08-25-2018, 09:07 PM
|
|
غفر الله لها
|
|
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,263
|
|
"تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ" 8.
"تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ"الملك:8. يعني: تكاد أن تتفرق وتتقطع قطعًا من شدة تغيظها على الكفار، وذكر بعض علماء الحيوان أن من الحيات حيات شديدة التغيظ على بني آدم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن الحيات على وجه الإجمال"والله ما سالمناهن منذ حاربناهن" فبين الحيات وبين بني آدم عداوات منذ أن بدأت بينهما الحرب، ......الشاهد: أنهم يذكرون أن من أنواع الحيات حيات شديدة التغيظ جدًا على بني آدم، كلها غيظ عليك، إذا رأتك من مكان بعيد دفعت برأسها وطارت إليك! ويسمع لها دوي هائل وهي في الطريق إليك، فإذا صادفتك خرقت جسمك ودخلت من ناحية وخرجت من ناحية أخرى!! وذكروا مخرجًا من هذه الحيات فقالوا: إذا سمعت صوتها في الهواء، وهي متجهة إليك، فانبطح على الأرض على بطنك، فإذا نزلت بجوارك ولم تصب مرادها منك، تقطعت قطعًا من شدة غيظها، وتتفتت أمامك!! فالغيظ يفتتها قطعًا! فجهنم يقول الله عنها"تَكَادُ تَمَيَّزُ" والتميز: التقطع والانفصال, ومنه قوله تعالى"وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ"يس:59. أي: انفصلوا اليوم أيها المجرمون، فـ ""تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ" أي: تكاد تتقطع النار من شدة غيظها على الكفار، انظر إذا كنت متغيظًا على شخص ثم تمكنت منه كيف تكاد تتقطع منه؟! هنا = سلسلة التفسير لمصطفى العدوي
" ما سالَمْناهنَّ منذ حاربناهنَّ ومن تركَ شيئًا منهن خِيفةً فليس منا".الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 5248 - خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح- الدرر-
الشرح :
أمرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بقَتلِ الفَواسقِ الضارَّةِ من الهوَامِّ والحيواناتِ المؤذِيةِ، وأمرَ بقَتلِ الحيَّاتِ الضارَّةِ، ولا سيَّما تلكَ التي تسكُنُ البيوتَ وتُؤذِي.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم "ما سالَمْناهنَّ منذُ حارَبناهُنَّ"، أي: ما سالَمنا الحيَّاتِ والثعابينَ وصالَحْناهم منذُ أنْ وقعتْ بَينَنا وبينَهم الحربُ؛ فإنَّ المحاربةَ والمعاداةَ بينَ الحيَّةِ والإنسانِ جِبِليَّةٌ، وقيلَ: إنَّ المرادَ أنَّها قديمةٌ منذُ آدمَ عليهِ السلامُ. "ومَن تركَ شيئًا مِنهنَّ خِيفةً فليسَ مِنَّا"، وهذا حثٌّ على عدمِ الخَوفِ من الحيَّاتِ وعدمِ تَرْكِ قَتلهِنَّ؛ لأنها مُؤذِيةٌ وقاتلةٌ وسامَّةٌ، فكأنَّها عدُوٌّ فإنْ لم تَقتلْها قتلَتْكَ، وقولُه: "فليسَ منَّا"، أي: فليسَ على صِفة أمرِنا والمقتَدينَ بسُنَّتِنا.
هذا معَ مراعاةِ معاني بَقيَّةِ الرِّواياتِ في هذا الأمرِ؛ حيثُ وردَ النهيُ الأخيرُ عن قَتلِ حيَّاتِ البيوتِ- وتُسمَّى بالعَوامِرِ- إلَّا بعدَ استئذانِها ثلاثَ مرَّاتٍ؛ فإذا خرَجْنَ من البُيوتِ فلا سَبيلَ علَيها، ولكنْ إنْ أبَتِ الخُروجَ فيجِب قَتْلُها.- الدرر-
"كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ"أي كلما طُرِحَ فيها جماعةٌ من الكفرةِ ، على وجه الإهانة والذل.
وَالْفَوْجُ : الْجَمَاعَةُ أَيْ جَمَاعَةٌ ، ويُقْصَدُ مِمَّنْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْخُلُودُ في النَّارِ .
