◀المنظومة المختارة
لما كان لهذا العلم ـ القواعد الفقهية ـ أهمية عظمى ، وفائدة جُلَّى ، أخذ العلماء في التأليف فيه والتصنيف ، فمنهم من أطنب وأسهب ، ومنهم من اختصر وهذَّب ، ومنهم من كان تأليفه نظمًا .
◀المنظومات في القواعد الفقهية :
لقد نظم بعض العلماء ، جملة من القواعد الفقهية ، وصاغوها في قالبٍ شِعريٍّ ، رغبةً في تسهيل حفظِها وتيسير دراستها ، وذلك لأن الأسلوب الشعري أسرعُ عُلوقًا بالذهن ، وأطولُ بقاءً في الذاكرة ، وذلك بسبب الوزن والقافية ، والإيجاز الذي تتصف به هذه المنظومات .
ومن آثار الالتزام بالوزن والقافية : أن قواعد العلوم لا تُذكر في المنظومات غالبًا بصيغها المعهودة ، والمتداولة بين أهلِ الاختصاص ، وهي صيغ دقيقة ، وعبارات مُحْكمة في الغالب . "ومن آثار هذا أيضًا عدم الالتزام أحيانًا بقواعد اللغة العربية ، وذلك لضبط الوزن ، وهذا متعارف عليه بين الناظمين ومعفو عنه ، ولكن ينبه عليه " . " تصرف "
القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
وتتابعت المصنفات جيلاً بعد جيل ، ورعيلاً بعد رعيل .
وكان آخر ما أُلِّف في ذلك : " منظومة القواعد الفقهية " للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله ـ . ضمَّنها طائفة من مختاراته في القواعد والضوابط . وقد احتوت على أمهات قواعد الدين ، وهي وإن كانت قليلة الألفاظ ، فهي كثيرة المعاني لمن تأملها ، ومن ثَمَّ كانت عناية المتأخرين بهذا النظم دراسة وحفظًا وتفهُّما وضبطًا .
مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 9 / بتصرف .
◀التعريف بالنَّظْمِ المختار :
هي منظومة موجزة تتكون من 47 بيتًا على بحر الرَّجَزِ ، ولم يقصد الناظم فيها التوسع والتفصيل ، وإنما أراد الإيجاز والتسهيل لتكون مقدمة لهذا العلم ، وسلمًا يرتقي به الطالبُ إلى ما فوقه من المتون المتوسطة والمطولة ، ومِفتاحًا يفتح به بعض خزائن هذا العلم .
والمنظومة تمثلُ جملةً من اختبارات الناظم ، ومعلوماته ، التي لا ترتبط بكتات معينٍ ، فهو لم يحاول نظم متن مخصوصٍ .
وقد ذكر فيها جملة من القواعد الفقهية ـ وهي غالب المنظومة ـ وبعض الضوابط الفقهية ، كقولهم " يجب الضمان مع الإتلاف " ، وبعض القواعد الأصولية مثل
" الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا " ، وبعض المسائل الفقهية وهي قليلة سنشير إليها في موضعها .
وقد أطال رحمه الله في المقدمة قليلاً ، فإنها مكونةٌ من عشرة أبيات في فضل العلم النافع وضابطه وأهمية القواعد وثمراتها ، وهذه العشرة تُعدُّ طويلةً إذا نظرنا إلى عدد أبيات المنظومة ، وإذا أخرجنا الخاتمة ـ وهي بيتان ـ فالباقي 35 بيتًا في القواعد . وضيق المجال في الشعر أوقعه في بعض التساهلات اللغوية .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
لما سبق سنعرض النظم المختار ، ثم التعريف بالناظم .
ثم نشرع في شرح وتوضيح قواعد النظم
.
