تفسير سورة الانشقاق
تفسير سورة الانشقاق "إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ *وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ* وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ* وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا" مقدمة وتمهيد 1- سورة «الانشقاق» من السور المكية، عدد آياتها خمس وعشرون آية في المصحف المكي والكوفي. وفي المصحف الشامي والبصري ثلاث وعشرون آية. 2- والسورة الكريمة ابتدأت بوصف أشراط الساعة. ثم فَصَّلَتِ الحديثَ عن أحوالِ السعداء والأشقياء يوم القيامة، وخلال ذلك حرضت المؤمنين على أن يزدادوا من الإيمان والعمل الصالح، وحذرت الكافرين من سوء عاقبة إصرارهم على كفرهم وفسوقهم. "مَن سرَّهُ أن ينظرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّهُ رأيُ عَينٍ فليقرأ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ، وإِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ"الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3333 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر = في هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "مَن سرَّه"، أي: أعجَبه وأحبَّ "أن يَنظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رَأْيُ عَينٍ"، أي: إلى ما يَحدُثُ فيها مِن مواقِفَ متعدِّدةٍ وأهوالٍ عظيمةٍ، فيَرى تِلك الأشياءَ كأنَّها أمامَه- "فَلْيقرَأْ" إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ"، و" إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ"، و"إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ"، أي: يَقْرَأْ تلك السُّورَ؛ لِما فيها مِن وصْفِ يومِ القيامةِ وما يَحدُثُ فيه، وذِكْرِ أَحوالِه وأَهْوالِه، ومَعْناها" إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ"، أَيْ: لُفَّتْ وأُلقِيَتْ في النَّارِ، أو بِمَعنى: رُفِعَتْ، أو لُفَّ ضَوْءُها، أو أُلقِيَتْ عن فَلَكِها، أو أَظلَمَتْ، أو نُكِّسَتْ، و" إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ"، أيِ: انْشَقَّتْ، وتَصَدَّعَت، و" إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ" أيِ: انْصَدَعَت وتشقَّقَت. وفي الحديثِ: اشتِمالُ هذه السُّورةِ وأمثالِها عَلى ذِكْرِ أحْوالِ يَومِ القِيامَةِ وأهْوالِه. وفيه: أنَّ في القرآنِ غُنْيَةً مِن العِلْمِ بأحوالِ القيامةِ والآخرةِ لِمَن أرادَ أن يَعتَبِرَ ويتَذكَّرَ.هنا = = محور هذه السورة الساعة وما يتصل بها،حيث تحدثت هذه السورة الكريمة عن بعض أهوال هذا اليوم،ثم تحدثت عن حال الإنسان السعيد الذي يلقى كتابَهُ بيمينِهِ،والشقي الذي يلقى كتابَه وراء ظهرِهِ ،ثم تبع الحديث أحوال المخاطبين عمومًا ، ثم تبع ذلك مآل الكفار ومآل المؤمنين. التفسير: "إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ "الانشقاق : 1. قوله "انْشَقَّتْ" من الانشقاق بمعنى الانفطار والتصدع ، بحيث تتغير هيئتها . ويختل نظامها .يَقُولُ تَعَالَى مُبَيِّنًا لِمَا يَكُونُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ تَغَيُّرِ الْأَجْرَامِ الْعِظَامِ " إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ " أَيِ: انْفَطَرَتْ وَتَمَايَزَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَانْتَثَرَتْ نُجُومُهَا، وَخُسِفَ بِشَمْسِهَا وَقَمَرِهَا. وَزَالَ جَمَالُهَا، "وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ"الانشقاق : 2. أَيِ: اسْتَمَعَتْ لِأَمْرِهِ، وَأَلْقَتْ سَمْعَهَا، وَأَصَاخَتْ لِخِطَابِهِ، وَحَقَّ لَهَا ذَلِكَ، فَإِنَّهَا مُسَخَّرَةٌ مُدَبِّرَةٌ تَحْتَ مُسَخِّرٍ مَلِكٍ عَظِيمٍ، لَا يُعْصَى أَمْرُهُ، وَلَا يُخَالَفُ حُكْمُهُ. تفسير السعدي = هنا = "وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ" الانشقاق : 3. أَيْ: رُجِفَتْ وَارْتُجَّتْ، وَنُسِفَتْ عَلَيْهَا جِبَالُهَا، وَدُكَّ مَا عَلَيْهَا مِنْ بِنَاءٍ وَمَعْلَمٍ، فَسُوِّيَتْ، وَمَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى مَدَّ الْأَدِيمِ، حَتَّى صَارَتْ وَاسِعَةً جَدًا، تَسِعُ أَهْلَ الْمَوْقِفِ عَلَى كَثْرَتِهِمْ، فَتَصِيرُ قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمَتًا. "وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ " الانشقاق : 4. وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا مِنَ الْأَمْوَاتِ وَالْكُنُوزِ. وَتَخَلَّتْ مِنْهُمْ- أي: خَلَتْ مِنْهَم -فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَتُخْرَجُ الْأَمْوَاتُ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَتُخْرِجُ الْأَرْضُ كُنُوزَهَا، حَتَّى تَكُونَ كَالْإِسْطُوَانِ الْعَظِيمِ، يُشَاهِدُهُ الْخَلْقُ، وَيَتَحَسَّرُونَ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ يَتَنَافَسُونَ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ أَيْ: إِنَّكَ سَاعٍ إِلَى اللَّهِ، وَعَامِلٌ بِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَمُتَقَرِّبٌ إِلَيْهِ إِمَّا بِالْخَيْرِ وَإِمَّا بِالشَّرِّ، ثُمَّ تُلَاقِي اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَا تَعْدَمُ مِنْهُ جَزَاءً بِالْفَضْلِ إِنْ كُنْتَ سَعِيدًا، وَبِالْعُقُوبَةِ إِنْ كُنْتَ شَقِيًّا . تفسير السعدي = هنا = "وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ"الانشقاق : 5. أَيْ اسْتَمَعَتْ لِرَبِّهَا ، وَأَطَاعَتْ أَمْرَهُ فِيمَا أَمَرَهَا بِهِ مِنَ الِانْشِقَاقِ " وَحُقَّتْ " أَيْ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تُطِيعَ أَمْرَهُ لِأَنَّهُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا يُمَانَعُ وَلَا يُغَالَبُ بَلْ قَدْ قَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ وَذَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ = تفسير ابن كثير = " يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ"الانشقاق : 6. "الْكَادِحُ": الْعَامِلُ بِشِدَّةٍ وَسُرْعَةٍ وَاجْتِهَادٍ مُؤَثِّرٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّكَ عَامِلٌ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، وَأَنْتَ لَا مَحَالَةَ فِي ذَلِكَ سَائِرٌ إِلَى رَبِّكَ لِأَنَّ الزَّمَنَ يَطِيرُ بِعُمْرِ الْإِنْسَانِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُدَّةُ عُمْرِهِ فِي سَيْرٍ حَثِيثٍ إِلَى رَبِّهِ."فَمُلَاقِيهِ" أي: مُلَاقٍ جَزَاءَهُ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا. وَهَذِهِ آيَةُ وَعْظٍ وَتَذْكِيرٍ، أَيْ: فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ هَذِهِ الْحَالِ، وَاعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا تَجِدُهُ. تفسير ابن عطية = فعلى الإنسانِ أَنْ يَكُونَ كَدْحُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ، لأنَّه مُلاقِيه لا مَحَالَة ومُلَاقٍ جَزَاءَهُ . ،وَيَشْهَدُ لَهُ الحديثُ الآتي: "قال لِي جبريلُ : يا مُحمدُ عِشْ ما شِئتَ فإنَّكَ مَيِّتٌ ، وأحْبِبْ مَنْ شِئتَ فإنَّكَ مُفارِقُهُ ، واعملْ ما شِئتَ فإنَّكَ مُلاقِيهِ"الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 4355 - خلاصة حكم المحدث : حسن- الدرر = "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ"الانشقاق : 7. فِي هَذَا التَّفْصِيلِ بَيَانٌ لِمَصِيرِ الْإِنْسَانِ نَتِيجَةَ كَدْحِهِ ، وَمَا سُجِّلَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ أَعْمَالِهِ = أضواء البيان = قَسَّمَ تَعَالَى النَّاسَ إِلَى الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، فَالْمُؤْمِنُونَ - الصَّادِقُونَ- يُعْطَوْنَ كُتُبُهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ. تفسير ابن عطية = "فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا" الانشقاق : 8. وَ"الْحِسَابُ الْيَسِيرُ" هُوَ الْعَرْضُ، وَأَمَّا مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ فَإِنَّهُ يَهْلَكُ وَيُعَذَّبُ، كَذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "أن عائشةَ زوجَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : كانتْ لا تَسمَعُ شيئًا لا تَعرِفُه، إلا راجَعَتْ فيه حتى تَعرِفَه، وأن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : مَن حُوسِبَ عُذِّبَ . قالتْ عائشةُ : فقُلْتُ : أوليس يقولُ اللهُ تعالى "فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا " . قالتْ : فقال : إنما ذلك العَرضُ، ولكن : مَن نُوقِشَ الحِسابَ يَهْلِكْ".الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 103 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر = = تفسير ابن عطية = وَفِي الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: *قال الإمام مسلمٌ في صحيحِهِ :حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ،قالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ ، قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : فِي النَّجْوَى ؟ قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ ، فَيَقُولُ : هَلْ تَعْرِفُ ؟ فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ ، قَالَ : فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ، فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ ، فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ " حديث رقم: 5101 - من كتاب صحيح مسلم - كتاب التَّوْبَةِ= هنا = شرح الحديث:يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ الله تعالى يُدني المؤمنَ، أي: يُقرِّبه إليه يومَ القيامةِ؛ ليُكلِّمه ويَعرِضَ عليه ذنوبَه فيما بَينَه وبينه، فيضَعُ عليه كنَفَه، والكَنَفُ في اللُّغةِ السَّتْرُ والحِرزُ والنَّاحيةُ، ويَستُره، أي: يَستُرُ عبدَه عن رُؤيةِ الخَلْق له؛ لئلَّا يَفتضحَ أمامَهم فيُخزى، ويُكلِّمه فيها سِرًّا فيقول له: أتعرفُ ذنبَ كذا؟ فيذكِّره بما فعَلَه في الدنيا في لُطفٍ وخفاء، حتَّى إذا قَرَّره بذلك واعترَف بذُنوبه ورأى في نفْسِه أنَّه هلك- أيْ: وتَيقَّن أنَّه داخلٌ النَّار لا محالةَ إلَّا أنْ يتَداركه عفوُ الله- قال: ستَرتُها عليك في الدُّنيا وأنا أغفِرُها لك اليوم، أي: أغْفِرُها لك في هذا اليومِ كما ستَرتُها عليك في الدنيا = الدرر = اللهم استرنا دنيا وأخرى واعف عنا وعافنا . "وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا"الانشقاق : 9. "إِلَى أَهْلِهِ" أَيِ الَّذِينَ أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي الْجَنَّةِ، إِمَّا مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا وَإِمَّا مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ وَإِمَّا مِنَ الْجَمِيعِ. = تفسير ابن عطية = "مَسْرُورًا " أيْ فَرْحَانَ مُغْتَبِطًا بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ= تفسير ابن كثير = ولِأَنَّهُ نَجَا مِنَ الْعَذَابِ وَفَازَ بِالثَّوَابِ =تفسير السعدي = " وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ "الانشقاق : 10. أَيْ بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ تُثْنَى يَدُهُ إِلَى وَرَائِهِ وَيُعْطَى كِتَابَهُ بِهَا كَذَلِكَ .تفسير ابن كثير = "فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا "الانشقاق : 11. أَيْ خَسَارًا وَهَلَاكًا. والثبور : الهلاك ، بأن يقول : يا ثبوراه أقبل فهذا أوان إقبالك .