ملتقى نسائم العلم

ملتقى نسائم العلم (http://nsaaem.com/index.php)
-   ملتقى القرآن والتفسير (http://nsaaem.com/forumdisplay.php?f=6)
-   -   تفسيرسورة الكهف (http://nsaaem.com/showthread.php?t=27)

أم أبي التراب 06-07-2017 01:30 PM

وقفة

لِمَ التكبر إذًا يا من تدعي السيادة؟! فليس الفقر عيبًا في الإسلام
"كم من أشعثَ أغبرَ ذي طِمرينِ لا يؤبَه لَه لو أقسمَ على اللَّهِ لأبرَّهُ منهمُ البَراءُ بنُ مالِكٍ"الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3854 - خلاصة حكم المحدث: صحيح

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي: ذي طمرين بكسر فسكون، أي صاحب ثوبين خلقين، لا يُوْبَهُ به بضم الياء وسكون واو، وقد يهمز، وفتح موحدة وبهاء، أي لا يُبالَى به، ولا يُلتفت إليه. انتهى.هنا



ورب فقير خير عند الله من مِلْءِ الْأَرْضِ ممن أعماهم الغنى والجاه
"مرَّ رجلٌ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال لرجلٍ عِندَه جالسٌ " ما رأيُك في هذا " . فقال " رجلٌ من أشرافِ الناسِ، هذا واللهِ حرِيٌّ إن خطَب أن يُنكَحَ، وإن شفَع أن يُشَفَّعَ، قال : فسكَت رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثم مرَّ رجلٌ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم " ما رأيُك في هذا " . فقال : يا رسولَ اللهِ، هذا رجلٌ من فُقَراءِ المسلمينَ، هذا حَرِيٌّ إن خطَب أن لا يُنكَحَ، وإن شفَع أن لا يُشَفَّعَ، وإن قال أن لا يُسمَعَ لقولِه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم " هذا خيرٌ من مِلءِ الأرضِ مثلِ هذا " . الراوي: سهل بن سعد الساعدي - صحيح البخاري .
قال تعالى مبينًا هذه الحقيقة الغائبة عن أذهان جبابرة قريش ومن شابههم ممن اضطربت عندهم موازين القيم"وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا"فأمر الله نبيه أن يبين لقريش قصة الرجلين بالمثل؛ لكون الأمثال تجلي المعاني وتقربها

*فوائد من قصة صاحب الجنتين
*
قال تعالى "وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا" الكهف: 32-33.
1ـ الاعتبار والاتعاظ بحال من أنعم الله عليه نعما دنيوية، فألهته عن آخرته وأطغته وعصى الله فيها. السعدي
2ـ ليس في معرفة أعيان الرجلين وزمانهما ومكانهما فائدة أو نتيجة، والتعرض لذلك من التكلف، وإنما الفائدة تحصل من قصتهما فقط. السعدي
3ـ أن بساتين الدنيا يتنعم بها من يدخلها ويرى خضرتها، وتفرح ناظرها، لما فيها من النعيم واللذة، وفي جنتي هذا الرجل أفضل الأشجار وهي النخيل والأعناب. ابن جبرين

"وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً" الكهف:34.
1ـ اغترار هذا الرجل وافتخاره بكثرة ماله وعشيرته وقبيلته، أي بالغنى والحسب، يقوله افتخارا لا تحدثا بنعمة الله عليه بدليل العقوبة التي حصلت له. ابن عثيمين
2ـ أن المال والولد لا ينفعان إن لم يعينا على طاعة الله "

وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ .
".سبأ 37 السعدي

3ـ ينبغي للعبد إذا أعجبه شيء من ماله أو ولده أن يضيف النعمة إلى مسديها؛ ليكون شاكرا لله متسببا لبقاء نعمته عليه. السعدي
4ـ الافتخار الذي لم يُعترف بفضل الله فيه ولم يشكر الله عليه يحبط الأعمال. ابن عثيمين
5ـ أن الله ينعم على عباده ليبتليهم؛ هل يشكرون أم يكفرون؟!. ابن جبرين

"وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا" الكهف:35-36.
1ـ اطمئنان الرجل إلى الدنيا ورضاه بها وإعجابه بجنتيه حتى نسي أن الدنيا لا تبقى لأحد. ابن عثيمين
2ـ إنكاره للبعث. ابن عثيمين
3ـ قياسه الفاسد حيث ظن أن الله لما أنعم عليه في الدنيا فلابد أن ينعم عليه في الآخرة! , ولا تلازم بين هذا وذاك، بل إن الكفار ينعّمون في الدنيا وتُعجَّل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ولكنهم في الآخرة يُعذَّبون!. ابن عثيمين

"فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ"54" أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ"55" نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ"56"
المؤمنون
"وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ".آل عمران 178
4ـ تمرده وعناده؛ لقوله "
وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي ..." قاله على وجه التهكم والاستهزاء!. السعدي
5ـ الغالب أن الله يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه، ويوسِّعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة من نصيب. السعدي
6ـ حقارة هذه الدنيا من أولها إلى آخرها، فالله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب!. ابن جبرين

- عن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ قالَ" إنَّ اللَّهَ قسمَ بينَكم أخلاقَكم كما قسَّمَ بينَكم أرزاقَكم وإنَّ اللَّهَ تعالى يعطي المالَ من أحبَّ ومن لا يحبُّ ولا يعطي الإيمانَ إلَّا من يحبُّ. فمن ضنَّ بالمالِ أن ينفقَهُ وخافَ العدوَّ أن يجاهدَهُ وهاب اللَّيلَ أن يُكابدَهُ فليُكثر من قولِ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وسبحانَ اللَّهُ والحمدُ للَّهِ واللَّهُ أَكبرُ. الراوي: - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الأدب المفرد - الصفحة أو الرقم: 209- خلاصة حكم المحدث: صحيح موقوفًا في حكم المرفوع
الدرر السنية
- عن عبدِ اللَّهِ بنَ مسعودٍ قالَ إنَّ اللَّهَ قسَّمَ بينَكم أخلاقَكم كما قسَّمَ بينَكم أرزاقَكُم وإنَّ اللَّهَ يؤتي المالَ من يحبُّ ومن لا يحبُّ ولا يؤتي الإيمانَ إلَّا من أحبَّ فإذا أحبَّ اللَّهُ عبدًا أعطاهُ الإيمانَ فمن ضنَّ بالمالِ أن ينفقَهُ وَهابَ العدوَّ أن يجاهدَهُ واللَّيلَ أن يُكابدَهُ ; فليُكثر من قولِ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكبرُ والحمدُ للَّهِ وسبحانَ اللَّهِ الراوي: مرة بن شراحيل الهمداني- المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 1571 - خلاصة حكم المحدث: صحيح


7ـ نسيان الرجل قدرة ربه الذي أعطاه ومكّنه، بأن يسلبه ما آتاه!. ابن جبرين
"قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا" الكهف:37-38.
1ـ نصح صاحبه المؤمن له وتذكيره بنعم الله عليه، وكيف خلقه ونقله من طور إلى طور، ويسر له الأسباب، فكيف يليق بك أن تكفر بالله؟!. السعدي
2ـ أن منكر البعث كافر. ابن عثيمين
3ـ اعتزاز المؤمن بإيمانه بالله واعترافه به وبفضله عليه، وإقراره بربوبية ربه، والتزام طاعته وعدم الإشراك به. السعدي
4ـ أن في تذكر الإنسان مبدأ أمره وخلقه موعظة عظيمة وذكرى. ابن جبرين
5ـ في قول المؤمن "هُوَ اللَّهُ رَبِّي" دليل على أن صاحب الجنتين قد أشرك. ابن جبرين

"وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا" الكهف:39.
1ـ أن نعمة الله على الإنسان بالإيمان والإسلام ولو مع قلة المال والولد هي النعمة الحقيقية، وما عداها معرض للزوال والعقوبة. السعدي
2ـ ينبغي للإنسان إذا أعجبه شيء أن يقول "مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" حتى يفوض الأمر إلى الله لا إلى حوله وقوته. ابن عثيمين
3ـ من اعترف بفضل الله عليه، فإنه يبارك الله له فيما أعطاه، وأما من أشِر وبطر، فلا يبارك الله له فيما آتاه ولا ينتفع به. ابن جبرين
4ـ أن ما عند الله خير وأبقى، وما يُرجى من خيره وإحسانه أفضل من جميع الدنيا التي يتنافس فيها المتنافسون. السعدي

"فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا" الكهف:40-41.
1ـ الإرشاد إلى التسلي عن لذات الدنيا وشهواتها بما عند الله من الخير. السعدي
2ـ الدعاء بتلف مال من كان ماله سبب طغيانه وكفره وخسرانه، خصوصا إن فضّل نفسه بسبب ماله على المؤمنين وفخر عليهم. السعدي
3ـ أن دعاء المؤمن على جنتيّ الكافر كان غضبا لله؛ لكونها غرته وأطغته، لعله ينيب ويراجع رشده ويبصر في أمره. السعدي
4ـ لا حرج على الإنسان أن يدعو على ظالمه بمثل ما ظلمه. ابن عثيمين
5ـ في قوله"حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ" خص السماء لأن ما جاء من الأرض قد يدافع، لكن ما نزل من السماء يصعب دفعه ويتعذر!. ابن عثيمين
6ـ قوله"خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ" أي أفضل منها وهي جنة الآخرة، وجنة الدنيا هي الفرح بفضل الله والالتذاذ بطاعته، والاغتباط بالأعمال الصالحة، والأنس بذكر الله وشكره، فهذا خير من متاع الدنيا متاع الغرور. ابن جبرين

"وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا" الكهف:42-43.
1ـ استجابة الله لدعاء من دعاه. السعدي
2ـ كان مآل الجنتين الانقطاع والاضمحلال، وكأنه لم يتمتع بها!. السعدي
3ـ الندم بعد فوات الأوان لا ينفع، إنما ينتفع من سمع القصة واعتبر بها. ابن عثيمين
4ـ أن ما افتخر به لم يدفع عنه من العذاب شيئا. السعدي
5ـ لا يستبعد من رحمة الله ولطفه أن صاحب الجنتين تحسنت حاله، ورزقه الله الإنابة إليه، بدليل ندمه على شركه بربه. السعدي
6ـ أن سبب عقوبته لأنه أشرك بالله، ونسب نعمة الله إلى غيره، وفضل الله إلى نفسه وقوته وحيلته، وتناسى عطاء الله له. ابن جبرين

"هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا" الكهف:44.
1ـ أن ولاية الله وعدمها إنما تتضح نتيجتها إذا انجلى الغبار وحقَّ الجزاء، ووجد العاملون أجرهم. السعدي
2ـ من كان مؤمنا بالله تقيا كان له وليا وأكرمه بأنواع الكرامات، ودفع عنه الشرور والمَثُلات، ومن لم يؤمن بربه ويتولاه خسر دينه ودنياه!. السعدي
4ـ أن في يوم القيامة لا نُصرة ولا مُلك إلا لله الحق جل جلاله، وأن جميع من دونه لا يفيد صاحبه شيئا. ابن عثيمين
5ـ أن من خذله الله فليس له ولي، ولا ناصر ينصره من عذاب الله، ومن أمِن بأس الله فإنه ضال مضِل. ابن جبرين


"أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ .البقرة 107
هنا بتصرف يسير

أم أبي التراب 06-07-2017 01:31 PM

"وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ".الكهف 45
تفسير السعدي:
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أصلا, ولمن قام بوراثته بعده تبعا: اضرب للناس مثل الحياة الدنيا, ليتصوروها حق التصور, ويعرفوا ظاهرها وباطنها, فيقيسوا بينها وبين الدار الباقية, ويؤثروا أيهما أولى بالإيثار.
وأن مثل هذه الحياة الدنيا, كمثل المطر, ينزل على الأرض, فيختلط نباتها, أو تنبت من كل زوج بهيج.
فبينا زهرتها وزخرفها تسر الناظرين, وتفرح المتفرجين, وتأخذ بعيون الغافلين.
إذ أصبحت هشيما، تذروه الرياح, فذهب ذلك النبات الناضر, والزهر الزاهر, والمنظر البهي.
فأصبحت الأرض غبراء ترابا, قد انحرف عنها النظر, وصدف عنها البصر, وأوحشت القلب.
كذلك هذه الدنيا, بينما صاحبها، قد أعجب بشبابه، وفاق فيها على أقرانه وأترابه, وحصل درهمها ودينارها, واقتطف من لذته أزهارها، وخاض في الشهوات في جميع أوقاته, وظن أنه لا يزال فيها سائر أيامه، إذ أصابه الموت أو التلف لماله.
فذهب عنه سروره, وزالت لذته وحبوره، واستوحش قلبه من الآلام وفارق شبابه وقوته، وماله، وانفرد بصالح، أو سيئ أعماله.
هنالك يعض الظالم على يديه*، حين يعلم حقيقة ما هو عليه, ويتمنى العود إلى الدنيا، لا ليستكمل الشهوات، بل ليستدرك ما فرط منه من الغفلات، بالتوبة والأعمال الصالحات.
فالعاقل الجازم الموفق، يعرض على نفسه هذه الحالة، ويقول لنفسه " قدري أنك قد مت, ولا بد أن تموتي, فأي الحالتين تختارين؟ الاغترار بزخرف هذه الدار, والتمتع بها كتمتع الأنعام السارحة أم العمل، لدار أكلها دائم وظلها ظليل, وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
فبهذا يعرف توفيق العبد من خذلانه, وربحه من خسرانه.
ولهذا أخبر تعالى, أن المال والبنين, زينة الحياة الدنيا, أي: ليس وراء ذلك شيء.
وأن الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسره, الباقيات الصالحات.
وهذا يشمل جميع الطاعات, الواجبة, والمستحبة, من حقوق الله, وحقوق عباده, من صلاة، وزكاة، وصدقة، وحج، وعمرة، وتسبيح، وتحميد، وتهليل، وقراءة، وطلب علم نافع, وأمر بمعروف, ونهي عن منكر، وصلة رحم، وبر والدين، وقيام بحق الزوجات، والمماليك، والبهائم, وجميع وجوه الإحسان إلى الخلق, كل هذا من الباقيات الصالحات, فهذه خير عند الله ثوابا, وخير أملا.
فثوابها يبقى, ويتضاعف على الآباد, ويؤمل أجرها وبرها ونفعها, عند الحاجة.
فهذه التي ينبغي أن يتنافس بها المتنافسون, ويستبق إليها العاملون, ويجد في تحصيلها المجتهدون.
وتأمل, كيف لما ضرب الله مثل الدنيا وحالها واضمحلالها ذكر أن الذي فيها نوعان.
نوع من زينتها, يتمتع به قليلا, ثم يزول بلا فائدة تعود لصاحبه, بل ربما لحقته مضرته وهو المال والبنون.
ونوع يبقى لصاحبه على الدوام, وهي الباقيات الصالحات.
" وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا "
يخبر تعالى عن حال يوم القيامة, وما فيه من الأهوال المقلقة, والشدائد المزعجة فقال " وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ " أي: يزيلها عن أماكنها, يجعلها كثيبا, ثم يجعلها كالعهن المنفوش ثم تضمحل وتتلاشى, وتكون هباء منبثا, وتبرز الأرض, فتصير قاعا صفصفا, لا عوج فيه ولا أمتا.
ويحشر الله جميع الخلق, على تلك الأرض, فلا يغادر منهم أحدا.
بل يجمع الأولين والآخرين, من بطون الفلوات, وفغور البحار, ويجمعهم بعدما تفرقوا, ويعيدهم, بعد ما تمزقوا, خلقا جديدا.
فيعرضون عليه صفا, ليستعرضهم, وينظر في أعمالهم, ويحكم فيهم, بحكمه العدل, الذي لا جور فيه ولا ظلم, ويقول لهم: " لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة " أي, بلا مال, ولا أهل, ولا عشيرة, ما معهم إلا الأعمال, التي عملوها, والمكاسب في الخير والشر, التي كسبوها كما قال تعالى " وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ " .
وقال هنا, مخاطبا للمنكرين للبعث, وقد شاهدوه عيانا " بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا " أي: أنكرتم الجزاء على الأعمال, ووعد الله, ووعيده فها, قد رأيتموه وذقتموه.
فحينئذ تحضر كتب الأعمال التي كتبها الملائكة الأبرار.
فتطير لها القلوب, وتعظم من وقعها, الكروب, وتكاد لها الصم الصلاب تذوب, ويشفق منها المجرمون.
فإذا رأوها مسطرة عليهم أعمالهم, محصى عليهم أقوالهم وأفعالهم, قالوا " يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا " أي: لا يترك خطيئة, صغيرة ولا كبيرة, إلا وهي مكتوبة فيه, محفوظة لم ينس منها عمل سر ولا علانية, ولا ليل ولا نهار.
" وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا " لا يقدرون على إنكاره " وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " .
فحينئذ يجازون بها, ويقررون بها, ويخزون, ويحق عليهم العذاب, " ذلك بما قدمت أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد " بل هم غير خارجين عن عدله وفضله.تفسير السعدي


تفسير العثيمين:
قوله تعالى"وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ" وهو المطر " فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ" يعني أن الرِّياض صارت مختلطة بأنواع النبات المتنوع بأزهاره وأوراقه وأشجاره كما يشاهد في وقت الربيع كيف تكون الأرض، سبحان الله، كأنه وَشْيٌ من أحسن الوشْيات، إذا اختلط من كل نوع ومن كل جنس.
"فَأَصْبَحَ" يعني هذا النبات المختلف المتنوع.
" هَشِيمًا" هامدًا.
"وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا " أي تحمله، فهذا هو "مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا". الآن الدنيا تزدهر للإنسان وتزهو له وإذا بها تخمد بموته أو فَقدها، لا بد من هذا، إما أن يموت الإنسان أو أن يفقد الدنيا . هذا مثل موافق تماماً، وقد ضرب الله تعالى هذا النوع من الأمثال في عدة سور من القرآن الكريم حتى لا نغتر بالدنيا ولا نتمسك بها، والعجب أننا مغترون بها ومتمسكون بها مع أن أكدارها وهمومها وغمومها أكثر بكثير من صفوها وراحتها . والشاعر الذي قال:
فيوم علينا ويوم لنا***ويوم نُساءُ ويومٌ نُسَرْ
لا يريد، كما يظهر لنا، المعادلة، لكن معناه أنه ما من سرور إلاَّ ومعه مساءة، وما من مساءة إلاَّ ومعها سرور، لكن صفوها أقل بكثير من أكدارها، حتى المنعمون بها ليسوا مطمئنين بها كما قال الشاعر الآخر:
لا طِيبَ للعيش ما دامت مُنغَّصَةً***لذَّاتُه بادِّكار الموت والهرمِ
قال تعالى"وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا" ما وجد فهو قادر على إعدامه، وما عُدِم فهو قادر على إيجاده، وليس بين الإيجاد والعدم إلاَّ كلمة "كُنْ"، قال الله تعالى"إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " يس: 82 . وفي قوله: " مُقْتَدِرًا" مبالغة في القدرة، ثم قال الله عزّ وجل مقارناً بين ما يبقى وما لا يبقى:
"الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ".

تفسير العثيمين
"
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا" .الآية 27 من سورة الفرقان

أم أبي التراب 06-07-2017 01:31 PM

ثم قال الله عزّ وجل مقارنًا بين ما يبقى وما لا يبقى:
"الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ".الكهف 46
تفسير العثيمين:
قوله تعالى" الْمَالُ" من أي نوع سواء كان من العروض أو النقود أو الآدميين أو البهائم.
" وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" ولا ينفع الإنسان في الآخرة إلاَّ ما قدَّم منها، وذكر البنين دون البنات لأنه جرت العادة أنهم لا يفتخرون إلاَّ بالبنين، والبنات في الجاهلية مهينات بأعظم المهانة كما قال الله عزّ وجل"وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ "النحل: 58 ، أي صار وجهه مسودًا وقلبه ممتلئًا غيظًا " يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ " يعني يختبئ منهم "مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ"، ثم يُقَدِّرُ في نفسه "أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ"النحل: 59 . بقي قسم ثالث وهو أن يُمسِكَهُ على عِزٍّ وهذا عندهم غير ممكن، ليس عندهم إلاَّ أحد أمرين:
1 ـ إما أن يمسكه على هون.
2 ـ يَدُسه في التراب، أي يدفنه فيه وهذا هو الوأد، قال الله تعالى"أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ".
وقوله تعالى"زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" أي أن الإنسان يتجمل به يعني يتجمل أنَّ عنده أولادًا، قدر نفسك أنك صاحب قِرى يعني أنك مضياف وعندك شباب، عشرة، يستقبلون الضيوف، تجد أن هذا في غاية ما يكون من السرور، هذه من الزينة، كذلك قدر نفسك أنك تسير على فرس وحولك هؤلاء الشباب يَحُفُّونك من اليمين ومن الشمال ومن الخلف ومن الأمام، تجد شيئاً عظيماً من الزينة، ولكن هناك شيء خير من ذلك.
قال تعالى"وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا".
"وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ" هي الأعمال الصالحات من أقوال وأفعال ومنها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومنها الصدقات والصيام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك، هذه الباقيات الصالحات.
"خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا" أي أجرًا ومثوبة.
"وَخَيْرٌ أَمَلًا" أي خير ما يُؤمِّله الإنسان لأن هذه الباقيات الصالحات هي كما وصفها الله بباقيات ، أما الدنيا فهي فانية وزائلة.
تفسير العثيمين

أم أبي التراب 06-07-2017 01:32 PM

المال والبنون زينة الحياة الدنيا
وَإِنَّمَا كَانَ الْمَال وَالْبَنُونَ زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا لِأَنَّ فِي الْمَال جَمَالًا وَنَفْعًا , وَفِي الْبَنِينَ قُوَّة وَدَفْعًا , فَصَارَا زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا , لَكِنَّ مَعَهُ قَرِينَة الصِّفَة لِلْمَالِ وَالْبَنِينَ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى : الْمَال وَالْبَنُونَ زِينَة هَذِهِ الْحَيَاة الْمُحْتَقَرَة فَلَا تُتْبِعُوهَا نُفُوسَكُمْ
تفسير القرطبي
المال والبنون زينة الحياة الدنيا وليس جوهرها

إن مسألة: المال والبنون زينة الحياة الدنيا، لهي مسألة مهمة ودقيقة من حيث درجات استيعاب مدلولها، والوعي به كما يجب أن يكون؛ حيث إن الله - عز وجل - أخبرنا أن المال والبنين زينة الحياة الدنيا، وليس الحياةَ الدنيا أو جوهرها المطلق، بل إن الإنسان يجب أن يوجه اهتمامه إلى ما بعد الزينة، وهو الباقيات الصالحات، التي هي خير ثوابًا وخير أملًا.

هذا المعنى الواضح والصريح على الإنسان أن يتناوله من هذه الزاوية؛ أي: زاوية المعنى والمقصد الكامل والتام، حيث إن البعض يتعامل معه كالآتي: المال والبنون زينة الحياة الدنيا؛ أي: أساسها وبهجتها، ومرادها وعمادها؛ ولذلك فهو الأصل فيها، والضروري لخوضها، والمحرك فيها؛ ولذلك وجب الحرص على هذين العنصرين؛ أي: المال والبنين، بل وأصبح يضاهي درجات التقديس والقدسية.

والحال أن هذا الأمر يتطلب منا أن نضعه في إطاره الصحيح والعقلاني والمنطقي، فالمال والبنون زينة الحياة، وليس الحياة، فزينة الشيء ليست كنه الشيء وجوهره، ولكنها جزء منه، وقد يمنح لذلك الشيء بهجة وحركة وجمالًا ومتعة وانشغالًا وزهوًا، ولكن في النهاية ليس هو كنه الشيء وجوهره.

من هذه الزاوية لا بد أن يتعامل الإنسان الواعي العاقل مع ثنائية المال والبنين، فهو زينة الحياة الدنيا، وزينة الشيء جزء منه، قد تبهت وتسطع، وقد تأفل، ولكن أصل الشيء باقٍ، فجوهر الحياة الدنيا ليس المال والبنين؛ حيث إن ذلك لا يتعدى جزء الزينة منها، أما المتبقي إذًا فهو الصالح من الأعمال التي يبتغي بها الإنسان الحق والهداية إلى الطريق الصحيح والسليم، الذي يخرج الإنسان من ظلمات الجهل والجهالة إلى النور والعلم والمعرفة؛ فتطمئن نفسه وتسلم، وتبتعد عن الظنون والهواجس والمعاناة، فذلك شغل الإنسان في حياته الدنيا، وذلك محرك عمله فيها.
تلك إذًا ضرورة ملحة، على الإنسان أن يضع كل شيء في مكانه، فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا، وليس جوهرها.

رابط الموضوع: هنا

أم أبي التراب 06-07-2017 01:32 PM

الباقيات الصالحات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
تعددت أقوال العلماء في الباقيات الصالحات فقد نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف أنها الصلوات الخمس. ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح أنها سبحان الله والحمد ولا إله إلا الله والله أكبر. ونقل القرطبي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الباقيات الصالحات: كل عمل صالحٍ من قولٍ أو فعلٍ يبقى للآخرة. وقال هو الصحيح إن شاء الله

هنا
خُذُوا جُنَّتَكُمْ مِنَ النارِ ؛ قولوا : سبحانَ اللهِ ، و الحمدُ للهِ ، ولَا إلهَ إلَّا اللهِ ، واللهُ أكبرُ ، فإِنَّهنَّ يأتينَ يومَ القيامةِ مُقَدِّمَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ وَمُجَنِّبَاتٍ ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ. الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 3214 -خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية
خُذوا جُنَّتكم . قالوا : يا رسولَ اللهِ ! [ أمِن ] عدوٍّ [ قد ] حضر ؟ قال : لا ، ولكن جُنَّتُكم من النَّارِ ؛ قولوا " سبحان اللهِ ، والحمدُ لله ، ولا إله إلا اللهُ ، واللهُ أكبرُ " ؛ فإنهن يأتين يومَ القيامةِ مجنِّباتٌ ومُعقِّباتٌ ، وهنَّ الباقياتُ الصالحاتُ . الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 1567- خلاصة حكم المحدث:حسن

الدرر السنية

مَن تَوضَّأَ وُضوئي هذا ، ثمَّ قامَ يُصلِّي صَلاةَ الظُّهرِ ، غُفِرَ لهُ ما كان بَينَها و بينَ الصُّبحِ ، ثمَّ صلَّى العَصرَ غُفِرَله ما كان بَينَها و بينَ الظُّهرِ ، ثمَّ صلَّى المغرِبَ غُفِرَ لهُ ما كان بَينَها و بينَ العَصرِ ، ثمَّ صلَّى العِشاءَ غُفِرَله ماكان بَينَها و بينَ المغرِبِ ، ثمَّ لعلَّه يَبِيتُ يَتمرَّغُ ليلَتَه ، ثمَّ إن قامَ فَتَوضَّأَ فَصلَّى الصُّبحَ غُفِرَ لهُ ما بَينَها و بينَ صلاةِ العِشاءِ ، و هُنَّ "الْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ" قالوا : هذهِ الحسَناتُ ، فما الباقياتُ الصَّالحاتُ يا عُثمانُ ؟ قال : هيَ : لا إلهَ إلَّا اللهُ ، و سُبحانَ اللهِ ، و اللهُ أكبرُ ، و لا حَولَ و لا قُوَّةَ إلَّا باللهِ الراوي: عثمان بن عفان المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 366-خلاصة حكم المحدث:حسن لغيره
الدرر السنية

الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسره, الباقيات الصالحات.
وهذا يشمل جميع الطاعات, الواجبة, والمستحبة, من حقوق الله, وحقوق عباده, من صلاة, وزكاة, وصدقة, وحج, وعمرة, وتسبيح, وتحميد, وتهليل, وقراءة, وطلب علم نافع, وأمر بمعروف, ونهي عن منكر, وصلة رحم, وبر والدين, وقيام بحق الزوجات, والمماليك, والبهائم, وجميع وجوه الإحسان إلى الخلق, كل هذا من الباقيات الصالحات, فهذه خير عند الله ثوابا, وخير أملا.
فثوابها يبقى, ويتضاعف على الآباد, ويؤمل أجرها وبرها ونفعها, عند الحاجة.
فهذه التي ينبغي أن يتنافس بها المتنافسون, ويستبق إليها العاملون, ويجد في تحصيلها المجتهدون.

وتأمل, كيف لما ضرب الله مثل الدنيا وحالها واضمحلالها ذكر أن الذي فيها نوعان.
نوع من زينتها, يتمتع به قليلا, ثم يزول بلا فائدة تعود لصاحبه, بل ربما لحقته مضرته وهو المال والبنون.
ونوع يبقى لصاحبه على الدوام, وهي الباقيات الصالحات.
تفسير السعدي
-------------

نظرة تأملية
"وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا*".الكهف 45
اضرب للناس مثل الحياة الدنيا, ليتصوروها حق التصور, ويعرفوا ظاهرها وباطنها, فيقيسوا بينها وبين الدار الباقية, ويؤثروا أيهما أولى بالإيثار.
وأن مثل هذه الحياة الدنيا, كمثل المطر, ينزل على الأرض, فيختلط نباتها, أو تنبت من كل زوج بهيج.
فبينا زهرتها وزخرفها تسر الناظرين, وتفرح المتفرجين, وتأخذ بعيون الغافلين.
إذ أصبحت هشيما, تذروه الرياح, فذهب ذلك النبات الناضر, والزهر الزاهر, والمنظر البهي.
فأصبحت الأرض غبراء ترابا, قد انحرف عنها النظر, وصدف عنها البصر, وأوحشت القلب.

كذلك هذه الدنيا, بينما صاحبها, قد أعجب بشبابه, وفاق فيها على أقرانه وأترابه, وحصل درهمها ودينارها, واقتطف من لذته أزهارها, وخاض في الشهوات في جميع أوقاته, وظن أنه لا يزال فيها سائر أيامه, إذ أصابه الموت أو التلف لماله.
وفارق شبابه وقوته, وماله, وانفرد بصالح, أو سيئ أعماله.
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا .الآية 27 من سورة الفرقان
"الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا"

ولهذا أخبر تعالى, أن المال والبنين, زينة الحياة الدنيا, أي: ليس وراء ذلك شيء. المال والبنون زينة الحياة الدنيا وليس جوهرها وأن الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسره, الباقيات الصالحات.
وهذا يشمل جميع الطاعات, الواجبة

"خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا" أي أجرًا ومثوبة.
"وَخَيْرٌ أَمَلًا" أي خير ما يُؤمِّله الإنسان لأن هذه الباقيات الصالحات هي كما وصفها الله بباقيات ، أما الدنيا فهي فانية وزائلة.

ثم أخذ يذكرنا بيوم القيامة وأهوالها

" وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا" الكهف 47

أم أبي التراب 06-07-2017 01:33 PM

" وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا " الكهف 47
يخبر تعالى عن حال يوم القيامة, وما فيه من الأهوال المقلقة, والشدائد المزعجة فقال: " وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ " أي: يزيلها عن أماكنها, يجعلها كثيبا-
رمل1-, ثم يجعلها كالعهن المنفوش ثم تضمحل وتتلاشى, وتكون هباء منبثا, وتبرز الأرض, فتصير قاعا صفصفا, لا عوج فيه ولا أمتا"2.
ويحشر الله جميع الخلق, على تلك الأرض, فلا يغادر منهم أحدا.
بل يجمع الأولين والآخرين, من بطون الفلوات-الصحاري-, وفغور البحار, ويجمعهم بعدما تفرقوا, ويعيدهم, بعد ما تمزقوا, خلقا جديدا.
فيعرضون عليه صفا, ليستعرضهم, وينظر في أعمالهم, ويحكم فيهم, بحكمه العدل, الذي لا جور فيه ولا ظلم, ويقول لهم: " لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة "
"وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا "الكهف48
أي, بلا مال, ولا أهل, ولا عشيرة, ما معهم إلا الأعمال, التي عملوها, والمكاسب في الخير والشر, التي كسبوها كما قال تعالى: " وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ " .

الأنعام 94
تفسير السعدي
1
" وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا " يَقُولُ : وَكَانَتِ الْجِبَالُ رَمْلًا سَائِلًا مُتَنَاثِرًا . تفسير الطبري


2-" فَيَذَرُهَا " أَيْ : فَيَدَعُ أَمَاكِنَ الْجِبَالِ مِنَ الْأَرْضِ ،" قَاعًا صَفْصَفًا" أَيْ : أَرْضًا مَلْسَاءَ مُسْتَوِيَةً لَا نَبَاتَ فِيهَا ، وَ " الْقَاعُ " : مَا انْبَسَطَ مِنَ الْأَرْضِ ، وَ " الصَّفْصَفُ " الْأَمْلَسُ . ص: 295 ." لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا " قَالَ مُجَاهِدٌ : انْخِفَاضًا وَارْتِفَاعًا .
تفسير البغوي


"وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ".الكهف 47
قوله تعالى"وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ" أي اذكر لهم "وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ" وعلى هذا فإن " يَوْمَ " ظرف عامِلُهُ محذوف والتقدير اذكر "وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا " أي: اذكر للناس هذه الحال، وهذا المشهد العظيم "وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ" وقد بين الله عزّ وجل في آية أخرى أنه يسيرها فتكون سرابًا "وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا "النبأ: 20 ، وتكون كالعهن المنفوش"وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ "القارعة: 5 ، وذلك بأن الله تعالى يدُك الأرض وتصبح الجبال كثيباً مهيلًا "يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا "المزمل: 14. ثم تتطاير في الجو، هذا معنى تُسَيَّرُ. ومن الآيات الدالة على هذا المعنى قول الله تبارك وتعالى في سورة النمل"وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ"النمل: 88 . بعض الناس قال إنَّ هذه الآية تعني دوران الأرض، فإنك ترى الجبال فتظنها ثابتة ولكنها تسير، وهذا غلط وقول على الله تعالى بلا علم لأن سياق الآية يأبى ذلك كما قال الله تعالى"وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ* وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ* مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ"النمل: 87 ـ 89 . فالآية واضحة أنها يوم القيامة، وأما زعم هذا الرجل القائل بذلك بأن يوم القيامة تكون الأمور حقائق وهنا يقول"وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا"النمل: 88. فلا حسبان في الآخرة، فهذا غلط أيضًا لأنه إذا كان الله أثبت هذا فيجب أن نؤمن به ولا نحرفه بعقولنا، ثم إن الله عزّ وجل يقول" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ "الحج: 1، 2 . فإذا قلنا إن زلزلة الساعة هي قيامها، فقد بيَّن الله أن الناس يراهم الرائي فيظنهم سكارى وما هم بسكارى، وعلى كل حال فإن الواجب علينا جميعاً أن نجري الآيات على ظاهرها وأن نعرف السياق لأنه يعين المعنى ، فكم من جملة في سياق يكون لها معنى ولو كانت في غير هذا السياق، لكان لها معنى آخر، ولكنها في هذا السياق يكون لها المعنى المناسب لهذا السياق.
وقوله تعالى"وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً" أي: ظاهرة لأنها تكون قاعاً وصفصفًا، وهي الآن ليست بارزة لأنها مكورة، وأكثرها غير بارز، ثم إن البارز لنا أيضًا كثير منه مختفٍ بالجبال، فيوم القيامة لا جبال ولا أرض كروية بل تمد الأرض مدَّ الأديم، قال الله عزّ وجل" إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ "الانشقاق: 1 ـ 3 ، فقوله"وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ "الانشقاق: 3، يدل على أن الأرض الآن غير ممدودة.
وقوله" وَحَشَرْنَاهُمْ" أي الناس، بل إن الوحوش تحشر كما قال الله عزّ وجل"وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ "التكوير: 5 . بل جميع الدواب أيضًا كما قال تعالى في سورة الأنعام"وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ " الأنعام: 38 . فكلٌّ شيء يحشر، ولهذا يقول الله عزّ وجل هنا" وَحَشَرْنَاهُمْ" أي: الناس، وفي الآية الأخرى "وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ " وفي الأخيرة جميع الدواب.
وقوله" فَلَمْ نُغَادِرْ" أي نترك، " مِنْهُمْ أَحَدًا " كل الناس يحشرون، إن مات في البر حشر، في البحر حشر، في أي مكان، لا بد أن يحشر يوم القيامة ويجمع.
* * *
"وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا ".الكهف 48
قوله تعالى" وَعُرِضُوا" أي: عرض الناس "عَلَى رَبِّكَ" أي: على الله سبحانه وتعالى.
"صَفًّا" أي: حال كونهم صفاً بمعنى صفوفًا، فيحاسبهم الله عزّ وجل، أما المؤمن فإنه يخلو به وحده ويقرره بذنوبه ويقول له عملت كذا وعملت كذا، فيقر فيقول له أكرم الأكرمين"إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم"
- قال رجلٌ لابنِ عمرَ : كيف سمعتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول في النَّجوى ؟ قال : سمعتُه يقول " يُدني المؤمنُ يومَ القيامةِ من ربِّه عزَّ وجلَّ . حتى يضع عليه كنَفَه . فيُقرِّره بذنوبه . فيقول : هل تعرف ؟ فيقول : أي ربِّ ! أعرف . قال : فإني قد سترتُها عليك في الدنيا ، وإني أغفرها لك اليومَ . فيُعطى صحيفةَ حسناتِه . وأما الكفارُ والمنافقون فيُنادى بهم على رؤوسِ الخلائقِ : هؤلاء الذي كذَبوا على الله ِ" .
الراوي: عبدالله بن عمر-المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2768-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

يغفر الله عزّ وجل له يوم القيامة، ولا يعاقبه عليها وفي الدنيا يسترها، فكم من ذنوب لنا اقترفناها في الخفاء؟ كثيرة، سواء كانت عملية في الجوارح الظاهرة أو عملية من عمل القلوب، فسوء الظن موجود، الحسد موجود، إرادة السوء للمسلم موجودة، وهو مستور عليه. وأعمال أخرى من أعمال الجوارح ولكن الله يسترها على العبد. إننا نؤمِّل إن شاء الله أن الذي سترها علينا في الدنيا، أن يغفرها لنا في الآخرة.
ثم قال تعالى"لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ" أي يقال لهم ذلك. وهذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: اللام وقد والقسم المقدر، يعني والله لقد جئتمونا "كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ" ليس معكم مال ولا ثياب ولا غير ذلك، بل ما فقد منهم يرد إليهم، كما جاء في الحديث الصحيح أنهم يحشرون يوم القيامة " حفاة، عراة، غرْلا"25، و «غُرْلا» جمع أغرل وهو الذي لم يختن، إذاً سوف يعرضون على الله صفا ويقال" لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ" ويقال أيضًا:
"بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا"، هذا إضراب انتقال، فهم يوبخون "لَقَدْ جِئْتُمُونَا" فلا مفر لكم "كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ" فلا مال لكم ولا أهل، ويوبخون أيضاً على إنكارهم البعث فيقال"بَلْ زَعَمْتُمْ" في الدنيا "أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا"، وهذا الزعم تبين بطلانه، فهو باطل.
تفسير العثيمين

أم أبي التراب 06-07-2017 01:33 PM

"وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا "49:الكهف.