◀منظومة القواعد الفقهية
للشيخ عبد الرحمن بن نَاصِر السعدي
1 ـ الحمدُ للهِ العليّ الأَرفقِِ*****وجامعِ الأشياءِ والمفرِّقِِ
2 ـ ذي النِّعَمِ الواسعةِ الغزيرةْ ***** والحِكَمِ الباهرةِ الكثيرةْ
3 ـ ثم الصلاةُ مَعْ سلامٍ دائمِ ***** على الرسولِ القُرَشِيِّ الخَاتِمِ
4 ـ وآلهِ وصحبهِ الأبرارِ ***** الحَائِزِي مراتبَ الفَخارِ
5 ـ اعلَم ـ هُدِيتَ ـ أَنَّ أفضلَ المِنَنْ ****عِلمٌ يُزيلُ الشَّكَ عَنْكَ والدَّرنْ
6 ـ وَيكْشِفُ الحقَّ لذي القلوبِ ***** وَيُوصِلُ العَبْدَ إلى المَطْلوبِ
7 ـ فَاحْرِصْ عَلى فَهمكَ للقواعِدِ *****جَامِعةِ المسائلِ الشوارِدِ
8 ـ فَتَرْتَقي في العِلْمِ خَيرَ مُرْتَقَى ***** وَتَقْتَفِي سُبْلَ الذي قَدْ وُفِّقا
9 ـ هَذِهِ قَوَاعدٌ نَظَمْتُها ***** مِن كُتْبِ أهلِ العِلْمِ قدْ حصَّلتُها
10 ـ جَزاهُم المَوْلى عَظِيمَ الأَجْرِ *****والعَفوَ مَعْ غُفْرانِه والبِرِّ
11 ـ النيةُ شَرْطٌ لِسَائرِ العَمَلْ *****بِها الصَلاَحُ والفَسادُ للِعَمَلْ
12 ـ الدِّينُ مَبْنيٌّ على المَصَالحِ ***** في جَلْبِهَا والدَّرْءِ للقَبَائِحِ
13 ـ فَإِنْ تَزَاحمْ عَدَدُ المَصَالِحِ ***** يُقدَّمُ الأَعلى مِنَ المَصَالِحِ
14 ـ وَضِدُّهُ تَزَاحُمُ المَفَاسِدِ ***** يُرتَكَبُ الأَدْنَى مِنَ المَفَاسِدِ
15 ـ وَمِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ التَّيْسِيرُ *****في كُلِّ أَمرٍ نَابَهُ تَعْسِيرُ
16 ـ وَلَيْسَ وَاجِبٌ بِلاَ اقْتِدَارِ ***** وَلاَ مُحَرَّمٌ مَعَ اضْطِرارِ
17ـ وَكُلُّ مَحْظُورٍ مَعَ الضَّرُورَةْ *****بِقَدْرِ ما تَحْتَاجُهُ الضَّرُورَةْ
18ـ وَتَرْجِعُ الأَحْكَامُ لليَقِينِ *****فَلاَ يُزِيلُ الشَّكُّ لليَقِيِنِ
19 ـ والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا الطَّهَارَةُ *****والأَرْضِ والثِّيَابِ والحجارةِ
20ـ والأَصْلُ فِي الأَبْضَاعِ واللحومِ ***** والنَّفْسِ والأموالِ للمَعْصُومِ
21 ـ تَحْريمُها حَتى يَجيءَ الحِلُّ *****فَافْهَمْ هَدَاكَ اللهُ ما يُمَلُّ
22ـ والأَصْلُ في عَادَاتِنَا الإِباحَةْ *****حَتى يَجِيءَ صَارِفُ الإِباحَةْ
23ـ وَلَيْسَ مَشْرُوعًا مِنَ الأُمورْ ***** غَيرُ الذي فِي شَـرْعِنَا مَذْكُورْ
24 ـ وَسَائِلُ الأُمورِ كَالمَقَاصِدِ *****وَاحْكُم بِهذا الحُكْمِ للزَّوَائِدِ
25 ـ والخَطَأ والإِكْرَاهُ والنِّسيانُ ***** أَسقَطَهُ مَعْبُودُنا الرَّحمنُ
26ـ لَكِنْ مَعَ الإِتْلاَفِ يَثْبُتُ البدَلْ *****وَيَنْتَفِي التَأثِيمُ عَنْهُ وَالزَّلَل
27 ـ وَمِنْ مَسَائِلِ الأَحْكَامِ في التَّبَعْ ***** يَثْبتُ لاَ إِذَا اسْتَقَلَّ فَوَقعْ
28 ـ والعُرْفُ مَعْمُولٌ بِهِ إِذَا وَرَدْ *****حُكْمٌ مِنَ الشَّرعِ الشَّريِِفِ لَمْ يُحَدْ
29 ـ مُعَاجِلُ الْمَحْظُورِ قُبلَ آنِهِ *****قَدْ بَاءَ بِالخُسْرَانِ مَعْ حِرْمَانِهِ
30 ـ وَإِنْ أَتى التَّحْرِيمُ فِي نَفْسِ العَمَلْ ***** أَو شرطِهِ ، فَذُو فَسَادٍ وخَلَلْ
31 ـ وَمُتْلفُ مُؤْذِيهِ لَيْسَ يَضْمَنُ ***** بَعْدَ الدِّفاعِ بِالتي هِيَ أَحْسَنُ
32 ـ " وأَل " تًُفِيدُ الكُلَّ فِي العُمُومِ *****فِي الجَّمْعِ والإِفْرَادِ كَالعَلِيمِ
33 ـ والنَّكِراتُ فِي سِيَاقِ النَّفْي ***** تُعْطِي العُمُومَ أَوْ سِياقِِ النَّهْي
34 ـ كَذَاكَ " مَنْ " و " مَا " تُفِيدَانِ مَعَا *****كُلَّ العُمُومِ يَا أُخَيَّ فاسْمَعَا
35 ـ وَمِثْلُهُ المُفْرَدُ إِذْ يُضافُ *****فَافهم هُدِِيتَ الرُّشدَ مَا يُضَافُ
36 ـ ولاَ يَتِمُّ الحُكْمُ حَتَّى تَجْتَمِعْ *****كُلُّ الشُّرُوطِ والمَوَانِعْ تَرْتَفِعْ
37 ـ ومَنْ أَتى بِما عَلَيْهِ مِنْ عَمَلْ ***** قَدِ استَحَقَ مَالَهُ عَلى العَمَلْ
38 ـ وَكُلُّ حُكْمٍ دَائِرٌ معْ عِلَّتِهْ *****وَهِيَ التي قَدْ أَوْجَبَتْ لِشِرْعَتِهْ
39 ـ وَكُلُّ شَرْطٍ لاَزمٌ لِلعَاقِدِ *****في البَيْعِ وَالنِّكاحِ والمَقَاصِدِ
40 ـ إِلاَّ شُرُوطًا حَلَّلَت مُحرَّما *****أو عَكْسَهُ فَبَاطِلاَتٌ فَاْعلَمَا
41 ـ تُسْتَعْمَلُ القُرْعَةُ عِنْدَ المُبهَمِ ***** مِنَ الحُقُوقِ أَو لَدَى التَّزاحُمِ
42 ـ وإِنْ تَسَاوى العَمَلانِ اجْتَمَعَا *****وَفُعلَ أَحَدُهمَا فَاسْتَمِعَا
43 ـ وَكُلُّ مَشْغُولٍ فَلاَ يُشَغَّلُ *****مِثَالُهُ المَرْهُونُ والمُسَبّلُ
44 ـ وَمَنْ يُؤَدِّ عَنْ أَخِيهِ وَاجِبا ***** لَهُ الرُّجُوعُ إِنْ نَوَى يُطالِبَا
45 ـ والوَازِعُ الطَّبْعِي عَنِ العِصْيَانِ *****كَالوَازِعِ الشَّرْعِي بِلاَ نُكْرَانِ
46 ـ وَالحَمّدُ للهِ عَلَى التَّمامِ ***** فِي البِدْءِ وَالخِتامِ والدَّوامِ
47 ـ ثُمَّ الصَّلاةُ مَعْ سَلاَمٍ شَائِعِ *****عَلَى النَّبىِّ وَصَحْبِهِ وَالَّتابِعِ