فضل القرأن وتفسير آية الكرسي
فضل القرآن وتفسير آية الكرسي بِسْمِ اللَّهِ ،والحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد: فأسأل الله -تعالى- أن يجعل هذا المجلس مباركًا، ونافعًا، وأن يعيننا وإياكم على ذكره، وشكره، وحسن عبادته. بِسْمِ اللَّهِ: أَيْ : أَبْتَدِئُ .... مُسْتَعِينًا بِاسْمِ اللهِ. "شفيعًا لأصحابِهِ"، أي: يَشْفَعُ لِقَارِئِيهِ، الَّذين يَقرؤونه مُتَدَبِّرِينَ له، عامِلين بما فيه.وفي الحَديثِ: الحثُّ على قِراءَةِ القُرآنِ، وفَضيلةُ سُورَةِ البقَرةِ وآلِ عِمرانَ، وعِظَم سورة البقرة خُصوصًا.- الدرر - "ما أصابَ عبدًا همٌّ ولا حزَنٌ ، فقالَ : اللَّهمَّ إنِّي عبدُكَ ، وابنُ عبدِكَ ، وابنُ أمتِكَ ، ناصِيتي بيدِكَ ، ماضٍ فيَّ حُكمُكَ ، عدلٌ فيَّ قضاؤُكَ ، أسألُكَ بِكُلِّ اسمٍ هوَ لَكَ ، سمَّيتَ بهِ نفسَكَ ، أو أنزلتَهُ في كتابِكَ ، أو علَّمتَهُ أحدًا مِن خلقِكَ ، أوِ استأثَرتَ بهِ في عِلمِ الغَيبِ عندَكَ ، أن تَجعلَ القرآنَ ربيعَ قَلبي ، ونورَ صَدري ، وجلاءَ حُزْني ، وذَهابَ هَمِّي ، إلَّا أذهبَ اللَّهُ همَّهُ وحزنَهُ ، وأبدلَهُ مَكانَهُ فرجًا" الراوي : عبدالله بن مسعود-المحدث : الألباني-المصدر : الكلم الطيب-الصفحة أو الرقم: 124 - خلاصة حكم المحدث : صحيح –الدرر- *قال تعالى"قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ"وهو القرآن، يُستضاء به في ظلمات الجهالة وعماية الضلالة. "وَكِتَابٌ مُّبِينٌ " لكل ما يحتاج الخلق إليه من أمور دينهم ودنياهم. من العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ومن العلم بأحكامه الشرعية وأحكامه الجزائية. .تفسير الشيخ السعدي - اللهم اجعل القرآنَ ربيعَ قلوبِنا، ونورَ صدورِنا، وجلاءَ أحزانِنا ، اللهم اجعله شفيعًا لنا ، وشاهدًا لنا لا شاهدًا علينا ،ونسأل الله العافية في الدنيا والآخرة. فللقرآن وتلاوته فضائل لا تعدّ ولا تُحصى، فقد بيّن لنا النبي أجر قراءة حرف من القرآن فهو بعشر حسنات، كذلك ما للقرآن من آثار نفسية عميقة في قرارة نفوسِنَا فهو أفضل الحلول للتخلّص من الهمّ والغمّ، ومن فضائل القرآن أنه نور في الحياة "قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ" وفي الممات ويوم القيامة. فالذي جاء في السنة النبوية الصحيحة من تمثل العمل الصالح ، ومنه قيام العبد بالقرآن الكريم ، بالرجل الحسن في القبر ما يلي : " ....قَالَ : وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ ، حَسَنُ الثِّيَابِ ، طَيِّبُ الرِّيحِ ، فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ . فَيَقُولُ لَهُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ . فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ . فَيَقُولُ : رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي " رواه أحمد :4/362- وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" 156. " َإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ . فَيَقُولُ لَهُ : هَلْ تَعْرِفُنِي ؟ فَيَقُولُ : مَا أَعْرِفُكَ . فَيَقُولُ لَهُ : أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا . فَيَقُولَانِ : بِمَ كُسِينَا هَذِهِ ؟ فَيُقَالُ : بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا "رواه أحمد في "المسند" 394- وابن ماجه في "السنن" 3781-وحسنه البوصيري في الزوائد والألباني في "السلسلة الصحيحة" 2829. يقول السيوطي في شرح الحديث :2/1242 : " كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ "قال السيوطي : هو المتغير اللون ، وكأنه يجيء على هذه الهيئة ليكون أشبه بصاحبه في الدنيا ، أو للتنبيه له على أنه كما تغير لونه في الدنيا لأجل القيام بالقرآن كذلك القرآن لأجله في السعي يوم القيامة حتى ينال صاحبه الغاية القصوى في الآخرة ." انتهى . - هنا - وإن كان الله جعل للقرآن تلك الخصال الفريدة فقد خصّ بعض السور والآيات بشيء من الفضل، والتي نذكر منها آية الكرسي. *الترغيب في تفسير القرآن: تعريف التفسير:التفسير لغة مشتق من الفسر بمعنى الكشف و البيان، و قيل هو مقلوب السفر نقول أسفر الصبح إذا أضاء، و سفرت المرأة سفورا إذا ألقت خمارها عن وجها، و سمي السفر سفرا لأنه يسفر عن أحوال و صفات الرجال. عرفه الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني بقوله"علم يُبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية". -مناهل العرفان في علوم القرآن. * أهمية التفسير: يعتبر علم التفسير من أعظم العلوم و أجلها، و كيف لا يكون كذلك و هو الوسيلة لتدبر كلام الله جل و علا، يقول تعالى"كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ" ص: 29. *فضل و تفسير آية الكرسي الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.