قوله تعالى"وَوُضِعَ الْكِتَابُ" أي وزِّع بين الناس، فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله.
" فَتَرَى" أيها الإنسان "الْمُجْرِمِينَ" أي: الكافرين "مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ" أي: خائفين مما كتب فيه لأنهم يعلمون ما قدموه لأنفسهم، وهذا يشبه قول الله تعالى عن اليهود الذين قالوا"لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً"البقرة: 80 ، فتُحُدوا وقيل لهم" قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الْدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ "البقرة: 94 ، قال الله"وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ" يعني يعرفون أنهم إذا ماتوا عُذِّبوا، ومن كان يعلم أنه إذا مات عُذب فلن يتمنى الموت أبدًا، فهؤلاء مشفقون مما في كتاب الله، يعني يعلمون أنه مُحتوٍ على الفضائح والسيئات العظيمة.
ويقولون إذا علموا"ياوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا".
" يا " حرف نداء " وَيْلَتَنَا " وهي الهلاك ولكن كيف تنادى؟
الجواب: إما أن "يا" للتنبيه فقط لأن النداء يتضمن الدعاء والتنبيه، وإما أن نقول إنهم جعلوا ويلتهم بمنْزلة العاقل الذي يوجه إليه النداء، ويكون التقدير "يا ويلتنا احضري"! لكن المعنى الأول أقرب لأنه لا يحتاج إلى تقدير، ولأنه أبلغ.
"مَالِ هَذَا الْكِتَابِ" أي شيء لهذا الكتاب؟
"لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا" يعني أثبتها عدداً، كأنهم يتضجرون من هذا، ولكن هذا لا ينفعهم.
"وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا" أي وجدوا ثواب ما عملوا.
" حَاضِرًا" لم يغب منه شيء وعبَّر الله تعالى بالعمل عن الثواب لأنه مثلُه بلا زيادة.
ثم قال الله تعالى"وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" وذلك لكمال عدله سبحانه وتعالى فلا يزيد على مسيء سيئة واحدة، ولا يَنقص من محسن حسنة واحدة، قال تعالى"وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا وَلاَ هَضْمًا "طه: 112 . وهذه الآية "وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" من الصفات المنفية عن الله، وأكثر الوارد في الصفات الصفات المثبتة كالحياة والعلم والقدرة. وأما ذكر الصفات المنفية فقليل بالنسبة للصفات المثبتة، ولا يتم الإيمان بالصفات المنفية إلاَّ بأمرين:
الأول: نفي الصفة المنفية.
والثاني: إثبات كمال ضدها.
فالنفي الذي لم يتضمن كمالًا لا يمكن أن يكون في صفات الله . بل لا بد في كل نفي نفاه الله عن نفسه أن يكون متضمناً لإثبات كمال الضد، والنفي إن لم يتضمن كمالاً فقد يكون لعدم قابليته، أي قابلية الموصوف له، وإذا لم يتضمن كمالاً فقد يكون لعجز الموصوف، وإذا كان نفياً محضاً فهو عدمٌ لا كمال فيه، والله تعالى له الصفات الكاملة كما قال تعالى"وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى"النحل: 60. أي الوصف الأكمل.
قلنا إذا لم يتضمن النفي كمالًا فقد يكون لعدم قابليته، كيف ذلك؟ ألسنا نقول إن الجدار لا يظلِم؟ بلى، هل هذا كمال للجدار؟ لا، لماذا؟ لأن الجدار لا يقبل أن يوصف بالظلم، ولا يوصف بالعدل، فليس نفي الظلم عن الجدار كمالاً، وقد يكون النفي إذا لم يتضمن كمالاً نقصاً لعجز الموصوف به عنه، لو أنك وصفت شخصاً بأنه لا يظلم بكونه لا يجازي السيئة بمثلها لأنه رجل ضعيف لا يقدر على الانتصار لنفسه لم يكن هذا مدحاً له.
فالخلاصة أن كل وصفٍ وصف الله به نفسه وهو نفي، فإنه يجب أن نعتقد مع انتفائه ثبوتَ كمال ضده، قال تعالى" أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "الأحقاف: 33 ، فعلى هذه القاعدة نفى الله «العي» وهو العجز؛ لثبوت كمال ضد العجز وهو القدرة، إذًا نؤمن أن الله عزّ وجل له قدرة لا يلحقها عجز، وقال تعالى" وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ " ق: 38 ، أي من تعب وإعياء وذلك لكمال قدرته جلَّ وعلا.
قلنا: إن الله لا يظلم أحدًا وذلك لكمال عدله، لكن الجهمية قالوا "لا يظلم" لعدم إمكان الظلم في حقه، وليس لأنه قادر على أن يظلم ولكنه لا يظلم، قالوا لأن الخلق كلَّهم خلق الله، ملك لله، فإذا كانوا ملكاً لله فإنه إذا عذَّب محسناً فقد عذب ملكه، وليس ذلك ظلماً لأنه يفعل في ملكه ما يشاء، ولكن قولهم هذا باطل، لأنه إذا كان الله عزّ وجل قد وعد المحسنين بالثواب والمسيئين بالعذاب، ثم أحسن المحسن فعذبه وأساء المسيء فأثابه فأقل ما يقال فيه: إنه وحاشاه سبحانه وتعالى أخلف وعده. هذا أقل ما يقال، وهذا ولا شك مناف للعدل وللصدق، فنقول لهم: إنَّ الله عزّ وجل قال في الحديث القدسي"يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي"26، وهذا يدل على أنه قادر عليه، لكن حرَّمه على نفسه لكمال عدله جلَّ وعلا، إذًا نحن نقول لا يظلم الله أحدًا لكمال عدله لا لأن الظلم غير ممكن في حقه، كما قالت الجهمية.تفسير العثيمين


أم أبي التراب 06-07-2017 01:34 PM

"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ".50
يخبر تعالى, عن عداوة إبليس لآدم وذريته, وأن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم, إكراما وتعظيما, وامتثالا لأمر الله.
فامتثلوا ذلك " إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ " وقال: " أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا " وقال: " أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ " .
فتبين بهذا, عداوته لله ولأبيكم, فكيف تتخذونه وذريته أي: الشياطين " أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا " .
أي: بئس ما اختاروا لأنفسهم من ولاية الشيطان, الذي لا يأمرهم إلا بالفحشاء والمنكر عن ولاية الرحمن, الذي كل السعادة والفلاح والسرور في ولايته.
وفي هذه الآية, الحث على اتخاذ الشيطان عدوا, والإغراء بذلك, وذكر السبب الموجب لذلك, وأنه لا يفعل ذلك إلا ظالم وأي ظلم أعظم من ظلم من اتخذ عدوه الحقيقي.
وليا, وترك الولي الحميد؟!!.
قال تعالى " اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ " .
وقال تعالى " إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " .تفسير السعدي

قوله تعالى" وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ" "إذ" هذه تأتي كثيراً في القرآن، والمُعرِبون يقولون: إنها مفعول لفعل محذوف، والتقدير: اذكرْ إذْ يعني اذكر هذا للأمة حتى تعتبر به ويتبين به فضيلة بني آدم عند الله.
وقوله"لِلْمَلاَئِكَةِ" هم عالم غيبي خلقهم الله من نور. كما أعلمنا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن الله خلقهم من نور.

" خُلِقَت الملائكةُ من نورٍ . وخُلِقَ الجانُّ من مارجٍ من نارٍ . وخُلِقَ آدمُ مما وُصِف لكم "الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2996-خلاصة حكم المحدث:صحيح.

وأعلمنا الله تعالى في القرآن أنه خلق الجنَّ من نار، وأنه خلق البشر من طين، إذًا المخلوقات التي نعلمها هي، الملائكة من نور، والجن من نار، والإنسان من طين، فالملائكة إذًا عالم غيبي والإيمان بهم أحد أركان الإيمان، والملائكة على خلاف الشياطين كما يتبين من الآية، وهم أقدر من الشياطين وأطهر من الشياطين، ولهم من النفوذ ما ليس للشياطين، فالشياطين لا يمكن أن يَلِجُوا إلى السماء، بل من حاول أُتبع بالشهاب المحرق، والملائكة يصعدون فيها، فهم يصعدون بأرواح بني آدم إلى أن تصل إلى الله، وهم أيضاً قد ملؤوا السموات، فيجب علينا أن نؤمن بالملائكة إيمانًا لا شك فيه، وأنهم عالم غيبي، لكن قد يكونون من العالم المحسوس بقدرة الله، كما كان جبريل عليه السلام، فقد رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم مرتين له ستمائة جناح قد سدَّ الأفق وهو واحد وهذا يدل على عظمة خِلقته، وعظمة خِلقة جبريل تدل على عظمة الخالق جلَّ وعلا، أحيانًا يأتي جبريل الذي هذا وصفه وهذا خلقه على صورة إنسان، ولكن ليس تقلبه هكذا بقدرته هو، ولكن بقدرة خالقه جلَّ وعلا، والله أعطاه القدرة على التقلب والتكيف بقدرة الله جلَّ وعلا.
وقوله تعالى"اسْجُدُوا لآِدَمَ" قال بعضهم: سجود تحية، وليس سجودًا على الجبهة، قالوا ذلك فرارًا من كونه سجوداً على الجبهة، لأن السجود على الجبهة لا يصح إلا لله، ولكن الذي يجب علينا أن نأخذ الكلام على ظاهره ونقول: الأصل أنه سجود على الجبهة. وإذا كان امتثالًا لأمر الله لم يكن شركًا كما أن قتل النفس بغير حق من كبائر الذنوب، وإذا وقع امتثالًا لأمر الله كان طاعة من الطاعات، فإن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أُمر بذبح ابنه فامتثل أمر الله وشرع في تنفيذ الذبح، ولا يخفى ما في ذبح الابن من قطيعة الرحم، لكن لما كان هذا امتثالاً لأمر الله عزّ وجل صار طاعة، ولما تحقق مراد الله تعالى من الابتلاء نسخ الأمر ورفع الحرج، إذًا فالسجود لآدم لولا أمر الله لكان شركًا، لكن لما كان بأمر الله كان طاعة لله.
وآدم: هو أبو البشر خلقه الله عزّ وجل من طين وخلقه بيده، قالَ الله تعالى مخاطبًا إبليس حين استكبَر عن طاعةِ أمرِ الله بالسجودِ لآدمَ بعد أن خلقَهُ تعالى بيده"قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ". وَقَدْ جاء في الصحيحين وغيرهما كما في حديث محاجة آدم لموسى عليهما السلام قول موسى"أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ..." رواه مسلم: كتاب القدر، باب: حجاج آدم وموسى عليهم السلام، (2652)، (15) وغيره. وفي حديث الشفاعة: «يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده...»
رواه البخاري: كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله عزّ وجل"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ"، (3340). ومسلم: كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها، (194)، (327) وغيرهما.
قال أهل العلم لم يخلق الله شيئًا بيده إلا آدم وجنة عدن، فإنه خلقها بيده وكتب التوراة بيده جل وعلا، جاء في حديث محاجة آدم لموسى عليه السلام أن آدم قال لموسى: "أَنْتَ مُوسَى اصْطَفَاكَ الله بِكَلاَمِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ...". وفي رواية "كَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ..." أخرجه مسلم: كتاب: القدر، باب: حجاج آدم وموسى عليهما السلام، 2652، (13).
فهذه
ثلاثة أشياء كلها كانت بيد الله، أما غيرُ آدم فيخلق بالكلمة "كن" فيكون، وهو نبي، وليس برسول؛ لأن أول رسول أرسل إلى البشرية هو نوح عليه الصلاة والسلام، أرسله الله لما اختلف الناس"كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ"البقرة: 213 ، أي كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. فكان أول رسول نوحٌ عليه الصلاة والسلام
كما في حديث الشفاعة الطويل، وفيه قوله صلّى الله عليه وسلّم"فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح أنت أولُ الرُّسل إلى أهل الأرض".
متفق عليه واللفظ للبخاري: كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله عزّ وجل"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ"، (3340). مسلم: كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة منها. (194)، (327).
وآدم نبي مُكلَّم
أخرجهُ الإمام أحمد في "المسند" 5/178، وأبو داود الطيالسي :1/65،وابن حبان في "صحيحه" "رقم 361" من حديث أبي ذَر قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّل؟ قَالَ: آدَمُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله وَنَبِيٌّ كَان؟ قَال: نَعَمْ نَبِيٌّ مُكَلّمٌ. وصححه الألباني في "المشكاة".
. فإذا قال قائل كيف يكون نبياً ولا يكون رسولاً؟

الجواب: يكون نبياً ولا يكون رسولاً؛ لأنه لم يكن هناك داع إلى الرسالة، فالناس كانوا على ملة واحدة والبشر لم ينتشروا بعد كثيراً ولم يفتتنوا في الدنيا كثيراً، نفر قليل، فكانوا يستنون بأبيهم ويعملون عمله، ولما انتشرت الأمة وكثرت واختلفوا أرسل الله الرسل.
" فَسَجَدُوا" امتثالًا لأمر الله " إِلاَّ إِبْلِيسَ" لم يسجد. وإبليس هو الشيطان ولم يسجد، بَيَّنَ الله سبب ذلك في قوله"كَانَ مِنَ الْجِنِّ" فالجملة استئنافية لبيان حال إبليس أنه كان من الجن أي: من هذا الصنف وإلا فهو أبوهم.
" فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ" أي: خرج عن طاعة الله تعالى في أمره، وأصل الفسوق الخروج، ومنه قولهم فسقت التمرة إذا انفرجت وانفتحت.
فإذا قال قائل: إن ظاهر القرآن أن إبليس كان من الملائكة؟
فالجواب: لا، ليس ظاهر القرآن؛ لأنه قال"إِلاَّ إِبْلِيسَ"ثم ذكر أنه "كَانَ مِنَ الْجِنِّ"، نعم القرآن يدل على أن الأمر توجه إلى إبليس كما قد توجه إلى الملائكة، ولكن لماذا؟ قال العلماء إنه كان ـ أي: إبليس ـ يأتي إلى الملائكة ويجتمع إليهم فوجه الخطاب إلى هذا المجتمع من الملائكة الذين خُلقوا من النور ومن الشيطان الذي خُلق من النار، فرجع الملائكة إلى أصلهم والشيطان إلى أصله، وهو الاستكبار والإباء والمجادلة بالباطل لأنه أبى واستكبر وجادل، ماذا قال لله؟ " قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ"الأعراف: 12 ، فكيف تأمرني أن أسجد لواحد أنا خير منه؟ ثم علل بعلة هي عليه قال"خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ"الأعراف: 12 . وهذا عليه فإن المخلوق من الطين أحسن من المخلوق من النار، المخلوق من النار، خلق من نار محرقة ملتهبة فيها علامة الطيش تجد اللهب فيها يروح يميناً وشمالاً، ما لها قاعدة مستقرة، ولقد ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه "إغاثة اللهفان" فروقًا كثيرة بين الطين وبين النار، ثم على فرض أنه خلق من النار وكان خيراً من آدم أليس الأجدر به أن يمتثل أمر الخالق؟ بلى، لكنه أبى واستكبر.
قال الله عزّ وجل لما بين حال الشيطان:

"أَفَتَتَّخِذُونَهُ" الخطاب يعود لمن اتخذ إبليس وذريته أولياء من دون الله فعبدوا الشيطان وتركوا عبادة الرحمن، قال الله تعالى" أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ "يس: 60، 61 .
قوله" وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ " أي: من ولدوا منه، سُئل بعض السلف ـ سأله ناس من المتعمقين ـ فقالوا هل للشيطان زوجة؟ قال إني لم أحضر العقد، وهذا السؤال لا داعي له، نحن نؤمن بأن له ذرية أما من زوجة أو من غير زوجة ما ندري، أليس الله قد خلق حواء من آدم؟ بلى، فيجوز أن الله خلق ذرية إبليس منه كما خلق حواء من آدم.
وهذه المسائل ـ مسائل الغيب ـ لا ينبغي للإنسان أن يورد عليها شيئًا يزيد على ما جاء في النص؛ لأن هذه الأمور فوق مستوانا، نحن نؤمن بأن لإبليس ذرية ولكن هل يلزمنا أن نؤمن بأن له زوجة؟
الجواب: لا يلزمنا.
"أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي" أي تتولونهم وتأخذون بأمرهم من دون الله "وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ" هذا محط الإنكار، يعني كيف تتخذون هؤلاء أولياء وهم لكم أعداء؟ هذا من السفه ونقص العقل ونقص التصرف أن يتخذ الإنسان عدوه وليا.
"بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا" أي بئس هذا البدل بدلاً لهم، وما هو البدل الخير؟
الجواب: أن يتخذوا الله ولياً لا الشيطان.
وقوله" لِلظَّالِمِينَ" يمكن أن نقول إنها بمعنى الكافرين لأنهم هم الذين اتخذوا الشيطان وذريته أولياء على وجه الإطلاق، ويمكن أن نقول إنها تعم الكافرين ومن كان ظُلمهم دون ظلم الكفر، فإن لهم من ولاية الشيطان بقدر ما أعرضوا به عن ولاية الرحمن.تفسير العثيمين
وهو الوليُّ الذي يتولى عباده بإحسانه وفضله، الحميد في ولايته وتدبيره.
الحميد لغويا هو المستحق للحمد والثناء ، والله تعالى هو الحميد ،بحمده نفسه أزلًا ، وبحمده عباده له أبدًا
فله الحمد لذاته، وله الحمد لصفاته، وله الحمد لأفعاله، لأنها دائرة بين أفعال الفضل والإحسان، وبين أفعال العدل والحكمة التي يستحق عليها كمال الحمد، وله الحمد على خلقه.
هنا


أم أبي التراب 06-07-2017 01:34 PM

{{مَا أَشْهَدْتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا *}}.الكهف 51
يقول تعالى: ما أشهدت الشياطين وهؤلاء المضلين, خلق السماوات والأرض, ولا خلق أنفسهم.
أي: ما أحضرتهم ذلك, ولا شاورتهم عليه, فكيف يكونون خالقين لشيء من ذلك؟! بل المنفرد بالخلق والتدبير, والحكمة والتقدير, هو الله, خالق الأشياء كلها, المتصرف فيها بحكمته.
فكيف يجعل له شركاء من الشياطين, يوالون ويطاعون, كما يطاع الله, وهم لم يخلقوا ولم يشهدوا خلقا, ولم يعاونوا الله تعالى؟!.
ولهذا قال: " وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا " أي: معاونين, مظاهرين لله على شأن من الشئون.
أي: ما ينبغي, ولا يليق بالله, أن يجعل لهم قسطا من التدبير, لأنهم ساعون في إضلال الخلق والعداوة لربهم, فاللائق, أن يقصيهم ولا يدنيهم.
تفسير السعدي


{{مَا أَشْهَدْتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا *}}.الكهف 51
قوله تعالى: { مَا أَشْهَدْتُهُمْ } يعني أن هؤلاء الذين اتخذهم الناس أولياء من دون الله ليس لهم حق الكون وبالتدبير، فالله ـ عزّ وجل ـ ما أشهدهم خلق السموات والأرض؛ لأن السموات والأرض مخلوقتان قبل الشياطين.
{ {وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} } يعني ما أشهدت بعضَهم خلق بعض. فكيف تتخذونهم أولياء وهم لا شاركوا في الخلق ولا خلقوا شيئاً بل ولا شاهدوه، وفي هذه الجملة دليل على أن كل من تكلم في شيء من أمر السموات والأرض، بدون دليل شرعي أو حسي 1فإنه لا يُقبل قوله، فلو قال: إن السموات تكونت من كذا والأرضُ تكونت من كذا وبعضهم يقول: الأرض قطعة من الشمس وما أشبه ذلك من الكلام الذي لا دليل على صحته.
فإننا نقول له: إن الله ما أشهدك خلق السموات والأرض، ولن نقبل منك أيَّ شيء من هذا، إلاَّ إذا وجدنا دليلاً حسياً لا مناص لنا منه، حينئذٍ نأخذ به؛ لأن القرآن لا يعارض الأشياء المحسوسة.
{ {وَمَا كُنْتُ} } الضمير في { {كُنْتُ} } يعود إلى الله.
{ {مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} } أي: أنصاراً ينصرون ديني، لماذا؟ لأن المضل يصرف الناس عن الدين، فكيف يتخذ الله المضلين عضدا، وهو إشارة إلى أنه لا ينبغي لك أيها الإنسان أن تتخذ المضلين عضدا تنتصر بهم، لأنهم لن ينفعوك بل سيضرونك، إذاً لا تعتمد على السفهاء ولا تعتمد على أهل الأهواء المنحرفة؛ لأنه لا يمكن أن ينفعوك بل هم يضرونك، فإذا كان الله عزّ وجل لم يتخذ المضلين عضدا فنحن كذلك لا يليق بنا أن نتخذ المضلين عضدا؛ لأنهم لا خير فيهم، وفي هذا النهي عن بطانة السوء وعن مرافقة أهل السوء، وأن يحذر الإنسان من جلساء السوء.
تفسير العثيمين
**********************
حاشية
1-

أ- الدليل العقلي:
التخصيص بالدليل العقلي ينقسم إلى قسمين، لأنه إما أن يكون التخصيص به ضرورة وإما أن يكون نظرا.
1. ما يدرك تخصيصه بالعقل ضرورة،
2. ما يدرك تخصيصه بالعقل نظرا، وذلك كقوله تعالى :
" ولله على الناس حج البيت " .فان مقتضى هذه الآية انه يجب الحج على كل إنسان، إلا أن العقل أدرك نظراً إخراج الصغير والغافل، لما قام من الدليل العقلي النظري على استحالة تكليفهما.


‌ب- الدليل الحسي:
والمراد به المشاهدة، وذلك كقوله تعالى في وصف بلقيس : " وأوتيت من كل شيء " فإننا ندرك بالمشاهدة أنها لم تؤت شيئاً من الملائكة والشمس والقمر، ولا من مخترعات العصر ومكتشفاته، كالمذياع، والرائي، والهاتف وغير ذلك .
وكقوله تعالى في الريح المرسلة على عاد:
" تدمر كل شيء " فإننا ندرك بالمشاهدة أنها لم تدمر السماء .


‌ج- الدليل السمعي:
والمراد به ما كان متوقفاً على السمع، من الكتاب والسنة وغيرهما، فيخص به العموم من الكتاب والسنة.

هنا

أم أبي التراب 06-07-2017 01:35 PM

"وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا" (52) (الكهف)
ولما ذكر حال من أشرك به في الدنيا, وأبطل هذا الشرك غاية الإبطال, وحكم بجهل صاحبه وسفهه, أخبر عن حالهم مع شركائهم يوم القيامة, وأن الله يقول لهم: " نَادُوا شُرَكَائِيَ " بزعمكم أي: على موجب زعمكم الفاسد.
وإلا, فالحقيقة, ليس لله شريك في الأرض ولا في السماء, أي: نادوهم, لينفعوكم, ويخلصوكم من الشدائد.
" فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ " لأن الحكم والملك يومئذ لله, لا أحد يملك مثقال ذرة من النفع لنفسه, ولا لغيره.
" وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ " أي: بين المشركين وشركائهم " مَوْبِقًا " أي, مهلكا, يفرق بينهم وبينهم, ويبعد بعضهم من بعض, ويتبين حينئذ, عداوة الشركاء لشركائهم, وكفرهم بهم, وتبريهم منهم, كما قال تعالى " وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ "
تفسير السعدي


{{وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا *}}.
قوله تعالى: { {وَيَوْمَ يَقُولُ} } أي اذكر يوم يقول: { {نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} } فينادونهم ولا يستجيبون لهم، وهذا يكون يوم القيامة، يقال لهم: أين شركائي الذين كنتم تزعمون؟ نادوا شركائي الذين زعمتم أنهم أولياء شفعاء.
{ {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} } فهذه الأصنام لا تنفع أهلها بل تُلقى هي وعابدوها في النار، قال الله عزّ وجل: {{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ *}} [الأنبياء: 98] .
{ {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} } الموبق هو مكان الهلاك، يعني أننا جعلنا بينهم حائلاً مهلكاً حيث لا يمكن أن يذهبوا إلى شركائهم، ولا أن يأتي شركاؤهم إليهم، أرأيت لو كان بينك وبين صاحبك خندق من نار هل يمكن أن تذهب إليه لتنصره، أو أن يأتي إليك لينصرك؟
الجواب: لا يمكن، هؤلاء يجعل الله بينهم يوم القيامة
{ {مَوْبِقًا} }.
تفسير العثيمين
حاشية

وهذا من سماجتهم وتبجُّحهم وسوء أدبهم مع الحق سبحانه، فكان عليهم أنْ يخجلوا من الله، ويعودوا إلى الحق، ويعترفوا بما كذَّبوه، لكنهم تمادَوْا { فَدَعَوْهُمْ.. } [الكهف: 52] ويجوز أن من الشركاء أناساً دون التكليف، وأناساً فوق التكليف، فمثلاً منهم مَنْ قالوا: عيسى. ومنهم مَنْ قالوا: العزير، وهذا باطل، وهل استجابوا لهم؟

ومنهم مَنِ اتخذوا آلهة أخرى، كالشمس والقمر والأصنام وغيرها، ومنهم مَنْ عبد ناساً مثلهم وأطاعوهم، وهؤلاء كانوا موجودين معهم، ويصح أنهم دَعَوْهم ونادوهم: تعالوا، جادلوا عنّا، وأخرجونا مما نحن فيه، لقد عبدناكم وكنا طَوْعَ أمركم، كما قال تعالى عنهم:
{ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ.. }
[الزمر: 3]


أم أبي التراب 06-07-2017 01:38 PM

"وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا" *الكهف 53

أي: لما كان يوم القيامة وحصل من الحساب ما حصل, وتميز كل فريق من الخلق بأعمالهم, وحقت كلمة العذاب على المجرمين, فرأوا جهنم قبل دخولها, فانزعجوا, واشتد قلقهم, لظنهم أنهم مواقعوها, وهذا الظن قال المفسرون: إنه بمعنى اليقين, فأيقنوا أنهم داخلوها " وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا " أي: معدلا يعدلون إليه, ولا شافع لهم من دون إذنه.
وفي هذا من التخويف والترهيب, ما ترعد له الأفئدة والقلوب.
تفسير السعدي
{{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا *}}.
الكهف 53

قوله تعالى: { وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ} المجرمون يعني الكافرين، كما قال عزّ وجل: {{إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}} [السجدة: 22] .
{ {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} } { {فَظَنُّوا} } أي أيقنوا: { {أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} } والظن يأتي بمعنى اليقين كما في قوله تعالى: {{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ}} [البقرة: 46] ، أي: يوقنون أنهم ملاقو الله، وإلاَّ فالظن الذي هو ترجيح أحد الأمرين المشكوك فيهما لا يكفي في الإيمان.
{ {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} } يعني لم يجدوا مكانا ينصرفون عنها إليه، وهذه الجملة معطوفة على (رأى) وليست داخلة تحت قوله ظنوا، لأنه لو كان داخلاً في الظن لقال «ولن»، يعني أنهم لما رأوْها وظنوا أنهم مواقعوها لم يجدوا عنها مصرفاً أي مكاناً ينصرفون إليه لينجوا به منها.
تفسير العثيمين
* * *
* تعريف الظن واليقين لغةً واصطلاحًا وَحكمهما* :
وقبل أن نخوض في البحث يجدر بنا أن نعرف الظن واليقين لغةً واصطلاحًا .
فالظن لغةً: يستعمل في معنى الشك: وهو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك .

ويستعمل بمعنى اليقين . قال ابنُ منظور : الظن شك ويقين ، إلا أنه ليس بيقين عيان ، إنما هو يقين تدبر .
وقال الزبيدي : الظن هو التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم . ونقل عن المناوي أنه قال: الظن الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض ويستعمل في اليقين والشك .
وهذا المعنى الأخير الذي قاله الزبيدي والمناوي هو لذي استقر عليه اصطلاح الأصوليين .
قال الآمدي : الظن ترجيح أحد الاحتمالين الممكنين على الآخر في النفس من غير قطع .
وقال عبد العزيز البخاري : الظن ما كان جانب الثبوت فيه راجحًا ، ويسمى غالب الرأي . وقال القرطبي : الظن الشرعي هو تغليب أحد الجانبين ، أو هو بمعنى اليقين
وقال أبو يعلى الفراء : الظن تجويز أمرين أحدهما أقوى من الآخر .

(الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 292)

أما اليقين فلغةً: العلم ، وإزاحة الشك ، وتحقيق الأمر . واصطلاحًا: اعتقاد الشيء بأنه كذا مع اعتقاده أنه لا يمكن إلا كذا ، مطابقًا للواقع غير ممكن الزوال .
فالثابت باليقين لا شك في حجيته ، ولا خلاف . وأما ما كان ثبوته مظنونًا فأيضًا مقبول وحجة بإجماع علماء أهل السنة في الأحكام والعقائد .
قال ابن عبد البر :
أجمع أهل العلم من أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار فيما علمت على قبول خبر الواحد العدل وإيجاب العمل به إلا الخوارج وطوائف من أهل البدع .
وقال: وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات ، ويجعلها شرعًا ، ودينًا في معتقده . على ذلك جماعة أهل السنة . .
وقال أبو يعلى الفراء : الظن طريق للحكم إذا كان عن أمارة مقتضية للظن ، ولهذا يجب العمل بخبر الواحد إذا كان ثقة ، ويجب العمل بشهادة الشاهدين .
وقال الحافظ بدر الدين العيني : وإجراء الحكم بناءً على غالب الظن واجب ، وذلك نحو ما تعبدنا به من قبول لشهادة العدول ، وتحري القبلة ، وتقويم المستهلكات ، وأرش الجنايات التي لم ترد مقاديرها بتوقيف من قبل الشرع . فهذا ونظائره قد تعبدنا فيه بغالب الظن .

(الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 293)
وقال فخر الدين الرازي : العمل بخبر الواحد الذي لا يقطع بصحته مجمع عليه بين الصحابة .
وهو المختار عند مَن بعد الصحابة من التابعين وأتباعهم ، وكافة علماء أهل السنة رضوان اللّه عليهم أجمعين .

هنا


*أقسام سوء الظن وحكم كل قسم منها*

الحكم على سوء الظن يشمل قسمين: سوء ظن الذي يؤاخذ به صاحبه، وسوء الظن الذي لا يؤاخذ به صاحبه.
القسم الأول: سوء الظن الذي يؤاخذ به صاحبه:
وضابط هذا النوع: هو كل ظن ليس عليه دليل صحيح معتبر شرعًا، استقر في النفس، وصدقه صاحبه، واستمر عليه، وتكلم به، وسعى في التحقق منه http://www.dorar.net/images/tip.gif .
وهو أنواع ولكل نوع حكم خاص وهو كالتالي:
1- سوء الظن المحرم: ويشمل سوء الظن بالله تعالى، وسوء الظن بالمؤمنين.
فسوء الظن بالله تعالى من أعظم الذنوب: قال ابن القيم: (أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به) http://www.dorar.net/images/tip.gif . وقال الماوردي: (سوء الظن هو عدم الثقة بمن هو لها أهل، فإن كان بالخالق كان شكًّا يؤول إلى ضلال) .
أما سوء الظن بالمؤمنين: ويشمل سوء الظن بالأنبياء وهو كفر، قال النووي: (ظن السوء بالأنبياء كفر بالإجماع) ، وسوء الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين، وقد عدَّ الهيثمي سوء الظنِّ بالمسلم الذي ظاهره العدالة من الكبائر .
2- سوء الظن الجائز: ويشمل: سوء الظن بمن اشتهر بين الناس بمخالطة الريب، والمجاهرة بالمعاصي، وسوء الظن بالكافر، قال ابن عثيمين: (يحرم سوء الظن بمسلم، أما الكافر فلا يحرم سوء الظن فيه؛ لأنه أهل لذلك، وأما من عرف بالفسوق والفجور، فلا حرج أن نسيء الظن به؛ لأنه أهل لذلك، ومع هذا لا ينبغي للإنسان أن يتتبع عورات الناس، ويبحث عنها؛ لأنَّه قد يكون متجسسًا بهذا العمل) .
3- سوء الظنِّ المستحب: وهو ما كان بين الإنسان وعدوه، قال أبو حاتم البستي في سوء الظن المستحب (كمن بينه وبينه عداوة أو شحناء في دين أو دنيا، يخاف على نفسه، مكره، فحينئذ يلزمه سوء الظن بمكائده ومكره؛ لئلا يصادفه على غرة بمكره فيهلكه) .
4- سوء الظن الواجب: وهو ما احتيج لتحقيق مصلحة شرعية، كجرح الشهود ورواة الحديث

هنا

أم أبي التراب 06-07-2017 01:39 PM

"وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً " ..الكهف 54

هذه الجملة عطف عَلَى الْجُمَلِ السَّابِقَةِ الَّتِي ضُرِبَتْ فِيهَا أَمْثَالٌ .
*أولها: فتنة الدين.
أن شخصاً يُفتن في دينه.سواء بالإيذاء فيبتعد عن دينه.
أو يخاف أن يعبد الله فيضطهد......

يمثلها قصة أهل الكهف.

"أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا ..."
وهذه تتحدث عن أصحاب الكهف ، وكيف أنهم آثروا رضوان الله عز وجل على الدنيا العريضة ، وكيف أن الله حفظهم ، وتولاهم ، وأكرمهم في الدنيا والآخرة ، وكيف أن مبدأ الهدى؛ أن يختاره الإنسان ، وعندئذٍ تأتيه الزيادات من الله عز وجل . " إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى "
*الثانية: فتنة المال.
قصةصاحب الجنتين "وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً" المال والجاه.

قَوْلِهِ "وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ .... "
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً{32} كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً{33} وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً{34} وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً{35} وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً{36} قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً{37} لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً{38} وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً{39} فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً{40} أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً{41} وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً{42} وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً{43}
فهذه قصة الشرك ، شرك الأسباب ، وهو أنَّ الإنسان إذا نجح في حياته الدنيا ، نجح في تجارته ، أو صناعته ، أو زراعته ، أو مشاريعه ، أو درجاته العلمية ، أو أي نجاح كان ، فقد يعزو هذا النجاح إلى قدراته الذاتية ، وإمكاناته ، وذكائه ، فيستحق عندها التأديب من الله عز وجل ، وهو يستحقُ التأديب والتربية ، لأنه مؤمن يعترف بالله خالِقاً ومُربيّاً ، والدليل قوله تعالى :" وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي "
لكنه قال" : قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي "
(سورة القصص : 78)
" أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً "
فجزاء الاعتداد بالذات التأديب .