فيه دليل على أن دخول الكفار النار يكون على مراحل، فئة تدخل، ثم تدخل فئة، ثم تدخل فئة، وكذلك دخول المؤمنين الجنة يكون على مراحل" وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا "الزمر:73- أي: جماعات جماعات.
اللهم اجعلنا ممن يدخلون الجنة زُمرًا ،وعافانا وإياكم من جهنم وأفواجها .
أُتْبِعَ وَصْفُ مَا يَجِدُهُ أَهْلُ النَّارِ عِنْدَ إِلْقَائِهِمْ فِيهَا مِنْ فَظَائِعَ أَهْوَالِهَا بِوَصْفِ مَا يَتَلَقَّاهُمْ بِهِ خَزَنَةُ النَّارِ .
..... قد يَتَسَاءَلُ السَّامِعُ عَنْ سَبَبِ وُقُوعِ أَهْلِ النَّارِ فِيهَا فَجَاءَ بَيَانُهُ بِأَنَّهُ تَكْذِيبُهُمْ رُسُلَ اللَّهِ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ ، مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ مِنْ وَصْفِ نَدَامَةِ أَهْلِ النَّارِ عَلَى مَا فَرُطَ مِنْهُمْ مِنْ تَكْذِيبِ رُسُلِ اللَّهِ ، وَعَلَى إِهْمَالِهِمُ النَّظَرَ فِي دَعْوَةِ الرُّسُلِ وَالتَّدَبُّرِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ .
"سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا" أي سألتهم الملائكة المُوَكَّلُونَ على جهنم _ وهم الزبانية ،سؤال توبيخ.
"أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ"
أي ألم يأتكم رسول ينذركم ويخوفكم من هذا اليوم الرهيب ؟
وهذا السؤال لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّنْدِيمِ والإيلَامِ لِيَزِيدَهُمْ حَسْرَةً
فوقَ حَسْرَتِهم وعذابًا فوقَ عذابِهم .
وَالنَّذِيرُ : الْمُنْذِرُ ، أَيْ رَسُولٌ مُنْذِرٌ بِعِقَابِ اللَّهِ .
*قال صلى الله عليه وسلم:
"لَنْ يَهْلَكَ النَّاسُ حَتَّى يَعْذِرُوا، أَوْ يُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ"
الراوي : رجل من الصحابة - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح أبي داود-
الصفحة أو الرقم: 4347 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
الشرح:
تَعمُّدُ فِعلِ المعصيةِ مِن أكبرِ أسبابِ الهَلاكِ، وفي هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم: "لَنْ يَهلَكَ الناسُ"، أي: لَنْ يُهلِكَ اللهُ عزَّ وجلَّ الناسَ في الدُّنيا بموتٍ أو عذابٍ، "حتى يَعذِرُوا، أو يُعذِرُوا من أنفُسِهم"، أي: حتى يُكثِروا من الذُّنوبِ والمعاصي ولم يَبقَ لهم عُذرٌ بعدَما قامَت علَيهِم مِن الحُجَجِ ما قامتْ، كأمرٍ بمعروفٍ أو نَهيٍ عن مُنكَرٍ ولم يَستَجِيبوا، فيَستَوجِبوا بذلكَ العُقوبةَ ولا عُذرَ لهم بعدَ ذلكَ.-الدرر-
يُقال: أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ، والمعنى: مَنْ حَذَّرَكَ ما يَحُلُّ بِكَ فَقَدْ رَفَعَ عَنْهُ الذَّنْبَ وَاللَّوْمَ.كذا في الوسيط .
وفي لسان العرب:
"ومن أَمثال العرب: قد أَعذَرَ من أَنذَر، أَي من أَعلَمك أَنه يُعاقِبُك على المكروهِ منك فيما يَستقبِله ثم أَتيتَ المكروه فعاقَبَك فقد جَعَل لنفسه عُذْراً يكُفُّ به لائِمَةَ الناس عنه"الألوكة/ المجلس العلمي -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً»
الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 6419 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
الشرح:
يَحكي أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "أَعذَر اللهُ إلى امرئٍ"؛ أي: قطَع عُذرَه في ارتكابِ المعاصي، "أخَّر أجَلَه"؛ أي: إذا أطال عُمُرَه "حتى بلَّغه ستِّين سَنةً" وهو على قيدِ الحياةِ.
فمَن طال عمرُه حتى بلَغ ستِّين عامًا، لم يَبقَ له عُذرٌ في اقتراف الخطايا؛ لأنَّه يجبُ عليه أن يَستعدَّ للِقاءِ الله عزَّ وجلَّ.