وبعد: قال تعالى"اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ "البقرة: 255. هذه الآية الكريمة أعظم آيات القرآن وأفضلها وأجلها، وذلك لما ورد في فضلها ، ولما اشتملت عليه من الأمور العظيمة والصفات الكريمة، وكثرت الأحاديث في الترغيب في قراءتِهَا وجعلها وِرْدًا للإنسانِ في أوقاتِه صباحًا ومساءً وعند نومِهِ وأدبارِ الصلواتِ المكتوباتِ. "يا أبا المُنْذِرِ، أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ. قالَ: يا أبا المُنْذِرِ أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ"اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا هو الحَيُّ القَيُّومُ"البقرة:255. قالَ: فَضَرَبَ في صَدْرِي، وقالَ: واللَّهِ لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنْذِرِ."الراوي : أبي بن كعب-المحدث : مسلم-المصدر : صحيح مسلم. وفي رواية: لِيَهْنِكَ العلمُ أبا المنذرِ ! . والَّذي نَفسي بيدِه إنَّ لهذه الآيةِ لِسانًا وشَفتيْنِ تُقَدِّسُ المَلِكَ عِندَ ساقِ العَرشِ"الراوي : أبي بن كعب -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترغيب . شرح الحديث:كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسنَ النَّاسِ تَعليمًا وإرشادًا لأصحابِه، وفي هذا الحَديثِ يحكي أُبَيُّ بنُ كَعبٍ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له: يا أبا المُنذِرِ- وهيَ كُنيةُ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضيَ اللهُ عَنه- أتدْري أيَّ آيةٍ مِن كِتابِ اللهِ مَعكَ أعظَمَ؟ قالَ أُبيٌّ: قُلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ. قال: يا أبا المُنذِرِ، أتدرِي أيَّ آيةٍ مِن كِتابِ اللهِ مَعكَ أعظَمَ؟ قالَ: قُلتُ"اللَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ الحَيُّ القيُّومُ.."، يَعني آيةَ الكُرسيِّ؛......، قالَ: فَضربَ في صَدري وَقالَ: واللهِ! لِيَهْنِكَ العِلمُ أبا المُنذرِ، أيْ: لِيَكُنِ العلمُ هنيئًا لك تَهنَّأ به، والقَصدُ الدُّعاءُ لَه بتَيسيرِ العِلمِ والرُّسوخِ فيهِ. في الحَديثِ: مَنقُبَةٌ عَظيمَةٌ لأُبيِّ بنِ كَعبٍ رَضي اللهُ عنه. وفيه: مَشروعيَّةُ مَدحِ الإنسانِ في وَجهِهِ إذا كان فيه مصلحةٌ، ولم يُخَفْ عليه إعجابٌ ونحوُه. وَفيهِ أيضًا: تَبجيلُ العالِمِ فُضلاءَ أصحابِهِ.الدرر السنية. "مَنْ قرأَ آيةً الكُرسِيِّ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ ، لمْ يمنعْهُ من دُخُولِالجنةَ إلَّا أنْ يمُوتَ"الراوي : أبو أمامة الباهلي-المحدث : الألباني-المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم- 6464:خلاصة حكم المحدث : صحيح. "وَكَّلَنِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فأتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فأخَذْتُهُ، فَقُلتُ لَأَرْفَعَنَّكَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - فَذَكَرَ الحَدِيثَ -، فَقالَ: إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَالكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، ولَا يَقْرَبُكَ شيطَانٌ حتَّى تُصْبِحَ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَدَقَكَ وهو كَذُوبٌ ذَاكَ شيطَانٌ."الراوي : أبو هريرة-المحدث : البخاري- المصدر : صحيح البخاري. تفسير آية الكرسي: يثني على نفسه جلَّ جلاله بما هو أهله من الصفات العلى والأسماء الحسنى، فيقول"اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ" فينفي الألوهية عن غيره ويثبت الألوهية لنفسه، وهذا يقتضي أنه وحده الذي يستحق العبادة ويستحق الدعاء ويستحق التوكل، وأنه لا أحد سواه يستحق شيئًا من أنواع العبادة المختلفة. فأخبرَ تعالى عن نفسهِ الكريمة بأنه – الله- لفظُ الجلالةِ: اللَّهُ :هو اسمٌ من أسماءِ الله الحسنى. ولفظُ الجلالةِ عَلَمٌ على ذاتِهِ تباركَ وتعالى ،وكل الأسماء الحسنى تضاف إلي لفظ الجلالة. تُضاف الأسماء إليه، ولا يُضاف إليها، فيقال: الرّحمن الرّحيم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرّحمن الرّحيم، حتّى إنّه سبحانه قال" وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا "الأعراف:180. وقال عز وجل " هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ "22" هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ "23:الحشر. - أنّه لا يصحّ إسلام أحد من النّاس إلاّ بالنّطق به، فلو قال: لا إله إلاّ الرّحمن، لم يصحّ إسلامه عند جماهير العلماء. - ولا تنعقد صلاة أحد من النّاس إلاّ بالتلفّظ به، فلو قال: الرّحمن أكبر ! لم تنعقد صلاته.