، فتخرج من السعة إلى القوالب الضيقة، فالإسلام كله لك جادة ومنهج».
يقول: إن بعض الناس يكون ولاجا خراجا، بينما تجده منضما إلى قوم أو فئة، اليوم تجده خارجا منها ووالجا في جهة أخرى، وهذا مضيعة للوقت، ودليل على أن الإنسان ليس له قاعدة يبني عليها حياته.
يقول: «المسلمون جميعهم هم الجماعة، وأن يد الله مع الجماعة، فلا طائفية ولا حزبية في الإسلام». بل يجب أن نكون أمة واحدة، وإن اختلفنا في الرأي، أما أن نكون أحزابا: هذا إخواني- يعني من الإخوان المسلمين- وهذا سلفي، وهذا تبليغي.
وهذا لا يجوز، الواجب أن كل هذه الأسماء ينبغي أن تزول. وتكون أمة واحدة، وحزب واحد على أعدائنا.
قال: «وأعيذك بالله أن تتصدع، فتكون نهابا بين الفرق، والطوائف، والمذاهب الباطلة، والأحزاب الغالية، تعقد سلطان الولاء والبراء عليها». هذه أيضا طريق سيئة، أن يكون الإنسان نهابا بين الفرق والطوائف، يأخذ من هذا، ومن ثم لا يستقر على رأي.
فإن هذه آفة عظيمة، والواجب على الإنسان أن يكون مختارا ما هو أنسب في العلم والدين ويستمر عليه وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:«من بورك له في شيء فليلزمه». وهذه في الحقيقة قاعدة لمنهاج المسلم يجب أن يسير عليها، من بورك له في شيء فليلزمه وليستمر عليه حتى لا تتقطع أوقاته يوما هنا ويوما هنا.
يقول: «فكن طالب علم على الجادة ـ تقفوا الأثر، وتتبع السنن، تدعوا إلى الله على بصيرة عارفا لأهل الفضل فضلهم وسابقتهم».
هذه أيضا وصية نافعة، أن الإنسان ينبغي له أن يتبع الأثر وأن يدع الأهواء والأفكار الواردة على الإسلام والتي هي في الحقيقة دخيلة على الإسلام وبعيدة الوضوح.
ثم نقل كلام ابن القيم: (العلامة الثانية) قوله: «ولم ينسبوا إلى اسم» أي: لم يشتهروا باسم يعرفون به عند الناس من الأسماء التي صارت أعلاما لأهل الطريق.
وأيضا، فإنهم لم يتقيدوا بعمل واحد يجري عليهم اسمه، فيعرفون به دون غيره من الأعمال، فإن هذا آفة في العبودية، وهي عبودية مقيدة.
وأما العبودية المطلقة، فلا يعرف صاحبها باسم معين من معاني أسمائها.
هذا هو الصحيح، العبودية المطلقة أن يعبد الإنسان ربه على حسب ما تقتضيه الشريعة. مرة من المصلين، ومرة من الصائمين، ومرة من المجاهدين ومرة من المتصدقين حسب ما تقتضيه المصلحة، ولذلك تجد النبي صلى الله عليه وسلم هكذا حاله، لا تكاد تراه صائما إلا وجدته صائما ولا مفطرا إلا وجدته مفطرا، ولا قائما إلا وجدته قائما.
يتبع المصلحة، أحيانا يترك الأشياء التي يحبها من أجل مصلحة الناس، فإياك أن تكون قاصرا على عبادة معينة، بحيث لا تتزحزح عنها.
قال: «فإنه مجيب لداعيها على اختلاف أنواعها»، فله مع كل أهل عبودية نصيب يضرب معهم بسهم، فلا يتقيد برسم ولا إشارة، ولا اسم ولا بزي، ولا طريق وضعي اصطلاحي، بل إن سئل عن شيخه؟ قال: الرسول. وعن طريقه؟ قال: الاتباع. وعن خرقته؟ قال: لباس التقوى. وعن مذهبه؟ قال: تحكيم السنة.
وعن مقصده ومطلبه؟ قال : (يريدون وجهه). وعن رباطة وعن خانكاه؟ قال: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ *رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ "سورة النور: 36-37). وعن نسبه؟ قال:
أبي الإسلام لا أب لي سواه = إذا افتخروا بقيس أو تميم
وعن مأكله ومشربه؟ قال: «مالَكَ ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها، ترِدُ الماءَ، وترعى الشجرَ، حتى تلقى ربها».
هذه قالها النبي صلى الله عليه وسلم في ضالة الإبل، لما سئل عن التقاطها غضب عليه الصلاة والسلام. وقال: «ما لك ولها؟ دعها فإن معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وترعى الشجر حتى تلقى ربها».
ابن القيم- رحمه الله- نقلها إلى هذا المعنى الجليل، يعني: هؤلاء العباد الذين تفنوا في العبادة وأخذوا لكل نوع منها نصيب. لو سئل من أين يجري عليك الرزق.
يجيب: مالك ولها دعني!! يرزقني الله عز وجل.

واحسرتاه تقضى العمر وانصرمت = ساعاته بين ذل العجز والكسل
والقوم قد أخذوا درب النجاة وقد = ساروا إلى المطلب الأعلى على مهل