فأصبحت "خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا"
*ثالثها:قَوْلِهِ "
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرا"المعنى شبه الدنيا بنبات حسن؛ فيبس فتكسر ففرقته الرياح ،
وَلَمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ لَهُمْ مَقْنَعٌ ، وَمَا لَهُمْ مِنْهُ مَدْفَعٌ عَادَ إِلَى التَّنْوِيهِ بِهَدْيِ الْقُرْآنِ عَوْدًا نَاظِرًا إِلَى قَوْلِهِ"
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ" وَقَوْلِهِ "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" ، فَأَشَارَ لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَمْثَالَ الَّتِي قَرَعَتْ أَسْمَاعَهُمْ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ هَدْيِ الْقُرْآنِ الَّذِي تَبَرَّمُوا مِنْهُ ،


" وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً "
منقول بتصرف

{{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً *}}.
.الكهف 54
قوله تعالى: { {صَرَّفْنَا} } يعني نوعنا، تصريف الشيء يعني تنويعه كما قال تعالى: {{وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ}} [البقرة: 164] ، أي تنويعها من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب، إذاً { {صَرَّفْنَا} } أي نوعنا في هذا القرآن من كل مثل، وهكذا الواقع. فكلام الله صدق، أمثال القرآن تجدها متنوعة فتارة لإثبات البعث، وتارة لإثبات وحدانية الله، وتارة لبيان حال الدنيا، وتارة لبيان حال الآخرة، وتارة تكون مطولة، وتارة مختصرة، فهي أنواع. كل نوع في مكانه من البلاغة والفصاحة.
{ {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} } أي من كل جنس وصنف، فهذا مثل لكذا وهذا مثل لكذا، لماذا؟
الجواب: من أجل أن يتذكر الناس ويتعظوا ويعقلوها. ولكن يوجد من الناس من لا يتعظ بهذه المثل، بل على العكس، ولهذا قال: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} }، قوله: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ} }، بعض المفسرين يقول: { {الإِنْسَانُ} } يعني الكافر، ولكن في هذا نظر؛ لأنه لا دليل على تخصيصه بالكافر، بل نقول { {الإِنْسَانُ} } من حيث الإنسانية.
{ {أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} } يعني أكثر ما عنده، ولكن من حيث الإيمان فالمؤمن لا يكون مجادلاً، بل يكون مستسلماً للحق ولا يجادل فيه، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما أوتي قوم الجدل إلاَّ ضلوا» وتدبر حال الصحابة رضي الله عنهم تجد أنهم مستسلمون غاية الاستسلام لما جاءت به الشريعة، ولا يجادلون ولا يقولون لم؟ ولما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم» هل قال الصحابة «لِمَ»؟ بل قالوا سمعنا وأطعنا، ما جادلوا، وكذلك في بقية الأوامر، لكن الإنسان من حيث هو إنسان أكثر شيء عنده الجدل. إذاً إذا مر بك مثل هذا في القرآن الكريم { {الإِنْسَانُ} } فلا تحمله على الكافر إلا إذا كان السياق يُعَيِّنُ ذلك، فإذا كان السياق يراد به ذلك، صار هذا عاماً يراد به الخاص، لكن إذا لم يكن في السياق ما يعين ذلك فاجعله للعموم، اجعله إنساناً بوصف الإنسانية، والإنسانية إذا غلب عليها الإيمان اضمحل مقتضاها المخالف للفطرة.
قوله: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} } هذا وقع في قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب وزوجته فاطمة رضي الله عنهما حين جاء إليهما ذات ليلة ووجدهما نائمين فقال: «ألا تصليان»، قال علي رضي الله عنه: «إنَّ أنفُسَنا بيد الله ولو شاء لأيقظنا»، فانصرف الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو يضرب على فخذه ويقول: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} } ولا شك أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يعلم أن أنفسهما بيد الله، والرسول عليه الصلاة والسلام قال في الفريضة: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»، فعذر الناسي والنائم وهو يعلم عليه الصلاة والسلام ذلك ولكنه يريد أن يَحُثَّهُما، وأراد علي رضي الله عنه أن يدفع اللوم عنه وعن زوجه فاطمة رضي الله عنها.

تفسير العثيمين

التصريف معناه تحويل الشيء إلى أشياء متعددة، كما يصرّف الله الرياح مثلاً، فلا تأتي من ناحية واحدة، بل تأتي مرة من هنا، ومرة من هناك، كذلك صَرّف الله الأمثال. أي: أتى بأحوال متعددة وصُور شتى منها.

وما دام أن الحق سبحانه صرّف في هذا القرآن من كل مثَل، فلا عُذْر لمن لم يفهم، فالقرآن قد جاء على وجوه شتّى ليُعلم الناس على اختلاف أفهامهم ومواهبهم؛ لذلك ترى الأمي يسمعه فيأخذ منه على قدر فَهْمه، والنصف مثقف يسمعه فيأخذ منه على قدر ثقافته، والعالم الكبير يأخذ منه على قدر علمه ويجد فيه بُغْيته، بل وأكثر من ذلك، فالمتخصص في أيِّ علم من العلوم يجد في كتاب الله أدقّ التفاصيل؛ لأن الحق سبحانه بيَّن فيه كل شيء.
منقول
( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ( 54 ) ) .

يَقُولُ تَعَالَى : وَلَقَدْ بَيَّنَّا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ ، وَوَضَّحْنَا لَهُمُ الْأُمُورَ ، وَفَصَّلْنَاهَا ، كَيْلَا يَضِلُّوا عَنِ الْحَقِّ ، وَيَخْرُجُوا عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى . وَمَعَ هَذَا الْبَيَانِ وَهَذَا الْفُرْقَانِ ، الْإِنْسَانُ كَثِيرُ الْمُجَادَلَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُعَارَضَةِ لِلْحَقِّ بِالْبَاطِلِ ، إِلَّا مَنْ هَدَى اللَّهُ وَبَصَّرَهُ لِطَرِيقِ النَّجَاةِ .

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً ، فَقَالَ : " أَلَا تُصَلِّيَانِ ؟ " فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا . فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ [ وَيَقُولُ ] ( وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ) أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ .

يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأَوْلَى بِعَلِيٍّ أَنْ يَحْمَدَ إِيقَاظَ رَسُولِ اللَّهِ إِيَّاهُ لِيَقُومَ مِنَ اللَّيْلِ ، وَأَنْ يَحْرِصَ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ ، وَأَنْ يُسَرَّ بِمَا فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ مَلَامٍ ، وَلَا يَسْتَدِلُّ بِمَا يُحَبِّذُ اسْتِمْرَارَ نَوْمِهِ ، فَذَلِكَ مَحَلُّ تَعَجُّبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوَابِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
-" ما ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى كانوا عليهِ إلَّا أوتوا الجدَلَ ثمَّ تلا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ هذهِ الآيةَ :" مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ".
الراوي: أبو أمامة الباهلي- المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3253- خلاصة حكم المحدث:حسن

الدرر السنية
وَالْجَدَلُ : الْمُنَازَعَةُ بِمُعَاوَضَةِ الْقَوْلِ ، أَيْ هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي يُحَاوِلُ بِهِ إِبْطَالَ مَا فِي كَلَامِ الْمُخَاطَبِ مِنْ رَأْيٍ أَوْ عَزْمٍ عَلَيْهِ : بِالْحُجَّةِ أَوْ بِالْإِقْنَاعِ أَوْ بِالْبَاطِلِ ، قَالَ تَعَالَى وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وَقَالَ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ، وَقَالَ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ، وَقَالَ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ، وَقَالَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ .

[ ص: 349 ]وَالْمُرَادُ هَنَا مُطْلَقُ الْجَدَلِ ، وَبِخَاصَّةٍ مَا كَانَ مِنْهُ بِبَاطِلٍ ، أَيْ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ فِي طَبْعِهِ الْحِرْصُ عَلَى إِقْنَاعِ الْمُخَالِفِ بِأَحَقِّيَّةِ مُعْتَقَدِهِ أَوْ عَمَلِهِ ، وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي إِرَادَةَ الْجَدَلِ الْبَاطِلِ .

تفسير ابن كثير
  1. تصريف: ( اسم )
    الجمع : تصريفات و تصاريفُ
    مصدر صرَّفَ
    تصريف البضاعة : ( التجارة ) ترويج المبيعات بعرضها عرضًا جذّابًا ، والإعلان عنها في مكان البيع
    تصريف الأفعال : ( النحو والصرف ) اشتقاق صيغ الأفعال بعضها من بعض ، وإسناد الأفعال إلى الضمائر
    تصريف الكلمات : ( النحو والصرف ) أصل الكلمة وطرق الاشتقاق منها
    صرَّف الأشياءَ : نقلها ، بدَّلها ، وجَّهها { وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }
    صرَّف البضائعَ : تصرَّف فيها بالبيع ،
    صرَّف الأمرَ : بيَّنه وفصَّله { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْءَانِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ }
    صرَّف الأمرَ : قسَّمه { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا }
    صرَّف العُملةَ : صرَفها ، حوَّلها وبدَّلها بمثلها
    صرَّف المياهَ : جعلها تجري في قنوات أو أنابيب معيَّنة
    صرَّف الألفاظَ : ( النحو والصرف ) اشتقَّ بعضَها من بعض
    صَرَّفَ أَعْمَالَهُ : دَبَّرَهَا ، ادارها هنا
وَجُمْلَةُ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا تَذْيِيلٌ ، وَهُوَ مُؤْذِنٌ بِكَلَامٍ مَحْذُوفٍ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَازِ ، وَالتَّقْدِيرُ : فَجَادَلُوا فِيهِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ جَدَلًا ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ اسْمٌ لِنَوْعِ بَنِي آدَمَ ، وَحَرْفُ ( أَلْ ) فِيهِ لِتَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ فَهُوَ أَوْسَعُ عُمُومًا مِنْ لَفْظِ النَّاسِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ جَادَلُوا ، وَالْجِدَالُ : خُلُقٌ ; مِنْهُ ذَمِيمٌ يَصُدُّ عَنْهُ تَأْدِيبُ الْإِسْلَامِ ، وَيَبْقَى فِي خُلُقِ الْمُشْرِكِينَ ، وَمِنْهُ مَحْمُودٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ، فَأَشَارَ بِالثَّنَاءِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِلَى أَنَّ جِدَالَهُ مَحْمُودٌ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ الْإِنْسَانَ الْكَافِرَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا وَلَا الْمُرَادُ بِالْجَدَلِ الْجَدَلَ بِالْبَاطِلِ ; لِأَنَّ هَذَا سَيَجِيءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ الْآيَةَ ، فَقَوْلُهُ هُنَا وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ .
وَالْجَدَلُ : الْمُنَازَعَةُ بِمُعَاوَضَةِ الْقَوْلِ ، أَيْ هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي يُحَاوِلُ بِهِ إِبْطَالَ مَا فِي كَلَامِ الْمُخَاطَبِ مِنْ رَأْيٍ أَوْ عَزْمٍ عَلَيْهِ : بِالْحُجَّةِ أَوْ بِالْإِقْنَاعِ أَوْ بِالْبَاطِلِ ، قَالَ تَعَالَى وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وَقَالَ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ، وَقَالَ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ، وَقَالَ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ، وَقَالَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ .

[ ص: 349 ] وَالْمُرَادُ هَنَا مُطْلَقُ الْجَدَلِ ، وَبِخَاصَّةٍ مَا كَانَ مِنْهُ بِبَاطِلٍ ، أَيْ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ فِي طَبْعِهِ الْحِرْصُ عَلَى إِقْنَاعِ الْمُخَالِفِ بِأَحَقِّيَّةِ مُعْتَقَدِهِ أَوْ عَمَلِهِ ، وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي إِرَادَةَ الْجَدَلِ الْبَاطِلِ .

تفسير القرآن التحرير والتنوير

أم أبي التراب 06-07-2017 01:39 PM

«وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً» الكهف55
قوله تعالى: « وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا » يعني ما منع الناس عن الإيمان والاستغفار نقص البيان، فقد ذكر الله أنه ضرب للناس في هذا القرآن من كل مثل، وكان الواجب على الإنسان إذا ضربت له الأمثال أن يؤمن. لكنه ما منعهم من الإيمان نقصٌ في البيان، فالأمر والحمد لله بيِّنٌ واضحٌ أتى بها النبي صلّى الله عليه وسلّم بيضاء نقية لكنه العناد.
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلاّ هالك...»
رواه أحمد (رقم 17141) وابن ماجه في «المقدمة»، باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، (42). وابن أبي عاصم في «السنة» (1/27) وصححه الألباني.


- وعظنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم موعظةً ذَرَفتْ منها العيونُ ووجلت منها القلوبُ, فقلنا يا رسولَ اللهِ إن هذه لموعظةُ مودَّعٍ فماذا تعهد إلينا؟ قال «قد تركتكم على البيضاءِ ليلُها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالكٌ من يعشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بما عرفتُم من سنتي وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديِّين, عَضُّوا عليها بالنواجذِ وعليكم بالطاعةِ وإن عبدًا حبشيًا ,فإنما المؤمنُ كالجملِ الأنِفِ حيثما قِيدَ انقادَ».
الراوي: العرباض بن سارية المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 41 - خلاصة حكم المحدث: صحيح
هنا
ولهذا قال جلَّ وعلا:«إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً » أي ما ينتظرون إلاَّ أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلاً.
وقوله: «وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ» يعني يطلبون مغفرته، فالمؤمن كثير الاستغفار لربه، والكافر إذا آمن لا بد أن يستغفر الله بما وقع فيه من الذنوب، فإذا آمن واستغفر زال عنه ما كان من الذنوب. قال تعالى: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ» [الأنفال: 38] .
وقوله: « أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً » يعني مقابلة ومعاينة ومباشرة، وما هي سنة الأولين؟
الجواب: هي أخذهم بالعذاب العام، لكن لم يأخذ الله هذه الأمة بعذاب شامل لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا ربه ألا يهلك أمَّته بسنة بعامة فأجاب الله دعاءه.
-
« إنَّ اللهَ زَوى لي الأرضَ . أو قالَ : إن ربِّي زوى لي الأرضَ ، فرأيْتُ مشارقَها ومغاربَها ، وإن مُلكَ أمتي سيبلغُ ما زُوِىَ لي منها ، وأعطيْتُ الكنزينِ الأحمرَ والأبيضَ ، وإنِّي سألْتُ ربِّي لأمتي : أن لا يهلكَها بسَنةٍ بعامةٍ ، ولا يسلطَ عليْهِم عدوًّا من سِوى أنفسِهم ، فيستبيحَ بيضَتَهم ، وإن ربِّي قال لي : يا محمدُ ! إنِّي إذا قضيْتُ قضاءً فإنَّهُ لا يردُّ ، ولا أهلكُهم بسنةٍ بعامةٍ ، ولا أسلطُ عليْهِم عدوًا من سوى أنفسِهم فيستبيحَ بيضتَهم ، لو اجتمعَ عليْهِم من بينِ أقطارِها – أو قال بأقطارِها – حتى يكونَ بعضُهم يهلكُ بعضًا ، وحتى يكونَ بعضُهم يسْبي بعضًا . وإنَّما أخافُ على أُمتي ! الأئمةَ المُضلينَ ، وإذا وُضِعَ السيفُ في أمتي لم يُرفعْ عنها إلى يومِ القيامةِ ، ولا تقومُ الساعةُ حتى تَلحقَ قبائلُ من أُمتي بالمشركينَ ، وحتى تعبدَ قبائلُ من أمتي الأوثانِ ، وإنَّهُ سيكونُ في أمتي كذابونَ ثلاثونَ ، كلُّهم يزعمُ أنَّهُ نبيٌّ ، وأنا خاتمُ النبيِّينَ لا نبيَّ بعدي ، ولا تزالُ طائفةٌ من أمتي على الحقِّ ظاهرينَ لا يضرُّهم من خالفَهم حتى يأتيَ أمرُ اللهِ»
الراوي: ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم -المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 4252- خلاصة حكم المحدث:صحيح

الدرر السنية
تفسير العثيمين

*ومن تفسير ابن كثير
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَمَرُّدِ الْكَفَرَةِ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ ، وَتَكْذِيبِهِمْ بِالْحَقِّ الْبَيِّنِ الظَّاهِرِ مَعَ مَا يُشَاهِدُونَ مِنَ الْآيَاتِ [ وَالْآثَارِ ] وَالدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَاتِ ، وَأَنَّهُ مَا مَنَعَهُمْ مِنَ اتِّبَاعِ ذَلِكَ إِلَّا طَلَبُهُمْ أَنْ يُشَاهِدُوا الْعَذَابَ الَّذِي وُعِدُوا بِهِ عَيَانًا ، كَمَا قَالَ أُولَئِكَ لِنَبِيِّهِمْ :
« فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ » « الشُّعَرَاءِ : 187 » ، وَآخَرُونَ قَالُوا : « ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» « الْعَنْكَبُوتِ : 29 » ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ : « اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ » « الْأَنْفَالِ : 32 » ،« وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ » « الْحِجْرِ : 6 ، 7 » إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ [ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ ] .

تفسير ابن كثير

ما الذي منعهم أن يؤمنوا بعد أن أنزل عليهم القرآن، وصرّفنا فيه من الآيات والأمثال، بعد أن جاءهم مطابقاً لكل الأحوال؟
وفي آية أخرى، أوضح الحق سبحانه سبب إعراضهم عن الإيمان، فقال تعالى:{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـاذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى ا أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً * وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىا تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى ا فِي السَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ }[الإسراء: 89-93]
فكُلُّ هذه التعنّتات وهذا العناد هو الذي حال بينهم وبين الإيمان بالله، والحق سبحانه وتعالى حينما يأتي بآية طلبها القوم، ثم لم يؤمنوا بها يُهلكهم؛ لذلك قال بعدها: { إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ.. } [الكهف: 55] فهذه هي الآية التي تنتظرهم: أن تأتيهم سُنَّة الله في إهلاك مَنْ كذَّب الرسل.


أم أبي التراب 06-07-2017 01:40 PM

«وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا » 56
قوله تعالى: «وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ» هذه وظيفة الرسل ما نرسل المرسلين من أولهم نوح عليه السلام إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، إلاَّ لهذين الأمرين: مبشرين ومنذرين، يعني ولم نرسلهم من أجل أن يجبروا الناس على الإيمان بل هم مبشرون ومنذرون، يبشرون المؤمنين وينذرون الكافرين.
«مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ» منصوبة على الحال من المرسلين، يعني إلاَّ حال كونهم مبشرين ومنذرين.
«وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ» المجادلة هي المخاصمة وسميت المخاصمة مجادلة؛ لأن كل واحد يَجْدُلُ حجته للآخر والجَدْل هو فتل الحبل حتى يشتد ويقوى، هذا أصل المجادلة، إذاً يجادل أي يخاصم، والمخاصمة بالباطل باطلة، مثال ذلك في الرسل يقولون: «أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا» [التغابن: 6] ، «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنْزَلَ مَلاَئِكَةً» [المؤمنون: 24] ، ويجادلون في البعث فيقولون: «مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ» [يس: 78] ، ويجادلون في الآلهة يقولون: إذا كان المشركون وما يعبدون من دون الله حصب جهنم، فعيسى عليه السلام من حصب جهنم، وغير ذلك من المجادلة، وقد أبطل الله مجادلتهم بعيسى عليه السلام قال الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى» [الأنبياء: 101] ، ومنهم عيسى عليه السلام «أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ» [الأنبياء: 101] ويستفاد من الآية أن كل إنسان يجادل من أجل أن يدحض الحق فإن له نصيباً من هذه الآية، يعني أن فيه نصيباً من الكفر والعياذ بالله لأن الكافرين هم الذين يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق، فإذا قال قائل: «الشبهات التي يوردها من يوردها من الناس، كيف يقال إنها باطل وهي شبهة؟».
فالجواب: إذا كان غرضهم منها أن يُدحضوا الحق، مثل الذين ينكرون حقيقة استواء الله على العرش ويقولون: إنه لو استوى على العرش لكان «جسماً»، فهؤلاء جادلوا بالباطل من أجل أن يدحضوا الحق الذي أثبته الله لنفسه، وأما مسألة أن الله «جسم» أو غير «جسم» فهذه شيء آخر، المهم أنهم أتوا بهذه الكلمة من أجل إدحاض الحق، ونحن لا ننكر عليهم مسألة أنه «جسم أو غير جسم»، ننكر أنهم أنكروا حقيقة الاستواء، وأما مسألة أنه «جسم أو غير جسم» فهذا مبحث آخر، وهو أننا لا نثبت اللفظ «جسم» ولا ننكره، أما المعنى فنقول: إن الله تعالى حق قائم بذاته موصوف بصفاته يفعل ما يشاء، يستوي على عرشه، وينزل إلى السماء الدنيا، وينْزِل ليفصل بين العباد، ويعجب ويفرح ويضحك، المهم أنه كلما رأيت شخصاً يجادل يريد أن يدحض الحق، فله نصيب من هذه الآية.
«وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا» «وَاتَّخَذُوا» أي صيروا. «وَاتَّخَذُوا» يعني القرآن.
«وَمَا أُنْذِرُوا» أي ما أنذروا به من العذاب اتخذوها «هُزُوًا» مثال ذلك أن الكفار استهزؤوا لما أخبر الله عزّ وجل عن شجرة الزقوم «إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ *» [الصافات: 64] ، يعني في قعره، فصاروا يضحكون كيف تخرج في أصل الجحيم، وهي شجرة أبعد ما يكون عن النار، النار حارة جافة والشجرة رطبة، فجعلوا يستهزئون ويقولون: هذا من هذيان محمد صلّى الله عليه وسلّم، فاتخذوا ما أنذروا به هزواً والله عزّ وجل قال: «فَإِنَّهُمْ لآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ *» [الصافات: 66]« فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ » [الواقعة: 54، 55] ، يملؤون بطونهم من هذه الزَّقوم ملئاً تاماً ثم تحترق من العطش، فماذا يسقون؟ يسقون ماءً حاراً «فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ» أي على ما في بطونهم «مِنَ الْحَمِيمِ»، ومع ذلك يشربون شرباً ليس عادياً بالنسبة إلى البشر، ولكنه شرب الإبل الهيم، العطاش، هذه الشجرة التي يهزؤون بها هي التي يملؤون بها بطونهم في جهنم.
تفسير العثيمين
عباد الله كونوا مبشرين ومنذرين
فضل الدعوة، فكل من له أدنى إلمام بالعلم، يعرف أن الدعوة شأنها عظيم، وهي مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام، والرسل عليهم الصلاة والسلام هم الأئمة في هذا الشأن، وهم الأئمة في الدعوة، وهي وظيفتهم؛ لأن الله جل وعلا بعثهم دعاة للحق، وهداة للخلق عليهم الصلاة والسلام، فكفى الدعوة شرفاً، وكفاها منزلةً عظيمةً أن تكون وظيفة الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة. قال الله تعالى في كتابه المبين: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ واجتنبوا الطاغوت[1]،فبين سبحانه وتعالى أن الرسل جميعاً بعثوا بهذا الأمر العظيم الدعوة إلى عبادة الله وحده، واجتناب الطاغوت. والمعنى أنهم بعثوا لدعوة الناس إلى إفراد الله بالعبادة، وتخصيصه بها، دون كل ما سواه، وتحرير الناس من عبادة الطاغوت، إلى عبادة الله وحده.
وقال عز وجل: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[2]،فبين سبحانه وتعالى أن الرسل بعثوا مبشرين ومنذرين، مبشرين من أطاعهم بالنصر والتأييد والجنة والكرامة، ومنذرين من عصاهم بالخيبة والندامة والنار.
وفي بعثتهم إقامة الحجة، وقطع المعذرة، حتى لا يقول قائل ما جاءنا من بشير ولا نذير فالله سبحانه وتعالى بعث الرسل إقامة للحجة، وقطعاً للمعذرة، وهداية للخلق، وبياناً للحق، وإرشاداً للعباد إلى أسباب النجاة، وتحذيراً لهم من أسباب الهلاك عليهم الصلاة والسلام، فهم خير الناس وأصلح الناس، وأنفع الناس للناس، وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا[3]،فأخبر سبحانه أنه بعث هذا الرسول الكريم محمداً عليه الصلاة والسلام شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله، فعلم بذلك أن وظيفة الدعوة إلى الله هي تبليغ الناس الحق، وإرشادهم إليه، وتحذيرهم مما يخالفه ويضاده. وهكذا أتباعهم إلى يوم القيامة. مهمتهم الدعوة إلى الله وإرشاد الناس إلى ما خلقوا له، وتحذيرهم من أسباب الهلاك، كما قال عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[4]،فأمر الله نبيه أن يبلغ الناس أن سبيله التي هو عليها الدعوة إلى الله عز وجل، وهكذا أتباعه هم على ذلك.
والمعنى: قل يا محمد، أو قل يا أيها الرسول للناس: هذه سبيلي أنا ومن اتبعني. فعلم بذلك أن الرسل وأتباعهم هم أهل الدعوة، وهم أهل البصائر، فمن دعا على غير بصيرة فليس من أتباعهم، ومن أهمل الدعوة فليس من أتباعهم، وإنما أتباعهم على الحقيقة هم الدعاة إلى الله على بصيرة، يعني أتباعهم الكُمّل الصادقين الذين دعوا إلى الله على بصيرة، ولم يقصروا في ذلك، وعملوا بما يدعون إليه، وكل ما حصل من تقصير في الدعوة، أو في البصيرة كان نقصاً في الإتباع، ونقصاً في الإيمان وضعفاً فيه، فالواجب على الداعية إلى الله عز وجل، أن يكون ذا بصيرة، أي ذا علم، فالدعوة على جهل لا تجوز أبداً، لأن الداعية إلى الله على جهلٍ يضر ولا ينفع، ويخرب ولا يعمر، ويضل ولا يهدي، فالواجب على الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى التأسي بالرسل بالصبر والعلم والنشاط في الدعوة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ[5]،فالدعوة إلى الله عز وجل هي سبيل الرسل وطريقهم عليهم الصلاة والسلام، وفي ذلك غاية الشرف والفضل للدعاة أتباع الرسل، المقتدين بهم، السائرين على منهاجهم عليهم الصلاة والسلام، ومن شرط ذلك أن يكون الداعية على بصيرة وعلم وبينة، بما يدعو إليه، ومما يحذر منه حتى لا يضر الناس، وحتى لا يدعو إلى ضلالة وهو لا يدري، أو يدعو إلى باطل وترك حق وهو لا يدري، حتى يكون على بينة ليعرف ما يدعو إليه، وما يدعو إلى تركه.
________________
[1] سورة النحل الآية 36.

[2] سورة النساء الآية 165.

[3] سورة الأحزاب الآيتان 45 ، 46.

[4] سورة يوسف الآية 108.

[5] سورة يوسف الآية 108.

ابن باز

أم أبي التراب 06-07-2017 01:41 PM

«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًاً» 57

قوله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ } أي ذكره الواعظ بآيات ربه الكونية، كأخذه الأمم المكذبين، أو الشرعية كالقرآن. { {فَأَعْرَضَ عَنْهَا} }، ولم يقبلها، أي لا
أ حد أظلم منه، فإن قيل: ما الجمع بين هذه الآية، وبين الآية التي في أول السورة وهي قوله تعالى: {{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}} ونحوها؟

فالجواب: بأحد وجهين:
الأول: أن الأفضلية باعتبار ما شاركه في أصل المعنى، فقوله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ } يعني من أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها من الذين يُذَكَّرون فيُعرِضون، قد يذكر الإنسان فيعرض، لكن أشد ما يكون أن يذكر بآيات الله ثم يعرض عنها، وفي افتراء الكذب قد يفتري الإنسان الكذب على فلان وفلان، وأعظم ما يكون الافتراء عليه هو الله عزّ وجل، وأنت إذا أخذت بهذه القاعدة سلمت من إشكال كبير.
الثاني: وقيل: إن «أظلم» و«أظلم» يشتركان في الأظلمية ويتساويان فيها بالنسبة لغيرهما، وفيه نظر لأنه لا يمكن أن نقول: إنّ من ذكر بآيات ربه فأعرض عنها أنه يساوي من افترى على الله كذباً، أو من منع مساجد الله أن يُذْكر فيها اسمه يساوي من كذب على الله، ونحو ذلك.
قوله: { بِآيَاتِ رَبِّهِ } الكونية والشرعية؛ الكونية أن يقال له: إن كسوف الشمس والقمر يخوف الله بهما عباده فيعرض عنها ويقول: أبداً خسوف القمر طبيعي، وكسوف الشمس طبيعي، ولا إنذار ولا نذير، وهذا إعراض، أما الآيات الشرعية فكثير من يذكر بآيات الله ويعرض عنها.
{ {وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} } يعني نسي ما قدمت يداه من الكفر والمعاصي والاستكبار وغير ذلك مما يمنعه عن قبول الحق، لأن الإنسان والعياذ بالله كلما أوغل في المعاصي، ازداد بعداً عن الإقبال على الحق كما قال الله عزّ وجل: {{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}} [الصف: 5] ، ولذلك يجب أن يُعلم أن من أشد عقوبات الذنوب أن يعاقب الإنسان بمرض القلب والعياذ بالله، فالإنسان إذا عوقب بهلاك حبيب أو فقد محبوب من المال، فهذه عقوبة لا شك، لكن إذا عوقب بانسلاخ القلب فهذه العقوبة أشد ما يكون. يقول ابن القيم رحمه الله:
والله ما خوفي الذنوب فإنها***لعلى طريق العفو والغفران
وإنما أخشى انسلاخ القلب من***تحكيم هذا الوحي والقرآن
هذا هو الذي يخشاه الإنسان العاقل، أما المصائب الأخرى فهي كفارات وربما تزيد العبد إيماناً.
{ {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} } أي صيرنا.
{ {عَلَى قُلُوبِهِمْ} } أي قلوب من { ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا }، وأعيد ضمير الجمع على مفرد باعتبار المعنى؛ لأن «مَن» سواء كان اسماً موصولاً أو شرطية يجوز في عود الضمير إليها أن يعود على لفظها فيكون مفرداً أو يعود على معناها فيكون مجموعاً أو مثنى حسب السياق، فإذا قلت: «يعجبني من قام» فهنا عاد على اللفظ، وإذا قلت: «يعجبني من قاما» فهنا يعود على المعنى، وكذلك لو قلت: «يعجبني من قاموا» وقد يراعى اللفظ مرة والمعنى مرة أخرى وتعود الضمائر لمراعاة الأمرين في سياق واحد، قال تعالى: {{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا}} فهنا روعي اللفظ، وفي قوله: {{يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}} روعي اللفظ أيضاً، وقوله: {{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}} روعي فيها المعنى، وفي قوله: {{قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا}} روعي اللفظ، كل هذا جاء في سياق واحد: {{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا}} [الطلاق: 11] ، فروعي اللفظ أولاً ثم المعنى ثانياً ثم اللفظ ثالثاً.
{ {أَكِنَّةً} } أي: أغطية تمنعهم من { {أَنْ يَفْقَهُوهُ} } أن يفقهوا القرآن فلا يفهمونه، وفي هذا الحث على فقه القرآن، وأنه ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن ويتعلم معناه، كما كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل.
{ {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} } أي صمماً. تأمل، والعياذ بالله، القلوب عليها غِطاء فلا تفقه، والآذان عليها صمم فلا تسمع، فلا يسمعون الحق ولا يفهمونه.
{ {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} } يعني لو أرشدتهم يا محمد إلى الهدى.
{ {فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا} } أي ما دامت قلوبهم في أكنة، وفي آذانهم وقرٌ لن يهتدوا، فمن أين يأتي الهدى، والآذان لا تسمع الحق والقلوب لا تنقاد للحق والعياذ بالله؟! فإن قال قائل: هل في هذا تيئيس للرسول صلّى الله عليه وسلّم من أنه وإن دعا لا يقبل منه أو فيه تسلية له؟
فالجواب: في هذا تسلية له، وأنهم إذا لم يقبلوا الحق فلا عليك منهم { {فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} }.
تفسير العثيمين

أم أبي التراب 06-07-2017 01:41 PM

«وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً *» الكهف 58
قوله تعالى:
«وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ» هذا فيه تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم من وجه آخر، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم يمكن أن يقول: لماذا لم يعاجلوا بالعقوبة، كيف يكذبونني وأنا رسول الله ولم يعاقبهم؟! ولكن بَيَّن الله له أنه هو {الْغَفُورُ} أي الذي يستر الذنوب ويتجاوز عنها.
{ {ذُو الرَّحْمَةِ} } أي صاحب الرحمة الذي يلطف بالمذنب. ولهذا قال: { {لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ} } يعني لو أراد الله أن يؤاخذ الناس بما كسبوا لعجل لهم العذاب، وقد بين الله عزّ وجل هذا العذاب في آيات أخرى فقال: {{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَآبَّةٍ}} [فاطر: 45] ، أي لأهلكهم في الحال، ولكن {{يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً}} [فاطر: 45] .
{ {بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} } «بل» هذه للإضراب الإبطالي، يعني بل لن يسلموا من العذاب إذا أُخر عنهم، لهم موعد { {لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} }، أي مكاناً يؤولون إليه، وهذا يوم القيامة، ويحتمل أن يكون ما يحصل للكفار من القتل على أيدي المؤمنين كما قال عزّ وجل: {{ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}} [التوبة: 14، 15] ، إذاً يحتمل أن يكون المراد ما سيكون عليهم من القتل، والأخذ في الدنيا، أو ما سيكون عليهم يوم القيامة الذي لا مفر منه.
تفسير العثيمين
ما الفرق بين التوبة والاستغفار ؟.
الحمد لله التوبة : تتضمن أمراً ماضياً وحاضراً ومستقبلاً ، فالندم على الماضي والإقلاع عن الذنب في الحاضر والعزم على عدم العودة في المستقبل .
والاستغفار : طلب المغفرة ، وأصله : ستر العبد فلا ينفضح ، ووقايته من شر الذنب فلا يًعاقب عليه ، فمغفرة الله لعبده تتضمن أمرين : ستره فلا يفضحه ، ووقايته أثر معصيته فلا يؤاخذ عليها ، وبهذا يعلم أن بين الاستغفار والتوبة فرقاً ، فقد يستغفر العبد ولم يتب كما هو حال كثير من الناس ، لكن التوبة تتضمن الاستغفار .

هنا
فمن رحمة الله بالكفار أنه لم يعاجلهم بعذاب يستأصلهم، بل أمهلهم وتركهم؛ لأن لهم موعداً لن يهربوا منه، ولن يُفلِتوا، ولن يكون لهم مَلْجأ يحميهم منه، ولا شكَّ أن في إمهالهم في الدنيا حكمة لله بالغة، ولعل الله يُخرِج من ظهور هؤلاء مَنْ يؤمن به، ومَنْ يحمل راية الدين ويدافع عنه، وقد حدث هذا كثيراً في تاريخ الإسلام، فمِنْ ظَهْر أبي جهل جاء عكرمة، وأمهل الله خالد بن الوليد، فكان أعظمَ قائد في الإسلام.

* * *


أم أبي التراب 06-07-2017 01:42 PM

«وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا *» الكهف 59

قوله تعالى: { {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ} } أي: قرى الأمم السابقين، قد يقول قائل هنا إشكال: فإن القرى جماد، والجماد لا يعود عليه الضمير بصيغة الجمع، يعني أنك لا تقول مثلاً: «هذه البيوت عمرناهم» ولكن تقول: «هذه البيوت عمرناها»، فلماذا قال: «أهلكناهم»؟
فالجواب: قال هذا؛ لأن الذي يهلك هم أهل القرى، وفي هذا دليل واضح على أن القرى قد يراد بها أهلها، وقد يراد بها البناء المجتمع، فالقرية أو القرى تارة يراد بها أهلها وتارة يراد بها المساكن المجتمعة، قال تعالى: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59] ، فالمراد بالقرى هنا أهلها، وقال تعالى: {{إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ}} [العنكبوت: 31] والمراد بالقرية هنا المساكن المجتمعة.
{ {لَمَّا ظَلَمُوا} } المراد بالظلم هنا الكفر، أي: حين كفروا. { {وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} } يعني جعلنا لإهلاكهم موعداً، والله يفعل ما يشاء، إن شاء عجَّل العقوبة وإن شاء أخر، لكن إذا جاء الموعد لا يتأخر: ولهذا قال نوح عليه الصلاة والسلام لقومه: {{يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *}} [نوح: 4] ، فهو أجل معين عند الله في الوقت الذي تقتضيه حكمته.

تفسير العثيمين

تلك: أداة إشارة لمؤنث هي القرى،


لكن الإشارة لا تكون إلا لشيء معلوم موجود مُحَسٍّ، كما جاء في قوله تعالى:{ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يامُوسَى ا }[طه: 17]
فأين هذه القُرَى؟ وهل كان لها وجود على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
نعم، كان لهذه القرى آثار وأطلال تدل عليها ويراها النبي صلى الله عليه وسلم ويراها الناس في رحلاتهم إلى الشام وغيرها مثل: قُرَى ثمود قوم صالح، وقرى قوم لوط، وقد قال تعالى عنها:{ وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِالَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }[الصافات: 137-138]
إذن: فتلك إشارة إلى موجود مُحَسٍّ دَالٍّ بما تبقّى منه على ما حاق بهذه القرى من عذاب الله، وما حلَّ بها من بَأْسِه الذي لا يُرَدُّ عن القوم الظالمين.


{‏وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏}
وهذا ثناء منه تعالى على عبده ورسوله، لوط بالنبوة والرسالة، ودعوته إلى اللّه قومه، ونهيهم عن الشرك، وفعل الفاحشة‏.‏
فلما لم ينتهوا، نجاه اللّه وأهله أجمعين، فسروا ليلا فنجوا‏.‏
‏{‏إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ‏}‏ أي‏:‏ الباقين المعذبين، وهي زوجة لوط لم تكن على دينه‏.‏
‏{‏ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ‏}‏ بأن قلبنا عليهم ديارهم ‏{‏فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ‏}‏ حتى همدوا وخمدوا‏.‏
‏{‏وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم‏}‏ أي‏:‏ على ديار قوم لوط ‏{‏مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ‏}‏ أي‏:‏ في هذه الأوقات، يكثر ترددكم إليها ومروركم بها، فلم تقبل الشك والمرية ‏{‏أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏}‏ الآيات والعبر، وتنزجرون عما يوجب الهلاك‏؟‏
منقول


أم أبي التراب 06-07-2017 01:49 PM

هلاك الأقوام


آية جامعة:
"فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " [العنكبوت: 40].

مقدمات الهلاك:
إبلاغ، إقناع، تحذير، عناد وتكذيب المهلكين، شكوى ودعاء الرسول، علم الرسول بحتمية النجاة والهلاك، العاقبة للمتقين.

هلاك قوم نوح:
وسيلة الهلاك: الغرق بالطوفان:
إبلاغ:
" وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ " [هود: 25].

" وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ " [المؤمنون: 23].

" إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ " [الشعراء: 106].

" وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ " [العنكبوت: 14].

" إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ" [الشعراء: 106].

إقناع:
" لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ " [الأعراف: 59].

" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ " [يونس: 71].

" إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [نوح: 1].

عناد وتكذيب المهلكين:
" قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ " [هود: 32].

" كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ " [الشعراء: 105].

" قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ " [الشعراء: 116].

" كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ " [ص: 12].

ï´؟ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ï´¾ [غافر: 5].

" مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ " [غافر: 31].

" كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ " [ق: 12].

" وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " [الذاريات: 46].

" وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى " [النجم: 52].

" كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ" [القمر: 9].

شكوى ودعاء الرسول:
" قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا " [نوح: 21].

" وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا " [نوح: 26].

علم الرسول بحتمية النجاة والهلاك:
" وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " [هود: 36].

" قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ" [هود: 48].

" وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ " [الأنبياء: 76].

" وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا" [الفرقان: 37].

" وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ " [الصافات: 75].

العاقبة للمتقين:
" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ"[يوسف: 109].

هلاك قوم لوط:
وسيلة الهلاك:
حاصب مرسل، مطر السوء، انقلاب الموضع، إمطار حجارة من سجيل، إمطار حجارة من سجيل منضود، حجارة من طين، الصيحة.

إقناع:
" وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ " [الأعراف: 80].

"وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ " [هود: 89].

" إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ " [الشعراء: 161].
" وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ " [النمل: 54].

" وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ " [العنكبوت: 28].

تحذير:
" إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ" [الشعراء: 161].

عناد وتكذيب:
" كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ " [الشعراء: 160].

" قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ " [الشعراء: 167].

" كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ " [القمر: 33].

شكوى ودعاء الرسول:
" وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ " [هود: 77].

" فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" [النمل: 56].


" وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ " [العنكبوت: 33].

علم الرسول بحتمية النجاة والهلاك:
" قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ " [هود: 81].

وسيلة الهلاك:
" إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ" [القمر: 34].

" وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ " [الأعراف: 84].

" فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ " [هود: 82].

" فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ " [الحجر: 74].

" وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا " [الفرقان: 40].

" وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِين" [الشعراء: 173].

" وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ " [النمل: 58].

" لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ" [الذاريات: 33].

" فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ " [الحجر: 73].

" وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ " [الحجر: 66].

العاقبة للمتقين:
" إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ" [الحجر: 59].

" وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ" [الأنبياء: 71].

" وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ " [الأنبياء: 74].

" قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ " [العنكبوت: 32].

" وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ "[الحجر: 66].

هلاك قوم هود:
وسيلة الهلاك: صاعقة، الريح العقيم، ريح صرصر عاتية، ريح صرصر في أيام نحسات، ريح صرصر في يوم نحس مستمر، ريح فيها عذاب أليم، الصيحة، القارعة.

إبلاغ:
" وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ"[الأعراف: 65].

" وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ" [هود: 50].

" إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ " [الشعراء: 124].

" وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ " [الأحقاف: 21].

" إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ " [الشعراء: 124].

إقناع:
" أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [الأعراف: 69].

" وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ " [هود: 89].

تحذير:
عناد وتكذيب:
" قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ " [هود: 53].

" وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ " [هود: 59].

" كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ " [الشعراء: 123].

" فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ" [فصلت: 15].

" كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ " [القمر: 18].

شكوى ودعاء الرسول:
علم الرسول بحتمية النجاة والهلاك:
وسيلة الهلاك:
" فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ " [فصلت: 13].

" وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ " [الذاريات: 41].

" كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ " [الحاقة: 4].
" وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ" [الحاقة: 6].

" فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ" [فصلت: 16].

" فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ " [الأحقاف: 24].

" إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ
" [القمر: 19].

"وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ " [الحاقة: 6].

"فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " [المؤمنون: 41].

العاقبة للمتقين والهلاك للظالمين:
" وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ " [هود: 58].

" وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ " [هود: 60].

" وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى " [النجم: 50].

" أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ " [الفجر: 6].

هلاك قوم ثمود:
وسيلة الهلاك:
صاعقة العذاب الهون، القارعة، الطاغية، الدمدمة والتسوية، الصيحة والرجفة والجثوم في الدار.

" وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِي " [هود: 67].

" فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ " [الأعراف: 78].

إبلاغ:
" وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " [الأعراف: 73].

" وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ" [هود: 61].

ï
" إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ " [الشعراء: 142].

"وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" [العنكبوت: 36].

إقناع:
" قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ " [الشعراء: 155].

تحذير:
"وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ" [الذاريات: 43].

" وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ " [هود: 64].

" فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا" [الشمس: 13].

عناد وتكذيب:
ï´؟ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ ï´¾ [هود: 68].

ï´؟ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ï´¾ [الإسراء: 59].

ï´؟ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ ï´¾ [الشعراء: 141].

ï´؟ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ï´¾ [النمل: 45].

ï´؟ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ ï´¾ [القمر: 23].

ï´؟ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ï´¾ [الشمس: 11].

ï´؟ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ï´¾ [الأعراف: 77].

ï´؟ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ï´¾ [الإسراء: 59].

ï´؟ فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ ï´¾ [الشعراء: 157].

ï´؟ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ ï´¾ [القمر: 29].

شكوى ودعاء الرسول:
علم الرسول بحتمية النجاة والهلاك:
ï´؟ إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ï´¾ [القمر: 27].

ï´؟ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ï´¾ [هود: 65].

وسيلة الهلاك:
ï´؟ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ï´¾ [فصلت: 13].

ï´؟ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ï´¾ [فصلت: 17].

ï´؟ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ï´¾ [الحاقة: 4].

" فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ "الحاقة: 5.

" فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا "الشمس: 14.

" وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ "هود: 67.
" فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ"الأعراف: 78.
العاقبة للمتقين والهلاك للظالمين:
" وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى "النجم: 51.

" فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا "الشمس: 14.

هلاك قوم شعيب:
أسباب الهلاك:
الرجفة، الجثوم في الديار، الرجفة والجثوم في الدار، الصيحة والجثوم في الديار، يوم الظلة.
إبلاغ:
" وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ "الأعراف: 85.

" إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ "الشعراء: 177.

إقناع وتحذير:
" وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ"هود: 84.
عناد وتكذيب:
" قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ"الأعراف: 88.

" وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ "الأعراف: 90.

" قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ "هود: 87.

" قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ"هود: 91.

شكوى ودعاء الرسول:
وسيلة الهلاك:
" فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ "الأعراف: 78.

" فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ "العنكبوت: 37.

" وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ "هود: 94.

" فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ"الشعراء: 189.

العاقبة للمتقين:
ï´؟ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ï´¾ [هود: 94].

ï´؟ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ ï´¾ [الأعراف: 92].

هلاك قوم فرعون:
إبلاغ.
إقناع.
تحذير.
عناد وتكذيب.
شكوى ودعاء الرسول.
علم الرسول بحتمية النجاة والهلاك.
وسيلة الهلاك.
العاقبة للمتقين.


رابط الموضوع: هنا

أم أبي التراب 06-07-2017 01:50 PM

«وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا *».الكهف 60

قال البخاري في صحيحه :
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ :حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ خَضِرٌ فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ شَأْنَهُ قَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ قَالَ لَا فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ فَجُعِلَ لَهُ الْحُوتُ آيَةً وَقِيلَ لَهُ إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ فَكَانَ يَتْبَعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ فَقَالَ مُوسَى ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا خَضِرًا فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ"
صحيح البخاري / كتاب أحاديث الأنبياء/بَاب حَدِيثِ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام/ حديث رقم : 3219هنا
قال البخاري في صحيحه :
حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [ ص: 57 ] إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ فَقَالَ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ فَقِيلَ لَهُ احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ* وَحَمَلَا حُوتًا فِي مِكْتَلٍ حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا وَنَامَا فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنْ الْمِكْتَلِ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنْ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ قَالَ مُوسَى ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ أَوْ قَالَ تَسَجَّى بِثَوْبِهِ فَسَلَّمَ مُوسَى فَقَالَ الْخَضِرُ وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ فَقَالَ أَنَا مُوسَى فَقَالَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ قَالَ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لَا أَعْلَمُهُ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا فَعُرِفَ الْخَضِرُ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ الْخَضِرُ يَا مُوسَى مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْرِ فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ فَقَالَ مُوسَى قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا فَكَانَتْ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا فَانْطَلَقَا فَإِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلَاهُ [ ص: 58 ] فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَقَالَ مُوسَى أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَهَذَا أَوْكَدُ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا"
صحيح البخاري / كتاب بدء الوحي/ بَاب مَا يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَيَكِلُ الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ/ حديث رقم : 122 / هنا

المُسَجًّى : المغطى
تَسَجَّى : تغطى
يَنْقَضَّ : يسقط
المِكْتَلٍ : القفة الكبيرة
نَوْلٍ : العطاء والأجر
*يُوشَعَ بْنِ نُونٍ* :
هو يوشع بن نون بن أفرانيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، وقد ذكره الله تعالى في القرآن بدون ذكر اسمه في قصة موسى والخضر، قال تعالى:وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ [الكهف:60].
وقد جاء تعيينه في صحيح البخاري من رواية أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يوشع بن نون. قال ابن كثير: وقد اتفق أهل الكتاب على نبوته عليه السلام.
وقد ذكر المؤرخون أن الله تعالى فتح على يديه بيت المقدس، وقد خصه الله بكرامة لم ينلها غيره، وهي حبس الشمس له، روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس.*
قال ابن كثير في البداية والنهاية: ولما استقرت يد بني إسرائيل على القدس استمروا فيه وبين أظهرهم نبي الله يوشع يحكم بينهم بكتاب الله التوراة حتى قبضه الله إليه وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة، فكان مدة حياته بعد موسى سبعا وعشرين سنة.
هنا
انظر هنا للمزيد
غزا نبي من الأنبياءِ فقال لقومهِ : لا يتبعنِي رجلٌ ملكَ بضعَ امرأةٍ ، وهو يريدُ أن يبني بِها ، ولمّا يبنِ . ولا آخرَ قد بنَى بُنيانا ، ولما يرفَع سقفها . ولا آخر قد اشترَى غنمًا أو خلفاتٍ ، وهو منتظرٌ ولادِها . قال : فغزَا . فأدنَى للقريةِ حينَ صلاةِ العصرِ . أو قريبا من ذلكَ . فقال للشمسِ : أنتِ مأمورةٌ وأنا مأمورٌ . اللهم ! احبسْها علىّ شيئا . فحبستْ عليهِ حتى فتحَ اللهُ عليهِ . قال : فجمعُوا ما غنمِوا . فأقبلتِ النارُ لتأكلهُ . فأبتْ أن تطعمهُ . فقال : فيكُم غلولٌ . فليبايعنِي من كل قبيلةٍ رجلٌ . فبايعوهُ . فلصقتْ يدُ رجلٍ بيدهِ . فقال : فيكُم الغلولُ . فلتبايعنِي قبيلتكَ . فبايعتهُ . قال : فلصقتْ بيدِ رجلينِ أو ثلاثةٍ . فقال : فيكُم الغلولُ . أنتُم غللتُم . قال : فأخرجوا له مثلَ رأسِ بقرةٍ من ذهبٍ . قال : فوضعُوهُ في المالِ وهو بالصعيدِ . فأقبلتِ النارُ فأكلتهُ . فلم تُحلّ الغنائمُ لأحدٍ من قبلنا . ذلكَ بأن اللهَ تباركَ وتعالى رأى ضعفَنا وعجزَنا ، فطَيّبها لنا الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1747
خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية

- أن الشمسَ لم تُحبَس لبشرٍ إلا ليوشعَ بنِ نونٍ لياليَ سار إلى بيتِ المقدسِ. الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: فتح الباري لابن حجر - الصفحة أو الرقم: 255/6 - خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

فكأن هذه القصة لقاء عظيم رائع ، بين قطب عظيم من أقطاب الشريعة ، وقطب عظيم آخر من أقطاب الحقيقة ، فنحن مع سيدنا موسى مع قطب من أقطاب الشريعة ، ونحن مع سيدنا الخضر قطب من أقطاب الحقيقة .
والشريعة والحقيقة التقتا ، ومن خلال هذا اللقاء العظيم تتضح بعض الحقائق المهمة التي نحن جميعاً في أمس الحاجة إليها ، ومن لقاء قطبي الشريعة بالحقيقة تتضح بعض أسرار القضاء والقدر ، ومنها نعرف معنى قوله تعالى" :
وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ "
(سورة البقرة : 216)
كأن ملخص هذه القصة تلك الآية" : وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ "
(سورة البقرة : 216)
يجب أن تضبط أفعال العباد بالشريعة ، لكن أفعال الله عز وجل تفسر بالحقيقة .
ويجب أن تكون أفعال العباد وفق الحلال ، والمباح ، والمندوب ، والأمر ، ويجب أن تبتعد عن المكروه ، والمحرم ، هناك شريعة دقيقة جداً ، فيها حكم كل شيء ، كل حركة ، وكل سكنة ، وكل تصرف ، وأية علاقة تضبطها الشريعة ، لكن أفعال الله عز وجل علم التصرفات الإلهية ، وسر القضاء والقدر ، فعلم الحقيقة يكشف لنا جانباً منه .
" وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً "
سأسير حقباً طويلة ، سنوات وسنوات ، إلى أن ألتقي بهذا العبد الصالح
انظروا أيها الإخوة ، كم هو ثمين هذا العلم في نظر هذا النبي العظيم ، أحدنا يصرف نفسه عن حضور مجالس العلم لسبب تافه جداً ، يقول : عندي موسم ، أو زارني ضيف ، فهو لسبب تافه يصرف نفسه عن حضور مجالس العلم التي هي مجالس الذكر .

"ما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ تعالى يتلونَ كتابَ اللَّهِ ويتدارسونَه بينَهم إلَّا نزلت عليهمُ السَّكينةُ وغشيتهمُ الرَّحمةُ وحفَّتهمُ الملائِكةُ وذَكرَهمُ اللَّهُ فيمن عندَه"
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1455-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية


- " ما اجتمع قومٌ ، ثم تفرَّقوا عن غيرِ ذكرِ اللهِ ، وصلاةٍ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه و سلَّمَ إلا قاموا عن أَنْتَنِ من جِيفةٍ"
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5506- خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية

هنا بتصرف

تفسير الشيخ العثيمين:
قوله تعالى: "وَإِذْ " مفعول لفعل محذوف والتقدير «اذكر إذ قال»، يعني واذكر إذ قال موسى لفتاه؛ أي: غلامه يوشع بن نون، وكان موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ابن عمران قام يخطب يوماً في بني إسرائيل فقام أحدهم وقال: هل على وجه الأرض أعلم منك؟ قال موسى: «لا»، وذلك بناء على ظنه أنه لا أحد أعلم منه، فعتب الله عليه في ذلك، لماذا لم يكل العلم إلى الله، فقال الله ـ عزّ وجل ـ إنَّ لي عبداً أعلم منك وإنَّه في مجمع البحرين، وذكر له علامة وهي أن تفقد الحوت، فاصطحب حوتاً معه في مِكْتَل[
المكتل: شبه الزِّنبيل الذي يحمل فيه التمر أو العنب، يسع خمسة عشر صاعاً (انظر مختار الصحاح، 328، ولسان العرب، ج11 كتل).] وسار هو وفتاه يوشع بن نون، جاء ذلك في البخاري[متفق عليه. البخاري: كتاب: العلم، باب: ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم أن يكل العلم إلى الله، (122). مسلم: كتاب الفضائل، باب: من فضائل الخضر عليه السلام، (2380)، (170).]، لينظر من هذا الذي هو أعلم منه ثم ليتعلم منه أيضاً، كان الحوت في المكتل، فلما استيقظا مع السرعة لم يفتشا في المكتل، وخرج الحوت بأمر الله من المكتل ودخل في البحر.
{ {لاَ أَبْرَحُ} } أي لا أزال، والخبر محذوف والتقدير «لا أزال أسير».
{ {مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} } قيل: إنه مكان الله أعلم به، لكن موسى يعلم، وقيل: إنه ملتقى البحر الأحمر مع البحر الأبيض، وكان فيما سبق بينهما أرض، حتى فتحت القناة وهذا ليس ببعيد، وسبب ذلك أن الله أوحى إليه أن عبداً في مجمع البحرين أعلم منك.
{ {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} }، أو هنا للتنويع، يعني إما أن أبلغ مجمع البحرين أو أمضي في السير حقباً أي: دهوراً طويلة، وقيل: { {أَوْ} } بمعنى «إلاَّ» أي حتى أبلغ مجمع البحرين إلاَّ أن { {أَمْضِيَ حُقُبًا} } أي: دهوراً طويلة قبل أن أبلغه، لكن الوجه الأول أسد، فتهيئَا لذلك وسارا، وسبب قوله هذا أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن عبداً لنا هو أعلم منك عند مجمع البحرين، فسار موسى إليه طلباً للعلم.


أم أبي التراب 06-07-2017 01:50 PM

{{فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا *}}.61
قوله تعالى: { {فَلَمَّا بَلَغَا} } أي: موسى وفتاه.
{ {مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} } أي: بين البحرين.
{ {نَسِيَا حُوتَهُمَا} } أضاف الفعل إليهما مع أن الناسي هو الفتى وليس موسى، ولكن القوم إذا كانوا في شأن واحد وفي عمل واحد، نسب فعل الواحد منهم أو القائل منهم إلى الجميع، ولهذا يخاطب الله ـ عزّ وجل ـ بني إسرائيل في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيقول: } [البقرة: 50: 55]هنا من آية 47-، مع أنهم ما قالوا هذا؛ لكن قاله أجدادهم.
{ {نَسِيَا حُوتَهُمَا} } نسيان ذهول وليس نسيان ترك*، وهذا من حكمة الله ـ عزّ وجل ـ، أن الله أنساهما ذلك لحكمة، وهذا الحوت قد جعله الله ـ سبحانه وتعالى ـ علامة لموسى، أنك متى فقدت الحوت فثَم الخضر، وهذا الحوت كان في مِكْتَل وكانا يقتاتان منه، ولما وصلا إلى مكان ما ناما فيه عند صخرة، فلما استيقظا وإذا الحوت ليس موجوداً، لكنه أي: الفتى لم يتفقد المكتل ونسي شأنه وأمره، هذا الحوت ـ سبحان الله ـ خرج من المكتل، ودخل في البحر وجعل يسير في البحر، والبحر ينحاز عنه.
{ {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} } أي اتخذ الحوت طريقه في البحر.
{ }{سَرَبًا} أي مثل السرب، والسرب هو السرداب يعني أنه يشق الماء ولا يتلاءم الماء، وهذا من آيات الله، وإلا فقد جرت العادة أن الحوت إذا انغمر في البحر يتلاءم البحر عليه، لكن هذا الحوت من آيات الله، أولاً: أنه قد مات، وأنهما يقتاتان منه، ثم صار حياً ودخل البحر ثانياً: أنه صار طريقه على هذا الوجه، وهذا من آيات الله تبارك وتعالى.

تفسير العثيمين
~ * * * ~
*نسيان ذهول وليس نسيان ترك*
نسيان ترك:
الترك عن علم وعمد
{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهََ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }التوبة67
قَوْلُهُ:"نَسُوا اللَّهَ" أي:"تَرَكُوا طَاعَةَ اللَّهِ".فَنَسِيَهُمْ ،أي فتركهم الله من توفيقه وهدايته ورحمته.
وتركه سبحانه للشىء صفة من صفاته الفعلية الواقعة بمشيئته التابعة لحكمته
فمعناه أنهم تركوا أمره حتى صار بمنزلة المنسي، فجازاهم بأن صيرهم بمنزلة المنسي من ثوابه ورحمته هنا
نسيان ذهول هو:
الذهول عن شىء معلوم
مثل قوله تعالى (....رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا...)البقرة286
(
رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا) بالعقاب (إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) تركنا الصواب لا عن عمد . تفسير الجلالين
ومثل قوله تعالى {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }طه115
(
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ) ووصيناه أن لا يأكل من الشجرة (مِن قَبْلُ) أي قبل أكله منها (فَنَسِيَ) ترك عهدنا (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) حزما وصبرا عما منعناه عنه
تفسير الجلالين
ومثاله
صلى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فزادَ أو نَقَصَ ( قال إبراهيمُ : والوهمُ مني ) فقيل : يا رسولَ اللهِ ، أزيدُ في الصلاةِ شيءٌ ؟ فقال : إنما أنا بَشَرٌ مثلُكم . أنسى كما تنسَوْن . فإذا نَسِىَ أحُدكم فليسجدْ سجدتين وهو جالسٌ ، ثم تحوَّلَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فسجَدَ سجدتين
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 572
- خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

وهذا المعنى من النسيان منتف عن الله عز وجل بالدليلين السمعى والعقلى
وهذا المعنى من النسيان منتف عن الله عز وجل بالدليلين السمعي والعقلي
فمن السمعي:
قوله تعالى {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى }طه52
قال موسى لفرعون: عِلْمُ تلك القرون فيما فَعَلَت من ذلك عند ربي في اللوح المحفوظ, ولا عِلْمَ لي به, لا يضل ربي في أفعاله وأحكامه, ولا ينسى شيئًا ممَّا علمه منها.
التفسير الميسر

ومثل قوله صلى الله عليه وسلم :" - يؤتى بالعبدِ يومَ القيامةِ فيقولُ اللَّهُ لَهُ ألَم أجعل لَكَ سمعًا وبصرًا ومالًا وولدًا وسخَّرتُ لَكَ الأنعامَ والحرثَ وترَكتُكَ ترأسُ وتربعُ فَكنتَ تظنُّ أنَّكَ ملاقي يومَكَ هذا فيقولُ لا فيقولُ لَهُ اليومَ أنساكَ كما نسيتَني"
الراوي: أبو سعيد الخدري و أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2428
خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية

وأما الدليل العقلي
فإن النسيان نقص والله تعالى منزه عن النقص موصوف بالكمال كما قال تعالى "وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }النحل60
وعلى هذا فلايجوز وصف الله بالنسيان بهذا المعنى على كل حال
مقتبس من كلام الشيخ العثيمين
هنا

* * *
تفسير العثيمين

أم أبي التراب 06-07-2017 01:51 PM

{{فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا *}}.62
قوله تعالى: { {فَلَمَّا جَاوَزَا} } الفاعل موسى وفتاه { {جَاوَزَا} } يعني تعديا ذلك المكان، قال موسى لفتاه: { {آتِنَا غَدَاءَنَا} } وكان ذلك؛ لأن الغداء هو الطعام الذي يؤكل في الغداة.
{ {لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} } أي تعباً.
وقوله: { {مِنْ سَفَرِنَا هَذَا} } ليس المراد من حين ابتداء السفر ولكن من حين ما فارقا الصخرة، ولذلك طلب الغداء، قال أهل العلم وهذا من آيات الله عزّ وجل فقد سارا قبل ذلك مسافة طويلة ولم يتعبا، ولما جاوزا المكان الذي فيه الخضر، تعبا سريعاً من أجل ألا يتماديا في البعد عن المكان.

تفسير العثيمين


~ * * * ~
{{قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا *}}.63
قوله تعالى: { {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا *} } أي: قال الفتى لموسى: { {أَرَأَيْتَ} } أي ما حصل حين لجأنا إلى الصخرة، والمراد بالاستفهام التعجب أو تعجيب موسى.
{ {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} } يعني نسيت أن أتفقده أو أسعى في شأنه أو أذكره لك، وإلا فالحوت معروف كان في المكتل.
{ {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} } قوله: { {أَنْ أَذْكُرَهُ} } هذه بدل من الهاء في «أنسانيه»، يعني ما أنساني ذكره إلا الشيطان.
{ {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} }، أي اتخذ الفتى أو موسى سبيل الحوت في البحر.
{ {عَجَبًا} } يعني محل عجب، وهو محل عجب، ماء سيال يمر به هذا الحوت، ويكون طريقه سرباً، فكان هذا الطريق للحوت سرباً، ولموسى وفتاه عجباً، ولنا أيضاً عجب؛ لأن الماء عادة يتلاءم على ما يمر به لكن هذا الحوت ـ بإذن الله ـ لم يتلاءم الماء عليه.
* * *
"قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا *".64
قوله تعالى: { {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} } أي قال موسى عليه الصلاة والسلام: { {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} } أي: ما كنا نطلب؛ لأن الله أخبره بأنه إذا فقد الحوت، فذاك محل اتفاقه مع الخضر.
{ {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} } يعني رجعا بعد أن أخذا مسافة تعبا فيها، ارتدا على آثارهما، يعني يقصان أثرهما؛ لئلا يضيع عنهما المحل الذي كانا قد أويا إليه.
* * *
{{فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا *}}.65
قوله تعالى: { {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا} } وهو الخضر كما صحَّ ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم[(39)].
وقوله: { {عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا} } هل هو عبدٌ من عباد الله الصالحين أو من الأولياء الذين لهم كرامات أم من الأنبياء الموحى إليهم؟ كل ذلك ممكن، لكن النصوص تدل على أنه ليس برسول ولا نبي، إنما هو عبد صالح أعطاه الله تعالى كرامات؛ ليبين الله بذلك أن موسى لا يحيط بكل شيء علماً وأنه يفوته من العلم شيء كثير.
{ {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} } أي: أن الله جلَّ وعلا جعله من أوليائه برحمته إياه.
{ {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} } يعني علماً لا يطَّلِع عليه الناس، وهو علم الغيب في هذه القصة المعينة وليس علم نبوة ولكنه علم خاص؛ لأن هذا العلم الذي اطَّلع عليه الخضر لا يمكن إدراكه وليس شيئاً مبنياً على المحسوس، فيبنى المستقبل على الحاضر، بل شيء من الغائب، فأطلعه الله تعالى على معلومات لا يطَّلع عليها البشر.
* * *
تفسير العثيمين

أم أبي التراب 06-07-2017 01:54 PM

{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا *}}.66قوله تعالى: { {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ} } أي قال موسى للخضر: هل أتبعك، وهذا عرض لطيف وتواضع، وتأمّل هذا الأدب من موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ مع أن موسى أفضل منه وكان عند الله وجيهاً، ومع ذلك يتلطف معه لأنه سوف يأخذ منه علماً لا يعلمه موسى، وفي هذا دليل أنَّ على طالب العلم أن يتلطف مع شيخه ومع أُستاذه وأن يُعامله بالإكرام، ثم بين موسى أنه لا يريد أن يَتَّبِعَه ليأكل من أكله أو يشرب من شربه، ولكن { {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} } ولا شك أن الخضر سيفرح بمن يأخذ عنه العلم، وكل إنسان أعطاه الله علماً ينبغي أن يفرح أن يؤخذ منه هذا العلم، لأن العلم الذي يُؤخذ من الإنسان في حياته ينتفع به بعد وفاته كما جاء في الحديث الصحيح: «إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ صَدَقَةٍ جَارِية أوَ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» [(40)].
فقال له الخضر:
{{قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا *}}.67
{ {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} } وبيّن له عذره في قوله هذا، فقال: { {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا *} }، وأين الدليل للخضر أن موسى لم يحط بذلك خُبرا؟
الجواب: لأنه قال: { {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} } وهذا يدل على أنه لا علم له فيما عند الخضر.
فماذا قال موسى عليه السلام؟
{{قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا *} }.
{ {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}} هذا الذي قاله موسى عليه السلام قاله فيما يعتقده في نفسه في تلك الساعة من أنه سيصبر، لكنه علَّقه بمشيئة الله لئلاَّ يكون ذلك اعتزازاً بنفسه وإعجاباً بها.
وقوله: { {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ} } هو كقول إسماعيل بن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما قال له أبوه: {{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}} [الصافات: 102] ، وموسى قال للخضر: { {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} }، وأيضاً أصبر على ما تفعل وأمتثل ما به تأمر { {وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} }، وعده بشيئين:
1 ـ الصبر على ما يفعل.
2 ـ الائتمار بما يأمر، والانتهاء عما ينهى.
قال الخضر:
{{قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا *}}.
قوله تعالى: { {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي} } ومعلوم أنه سيتبعه.
{ {فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ} } أي عن شيء مما أفعله.
{ {حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} } { {حَتَّى} } هنا للغاية، يعني إلى أن { {أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} } أي: إلى أن أذكر لك السبب، وهذا توجيه من معلم لمن يتعلم منه، ألاَّ يتعجل في الرد على معلمه، بل ينتظر حتى يحدث له بذلك ذكراً، وهذا من آداب المتعلم ألاَّ يتعجل في الرد حتى يتبين الأمر.
* * *

تفسير العثيمين
فلا تحزن لأني قُلت: لن تستطيع معي صبراً؛ لأن التصرفات التي ستعترض عليها ليس لك خُبر بها، وكيف تصبر على شيء لا عِلْمَ لك به؟ ونلحظ في هذا الحوار بين موسى والخضر عليهما السلام أدبَ الحوار واختلافَ الرأي بين طريقتين: طريقة الأحكام الظاهرية، وطريقة ما خلف الأحكام الظاهرية، وأن كلاً منهما يقبَل رأْيَ الآخر ويحترمه ولا يعترض عليه أو يُنكره، كما نرى أصحاب المذاهب المختلفة ينكر بعضهم على بعض، بل ويُكفِّر بعضهم بعضاً، فإذا رأَوْا مثلاً عبداً مَنْ عباد الله اختاره الله بشيء من الفيوضات، فكانت له طريقة وأتباع نرى من ينكر عليه، وربما وصل الأمر إلى الشتائم والتجريح، بل والتكفير. لقد تجلى في قول الخضر: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} [الكهف: 68] مظهر من مظاهر أدب المعلّم مع المتعلِّم، حيث احترم رأيه، والتمس له العُذْر إن اعترض عليه، فلكُلٍّ منهما مذهبه الخاص، ولا يحتج بمذهب على مذهب آخَر. فماذا قال المتعلم بعد أن استمع إلى هذه الشروط؟ {قَالَ ستجدني إِن شَآءَ الله. .} .
هنا

أم أبي التراب 06-07-2017 01:55 PM

{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا *}الكهف 68. قوله تعالى: { {فَانْطَلَقَا} } الفاعل موسى والْخَضِرُ، وسكت عن الفتى، فهل الفتى تأخر عن الركوب في السفينة، أم أنه ركب ولكن لما كان تابعاً لم يكن له ذكر؟
الجواب: الذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنه كان تابعاً، لكن لم يكن له تعلق بالمسألة، والأصل هو موسى طوي ذكره، وهو أيضاً تابع.
{حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ} مرَّت سفينة، وهما يمشيان على شاطئ البحر، فركبا فيها.
{خَرَقَهَا} أي: الْخَضِر بقلع إحدى خشبها الذي يدخل منه الماء، فقال له موسى:{أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} وهذا إنكار من موسى علىالْخَضِر مع أنه قال له: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} لكنه لم يصبر؛ لأن هذه مشكلتها عظيمة، سفينة في البحر يخرقها فتغرق! واللام في قوله: {لِتُغْرِقَ} ليست للتعليل ولكنها للعاقبة، يعني أنك إذا خرقتها غرق أهلها، وإلاَّ لا شك أن موسى عليه السلام لا يدري ما غرض الخضر، ولا شك أيضاً أنه يدري أنه لا يريد أن يغرق أهلها، لأنه لو أراد أن يغرق أهلها لكان أول من يغرق هو وموسى، لكن اللام هنا للعاقبة ولام العاقبة ترِد في غيرِ موضعٍ في القرآن، مثل قول الله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} [القصص: 8] .
لو سألنا أي إنسان: هل آل فرعون التقطوه ليكون لهم عدواً وحزناً؟
الجواب: أبداً، ولكن هذه للعاقبة.
{لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} يعني شيئاً عظيماً، يعني كان موسى شديداً قوياً في ذات الله، فهو أنكر عليه، وبين أن فعله ستكون عاقبته الإغراق، وزاده توبيخاً في قوله: { {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} }، والجملة هنا مؤكدة بثلاثة مؤكدات:
1 ـ اللام.
2 ـ قد.
3 ـ القسم المقدر الذي تدل عليه اللام، والإمر بكسر الهمزة الشيء العظيم، ومنه قول أبي سفيان لهرقل لما سأله عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبين له حاله وصفاته وما كان من أخلاقه، فلما انصرف مع قومه، قال أبو سفيان: «لقد أمِرَ أمرُ ابن أبي كَبْشَة إنه ليخافه مَلِكُ بني الأصفر» [(41)]، يعني بابن أبي كبشة الرسول صلّى الله عليه وسلّم. و: «أمِرَ أمرُه» يعني عَظُم أمره.
تفسير العثيمين
* * *
{فانطلقا} سارا معاً، حتى ركبا سفينة، وكانت مُعَدَّة لنقل الركاب، فما كان من الْخَضِر إلا أنْ بادر إلى خَرْقها وإتلافها، عندها لم يُطِق موسى هذا الأمر، وكبُرت هذه المسألة في نفسه فلم يصبر عليها فقال: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} [الكهف: 71] أي: أمراً عجيباً أو فظيعاً. ونسى موسى ما أخذه على نفسه من طاعة العبد الصالح وعدم عصيانه والصبر على ما يرى من تصرفاته.كأن الحقَّ تبارك وتعالى يريد أن يُعلِّمنا أن الكلام النظري شيء، والعمل الواقعي شيء آخر، فقد تسمع من أحدهم القول الجميل الذي يعجبك، فإذا ما جاء وقت العمل والتنفيذ لا تجد شيئاً؛ لأن الكلام قد يُقَال في أول الأمر بعبارة الأريحية، كمن يقول لك: أنا رَهْن أمرك ورقبتي لك، فإذا ما أحوجك الواقع إليه كنت كالقابض على الماء لا تجد منه شيئاً. ونلحظ هنا أن موسى عليه السلام لم يكتف بالاستفهام: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا. .} [الكهف: 71] بل تعدَّى إلى اتهامه بأنه أتى أمراً منكراً فظيعاً؛ لأن كلام موسى النظري شيء ورؤيته لخرق السفينة وإتلافها دون مبرر شيء آخر؛ لأن موسى استحضر بالحكم الشرعي إتلاف مال الغير، فضلاً عن إغراق ركاب السفينة، فرأى الأمر ضخماً والضرر كبيراً، هذا لأن موسى يأخذ من كيس والخضر يأخذ من كيس آخر.
هنا
{{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *}}.الكهف 69
فاعتذر موسى:
{{قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا *}}.
وسبب نسيان موسى؛ أن الأمر عظيم اندهش له: أن تغرق السفينة وهم على ظهرها، وهذه توجب أن الإنسان ينسى ما سبق من شدة وقع ذلك في النفس.
وقوله: { {بِمَا نَسِيتُ} } أي بنسياني، ولهذا نقول في إعراب «ما» إنها مصدرية، أي: بنسياني ذلك وهو قولي: { {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} }.
{ {وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} } يعني لا تثقل علي وتعسر علي الأمور؛ وكأن هذا والله أعلم توطئة لما يأتي بعده.
* * *
{{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا *}}.الكهف 70
قوله تعالى: { {فَانْطَلَقَا} } بعد أن أرست السفينة على الميناء. { {حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ} } ولم يقل «قتله»، وفي السفينة قال: { {خَرَقَهَا} } ولم يقل: «فخرقها»، يعني كأن شيئاً حصل قبل القتل فقتله .
{ {غُلاَمًا} } الغلام هو الصغير، ولم يصبر موسى عليه السلام. { {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} } وفي قراءة «زاكية» لأنه غلام صغير، والغلام الصغير تكتب له الحسنات، ولا تكتب عليه السيئات، إذاً فهو زكي لأنه صغير ولا تكتب عليه السيئات.
{ {بِغَيْرِ نَفْسٍ} } يعني أنه لم يقتل أحداً حتى تقتله، ولكن لو أنه قتل هل يُقتل أو لا؟
الجواب: في شريعتنا لا يقتل لأنه غير مُكلَّف ولا عَمْد له، على أنه يحتمل أن يكون هذا الغلام بالغاً وسمي بالغلام لقرب بلوغه وحينئذٍ يزول الإشكال.
{ {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} } هذه العبارة أشد من العبارة الأولى. في الأولى قال: { {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} }، ولكن هنا قال: { {نُكْرًا} } أي منكراً عظيماً، والفرق بين هذا وهذا، أن خرق السفينة قد يكون به الغرق وقد لا يكون وهذا هو الذي حصل، لم تغرق السفينة، أما قتل النفس فهو منكر حادث ما فيه احتمال.
فقال الخضر:
{{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *}}.
قوله تعالى: { {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} } هنا فيها لوم أشد على موسى، في الأولى قال: {{أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ} } وفي الثانية قال: { {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} } يعني كأنك لم تفهم ولن تفهم، ولذلك كان الناس يفرقون بين الجملتين، فلو أنك كلمت شخصاً بشيء وخالفك فتقول في الأول: «ألم أقل إنك»، وفي الثاني تقول: «ألم أقل لك» يعني أن الخطاب ورد عليك وروداً لا خفاء فيه، ومع ذلك خالفت، فكان قول الخضر لموسى في الثانية أشد: { {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} }، فقال له موسى لما رأى أنه لا عذر له:
{{إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}}.
قوله تعالى: { {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي} } أي امنعني من صحبتك، وفي قول موسى: { {فَلاَ تُصَاحِبْنِي} } إشارة إلى أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ يرى أنه أعلى منه منْزِلة وإلاَّ لقال: «إن سألتك عن شيء بعدها فلا أصاحبك».
{ {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}} يعني أنك وصلت إلى حال تعذر فيها، لأنه أنكر عليه مرتين مع أن موسى عليه السلام التزم ألاَّ يسأله عن شيء حتى يحدث له منه ذكراً.
* * *

تفسير العثيمين

أم أبي التراب 06-07-2017 01:55 PM

مجلس رقم 59

{{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا *}}.الكهف 77
قوله تعالى: { {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} } ولم يعين الله عزّ وجل القرية فلا حاجة إلى أن نبحث عن هذه القرية، بل نقول: قرية أبهمها الله فنبهمها.
{ {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} } أي: طلبا من أهلها طعاماً.
{ {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} } ولا شك أن هذا خلاف الكرم، وهو نقص في الإيمان؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ»
تفسير العثيمين

- من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ ، ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يُؤذِ جارَه ، ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليُكرِمْ ضيفَه
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6475- خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الدرر السنية


استطعم: أي طلب الطعام، وطلَبُ الطعام هو أصدق أنواع السؤال، فلا يسأل الطعام إلا جائع محتاج، فلو سأل مالاً لقلنا: إنه يدخره، إنما الطعام لا يعترض عليه أحد، ومنْعُ الطعام عن سائله دليل بُخْل ولُؤْم متأصل في الطباع، وهذا ما حدث من أهل هذه القرية التي مَرّا بها وطلبَا الطعام فمنعوهما.
والمتأمل في الآية يجد أن أسلوب القرآن يُصوّر مدى بُخْل هؤلاء القوم ولُؤْمهم وسُوء طباعهم، فلم يقُلْ مثلاً: فأبوا أن يطعموهما،بل قال: { فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا..} [ الكهف: 77] وفرْق بين الإطعام والضيافة، أَبَوْا الإطعام يعني منعوهما الطعام، لكن أَبَوْا أن يُضيّفوهما، يعني كل ما يمكن أنْ يُقدَّم للضيف حتى مجرد الإيواء والاستقبال، وهذا مُنْتَهى ما يمكن تصوُّره من لُؤمْ هؤلاء الناس
هنا

{ {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} } أي: أنه مائل يريد أن يسقط،
تفسير العثيمين

لا مانع أنْ يكون للجدار إرادة على أساس أن لكل شيء في الكون حياةً تناسبه، ولله تعالى أن يخاطبه ويكون بينهما كلام.
ألم يقل الحق سبحانه: { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض..} [ الدخان: 29]
فإذا كانت السماء تبكي فقد تعدَّتْ مجرد الكلام، وأصبح لها أحاسيس ومشاعر، ولديها عواطف قد تسمو على عواطف البشر، فقوله:
{ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض..} [ الدخان: 29]
دليل على أنها تبكي على فَقْد الصالحين.