في الحديث: أنَّ الشَّيخوخة نذيرُ الموت والرَّحيلِ عن الدُّنيا؛ ولهذا ينبغي لِمَن بلَغ الستِّين الاستعدادُ للقاء الله.
وفيه: إشارةٌ إلى أنَّ استكمال الستِّين مَظِنَّةُ انقضاء الأجَل. - الدرر -
=فلنعتبر ولنحذر ونُحْسِن الاستجابة
"لما نزَلَتْ "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ" صَعَدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الصَّفا ، فجَعَل يُنادي : يا بني فِهْرٍ ، يا بني عَدِيٍّ ، لبطونِ قريشٍ ، حتى اجتمعوا ، فجَعَلَ الرجلُ إذا لم يَسْتَطِعْ أن يَخْرُجَ أَرَسَلَ رسولًا؛ ليَنْظُرَ ما هو ، فجاءَ أبو لهبٍ وقريشٌ ، فقال" أَرَأَيْتَكم لو أَخْبَرْتُكم أن خيلًا بالوادي تريدُ أن تُغِيرَ عليكم أَكُنْتُم مُصَدِّقِيَّ ؟ قالوا : نعم ، ما جَرَّبْنَا عليك إلا صدقًا . قال : فإني نذيرٌ لكم بينَ يَدَيْ عذابٍ شديدٍ . فقال أبو لهبٍ : تبًّا لك سائرَ اليومِ ، أَلِهذا جَمَعْتَنَا ! فنزَلَتْ "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ"الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4770 خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر -
كانت دَعْوَةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سِرًّا في بدايةِ الأمرِ، إلى أنْ أَمَرَه اللهُ سبحانه وتعالى بالجَهْر بالدَّعْوَةِ فقال "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرْ".
ومِن جَهْرِه بالدعوةِ وتبليغِه إيَّاها: أنَّه لَمَّا نَزَل قولُه تعالى"وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" صَعِد النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على جَبَلِ الصَّفَا، ونَادَى: يا بَنِي فِهْرٍ، يا بَنِي عَدِيٍّ، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ، والبَطْنُ: أَقَلُّ مِن القَبِيلة، فاجْتَمَعوا عندَه، ومَنْ لم يَستطِعِ المَجِيءَ أَرْسَلَ رسولًا لِيَرَى: ما الأَمْرُ، وما الذي يُرِيد أنْ يُخبِرَ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلمَّا اجتَمَعوا وجاء أبو لَهَبٍ وقُرَيْشٌ، قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم «أَرَأَيْتَكُم لو أخبرتُكم أنَّ خيلًا بالوادِي تُرِيدُ أن تُغِيرَ عليكم، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ » يعني: لو أخبرتُكم أنَّ جَيْشًا يُريد أن يَهجُمَ عليكم؛ فهل كنتُم تُصدِّقونني؟ فقالوا: نَعَمْ، وأَقرُّوا بصِدْقِه صلَّى الله عليه وسلَّم، وقالوا: ما جَرَّبْنا عليك إلَّا صدقًا، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم «فإنِّي نَذِيرٌ لكم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شديدٍ»، فقال أبو لَهَبٍ: تَبًّا لك سَائِرَ اليومِ! أي: خَسِرْتَ بقيَّةَ اليومِ؛ أَلِهَذَا جَمَعْتَنا؟! فأنزَل الله تعالى فيه "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ" أي: خَسِرَتْ يداه وخابَتْ، وخَسِرَ هو، وقيل"تبَّ" الأوَّل دُعَاءٌ، وَالثَّانِي خبَر، مِثل: أهْلَكَه الله وَقد هَلَك.-الدرر -
=نحن في البحبوحة :والإنسان إذا ما اسْتجاب وما اسْتفاد مما يُلقى إليه وما تاب وما عمل بما سمِع وبما علِم سَيَأتي عليه وقْتٌ ينْدم عليه ندم لا يوصف فنحن الآن أحْياء وفي بحْبوحة العُمُر فكُلّ شيء يُحل وأنت حيّ تتوب وتتصدّق وتَسْتَغْفِر ... .