ثم قال: قوله:«أولئك ذخائر الله حيث كانوا، ذخائر الملك: ما يخبأ عنده، ويذخره لمهماته، ولا يبذله لكل أحد، وكذلك ذخيرة الرجل: ما يذخره لحوائجه ومهماته. وهؤلاء لما كانوا مستورين عن الناس بأسبابهم، غير مشار إليهم، ولا متميزين برسم دون الناس، ولا منتسبين إلى اسم طريق أو مذهب أو شيخ أو زي، كانوا بمنزلة الذخائر المخبوءة. هؤلاء أبعد الخلق عن الآفت، فإن الآفات كلها تحت الرسوم والتقيد بها، ولزوم الطرق الاصطلاحية، والأوضاع المتداولة الحادثة. هذه هي التي قطعت أكثر الخلق عن الله، وهم لا يشعرون».
صحيح هذا.. لا شك أن الأمر كما قال الإمام ابن القيم- رحمه الله- هؤلاء الذين لهم مراسم معينة، ولهم طقوس معينة، وأشكال معينة، هؤلاء لا شك أنهم ينقطعون عن الله عز وجل بحسب ما معهم من هذه الرسومات الإصطلاحية وما أشبهها، تجد الواحد منهم إذا رأيته قلت: من هذا الرجل؟ من هذا العالم. لكنه عالم بالزي والشكل فقط، وليس عنده علم راسخ، بل وربما نقول إيمانه ضعيف أيضا، وإلا لكان يعتمد على ما عنده من العلم والإيمان والدعوة والصلاح. قال:
«والعجب أن أهلها هم المعروفون بالطلب والإرادة، والسير إلى الله، وهم- إلا الواحد بعد الواحد- المقطوعون عن الله بتلك الرسوم والقيود».
العجب من أن الإنسان يستغرب أن يكون هؤلاء الذين أخذوا العلم بالرسوم والاصطلاحات الحادثة، هم المعروفون بالطلب والإرادة لأنهم يغرون الناس بلباسهم ونبرات كلامهم، وغير ذلك.
ثم قال: «وقد سئل بعض الأئمة عن السنة؟ فقال: ما لا اسم له سوى «السنة». يعني: أن أهل السنة ليس لهم اسم ينسبون إليه سواها. فمن الناس من يتقيد بلباس غيره، أو بالجلوس في مكان لا يجلس في غيره، أو مشية لا يمشي غيرها، أو بزي وهيئة لا يخرج عنهما، أو عبادة معينة لا يتعبد بغيرها وإن كانت أعلى منها، أو شيخ معين لا يلتفت إلى غيره وإن كان أقرب إلى الله ورسوله منه. فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى، مصدودون عنه، قد قيدتهم العوائد والرسوم، والأوضاع، والاصطلاحات عن تجريد المتابعة، فأضحوا عنه بمعزل، ومنزلتهم منها أبعد منزل، فترى أحدهم يتعبد بالرياضة، والخلوة، وتفريغ القلب، ويعد العلم قاطعا له عن الطريق، فإذا ذكر له الموالاة في الله، والمعاداة فيه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، عد ذلك فضولا وشرا، وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك، أخرجوه من بينهم، وعدوه غيرا عليهم، فهؤلاء أبعد الناس عن الله، وإن كانوا أكثر إشارة. والله أعلم» اهـ.
قوله:«يتعبد بالرياضة» المراد: الرياضة القلبية على زعمهم، فتجدهم منعزلين عن الناس، بعيدين عن الناس، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ولا يتعلمون ظنا منهم أن هذا هو الخير، ولكنهم في الواقع ضلوا، الخير أن تتبع الخير حيث ما كان.
فتارة في مجالس العلم، وتارة في مصارف الجهاد، وتارة في الحسبة، وتارة في الصلاة وتارة في القرآن، حسب ما ترى أنه أنفع لعباد الله وأخشى لقلبك، لكن من الناس من لا يتحمل، فتجده يركن إلى شيء معين من العبادة يدعي أن فيه صلاح قلبه ويستمر عليه.

آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ

الشيخ:
كذلك نحذر كل الحذر من تفريق أهل الإسلام ، نحن أمة واحدة من جاء يريد أن يفرّق كلمتنا فلا يجوز أن نلتفت إليه ، لا يجوز أن نستجيب له ، بل الواجب إسكاته ، من دعا إلى طائفة أو إلى حزب أو إلى جماعة ليكون الولاء والبراء عليها ينبغي إسكاته وعدم الإلتفات إليه ، مهما كانت هذه الطائفة ، ينبغي بل يجب أن يكون ولاؤنا لله ، وعداؤنا لله ، ليس من أجل فلان ولا من أجل فلان ، وإنما لله و لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وبالتالي هذه الجماعات وهذه الحزبيات لا يجوز للإنسان أن ينضم فيها ، أو يكون واحدا منها ، أو أن يعاهد ويبايع فيها ، أو أن يكون مناصرًا لها وإنما النصرة تكون لله و لرسوله صلى الله عليه وسلم و لأهل الإيمان ، وأما من جاءنا يريد أن يكون الولاء والبراء على أمور مغايرة لذلك ، فحينئذ لا يصح منا أن ننضوي تحت لوائه ، وكم من صاحب بدعة أو صاحب تحزّبات يحاول أن يضمّ الناس إليه من أجل أن يفاخر بهم ، وأن يذكر أنّ جماعته وحزبه وطريقته هي الأقوى ، وأنّ أتباعها الأكثر ، وبالتالي فكل من أرادنا أن نجتمع على غير منهاج شرعي فلن نقبل منه.
وكذلك بعض الناس يظهر جزءا من أجزاء الشريعة من أجل أن يضم الناس إليه ، يقول : تعالوا نحن أهل الصلاة ، هل معنى هذا ، أن نترك بقية الأحكام ، إن كان يريد منا أن نترك بقية أركان الشريعة فلا يجوز أن نقبل منه.
وكذلك إذا جاءنا يريد منا أن يكون العمل والاجتماع على شيء لم ترد به الشريعة فلا يجوز لنا أن نلتفت إليه.
قال المؤلف : (وعن خَانْكَاهُ) و الرباط ، هذه المواطن تجعلها بعض الطوائف للعبادة أو للتقرب لله ، وحينئذ نحن لا نلتفت إلى هذا ، نلتفت إلى بيوت الله إلى المساجد ، كذلك لا ينبغي أن يكون ولاؤنا وتحزّبنا لزيد من الناس مهما كانت منزلته ، وإنما نتحزّب لكتاب الله ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
آفاق التيسير
1-"يدُ اللَّهِ معَ الجماعةِ"

الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 2166 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية


2- "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا . فقال رجلٌ : يا رسولَ اللهِ ، أنصرُه إذا كان مظلومًا ، أفرأيتَ إذا كان ظالمًا كيف أنصرُه ؟ قال : تحجِزُه ، أو تمنعُه ، من الظلمِ فإنَّ ذلك نصرُه"
الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 6952 - خلاصة حكم المحدث : [صحيح] - شرح الحديث - الدرر السنية

أم أبي التراب 11-06-2018 04:54 AM


مجلس 82
66-
نَوَاقِضُ هذه الْحِلْيَةِ

يا أخي – وَقَانا اللهُ وإيَّاكَ العثراتِ – إن كنتَ قَرَأْتَ مَثَلًا من ( حِليةِ طالبِ العِلْمِ ) وآدابِه وعَلِمْتَ بعضًا من نواقِضِها ؛ فاعْلَمْ أنَّ مِن أَعْظَمِ خَوارِمِها الْمُفْسِدَةِ لنظامِ عِقْدِها :
إفشاءَ السرِّ .
ونَقْلَ الكلامِ من قومٍ إلى آخرينَ .
والصلَفَ واللسانَةَ .
وكثرةَ الْمِزاحِ .
والدخولَ في حديثٍ بينَ اثنينِ .
والحقْدَ .
والحسَدَ .
وسوءَ الظنِّ .
ومُجالَسَةَ المبتَدِعةِ .
ونَقْلَ الْخُطَى إلى الْمَحَارِمِ .
فاحْذَرْ هذه الآثامَ وأخواتِها واقْصُرْ خُطاكَ عن جميعِ الْمُحَرَّمَاتِ والْمَحارِمِ فإن فعلتَ وإلا فاعْلَمْ أنك رَقيقُ الدِّيانةِ خَفيفٌ لَعَّابٌ مُغْتَابٌ نَمَّامٌ فأَنَّى لك أن تكونَ طالبَ عِلْمٍ ، يُشارُ إليك بالبَنانِ ، مُنَعَّمًا بالعِلْمِ والعمَلِ .
سَدَّدَ اللهُ الْخُطَى ، ومَنَحَ الجميعَ التقْوَى وحُسْنَ العاقِبَةِ في الآخرةِ والأُولَى .
وصَلَّى اللهُ على نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه وسَلَّمَ .
بكرُ بنُ عبدِ اللهِ أبو زَيْدٍ
25/10/1408 هـ .
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ )

هذه النواقض والخوارم التي ذكرها هي في الحقيقة خدش عظيم لطالب العلم وللعامة أيضا .
1- إفشاء السر محرم : لأنه خيانة للأمانة . فإذا استكتمَك الإنسانُ حديثا فلا يحل لك أن تفشيه لأي أحد كان ، واحذر أن يخدعك أحدٌ لأن بعض الناسِ يظن أنه أفشى إليك؛ ثم يأتي إليك وكأن الأمر مسلَّم أنه عَلِمَ بذلك فيقول مثلا: ما شاء الله، من أدراك عن كذا وكذا، فيبهت الآخر، فيظن أنه قد علن ثم يفضي له السر وهذه طريقة تجسس من بعض الناس.
فاحذر هذا، فما دمت استكتمك صاحبُكَ فإذا جاء أحدٌ يبهتُك بمثل هذا الأسلوب، فلا تخف. قل: أبدا، ما صار هذا، وأنا بريء إلى الله منه- وتقصد منه – هذا الكلام الذي قلت، لأنه تجسس.
قال العلماء: وإذا حدثك الإنسان بحديث والتفت، فقد استأمنك، فهو أمانة وسر، فلا يجوز أن تفشيه. حتى وإن لم يقل لا تخبر أحدا. لأن التفاته يعني أنه لا يريد أحدا يسمعه. فإذا أفشيته فهذا من إفشاء السر.
2- ونقل الكلام من قوم إلى آخرين: وهذه هي النميمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة قتات".1 أي: نمام، ومر بقبرين يعذبان، وذكر أن أحدهما كان يمشي بالنميمة 2. فهي من كبائر الذنوب.
يأتي الشخص لآخر ويقول: فلان يقول فيك كذا وكذا. لكن إذا كان المقصود بذلك النصيحة. كيف النصيحة؟! يعني: أن هذا الرجل مغتر بالشخص ويفضي إليه أسراره ويستشيره في أموره، فجاء إنسان وقال: يا فلان، أنا رأيتك تفضي سرك إلى فلان وتثق به، والرجل ليس بأمين، الرجل يفشي كل ما تقول. فهل يعتبر هذا نميمة؟ هذه نصيحة!
3- والصلف واللسانة: الصلف: يعني التشدد في الشيء، يكون الإنسان غير لين لا بمقاله ولا بحاله. بل هو صلت ولسن، يعني رفيع الصوت، أو يعني عنده بيانا يبدي به الباطل ويخفي به الحق.
وأما قوة الصوت وارتفاعه, فإنه ليس إلى اللسانة، هذه من خلقة الله عز وجل، ولما أنزل الله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ "سورة الحجرات: 2).3 كان ثابت بن قيس رضي الله عنه- وهو من أحد الشعراء والخطباء- كان جهوري الصوت، فلزم بيته يبكي، ولم يكن له وجه يخرج إلى الناس، ويقابل الناس به، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه وأرسل إليه رسولا، فقال:"إن الله أنزل هذه الآية وإني خفت أن يحبط عملي وأنا لا أشعر". فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:"إنه يحيى سعيدا، ويقتل شهيدا، ويدخل الجنة"
4- كثرة المزاح : ولم يقل المزاح لأن المزاح في الكلام، كالملح في الطعام إن أكثرت منه فسد الطعام، وإن لم تجعل فيه الملح لم يشته إليه الطعام. فكثرة المزاح تذهب الهيبة، وتنزل مرتبة طالب العلم. أما المزاح القليل الذي يقصد به إدخال السرور على صاحبك فهو من السنة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا.
جاء رجل يريد أن يحمله على بعير يجاهد عليها في سبيل الله،فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنا حاملوك على ولد الناقة» قال الرجل كيف؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «وهل تلد الإبل إلا النوق» 4. فهذا مزاح ولكنه حق.
وقال لأبي عُمير- غلام صغير- معه طير يلعب به، فمات الطير. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم عليه ذات يوم فقال: «يا أبا عمير ما فعل النغير» 5.
أما ما يفعله بعض الناس، كل كلامه مزح، فهذا كما أنه لا يليق بالرجل العاقل فضلا عن طالب العلم، فإنه يجعل كلامَه مزحا حتى أن المخاطبين يقولون له أنت صادق أم تمزح؟ لأنه يجعل كل كلامِه مزحا.
5- الدخول في حديث بين اثنين : فإن بعض الناس إذا رأى اثنين يتحدثان، دخل بينهما وهذا كالمتسلق للجدار، لم يأت البيوت من أبوابها.
ولهذا كان من آداب حاضر صلاة الجمعة ألا يفرق بين اثنين6 كما جاءت به السنة، فالتفريق بين اثنين في الكلام وفي الحديث من خوارم المروءة، وكذلك أيضا لا ينبغي إذا رأيت اثنين يتحدثان أن تقترب منهما، بل من الأدب والمروءة أن تبتعد، لأنه ربما يكون بينهما حديث السر ويخجلان أن يقولا لك أبعد، فالحديث سر، أو إذا كانا لا يستطيعان ذلك عدلا عن حديث السر فقطعت حديثهما.
6-الحقد: والحقد يعني الكراهية والبغضاء، فإن بعض الناس إذا رأى أن الله أنعم على غيره نعمة حقد عليه، مع أن هذا الذي أنعم عليه لم يتعرض له بسوء، لكن حاقد عليه. وما قصة ابني آدم بغريب علينا.
قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر. فقال الذي لم يتقبل منه إلى الذي تقبل منه لأقتلنك. كرهه وحقد عليه إلى حد أنه أودى بحياته، فقال له ذلك: "... إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ..."سورة المائدة: 27] وليس بيدي تزكية نفسي أو لثناء عليها.
وإنما يريد أن يحث ذلك على التقوى حتى يقبل منه. كأنه قال له: اتق الله يقبل منك. ولكن :"{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ "سورة المائدة: 30.
فلا يجوز للإنسان أن يحقد على أخيه المسلم، ولا سيما أن يكون سبب الحقد ما من الله عليه من النعمة سواء دينيا أو دنيويا.
7- الحسد: من أخلاق اليهود، وبئس الخلق خلق الحسد، فما هو الحسد 7.
الحسد قيل هو: أن يتمنى زوال نعمة الله على غيره.
يتمنى فقره إذا كان أنعم الله عليه بالمال، ونسيانه وجهله إذا كان أنعم الله عليه بالعلم، وفقد أولاده وعقم زوجته إذا كان الله من عليه بالأولاد وما أشبه ذلك.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:«الحسد كراهة نعمة الله على غيره». يعني ما يتمنى زوالها، لكن يكره أن الله أنعم على هذا الإنسان بهذه النعمة، فأما لو تمنى أن يرزقه الله مثلها، فليس هذا من الحسد بل هذا من الغبطة، التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا حسد إلا في اثنتين».
ومضار الحسد إحدى عشرة وهي:
1- أنه من كبائر الذنوب.
2- أنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. والحديث ضعيف.
3- أنه من أخلاق اليهود.
4- أنه ينافي الإخوة الإيمانية.
5- أنه فيه عدم الرضا بقضاء الله وقدره.
6- أنه سبيل للتعاسة.
7- الحاسد متبع لخطوات الشيطان.
8- يورث العداوة والبغضاء بين الناس.
9- قد يؤدي إلى العدوان على الغير.
10- فيه إزدراء* لنعمة الله على الحاسد.
*
ازْدِرَائِهِ : اِحْتِقَارِهِ ، الاِسْتِخْفَاف بِهِ .هنا
11- يشغل القلب عن الله.

8- سوء الظن: أن يظن بغيره ظنا سيئا، مثل أن يقول: لم يتصدق هذا إلا رياء، لم يلق هذا الطالب هذا السؤال إلا رياء ليعرف أنه طالب. وكان المنافقون إذا أتى المتصدق من المسلمين بالصدقة- إن كانت كثيرة- قالوا: مرائي، وإن كانت قليلة.
قالوا: إن الله غني عن صدقة هذا، فهم يلمزون 8المطوعين من المؤمنين في الصدقات، ويلمزون الذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم. فإياك وسوء الظن.
فالواجب إحسان الظن بمن ظاهره العدالة، أما من ظاهره غير العدالة فلا حرج أن يكون في نفسك سوء الظن به، لكن مع ذلك عليك أن تتحقق حتى يزول ما في نفسك من هذا الوهم. لأن بعض الناس قد يسيء الظن بشخص ما بناء على وهم كاذب لا حقيقة له.
قال الله تعالى : "....يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ ..."سورة الحجرات: 12. ولم يقل كل الظن، لأن بعض الظنون لها أصل ولها مبرر "...
إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ... "سورة الحجرات: 12. وليس كل الظن، فالظن الذي يحصل فيه العدوان على الغير هذا لا شك أنه إثم، والظن الذي لا مستند له، هو أيضا إثم.
9- ومجالسة المبتدعة: وليته عمم: مجالسة كل من تخرم مجالستهم المروءة، سواء كان ذلك لابتداع أو سوء أخلاق أو انحطاط رتبة عن المجتمع أو ما أشبه ذلك.
فينبغي لطالب العلم أن يكون مرتفعا عن مجالسة من تخدش مجالستهم المروءة أو تخدش الدين. لكن كأنه خص ذلك بالمبتدعة لأن المقام مقام تعليم، فإذا وجدنا مبتدعا عنده طلاقة في اللسان، وسحر في البيان، فإنه لا يجوز أن يجلس إليه، لأنه مبتدع. لماذا لا يجوز؟
أولا- لأننا نخشى من شره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن من البيان لسحرا» 9. قد يسحر عقولنا حتى نوافقه على بدعته.
ثانيا- أن فيه تشجيع لهذا المبتدع أن يكثر الناس حوله أو أن يجلس إليه فلان وفلان من الوجهاء والأعيان، فهذا يزيده رفعة واغترارا بما عنده من البدعة وغرورا في نفسه.
ثالثا- إساءة الظن بهذا الذي اجتمع إلى صاحب البدعة، وقد لا يتبين هذا إلا بعد حين.
10- نقل الخطى إلى المحارم : يعني أن يمشي الإنسان على الأمور المحرمة، فإن هذا من خوارم هذه الحلية: إذ أن الذي ينبغي لطالب العلم أن يتجنب هذا، بل إن بعض العلماء يقول يتجنب حتى الخطى إلى أمر ينتقده الناس فيه، كما لو ذهب طالب العلم إلى مبيع النساء. النساء لها أسواق للبيع، فذهب طالب العلم لأسواق النساء، هل هذا مما يحمد عليه أو مما يذم عليه؟ مما يذم عليه، يقال فلان طالب العلم يروح لأسواق النساء، حتى لو قال أنا أريد أن أذهب لأسواق النساء حتى أشتري لأهلي من هذه الأثواب التي تباع بالأسواق. قلنا وكل من يشتري عنك، أما أنت طالب علم ينتقد عليك هذا الفعل، ويقتدي بك من نيته سيئة.
ثم قال: «فاحذر هذه الآثام وأخواتها، واقصر خطاك عن جميع المحرمات والمحارم، فإن فعلت، وإلا فأعلم أنك رقيق الديانة، خفيف، لعاب، مغتاب، نمام، فإنى لك أن تكون طالب علم، يشار إليك بالبنان، منعما بالعلم والعمل؟
يعني: ينبغي للإنسان أن ينزل منزلتها وألا يدنسها بالأخلاق، لأن طالب العلم شرفه الله تعالى بالعلم وجعله قدوة، حتى إن الله تعالى رد أمور الناس عند الإشكال إلى العلماء. فقال :"...فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ.." سورة النحل: 43.
فالحاصل إنك يا طالب العلم محترم فلا تنزل نفسك إلى ساحة الذل والضعة، بل كن كما ينبغي أن تكون.
فهذه الحلية لا شك أنها مفيدة ونافعة لطالب العلم وينبغي للإنسان أن يحرص عليها ويتبعها، لكن لا يعني ذلك أن يقتصر عليها بل هناك كذلك كتب أخرى صنفت في آداب العلم ما بين قليل وكثير ومتوسط، وأهم شيء أن الإنسان يترسم خطى النبي صلى الله عليه وسلم ويمشي عليها، فهي الحلية الحقيقية التي ينبغي للإنسان أن يتحلى بها، كما قال سبحانه وتعالى "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً "سورة الأحزاب: 21.
نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولكم بصالح الأعمال، وأن يوفقنا للعمل بما يرضيه.

آفاق التيسير
شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ

الشيخ:
ثم ذكر المؤلف بعض العثرات ومنها :
إفشاء الأسرار ، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "المجالس بالأمانة" وإفشاء السر نوع من أنواع الخيانة ، والخيانة بئست البطانة.
كذلك لا يكون المؤمن طالب العلم من أهل النميمة ، ينقل كلام هؤلاء إلى هؤلاء ، وكلام هؤلاء إلى هؤلاء ، ليفسد بينهم فهذا من أكبر المحرّمات ، وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يدخل الجنة قتات" يعني : نمام.
من العوارض والعثرات : الصَّلف بأن يتكلم الإنسان بالكلام الغليظ غير الرقيق اللين ، وكذلك اللسانة والرطانة ، اللسانة : بأن يتكلم بلسان قوي يتخلل في لسانه ليظهر قدرته على الناس وليس ذلك الكلام مبنيا على أصول علمية.
كذلك كثرة المزاح يجتنبه الإنسان ، يجتنبه طالب العلم ، لأنه يُخِف من منزلته ويجعل الناس لا يقبلون ما لديه من العلم.
هكذا أيضا الدخول في حديث بين اثنين ، لأنهما لم ينعزلا إلا لحديث خاص بينهما ، فدخول طالب العلم بينهما يقلّ من منزلته.
كذلك حقد الآخرين ، والحقد والحسد فإنّ هذه ليست من صفات طالب العلم ، سواء كان حسدا لطلب العلم ، الحسد المذموم بتمنّي زوال النعمة عن الآخرين ، أو كان بالحسد على ما أوتيه البعض في أمور الدنيا.
وكذلك يجتنب سوء الظن في الآخرين ، يشتغل بما ينفع ويترك سوء الظن ، وكذلك يجتنب طالب العلم مجالسة المبتدعة ، لأنه سيُظن أنه منهم ، وقد يعلق بقلبه بعض بدعهم من حيث لا يشعر ، ثم إنهم يتقوّوْن بذلك ، فلانا يزورنا وفلانا يجالسنا.
كذلك يجتنب طالب العلم المعاصي والذنوب لأنها تطمس العلم طمسًا ، وتطمس على القلب كما قال تعالى : " كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ" المطففين14
هذا شيء مما ذكره المؤلف واختصرنا فيما يتعلّق بالمحاذير لقلّة الوقت ، فلعلّكم تعذروننا في هذا ، نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم علما نافعا وعملا صالحا ، كما نسأله سبحانه أن يصلح أحوال الأمة ، وأن يردهم إلى دينهم ردّا جميلا ، هذا والله أعلم وصلّى الله على نبينا محمد.
آفاق التيسير
1-

"لا يدخلُ الجنَّةَ قتَّاتٌ"
الراوي : حذيفة بن اليمان - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 6056 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. الدرر السنية
الشرح:
الاستماعُ للغَيرِ بنيَّةِ نقْلِ الكلامِ مِن الصِّفاتِ المذمومةِ؛ لذلك أخبَرنا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأنَّه لا يدخُلُ الجنَّةَ قتَّاتٌ، والقَتَّاتُ: مِن قَتَّ الحديثَ يقُتُّه قَتًّا: إذا تَسمَّع إلى حديثِ شخصٍ فنقَله إلى غيرِه بقَصْدِ الإفسادِ بينهما، ولعلَّ عدمَ دخولِه الجنَّة أنَّه لن يكونَ في أوَّلِ الأمرِ مع السَّابقين.
في الحديثِ: النَّهيُ عن نقْل الكلامِ بنيَّة الإفسادِ.
2-
-" مرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بحائطٍ مِن حيطانِ المدينةِ ، أو مكةَ ، فسمِع صوتَ إنسانَينِ يُعَذَّبانِ في قُبورِهما، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : يُعَذَّبانِ وما يُعَذَّبانِ في كبيرٍ . ثم قال : بلَى ، كان أحدُهما لا يَستَتِرُ من بوْلِه، وكان الآخَرُ يمشي بالنَّميمَةِ . ثم دَعا بجَريدَةٍ، فكسَرَها كِسرَتَينِ، فوضَع على كُلِّ قَبرٍ منهما كِسرَةً، فقيل له : يا رسولَ اللهِ ، لِمَ فعَلتَ هذا ؟ قال : لَعلَّه أنْ يُخَفَّفَ عنهما ما لم تَيبَسا أو: إلى أن يَيبَسا" .
الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 216 | خلاصة حكم المحدث :صحيح- شرح الحديث- الدرر السنية

الشرح:
القَبْرُ هو أولُ مَنازِل الآخِرَةِ، والعذابُ والنعيمُ فيه حقٌّ.
وفي هذا الحديثِ: يُخبِرُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأحدِ الأعمالِ المُوجِبة لعَذابِ القَبْرِ، حيث مَرَّ على حائطٍ من حِيطَانِ المَدِينَةِ أو مَكَّةَ، والحائِطُ: هو البُسْتان إذا كان له سُورٌ، فسَمِع صوتَ إنسانَيْن يعذَّبان في قُبورِهما، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «يُعَذَّبانِ، وما يعذَّبان في كَبِيرٍ» يعني: لا يعذَّبان في أمرٍ كبيرٍ في نَظرِكم، وإنْ كان هو في الحقيقةِ كَبِيرًا عند اللهِ تعالى؛ ولذلك قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «بَلَى»، أي: إنَّه كَبِيرٌ في الحقيقةِ.
وسببُ عذابِهما كما أَخْبَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أنَّ أحدَهما كان لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِه، يَعنِي: لا يَسْتَبْرِئُ منه ولا يَتَحفَّظُ مِن أن يُصِيبَه منه. والآخَرُ كان يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ بين الناسِ، أي: يَنقُل كلامَ غيرِه بقَصْدِ الإضرارِ وإيقاعِ الخِلافِ والوَقِيعَةِ بين الناسِ.
ثُمَّ دَعَا صلَّى الله عليه وسلَّم بِجَرِيدَةٍ، فكَسَرها نِصفَيْن، ووَضَع على قَبْرِ كلِّ واحدٍ منهما جزءًا منها، فقيل له: لِمَ فعلتَ هذا؟ فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَعَلَّهُ أن يُخَفَّفَ عنهما ما لم يَيْبَسَا، أو إلى أنْ يَيْبَسَا»، أي: لعلَّ الله تعالى أن يُخَفِّفَ عنهما العذابَ إلى أن يَجِفَّ الجَرِيدُ الذي وَضَعه صلَّى الله عليه وسلَّم على قبرَيْهما.
وفي الحديثِ: إثباتُ عذابِ القبرِ، وأنَّه حقٌّ يَجِبُ الإيمانُ والتَّسليمُ به.
وفيه: التَّحذِيرُ مِن مُلابَسةِ البَوْل، ويَلتحِق به غيرُه مِنَ النَّجاساتِ في البَدَن والثَّوْب.
وفيه: النَّهيُ عن النَّمِيمَةِ.
*
".....قال إنِّي مررتُ بقبرَينِ يُعذَّبانِ . فأحببتُ ، بشفاعتي ، أنْ يرفَّهَ عنهما ، ما دامَ الغصنانِ رَطبينِ " .
الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 3012 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -شرح الحديث.هنا