فسوف يطلب الهلاك ، بأن ينادي عليه بحسرة وندامة ويقول : أيها الموت أقبل فهذا أوانك ، لتنقذني مما أنا فيه من سوء . وهذا مِنَ الْخِزْيِ وَالْفَضِيحَةِ، وَمَا يَجِدُ فِي كِتَابِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي قَدَّمَهَا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا "وَيَصْلَى سَعِيرًا" الانشقاق : 12. أيْ: تُحِيطُ بِهِ السَّعِيرُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَيُقْلَّبُ عَلَى عَذَابِهَا. =تفسير السعدي = " إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا "الانشقاق : 13. أَيْ فَرِحًا لَا يُفَكِّرُ فِي الْعَوَاقِبِ وَلَا يَخَافُ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَعْقَبَهُ ذَلِكَ الْفَرَحُ الْيَسِيرُ الْحُزْنَ الطَّوِيلَ .تفسير ابن كثير = حَقّ مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ، أَنَّهُ يَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا يُنَادِي فَرَحًا "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ" الحاقة : 19 .وَهُوَ السُّرُورُ الدَّائِمُ . وَالْآخَرُ سُرُورٌ عَاجِلٌ ، وَهُوَ لِمَنْ أُعْطُوا كُتُبُهُمْ بِشِمَالِهِمْ ; مَسْرُورًا:أَيْ فَرِحًا فِي الدُّنْيَا -بانتهاكِ حرماتِ اللهِ- لَا يُفَكِّرُ فِي الْعَوَاقِبِ وَلَا يَخَافُ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَعْقَبَهُ ذَلِكَ الْفَرَحُ الْيَسِيرُ الْحُزْنَ الطَّوِيلَ وَشَتَّانَ بَيْنَ سُرُورٍ وَسُرُورٍ .وَقَدْ بَيَّنَ - سبحانه - هُنَا نَتِيجَةَ سُرُورِ أُولَئِكَ فِي الدُّنْيَا ، بِأَنَّهُمْ يَصِلُونَ سَعِيرًا " إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ"الانشقاق : 13. وَالْحَوْرُ هُوَ الرُّجُوعُ . لَا يَخْطُرُ الْبَعْثُ عَلَى بَالِهِ، وَقَدْ أَسَاءَ، وَلَا يَظُنُّ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى رَبِّهِ وَمَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ.=تفسير السعدي ==تفسير السعدي = " بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا"الانشقاق : 13. أَيْ عَلِيمًا خَبِيرًا . "بَلَى"، أَيْ: يَحُورُ وَيَرْجِعُ، ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ بَصِيرًا بِهِمْ، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ أَفْعَالُ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَفِي هَذَا وَعِيدٌ. = تفسير ابن عطية = |
فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ * (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24)
التفسير: أَقْسَمَ سبحانَهُ ببعضِ مخلوقاتِهِ ،عَلَى أنَّ مشيئتَهُ نافذةٌ ، وقضاءَهُ لا يُرَدّ ، وحُكْمَهُ لا يتخلفُ. تفسير الوسيط= "فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ"الانشقاق : 16. "لَا" زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: فَأُقْسِمُ، وَقِيلَ: "لَا" رَدًّا عَلَى أَقْوَالِ الْكُفَّارِ، وَابْتَدَأَ الْقَوْلَ: أُقْسِمُ، وَقَسَمُ اللَّهِ تَعَالَى بِمَخْلُوقَاتِهِ هُوَ عَلَى جِهَةِ التَّشْرِيفِ لَهَا وَتَعْرِيضُهَا لِلْعِبْرَةِ، إِذِ الْقَسَمُ بِهَا مُنَبِّهٌ مِنْهَا.تفسير ابن عطية . أَقْسَمَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِآيَاتِ اللَّيْلِ، فَأَقْسَمَ بِالشَّفَقِ الَّذِي هُوَ بَقِيَّةُ نُورِ الشَّمْسِ، الَّذِي هُوَ مُفْتَتَحُ اللَّيْلِ. تفسير السعدي.= *قال صلى الله عليه وسلم"وقْتُ الظُّهرِ إذا زالَتِ الشَّمسُ، وكان ظِلُّ الرَّجلِ كطولِه، ما لَم يَحضُرِ العصرُ، ووقتُ العَصرِ ما لَم تصفَرَّ الشَّمسُ، ووقتُ صلاةِ المغرِبِ ما لَم يَغِبِ الشَّفَقُ، ووقتُ صلاةِ العِشاءِ إلى نِصفِ اللَّيلِ الأوسَطِ، ووقتُ صلاةِ الصُّبحِ مِن طُلوعِ الفَجرِ، ما لَم تَطلُعِ الشَّمسُ، فإذا طلَعتِ الشَّمسُ فأمسِكْ عن الصَّلاةِ؛ فإنَّها تَطلُعُ بين قرنَيْ شَيطانٍ". الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم: 612 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر = "وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ" الانشقاق : 17. وَ"وَسَقَ" مَعْنَاهُ: جَمَعَ وَضَمَّ.