وهذا دليل انسجام العبد المؤمن مع الكَوْن من حوله، فالكون ساجد لله مُسبِّح لله طائع لله يحب الطائعين وينُبو بالعاصين ويكرههم ويلعنهم؛ لذلك العرب تقول: (نَبَا به المكان) أي: كرهه لأنه غير منسجم معه، فالمكان طائع وهو عاصٍ، والمكان مُسبِّح وهو غافل.
وعلى هذا الفهم فقوله تعالى
: { يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ..} [ الكهف: 77] قول على حقيقته.
إذن: فهذه المخلوقات لها إحساس ولها بكاء، وتحزن لفقد الأحبة، وفي الحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليَّ قبل أن أُبعث» .
ورُوِي في السيرة حنين الجذع إلى رسول الله، وتسبيح الحصى في يده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ.

- إنِّي لأعرفُ حجرًا بمكَّةَ كان يسلِّمُ عليَّ قبل أنْ أُبعثَ . إنِّي لأعرفهُ الآن الراوي: جابر بن سمرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2277
خلاصة حكم المحدث:
صحيح
الدرر السنية

- أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ خطبَ إلى لزقِ جذعٍ واتَّخذوا لَهُ منبرًا ، فخطبَ علَيهِ فحنَّ الجذعُ حَنينَ النَّاقةِ ، فنزلَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فمَسَّهُ فسَكَتَ الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3627-خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية

- إني انطلقتُ التمسُ رسولَ اللهِ في بَعضِ حوائطِ المدينةِ فإذا رسولُ اللهِ قاعدٌ فأقبل إليه أبو ذَرٍّ حتى سلم على النبيِّ قال أبو ذَرٍّ : وحَصَياتٌ موضوعةٌ بين يديه فأخذهن في يدِهِ فسَبَّحْنَ في يدِهِ ثم أخذهن فوضعهن على الأرضِ فَخَرَسْنَ ثم أخذهن فوضعهن في يدِ عُمَرَ فسَبَّحْنَ في يدِهِ ثم أخذهن فوضعهن في يَدِ عثمانَ فسَبَّحْنَ ثم أخذهن فوضعهن في الأرضِ فَخَرَسْنَ الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: الألباني - المصدر: تخريج كتاب السنة - الصفحة أو الرقم: 1146-خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية




هنا
" إسناد الإرادة ههنا إلى الجدار على سبيل الاستعارة فإن الإرادة في المحدثات بمعنى الميل والانقضاض هو السقوط"
ابن كثير
- فإن قيل: هل للجدار إرادة؟

فالجواب: نعم له إرادة، فإن ميله يدل على إرادة السقوط، ولا تتعجب إن كان للجماد إرادة فها هو «أُحُد» قال عنه النبي صلّى الله عليه وسلّم إنه: «يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»
- خرَجتُ معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى خَيبَرَ أخدِمُه ، فلما قدِم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم راجعًا وبَدا له أُحُدٌ ، قال : ( هذا جبلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه ) . ثم أشار بيدِه إلى المدينةِ ، قال : ( اللهمَّ إني أُحَرِّمُ ما بين لابتَيها ، كتحريمِ إبراهيمَ مكةَ ، اللهمَّ بارِكْ لنا في صاعِنا ومُدِّنا ) . الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2889- خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الدرر السنية


والمحبة وصف زائد على الإرادة، أما قول بعض الناس الذين يجيزون المجاز في القرآن: إنَّ هذا كناية وأنه ليس للجماد إرادة فلا وجه له.
{ {فَأَقَامَهُ} } أي أقامه الْخَضِرُ، لكن كيف أقامه؟ الله أعلم، قد يكون أقامه بيده، وأن الله أعطاه قوة فاستقام الجدار، وقد يكون بناه البناء المعتاد، المهم أنه أقامه، ولم يبين الله تعالى طول الجدار ولا مسافته ولا نوعه فلا حاجة أن نتكلف معرفة ذلك.
{ {قَالَ} } أي: موسى: { {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} } ولم ينكر عليه أن يبنيه ولا قال: كيف تبنيه وقد أبوا أن يضيفونا؟! بل قال: { {لَوْ شِئْتَ} } وهذا لا شك أنه أسلوب رقيق فيه عرض لطيف { {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} } أي عِوَضاً عن بنائه.
* * *
{{قَالَ هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا *}}.
قوله تعالى: { {قَالَ} } أي قال الْخَضِرُ لموسى: { {هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} } أي انتهى ما بيني وبينك فلا صحبة. { {سَأُنَبِّئُكَ} } أي سأخبرك عن قُربٍ قبل المفارقة { {بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} }، وإنما قلنا: «سأخبرك عن قرب» لأن السين تدل على القرب بخلاف سوف، وهي أيضاً تفيد مع القرب التحقيق.
{ {بِتَأْوِيلِ} } أي بتفسيره وبيان وجهه.
* * *

تفسير العثيمين

أم أبي التراب 06-07-2017 01:56 PM

مجلس رقم 60

"أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا" *
الكهف 78.
قوله: " لِمَسَاكِينَ" اللام هنا للملكية، يعني مملوكة لهم، وقد حسمتْ هذه الآيةُ الخلافَ بين العلماء حول تعريف الفقير والمسكين، وأيهما أشدّ حاجة من الآخر، وعليها فالمسكين: هو مَنْ يملك شيئا لا يكفيه، كهؤلاء الذين كانوا يملكون سفينة تعمل في البحر، وسماهم القرآن مساكين، أما الفقير: فهو مَنْ لا يملك شيئاً.
وقوله: " فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا.." [ الكهف: 79] المتكلم هنا هو الخِضْر عليه السلام فنسب إرادة عَيْب السفينة إلى نفسه، ولم ينسبها إلى الله تعالى تنزيهاً له تعالى عَمَّا لا يليق، أما في الخير فنسب الأمر إلى الله فقال: " فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا.."الكهف: 82لذلك فإنه في نهاية القصة يُرجع كل ما فعله إلى الله فيقول: " وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي.." الكهف: 82

*وكلمة " وَرَآءَهُم" هنا بمعنى أمامهم؛ لأن هذا الظالم كان يترصَّد للسفن التي تمر عليه، فما وجدها صالحة غصبها، فهو في الحقيقة أمامهم، على حَدِّ قوله تعالى: " مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ ويسقى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ" إبراهيم: 16 وهل جهنم وراءه أم أمامه؟
وتستعمل وراء بمعنى: بَعْد، كما في قوله
تعالى: " فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ" هود: 71
وتأتي وراء بمعنى: غير.
كما في قوله تعالى في صفات المؤمنين
: " والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابتغى وَرَآءَ ذلك فأولئك هُمُ العادون" المؤمنون: 5 - 7
وفي قوله تعالى: " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ.." النساء: 23إلى.." وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذلكم.." النساء: 24
وقد تستعمل وراء بمعنى خلف، كما في قوله تعالى: " وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ.." آل عمران: 187
إذن: كلمة "وَرَاءَ" جاءتْ في القرآن على أربعة معَانٍ: أمام، خلف، بعد، غير.
وهذا مما يُميِّز العربية عن غيرها من اللغات، والملَكة العربية قادرة على أن تُميّز المعنى المناسب للسياق، فكلمة العَيْن مثلاً تأتي بمعنى العين الباصرة.
أو: عين الماء، أو: بمعنى الذهب والفضة، وبمعنى الجاسوس.
والسياق هو الذي يُحدد المعنى المراد.
هنا


**قوله تعالى: «أَمَّا السَّفِينَةُ» «ال» في السفينة هي للعهد الذكري أي: السفينة التي خرقتها.
«فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ» أي: أنهم يطلبون الرزق فيها إما بتأجيرها، أو صيد السمك عليها، ونحوه وهم مساكين جمع، والجمع أقله ثلاثة، وليس ضرورياً أن نعرف عددهم.
«فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا» يعني أن أجعل فيها عيباً، لماذا؟ قال:
«وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا» فأردت أن أعيبها حتى إذا مرت بهذا الملك، قال: هذه سفينة معيبة لا حاجة لي فيها؛ لأنه لا يأخذ إلا السفن الصالحة الجيدة، أما هذه فلا حاجة له فيها، فصار فعل الخضر من باب دفع أشد الضررين بأخفهما، ومنه يؤخذ فائدة عظيمة وهي إتلاف بعض الشيء لإصلاح باقيه، والأطباء يعملون به، تجده يأخذ من الفخذ قطعة فيصلح بها عيباً في الوجه، أو في الرأس، أو ما شابه ذلك، وأخذ منه العلماء ـ رحمهم الله ـ أن الوقف إذا دَمَر وخرب فلا بأس أن يباع بعضه ويصرف ثمنه في إصلاح باقيه، ثم بين الخضر حال الغلام فقال:
«وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤُمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْرًا *».
قوله تعالى: «أَبَوَاهُ» أي: أبوه وأمه «مُؤُمِنَيْنِ» أي: وهو كافر.
«فَخَشِينَا» أي خفنا، والخشية في الأصل خوف مع علم، وأتي بضمير الجمع للتعظيم.
«أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْرًا» يعني يحملهما على الطغيان والكفر، إما من محبتهما إياه، أو لغير ذلك من الأسباب، وإلا فإن الغالب أن الوالد يؤثِّر على ولده ولكن قد يؤثر الولد على الوالد كما أن الغالب أن الزوج يؤثر على زوجته، ولكن قد تؤثر الزوجة على زوجها.
* * *
«فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا *».
قوله تعالى: يعني أنَّا إذا قتلناه؛ فإن الله خير وأبقى؛ نؤمل منه تعالى «أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً» أي في الدين، «وَأَقْرَبَ رُحْمًا» أي في الصلة، يعني أنه أراد أن الله يتفضل عليهما بمن هو أزكى منه في الدين، وأوصل في صلة الرحم، ويؤخذ من ذلك أنه يقتل الكافر خوفاً من أن ينشر كفره في الناس.
* * *

تفسير العثيمين
"الغلامُ الذي قَتَلَهُ الخَضِرُ طُبِعَ يَومَ طُبِعَ كافِرًا ، و لو عاشَ لَأَرْهَقَ أبَويْهِ طُغيانًا و كَفَرَا"
الراوي: أبي بن كعب المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4183
خلاصة حكم المحدث:
صحيح
الدرر السنية

لا يقضي الله لمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له "وقال تعالى " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ "البقرة216".
- عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ إِنَّ اللهَ تَعالَى لمْ يَقْضِ لهُ قَضَاءً إلَّا كان خيرًا لهُ
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 3985- خلاصة حكم المحدث:
صحيح
الدرر السنية

الغلام: الولد الذي لم يبلغ الحُلُم وسِنّ التكليف، وما دام لم يُكلَّف فما يزال في سِنِّ الطهارة والبراءة من المعاصي؛ لذلك لما اعترض موسى على قتله قال: { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً..» الكهف: 74 أي: طاهرة، ولا شكَّ أن أخْذ الغلام في هذه السِّنِّ خَيْر له ومصلحة قبل أنْ تلوّثه المعاصي، ويدخل دائرة الحساب.
إذن: فطهارته هي التي دعتْنَا إلى التعجيل بأخذه.
هذا عن الغلام، فماذا عن أبيه وأمه؟ يقول تعالى
: " فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ.." الكهف: 80وكثيراً ما يكون الأولاد فتنة للآباء، كما قال تعالى: " ياأيها الذين آمنوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فاحذروهم" التغابن: 14] والفتنة بالأولاد تأتي من حِرْص الآباء عليهم، والسعي إلى جعلهم في أحسن حال، وربما كانت الإمكانات غير كافية، فيُضطر الأب إلى الحرام من أجل أولاده.
وقد عَلِم الحق سبحانه وتعالى أن هذا الغلام سيكون فتنة لأبويه، وهما مؤمنان ولم يُرِد الله تعالى لهما الفتنة، وقضى أن يقبضهما إليه على حال الإيمان.
وكأن قضاء الله جاء خيراً للغلام وخيراً للوالدين، وجميلاً أُسْدِي إلى كليْهما، وحكمة بالغة تستتر وراء الحدَث الظاهر الذي اعترض عليه موسى عليه السلام.
هنا

أم أبي التراب 06-07-2017 01:56 PM


مجلس 61
"وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا *".الكهف 82
قوله تعالى: "لِغُلاَمَيْنِ" يعني صغيرين.
"يَتِيمَيْنِ" قد مات أبوهما.
"فِي الْمَدِينَةِ" أي: القرية التي أتياها.
"وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا" أي: كان تحت الجدار مال مدفون لهما.
"وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا" فكان من شكر الله ـ عزّ وجل ـ لهذا الأب الصالح أن يكون رؤوفاً بأبنائه، وهذا من بركة الصلاح في الآباء أن يحفظ الله الأبناء.1
"فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا" أي: أراد الله عزّ وجل "أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا" أي: أن يبلغا ويكبرا حتى يصلا إلى سن الرشد، وهو أربعون سنة عند كثير من العلماء، وهنا ما قال «فأردنا» ولا قال «فأردت»، بل قال: «فَأَرَادَ رَبُّكَ»؛ لأن بقاء الغلامين حتى يبلغا أشدهما ليس للخضر فيه أي قدرة، لكن الخشية ـ خشية أن يرهق الغلام أبويه بالكفر ـ تقع من الخضر وكذلك إرادة عيب السفينة.
«وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا» حتى لا يبقى تحت الجدار، ولو أن الجدار انهدم لظهر الكنْز وأخذه الناس.
«رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ» هذه مفعول لأجله، والعامل فيه أراد، يعني أراد الله ذلك رحمة منه جلَّ وعلا.
«وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي» يعني ما فعلت هذا الشيء عن عقل مني أو ذكاء مني ولكنه بإلهام من الله ـ عزّ وجل ـ وتوفيق؛ لأن هذا الشيء فوق ما يدركه العقل البشري.
«ذَلِكَ تَأْوِيلُ» أي ذلك تفسيره الذي وعدتك به «سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ» الكهف: 78 . أي: تفسيره، ويحتمل أن يكون التأويل هنا في الثاني العاقبة، يعني ذلك عاقبة ما لم تستطع عليه صبراً؛ لأن التأويل يراد به العاقبة ويراد به التفسير.
«مَا لَمْ تَسْطِعْ» وفي الأول قال: «مَا لَمْ تَسْتَطِعْ» لأن «استطاع واسطاع ويستطيع ويسطيع» كل منها لغة عربية صحيحة.
وقد ذكر شيخنا عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره "تيسير الكريم الرحمن" فوائد جمة عظيمة في هذه القصة لا تجدها في كتاب آخر فينبغي لطالب العلم أن يراجعها لأنها مفيدة جداً.
وبهذا انتهت قصة موسى مع الخضر.
تفسير العثيمين

لا يقضي الله لمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له "وقال تعالى " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ "البقرة216".
- عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ إِنَّ اللهَ تَعالَى لمْ يَقْضِ لهُ قَضَاءً إلَّا كان خيرًا لهُ
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 3985- خلاصة حكم المحدث:
صحيح
الدرر السنية

*تعلق بعض الجهال بما جرى لموسى مع الخضر عليهما السلام على أن الخضر أفضل من موسى وطرَّدوا الحكم ، وقالوا : قد يكون بعض الأولياء أفضل من آحاد الأنبياء .
*
هنا

1"وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً "النساء 9
ولْيَخَفِ الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغارًا ضعافًا خافوا عليهم الظلم والضياع, فليراقبوا الله فيمن تحت أيديهم من اليتامى وغيرهم, وذلك بحفظ أموالهم, وحسن تربيتهم, ودَفْع الأذى عنهم, وليقولوا لهم قولا موافقا للعدل والمعروف.
التفسير الميسر

"لِغُلاَمَيْنِ" أي: لم يبلغا سِنَّ الرشْد، وفوق ذلك هما يتيمان.
وكان تحت هذا الجدار المائل كَنْز لهذين الغلامين الغير قادرين على تدبير شأنهما، ولك أنْ تتصوّر ما يحدث لو تهدَّم الجدار، وانكشف هذا الكنز، ولمع ذهبه أمام عيون هؤلاء القوم الذين عرفت صفاتهم، وقد منعوهما الطعام بل ومجرد المأْوى، إنَّ أقل ما يُوصفون به أنهم لِئَام لا يُؤتمنون على شيء.
ولقد تعوَّدنا أن نعبر عن شدة الضياع بقولنا: ضياع الأيتام على موائد اللئام.
إذن: فلا شَكَّ أن ما قام به العبد الصالح من بناء الجدار وإقامته أو ترميمه يُعَدُ بمثابة صَفْعة لهؤلاء اللئام تناسب ما قابلوهم به من تنكُّر وسوء استقبال، وترد لهم الصَّاع صاعين حين حرمهم الخضر من هذا الكنز.
فعلَّة إصلاح الجدار ما كان تحته من مال يجب أنْ يحفظ لحين أنْ يكبُرَ هذان الغلامان ويتمكنا من حفظه وحمايته في قرية من اللئام.
وكأن الحق سبحانه وتعالى أرسله لهذين الغلامين في هذا الوقت بالذات، حيث أخذ الجدار في التصدُّع، وظهرت عليه علامات الانهيار ليقوم بإصلاحه قبل أنْ يقع وينكشف أمر الكنز وصاحبيه في حال الضعف وعدم القدرة على حمايته.
ثم إن العبد الصالح أصلح الجدار ورَدَّه إلى ما كان عليه رَدَّ مَنْ علَّمه الله من لَدُنْه، فيقال: إنه بنَاهُ بناءً موقوتاً يتناسب وعُمْرَ الغلامين، وكأنه بناه على عمر افتراضي ينتهي ببلوغ الغلامين سِنَّ الرشْد والقدرة على حماية الكنز فينهار.
وهذه في الواقع عملية دقيقة لا يقدر على حسابها إلا مَنْ أُوتِي علماً خاصاً من الله تعالى.
ويبدو من سياق الآية أنهما كانا في سِنٍّ واحدة توأمين
لقوله تعالى:
" فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا.." الكهف: 82أي: سوياً، ومعنى الأشُدّ: أي القوة، حيث تكتمل أجهزة الجسم وتستوي، وأجهزة الجسم تكتمل حينما يصبح المرء قادراً على إنجاب مثله.
وتلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى قال هنا
: " يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا.." الكهف: 82 ولم يقُلْ رُشْدهما، لأنْ هناك فرْقاً بين الرُّشْد والأَشُدّ فالرُّشْد: حُسْن التصرُّف في الأمور، أما الأشُدَّ: فهو القوة، والغلامان هنا في حاجة إلى القوة التي تحمي كَنْزهما من هؤلاء اللئام فناسب هنا " أَشُدَّهُمَا.." الكهف: 82ثم يقول تعالى: " وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ.." الكهف: 82 أي: يستخرجاه بما لديهما من القوة والفُتوَّة.
والرحمة: صفة تُعطَى للمرحوم لتمنعه من الداء، كما في قوله تعالى: " وَنُنَزِّلُمِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ."الإسراء: 82 فقوله: شفاء: أي: يشفي داءً موجوداً ويُبرِئه.
ورحمة: أي رحمة تمنع عودة الداء مرة أخرى.
وكذلك ما حدث لهذين الغلامين، كان رحمة من الله لحماية مالهما وحِفْظ حقِّهما، ثم لم يَفُتْ العبد الصالح أنْ يُرجِع الفضل لأهله، وينفي عن نفسه الغرور بالعلم والاستعلاء على صاحبه، فيقول:
" وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي"الكهف:
82 أي: أن ما حدث كان بأمر الله، وما علَّمتك إياه كان من عند الله، فليس لي مَيْزة عليك، وهذا درس في أَدب التواضع ومعرفة الفضْل لأهله.
ثم يقول: " ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً" الكهف: 82 تأويل: أي إرجاع الأمر إلى حقيقته، وتفسير ما أشكل منه.
من تفسير السعدي:
وفي هذه القصة العجيبة الجليلة، من الفوائد والأحكام والقواعد شيء كثير، ننبه على بعضه بعون الله.
فمنها فضيلة العلم، والرحلة في طلبه، وأنه أهم الأمور، فإن موسى عليه السلام رحل مسافة طويلة، ولقي النصب في طلبه، وترك القعود عند بني إسرائيل، لتعليمهم وإرشادهم، واختار السفر لزيادة العلم على ذلك.
ومنها: البداءة بالأهم فالأهم، فإن زيادة العلم وعلم الإنسان أهم من ترك ذلك، والاشتغال بالتعليم من دون تزود من العلم، والجمع بين الأمرين أكمل.

ومنها: جواز أخذ الخادم في الحضر والسفر لكفاية المؤن، وطلب الراحة، كما فعل موسى.

ومنها: أن المسافر لطلب علم أو جهاد أو نحوه، إذا اقتضت المصلحة الإخبار بمطلبه، وأين يريده، فإنه أكمل من كتمه، فإن في إظهاره فوائد من الاستعداد له عدته، وإتيان الأمر على بصيرة، وإظهارًا لشرف هذه العبادة الجليلة، كما قال موسى: " لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ْ"
وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين غزا تبوك بوجهه، مع أن عادته التورية، وذلك تبع للمصلحة.

ومنها: إضافة الشر وأسبابه إلى الشيطان، على وجه التسويل والتزيين، وإن كان الكل بقضاء الله وقدره، لقول فتى موسى: " وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ْ"
ومنها: جواز إخبار الإنسان عما هو من مقتضى طبيعة النفس، من نصب أو جوع، أو عطش، إذا لم يكن على وجه التسخط وكان صدقا، لقول موسى: " لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ْ"
ومنها: استحباب كون خادم الإنسان، ذكيا فطنا كيسا، ليتم له أمره الذي يريده.

ومنها: استحباب إطعام الإنسان خادمه من مأكله، وأكلهما جميعا، لأن ظاهر قوله: " آتِنَا غَدَاءَنَا ْ" إضافة إلى الجميع، أنه أكل هو وهو جميعا.

ومنها: أن المعونة تنزل على العبد على حسب قيامه بالمأمور به، وأن الموافق لأمر الله، يعان ما لا يعان غيره لقوله: " لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ْ" والإشارة إلى السفر المجاوز، لمجمع البحرين، وأما الأول، فلم يشتك منه التعب، مع طوله، لأنه هو السفرعلى الحقيقة.
وأما الأخير، فالظاهر أنه بعض يوم، لأنهم فقدوا الحوت حين أووا إلى الصخرة، فالظاهر أنهم باتوا عندها، ثم ساروا من الغد، حتى إذا جاء وقت الغداء قال موسى لفتاه
" آتِنَا غَدَاءَنَا ْ" فحينئذ تذكر أنه نسيه في الموضع الذي إليه منتهى قصده.

ومنها: أن ذلك العبد الذي لقياه، ليس نبيا، بل عبدا صالحا، لأنه وصفه بالعبودية، وذكر منة الله عليه بالرحمة والعلم، ولم يذكر رسالته ولا نبوته، ولو كان نبيا، لذكر ذلك كما ذكره غيره.

وأما قوله في آخر القصة: " وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ْ" فإنه لا يدل على أنه نبي وإنما يدل على الإلهام والتحديث، كما يكون لغير الأنبياء، كما قال تعالى " وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ْ" " وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ْ"
ومنها: أن العلم الذي يعلمه الله لعباده نوعان:
علم مكتسب يدركه العبد بجده واجتهاده.
ونوع علم لَدُنِّي، يهبه الله لمن يمن عليه من عباده لقوله
" وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ْ"

ومنها: التأدب مع المعلم، وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب، لقول موسى عليه السلام:
" هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ْ" فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة، وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا، وإقراره بأنه يتعلم منه، بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو الكبر، الذي لا يظهر للمعلم افتقارهم إلى علمه، بل يدعي أنه يتعاون هم وإياه، بل ربما ظن أنه يعلم معلمه، وهو جاهل جدا، فالذل للمعلم، وإظهار الحاجة إلى تعليمه، من أنفع شيء للمتعلم.

ومنها تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه، فإن موسى -بلا شك- أفضل من الخضر.

ومنها: تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه، ممن مهر فيه، وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة.

فإن موسى عليه السلام من أولي العزم من المرسلين، الذين منحهم الله وأعطاهم من العلم ما لم يعط سواهم، ولكن في هذا العلم الخاص كان عند الخضر، ما ليس عنده، فلهذا حرص على التعلم منه.

فعلى هذا، لا ينبغي للفقيه المحدث، إذا كان قاصرا في علم النحو، أو الصرف، أو نحوه من العلوم، أن لا يتعلمه ممن مهر فيه، وإن لم يكن محدثا ولا فقيها.

ومنها: إضافة العلم وغيره من الفضائل لله تعالى، والإقرار بذلك، وشكر الله عليها لقوله: " تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ ْ" أي: مما علمك الله تعالى.

ومنها: أن العلم النافع، هو العلم المرشد إلى الخير، فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك، فإنه من العلم النافع، وما سوى ذلك، فإما أن يكون ضارا، أو ليس فيه فائدة لقوله: " أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ْ"
ومنها: أن من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم، وحسن الثبات على ذلك، أنه يفوته بحسب عدم صبره كثير من العلم فمن لا صبر له لا يدرك العلم، ومن استعمل الصبر ولازمه، أدرك به كل أمر سعى فيه، لقول الخضر -يعتذر من موسى بذكر المانع لموسى في الأخذ عنه- إنه لا يصبر معه.

ومنها: أن السبب الكبير لحصول الصبر، إحاطة الإنسان علما وخبرة، بذلك الأمر، الذي أمر بالصبر عليه، وإلا فالذي لا يدريه، أو لا يدري غايته ولا نتيجته، ولا فائدته وثمرته ليس عنده سبب الصبر لقوله: " وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ْ" فجعل الموجب لعدم صبره، وعدم إحاطته خبرا بالأمر.

ومنها: الأمر بالتأني والتثبت، وعدم المبادرة إلى الحكم على الشيء، حتى يعرف ما يراد منه وما هو المقصود.

ومنها: تعليق الأمور المستقبلية التي من أفعال العباد بالمشيئة، وأن لا يقول الإنسان للشيء: إني فاعل ذلك في المستقبل، إلا أن يقول " إِنْ شَاءَ اللَّهُ ْ"
ومنها: أن العزم على فعل الشيء، ليس بمنزلة فعله، فإن موسى قال:
" سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ْ" فوطن نفسه على الصبر ولم يفعل.

ومنها: أن المعلم إذا رأى المصلحة في إيزاعه للمتعلم أن يترك الابتداء في السؤال عن بعض الأشياء، حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها، فإن المصلحة تتبع، كما إذا كان فهمه قاصرا، أو نهاه عن الدقيق في سؤال الأشياء التي غيرها أهم منها، أو لا يدركها ذهنه، أو يسأل سؤالا، لا يتعلق في موضع البحث.

ومنها: جواز ركوب البحر، في غير الحالة التي يخاف منها.

ومنها: أن الناسي غير مؤاخذ بنسيانه لا في حق الله، ولا في حقوق العباد لقوله: " لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ْ"
ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يأخذ من أخلاق الناس ومعاملاتهم، العفو منها، وما سمحت به أنفسهم، ولا ينبغي له أن يكلفهم ما لا يطيقون، أو يشق عليهم ويرهقهم، فإن هذا مدعاة إلى النفور منه والسآمة، بل يأخذ المتيسر ليتيسر له الأمر.

ومنها: أن الأمور تجري أحكامها على ظاهرها، وتعلق بها الأحكام الدنيوية، في الأموال، والدماء وغيرها، فإن موسى عليه السلام، أنكر على الخضر خرقه السفينة، وقتل الغلام، وأن هذه الأمور ظاهرها، أنها من المنكر، وموسى عليه السلام لا يسعه السكوت عنها، في غير هذه الحال، التي صحب عليها الخضر، فاستعجل عليه السلام، وبادر إلى الحكم في حالتها العامة، ولم يلتفت إلى هذا العارض، الذي يوجب عليه الصبر، وعدم المبادرة إلى الإنكار.

ومنها: القاعدة الكبيرة الجليلة وهو أنه " يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير " ويراعي أكبر المصلحتين، بتفويت أدناهما، فإن قتل الغلام شر، ولكن بقاءه حتى يفتن أبويه عن دينهما، أعظم شرا منه، وبقاء الغلام من دون قتل وعصمته، وإن كان يظن أنه خير، فالخير ببقاء دين أبويه، وإيمانهما خير من ذلك، فلذلك قتله الخضر، وتحت هذه القاعدة من الفروع والفوائد، ما لا يدخل تحت الحصر، فتزاحم المصالح والمفاسد كلها، داخل في هذا.

ومنها: القاعدة الكبيرة أيضا وهي أن " عمل الإنسان في مال غيره، إذا كان على وجه المصلحة وإزالة المفسدة، أنه يجوز، ولو بلا إذن حتى ولو ترتب على عمله إتلاف بعض مال الغير " كما خرق الخضر السفينة لتعيب، فتسلم من غصب الملك الظالم.
فعلى هذا لو وقع حرق، أو غرق، أو نحوهما، في دار إنسان أو ماله، وكان إتلاف بعض المال، أو هدم بعض الدار، فيه سلامة للباقي، جاز للإنسان بل شرع له ذلك، حفظا لمال الغير، وكذلك لو أراد ظالم أخذ مال الغير، ودفع إليه إنسان بعض المال افتداء للباقي جاز، ولو من غير إذن.

ومنها: أن العمل يجوز في البحر، كما يجوز في البر لقوله: " يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ْ" ولم ينكر عليهم عملهم.

ومنها: أن المسكين قد يكون له مال لا يبلغ كفايته، ولا يخرج بذلك عن اسم المسكنة، لأن الله أخبر أن هؤلاء المساكين، لهم سفينة.

ومنها: أن القتل من أكبر الذنوب لقوله في قتل الغلام " لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ْ"
ومنها: أن القتل قصاصا غير منكر لقوله " بِغَيْرِ نَفْسٍ ْ"
ومنها: أن العبد الصالح يحفظه الله في نفسه، وفي ذريته.

ومنها: أن خدمة الصالحين، أو من يتعلق بهم، أفضل من غيرها، لأنه علل استخراج كنزهما، وإقامة جدارهما، أن أباهما صالح.

ومنها: استعمال الأدب مع الله تعالى في الألفاظ، فإن الخضر أضاف عيب السفينة إلى نفسه بقوله " فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ْ" وأما الخير، فأضافه إلى الله تعالى لقوله: " فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ْ" كما قال إبراهيم عليه السلام " وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ْ" وقالت الجن: " وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ْ" مع أن الكل بقضاء الله وقدره.

ومنها: أنه ينبغي للصاحب أن لا يفارق صاحبه في حالة من الأحوال، ويترك صحبته، حتى يعتبه، ويعذر منه، كما فعل الخضر مع موسى.

ومنها: أن موافقة الصاحب لصاحبه، في غير الأمور المحذورة، مدعاة وسبب لبقاء الصحبة وتأكدها، كما أن عدم الموافقة سبب لقطع المرافقة.

ومنها: أن هذه القضايا التي أجراها الخضر هي قدر محض أجراها الله وجعلها على يد هذا العبد الصالح، ليستدل العباد بذلك على ألطافه في أقضيته، وأنه يقدر على العبد أمورا يكرهها جدا، وهي صلاح دينه، كما في قضية الغلام، أو وهي صلاح دنياه كما في قضية السفينة، فأراهم نموذجا من لطفه وكرمه، ليعرفوا ويرضوا غاية الرضا بأقداره المكروهة.
تفسير السعدي

- " اجتنبوا السبعَ الموبقاتِ . قالوا : يا رسولَ اللهِ ، وما هن ؟ قال : الشركُ باللهِ ، والسحرُ ، وقتلُ النفسِ التي حرّم اللهُ إلا بالحقِّ ، وأكلُ الربا ، وأكلُ مالِ اليتيمِ ، والتولي يومَ الزحفِ ، وقذفُ المحصناتِ المؤمناتِ الغافلاتِ"
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6857-خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية

أم أبي التراب 06-07-2017 01:57 PM

مجلس 62

الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
قال تعالى : "وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا *"
الكهف: 83.
قوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ" سواء من يهود أو من قريش أو من غيرهم.
"عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ" أي: صاحب القرنين، وكان له ذكر في التاريخ، وقد قال اليهود لقريش: اسألوا محمداً عن هذا الرجل؛ فإن أخبركم عنه فهو نبي، ولماذا سمي بذي القرنين؟ قيل: معناه ذي الملك الواسع من المشرق والمغرب، فإن المشرق قرن والمغرب قرن، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم عن المشرق: «حيث يطلع قرن الشيطان» 1، فيكون هذا كناية عن سعة ملكه، وقيل: ذي القرنين لقوته، ولذلك يعرف أن الفحل من الضأن الذي له قرون يكون أشد وأقوى، وقيل: لأنه كان على رأسه قرنان كتاج الملوك، والحقيقة أن القرآن العظيم لم يبين سبب تسميته بذي القرنين، لكن أقرب ما يكون للقرآن العظيم «المالك للمشرق والمغرب»، وهو مناسب تماماً؛ حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الشمس إنها: «تطلع بين قرني شيطان» .
{ {قُلْ} } لمن سألك: { {سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} } وليس كل ذكره بل ذكراً منه، ثم قصَّ الله القصة:
تفسير العثيمين
1 إذا طلَع حاجبُ الشمسِ فدَعوا الصلاةَ حتى تَبرُزَ ، وإذا غاب حاجبُ الشمسِ فدَعوا الصلاةَ حتى تَغيبَ ، ولا تَحَيَّنوا بصلاتِكم طُلوعَ الشمسِ ولا غُروبَها ، فإنها تَطلُعُ بينَ قرني شيطانٍ ، أوِ الشيطانِ . لا أدري أيَّ ذلك قال هشامٌ .
الراوي: عبدالله بن عمر- المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3272 - خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية
-

ذكَر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : " اللهمَّ بارِكْ لنا في شامِنا ، اللهمَّ بارِكْ لنا في يَمَنِنا " . قالوا : يا رسولَ اللهِ ، وفي نَجدِنا ؟ قال : " اللهمَّ بارِكْ لنا في شامِنا ، اللهمَّ بارِكْ لنا في يَمَنِنا " . قالوا : يا رسولَ اللهِ ، وفي نَجدِنا ؟ فأظنُّه قال في الثالثةِ : " هناك الزلازِلُ والفِتَنُ ، وبها يَطلُعُ قرنُ الشيطانِ " .
الراوي: عبدالله بن عمر- المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7094- خلاصة حكم المحدث:
صحيح
الدرر السنية

قال الإمام الخطابي (ت : 388) كما حكى عنه الحافظ ابن حجر (13/47) : نجد من جهة المشرق ، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها ، وهي مشرق أهل المدينة .ا.هـ.هنا

وقال القرطبي في شرح مسلم في تعليقه على الحديث
وقيل : المرادُ بهذا الحديث : ما ظهَرَ بالعراق من الفتنِ العظيمة ، والحروبِ الهائلة ؛ كوقعةِ الجَمَل ، وحروبِ صِفِّين ، وحَرُورَاء ، وفِتَنِ بني أميَّة ، وخُرُوجِ الخوارج ؛ فإنَّ ذلك كان أصلُهُ ، ومنبعُهُ العراقَ ومَشْرِقَ نَجْد ، وتلك مساكنُ ربيعةَ ومُضَرَ إذْ ذاك ، والله أعلم.هنا


وقال الشيخ العلامة الألباني - رحمه الله - في تخريجه لكتاب فضائل الشام ودمشق لأبي الحسن الربعي (ص26) : فيستفاد من مجموع طرق الحديث أن المراد من نجد في رواية البخاري ليس هو الإقليم المعروف اليوم بهذا الاسم ، وإنما هو العراق ، وبذلك فسره الخطابي والحافظ ابن حجر العسقلاني ... وقد تحقق ما أنبأ به عليه السلام ، فإن كثيرا من الفتن الكبرى كان مصدرها العراق ... فالحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم وأعلام نبوته .ا.هـ.هنا
-فالمراد بنجد: هو جهة العراق، وهذا لا يعني ذماً لتلك الجهة مطلقاً، ولا ذما لكل من سكنها، بل إن من كان من أهلها وصبر على ما يحصل فيها من ابتلاء، ونجاه الله تعالى من الفتن التي تحصل فيها، فهو من خير الناس، إن شاء الله تعالى.
وإن أعلام الأمة من مقرئين ومحدثين وفقهاء وزهاد وأئمة في كل فن وكل باب من البر من تلك البلاد لا يحصون كثرة، ولله الحمد.