الشرح:
*....في الحديثِ: مُعجِزةٌ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعلامةٌ مِن علاماتِ نُبوَّتِه .هنا
*بعض العلماء – عفا الله عنهم – قالوا : يسن أن يضع الإنسان جريدة رطبة ، أو شجرة ، أو نحوها على القبر ليخفف عنه ، لكن هذا الاستنباط بعيد جداً ولا يجوز أن نصنع ذلك لأمور:
أولاً : أننا لم يكشف لنا أن هذا الرجل يعذب بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فقد كشف الله تعالى له بالوحي حال هذين القبرين .
ثانياً : أننا إذا فعلنا ذلك فقد أسأنا إلى الميت ، لأننا ظننا به ظن سوء أنه يعذب وما يدرينا فلعله يُنعم ، لعل هذا الميت ممن مَنَّ الله عليه بالمغفرة قبل موته لوجود سبب من أسباب المغفرة الكثيرة فمات وقد عفا رب العباد عنه ، وحينئذ لا يستحق عذاباً .
ثالثاً : أن هذا الاستنباط مخالف لما كان عليه السلف الصالح فلم يكن هذا الفعل من هديهم وسنتهم وهم أعلم الناس بشريعة الله .
رابعاً : أن الله تعالى قد فتح لنا ما هو خير منه فكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال : " استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل " .
" انتهى من مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (2/30) بتصرف . الإسلام سؤال وجواب
3-
"لما نزلت هذه الآية : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ..,." / الحجرات / آية 2 . إلى آخر الآية . جلس ثابت بن قيس في بيته وقال : أنا من أهل النار . واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم . فسأل النبي سعد بن معاذ فقال " يا أبا عمرو ! ما شأن ثابت ؟ أشتكى ؟ " قال سعد : إنه لجاري . وما علمت له بشكوى . قال فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال ثابت : أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأنا من أهل النار ؛ فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل هو من أهل الجنة " . وفي رواية : عن أنس ، قال : لما نزلت ".. لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ .. " 49 / الحجرات / الآية - 2 ولم يذكر سعد بن معاذ في الحديث . وفي رواية : ( 119 ) وفي رواية : فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رجل من أهل الجنة .
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 119 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | انظر شرح الحديث رقم 16581- الدرر السنية
الشرح: كان أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقِفون عندَ حُدودِ اللهِ تَعالى، ودائمًا ما يُراقِبون أنفُسَهم ويُحاسِبونها؛ ولهذا لَمَّا نَزَلَ قَولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2] ظنَّ ثابتُ بنُ قيسٍ أنَّه هو المقصودُ بالآيةِ، وأنَّ عملَه قد حَبِطَ، يَعني: بَطَلَ؛ وذلك لأنَّ صَوتَه كان مرتفعًا خِلْقةً، فظنَّ أنَّه المقصودُ بالوعيدِ في الآيةِ، فجلس في بيتِه حزينًا لهذا الأمرِ، فلمَّا افتَقَدَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سألَ عنه، فقال رجلٌ: أنا أَعلَمُ لك عِلمَه، يَعني: أُخبرُك خَبَرَه، فذهبَ إليه فوجدَه مُنكِّسًا رأسَه في بيتِه، يَعني: مُطرِقًا إلى الأرضِ في حُزنٍ، فقال له: ما شَأْنُك، فقال ثابتٌ: شَرٌّ، يَعني: ما بي هو الشَّرُّ؛ لأنَّني كُنتُ أَرفَعُ صَوتي فَوقَ صَوتِ النَّبيِّ، وقد تَوعَّدَ اللهُ عليه بإِحباطِ العَمَلِ وبدُخولِ النَّارِ، فرَجَعَ الرَّجلُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأخبَرَه بذلك، فأمَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَرجِعَ إليه ويُبلِّغَه بِشارَةً عظيمةً، وهي أنَّه ليس مِن أهلِ النَّارِ، وأنَّه من أهلِ الجَنَّةِ. الدرر السنية
4-" أنَّ رجلًا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : يا رسولَ اللهِ، احمِلْني، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : إنا حاملوكَ على ولدِ ناقةٍ . قال : وما أصنع بولدِ الناقةِ ؟ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : وهل تلدُ الإبلُ إلا النوقَ"الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 4998 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- هنا 5-كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسنُ الناسِ خُلُقًا ، وكان لي أخٌ يُقالُ له أبو عُمَيرٍ - قال : أحسِبُه - فَطيمٌ ، وكان إذا جاء قال : " يا أبا عُمَيرٍ ، ما فعَل النُّغَيرُ " . نُغَرٌ كان يَلعَبُ به ، فربما حضَر الصلاةَ وهو في بيتنِا ، فيَأمُرُ بالبِساطِ الذي تحتَه فيُكنَسُ ويُنضَحُ ، ثم يَقومُ ونَقومُ خلفَه فيُصلِّي بنا ". الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 6203 - خلاصة حكم المحدث :صحيح. هنا
الشرح:قال أَنَسُ بنُ مَالِكٍ رَضِيَ الله عنه-وهو خادِمُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم-: "كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أحسنَ الناسِ خُلُقًا" مِمَّا يراه مِن تعامُلِه، «وكان لي أخٌ» وهو أَخُوه من أُمِّه أُمِّ سُلَيْمٍ مِن أبي طَلْحَةَ رَضِيَ الله عنهم، «فَطِيم»، أي: مَفطوم، وهو المُنتهِي مِن الرَّضاعة، فكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُلاعِب هذا الصَّغير فيقولُ له: "يا أبا عُمَير، ما فعَل النُّغَيْر؟" والنُّغَير: تَصغيرُ النُّغَرِ، وهو طائِرٌ صغيرٌ، قِيل: هو الصَّعْوُ، وقد سألَه عنه لَمَّا بلَغه حُزنُ الصَّغيرِ على موتِ هذا الطائِرِ.
ثُمَّ أخبَر أَنَسٌ رَضِيَ الله عنه أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم كان يأمُر بالبِساطِ الَّذِي يَجلِسون عليه فيُكنَس ويُنضَح "أي يُرَشُّ عليه الماء" فيصلِّي بهم جماعةً.
وفي الحديثِ: تواضُعُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وما كان عليه مِن حُسنِ الخُلُقِ وكرَمِ الشَّمائلِ.
وفيه: مُداعبةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للصِّغارِ، والمُزاحُ معهم، وإدخالُ السُّرورِ عليهم.
وفيه: مَشروعيَّةُ الكُنْيَةِ للصبيِّ، وقبلَ أن يُولَد للرجل
هنا