منقول. هذا الاسم هو اللفظ الجليل الجامع لكل صفات الكمال التي لا بد أن يتصف بها الخالق العظيم، ومعناه: المألوه ، ذو الألوهية ،أي المعبود أو المستحق للعبادة لما اتصف به من صفات الأُلوهية التي هي صفات الكمال، التي يدل عليها الأسماء الحسنى جميعها " لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ"أي: لا معبود بحق سواه، فهو الإله الحق الذي تتعين أن تكون جميع أنواع العبادة والطاعة والتأله له تعالى، لكماله وكمال صفاته وعظيم نعمه، ولكون العبد مستحقا أن يكون عبدًا لربه، ممتثلًا أوامره مجتنبا نواهيه، وكل ما سوى الله تعالى باطل، فعبادة ما سواه باطلة، لكون ما سوى الله مخلوقًا ناقصًا مدبرًا فقيرًا من جميع الوجوه، فلم يستحق شيئًا من أنواع العبادة. وقوله" الْحَيُّ الْقَيُّومُ"هذان الاسمان الكريمان يدلان على سائر الأسماء الحسنى دلالة مطابقة وتضمنًا ولزومًا، فالْحَيُّ من له الحياة الكاملة المستلزمة لجميع صفات الذات، كالسمع والبصر والعلم والقدرة، ونحو ذلك، و الْقَيُّومُ: هو الذي قام بنفسه وقام بغيره، وذلك مستلزم لجميع الأفعال التي اتصف بها رب العالمين من فعله ما يشاء من الاستواء والنزول والكلام والقول والخلق والرزق والإماتة والإحياء، وسائر أنواع التدبير، كل ذلك داخل في قيومية الباري، ولهذا قال بعض المحققين: إنهما الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب، وإذا سئل به أعطى. " الْحَيُّ الْقَيُّومُ " اسمان من أسماء الله تعالى، وهما جامعان لكمال الأوصاف والأفعال. فالله جل جلاله من أسمائه الْحَيُّ، فهو موصوف بحياة أزلية لا بداية لها، وأبدية لا نهاية لها، حياة كاملة دائمة ليس لها انقطاع ولا زوال، فهو الحي الباقي الدائم، الذي لا أول له بحد ولا آخر له بأمد" هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "الحديد: 3، فهو الأول الذي لا شيء قبله، والآخر الذي لا شيء بعده، خالق كل شيء، وكل ما سواه، وإن كان حيًّا فلحياته أول محدود وآخر معدود، ينقطع بانقطاع أمدها، وينقضي بانقضاء غايتها. كل ما سوى الله حياته سُبِقت بعدم ويعتريها الخلل والضعف والمرض ويلحقها الزوال والفناء والموت، أما حياة الخالق جل جلاله وعز كماله لم تُسبق بعدم ولم يَسبقها ابتداء ولا يلحقها فناء ولا زوال، ولا يعترضها خلل ولا ضعف، ولا يتطرقها نقص ولا عيب، سبحانه وتعالى القائل" كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ "الرحمن: 26، 27. فالله سبحانه وتعالى ذكر اسم الحي مباشرة بعد قوله: " اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " وفي ذلك استدلال على إثباتِ بأن الله هو المعبود بحق، وإبطال عبودية كل من سواه، فالعبادة لا يستحقها إلا من كان حيًا بالحياة الدائمة الأبدية، وحيث لا حي بهذه الحياة إلا الله الواحد الأحد، فلا يستحق العبادة إلا هو سبحانه. إذا جعلتَ أيها العبد جهدَكَ لحيّ يموت، ضاع جهدُكَ إذا مات. إن اعتززت أيها العبد بحيّ يموت، ضاعت عزتك إذا مات. إن توكلت على حي يموت، ضاع أملُكَ إذا مات. فكل من في السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن يموت، والله رب العزة والجلال لا إله إلا هو حي لا يموت.لذلك قرن الله بين هذا الاسم، " الْحَيِّ " وبين التوكل عليه فقال عز من قائل" وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ "الفرقان: 58. فإذا علمت أن الله جل وعلا غني عنك وأنك عظيم الافتقار إليه ازداد تضرعك ودعاؤك وتوسلك ولجوؤك إليه تبارك وتعالى. الْقَيُّومُ: أي هو القائم بنفسه، المقيم لغيره. الله هو الْقَيُّومُ، المدبر لجميع الأشياء، القائم بتدبير خلقه، يرزقهم ويحفظهم، فما من شيء إلا وإقامته بأمر الله وتدبيره سبحانه، جميع الموجودات مفتقرة إلى الله وهو غني عنها، ولا قوام لها بدون أمره سبحانه، قامت به الأرض والسموات وما فيهن من المخلوقات، فهو الذي أوجدها وأمدها وأعدها لكل ما فيه بقاؤها وصلاحها وقيامُها، وهو الغني عنها من كل وجه، وهي التي افتقرت إليه من كل وجه، هو المستغن عن كل شيء وكل شيء يحتاج إليه جل جلاله وهو القائل" يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ "فاطر: 15، فالحي القيوم من له صفة كل كمال وهو الفعال لما يريد. قِيام الموجودات وبقاؤها وحفظُها بأمر الله تعالى، ولا قوام لها بدونه، من ذلك قوله تعالى فمن الذي يمسك الطير في السماء؟ ومن يأمر الشمس بالجري لمستقرٍ لها؟! من يقدر منازل القمر؟! من يمنع الشمس عن الاجتماع مع القمر؟! ومن يَحجز الليل عن المجيء قبل انقضاء النهار؟! ومن يوقف النهار من الطلوع قبل ذهاب الليل؟! ومن يحفظ ركاب السفن وسط موجات البحر التي هي كالجبال؟ فكل إنسان مدعو إلى أن يفهم أنّ الله سبحانه وتعالى هو القيوم، ولابد أن يكون هذا الفهم واسعًا وشاملًا لصفة القيومية، فالله هو الذي يدبر أمر الخلق كلهم بشرًا وحيوانًا ونباتًا بتأمين أرزاقهم، وحاجاتهم، وزروعهم، ومياههم، قال جل وعلا" فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ *أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا *ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا *فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا *وَعِنَبًا وَقَضْبًا *وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا *وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا *مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ"عبس: 24 – 32. فأنت أيها الإنسان وكل ما لك وما عندك، بل حياتُك كلُها قائمة بأمر الله الحي القيوم، إذا أذن الله لك أن تعيش يوما عشته، وإن لم يأذن لك فلن تعيش أبدًا، ما من شيء فيك إلا وهو بقدرة الله وبإقامة الله إياه، فلو لم يُقمك الحي القيوم لما قدرت على شيء، فلا حول ولا قوة لك إلا بالله، أنت لا تستطيع أن تستقل بنفسك، تحتاج إلى الطعام والشراب، تحتاج إلى الزوجة والأولاد، تحتاج إلى الطبيب إذا مرضت، تحتاج إلى أشياء كثيرة. أما الرب العظيم الكبير سبحانه فهو يُطعِم ولا يُطعَم وهو الرزاق ذو القوة المتين، لم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، مالِك الملك، يُعِزُ من يشاء ويذل من يشاء، يحيي ويميت، حي لا يموت. فمن كان هذا ملكه وهذه صفاته وتلك نعمه، أفلا يستحق الحمد والشكر وإخلاصَ العبادةِ له دون سواه؟ الألوكة , |
يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كلَّه ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
"رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ"آل عمران 8. ومن تمام حياته وقيوميته أن : ° لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ: والسِّنَة النُّعَاس. نفي "السِّنَة والنوم يتضمن كمال الحياة، والقيومية، وهذه من صفات الكمال. السِّنَةُ : النُّعَاسُ، وَهُوَ النَّوْمُ الْخَفِيفُ، وَالْوَسْنَانُ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، يُقَالُ مِنْهُ: وَسِنَ يسن وسنا وسنة، والنَّوم هو: الثقل المزيل للقوة والعقل. نَفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ النَّوْمَ لِأَنَّهُ آفَةٌ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ الْآفَاتِ، وَلِأَنَّهُ تُغَيُّرٌ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ. عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ"إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ ولكنّه يخفض القسط ويرفعه يرفع إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ" صحيح مسلم . وَرَوَاهُ الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، وَقَالَ"حِجَابُهُ النَّارُ" فمن أحسن ما قيل في هذا الأمر ما جاء في كتاب الكليات لأبى البقاء الكفوي حيث قال: و" السِنَةٌ " بالكسر والتخفيف ابتداء النعاس في الرأس فإذا خالط القلب صار نوما، وفي قوله تعالى: لا تأخذه سنة ولا نوم. المنفي أولا إنما هو الخاص وثانيًا العام، ويعرف ذلك من قوله "لَا تَأْخُذُهُ" أي لا تغلبه، فلا يلزم من عدم أخذ السنة التي هي قليل من نوم أو نعاس عدم أخذ النوم، ولهذا قال"وَلَا نَوْمٌ" بتوسط كلمة " لا " تنصيصا على شمول النفي لكل منهما، لكن بقي الكلام في عدم الاكتفاء بنفي أخذ النوم، قال بعضهم: هو من قبيل التدلي من الأعلى إلى الأدنى كقوله تعالى: لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون. وقيل هو من قبيل الترقي فالقائل بالتدلي نظر إلى سلب السنة لأنه أبلغ من سلب النوم ...