"قالَ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى: يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً" الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-
الصفحة أو الرقم: 3540 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
-" اللَّهُ أفرَحُ بتوبةِ عبدِهِ مِن أحدِكُم ، سقَطَ على بعيرِهِ ، وقد أضلَّهُ في أرضِ فَلاةٍ"الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6309 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
فلنراجع أنفسَنَا ونستشعر الإيمان بالله وباليوم الآخر ،ونرجع ونتوب وندقق في أعمالنا . يا مصرف القلوب صرف قلوبَنَا على طاعَتِكَ.
=قال عبدُ اللهِ - ابنُ مسعودٍ -: إنَّ المؤمنَ يرَى ذنوبَه كأنه في أصلِ جبلٍ يخافُ أنْ يقعَ عليه وإنَّ الفاجرَ يرَى ذنوبَه كذبابٍ وقع على أنفِه قال به هكذا ، فطار .
الراوي : الحارث بن سويد - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 2497 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
الأثرُ موقوفٌ على ابنِ مسعودٍ.
شرح الأثر:
وصَف ابنُ مَسعود رَضِيَ الله عنه حالَ المؤمنِ مع ذُنوبِه، وشبَّهه برجلٍ قاعدٍ تحتَ جبلٍ يَخاف أن يَقَعَ عليه؛ ومَن وقَع عليه الجبلُ فلا يُظَنُّ له نجاةٌ، بينما يَنظُر المنافقُ لذنوبه باستخفافٍ، فكأنَّها ذُبابٌ مرَّ على أنفِه فأشار بيدِه فذَهَب الذبابُ ولم يؤثِّرْ عليه، فهو يَرى ذُنوبَه لا تُؤثِّرُ عليه ولا يَقْلَقُ لها. الدرر -
فالإيمانُ الحقيقيُّ يُعرِّفُ صاحِبَه بعَظَمةِ اللهِ تعالى، فيُبعِدُهُ عن التَّجاوُزِ في معصيتِهِ أو الاسْتِمرارِ في ذلك.
وفي هذا الأَثرِ يَقولُ عبدُ اللهِ بنِ مسعودٍ: إنَّ المؤمِنَ "يرى ذُنوبَهُ"، أي: ما اقْتَرَفَ مِنْ معاصٍ كأنَّه في "أَصَلِ جَبَلٍ"، أي: كأنَّ المؤمنَ واقفٌ عِنْدَ سَفْحِ جَبَلِ ويرى ذُنوبَهُ مِثْلَ ذلك الجَبَلِ "يَخافُ أنْ يَقَعَ عليه"، أي: يَخافُ أنْ يَقَعَ هذا الجبلُ عليه، وهو في أَسْفلِهِ؛ وذلك لاسْتِعظامِ المؤمنِ أَمْرَ معصيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، "وإنَّ الفاجِرَ"، أي: الفاسِقَ "يرى ذُنوبَهُ كذُبابٍ"، أي: مِثْلَ تِلْكَ الحَشَرةِ الصَّغيرةِ في حَجْمِها وأذاها؛ فذنبُه سَهلٌ عِندَه لا يعتقدُ أنَّه يَحصُل له بسببِه كبيرُ ضررٍ، كما أنَّ ضررَ الذُّبابِ عنده سهلٌ، "وقَعَ على أَنْفِهِ قال بِهِ هكذا، فطار"، أي: عِنْدما يَقَعُ على أَنْفِهِ فيتأذَّى منه أزاحَه بيدِهِ ليَطيرَ؛ وذلك لضَعْفِ هَيبةِ مَعصيةِ اللهِ سُبحانَه وتعالى في قَلْبِ الفاجِرِ.
وفي الحديث: أنَّ على المؤمنِ أنْ يَخشَى ذُنوبَه، ويَعظُمَ خَوفُه منها، ولا يأمَنَ عِقابَ اللهِ عليها فيَستصغِرَها. - الدرر-
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
سؤال:هل يرى أهل السنة والجماعة تخليد آكل الربا بعدما جاءته الموعظة في النار؟ ماذا عن الكاسيات العاريات؟ وماذا عن تارك الصلاة؟
الإجابة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن آكل الربا والمرأة المتبرجة وتارك الصلاة غير الجاحد لها، كل هؤلاء من أهل الكبائر الذين إذا ماتوا على التوحيد، ولم يتوبوا من ذنوبهم قبل الغرغرة أو طلوع الشمس من مغربها، فإنهم لن يخلدوا في النار لو أنهم دخوها، وقد يعذبون بقدر ذنوبهم إذا لم يتجاوز الله عنهم، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وليست لهم عقيدة سواها.