هنا
"إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا "

قوله تعالى: { {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ} } وذلك بثبوت ملكه وسهولة سيره وقوته.
{ {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} } أي شيئاً يتوصل به إلى مقصوده، وقوله: { {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} } لا يعم كل شيء؛ لكن المراد من كل شيء يحتاج إليه في قوة السلطان، والتمكين في الأرض، والدليل على هذا أن «كل شيء» بحسب ما تضاف إليه، فإن الهدهد قال لسليمان عليه السلام عن ملكة اليمن سبأ: {{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}} [النمل: 23] ، ومعلوم أنها لم تؤت ملك السموات والأرض، لكن من كل شيء يكون به تمام الملك، كذلك قال الله تعالى عن ريح عاد: {{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}} [الأحقاف: 25] ، ومعلوم أنها ما دَمَّرت كل شيء، فالمساكن ما دُمِّرت كما قال تعالى: {{فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ}} [الأحقاف: 25] .
* * *
{{فَأَتْبَعَ سَبَبًا *}}.
قوله تعالى: { {فَأَتْبَعَ سَبَبًا *} } أي: تبع السبب الموصل لمقصوده فإنه كان حازماً، انتفع بما أعطاه الله تعالى من الأسباب؛ لأن من الناس من ينتفع، ومن الناس من لا ينتفع، ولكن هذا الملك انتفع { {فَأَتْبَعَ سَبَبًا *} } وجال في الأرض.
* * *

أم أبي التراب 06-07-2017 01:57 PM

مجلس 63
"حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا ياذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً *" الكهف 86
من تفسير السعدي :
وهذه الأسباب التي أعطاه الله إياها، لم يخبرنا الله ولا رسوله بها، ولم تتناقلها الأخبار على وجه يفيد العلم، فلهذا، لا يسعنا غير السكوت عنها، وعدم الالتفات لما يذكره النقلة للإسرائيليات ونحوها، ولكننا نعلم بالجملة أنها أسباب قوية كثيرة، داخلية وخارجية، بها صار له جند عظيم، ذو عَدد وعُدد ونظام، وبه تمكن من قهر الأعداء، ومن تسهيل الوصول إلى مشارق الأرض ومغاربها، وأنحائها، فأعطاه الله، ما بلغ به مغرب الشمس، حتى رأى الشمس في مرأى العين، كأنها تغرب في عين حمئة، أي: سوداء، وهذا هو المعتاد لمن كان بينه وبين أفق الشمس الغربي ماء، رآها تغرب في نفس الماء وإن كانت في غاية الارتفاع، ووجد عندها، أي: عند مغربها قوما. هنا
قوله تعالى: "حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ" من المعلوم أن المراد هو المكان الذي تغرب الشمس فيه، وهو البحر؛ لأن السائر إلى المغرب سوف يصطدم بالبحر والشمس إذا رآها الرائي وجدها تغرب فيه.
تفسير العثيمين
وبلوغه مغرب الشمس دليل على أنه لم يكُنْ بهذا المكان، بل كان قادماً إليه من المشرق.
ومعنى " مَغْرِبَ الشمس" هل الشمس تغرب؟ هي تغرب في عين الرائي في مكان واحد، فلو لاحظتَ الشمس ساعة الغروب لوجدتها تغربُ مثلاً في الجيزة، فإذا ذهبت إلى الجيزة وجدتها تغرب في مكان آخر وهكذا، إذن: غروبها بمعنى غيابها من مرأىَ عينك أنت؛ لأن الشمس لا تغيب أبداً، فهي دائماً شارقة غاربة، بمعنى أنها حين تغرب على قوم تشرق على آخرين؛ لذلك تتعدد المشارق والمغارب.
وهذه أعطتنا دوام ذكر الله ودورانه على الألسنة في كل الأوقات،فحين نصلي نحن الظهر مثلاً يصلي غيرنا العصر، ويصلي غيرهم المغرب، وهكذا فالحق سبحانه مذكور في كل وقت بكل وقت، فلا ينتهي الظهر لله، ولا ينتهي العصر لله، ولا ينتهي المغرب لله، بل لا ينتهي الإعلام بواحدة منها طوال الوقت، وعلى مَرِّ الزمن؛ لذلك يقول أهل المعرفة: يا زمن وفيك كل الزمن.ثم يقول تعالى: " وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ.." الكهف: 86 أي: في عين فيها ماء.
وقلنا: إن الحمأ المسنون هو الطين الذي اسودّ لكثرة وجوده في الماء.

وقوله:
" وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً.." الكهف: 86 أي: عند هذه العين
هنا
وقوله : "قُلْنَا ياذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ "يقول : إما أن تقتلهم إن هم لم يدخلوا - ص: 98 - في الإقرار بتوحيد الله ، ويذعنوا لك بما تدعوهم إليه من طاعة ربهم "وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً"يقول : وإما أن تأسرهم فتعلمهم الهدى وتبصرهم الرشاد تفسير الطبري
إذن: فهذا تفويض له من الله، ولا يُفوَّض إلا المأمون على التصرُّف " إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ.." الكهف: 86 ولا بُدّ أنهم كانوا كفرة أو وثنيين لا يؤمنون بإله، فإما أنْ تأخذهم بكفرهم، وإما أن تتخذَ فيهم حُسْناً.
لكن ما وجه الحُسْن الذي يريد الله أن يتخذه؟ يعني أنهم قد يكونون من أهل الغفلة الذين لم تصلهم الدعوة، فبيّن لهم وجه الصواب ودلّهم على دين الله، فَمنْ آمن منهم فأحسن إليه، ومَنْ أصرّ على كُفْرِه فعذّبه، إذن: عليك أن تأخذهم أولاً بالعِظَة الحسنة والبيان الواضح، ثم تحكم بعد ذلك على تصرفاتهم.هنا

" قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ْ" أي: إما أن تعذبهم بقتل، أو ضرب، أو أسر ونحوه، وإما أن تحسن إليهم، فخير بين الأمرين، لأن الظاهر أنهم كفار أو فساق، أو فيهم شيء من ذلك، لأنهم لو كانوا مؤمنين غير فساق، لم يرخص في تعذيبهم، فكان عند ذي القرنين من السياسة الشرعية ما استحق به المدح والثناء، لتوفيق الله له لذلك. هنا
فقال: سأجعلهم قسمين:
" أَمَّا مَنْ ظَلَمَ ْ" بالكفر " فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ْ" أي: تحصل له العقوبتان، عقوبة الدنيا، وعقوبة الآخرة.هنا
نُكْرًا: ْمنكرًا فظيعًا هنا
( ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ) يقول: ثم يرجع إلى الله تعالى بعد قتله، فيعذبه عذابا عظيمًا، وهو النكر، وذلك عذاب جهنم.تفسير الطبري هنا
" وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ْ" أي: فله الجنة والحالة الحسنة عند الله جزاء يوم القيامة، "وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ْ" أي: وسنحسن إليه، ونلطف له بالقول، ونيسر له المعاملة، وهذا يدل على كونه من الملوك الصالحين الأولياء، العادلين العالمين، حيث وافق مرضاة الله في معاملة كل أحد، بما يليق بحاله.تفسير السعدي هنا
من تفسير العثيمين:
"قُلْنَا ياذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً"تابع آية 86 يعني أن الله خيره بين أن يعذبهم بالقتل أو بغير القتل أو يحسن إليهم؛ وذلك لأن ذي القرنين ملك عاقل، ملك عادل، ويدل لعقله ودينه أنه:
"قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا *وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا *".
حكمٌ عدل: "أَمَّا مَنْ ظَلَمَ" وذلك بالشرك لأن الظلم يطلق على الشرك وعلى غيره، لكن الظاهر، والله أعلم، هنا أن المراد به الشرك لأنه قال: "وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى".
يقول: "أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ" العذاب الذي يكون تعزيراً، وعذاب التعزير يرجع إلى رأي الحاكم، إما بالقتل أو بغيره.
"ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا" لأن العقوبات لا تطهر الكافرين، فالمسلم تطهره العقوبات، أما الكافر فلا، فإنه يعذب في الدنيا وفي الآخرة، نعوذ بالله من ذلك.
قوله" نُكْرًا" ينكره المُعَذَّب بفتح الذال، ولكنه بالنسبة لله تعالى ليس بنُكر، بل هو حق وعدل، لكنه ينكره المُعَذَّب ويرى أنه شديد.
"وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا *" المؤمن العامل للصالحات له جزاء عند الله { {الْحُسْنَى} } وهي الجنة كما قال تعالى: "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ" يونس: 26 ، فسرها النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن: "الْحُسْنَى" هي الجنة. والزيادة هي النظر إلى وجه الله .
"وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا" أي سنقول له قولاً يسراً لا صعوبة فيه، فوعد الظالم بأمرين: أنه يعذبه، وأنه يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً، والمؤمن وعده بأمرين: بأن له "الْحُسْنَى" وأنه يعامله بما فيه اليسر والسهولة، لكن تأمل في حال المشرك بدأ بتعذيبه ثم ثنى بتعذيب الله، والمؤمن بدأ بثواب الله أولاً ثم بالمعاملة باليسر ثانياً، والفرق ظاهر لأن مقصود المؤمن الوصول إلى الجنة، والوصول إلى الجنة لا شك أنه أفضل وأحب إليه من أن يقال له قول يُسر، وأما الكافر فعذاب الدنيا سابق على عذاب الآخرة وأيسر منه فبدأ به، وأيضاً فالكافر يخاف من عذاب الدنيا أكثر من عذاب الآخرة؛ لأنه لا يؤمن بالثاني.
تفسير العثيمين

أم أبي التراب 06-07-2017 01:58 PM

مجلس 64
"ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا *89 "حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا *".90
"ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا":
أي لما وصل إلى مغرب الشمس كر راجعًا، قاصدًا مطلعها، متبعًا للأسباب، التي أعطاه اللهُ، فوصل إلى مطلع الشمس
"حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ"

تفسير السعدي
قوله تعالى: "حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ" أي: موضع طلوعها، أتبع أولاً السبب إلى المغرب ووصل إلى نهاية الأرض اليابسة مما يمكنه أن يصل إليه ثم عاد إلى المشرق، لأن عمارة الأرض تكون نحو المشرق والمغرب، ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله زَوَى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها»1
1
-" إنَّ اللهَ زوى لي الأرضَ . فرأيتُ مشارقَها ومغاربَها . وإنَّ أُمتي سيبلغُ ملكُها ما زُوىَ لي مِنها . وأعطيتُ الكنزينِ الأحمرَ والأبيضَ . وإنِّي سألتُ ربِّي لأُمتي أنْ لا يُهلكَها بسنةٍ عامةٍ . وأنْ لا يُسلطَ عليهِمْ عدوًا مِنْ سِوَى أنفسِهمْ . فيستبيحَ بيضتَهُمْ . وإنَّ ربِّي قال : يا محمدُ ! إنِّي إذا قضيتُ قضاءً فإنهُ لا يردُّ . وإنِّي أعطيتُكَ لأُمتِكَ أنْ لا أُهلكَهُمْ بسنةٍ عامةٍ . وأنْ لا أُسلطَ عليهِمْ عدوًا مِنْ سِوَى أنفسِهمْ . يستبيحُ بيضتَهُمْ . ولوْ اجتمعَ عليهِمْ مَنْ بأقطارِها - أوْ قال منْ بينَ أقطارِها - حتى يكونَ بعضُهمْ يُهلكُ بعضًا ، ويَسبي بعضُهمْ بعضًا"الراوي : ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المحدث : مسلم المصدر : صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم: 2889 خلاصة حكم المحدث : صحيح الدرر السنية

-
فرأيت مشارقها ومغاربها - دون الشمال والجنوب لأن الشمال والجنوب أقصاه من الشمال، وأقصاه من الجنوب كله ثلج ليس فيه سكان، فالسكان يتبعون الشمس من المشرق إلى المغرب، أو من المغرب إلى المشرق.
تفسير العثيمين
قوله تعالى: { مَطْلِعَ الشمس..} [ الكهف: 90] كما قلنا في مغربها، فهي دائماً طالعة؛ لأنها لا تطلع من مكان واحد، بل كل واحد له مطلع، وكل واحد له مغْرب حسب اتساع الأفق.هنا

"وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا" وجدها تطلع على قوم ليس عندهم بناء، ولا أشجار ظليلة ولا دور ولا قصور، وبعض العلماء بالغ حتى قال: وليس عليهم ثياب، لأن الثياب فيها نوع من الستر. المهم أن الشمس تحرقهم.تفسير العثيمين
السِّتْر: هو الحاجز بين شيئين، وهو إما ليقينيَ الحر أو ليقينيَ البرد، فقد ذهب ذو القرنين إلى قوم من المتبدين الذين يعيشون عراة كبعض القبائل في وسط أفريقيا مثلاً، أو ليس عندهم ما يسترهم من الشمس مثل البيوت يسكنونها، أو الأشجار يستظِلّون بها.
وهؤلاء قوم نسميهم «ضاحون» أي: ليس لهم ما يأويهم من حَرِّ الصيف أو بَرد الشتاء، وهم أُنَاسٌ متأخرون بدائيون غير متحضرين.
ومثل هؤلاء يعطيهم الله تعالى في جلودهم ما يُعوِّضهم عن هذه الأشياء التي يفتقدونها، فترى في جلودهم ما يمنحهم الدفء في الشتاء والبرودة في الصيف.
وهذا نلاحظه في البيئات العادية، حيث وَجْه الإنسان وهو مكشوف للحر وللبرد، ولتقلبات الجو، لذلك جعله الله على طبيعة معينة تتحمل هذه التقلبات، على خلاف باقي الجسم المستور بالملابس، فإذا انكشف منه جزء كان شديدَ الحساسية للحرِّ أو للبرد، وكذلك من الحيوانات ما منحها الله خاصية في جلودها تستطيع أنْ تعيش في القطب المتجمد دون أن تتأثر ببرودته.
وهؤلاء البدائيون يعيشون هكذا، ويتكيفون مع بيئتهم، وتشغلهم مسألة الملابس هذه، ولا يفكرون فيها، حتى يذهب إليهم المتحضرون ويروْنَ الملابس، وكيف أنها زينة وسَتْر للعورة فيستخدمونها.
ونلاحظ هنا أن القرآن لم يذكر لنا عن هؤلاء القوم شيئاً وماذا فعل ذو القرنين معهم، وإنْ قِسْنا الأمر على القوم السابقين الذين قابلهم عند مغرب الشمس نقول: ربما حضَّرهم ووفَّر لهم أسباب الرُّقي.
وبعض المفسرين يروْنَ أن ذا القرنين ذهب إلى موضعٍ يومُه ثلاثة أشهر، أو نهاره ستة أشهر، فصادف وصوله وجود الشمس فلم يَرَ لها غروباً في هذا المكان طيلة وجوده به، ولم يَرَ لها سِتْراً يسترها عنهم، ويبدو أنه ذهب في أقصى الشمال.
هنا
* * *
"كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا *91".
قوله تعالى: "كَذَلِكَ" يعني الأمر كذلك على حقيقته.
"وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا" أي قد علمنا علم اليقين بما عنده من وسائل الملك وامتداده، أي: بكل ما لديه من ذلك.تفسير العثيمين
"كَذَلِكَ": يعني ذهب كذلك، كما ذهب للمغرب ذهب للمشرق. هنا
وقال ابن عطية :
"كَذَلِكَ " معناه فعل معهم كفعله مع الأولين أهل المغرب ، وأخبر بقوله "كَذَلِكَ " ثم أخبر تعالى عن إحاطته بجميع ما لدى ذي القرنين وما تصرّف فيه من أفعاله ، ويحتمل أن يكون "كَذَلِكَ " استئناف قول ولا يكون راجعاً على الطائفة الأولى فتأمله ، والأول أصوب انتهى . وإذا كان مستأنفاً لا تعلق له بما قبله فيحتاج إلى تقدير يتم به كلاماً . هنا
* * *
"ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا *92حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً *".93
قوله تعالى: "أَتْبَعَ سَبَبًا" يعني سار واتخذ سبباً يصل به إلى مراده.تفسير العثيمين

قال المفسرون: ذهب متوجها من المشرق، قاصدا للشمال، فوصل إلى ما بين السدين،
تفسير السعدي

حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً *".93
"حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ" السدين هما جبلان عظيمان يحولان بين الجهة الشرقية من شرق آسية، والجهة الغربية، وهما جبلان عظيمان بينهما منفذ ينفذ منه الناس.
تفسير العثيمين

"حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ"
وهما سدان، كانا سلاسل جبال معروفين في ذلك الزمان، سدا بين يأجوج ومأجوج وبين الناس، وجد من دون السدين قوما، لا يكادون يفقهون قولا تفسير السعدي
"وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا"أي: لا بينهما ولا وراءهما.تفسير العثيمين

"قَوْمًا" قيل: إنهم الأتراك.
"لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً" فيها قراءتان: «لاَّ يَكَادُونَ يُفْقِهُونَ قَوْلاً» و«لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً» والفرق بينهما ظاهر: لا "يَفْقَهُونَ" يعني هم، لا «يُفْقِهُونَ» أي: غيرهم، يعني هم لا يعرفون لغة الناس، والناس لا يعرفون لغتهم، هذه فائدة القراءتين، وكلتاهما صحيحة، وكل واحدة تحمل معنىً غير معنى القراءة الأخرى، لكن بازدواجهما نعرف أن هؤلاء القوم لا يعرفون لغة الناس، والناس لا يعرفون لغتهم.
تفسير العثيمين

"لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً" :قوما، لا يكادون يفقهون قولا، لعجمة ألسنتهم، واستعجام أذهانهم وقلوبهم، وقد أعطى الله ذا القرنين من الأسباب العلمية، ما فقه به ألسنة أولئك القوم وفقههم، وراجعهم، وراجعوه، فاشتكوا إليه ضرر يأجوج ومأجوج، وهما أمتان عظيمتان من بني آدم تفسير السعدي

أم أبي التراب 06-07-2017 01:59 PM

مجلس 65
"قَالُوا يَـاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا*" الكهف
قوله تعالى: { {قَالُوا ياذَا الْقَرْنَيْنِ} } وحينئذٍ يقع إشكال كيف يكونوا { {لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً} } ثم ينقل عنهم أنهم خاطبوا ذا القرنين بخطاب واضح فصيح: { {قَالُوا ياذَا الْقَرْنَيْنِ} }؟
والجواب عن هذا سهل جداً، وهو أن ذا القرنين أعطاه الله تعالى ملكاً عظيماً، وعنده من المترجمين ما يُعرف به ما يريد، وما يَعرف به ما يريد غيره، على أنه قد يكون الله ـ عزّ وجل ـ قد ألهمه لغة الناس الذين استولى عليهم كلِّهم، المهم أنهم خاطبوا ذا القرنين بخطاب واضح { {قَالُوا ياذَا الْقَرْنَيْنِ} }، نادَوه بلقبه تعظيماً له.
{ {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} } يأجوج ومأجوج هاتان قبيلتان من بني آدم كما صح ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما حدَّث الصحابة بأن الله ـ عزّ وجل ـ يأمر آدم يوم القيامة فيقول:
«يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِير، وَتَضَعُ كُلّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شَدِيد» [فاشتد ذلك عليهم] قالوا: يا رسول الله، وأيُّنا ذلك الواحد؟ قال: «أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُم رَجُلٌ وَمِنْ يَأْجُوج ومَأْجُوج أَلْفٌ». ثم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ...» إلخ الحديث[(48)].
وبهذا نعرف خطأ من قال: إنهم ليسوا على شكل الآدميين وأن بعضهم في غاية ما يكون من القِصَر، وبعضهم في غاية ما يكون من الطول، وأن بعضهم له أذن يفترشها، وأذن يلتحف بها وما أشبه ذلك، كل هذا من خرافات بني إسرائيل، ولا يجوز أن نصدقه، بل يقال: إنهم من بني آدم، لكن قد يختلفون كما يختلف الناس في البيئات، فتجد أهل خط الاستواء بيئتهم غير بيئة الشماليين، فكل له بيئة، الشرقيون الآن يختلفون عن أهل وسط الكرة الأرضية، فهذا ربما يختلفون فيه، أما أن يختلفوا اختلافاً فادحاً كما يذكر، فهذا ليس بصحيح.
{ {مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} } الإفساد في الأرض يعم كل ما كان غير صالح، وغير أصلح، يفسدونها في القتل، وفي النهب، وفي الانحراف، وفي الشرك، وفي كل شيء، المهم أنهم يحتاجون إلى أحد يحميهم من هؤلاء.
{ {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} } يعني حاجزاً يمنع من حضورهم إلينا، فعرضوا عليه أن يعطوه شيئاً، وهذا اجتهاد في غير محله، لكنهم خافوا أن يقول لا، ولا يمكنهم بعد ذلك، وإلاَّ هذا الاجتهاد: كيف يقولون لهذا الملك الذي فتح مشارق الأرض ومغاربها: { {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} } هذا لا يقال إلاَّ لشخصٍ لا يستطيع. لكنهم قالوا ذلك خوفاً من أن يرد طلبهم، يريدون أن يقيموا عليه الحجة بأنهم أرادوا أن يعطوه شيئاً يحميهم به من هؤلاء، قال في الجواب:
{{مَا مَكَّنْنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا}}.
قوله تعالى: { {قَالَ مَا مَكَّنْنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} } { {مَا} } مبتدأ و{ {مَا} } خبر المبتدأ، يعني الذي مكَّني فيه ربي من الملك والمال والخدم، وكل شيء، خير من هذا الخرج الذي تعرضونه عليَّ، وهذا كقول سليمان ـ عليه الصلاة والسلام ـ في هدية ملكة سبأ، قال: { فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } [النمل: 36] وهذا من اعتراف الإنسان بنعم ربه ـ عزّ وجل ـ التي لا يحتاج معها إلى أحد.
{ {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} } أي: بقوة بدنية لا بقوة مالية؛ لأنه عنده من الأموال الشيء العظيم.
{ {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} } يعني أكبر مما سألوا، هم سألوا سداً، ولكنه قال ردماً، يعني أشد من السد، فطلب منهم:
{{آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا *}}.
قوله تعالى: { {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} } الزُّبَر يعني القطع من الحديد، فجمعوا الحديد وجعلوه يساوي الجبال، وهذا يدل على القوة العظيمة في ذلك الوقت، يعني أرتال من الحديد، تجمع حتى تساوي الجبال الشاهقة العظيمة.
{ {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} } يعني جانبي الجبلين { {قَالَ انْفُخُوا} } يعني انفخوا على هذا الحديد، وليس المراد بأفواهكم؛ لأن هذا لا يمكن، ولكن انفخوا بالآلات والمعدات التي عنده؛ لأن الله أعطاه ملكاً عظيماً، فنفخوا { {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} } والحديد معروف أنه إذا أوقد عليه في النار يكون ناراً، تكون القطعة كأنها جمرة، بل هي أشد من الجمرة، ثم طلب أن يؤتوه قطراً يفرغه عليه، والقطر هو النحاس المذاب كما قال الله تعالى: {{وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ}} [سبأ: 12] ، يعني النحاس أرسله الله تعالى لسليمان، بدل ما كان معدناً قاسياً يحتاج إلى إخراج بالمعاول ثم صَهْر بالنار، أسال الله له عين القطر كأنها ماء ـ سبحان الله ـ.
قال ذو القرنين: { {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} } فأفرغ عليه القطر ـ النحاس ـ فاشتبك النحاس مع قطع الحديد فكان قوياً.
{{فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا *}}.
قوله تعالى: { {فَمَا اسْطَاعُوا} } و«ما استطاعوا» معناهما واحد، وسبق في قصة موسى مع الخضر {{مَا لَمْ تَسْطِعْ} } و{{مَا لَمْ تَسْتَطِعْ} }.
{ {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} } يعني أن يصعدوا عليه؛ لأنه عالٍ؛ ولأن الظاهر أنه أملس، فهم لا يستطيعون أن يصعدوا عليه.
{ {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} } لم تأتِ التاء في الفعل الأول (اسطاعوا) وأتت فيه ثانياً، وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، أيهما أشق أن يصعدوا الجبل أو أن يَنقبوا هذا الحديد؟
الجواب: الثاني أصعب ولهذا قال: { {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} } لأنه حديد ممسوك بالنحاس، فصاروا لا يستطيعون ظهوره لعلوه وملاسته، فيما يظهر، ولم يستطيعوا له نقباً لصلابته وقوته، إذاً صار سداً منيعاً وكفى الله شر هؤلاء المفسدين وهم يأجوج ومأجوج.
* * *
{{قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا *}}.
قوله تعالى: { {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} } قالها ذو القرنين وانظر إلى عباد الله الصالحين، كيف لا يسندون ما يعملونه إلى أنفسهم، ولكنهم يسندونه إلى الله ـ عزّ وجل ـ وإلى فضله، ولهذا لما قالت النملة حين أقبل سليمان بجنوده على وادي النمل، قامت خطيبة فصيحة: {{ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ }} [النمل: 18، 19] ، أيضاً ذو القرنين ـ رحمه الله ـ قال: { {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} } وليس بحولي ولا قوتي، ولكنه رحمة به ورحمة بالذين طلبوا منه السد، أن حصل هذا الردم المنيع.
{ {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} } يعني بخروج هؤلاء المفسدين.
{ {جَعَلَهُ دَكَّاءَ} } يعني جعل هذا السد دكّاً، أي: منهدماً تماماً وسواه بالأرض، وقد صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا» [(49)]. يعني شيء يسير لكن ما ظهر فيه الشق لا بد أن يتوسع.
{ {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} } فما هو هذا الوعد؟
الجواب: الوعد هو أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يخرجهم في آخر الزمان، وذلك بعد خروج الدجال وقتله يخرج الله هؤلاء، يخرجهم في عالم كثير مثل الجراد أو أكثر «فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُون: لَقَدْ كَانَ بِهَذِ مَرَّةً مَاءٌ» ثم «يُحصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ» في جبل الطور، ويلحقهم مشقة ويرغبون إلى الله تعالى في هلاك هؤلاء، «فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ» يصبحون في ليلة واحدة على كثرتهم، ميتين مِيتة رجل واحد، حتى تنتن الأرض من رائحتهم، فيرسل الله تعالى أمطاراً تحملهم إلى البحر أو يرسل اللهُ طيوراً فَتَحْمِلُهُمْ إلى البحر[(50)]، والله على كل شيء قدير، وهذه الأشياء نؤمن بها كما أخبر بها النبي صلّى الله عليه وسلّم، أما كيف تصل الحال إلى ذلك، فهذا أمره إلى الله عزّ وجل.
{ {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} } يعني وعد الله تعالى في خروجهم كان { {حَقًّا} } أي: لا بد أن يقع كل ما وعد الله بشيء فلا بد أن يقع؛ لأن عدم الوفاء بالوعد، إما أن يكون عن عجز، أو إما أن يكون عن كذب، والله ـ عزّ وجل ـ منَزَّهٌ عنهما جميعاً عن العجز، وعن الكذب، فهو ـ عزّ وجل ـ لا يخلف الميعاد لكمال قدرته، وكمال صدقه.
* * *
تفسير العثيمين

أم أبي التراب 06-07-2017 02:00 PM

يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ


وقال تعالى" حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ "الأنبياء: 96، 97.

هذا تحذير من الله للناس، أن يقيموا على الكفر والمعاصي، وأنه قد قرب انفتاح يأجوج ومأجوج، وهما قبيلتان عظيمتان من بني آدم، وقد سد عليهم ذو القرنين، لما شكي إليه إفسادهم في الأرض، وفي آخر الزمان، ينفتح السد عنهم، فيخرجون إلى الناس في هذه الحالة والوصف، الذي ذكره الله من كل من مكان مرتفع، وهو الحدب ينسلون أي: يسرعون.
وفي هذا دلالة على كثرتهم الباهرة، وإسراعهم في الأرض، إما بذواتهم، وإما بما خلق الله لهم من الأسباب التي تقرب لهم البعيد، وتسهل عليهم الصعب، وأنهم يقهرون الناس، ويعلون عليهم في الدنيا، وأنه لا يد لأحد بقتالهم.
تفسير السعدي
*اطَّلع النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علينا ونحن نتذاكر . فقال " ما تذاكرون ؟ " قالوا : نذكر الساعةَ . قال " إنها لن تقومَ حتى ترَون قبلَها عشرَ آياتٍ " . فذكر الدخانَ ، والدجالَ ، والدابةَ ، وطلوعَ الشمسِ من مغربِها ، ونزولَ عيسى ابنِ مريم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، ويأجوجَ ومأجوجَ . وثلاثةَ خُسوفٍ : خَسفٌ بالمشرقِ ، وخَسفٌ بالمغربِ ، وخَسفٌ بجزيرةِ العربِ . وآخرُ ذلك نارٌ تخرج من اليمنِ ، تطردُ الناسَ إلى مَحشرِهم
" .

الراوي : حذيفة بن أسيد الغفاري المحدث : مسلم -المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2901 خلاصة حكم المحدث : صحيح الدرر السنية
*- اطَّلعَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليْهِ وسلَّمَ مِن غرفةٍ ونحنُ نتذاكرُ السَّاعةَ فقالَ:" لاَ تقومُ السَّاعةُ حتَّى تَكونَ عشرُ آياتٍ طلوعُ الشَّمسِ من مغربِها والدَّجَّالُ والدُّخانُ والدَّابَّةُ ويأجوجُ ومأجوجُ وخروجُ عيسى ابنِ مريمَ عليْهِ السَّلامُ وثلاثُ خسوفٍ خسفٌ بالمشرقِ وخسفٌ بالمغربِ وخسفٌ بجزيرةِ العربِ ونارٌ تخرجُ من قعرِ عَدَنِ أَبْيَنَ تسوقُ النَّاسَ إلى المحشرِ تبيتُ معَهم إذا باتوا وتقيلُ معَهم إذا قالوا"
الراوي : حذيفة بن أسيد الغفاري المحدث : الألباني -المصدر : صحيح ابن ماجه الصفحة أو الرقم: 3294 خلاصة حكم المحدث : صحيح
الدرر السنية

قَوْلُهُ: ( عَدَنِ أَبْيَنَ) بِوَزْنِ أَحْمَرَ قَرْيَةٌ مَشْهُورَةٌ بِالنَّهَرِ ( إِلَى الْمَحْشَرِ) إِلَى أَرْضِ الشَّامِ كَذَا قَالُوا ( وَتُقِيلُ) مِنَ الْقَيْلُولَةِ كَذَا قَوْلُهُ: ( إِذَا قَالُوا) .
هنا
*- يقول الله عز وجل يوم القيامة : يا آدم ، يقول : لبيك ربنا وسعديك ، فينادى بصوت : إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار ، قال : يارب وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف - أراه قال - تسعمائة وتسعة وتسعين ، فحينئذ تضع الحامل حملها ، ويشيب الوليد ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) . فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد ، ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض ، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود ، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة . فكبرنا ، ثم قال : ثلث أهل الجنة . فكبرنا ، ثم قال : شطر أهل الجنة . فكبرنا ".
الراوي : أبو سعيد الخدري المحدث : البخاري -المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 4741 خلاصة حكم المحدث : "أورده في صحيحه" وقال : وقال جرير وعيسى بن يونس وأبو معاوية (سكرى وما هم بسكرى)
الدرر السنية
*- " يُفتحُ الردمُ ،ردمُ يأجوجَ ومأجوجَ مثلَ هذه . وعقدَ وُهيبٌ تسعينَ ".
الراوي : أبو هريرة المحدث :البخاري المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 7136 خلاصة حكم المحدث : [صحيح] الدرر السنية
*- استيقظ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من النوم محمرًّا وجهُه يقول : ( لا إله إلا اللهُ، ويلٌ للعربِ من شرٍّ قد اقترب، فتحَ اليومَ من ردمِ يأجوجَ ومأجوجَ مثلُ هذه ) . وعقد سفيان تسعينَ أو مائةً، قيل : أنهلِك وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعم، إذا كثُر الخبَثُ ) .الراوي : زينب بنت جحش أم المؤمنين المحدث : البخاري -المصدر :صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 7059 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]الدرر السنية
يعني إذا كثرت الشرور والمعاصي، الكثرة في الشرور والمعاصي من أسباب الهلاك.
ولهذا يقول-جل وعلا-في كتابه العظيم: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ"(التوبة: من الآية71) فإذا كثر الخبث والمعاصي صار هذا من أسباب هلاك الأمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إذا لم تنكر.
ابن باز هنا
وهذا الحديث يظهر شيئاً من عظيم شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته وحرصه عليهم، فمعلوم أن خروج يأجوج ومأجوج يكون مصحوباً بإفسادهم في الأرض وإهلاكهم الحرث والنسل، ففزع صلى الله عليه وسلم لما يمكن أن يصيب أمته من شر بسببهم وتأسف على ما يمكن أن يحل بهم، وتجلت شفقته عليهم أكثر من هذا في تتمة الحديث ففيه موعظة بليغة وتحذير من الوقوع في أسباب الهلاك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وفي هذا الحديث فائدة عامة ينبغي للمرء أن يتنبه لها، وهي ألا يتعلق بظاهر الأحداث والأخبار التي يسمعها أو يطالعها، وإنما يربط كل هذا بمعاني الإيمان ويقرأ ما بين السطور -كما يقال- بهذا المنظار، وهذا ما فعلته أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث لم تسأل عن زمن خروجهم ولا هيئتها ولا أعدادهم ولا جنسيتهم أو مكانهم، وإنما ذهبت مباشرة إلى قضية إيمانية تنتفع بها - أنهلِك وفينا الصالحون ؟ - وقد تعلمت هذا من هديه صلى الله عليه وسلم ومدرسته، فلما سأله الرجل: متى الساعة؟ لم يجبه جواباً يتعلق بظاهر السؤال، وإنما لفت نظره إلى ما يعنيه من أمرها، فقال: «وماذا أعددت لها»(3)، وقال لآخر: «فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة»(4)، منبهاً أنها لا تقوم إلا بعد فساد أحوال الناس ففي رده تحذير من ذلك.
وفي جوابه صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين تأكيد لهذا المعنى، فلم يشر إلى كثرة أعدادهم وأن هذا هو سبب الهلاك، بل بين أن السبب هو كثرة الخبث.

معنى الخبث في اللغة: قال الأزهري في تهذيب اللغة: الخَبَثُ _ بِفَتْح الخَاء وَالْبَاء _ مَا تَنْفِيه النَّارُ من ردِيء الفِضّة وَالْحَدِيد إِذا أُذِيبا. وَمِنْه الحَدِيث: «فإنَّها تنفي الذُّنوبَ كما تَنفي النَّارُ خبثَ الحديدِ»(5).
*"ذُكِرتِ الحُمَّى عندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فسبَّها رجلٌ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: لا تَسبَّها فإنَّها تنفي الذُّنوبَ كما تَنفي النَّارُ خبثَ الحديدِ" الراوي : أبو هريرة المحدث :الألباني-المصدر : صحيح ابن ماجه- الصفحة أو الرقم: 2810 خلاصة حكم المحدث : صحيح. الدرر السنية

*- أمرت بقريةٍ تأكلُ القرى . يقولون يثربَ . وهي المدينةُ . تنفي الناسَ كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديدِ . وفي روايةٍ : بهذا الإسنادِ . وفيه : كما ينفي الكيرُ الخبثَ . لم يذكرا الحديدَ .
الراوي : أبو هريرة المحدث : مسلم -المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 1382 خلاصة حكم المحدث : صحيح

الدرر السنية
وأما المراد بالخبث في الحديث فقد قال الحافظ: فسروه بِالزِّنَا وبأولاد الزِّنَا؛ وَبِالْفُسُوقِ وَالْفُجُورِ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ قَابَلَهُ بالصلاح(6).

والجامع لكل ما سبق أن المراد بالخبث في الحديث هو الرديء من الاعتقادات وطرق العبادة (البدع) والسلوكيات، وهو من لوازم كثرة المنافقين والفساق والزناة والعصاة.

المراد بالهلاك في الحديث: الهلاك على نوعين؛ حسي وهو معروف، ومعنوي وهو الحيدة والانحراف عن الحق، ففي قصة الإفك قالت عائشة رضي الله عنها: «فهلك من هلك في شأني»(10).
"..........فهلك من هلك في شأني..............."

الراوي : عائشة أم المؤمنين المحدث :مسلم -المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2770 خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية

وفي تفسير قوله تعالى: "لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ"الأنفال: 42، يقول محمد بن إسحاق: أي ليكفر من كفر بعد الحجة، لما رأى من الآية والعبرة، ويؤمن من آمن على مثل ذلك. قال ابن كثير: وهذا تفسير جيد(11).
ولا شك أن ظاهر الحديث يشير إلى الهلاك الحسي لأنه مرتبط بخروج يأجوج ومأجوج، ولكن دخول الهلاك المعنوي فيه غير بعيد بل متوجه.

(1) قال النووي: "ويهلك بكسر اللام على اللغة الفصيحة المشهورة, وحكي فتحها, وهو ضعيف أو فاسد".
(2) متفق عليه.
(3) متفق عليه.
(4) صحيح البخاري (1/ 21) (59).
(5) تهذيب اللغة (7/ 146).
(6) فتح الباري لابن حجر (13/ 109).