تفسير ابن عطية . وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ أَيِ: وَاللَّيْلِ وَمَا جَمَعَ مِمَّا سَكَنَ وَهَدَأَ فِيهِ مِنْ ذِي رُوحٍ كَانَ يَطِيرُ ، أَوْ يَدِبُّ نَهَارًا . تفسير الطبري = "وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ"الانشقاق : 18. إِذَا اجْتَمَعَ وَاسْتَوَى،و تَكَامَلَ نُورُهُ وَأَبْدَرَ جَعَلَهُ مُقَابِلًا لِلَّيْلِ *واتساق القمر : اجتماع ضيائِهِ ونورِهِ ، وهو افتعال من الوسق . وهو الجمع والضم ، وذلك يكون في الليلة الرابعة عشرة من الشهر . أي : أقسم بالحُمْرَةِ التى تظهر في الأفق العربي- الشفق- ، بعد غروبِ الشمسِ ، وبالليلِ وما يضمه تحت جناحِهِ من مخلوقاتٍ وعجائبٍ لا يعلمها إلا اللهُ تعالى ، وبالقمر إذا ما اجتمع نوره ، واكتمل ضاؤه ، وصار بدرا متلألِئًا . وفي القسم بهذه الأشياء ، دليلٌ واضحٌ على قدرةِ اللهِ تعالى الباهرةِ ، لأن هذه الأشياء تتغيرُ من حالٍ إلى حالٍ ، ومن هيئةٍ إلى هيئةٍ . . فالشفقُ حالةٌ تأتي فى أعقابِ غروبِ الشمسِ ، والليلُ يأتي بعدَ النهارِ ، والقمرُ يكتملُ بعدَ نقصانٍ . . وكلُّ هذه الحالات الطارئة ، دلائل على قدرةِ اللهِ تعالى . تفسير الوسيط = " لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ "الانشقاق : 19. وقوله- سبحانه- لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ جواب القسم- كما سبق أن أشرنا-. والمراد بالركوب: الملاقاة والمعاناة، والخطاب للناس، والطبق جمع طبقة، وهي الشيء المساوي لشيء آخر، والمراد بها هنا: الحالة أو المرتبة، وعن بمعنى بعد. أي: وحق الشفق، والليل وما وسق، والقمر إذا اتسق.. لتلاقن- أيها الناس- أحوالًا بعد أحوال، هي طبقات ومراتب في الشدة، بعضها أصعب من بعض، وهي الموت، وما يكون بعده من حساب وجزاء يوم القيامة.تفسير الوسيط = وقال الشيخ السعدي في تفسيرِهِ: أَطْوَارًا مُتَعَدِّدَةً وَأَحْوَالًا مُتَبَايِنَةً، مِنَ النُّطْفَةِ إِلَى الْعَلَقَةِ، إِلَى الْمُضْغَةِ، إِلَى نَفْخِ الرُّوحِ، ثُمَّ يَكُونُ وَلِيدًا وَطِفْلًا وَمُمَيِّزًا، ثُمَّ يَجْرِي عَلَيْهِ قَلَمُ التَّكْلِيفِ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، ثُمَّ يَمُوتُ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُبْعَثُ وَيُجَازَى بِأَعْمَالِهِ، فَهَذِهِ الطَّبَقَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ الْجَارِيَةُ عَلَى الْعَبْدِ، دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ الْمَعْبُودُ، الْمُوَحَّدُ، الْمُدَبِّرُ لِعِبَادِهِ بِحِكْمَتِهِ وَرَحِمْتِهِ، وَأَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ عَاجِزٌ، تَحْتَ تَدْبِيرِ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ، وَمَعَ هَذَا، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ. تفسير السعدي = "فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ "الانشقاق : 20. اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ . أَيْ فَمَاذَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. والفاء في قوله- تعالى- بعد ذلك: فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ. لترتيب ما بعدها من الإنكار والتعجيب على ما قبلها، و «ما» للاستفهام الإنكاري. أي: إذا كان الأمر كما وضحنا لك- أيها الرسول الكريم- من أن البعث حق، ومن أن المستحق للعبادة هو الله- تعالى- وحده.. فأي شيء يمنع هؤلاء الكافرين من الإيمان، مع أن كل الدلائل والبراهين تدعوهم إلى الإيمان.