وأما قول الله تعالى" فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ "البقرة:275.
فليس فيها ما يخالف ما قررناه لأنها في من استحلّ الربا وقال ما نهاه الله عنه في صدر الآية" إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا" البقرة:275، ولا شك أن قائل هذا الكلام إن كان عالمًا بما يقول فإنه معترض على الله في شرعه وحكمه ومعقب عليه في أمره ونهيه وهذا كافر، ويخلد في النار، وإنما المسأله في المسلم الذي يقر أن الربا حرام ولكنه يفعله ضعفًا وشهوة فهذا عاصٍ، وإن مات بلا توبة فأمره إلى الله.
ورحم الله ابن عطية حيث قال في تفسيره للآية: إن قدَّرنا الآية في كافر فالخلود خلود تأبيد حقيقي، وإن لحظناها في مسلم عاصٍ فهذا خلود مستعار على معنى المبالغة، كما تقول العرب مُلْكٌ خالِد, عِبَارَة عَنْ دَوَام مَا لَا يَبْقَى عَلَى التَّأْبِيد الْحَقِيقِيّ. انتهى.
والله أعلم. إسلام ويب .
"قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ"9 .
"أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ" الجواب "قَالُوا بَلَى " بَلَى" هذه إثبات؛ لأن جواب السؤال المنفي بأداة نفي يكون ببلى في الإثبات، أي إثبات واعتراف بأن جاءهم نذير.
أما قوله"وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ"الأعراف:44- فالسؤال هنا جاء بعد أداة الاستفهام، لكن لا يوجد نفي، فالجواب هنا في الإثبات يكون بنعم، وعندما أقول لك: هل أنت متوضئ؟ تقول: نعم أو لا.
قولهم "قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ" موكدًا لما دلت عليه "بَلَى" ، وهو من تكرير الكلام عند التحسر ، مع زيادة التحقيق ب "قَدْ" ، وذلك التأكيد هو مناط الندامة والاعتراف بالخطأ .تفسير ابن عاشور.
فيذكر تعالى عدله في خلقه ، وأنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحُجة عليه وإرسال الرسول إليه ، كما قال " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا " الإسراء : 15 - وقال تعالى " وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ.وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ" الزمر : 71 . °وهكذا عادوا على أنفسهم بالملامة ، وندموا حيث لا تنفعهم الندامة .تفسير ابن كثير.
"قَالُوا بَلَى" انظر إلى الاعتراف، يعني: بلى قد جاءتنا الرسل، المصيبة الكبرى ليس فقط في اعترافهم بمجيء الرسل إليهم، وليس فقط بتكذيبهم الرسل، بل قالوا: نحن أفرطنا في التكذيب، ونفينا التنزيل والإرسال والنبوة.
قوله"وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ"الملك:9- "مِنْ " هنا قطعًا تدل على العموم، يعني: ما أنزل الله من شيء على الإطلاق، زيادة على هذا فقد بالغوا في نسبة الرسل إلى الضلال، وذلك بقولهم"إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ" وليس في ضلال فقط بل كَبِيرٍ!
=فجمعوا بين تكذيبهم الخاص، والتكذيب العام بكل ما أنزل الله ولم يكفهم ذلك، حتى أعلنوا بضلال الرسل المنذِرِينَ وهم الهداة المهتدون، ولم يكتفوا بمجرد الضلال، بل جعلوا ضلالهم، ضلالًا كبيرًا، فأي عناد وتكبر وظلم، يشبه هذا؟ تفسير السعدي.
"إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ" قيل:إنها من تمام كلام كل فوج لنذيرهم.
وقيل: إنها كلام خزنة جهنم.
حتى لو أردوا الكذب وإنكار جحودهم وكفرهم وما اكتسبوا في الدنيا من الذنوب، فيختم الله على أفواههم، وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
"يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"النور 24.
فكل جارحة تشهد عليهم بما عملته، ينطقها الذي أنطق كل شيء، فلا يمكنه الإنكار، ولقد عدل في العباد، من جعل شهودهم من أنفسهم- تفسير السعدي-
"وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ" 10.
" نَسْمَعُ" أي : سماع انتفاع لما جاءت به النُّذر.
"أَوْ نَعْقِلُ" أيضًا تعقل انتفاع لذلك ، فنفوا عن أنفسهم أعظم طرق الهداية وهما السمع والعقل لعدم انتفاعهم بهما.