اهــ وقال ابن عاشور في تفسيره: ونفي السِّنَة عن الله تعالى لا يغني عن نفي النوم عنه، لأن من الأحياء من لا تعتريه السنة فإذا نام نام عميقا، ومن الناس من تأخذه السنة في غير وقت النوم غلبة، وقد تمادحت العرب بالقدرة على السهر، قال أبو كبير: فأتت به حوش الفؤاد مبطنا* سهدا إذا ما نام ليل الهوجل. إسلام ويب. ° لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ: من مَلك وإنسي وجني، وحيوان، وجماد، ونبات" وَمَا تَحْتَ الثَّرَى " أي: الأرض، فالجميع مِلْك لله تعالى، عبيد مدبرون، مسخرون تحت قضائه وتدبيره، ليس لهم من الملك شيء، ولا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا.تفسير السعدي. له سبحانه الْمُلْكُ التام من جميع الوجوه،المُلك غير المِلك ،لكن المُلك هو التصرف في المِلك :فالمِلك امتلاك الشيء لكن قد لايستطيع التصرف في مِلْكِهِ كما هو مشاهد ،فالملوك ، والسلاطين ، ملكهم غير تام ؛ لأنه لا يعم المملوكات كلها ، ومعرض للزوال ، وملك الله هو الملك الحقيقي قال الله تعالى "فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ " المؤمنون : 116. أما القدرة المطلقة التامة على التصرف فيه هو المُلْك، فهو سبحانه بيده تصريف الخلق جميعًا بإرادته ؛بأمره. فإرادة الله هي النافذه أبدًا. يخبر تعالى أنه بيده المُلك أي هو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء ،يخلق ما يشاء، ويعز من يشاء ، ويذل من يشاء ، ويغني من يشاء ، ويفقر من يشاء ، ويحيي ويميت ويعطي ويمنع بحكمته. ° لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ" أي: هو المالك وما سواه مملوك وهو الخالق الرازق المدبر وغيره مخلوق مرزوق مدبر لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض فلهذا قال: ° مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ" أي: لا أحد يشفع عنده بدون إذنه، فالشفاعة كلها لله تعالى، ولكنه تعالى إذا أراد أن يرحم من يشاء من عباده أذن لمن أراد أن يكرمه من عباده أن يشفع فيه، لا يبتدئ الشافع قبل الإذن. الشفاعة في الشرع :هي: طلب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم – أو غيره – من الله في الدار الآخرة حصول منفعة لأحد من الخلق. ويدخل تحت هذا التعريف جميع أنواع الشفاعات الخاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وغيره، كالشفاعة العظمى وهي طلب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من ربه إراحة الناس من الموقف بمجيئه لفصل القضاء، ويدخل كذلك شفاعته صلى الله عليه وسلم في دخول أهل الجنة الجنة، وشفاعته في تخفيف العذاب عن أبي طالب، وشفاعة الشفعاء في رفع الدرجات في الجنة، وكذا الشفاعة في إخراج قوم من النار, وإدخالهم الجنة. الحياة الآخرة لغالب عواجي: 1/283. *ويشترط لقبوله الشفاعة في الآخرة ما يلي: في ذلك اليوم لا تنفع الشفاعة أحدًا من الخلق، إلا إذا أذن الرحمن للشافع، ورضي عن المشفوع له، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن المخلص. -أن يأذن المشفوع عنده -وهو الله سبحانه وتعالى- للشافع -وهو النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره- وأن يقبل شفاعته، فهو وحده سبحانه صاحب الشفاعة ومالك أمرها يقول تعالى" مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ"البقرة: 255. الشفاعة التي تكون في الآخرة فهي نوعان : النوع الأول: الشفاعة الخاصة، وهي التي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة لا يشاركه فيها غيره من الخلق وهي أقسام : أولها: الشفاعة العظمى ـ وهي من المقام المحمود الذي وعده الله إياه وحقيقة هذه الشفاعة هي أن يشفع لجميع الخلق حين يؤخر الله الحساب فيطول بهم الانتظار في أرض المحشر يوم القيامة فيبلغ بهم من الغم والكرب ما لا يطيقون ،فيشفع لهم في فصل القضاء . ثانيها : الشفاعة لأهل الجنة لدخول الجنة. ثالثها : شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب. رابعها : شفاعته صلى الله عليه وسلم في دخول أناس من أمته الجنة بغير حساب. النوع الثاني: الشفاعة العامة، وهي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم ويشاركه فيها من شاء الله من الملائكة والنبيين والصالحين وهي أقسام:. أولاها: الشفاعة لأناس قد دخلوا النار في أن يخرجوا منها ثانيها: الشفاعة لأناس قد استحقوا النار في أن لا يدخلوه. ثالثها: الشفاعة لأناس من أهل الإيمان قد استحقوا الجنة أن يزدادوا رفعة ودرجات في الجنة. المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد . °ثم قال " يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ "أي: ما مضى من جميع الأمور " وَمَا خَلْفَهُمْ"أي:ما يستقبل منها، فعلمه تعالى محيط بتفاصيل الأمور، متقدمها ومتأخرها، بالظواهر والبواطن، بالغيب والشهادة، والعباد ليس لهم من الأمر شيء ولا من العلم مثقال ذرة إلا ما علَّمَهم تعالى، ولهذا قال: ° وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ" فهم لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما أطلعهم عليه ، أما هو - سبحانه - فهو العالمُ بأحوالِ عبادِهِ كلِّهم ماضيها ولاحقِها، يعلمُ أحوالَهم وما صدر منهم وما ماتوا عليه وما لهم في الآخرة، يعلم كل شيء سبحانه وتعالى.الشيخ :ابن باز. فسبحانه يعلم ما في صحاري الأرض من رمال ، وعدد ما في بحار الدنيا من قطرات ، وعدد ما في الأشجار من ورقات وعدد ما في الأغصان من ثمار ، وما في السنابل من حبوب . وعلمه سبحانه محيط بالأمس واليوم والغد ، بالظاهر والباطن ، بالدنيا والآخرة . فالمشهود والغيب لديه سواء ، والقريب والبعيد ، والقاصي والداني . سبحانك ربي ما أعظم شأنك ! "قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"آل عمران: 29. أخبر - سبحانه - عن سعة علمه لما في النفوس خصوصًا، ولما في السماءِ والأرضِ عمومًا، وعن كمالِ قدرتِه، ففيه إرشادٌ إلى تطهيرِ القلوبِ واستحضارِ علمِ اللهِ - في - كل وقت فيستحِي العبدُ من ربِّهِ أنْ يرى قلبَهُ محلًّا لكلِ فكرٍ رديءٍ، بل يشغل أفكارَهُ فيما يُقَرِّبُ إلى اللهِ .تفسير السعدي. .الشيخ :ابن باز. |
يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كلَّه ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
"رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ"آل عمران 8. °ثم قال" وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا" قَوْلُهُ تَعَالَى" وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ " أَيْ: مَلَأَ وَأَحَاطَ بِهِ. قال الضحاك عن ابن عباس: لو أن السموات السبع والأرضين السبع بُسِطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض ما كُنَّ في سعة الكرسي إلا بمنزلة الحلقة في المفازة - أي الصحراء-.تفسير ابن كثير. والكرسي: قال ابن عباس رضي الله عنهما " إنه موضع قدمي الله عز وجل " وهو بالنسبة للعرش أصغر بكثير ولهذا جاء في الحديث " ما السَّماوات السّبع في الكُرسيِّ إلَّا كحلقةٍ ملقاةٍ بأرضٍ فلاةٍ ، وفضلُ العرشِ على الكُرسيِّ كفضلِ تلك الفلاةِ على تلك الحلقةِ"الراوي :أبو ذر الغفاري-المحدث : الألباني-المصدر : التعليق على الطحاوية. العرش في اللغة :سرير المَلِك .قال تعالى"قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ " النمل: 41. .وهذا يدل على كمال عظمته وسعة سلطانه، إذا كان هذه حالة الكرسي أنه يسع السماوات والأرض على عظمتهما وعظمة من فيهما، والكرسي ليس أكبر مخلوقات الله تعالى، بل هناك ما هو أعظم منه وهو العرش، وما لا يعلمه إلا هو سبحانه، وفي عظمة هذه المخلوقات تتحير الأفكار وتَكِلّ الأبصار، وتُقَلْقَل الجبالُ ، فكيف بعظمة خالِقها ومُبْدِعُهَا، والذي أودعَ فيها من الحِكَمِ والأسرارِ ما أودع، والذي قد أمسك السماوات والأرض أن تزولا من غير تعب ولا نَصَب،وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا"أي:لا يثقله ،ولا يعجزه حفظهما ولا يتعبه أمرهما.. "إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا"فاطر:41. يخبر تعالى عن كمال قدرته، وتمام رحمته، وسعة حلمه ومغفرته، وأنه تعالى يمسك السماوات والأرض عن الزوال، فإنهما لو زالتا ما أمسكهما أحد من الخلق، ولعجزت قُدَرُهم وقواهُم عنهما. ولكنه تعالى، قضى أن يكونا كما وُجِدَا، ليحصل للخلق القرار، والنفع، والاعتبار، وليعلموا من عظيم سلطانه وقوة قدرته، ما به تمتلئ قلوبُهم له إجلالًا وتعظيمًا، ومحبةً وتكريمًا، وليعلموا كمالَ حلمِهِ ومغفرتِهِ، بإمهالِ المُذْنِبِينَ، وعدم معالجتِهِ للعاصين، مع أنه لو أمر السماء لحصبتهم، ولو أذن للأرض لابتلعتهم، ولكن وسعتهم مغفرتُه، وحلمُهُ. تفسير السعدي . الحَصَبُ : صَغار الحجارة. المعجم. الكرسي :هو موضع قدمي الرحمن عز وجل على أصح الأقوال فيه ، والعرش: أكبر من الكرسي . والعرش هو أعظم المخلوقات ، وعليه استوى ربنا استواءً يليق بجلاله ، ويحمله حملة من الملائكة عظام الخَلْق . "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى "طه:5. أي : الرحمن على عرشه ارتفع وعلًا بكيفية يعلمها الله وتليق بجلاله . قال تعالى " الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ"غافر:7. والعرش لا يُقَدِّر قدرَهُ إلا الله تعالى.وعرش الرحمن هو أعظم المخلوقات ، وأوسعها .ووصف سبحانه العرش بالعِظَيمِ ،المجيد. "وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ"التوبة / 129. الذي هو أعظم المخلوقات. وإذا كان رب العرش العظيم، الذي وسع المخلوقات، كان ربا لما دونه من باب أولى وأحرى.تفسير السعدي. أي : هو مالك كل شيء وخالقه ؛ لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات ، وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورين بقدرة الله تعالى ، وعلمه محيط بكل شيء ، وقدره نافذ في كل شيء ، وهو على كل شيء وكيل" . " تفسير ابن كثير " 2 / 405 . "ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ" البروج / 15. والمجد سعة الأوصاف وعظمتها.تفسير السعدي. الإسلام سؤال وجواب .ومصادر أخرى. ....أُذِنَ لي أن أُحدِّث عن مَلَكٍ من ملائكةِ اللهِ، من حملةِ العرشِ : إنَّ ما بينَ شحمةِ أُذنهِ إلى عاتقِه، مسيرةُ سبعمائةِ عامٍ"الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود. "ما الكرسيُّ في العرشِ إلَّا كَحلقةٍ من حديدٍ أُلْقيَت بينَ ظَهْري فلاةٍ منَ الأرضِ"الراوي : أبو ذر الغفاري - المحدث : الألباني - المصدر : شرح الطحاوية-الصفحة أو الرقم: 279- خلاصة حكم المحدث : صحيح. ومما جاء في أخبار العرش، هذا المخلوق العظيم الذي فاق خلقُه خلق السموات والأرض: أنه قد اهتز احتفاء بأحد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين عرجت روحه إلى السماء، ألا وهو الصحابي الجليل سعد بن معاذ -رضي الله عنه وأرضاه. قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَجَنَازَةُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ بيْنَ أَيْدِيهِمُ" اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ."صحيح مسلم. أي: استِبْشارًا وفَرَحًا بقُدومِ رُوح سَعْدٍ، وإشعارًا بِفضلِه. وقفة عقدية:يجب إمرار أحاديث الصفات كما جاءت ، وكذا ما يتعلق بها من أمور الغيب ؛ فروى الآجري في "الشريعة" 3/ 1146: عن " الْوَلِيد بْن مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ , وَالثَّوْرِيَّ , وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ , وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ: عَنِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الصِّفَاتُ؟ فَكُلُّهُمْ قَالَ" أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا تَفْسِيرٍ " وفي رواية : " أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفِيَّةٍ " . رواه البيهقي في "الاعتقاد" ص/ 118 . فنؤمن بأن الرحمن على العرش استوى ، ونؤمن بأن العرش اهتز حقيقة لموت سعد بن معاذ رضي الله عنه ، وقد ورد في بعض الأثر : أن ذلك من فرح الرب تعالى ، على ما سبق ، ولا يقال : كيف استوى الرحمن على العرش ؟ كما لا يقال : كيف اهتز العرش لموت سعد ؟ وإنما نُمرّ ذلك ونؤمن به بلا كيف ، ولا تأويل ، ولا تشبيه ولا تمثيل. واهتزاز العرش ، وأطيط السماء ، ونحو ذلك : ليس من صفة الرحمن جل جلاله ، كما نبهنا ، وإنما هو من صفة العرش المخلوق . قال الذهبي رحمه الله : " وَلَيْسَ لِلأَطِيطِ مَدْخَلٌ فِي الصِّفَاتِ أَبَدًا ؛ بَلْ هُوَ كَاهْتِزَازِ الْعَرْشِ لِمَوْتِ سَعْدٍ ، وَكَتَفَطُّرِ السَّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَنَحْو ذَلِك " انتهى من "العلو" 107. .