تفسير الوسيط = "وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ "الانشقاق : 21. وَمَا لَهُمْ إِذَا قَرَأَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتِ الرَّحْمَنِ وَكَلَامَهُ وَهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ إِعْظَامًا وَإِكْرَامًا وَاحْتِرَامًا = تفسير ابن كثير = وقال الشيخ السعدي في تفسيرِهِ: وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ أَيْ: لَا يَخْضَعُونَ لِلْقُرْآنِ، وَلَا يَنْقَادُونَ لِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ = هنا = صليتُ مع أبي هريرة العتمةَ، فقرأ " إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ " . فسجد، فقلتُ له، قال : سجدتُ خلفَ أبي القاسمِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فلا أزال أسجدُ بها حتى ألقاه .الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 766- خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر- يَحكي أبو رافِعٍ رضي الله عنه أنَّه صلَّى مع أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه "العَتمةَ"، أي: صَلاةَ العِشاءِ؛ لأنَّها تُصلَّى في وقتِ العَتمةِ، أي: في ظُلمةِ اللَّيلِ فَقَرَأَ أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه"إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ"، فسَجَدَ، أي عِندَ قولِه تعالى"وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ"، فسَألَه أبو رافِعٍ عن حُكمِها، فأجابَه: سَجَدْتُ خَلْفَ أبي القاسِمِ صلَّى الله علَيه وسلَّم فَلا أزالُ أسجُد بها حتَّى ألقاه، أي: مُدَّة حياتِي.الدرر= "بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ"الانشقاق : 22. أَيْ مِنْ سَجِيَّتِهِمُ التَّكْذِيبُ وَالْعِنَادُ وَالْمُخَالَفَةُ لِلْحَقِّ = تفسير ابن كثير = = تفسير ابن كثير = من التعجيب من عدم إيمانهم مع ظهور كل الأدلة على وجوب الإيمان، إلى الإخبار عنهم بأنهم مستمرون على كفرهم، أي: ليس هناك أي مانع يمنع الكافرين من الإيمان، بعد أنْ قامت جميعُ الشواهدِ على صدقِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، بلِ الحق أنَّ هؤلاءِ الكافرينَ إنما استمرُّوا على كفرِهِم بسببِ عنادِهِمْ وحسدِهِمْ للرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على ما آتاه الله- تعالى- من فضله، وتكذيبهم للحق عنادًا وجحودًا.تفسيرالوسيط = "وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ"الانشقاق : 23. قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ يَكْتُمُونَ فِي صُدُورِهِمْ- تفسير ابن كثير = وقال صاحب الوسيط: والمقصود به التهديد والوعيد. ومعنى «يوعون» يضمرون ويخفون ويسرون= هنا = وقال ابن عطية في تفسيرِهِ: وَ"يُوعُونَ" مَعْنَاهُ: يَجْمَعُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالتَّكْذِيبِ وَالْكُفْرِ، كَأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَهَا فِي أَوْعِيَةٍ، تَقُولُ: وَعَيْتُ الْعِلْمَ وَأَوْعَيْتُ الْمَتَاعَ، وَجَعَلَ تَعَالَى الْبِشَارَةَ فِي الْعَذَابِ لَمَّا صَرَّحَ بِهِ، وَإِذَا جَاءَتْ مُطْلَقَةً فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الْخَيرِ.تفسير ابن عطية = "فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" الانشقاق : 24. تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ . وَفِعْلُ بَشِّرْهُمْ مُسْتَعَارٌ لِلْإِنْذَارِ وَالْوَعِيدِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ ; لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّبْشِيرِ الْإِخْبَارُ بِمَا يَسُرُّ وَيَنْفَعُ ، فَلَمَّا عُلِّقَ بِالْفِعْلِ عَذَابٌ أَلِيمٌ كَانَتْ قَرِينَةُ التَّهَكُّمِ كَنَارٍ عَلَى عَلَمٍ = تفسير التحرير والتنوير = فالمراد به- أي المراد بالتبشير - هنا التهكم بهم ،بدليل توعدهم بالعذاب الأليم . = تفسير الوسيط = |
الساعة الآن 06:04 PM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
تركيب: استضافة صوت مصر