لو كنا نتفكر في كلام الله الذي جاء به المرسلون سماع طالب للحق وعقلنا ذلك.
سؤال: القرآن الكريم ينفي عنهم أحيانًا العقل، مع أنه في مواضع أخرى يثبته، فما الجمع بينهما؟
الجواب
أن العقل موجود، لكن لما كانت الحكمة من خلق الإنسان وتكريمه بالعقل أساسًا هي أن يتفكر به في توحيد الله، ويتوصل به إلى إثبات الإسلام والتوحيد والنبوة، فلما عطل عقله عن هذه الوظيفة التي خلق من أجلها أساسًا، فبالتالي صار مستويًا مع من لا عقل له من البهائم والجمادات ونحوها، فلذلك بعض الآيات تثبت له العقل وبعضها تنفيه، وكذلك السمع والبصر، يقول تعالى"لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا"الأعراف:179- يعني: عندهم قلوب لكنهم لا يستعملونها فيما خُلِقَت من أجله وكذلك السمع والبصر.
وهذا الآية أيضًا تشير إلى أن الوصول إلى الحق لا يكون إلا عن طريق السمع أو العقل، "وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ" السمع هو الآيات والآثار والروايات، والعقل هو الدليل الثاني.
قال الناصر: لو تفطن نبيه لهذه الآية لعدها دليلاً على تفضيل السمع على البصر، فإنه قد استدل على ذلك بأخفى منها.
وقال ابن السمعاني: استدل بها من قال بتحكيم العقل في موضعه.
تفسير القرآن الكريم كاملًا
للشيخ: محمد أحمد إسماعيل المقدم=هنا=
هذه الآيات لا شك أن من عقِلَها وتدبرها فإنه يهون عليه كل ما يَلقى في هذه الدنيا من الأذى، والبلاء، والعلل، والأوصاب، والأمراض، والفقر، وما إلى ذلك.
فالعذاب الحقيقي، والألم الحقيقي هناك في هذه الأفواج، حينما تقاد فوجًا بعد فوج إلى النار، وهي تتغيض، ولها هذا الصوت المفزع تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ،ثم بعد ذلك يُلقون فيها بعد أن يعترفوا بذنوبهم، هذا هو المقام الذي ينبغي أن يخشاه العبد، وأن يفكر فيه طويلاً، فهو حري بأن يُزَهِّدُهُ بحطامِ الدنيا، وعَرَضِهَا الزائل، وأن تتقاصرَ هِمَّتُهُ، ونفسه عن طلب الشهوات المحرمة، وأن يكون هذا اليوم نُصب عَينَيه يحسب له حسابه، ويستعد له غاية الاستعداد؛ لأن ذلك هو المصير النهائي المحتوم الذي لا طعم للسعادة بعده إذا كان الإنسان من أهل الشقاء، -نسأل الله العافية لنا ولكم-.
"فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ "11.
قال تعالى عن هؤلاء الداخلين للنار، المعترفين بظلمهم وعنادهم:
"فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ" أي: فأقروا بإجرامهم وتكذيبهم للرسل .
لكن حين لا ينفع الندم ، فاعتراف الكفار وإيمانهم بعد فوات الأوان بالمعاينة -أي بعد معاينة ورؤية النار- لا ينفعهم "أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ . أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ " .الزمر 56 : 59 .
فسؤال الرد إلى الدنيا، نوع عبث، " وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ "الأنعام 28.
" فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ " أي فبعدًا وهلاكًا لأهل النار وبعدًا لهم عن رحمة الله .
فما أشقاهم وأرداهم، حيث فاتهم ثواب الله، وكانواملازمين للسعير، التي تستعر في أبدانهم، وتطلع على أفئدتهم!