الإسلام سؤال وجواب . كان حبان بن العرقة لعنه الله، رمى سعدًا بسهم فأصاب أكحله فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم كيًّا بالنار فاستمسك الجرح، وكان سعد قد دعا الله أن لا يميته حتى يقر عينه من بني قريظة، وذلك حين نقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهود، والمواثيق، والذمام، ومالوا عليه مع الأحزاب. فلما ذهب الأحزاب وانقشعوا عن المدينة، وباءت بنو قريظة بسواد الوجه، والصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة، وسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحاصرهم كما تقدم، فلما ضيق عليهم وأخذهم من كل جانب، أنابوا أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحكم فيهم بما أراد الله، فرد الحكم فيهم إلى رئيس الأوس. وكانوا حلفاءهم في الجاهلية وهو: سعد بن معاذ، فَرَضُوا بذلك، ويقال: بل نزلوا ابتداءً على حكم سعد، لِمَا يرجون من حنوه عليهم، وإحسانه وميله إليهم، ولم يعلموا بأنهم أبغض إليه من أعدادهم من القردة والخنازير، لشدة إيمانه وصديقيته رضي الله عنه وأرضاه. فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في خيمة في المسجد النبوي، فجيء به على حمار تحته إكاف قد وطئ تحته لمرضه، ولما قارب خيمة الرسول صلى الله عليه وسلم أمر عليه السلام من هناك بالقيام له. قيل: لينزل من شدة مرضه، وقيل: توقيرًا له بحضرة المحكوم عليهم، ليكون أبلغ في نفوذ حكمه، والله أعلم. فلما حكم فيهم بالقتل، والسبي، وأقر الله عينه، وشفى صدره منهم، وعاد إلى خيمته من المسجد النبوي صحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعا الله عز وجل أن تكون له شهادة، واختار الله له ما عنده، فانفجر جُرحه من الليل، فلم يزل يخرج منه الدم حتى مات رضي الله عنه. قال ابن إسحاق: فلما انقضى شأن بني قريظة انفجر بسعد بن معاذ جرحه، فمات منه شهيدًا. ج/ص: 4/ 146. °وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا : أَيْ: لَا يُثْقِلُهُ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، يُقَالُ: آدَنِي الشَّيْءُ أَيْ أثقلني، حِفْظُهُما، أي: حفظ السموات وَالْأَرْضِ، وَهُوَ الْعَلِيُّ: الرَّفِيعُ فَوْقَ خَلْقِهِ، وَالْمُتَعَالِي عَنِ الْأَشْيَاءِ وَالْأَنْدَادِ، وَقِيلَ: الْعَلِيُّ بِالْمُلْكِ وَالسَّلْطَنَةِ، الْعَظِيمُ: الْكَبِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ أَعْظَمُ منه. ° " وَهُوَ الْعَلِيُّ "والعلي من أسماء الله الحسنى ، كما قال تعالى " وَهُوَ الْعَليُّ الْعَظِيمُ"سورة البقرة / آية : 255 . الذي له العلوّ التام المطلق من جميع الوجوه ، فيشمل علوّ الذات : بمعنى أنه مستوٍ على عرشه عالٍ على خلقه ، ويشمل علوّ القهر: بمعنى أن كل شيء تحت سلطانه وقدرته ، فهو الذي قهر الأشياء بجلاله وعظمته . وقد جمع بينهما-أي بين العلو والقهر- في قوله تعالى " وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ" سورة الأنعام / آية : 18 . ويشمل : علو القدر والمكانة والشأن لكمال صفاته. : قال تعالى " وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ"سورة الأنعام / آية : 91 . °" الْعَظِيمُ" من أسماء الله الحسنى . الذي تتضائل عند عظمته جبروت الجبابرة، وتصغر في جانب جلاله أنوف الملوك القاهرة، فسبحان من له العظمة العظيمة والكبرياء الجسيمة والقهر والغلبة لكل شيء. معنى الاسم في حق الله تعالى: العظيم هو الذي يعظمه خلقه ويهابونه ويتقونه، فله سبحانه وتعالى صفة العظمة في كل شيء، فهو عظيم في ذاته، عظيم في أفعاله، عظيم في صفاته، وكل ما كان من دونه سبحانه وتعالى فصغير"، لو مُلِأَ قلبُكَ بهذه المعاني - فإنها تحفظك أن تخاف ما سواه سبحانه، ولم تخاف وليس في الكون عظيم غيره؟ فلا يُعَظَّمُ أحدٌ مثله فهو وحده ذو العظمة والجلال في ملكه وسلطانه. - قال الأصفهاني "العظمة صفة من صفات الله لا يقوم لها خلق، والله تعالى خلق بين الخلق عظمة يعظم بها بعضهم بعضًا، فمن الناس من يُعَظَّمُ لمالٍ، ومنهم مَنْ يُعَظَّمُ لفضلٍ، ومنهم مَنْ يُعَظَّمُ لعلمٍ،ومنهم مَنْ يُعَظَّمُ لسلطانٍ، ومنهم مَنْ يُعَظَّمُ لجاهٍ، وكلُّ واحدٍ مِنَ الخلقِ إنما يُعَظَّمُ بمعنى دون معنى؛ أما الله عز وجل فيعظم في الأحوال كلها".هنا- فهذه الآية العظيمة فيها هذه الصفات العظيمة، ولهذا صارت أفضل آية في كتاب الله، وأعظم آية في كتاب الله؛ لكونها اشتملت على هذه المعاني العظيمة والأوصاف العظيمة للرب ، وأنه الحي القيوم، وأنه لا معبود بحق سواه، وأنه كامل الحياة لا تعتريه سنة ولا نوم، وأنه المالك لكل شيء، وأنه العالم بكل شيء، وأنه لَا يَئُودُهُ حِفْظُ مخلوقاتِه ولا يَشُقُّ عليه ذلك، بل هو القادر على كل شيء ، وأن كرسيه قد وسع السماوات والأرض ، وأنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه لكمال قدرته وكمال عظمته، وأنه العلي العلو المطلق،وهو العظيم الذي لا أعظم منه. .الشيخ :ابن باز.ومصادر أخرى. |
الساعة الآن 05:50 PM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
تركيب: استضافة صوت مصر