6- لا يغتسِلُ رجلٌ يومَ الجمُعةِ، ويتطَهَّرُ ما استطاع من طُهرٍ، ويدَّهِنُ من دُهنِه، أو يَمَسُّ من طِيبِ بيتِه، ثم يَخرُجُ فلا يُفَرِّقُ بين اثنين، ثم يصلِّي ما كُتِبَ له، ثم يُنصِتُ إذا تكلَّمَ الإمامُ، إلا غُفِرَ له ما بينه وبين الجمُعة الأخرَى .
الراوي : سلمان الفارسي - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 883 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- شرح الحديث-هنا
الشرح: أمرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِالاغتسالِ يومَ الجُمُعةِ، وفي هذا الحديثِ يُخبرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِفضيلةِ الاغتسالِ والتَّطيُّبِ والخُروجِ لِصلاةِ الجمعةِ، فيقول: "لا يَغتسلُ رجلٌ يومَ الجُمُعةِ، ويَتطهَّرُ ما استطاعَ مِن طُهرٍ" يعني: ما أمكنَه مِن تَنظيفٍ، كِقصِّ الظُّفرِ والشَّاربِ وحلْقِ العانةِ، وغيرِ ذلك، «ويَدَّهنُ مِن دُهنِه، أو يمَسُّ مِن طِيبِ بيتِه» يعني: يضعُ مِنَ الطِّيبِ الخاصِّ به أو يضعُ مِن طِيبِ زوجتِه، "ثُمَّ يخرجُ فلا يُفرِّقُ بين اثنينِ"، وهذا إشارة إلى التَّبكيرِ؛ لأنَّه لو بكَّرَ بِالخروجِ فإنَّه لا يُضطَّرُّ إلى تَخطِّي الرِّقابِ والتَّفريقِ بين الجالسِينَ قبْلَه، «ثُمَّ يُصلِّي ما كُتِبَ له» يعني: مِنَ النَّوافلِ، «ثُمَّ يُنصتُ إذا تكلَّمَ الإمامُ إلا غُفِرَ له ما بَينَه وبين الجُمُعةِ الأُخرى»، أي: غُفِرَ له ما ارْتَكَبَه مِن الذنوب في هذِه المدَّةِ بين الجُمُعتَينِ مِن صَلاةِ الجُمُعةِ وخُطبتِها إلى مِثلِ الوقتِ مِن الجُمُعةِ الثَّانيةِ.

7-لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث أيام" الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 6065 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- شرح الحديث -الدرر السنية

*"دبَّ إليكم داءُ الأُممِ قبلكم ؛ البغضاءُ والحسدُ ، والبغضاءُ هي الحالقةُ ، ليس حالقةَ الشَّعرِ ، ولكن حالقةُ الدِّينِ . والذي نفسي بيدِه لا تدخلون الجنَّةَ حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا ، ألا أُنَبِّئُكم بما يُثَبِّتُ لكم ذلك ؟ أَفشوا السلامَ بينكم"

الراوي : عبدالله بن الزبير - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب
الصفحة أو الرقم: 2695 - خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره-الدرر السنية

- "لا حسد إلا في اثنتيْنِ : رجلٌ آتاه اللهُ مالًا ، فسلَّطَه على هَلَكَتِه في الحقِّ ، وآخرُ آتاه اللهُ حكمةً ، فهو يَقضي بها ويُعلِّمُها"

الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 7141 - خلاصة حكم المحدث :صحيح - انظر شرح الحديث رقم 2123- الدرر السنية
8-
"
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "التوبة 79
التفسير الميسر :ومع بخل المنافغين لا يَسْلَم المتصدقون من أذاهم; فإذا تصدق الأغنياء بالمال الكثير عابوهم واتهموهم بالرياء, وإذا تصدق الفقراء بما في طاقتهم استهزؤوا بهم, وقالوا سخرية منهم: ماذا تجدي صدقتهم هذه؟ سخر الله من هؤلاء المنافقين, ولهم عذاب مؤلم موجع.



9- أنَّه قدِمَ رجلانِ مِنَ المشرقِ فخَطَبا ، فعَجِبَ النَّاسُ لبيانِهِما ، فقال رسولُ اللهِ _صلى الله عليه وسلم _: " إن مِنَ البيانِ لسِحرًا ، أو : إن بعضَ البيانِ لسِحْرٌ" .

الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 5767 - خلاصة حكم المحدث :صحيح- انظر شرح الحديث رقم 11935. هنا
الشرح:يقول عبدُ اللَّه بنُ عمرَ رضي اللَّه عنهما: إنَّهُ قَدِمَ رَجُلانِ مِنَ المَشْرقِ، أي: مِنْ جِهةِ المَشرِقِ، فخَطَبا فَعَجِبَ النَّاسُ مِنهُما لبيانِهما، فقال رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلَّم: "إنَّ مِنَ البَيانِ لَسِحرًا"، أي: إنَّ مِنهُ لَنَوعًا يَحُلُّ مِنَ العُقولِ والقُلوبِ في التَّمويهِ مَحَلَّ السِّحرِ؛ فَيُقرِّبُ البَعيدَ، ويُبعِدُ القَريبَ، ويُزَيِّنُ القَبيحَ، ويُعَظِّمُ الحَقيرَ، فَكأنَّهُ سِحْرٌ.
وشبَّه النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في هذا الخبرِ البَيانَ بِالسِّحرِ؛ إذ السَّاحِرُ يَستَميلُ قَلبَ النَّاظرِ إليه بسِحرِه وشَعوذَتِه، والفَصيحُ الذَّرِبُ اللِّسانِ يَستميلُ قُلوبَ النَّاسِ إليه بِحُسنِ فصاحتِه ونَظْمِ كلامِه؛ فالأَنْفُسُ تكونُ إليه تائقةً، والأعيُنُ إليه رامِقةً.
واختَلَفَ أهلُ العِلمِ في هذا الحديثِ؛ هل هو على وجهِ الذَّمِّ أو على وجه المدحِ؟ لَكِنَّ أحسَنَ ما يُقال في هذا: إنَّ هذا الحديثَ ليس ذمًّا لِلبَيانِ كُلِّه، ولا مدحًا; لقوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: "مِن البَيانِ"، فأتى بِلَفظةِ "مِنْ" الَّتي لِلتَّبعيضِ.
وفي الحديث: إشارةٌ إلى ضَرورةِ الحَذَرِ مِنْ مَعسولِ الكلامِ؛ لأنَّه كالسِّحرِ، فقد يَقلِبُ الحَقَّ باطِلًا، والباطِلَ حَقًّا.هنا

أم أبي التراب 11-06-2018 04:56 AM


الحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ


الساعة الآن 09:30 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر