نظام الإرث والمراحل التي مر بها
عرَفَ العربُ الإرث كسبب من أسباب الملكية ، وكانوا يتوارثون بشيئين :" النسب " ، و "السبب "
وكان الذين يستحقون الميراث " بالنسب" : أي بالقرابة هم الأبناء الكبار الذين يقاتلـون على الخيل ويحملون السيوف ويحوزون الغنيمة ، وكانوا يعطون الميراث الأكبر فالأكبر ، على ما ذكره الطبري في تفسيره ، فإن لم يوجد أحد من الأبناء كان المستحق أقرب أولياء المتوفَّى من العصب ، كالأخ والعم ونحوهما ، وكانوا لا يُوَرِّثُون النساء ولا الصغار ، ذكورًا كانوا أو إناثًا .
وجاء تشريع الإسلام الحكيم: معلناً بطلان نظام الجاهلية في التوريث إجمالاً بقوله تعالى:
"لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا "النساء7
*والذين يستحقون الميراث "الميراث بالسبب "
فكانوا عن طريقين هما التبني و الحِلْف وعلى ذلك لم يكن هذا النظام عادلاً ولا صالحًا ، وظل هذا النظام قائمًا حتى جاء الإسلام،وأبطل الله هذا النظام القائم على الجهل والظلم
فنسخ الميراث بالتبني ، قال تعالى :
"مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ "الأحزاب4
"ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا "الأحزاب5
ونُسخ الميراث بالحِلْفِ
قال أبوداود في سننه :حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ،قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ زَكَرِيَّا ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ،عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ ،وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،
لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً "
سنن أبي داود / تحقيق الشيخ الألباني / كتاب الفرائض / باب في الحلف / حديث رقم : 2925 / التحقيق : صحيح
الحِلْف بكسر المهملة وسكون اللام بعدها فاء : العهد
*شرح الحديث من عون المعبود بشرح سنن أبي داود
" لا حِلْف في الإسلام " : بكسر الحاء المهملة وسكون اللام المعاهدة ، " ص: 113 " والمراد به هنا ما كان يفعل في الجاهلية من المعاهدة على القتال والغارات وغيرهما مما يتعلق بالمفاسد
" وأيما حِلف " : "ما" فيه زائدة " كان في الجاهلية ":
المراد منه ما كان من المعاهدة على الخير كصلة الأرحام ونصرة المظلوم وغيرهما
" لم يزده الإسلام إلا شدة ": أي تأكيدًا وحفظًا على ذلك .كذا في شرح المشارق لابن الملك قال القاضي : قال الطبري : لا يجوز الحِلف اليوم ، فإن المذكور في الحديث والموارثة به وبالمؤاخاة كله منسوخ لقوله تعالى" وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض "
وقال الحسن : كان التوارث بالحِلف فنُسخَ بآية المواريث
قلت : أما ما يتعلق بالإرث فنسخت فيه المحالفة عند جماهير العلماء ،وأما المؤاخاة في الإسلام والمحالفة على طاعة الله تعالى والتناصر في الدين والتعاون على البر والتقوى وإقامة الحق فهذا باق لم ينسخ ،
وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة
وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا حِلف في الإسلام فالمراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه والله أعلم .
كذا في شرح صحيح مسلم للنووي رحمه الله .
وقال في النهاية : أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والإنفاق فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم لا حِِلف في الإسلامِ وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيبين وما جرى مجراه فذلك الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم : وأيما حِِلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق ، وبذلك "ص: 114 " يجتمع الحديثان ، وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإسلام ، والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام ، وقيل المحالفة كانت قبل الفتح ، وقوله لا حلف في الإسلام ، قاله زمن الفتح . انتهى .