*التوبة أو الإيمان والإقرار والاعتراف بالحق بعد فوات أوانه لا ينفع الإنسان شيئًا: كأن يتوب عند الغرغرة؛ وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام"إنَّ اللهَ يقبلُ توبةَ العبدِ مالم يُغَرْغِرْ"الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب- الصفحة أو الرقم: 3143 - خلاصة حكم المحدث : حسن-الدرر السنية-وقال المناوي في شرح حديث ما لم يغرغر: إن محل قبول التوبة ما لم ييأس من الحياة؛ لأن من شروط التوبة العزم على عدم العودة له, وذلك إنما يتحقق مع تمكن التائب منه وبقاء الأوان الاختياري.هنا-
شرح الحديث:خلَقَ اللهُ سُبحانَه الخلْقَ وهداهم إلى الخَيرِ والحقِّ، وعرَّفَهم صِفاتِ الشَّرِّ؛ ليجْتنِبوها، ولِعِلْمِه سُبحانَه بضعْفِ خلْقِه فيمَن يقَعُ منهم في فِتَنِ الدُّنيا، فتَحَ لهم بابَ التَّوبةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "إنَّ اللهَ يقبَلُ توبةَ العبْدِ ما لم يُغرْغِرْ"، أي: يقبَلُ مِن عبْدِه التَّوبةَ والرُّجوعَ إلى الحقِّ، والاعترافَ بالذَّنْبِ والتَّبرُّؤَ منه طوالَ حَياتِه، ما دام واعيًا ولم يُدْرِكْه الموتُ، لا أنْ يكونَ في حالةِ الاحتضارِ، ففي هذه الحالةِ لا يقبَلُ اللهُ توبةً؛ وذلك أنَّ العبدَ يَرى ملائكةَ ربِّه، ويتيقَّنُ أنَّه ميِّتٌ، ولا اختيارَ له في العودةِ؛ فإنَّ التَّوبةَ بعدَ التَّيقُّنِ بالموتِ لا يُعتَدُّ بها، فالمُعتبَرُ هو الإيمانُ بالغيبِ، والمُرادُ بالغرْغرةِ، أي: ما لم تبلُغْ رُوحُه حُلْقومَه، فيكونُ بمنزلةِ الشَّيءِ الَّذي يتغرغَرُ به المريضُ، وهذا مِصداقُ قولِه تعالى"إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ"النساء: 17، 18.
وفي الحديثِ: بَيان سَعَةِ رَحمةِ اللهِ بخلْقِه.
وفيه: الحثُّ على الإسراعِ إلى التَّوبةِ قبْلَ سَكراتِ الموتِ، التي لا يَدري الإنسانُ متَى تأتِيه. -الدرر السنية-
، فإذا فاجأه الموت فلا تنفعه التوبة عند الموت.
وكذلك في الدنيا إذا طلعت الشمس من المغرب يغلق باب التوبة، وذلك لقوله تعالى"يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا"الأنعام:158.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ " رواه مسلم :2703.
إذا طَلُعتِ الشَّمسُ مِن مَغرِبِها امتَنَعتِ التَّوبةُ على مَن لم يَكُنْ تاب قَبْلَ ذلك . الدرر- قال ابن كثير: دلت الأحاديث على أن من تاب إلى الله عز وجل وهو يرجو الحياة فإن توبته مقبولة, وأما متى وقع الإياس من الحياة وعاين الملك وحشرجت الروح في الحلق وضاق بها الصدر فلا توبة مقبولة حينئذ. اهـ
وكذلك عند نزول العذاب من الله سبحانه وتعالى لا ينفعهم الإقرار، كما قال تعالى عن فرعون"حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ"يونس:90- فبماذا أجيب؟ أجيب بقوله"آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" يونس:91.
إذًا: لا تنفع التوبة ولا الإقرار بالذنب عندما يصير الغيب شهادة، وعندما يرى المرء الملائكة أتت لقبض روحه، أو حينما يلقون في النار يوم القيامة"رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ"السجدة:12، فاليقين الذي ينفع هو اليقين في الدنيا في دار العمل، أما اليقين والإيمان في الآخرة عند نزول العذاب فهو يقين وإيمان رغم أنف الإنسان، ففيه نوع من الإكراه له، فلا يقبل الإيمان الذي يقع تحت الإكراه، قال الله"لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" البقرة:256، وإنما الإيمان واليقين الذي له قيمة هو الذي يقع هنا في دار التكليف في مجلس الامتحان، لكن هناك تظهر النتيجة فقط؛ لأنه ليس هناك عمل، ولذلك كانت أول صفات المؤمنين في القرآن الكريم"الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ"البقرة:3- فالإيمان بالغيب يتوصل إليه الإنسان عن طريق التفكر والتدبر في آيات الله وتحري الحق والبحث عنه والجهاد، قال عز وجل"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا"العنكبوت:69، هذا الإيمان الذي له قيمة، لكن بعد معاينة العذاب لا يفيد.هنا-
|