(10) مسند أحمد (42/ 406) (25623)، قال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(11) تفسير ابن كثير ت سلامة (4/ 69).
هنا

أم أبي التراب 06-07-2017 02:00 PM

مجلس 66
2جماد الآخر 1436
تابع قصة يَأجُوج ومَأجُوج


من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من أخبار الغيب والتسليم لذلك وعدم رده، ومما أخبر به صلى الله عليه وسلم: خروج يأجوج ومأجوج في آخر الزمان، وهذه قصتهم:
أولا مما ورد في القرآن الكريم مع تفسير الآيات من سورة الكهف، ، ثم من بيان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم،

وهذا حين الشروع في ذكر القصة، ومع تفسير آيات سورة الكهف (و -التفسير مأخوذ -باختصار- من تفسير ابن كثير وتفسير القرطبي، وانظر تفسير الطبري وتفسير السعدي رحم الله الجميع.)
قصة ذي القـرنـين حين بلغ مغرب الشمس ثم حين بلغ مطلع الشمس ثم قال :
"ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً {92} حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ" وهما جبلان بينهما ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد الترك "وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً {93}" أي لاستعجام كلامهم وبُعدهم عن الناس وقرئ (يُفقِهون) من أفقه إذا بان أي لا يُفقِهُونَ غيرَهم كلاما، وعلى القراءة الأولى: يعلمون، والقراءتان صحيحتان فلا هم يَفْقَهُون مِن غيرِهم ولا يُفقِهون غيرَهم "قَالُوا يَا ذَا الْقَــرْنَيْــنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً " أي أجرا عظيماً "عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً {94}" يعني أنهم أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مالاً يعطونه إياه حتى يجعل بينه وبينهم سدا، فقال ذو ...............ن بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير: " قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ" أي إنّ الّذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الّذي تجمعونه "فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ" قال ذو القرنــيـــن: الّذي أنا فيه خيرٌ من الّذي تبذلونه، ولكن ساعدوني بقوة؛ أي بعملكم وآلات البناء "أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً "{95} ءاتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ" والزُّبَر جمع زُبرة؛ وهي القطعة منه، وهي كاللبنة "حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ" أي وضع بعضه على بعض من الأساس حتى إذا حاذى به رؤوس الجبلين طولا وعرضاً "قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً " أي أُجّجَ عليه النار حتى صار كله نارا " قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً {96}" هو النحاس المذاب، وقيل الحديد المذاب "فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً {97}"‏ إنهم ما قدروا على أن يصعدوا من فوق هذا السد ولا قدروا على نقبه من أسفله، ولما كان الظهور عليه أسهل من نقبه قابل كلاًّ بما يناسبه "قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي" أي لما بناه ذو القــرنـــين قال هذا رحمة من ربي؛ أي بالناس حيث جعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج حائلا يمنعهم من العيثِ في الأرض والفساد "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي" أي إذا اقترب الوعد الحقّ" جَعَلَهُ دَكَّاءَ" أي ساواه بالأرض "وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً {98} وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً {99}[ [سورة الكهف]

هنا

*-" ليُحَجَّنَّ البيتُ وليُعْتَمَرَنَّ بعدَ خروجِ يأجوجَ ومأجوجَ"
الراوي : أبو سعيد الخدري المحدث :البخاري- المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1593 خلاصة حكم المحدث : [أورده في صحيحه] وقال : تابعه أبان وعمران عن قتادة. وقال عبد الرحمن عن شعبة قال: (لاتقوم الساعة حتى لا يُحج البيت). والأول أكثر. سمع قتادة عبد الله، وعبد الله أبا سعيدٍ.الدرر السنية

*- ذكر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الدَّجَّالَ ذاتَ غَداةٍ . فخفض فيه ورفَع . حتى ظننَّاه في طائفةِ النخلِ . فلما رُحْنا إليه عرف ذلك فينا . فقال " ما شأنُكم ؟ " قلنا : يا رسولَ اللهِ ! ذكرتَ الدجالَ غَداةً . فخفضتَ فيه ورفعتَ . حتى ظنناه في طائفةِ النخلِ . فقال " غيرُ الدجالِ أخوفُني عليكم . إن يخرج ، وأنا فيكم ، فأنا حَجيجُه دونَكم . وإن يخرج ، ولستُ فيكم ، فامرؤ حجيجٌ نفسَه . واللهُ خليفتي على كلِّ مسلمٍ . إنه شابٌّ قَططٌ . عينُه طافئةٌ . كأني أشبِّهُه بعبدِالعُزَّى بنِ قَطَنٍ . فمن أدركه منكم فليقرأْ عليه فواتحَ سورةِ الكهفِ . إنه خارجٌ خَلةٌ بين الشامِ والعراقِ . فعاثَ يمينًا وعاث شمالًا . يا عبادَ الله ِ! فاثبُتوا " قلنا : يا رسولَ اللهِ ! وما لُبثُه في الأرضِ ؟ قال " أربعون يومًا . يومٌ كسنةٍ . ويومٌ كشهرٍ . ويومٌ كجمعةٍ . وسائرُ أيامِه كأيامِكم " قلنا : يا رسولَ اللهِ ! فذلك اليومُ الذي كسنةٍ ، أتكفينا فيه صلاةُ يومٍ ؟ قال " لا . اقدُروا له قَدرَه " قلنا : يا رسولَ اللهِ ! وما إسراعُه في الأرضِ ؟ قال " كالغيثِ استدبرتْه الريحُ . فيأتي على القومِ فيدعوهم ، فيؤمنون به ويستجيبون له . فيأمر السماءَ فتمطر . والأرضُ فتنبتُ . فتروح عليهم سارحتُهم ، أطولُ ما كانت ذرًّا ، وأسبغُه ضروعًا ، وأمدُّه خواصرَ . ثم يأتي القومَ . فيدعوهم فيردُّون عليه قولَه . فينصرف عنهم . فيصبحون مَمْحَلين ليس بأيديهم شيءٌ من أموالِهم . ويمرُّ بالخَربةِ فيقول لها : أَخرِجي كنوزَك . فتتبعُه كنوزُها كيعاسيبِ النحلِ . ثم يدعو رجلًا مُمتلئًا شبابًا . فيضربه بالسيفِ فيقطعه جزلتَينِ رميةَ الغرضِ ثم يدعوه فيقبِلُ ويتهلَّلُ وجهُه . يضحك . فبينما هو كذلك إذ بعث اللهُ المسيحَ ابنَ مريمَ . فينزل عند المنارةِ البيضاءِ شَرقَي دمشقَ . بين مَهرودَتَينِ . واضعًا كفَّيه على أجنحةِ ملَكَينِ . إذا طأطأَ رأسَه قطر . وإذا رفعه تحدَّر منه جُمانٌ كاللؤلؤ . فلا يحلُّ لكافرٍ يجد ريح َنفسه إلا مات . ونفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفُه . فيطلبه حتى يدركَه ببابِ لُدَّ . فيقتله . ثم يأتي عيسى ابنَ مريمَ قومٌ قد عصمهم اللهُ منه . فيمسح عن وجوهِهم ويحدثُهم بدرجاتِهم في الجنةِ . فبينما هو كذلك إذ أوحى اللهُ إلى عيسى : إني قد أخرجتُ عبادًا لي ، لا يدَانِ لأحدٍ بقتالهم . فحرِّزْ عبادي إلى الطور . ويبعث اللهُ يأجوجَ ومأجوجَ . وهم من كلِّ حدَبٍ ينسِلونَ . فيمرُّ أوائلُهم على بحيرةِ طَبرِيَّةَ . فيشربون ما فيها . ويمرُّ آخرُهم فيقولون : لقد كان بهذه ، مرةً ، ماءً . ويحصر نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه . حتى يكون رأسُ الثَّورِ لأحدِهم خيرًا من مائةِ دينارٍ لأحدِكم اليومَ . فيرغب نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه . فيُرسِلُ اللهُ عليهم النَّغَفَ في رقابِهم . فيصبحون فرْسَى كموتِ نفسٍ واحدةٍ . ثم يهبط نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه إلى الأرضِ . فلا يجِدون في الأرضِ موضعَ شبرٍ إلا ملأه زَهمُهم ونتْنُهم . فيرغب نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه إلى اللهِ . فيرسل اللهُ طيرًا كأعناقِ البُختِ . فتحملُهم فتطرحهم حيث شاء اللهُ . ثم يرسل اللهُ مطرًا لا يَكِنُّ منه بيتُ مَدَرٍ ولا وَبَرٌ . فيغسل الأرضَ حتى يتركها كالزَّلفَةِ . ثم يقال للأرض : أَنبِتي ثمرَك ، ورُدِّي بركتَك . فيومئذٍ تأكل العصابةُ من الرُّمَّانةِ . ويستظِلُّون بقِحْفِها . ويبارك في الرَّسْلِ . حتى أنَّ اللقحةَ من الإبلِ لتكفي الفِئامَ من الناس . واللَّقحةُ من البقرِ لتكفي القبيلةَ من الناس . والّلقحةُ من الغنمِ لتكفي الفَخِذَ من الناس . فبينما هم كذلك إذ بعث اللهُ ريحًا طيِّبَةً . فتأخذُهم تحت آباطِهم . فتقبض رُوحَ كلِّ مؤمنٍ وكلِّ مسلمٍ . ويبقى شِرارُ الناسِ ، يتهارَجون فيها تهارُجَ الحُمُرِ ، فعليهم تقوم الساعةُ " . وفي رواية : وزاد بعد قوله " - لقد كان بهذه ، مرة ، ماءً - ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبلِ الخمرِ . وهو جبلُ بيتِ المَقدسِ . فيقولون : لقد قتَلْنا مَن في الأرضِ . هَلُمَّ فلنقتلْ مَن في السماءِ . فيرمون بنُشَّابِهم إلى السماءِ . فيردُّ اللهُ عليهم نُشَّابَهم مخضوبةً دمًا " . وفي روايةِ ابنِ حجرٍ " فإني قد أنزلت عبادًا لي ، لا يَدَيْ لأحدٍ بقتالِهم " .الراوي النواس بن سمعان المحدث : مسلم -المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2937 خلاصة حكم المحدث : صحيحالدرر السنية

*- سيوقِدُ المسلمونَ مِنْ قِسِيِّ يأجوجَ ومأجوجَ ونشابِهم وأَتْرِسَتِهم سبعَ سنينَالراوي : النواس بن سمعان المحدث : الألباني
المصدر : صحيح الجامع الصفحة أو الرقم: 3673 خلاصة حكم المحدث : صحيحالدرر السنية

* ذَكَرَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ الدَّجَّالَ الغداةَ، فخَفضَ فيهِ ورفعَ، حتَّى ظننَّا أنَّهُ في طائفةِ النَّخلِ، فلمَّا رُحنا إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، عَرفَ ذلِكَ فينا، فقالَ: ما شأنُكُم؟ فقُلنا: يا رسولَ اللَّهِ ذَكَرتَ الدَّجَّالَ الغداةَ، فخفَضتَ فيهِ ثمَّ رفعتَ، حتَّى ظننَّا أنَّهُ في طائفةِ النَّخلِ، قالَ: غيرُ الدَّجَّالِ أخوَفُني عليكُم: إن يخرُج وأَنا فيكُم فأَنا حجيجُهُ دونَكُم، وإن يخرُجُ ولستُ فيكم، فامرؤٌ حجيجُ نفسِهِ، واللَّهُ خَليفتي على كلِّ مسلمٍ، إنَّهُ شابٌّ قطَطٌ، عينُهُ قائمةٌ، كأنِّي أشبِّهُهُ بَعبدِ العزَّى بنِ قَطنٍ، فمَن رآهُ منكُم، فليقرَأْ علَيهِ فواتحَ سورةِ الكَهْفِ، إنَّهُ يخرُجُ مِن خلَّةٍ بينَ الشَّامِ، والعراقِ، فعاثَ يمينًا، وعاثَ شمالًا، يا عبادَ اللَّهِ اثبُتوا، قلنا: يا رسولَ اللَّهِ وما لبثُهُ في الأرضِ؟ قالَ أربعونَ يومًا، يومٌ كَسنةٍ، ويومٌ كَشَهْرٍ، ويومٌ كَجُمعةٍ، وسائرُ أيَّامِهِ كأيَّامِكُم، قُلنا: يا رسولَ اللَّهِ فذلِكَ اليومُ الَّذي كسَنةٍ، تَكْفينا فيهِ صلاةُ يومٍ؟ قالَ: فاقدُروا لَهُ قدرَهُ، قالَ، قُلنا: فما إسراعُهُ في الأرضِ؟ قالَ: كالغَيثِ استَدبرتهُ الرِّيح، قالَ: فيأتي القومَ فيدعوهُم فيستَجيبونَ لَهُ، ويؤمنونَ بِهِ، فيأمرُ السَّماءَ أن تُمْطِرَ فتُمْطِرَ، ويأمرُ الأرضَ أن تُنْبِتَ فتُنْبِتَ، وتَروحُ عليهم سارحتُهُم أطولَ ما كانت ذُرًى، وأسبغَهُ ضروعًا، وأمدَّهُ خواصرَ، ثمَّ يأتي القومَ فيدعوهم فيردُّونَ علَيهِ قولَهُ، فينصرِفُ عنهم فيُصبحونَ مُمحِلينَ، ما بأيديهم شيءٌ، ثمَّ يمرَّ بالخَربَةِ، فيقولُ لَها: أخرِجي كُنوزَكِ فينطلقُ، فتتبعُهُ كنوزُها كيَعاسيبِ النَّحلِ، ثمَّ يَدعو رجلًا ممتلئًا شبابًا، فيضربُهُ بالسَّيفِ ضربةً، فيقطعُهُ جزلتينِ، رَميةَ الغرضِ، ثمَّ يَدعوهُ، فيقبلُ يتَهَلَّلُ وجهُهُ يَضحَكُ، فبينَما هم كذلِكَ، إذ بعثَ اللَّهُ عيسى ابنَ مريمَ، فينزلُ عندَ المَنارةِ البيضاءِ، شَرقيَّ دمشقَ، بينَ مَهْرودتينِ، واضعًا كفَّيهِ على أجنحةِ ملَكَينِ، إذا طأطأَ رأسَهُ قَطرَ، وإذا رفعَهُ ينحدِرُ منهُ جُمانٌ كاللُّؤلؤِ، ولا يحلُّ لِكافرٍ يجدُ ريحَ نَفَسِهِ إلَّا ماتَ، ونفَسُهُ ينتَهي حيثُ ينتَهي طرفُهُ، فينطلقُ حتَّى يُدْرِكَهُ عندَ بابِ لُدٍّ، فيقتلُهُ، ثمَّ يأتي نبيُّ اللَّهِ عيسى، قومًا قد عصمَهُمُ اللَّهُ، فيَمسحُ وجوهَهُم، ويحدِّثُهُم بدرجاتِهِم في الجنَّةِ، فبينَما هم كذلِكَ إذ أوحى اللَّهُ إليهِ: يا عيسى إنِّي قد أخرَجتُ عبادًا لي، لا يَدانِ لأحَدٍ بقتالِهِم، وأحرِزْ عبادي إلى الطُّورِ، ويبعَثُ اللَّهُ يأجوجَ، ومَأجوجَ، وَهُم كما قالَ اللَّهُ: مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فيمرُّ أوائلُهُم على بُحَيْرةِ الطَّبريَّةِ، فيَشربونَ ما فيها، ثمَّ يمرُّ آخرُهُم فيَقولونَ: لقد كانَ في هذا ماءٌ مرَّةً، ويحضر نبيُّ اللَّهِ وأصحابُهُ حتَّى يَكونَ رأسُ الثَّورِ لأحدِهِم خيرًا مِن مائةِ دينارٍ لأحدِكُمُ اليومَ، فيرغَبُ نبيُّ اللَّهِ عيسى وأصحابُهُ إلى اللَّهِ، فيُرسِلُ اللَّهُ عليهمُ النَّغفَ في رقابِهِم، فيُصبحونَ فَرسَى كمَوتِ نَفسٍ واحِدةٍ، ويَهْبطُ نبيُّ اللَّهِ عيسى وأصحابُهُ فلا يجِدونَ موضعَ شبرٍ إلَّا قد ملأَهُ زَهَمُهُم، ونَتنُهُم، ودماؤُهُم، فيرغَبونَ إلى اللَّهِ، فيرسلُ عليهم طيرًا كأعناقِ البُختِ، فتحمِلُهُم فتطرحُهُم حيثُ شاءَ اللَّهُ، ثمَّ يرسِلُ اللَّهُ علَيهِم مطرًا لا يُكِنُّ منهُ بيتُ مَدَرٍ ولا وبَرٍ، فيغسِلُهُ حتَّى يترُكَهُ كالزَّلقةِ، ثمَّ يقالُ للأرضِ: أنبِتي ثمرتَكِ، وردِّي برَكَتَكِ، فيومئذٍ تأكلُ العصابةُ منَ الرِّمَّانةِ، فتُشبعُهُم، ويستظلُّونَ بقِحفِها، ويبارِكُ اللَّهُ في الرِّسْلِ حتَّى إنَّ اللِّقحةَ منَ الإبلِ تَكْفي الفِئامَ منَ النَّاسِ، واللِّقحةَ منَ البقرِ تَكْفي القبيلةَ، واللِّقحةَ منَ الغنمِ تَكْفي الفخِذَ، فبينما هم كذلِكَ، إذ بعثَ اللَّهُ عليهم ريحًا طيِّبةً، فتأخذُ تَحتَ آباطِهِم، فتقبِضُ روحَ كلَّ مسلمٍ، ويبقى سائرُ النَّاسِ يتَهارجونَ، كما تتَهارجُ الحُمُرُ، فعلَيهِم تقومُ السَّاعةُ
الراوي النواس بن سمعان المحدث : الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه الصفحة أو الرقم: 3310 خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدررالسنية

أم أبي التراب 06-07-2017 02:01 PM

مجلس 67
9 جمادى الآخر 1436 هـ
{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا *}}99 الكهف.
وقوله: " وتركنا بعضهم " أي الناس يومئذ أي يوم يدك هذا السد ويخرج هؤلاء فيموجون في الناس ويفسدون على الناس أموالهم ويتلفون أشياءهم وهكذا قال السدي في قوله " وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض " قال ذاك حين يخرجون على الناس وهذا كله قبل يوم القيامة وبعد الدجال .......... "
تفسير ابن كثير
وفي الحديث بعد هلاك يأجوج وأجوج وعموم الخير والبركة في الأرض ...
"............
إذ بعثَ اللَّهُ عليهم ريحًا طيِّبةً، فتأخذُ تَحتَ آباطِهِم، فتقبِضُ روحَ كلَّ مسلمٍ، ويبقى سائرُ النَّاسِ يتَهارجونَ، كما تتَهارجُ الحُمُرُ، فعلَيهِم تقومُ السَّاعةُ
الراوي النواس بن سمعان المحدث : الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه الصفحة أو الرقم: 3310 خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدررالسنية
قال ابن كثير:
ثم نفخ في الصور "
"وَنُفِخَ فِي الصُّورِ"على أثر ذلك " فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا "
قال الشيخ العثيمين في تفسيره:
{ {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} } النافخ إسرافيل أحد الملائكة الكرام، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يفتتح صلاة الليل بهذا الاستفتاح:
«
أبو سلمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ قال سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين : بأيِّ شيءٍ كان نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يفتتحُ صلاتَه إذا قام من الليلِ ؟ قالت : كان إذا قام من الليلِ افتتح صلاتَه : " اللهمَّ ! ربَّ جبرائيلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ . فاطرَ السماواتِ والأرضِ . عالمَ الغيبِ والشهادةِ . أنت تحكم بين عبادِك فيما كانوا فيه يختلفون . اهدِني لما اختُلفَ فيه من الحقِّ بإذنِك إنك تهدي من تشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ "» .
الراوي : عائشة أم المؤمنين المحدث : مسلم-المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 770 خلاصة حكم المحدث : صحيح. الدرر السنية

هؤلاء الثلاثة الملائكة الكرام، كل واحد منهم موكل بما فيه الحياة، جبريل موكل بما فيه حياة القلوب-الوحيميكائيل بما فيه حياة النبات وهو القَطْر، والثالث إسرافيل بما فيه حياة الناس عند البعث، ينفخ في الصور نفختين. الأولى: فَزعٌ وصعق، ولا يمكن الآن أن ندرك عظمة هذا النفخ، نفخ تفزع الخلائق منه وتصعق بعد ذلك، كلهم يموتون إلاَّ من شاء الله، لشدة هذا النفخ وشدة وقعه، ما يمكن أن نتصور لأن الناس يفزعون، بل فزع من في السموات ومن في الأرض ثم يصعقون ـ الله أكبر ـ. شيء عظيم كلما يتصوره الإنسان، يقشعر جلده من عظمته وهوله.
النفخة الثانية: يقول الله عزّ وجل: {{ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}} [الزمر: 68] .
النفخة الثانية يقوم الناس من قبورهم أحياء ينظرون، ماذا حدث؟! لأن الأجسام في القبور، يُنْزِل الله تعالى عليها مطراً عظيماً ثم تنمو في داخل الأرض، حتى إذا تكاملت الأجسام تكاملها التام نفخ في الصور نفخة البعث: {{فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}} [الزمر: 68]
.
ا.هـ

".......من يسمعُه رجلٌ يلوطُ حوضَ إبلِه . قال فيُصعَقُ ، ويُصعقُ الناسُ . ثم يُرسل اللهُ - أو قال يُنزل اللهُ - مطرًا كأنه الطَّلُّ أو الظِّلُّ ( نعمانُ الشاكُّ ) فتنبتُ منه أجسادُ الناسِ . ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون . ثم يقال : يا أيها الناسُ ! هلُمَّ إلى ربِّكم . وقِفوهم إنهم مسؤلون . قال ثم يقال : أخرِجوا بعثَ النارِ . فيقال : من كم ؟ فيقال : من كلِّ ألفٍ ، تسعمائةً وتسعةً وتسعين . قال فذاك يومُ يجعلُ الولدانَ شيبًا . وذلك يومُ يُكشَفُ عن ساقٍ " .

الراوي : عبدالله بن عمرو المحدث : مسلم
المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2940 خلاصة حكم المحدث : صحيح
الدرر السنية
أحاديث:
"وقوله " ونفخ في الصور " والصور كما جاء في الحديث
- "كيفَ أنعَمُ وصاحبُ القرنِ قدِ التقمَ القرنَ واستمعَ الإذنَ متى يؤمرُ بالنَّفخِ فينفخ فَكأنَّ ذلِكَ ثقلَ على أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالَ لَهم قولوا حسبُنا اللَّهُ ونعمَ الوَكيلُ على اللَّهِ توَكَّلنا"

الراوي :أبو سعيد الخدري المحدث : الألباني المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 2431 خلاصة حكم المحدث : صحيح
الدرر السنية

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ }يس51
"وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ }الزمر68
ابن كثير:
الصُّورِ:
قرن ينفخ فيه والذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام كما قد تقدم في الحديث بطوله والأحاديث فيه كثيرة.
وفي الحديث عن عطية عن ابن عباس وأبي سعيد مرفوعًا "
" قالوا كيف نقول قال " قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا "وقوله " فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا " أي أحضرنا الجميع للحساب " قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ "الواقعة49/50 وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا ".تفسير ابن كثير

{ {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} } أي: جمعنا الخلائق { {جَمْعًا} } أي: جمعاً عظيماً، فهذا الجمع يشمَل: الإنس، والجن، والملائكة، والوحوش، وجميع الدواب، قال الله تبارك وتعالى: {{وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ *}} [الأنعام: 38] كل الخلائق، حتى الملائكة ـ ملائكة السماء ـ كما قال الله سبحانه وتعالى: {{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *}} [الفجر: 22] . يا له من مشهد عظيم، الله أكبر.

تفسير الشيخ العثيمين

نسأل الله أن يجعلنا ممن لا يحزنهم الفزع الأكبر ، وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون
{لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }الأنبياء103

أم أبي التراب 06-07-2017 02:01 PM

مجلس 68
16 جمادى الآخر 1436 هـ

{{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا *}}.الكهف 100
{ {وَعَرَضْنَا} } أي عرضناها لهم فتكون أمامهم ـ اللّهم أجرنا منها ـ.
{ {جَهَنَّمَ} } اسم من أسماء النار.
{ {عَرْضًا} } يعني عرضاً عظيماً، ولذلك نُكِّر يعني عرضاً عظيماً تتساقط منه القلوب، ومن الحكم في إخبار الله ـ عزّ وجل ـ بذلك أن يصلح الإنسان ما بينه وبين الله، وأن يخاف من هذا اليوم، وأن يستعد له، وأن يصور نفسه وكأنه تحت قدميه، كما قال الصِّديق رضي الله عنه:
كلنا مصبَّح في أهله***والموت أدنى من شراك نعله

فتصور هذا وتصور أنه ليس بينك وبينه، إلاَّ أن تخرج هذه الروح من الجسد، وحينئذ ينتهي كل شيء.
تفسير الشيخ العثيمين
* * *
  • أي: تُعرَض عليهم ليروها ويشاهدوها، وهذا العَرْض أيضاً للمؤمنين، كما جاء في قوله تعالى: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [ مريم: 71] والبعض يظن أن (واردها) يعني: داخلها، لا بل واردهابمعنى: يراها ويمرُّ بها، فقد ترِد الماء بمعنى: يراها ويمر بها، فقد ترد الماء بمعنى تصل إليه دون أنْ تشربَ منه؛ ذلك لأن الصراط الذي سيمر على الجميع مضروبٌ على ظهر جهنم ليراها المؤمن والكافر.
    أما المؤمن فرؤيته للنار قبل أنْ يدخل الجنة تُرِيه مدى نعمة الله عليه ورحمته به، حيث نجّاه من هذا العذاب، ويعلم فضل الإيمان عليه، وكيف أنه أخذ بيده حتى مَرَّ من هذا المكان سالماً.
    لذلك يُذكّرنا الحق سبحانه بهذه المسألة فيقول: { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ} [ آل عمران: 185] .
    أما الكافر فسيعرض على النار ويراها أولاً، فتكون رؤيته لها قبل أن يدخلها رؤية الحسرة والندامة والفزع؛ لأنه يعلم أنه داخلها، ولن يُفلِتْ منها.
    وقد وردتْ هذه المسألة في سورة التكاثر حيث يقول تعالى: { أَلْهَاكُمُ التكاثر حتى زُرْتُمُ المقابر كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين لَتَرَوُنَّ الجحيم ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} [ التكاثر: 18] .
    والمراد: لو أنكم تأخذون عنِّي العلم اليقيني فيما أُخبركم به عن النار وعذابها لكُنْتم كمنْ رآها، لأنني أنقل لكم الصورة العلمية الصادقة لها، وهذا ما نُسمِّيه علم اليقين، أما في الآخرة فسوف ترون النار عينها.
    وهذا هو عين اليقين أي: الصورة العينية التي ستتحقق يوم القيامة حين تمرُّون على الصراط.
    وبرحمة الله بالمؤمنين وبفضله وكرمه تنتهي علاقة المؤمن بالنار عند هذا الحد، وتُكتب له النجاة؛ لذلك قال تعالى بعدها: { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} [ التكاثر: 8] .
    أما الكافر والعياذ بالله فلَهُ مع النار مرحلة ثالثة هي حّقُّ اليقين، يوم يدخلها ويباشر حَرَّها، كما قال تعالى: { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المكذبين الضآلين فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم} [ الواقعة: 9296] .
    إذن: عندنا عِلْم اليقين، وهو الصورة العلمية للنار، والتي أخبرنا بها الحق سبحانه وتعالى، وأن من صفات النار كذا وكذا وحذَّرنا منها، ونحن في بحبوحة الدنيا وسِعَتها.
    وعَيْن اليقين: في الآخرة عندما نمرُّ على الصراط، ونرى النار رؤيا العين.
    ثم حَقُّ اليقين: وهذه للكفار حين يُلْقَوْن فيها ويباشرونها فعلاً.
    وقد ضربنا لذلك مثلاً: لو قُلْتُ لك: توجد مدينة اسمها نيويورك وبها ناطحات سحاب، وأنها تقع على سبع جزر، ومن صفاتها كذا وكذا فأُعطِيك عنها صورة علمية صادقة، فإنْ صدَّقتني فهذا عِلْم يقين.
    فإنْ مررنا عليها بالطائرة ورأيتها رَأْيَ العين فهذا عَيْن اليقين، فإنْ نزلت بها وتجولت خلالها فهذا حَقُّ اليقين.
    إذن: فقوله تعالى: { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً} [ الكهف: 100] ليس كعرضها على المؤمنين، بل هو عَرْض يتحقّق فيه حَقُّ اليقين بدخولها ومباشرتها.
    ثم يقول الحق سبحانه: { الذين كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ}
  • هنا

أم أبي التراب 06-07-2017 02:02 PM

  • - قلنا : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : ( هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا ) . قلنا : لا ، قال : ( فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما ) . ثم قال : ( ينادي مناد : ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم ، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم ، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم ، حتى يبقى من كان يعبد الله ، من بر أو فاجر ، وغبرات من أهل الكتاب ، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب ، فيقال لليهود : ما كنتم تعبدون ؟ قالوا : كنا نعبد عزير ابن الله ، فيقال : كذبتم ، لم يكن لله صاحبة ولا ولد ، فما تريدون ؟ قالوا : نريد أن تسقينا ، فيقال : اشربوا ، فيتساقطون في جهنم . ثم يقال للنصارى : ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون : كنا نعبد المسيح ابن الله ، فيقال : كذبتم ، لم يكن لله صاحبة ولا ولد ، فما تريدون ؟ فيقولون : نريد أن تسقينا ، فيقال : اشربوا ، فيتساقطون ، حتى يبقى من كان يعبد الله ، من بر أو فاجر ، فيقال لهم : ما يحبسكم وقد ذهب الناس ؟ فيقولون : فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم ، وإنا سمعنا مناديا ينادي : ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون ، وإنما ننتظر ربنا ، قال : فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا ، فلا يكلمه إلا الأنبياء ، فيقول : هل بينكم وبينه آية تعرفونه ، فيقولون : الساق ، فيكشف عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة ، فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ، ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم ) . قلنا : يا رسول الله ، وما الجسر ؟ قال : ( مدحضة مزلة ، عليه خطاطيف وكلاليب ، وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفة ، تكون بنجد ، يقال لها : السعدان ، المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح ، وكأجاويد الخيل والركاب ، فناج مسلم وناج مخدوش ، ومكدوس في نار جهنم ، حتى يمر آخرهم يسحب سحبا ، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار ، وإذا رأوا أنهم قد نجوا ، في إخوانهم ، يقولون : ربنا إخواننا ، كانوا يصلون معنا ، ويصومون معنا ، ويعملون معنا ، فيقول الله تعالى : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه ، ويحرم الله صورهم على النار ، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه ، وإلى أنصاف ساقيه ، فيخرجون من عرفوا ، ثم يعودون ، فيقول : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه ، فيخرجون من عرفوا ثم يعودون ، فيقول : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه ، فيخرجون من عرفوا ) . قال أبو سعيد : فإن لم تصدقوني فاقرؤوا : إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها . ( فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون ، فيقول الجبار : بقيت شفاعتي ، فيقبض قبضة من النار ، فيخرج أقواما قد امتحشوا ، فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له : ماء الحياة ، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل ، قد رأيتموها إلى جانب الصخرة ، إلى جانب الشجرة ، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر ، وما كان منها إلى الظل كان أبيض ، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ ، فيجعل في رقابهم الخواتيم ، فيدخلون الجنة ، فيقول أهل الجنة : هؤلاء عتقاء الرحمن ، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ، ولا خير قدموه ، فيقال لهم : لكم ما رأيتم ومثله معه
  • الراوي : أبو سعيد الخدري المحدث : البخاري
  • المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 7439 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
  • الدرر السنية

أم أبي التراب 06-07-2017 02:04 PM

مجلس التاسع والستون
23 جمادى الآخر 1436 هـ
"الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا *" الكهف 101
"الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي " أي تغافلوا وتعاموا وتصامموا عن قبول الهدى واتباع الحق كما قال: " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا فهو له قرين " وقال هنا "وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا " أي لا يعقلون عن الله أمره ونهيه.
تفسير ابن كثير

قوله تعالى: { {كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} } هؤلاء الكافرون كانت أعينهم في غطاء عن ذكر الله، لا ينظرون إلى ذكر الله، وقد ذكر الله تعالى فيما سبق ـ في نفس السورة ـ أنَّ {{عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً}} [الكهف: 57] .
فالقلوب، والأبصار، والأسماع كلها مغلقة.
{ {وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} } هل المراد لا يريدون؟ كقوله تعالى: {{هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ}} [المائدة: 112] ، أي: هل يريد؟ أو المعنى أنهم لا يستطيعون { {سَمْعًا} } أي سمع الإجابة، وليس سمع الإدراك؟
الجواب: يحتمل المَعْنَـيَيْن جميعاً، وكلاهما حق.
تفسير الشيخ العثيمين

" كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي ْ" أي: معرضين عن الذكر الحكيم، والقرآن الكريم، وقالوا: " قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ْ" وفي أعينهم أغطية تمنعهم من رؤية آيات الله النافعة، كما قال تعالى: " وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ْ}
" وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ْ" أي: لا يقدرون على سمع آيات الله الموصلة إلى الإيمان، لبغضهم القرآن والرسول، فإن المبغض لا يستطيع أن يلقي سمعه إلى كلام من أبغضه، فإذا انحجبت عنهم طرق العلم والخير، فليس لهم سمع ولا بصر، ولا عقل نافع فقد كفروا بالله وجحدوا آياته، وكذبوا رسله، فاستحقوا جهنم، وساءت مصيرا.
تفسير السعدي

أي: على أبصارهم غشاوة تمنعهم إدراك الرؤية، ليس هذا وفقط، بل: " وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً" الكهف: 101 .
والمراد هنا السمع الذي يستفيد منه السامع، سَمْع العبرةوالعِظَة، وإلا فآذانهم موجودة وصالحة للسمع، ويسمعون بها، لكنه سمَاعٌ لا فائدةَ منه؛ لأنهم ينفرون من سماع الحق ومن سماع الموعظة ويسدُّون دونها آذانهم، فهم في الخير أذن من طين، وأذن من عجين كما نقول.
أما المؤمنون فيقول الحق تبارك وتعالى فيهم: " وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرسول ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع1 مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق" المائدة: 83] .
مقتبس من هنا

اقسم لنا من خشيتك، ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا،

" وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرسول ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع1 مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق" المائدة: 83] .
"تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ "
أقف عند كلمة تفيض من الدمع، لمَ استخدم الله سبحانه وتعالى كلمة تفيض ؟.. لأن العين ممزوجة بالدمع، وهذا الدمع يخرج من غدد دمعية، يسيل على القرنية من أجل تسهيل مسح العين في الدقيقة ستةً عشر مرة، هل يستطيع سائق سيارة أن يقود سيارته في المطر من دون مساحات، وكلما ارتقى الإنسان جعل لهذه المساحات حركات ثلاث، حركة سريعة، لتواجه اشتداد الهطول، وحركة أبطأ منها وحركة نوبية لتواده الرذاذ، كذلك الله عز وجل زوَّد العين بالجفنين يمسحان القرنية بشكل نوبي، من دون أن يكلفك مشقة تحريك الجفنين حركة الجفنين حركة لا إرادية، أنت مرتاح، أنت منهمك في التفكير في التعبير، في العمل، في الإنجاز، والجفنان يمسحان القرنية ستةً عشر مسحة في الدقيقة، ولو مُسحت القرنية ستةَ عشر مسحة في الدقيقة من دون سائل يسهل هذا المسح لتخرشت القرنية، ولذهب صفاؤها، وذهبت شفافيتها، وللتهبت.. لابد من دمع يسهِّل هذه الحركة، لكن هذا ليس ماءً عادياً، إنه ماءً مذيباً، ماءً قلوياً، لو أن حبة رمل صغيرة، دخلت العين لآلمت صاحبها أشد الإيلام، لكن بعد ساعة أو أكثر يذهب أثرها، أين ذهبت، الدمع أذابها، يستطيع الدمع أن يذيب حبة الرمل، الدمع ماء قلوي.
هذا الماء الذي ينزل من الغدة ويمسح القرنية أين يذهب ؟.. يذهب إلى قناة دمعية هي أدق قنوات الإنسان، لا تكاد تُرى، أين تصب هذه القناة ؟.. في الأنف، لماذا في الأنف وليس في الفم ؟ لأنها إذا صبت في الأنف جعلته رطباً، وإذا جعلته رطباً، سطوح الأنف سطوح دافئة رطبة، إذا دخلها الهواء علقت الذرات التي يحملها الهواء غير المرغوب فيها في هذه السطوح، فدخل الهواء إلى الرئتين نقياً دافئاً، لذلك يُعد الأنف أرقى فلتر، أو أرقى جهاز تسخين في الإنسان، مجموعة سطوح متداخلة، ساخنة، لزجة، ما الذي جعلها لزجة ؟.. دمع العين الذي أدى وظيفة في العين ثم انتقل إلى الأنف ليرطبه.
فما هو البكاء ؟
البكاء إذا كانت غزارة الدمع الذي ينهمر من الغدد أكثر من طاقة تصريف القناة الدمعية، ماذا يحصل ؟ يحصل الفيضان، لو فتحت على برميل خمسة إنش، وفتحته فتحةً تعادل إنش واحد لفاض البرميل البكاء في التعريف العلمي ازدياد إفراز الغدد الدمعية على طاقة تصريف القناة الدمعية، عندئذ يبكي الإنسان وتفيض عيناه بالدموع.
"تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ"
هنا

إذن: فكراهية أولئك للمسموع جعلتهم كأنهم لا سَمْعَ لهم، ، يعني لا تريد أنْ تسمعَ، ومن أقوال أهل الفكاهة: قال الرجل لصاحبه: فيك مَنْ يكتم السرَّ؟ قال: نعم، قال: أعْطني مائة جنيه، قال: كأنِّي لم أسمع.
ولذلك حكى القرآن عن كفار مكة قولهم:
" لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ" فصلت: 26.
يعني: شَوِّشُوا عليه، ولا تُعطوا الناس فرصة لسماعه، ولو أنهم علموا أن القرآن لا يؤثر في سامعه ما قالوا هذا، لكنهم بأذنهم العربية وملكتهم الفصيحة يعلمون جيداً أن القرآن له تأثير في سامعه تأثيراً يملك جوانب نفسه، ولابُدَّ لهذا العربي الفصيح أنْ يهتزّ للقرآن، ولابُدَّ أنه سيعرف أنه مُعْجِز، وأنه غير قَوْل البشر، وحتماً سيدعوه هذا إلى الإيمان بأن هذا الكلام كلام الله، وأن محمداً رسول الله؛ لذلك قال بعضهم لبعض محذراً: { لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ} [ فصلت: 26] .
وفي آية أخرى يقول الحق تبارك وتعالى: " وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍأَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ الله تتلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" الجاثية: 78 .
وقد يتعدَّى الأمر مجرد السماع إلى منْع الكلام كما جاء في قوله تعالى: " أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات فردوا أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ" إبراهيم: 9
فليس الأمر منْع الاستماع، بل أيضاً منع الكلام، فربما تصل كلمة إلى آذانهم وهم في حالة انتباه فتُؤثّر فيهم، أي منعوهم الكلام كما يُقال: اسكت، أو أغلق فمك.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ أَفَحَسِبَ الذين كفروا}
مقتبس من هنا

أم أبي التراب 06-07-2017 02:04 PM

المجلس السبعون
30 جمادى الآخر 1436 هـ
{{أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً *}}.102
وهو استفهام فيه معنى الإنكار والتوبيخ
-
قوله تعالى: { أَفَحَسِبَ الذين كفروا أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دوني أَوْلِيَآءَ} [ الكهف: 102] يعني: أعَمُوا عن الحق فظنُّوا أنْ يتخذوا عبادي من دوني أولياء؟ وسبق أن تحدثنا عن كلمة (عِبَادي) وقلنا: إنهم المؤمنون بي المحبون لي، الذين اختاروا مرادات الله على اختيارات نفوسهم، وفرَّقْنا بين عبيد وعباد.
والكلام هنا عن الذين كفروا الذين اتخذوا عباد الله المقربين إليه المحبين له أولياء من دون الله، كما قال تعالى: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً }النساء172.
فكيف تتخذونهم أولياء من دوني وتعاندونني بهم وهم أحبتي؟ يقول تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }التوبة30} ومنهم مَنْ قال: الملائكة بنات الله، فكيف تتخذونهم أولياء من دون الله وهم لا يستنكفون أن يكونوا عباداً لله، ويروْنَ شرفهم وعِزَّتهم في عبوديتهم له سبحانه، فإذا بكم تتخذونهم أولياء من دوني، ويا ليتكم جعلتُم ذلك في أعدائي، فهذا منهم تغفيل حتى في اتخاذ الشركاء؛ لذلك كان جزاءَهم أنْ نُعِدَّ لهم جهنم: { إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً} [ الكهف: 102] والنُّزُل: ما يُعَدُّ لإكرام الضيف كالفنادق مثلاً، فهذا من التهكّم بهم والسُّخرية منهم.
هنا
ومن تفسير العثيمين:
قوله تعالى: { {أَفَحَسِبَ} } أي: أفظن { {الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} } من هم عباده؟
الجواب: كل شيء فهو عبد الله: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً }مريم93
ومن الذي اتُّخِذَ ولياً من دون الله، أي: عُبد من دون الله؟

الجواب: عُبدت الملائكة، عبدت الرسل، وعبدت الشمس، وعبد القمر، وعبدت الأشجار، وعبدت الأحجار، وعبدت البقر! نسأل الله العافية، الشيطان يأتي ابن آدم من كل طريق.
{ {مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} } يعني أربابا يدعونهم ويستغيثون بهم وينسون ولاية الله ـ عزّ وجل ـ يعني أيظن هؤلاء الذين فعلوا ذلك أنهم يُنصرون؟
الجواب: لا، لا يُنصرون، ومن ظن ذلك فهو مُخَبَّل في عقله.
{ {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً} } يعني أن الله عزّ وجل هيأ النار { {نُزُلاً} } للكافرين، ومعنى النُّزُل ما يقدمه صاحب البيت للضيف، ويحتمل أن يكون بمعنى المنْزِل، وكلاهما صحيح، فهم نازلون فيها، وهم يعطونها كأنها ضيافة، وبئست الضيافة.
تفسير الشيخ العثيمين
* * *
{{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرَينِ أَعْمَالاً *}}.103
أي: قُلْ يا محمد، للناس -على وجه التحذير والإنذار-: هل أخبركم بأخسر الناس أعمالا على الإطلاق؟
الأخسر: اسم تفضيل من خاسر، فأخسر يعني أكثر خسارة (أْعْمَالاً) أي: خسارتهم بسبب أعمالهم.
وهؤلاء الأخسرين هم: { الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ} هنا


*قوله تعالى: { {قُلْ} } أي يا محمد للأمة كلها: { {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرَينِ أَعْمَالاً} }.
الجواب: نعم.
نريد أن نُخبَر عن الأخسرين أعمالاً، حتى نتجنب عمل هؤلاء، ونكون من الرابحين، وقد بين الله تعالى في سورة العصر أن كل إنسان خاسر، إِلاَّ من اتصف بأربع صفات:
1 ـ الذين آمنوا.
2 ـ وعملوا الصالحات.
3 ـ وتواصوا بالحق.
4 ـ وتواصوا بالصبر.
تفسير العثيمين
ومن تفسير السعدي:
وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات:
الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.
والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده ، الواجبة والمستحبة.
والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.
والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة.
فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح [العظيم].
تفسير لسعدي لسورة العصر


وهنا يقول:
{{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا *}}.الكهف 104
قوله تعالى: { {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} } يعني ضاع سعيهم وبَطل في الحياة الدنيا لكنهم: { {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} } فَغُطي عليهم الحق ـ والعياذ بالله ـ وظنوا وهم على باطل أن الباطل هو الحق، وهذا كثير، فاليهود مثلاً يظنون أنهم على حق، والنصارى يظنون أنهم على حق، والشيوعيون يظنون أنهم على حق، كل واحد منهم يظن أنه على حق، ولذلك مكثوا على ما هم عليه، ومنهم من يعلم أنه ليس على حق، لكنه ـ والعياذ بالله ـ لاستكباره واستعلائه أصر على ما هو عليه.تفسير الشيخ العثيمين
وقد ضلَّ سَعْي هؤلاء؛ لأنهم يفعلون الشر، ويظنون أنه خير فهم ضالّون من حيث يظنون الهداية.
ومن ذلك ما نراه من أعمال الكفار حيث يبنون المستشفيات والمدارس وجمعيات الخير والبر، ويُنَادون بالمساواة وغيرها من القيم الطيبة، ويحسبون بذلك أنهم أحسنوا صُنْعاً وقدَّموا خَيْراً، لكن هل أعمالهم هذه كانت لله؟ الواقع أنهم يعملونها للناس وللشهرة وللتاريخ، فليأخذوا أجورهم من الناس ومن التاريخ تعظيماً وتكريماً وتخليداً لذكراهم.
ومعنى: { ضَلَّ سَعْيُهُمْ} [ الكهف: 104] أي: بطُل وذهبوكأنه لا شيءَ، مثل السراب كما صَوَّرهم الحق سبحانه في قوله:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ }النور39
وهؤلاء لا يبخسهم الله حقوقهم، ولا يمنعهم الأَجْر؛ لأنهم أحسنوا الأسباب، لكن هذا الجزاء يكون في الدنيا؛ لأنهم لما عملوا وأحسنوا الأسباب عملوا للدنيا، ولا نصيبَ لهم في جزاء الآخرة.
وقد أوضح الحق سبحانه وتعالى هذه المسألة في قوله تعالى: { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِن نَّصِيبٍ} [ الشورى: 20] .
ومع ذلك يُبقي للكافر حَقَّه، فلا يجوز لأحد من المؤمنين أنْ يظلمه أو يعتدي عليه، وفي حديث جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قال: «
«يَحشُرُ اللهُ العِبادَ يومَ القِيامةِ – أو قال : الناسَ – عُراةً غُرلًا بُهمًا قال : قُلْنا وما ( بُهْمًا ) ؟ قال ليس مَعَهُم شيءٌ ، ثُم ينادِيهم بصوتٍ يسمعُه مَنْ بَعُدَ كما يسمعُه مَن قَرُبَ : أنَا الدَّيانُ ، أنَا الملِكُ ، لايَنبغِي لأحدٍ من أهلِ النارِ أنْ يدخلَ النارَ ولهُ عند أحدٍ من أهل ِالجنةِ حقٌ ؛ حتى أقُصُّه مِنه ، ولاينبغِي لأحدٍ من أهلِ الجنةِ أنْ يدخلَ الجنةَ ولِأحدٍ من أهلِ النارِ عِندَه حقٌ حتى أقُصُّهُ مِنه ، حتى اللطْمةَ قال : قُلنا : كيفَ ، وإنَّما نأتِي عُراةً غُرلًا بُهمًا ؟ ! قال : الحسناتُ والسيئاتُ" الراوي : عبدالله بن أنيس المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترغيب الصفحة أو الرقم: 3608 خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره
الدرر السنية
فانظر إلى دِقَّة الميزان وعدالة السماء التي تراعي حَقَّ الكافر، فتقتصّ له قبل أنْ يدخل النارَ، حتى ولو كان ظالمه مؤمناً.
وفي قوله تعالى: { ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا} [ الكهف: 104] جاءت كلمة الضلال في القرآن الكريم في عِدّة استعمالات يُحدِّدها السياق الذي وردتْ فيه.
فقد يأتي الضلال بمعنى الكفر، وهو قمة الضلال وقمة المعاصي، كما جاء في قول الحق تبارك وتعالى: { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ موسى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الكفر بالإيمان فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل} [ البقرة: 108] .
ويُطلق الضلال، ويُراد به المعصية حتى من المؤمن، كما جاء في قوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً} [ الأحزاب: 36] .
ويُطلق الضلال، ويُراد به أنْ يغيب في الأرض، كما في قوله تعالى:
{وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ }السجدة10
يعني: غِبْنا فيها واختفينا.

- غبنا فيها بأن صرنا ترابا مختلطا بترابها-
ويُطلَق الضلال ويُراد به النسيان، كما في قوله تعالى: { أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى} [ البقرة: 282]
ويأتي الضلال بمعنى الغفلة التي تصيب الإنسان فيقع في الذنب دون قصد.
كما جاء في قصة موسى وفرعون حينما وكز موسى الرجل فقضى عليه، فلما كلمه فرعون قال:
{قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ }الشعراء20
أي: قتلتُه حال غفلة ودون قصد، ومَنْ يعرف أن الوكزة تقتل؟ والحقيقة أن أجلَ الرجل جاء مع الوكزة لا بها.
ويحدث كثيراً أن واحداً تدهسه سيارة وبتشريح الجثة يتبين أنه مات بالسكتة القلبية التي صادفتْ حادثة السيارة.
ويأتي الضلال بمعنى: أَلاّ تعرف تفصيل الشيء، كما في قوله تعالى:
{وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى }الضحى7 أي: لا يعرف ما هذا الذي يفعله قومه من الكفر.
ووجدك لا تدري ما الكتاب ولا الإيمان, فعلَّمك ما لم تكن تعلم, ووفقك لأحسن الأعمال
ثم يقول الحق سبحانه: { أولئك الذين كَفَرُواْ}
هنا

* * *

أم أبي التراب 06-07-2017 02:05 PM

المجلس الواحد و السبعون
7 رجب 1436 هـ

{{أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً *}}.الكهف 105
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ ْ} أي: جحدوا الآيات القرآنية والآيات العيانية، الدالة على وجوب الإيمان به، وملائكته، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر.

{ فَحَبِطَتْ ْ} بسبب ذلك { أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ْ} لأن الوزن فائدته، مقابلة الحسنات بالسيئات، والنظر في الراجح منها والمرجوح، وهؤلاء لا حسنات لهم لعدم شرطها، وهو الإيمان، كما قال تعالى { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ْ} لكن تعد أعمالهم وتحصى، ويقررون بها، ويخزون بها على رءوس الأشهاد، ثم يعذبون عليها
تفسير السعدي

قوله تعالى: { بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } الكونية أو الشرعية؟
الظاهر كلتاهما، لكن الذين كذبوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم،كذبوا بالآيات الشرعية، ولم يكذبوا بالآيات الكونية، والدليل أن الله تعالى أخبر أنهم إذا سُئلوا: من خلق السموات والأرض؟ يقولون: الله ـ عزّ وجل ـ،
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ }العنكبوت61
ولا أحد منهم يدعي أن هنالك خالقاً آخر مع الله، لكنهم كذبوا بالآيات الشرعية، كذبوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ كذبوا بما جاء به، فهم داخلون في الآية.

{ {وَلِقَائِهِ} } أي: كذبوا بلقاء الله، ومتى يكون لقاء الله؟
الجواب: يكون يوم القيامة، فهؤلاء كذبوا بيوم القيامة وجادلوا، وأُروا الآيات ولكنهم أصروا، قال الله تعالى: {{ أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}} [يس: 77 ـ 78] يكذبنا فيه فقال: {{مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}} [يس: 78] تَحَدٍّ! من يحييها؟ رميم لا فيها حياة ولا شيء؟
{{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ}} [يس: 79] ومن الذي أنشأها أوّل مرة؟
الجواب: هو الله، والإعادة أهون من الابتداء كما قال الله عزّ وجل: {{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}} [الروم: 27] هذا دليل، إذاً الدليل على إمكان البعث، وإحياء العظام وهي رميم:
1 ـ أن الله تعالى ابتدأها ، ولما قال زكريا حين بُشِّر بالولد وكان قد بلغ في الكِبَر عتيا، إن امرأته عاقر، قال الله تعالى: {{قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا *}} [مريم: 9] ، فالذي خلقك من قبل، وأنت لم تكن شيئاً قادر على أن يجعل لك ولداً.
2 ـ {{وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}} [يس: 79] وإذا كان الله بكل خلق عليماً، فإنه لن يتعذر عليه أن يخلق ما يشاء، من الذي يمنعه إذا كان عليماً بكل خلق؟
الجواب: لا أحد يمنعه.
3 ـ {{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ *}} [يس: 80] شجر أخضر يخرج منه نار، فالشجر الأخضر يضرب بالزند ثم ينقدح ناراً، وكان العرب يعرفون هذا، فالذي يخرج هذه النار، وهي حارة يابسة من غصن رطب بارد، يعني متضادان غاية التضاد، قادر على أن يخلق الإنسان، أو أن يعيد خلق العظام وهي رميم، ثم حقق هذه النار بقوله: {{فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ}} تفسير الشيخ العثيمين
قال ابن كثير في تفسيره :
وقوله تعالى: "
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ " أي الذي بدأ خلق هذا الشجر من ماء حتى صار خضرًا نضرًا ذا ثمر وينع ثم أعاده إلى أن صار حطبا يابسا توقد به النار كذلك هو فعال لما يشاء قادر على ما يريد لا يمنعه شيء قال قتادة في قوله "الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون" يقول الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر على أن يبعثه وقيل المراد بذلك شجر المرخ والعفار ينبت في أرض الحجاز فيأتي من أراد قدح نار وليس معه زناد فيأخذ منه عودين أخضرين ويقدح أحدهما بالآخر فتتولد النار من بينهما كالزناد سواء وروي هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما وفي المثل: لكل شجر نار واستمجد المرخ والغفار وقال الحكماء في كل شجر نار إلا العناب. هنا
قال الشيخ العثيمين:
4 ـ { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ }؟ [يس: 81] .
الجواب: بلى، قال الله تعالى: { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر: 57] فالذي خلق السموات والأرض بِكِبَرِهَا، وعظمها قادر على أن يعيد جزءاً من لا شيء بالنسبة للأرض، من أنت يا ابن آدم بالنسبة للأرض؟ لا شيء، أنت خُلقتَ منها، أنت بعض يسير منها، فالذي قدر على خلق السموات والأرض، قادر على أن يخلق مثلهم، قال الله تعالى مجيباً نفسه: {{بَلَى}} [يس: 81] .
5 ـ {{وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ}} [يس: 81] الخلاَّق صيغة مبالغة، وإن شئت فاجعلها نسبة، يعني أنه موصوف بالخلق أزلا وأبدا، وهو تأكيد لقوله قبل: {{وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}} [يس: 79] .
6 ـ {{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *}} [يس: 82] لا يحتاج إلى عمال ولا بنَّائين ولا أحد {{كُنْ فَيَكُونُ}}؛ ولهذا قال عزّ وجل: {{إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ *}} [يس: 53] ، كلمة واحدة.-حصلتْ من نفخ إسرافيلَ عليه السَّلامُ في الصُّور- تفسير أبي السعود
7 ـ {{فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ}} [يس: 83] كل شيء فبيده ملكوته ـ عزّ وجل ـ يتصرف كما يشاء، فنسأله ـ عزّ وجل ـ أن يهدينا صراطه المستقيم.
8 ـ {{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}} [يس: 83] فهذا هو الدليل الثامن. وإنما كان دليلاً؛ لأنه لولا رجوعنا إلى الله ـ عزّ وجل ـ لكان وجودنا عبثاً، وهذا ينافي الحكمة، فتأمل سياق هذه الأدلة الثمانية في هذا القول الموجز، ومع ذلك ينكرون لقاء الله.
في قوله: { بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } إلزام لهم بالإيمان؛ لأنه كونه ربهم ـ عزّ وجل ـ يجب أن يطيعوه وأن يؤمنوا به، لكن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن.
{ {فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} } يعني بَطَلَت ولم ينتفعوا بها، حتى لو أن الكافر أحسن وأصلح الطرق وبنى الرُّبط، وتصدق على الفقراء فإن ذلك لا ينفعه، إن أراد الله أن يثيبه عجل الله له الثواب في الدنيا، أما في الآخرة فلا نصيب له، نعوذ بالله نسأل الله الحماية والعافية، لأن أعماله حبطت، ولكن هل يحبط العمل بمجرد الردة أم لا بد من شرط؟
الجواب: لا بد من شرط، وهو أن يموت على ردته، قال الله تعالى: {{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}} [البقرة: 217] . أما لو ارتد، ثم مَنَّ الله عليه بالرجوع إلى الإسلام، فإنه يعود عليه عمله الصالح السابق للردة.
{ {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} } يعني أنه لا قدر لهم عندنا ولا ميزان، وهو كناية عن سقوط مرتبتهم عند الله عزّ وجل.
وقيل: إن المعنى أننا لا نزنهم، لأن الوزن إنما يحتاج إليه لمعرفة ما يترجح من حسنات أو سيئات، والكافر ليس له عمل حتى يوزن، ولكن الصحيح أن الأعمال توزن كُلَّها، قال الله تعالى: {{الْقَارِعَةُ *مَا الْقَارِعَةُ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ *يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ *وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ *فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ *فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ *وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ *فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَه *نَارٌ حَامِيَةٌ *}} [القارعة: 6 ـ 11] . فيقام الوزن؛ لإظهار الحجة عليه، والمسألة هذه فيها خلاف.
* * *
*{{ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا *}}.الكهف 106
قوله تعالى: { {ذَلِكَ} } يعني ذلك المذكور من أنه لا يقام لهم الوزن وأن أعمالهم تكون حابطة.
{ {جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا} } الباء للسببية و(ما) مصدرية وتقدير الكلام: بكفرهم.
{ {وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} } قوله: { {وَاتَّخَذُوا} } معطوفة على { {كَفَرُوا} } أي: بما كفروا واتخذوا، فهم ـ والعياذ بالله ـ كفروا وتعدى كفرهم إلى غيرهم، صاروا يستهزئون بالآيات، ويستهزئون بالرسل، ولم يقتصروا على كفرهم بالله.
{ {هُزُوًا} } أي: محلَّ هُزؤ، يسخرون منهم، ولهذا قال الله ـ عزّ وجل ـ للرسول صلّى الله عليه وسلّم: {{وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا}} [الأنبياء: 36] ويقولون: {{أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً}} ! [الفرقان: 41] ، والاستفهام هنا لا يخفى أنه للتحقير، أهذا الرسول! {{إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا}} [الفرقان: 42] . أعوذ بالله؛ يفتخرون أنهم صبروا على آلهتهم وانتصروا لها.
* * *
تفسير الشيخ العثيمين

أم أبي التراب 06-07-2017 02:06 PM

المجلس الثاني و السبعون
14 رجب 1436 هـ
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً *"الكهف 107
قال ثعلب : كل بستان يحوّط عليه فهو فردوس.
تفسير البحر المحيط

أي: إن الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم، وشمل هذا الوصف جميع الدين، عقائده، وأعماله، أصوله، وفروعه الظاهرة، والباطنة، فهؤلاء -على اختلاف طبقاتهم من الإيمان والعمل الصالح -لهم جنات الفردوس.

يحتمل أن المراد بجنات الفردوس، أعلى الجنة، وأوسطها، وأفضلها، وأن هذا الثواب، لمن كمل فيه الإيمان والعمل الصالح، والأنبياء والمقربون.
ويحتمل أن يراد بها، جميع منازل الجنان، فيشمل هذا الثواب، جميع طبقات أهل الإيمان، من المقربين، والأبرار، والمقتصدين، كل بحسب حاله، وهذا أولى المعنيين لعمومه، ولذكر الجنة بلفظ الجمع المضاف إلى الفردوس، ولأن الفردوس يطلق على البستان، المحتوي على الكرم، أو الأشجار الملتفة، وهذا صادق على جميع الجنة، فجنة الفردوس نزل، وضيافة لأهل الإيمان والعمل الصالح، وأي: ضيافة أجل وأكبر، وأعظم من هذه الضيافة، المحتوية على كل نعيم، للقلوب، والأرواح، والأبدان، وفيها ما تشتهيه الأنفس.
وتلذ الأعين، من المنازل الأنيقة، والرياض الناضرة، والأشجار المثمرة،.
والطيور المغردة المشجية، والمآكل اللذيذة، والمشارب الشهية، والنساء الحسان، والخدم، والولدان، والأنهار السارحة، والمناظر الرائقة، والجمال الحسي والمعنوي، والنعمة الدائمة، وأعلى ذلك وأفضله وأجله، التنعم بالقرب من الرحمن ونيل رضاه، الذي هو أكبر نعيم الجنان، والتمتع برؤية وجهه الكريم، وسماع كلام الرءوف الرحيم، فلله تلك الضيافة، ما أجلها وأجملها، وأدومها وأكملها"، وهي أعظم من أن يحيط بها وصف أحد من الخلائق، أو تخطر على القلوب، فلو علم العباد بعض ذلك النعيم علما حقيقيا يصل إلى قلوبهم، لطارت إليها قلوبهم بالأشواق، ولتقطعت أرواحهم من ألم الفراق، ولساروا إليها زرافات ووحدانا، ولم يؤثروا عليها دنيا فانية، ولذات منغصة متلاشية، ولم يفوتوا أوقاتا تذهب ضائعة خاسرة، يقابل كل لحظة منها من النعيم من الحقب آلاف مؤلفة، ولكن الغفلة شملت، والإيمان ضعف، والعلم قل، والإرادة نفذت فكان، ما كان، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. تفسير السعدي

بدل ما كانت جهنم نزلا للكافرين، صارت جنات الفردوس نزلا للمؤمنين، لكن بشرطين:
1 ـ الإيمان 2 ـ العمل الصالح. والإيمان محله القلب، والعمل الصالح محله الجوارح، وقد يراد به أيضاً عمل القلب، كالتوكل والخوف والإنابة والمحبة، وما أشبه ذلك.
و{ {الصَّالِحَاتِ} } هي التي كانت خالصة لله، وموافقة لشريعة الله.
ولا يمكن أن يكون العمل صالحاً إلاَّ بهذا، الإخلاص لله، والموافقة لشريعة الله، فمن أشرك؛ فعمله غير صالح، ومن ابتدع فعمله غير صالح، ويكون مردوداً عليهما، ودليل ذلك قوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» [(53)].
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» [(54)]. أي: مردود عليه، فصار العمل الصالح ما جمع وصفين: الإخلاص لله، والمتابعة لشريعة الله، أو لرسول الله؟
الجواب: لشريعة الله أحسن، إلاَّ إذا أريد بالمتابعة لرسول الله، الجنس، دون محمد صلّى الله عليه وسلّم فنعم، لأن المؤمنين من قوم موسى وقوم عيسى يدخلون في هذا.
قوله: { {كَانَتْ لَهُمْ} } هل المراد بالكينونة هنا الكينونة الماضية، أو المراد تحقيق كونها نزلاً لهم؟ كقوله تعالى: {{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}}؟ نقول: الأمران واقعان، فكانت في علم الله نزلا لهم، وكانت نزلا لهم على وجه التحقيق؛ لأن «كان» قد يسلب منها معنى الزمان، ويكون المراد بها التحقيق.
{ {جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} } هل هذا من باب إضافة الموصوف إلى صفته، أو لأن الفردوس هو أعلى الجنَّات، والجنَّات الأُخرى تحته؟
الجواب: الظاهر الثاني لأنه ليس جميع المؤمنين الذين عملوا الصالحات ليسوا كلهم في الفردوس، بل هم في جنات الفردوس، والفردوس قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ»
- من آمن باللهِ وبرسولِه ، وأقام الصَّلاةَ ، وصام رمضانَ ، كان حقًّا على اللهِ أن يُدخِلَه الجنَّةَ ، جاهِدْ في سبيلِ اللهِ ، أو جلس في أرضِه الَّتي وُلِد فيها . فقالوا : يا رسولَ اللهِ ، أفلا نُبشِّرُ النَّاسَ ؟ قال : إنَّ في الجنَّةِ مائةَ درجةٍ ، أعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيلِ اللهِ ، ما بين الدَّرجتَيْن كما بين السَّماءِ والأرضِ ، فإذا سألتم اللهَ فاسألوه الفردوسَ ، فإنَّه أوسَطُ الجنَّةِ ، وأعلَى الجنَّةِ - أراه - فوقه عرشُ الرَّحمنِ

الراوي : أبو هريرة المحدث : البخاري -المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 2790 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
الدرر السنية

أعلى الجنة ووسط الجنة معناه أن الجنة مثل القبَّة، وفيه أيضاً وصف رابع: ومنه تفجر أنهار الجنة.
تفسير العثيمين
*قال البخاري في صحيحه:حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ " فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ"
صحيح البخاري - كِتَاب بَدْءِ الْخَلْقِ - الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ثلاثون ميلا -حديث رقم 3072 .موقع الإسلام
* * *
{{خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً *}}.الكهف 108

" خَالِدِينَ فِيهَا ْ" هذا هو تمام النعيم، إن فيها النعيم الكامل، ومن تمامه أنه لا ينقطع " لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ْ" أي: تحولا ولا انتقالا، لأنهم لا يرون إلا ما يعجبهم ويبهجهم، ويسرهم ويفرحهم، ولا يرون نعيما فوق ما هم فيه.تفسير السعدي
"لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً " تنبيه على رغبتهم فيها وحبهم لها مع أنه قد يتوهم فيمن هو مقيم في المكان دائمًا أنه قد يسأمه أو يمله؛ فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي؛ لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولا ولا انتقالاً ولا ظعنًا ولاً رحلة ولا بدلاً.تفسيرابن كثير
قوله تعالى: { {خَالِدِينَ فِيهَا} } أبداً، ولا نزاع في هذا بين أهل السنة.
{ {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} } أي لا يطلبون عنها بدلاً، { {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} } أي: تحولا؛ لأن كل واحد راضٍ بما هو فيه من النعم، وكل واحد لا يرى أن أحداً أكمل منه، وهذا من تمام النعيم، أنت مثلاً لو نزلت قصراً منيفاً فيه من كل ما يبهج النفس، ولكنك ترى قصر فلان أعظم منه، هل يكمل سرورك؟
الجواب: من يريد الدنيا لا يكمل سروره، لأنه يرى أن غيره خير منه، لكن في الجنة، وإن كان الناس درجات، لكن النازل منهم ـ وليس فيهم نازل ـ يرى أنه لا أحد أنعم منه، عكس أهل النار، أهل النار يرى الواحد منهم أنه لا أحد أشد منه، وأنه أشدهم عذاباً.
{ {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} } يعني لو قيل للواحد: هل ترغب أن نجعلك في مكان آخر غير مكانك لقال: «لا»، وهذا من نعمة الله على الإنسان أن يقنع الإنسان بما أعطاه الله ـ عزّ وجل ـ وأن يطمئن ولا يقلق.
تفسير العثيمين * * *

أم أبي التراب 06-07-2017 02:06 PM

المجلس الثالث و السبعون
21 رجب 1436 هـ
"قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا *"الكهف 109
وهذا من باب تقريب المعنى إلى الأذهان، لأن هذه الأشياء مخلوقة، وجميع المخلوقات، منقضية منتهية، وأما كلام الله، فإنه من جملة صفاته، وصفاته غير مخلوقة، ولا لها حد ولا منتهى، فأي سعة وعظمة تصورتها القلوب فالله فوق ذلك، وهكذا سائر صفات الله تعالى، كعلمه، وحكمته، وقدرته، ورحمته، فلو جمع علم الخلائق من الأولين والآخرين، أهل السماوات وأهل الأرض، لكان بالنسبة إلى علم العظيم، أقل من نسبة عصفور وقع على حافة البحر، فأخذ بمنقاره من البحر بالنسبة للبحر وعظمته، ذلك بأن الله، له الصفات العظيمة الواسعة الكاملة، وأن إلى ربك المنتهى.تفسير السعدي
* قوله تعالى: { قل } أي: يا محمد: { لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا } يعني حبراً يكتب به { لِكَلِمَاتِ رَبِّي }.
{ {لَنَفِدَ الْبَحْرُ} } قبل أن تنفد كلمات الله ـ عزّ وجل ـ، لأنه المدبر لكل الأمور، وبكلمة {{كُنْ}} لا نَفاد لكلامه ـ عزّ وجل ـ، بل أن في الآية الأخرى {{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ}} ، أي: لو كان أقلاماً {{وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}} [لقمان: 27] . لَنَفِد البحر وتكسرت الأقلام وكلمات الله ـ جلَّ وعلا ـ باقية.
{ {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} } يعني زيادة، فإن كلمات الله لا تنفد، وفي هذا نص صريح على إثبات كلام الله ـ عزّ وجل ـ، وكلمات الله ـ عزّ وجل ـ كونية، وشرعية، أما الشرعية فهو ما أوحاه إلى رسله، وأما الكونية فهي ما قضى به قَدَرهُ {{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *}} [يس: 82] ، وكل شيء بإرادته، إذاً فهو يقول لكل شيء {{كُنْ فَيَكُونُ}}، ومن الكلمات الشرعية ما أوحاه ـ عزّ وجل ـ إلى من دون الرسل، كالكلمات التي أوحاها إلى آدم، فإن آدم عليه الصلاة والسلام، نبي وليس برسول، وقد أمره الله ونهاه، والأمر والنهي كلمات شرعية.
تفسير العثيمين * * *
كَلِمَاتُ اللَّهِ نَوْعَانِ : كَوْنِيَّةٌ ، وَدِينِيَّةٌ .

فَكَلِمَاتُهُ الْكَوْنِيَّةُ هِيَ الَّتِي اسْتَعَاذَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ . قَالَ تَعَالَى : [ ص: 750 ] إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ يس : 82 ] . وَقَالَ تَعَالَى : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ [ الْأَنْعَامِ : 115 ] . وَالْكَوْنُ كُلُّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ ، وَسَائِرِ الْخَوَارِقِ .

وَالنَّوْعُ الثَّانِي : الْكَلِمَاتُ الدِّينِيَّةِ ، وَهِيَ الْقُرْآنُ وَشَرْعُ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ ، وَهِيَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ وَخَبَرُهُ ، وَحَظُّ الْعَبْدِ مِنْهَا الْعِلْمُ بِهَا ، وَالْعَمَلُ ، وَالْأَمْرُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ، كَمَا أَنَّ حَظَّ الْعِبَادِ عُمُومًا وَخُصُوصًا الْعِلْمُ بِالْكَوْنِيَّاتِ وَالتَّأْثِيرُ فِيهَا ، أَيْ بِمُوجَبِهَا . فَالْأُولَى تَدْبِيرِيَّةٌ كَوْنِيَّةٌ ، وَالثَّانِيَةُ شَرْعِيَّةٌ دِينِيَّةٌ . فَكَشْفُ الْأُولَى الْعِلْمُ بِالْحَوَادِثِ الْكَوْنِيَّةِ ، وَكَشْفُ الثَّانِيَةِ الْعَلَمُ بِالْمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِيَّةِ .
وَقُدْرَةُ الْأُولَى التَّأْثِيرُ فِي الْكَوْنِيَّاتِ ، إِمَّا فِي نَفْسِهِ كَمَشْيِهِ عَلَى الْمَاءِ ، وَطَيَرَانِهِ فِي الْهَوَاءِ ، وَجُلُوسِهِ فِي النَّارِ ، وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ ، بِإِصْحَاحٍ وَإِهْلَاكٍ ، وَإِغْنَاءٍ وَإِفْقَارٍ .

وَقُدْرَةُ الثَّانِيَةِ التَّأْثِيرُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ ، إِمَّا فِي نَفْسِهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالتَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ بِأَنْ يَأْمُرَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُطَاعَ فِي ذَلِكَ طَاعَةً شَرْعِيَّةً .

فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ ، فَاعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ الْخَوَارِقِ عِلْمًا وَقُدْرَةً لَا تَضُرُّ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ ، فَمَنْ لَمْ يَنْكَشِفْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ ، وَلَمْ يُسَخَّرْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْكَوْنِيَّاتِ - : لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ فِي مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ ، بَلْ قَدْ يَكُونُ [ ص: 751 ] عَدَمُ ذَلِكَ أَنْفَعَ لَهُ ، فَإِنَّهُ إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ الدِّينُ وَإِلَّا هَلَكَ صَاحِبُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَإِنَّ الْخَارِقَ قَدْ يَكُونُ مَعَ الدِّينِ ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ عَدَمِهِ ، أَوْ فَسَادِهِ ، أَوْ نَقْصِهِ .شرح العقيدة الطحاوية

لأن قدرته تعالى لا حدود لها، ومادامت قدرته لا حدود لها فالمقدورات أيضاً لا حدود لها؛ لذلك لو كان البحر مداداً أي: حِبْراً يكتب به كلمات الله التي هي (كُنْ) التي تبرز المقدورات ما كان كافياً لكلمات الله { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} [ الكهف: 109] أي: بمثل البحر.
ونحن نقول مثلاً عن السلعة الجيدة: لا يستطيع المصنع أنْ يُخرِج أحسن من هذه، أما صنعة الله فلا تقف عند حد؛ لأن المصنع يعالج الأشياء، أما الحق تبارك وتعالى فيصنعها بكلمة كُنْ؛ لذلك نجد في أرقى فنادق الدنيا أقصى ما توصَّل إليه العلم في خدمة البشر أنْ تضغط على زِرِّ معين، فيُخرِج لك ما تريد من طعام أو شراب.
وهذه الأشياء بلا شكَّ مُعدَّة ومُجهَّزة مُسْبقاً، فقط يتم استدعاؤها بالضغط على زر خاص بكل نوع، لكن هل يوجد نعيم في الدنيا يحضر لك ما تريد بمجرد أن يخطر على بالك؟ إذن: فنعيم الدنيا له حدود ينتهي عندها.

لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: { حتى إِذَآ أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وازينت وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بالأمس كذلك نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [ يونس: 24] .

وكأن الحق سبحانه يقول لنا: لقد استنفدتم وسائلكم في الدنيا، وبلغتم أقصى ما يمكن من مُتَعِها وزينتها، فتعالوا إلى ما أعددتُه أنا لكم، اتركوا ما كنتم فيه من أسباب الله، وتعالوا عِيشُوا بالله، كنتم في عالم الأسباب فتعالوْا إلى المسبِّب.
وإنْ كان الحق سبحانه قد تكلم في هذه الآية عن المداد الذي تُكتب به كلمات الله، فقد تكلَّم عن الأقلام التي يكتب بها في آية أخرى أكثر تفصيلاً لهذه المسألة، فقال تعالى: { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله} [ لقمان: 27] .
ونقف هنا عند دِقَّة البيان القرآني، فلو تصوَّرنا ما في الأرض من شجر أقلام، مع ما يتميز به الشجر من تجدُّد مستمر، وتكرُّر دائم يجعل من الأشجار ثروة لا حَصْر لها ولا تنتهي، وتصوَّرنا ماء البحر مداداً يُكتب به إلا أنّ ماء البحر منذ خلقه الله تعالى محدود ثابت لاَ يزيد ولا ينقص.
لذلك لما كان الشجر يتجدَّد ويتكرَّر، والبحر ماؤه ثابت لا يزيد.

قال سبحانه: { والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [ لقمان: 27] ليتناسب تزايد الماء مع تزايد الشجر، والمراد سبعة أمثاله، واختار هذا العدد بالذات؛ لأنه مُنتَهى العدد عند العرب.هنا
**************


الساعة الآن 04:31 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر