11-06-2018, 06:16 AM
|
|
غفر الله لها
|
|
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,266
|
|
"قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" الملك : 24.
"قُلْ"إعادة فعل "قُلْ" من قبيل التكرار المُشْعِر بالاهتمام بالغرض المسوقة فيه تلك الأقوال، و فيها تشريف للنبي صلى الله عليه و سلم.
ووجه مناسبة الآية لما قبلها هو ارتباط النعمتين ،
فبعد أن أمر اللهُ نبيَّهُ في الآية السابقة أن يخبر الناس أن الله تعالى هو الذي أوجدهم من العدم، وخلق لهم السمع والأبصار والأفئدة، ومع ذلك قليل منهم من يشكر الله جل جلاله على نعمه ، وهو بتذكيره لهم بنعمه الجليلة يعرفهم على قبح ما هم فيه من الكفر والإشراك، فلعلهم يرجعوا فيؤمنوا بمن أنعم عليهم بهذه النعم الجليلة،ثم يذكر الله نعمة تكثيرهم في الأرض فيقول "قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ" أي: خلقكم وبثكم ونشركم في أقطار الأرض وأرجائها، مع اختلاف ألسنتكم في لغاتكم وألوانكم، وأشكالكم وصوركم.
°و ليس هذا الفعل -ذَرَأَ - مخصوصًا بخلق الأحياء لقوله تعالى "وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ" النحل :13.
°قال الشيخ السعدي في تفسرها :أي: فيما ذَرَأَ- أي خَلَقَ- اللهُ ونشر للعباد من كل ما على وجه الأرض، من حيوان وأشجار ونبات، وغير ذلك، مما تختلف ألوانه، وتختلف منافعه، آية على كمال قدرة الله وعميم إحسانه، وسعة بره، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له " لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ " أي: يستحضرون في ذاكرتهم ما ينفعهم من العلم النافع، ويتأملون ما دعاهم الله إلى التأمل فيه حتى يتذكروا بذلك ما هو دليل عليه.هنا= بزيادة - خَلَقَ-
وقال عز وجل "جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ" الشورى 11. أي: يبثكم ويكثركم ويكثر مواشيكم، بسبب أن جعل لكم من أنفسكم أزواجًا ، وجعل لكم من الأنعام أزواجًا.
" يَذْرَؤُكُمْ"أي يخلقكم نسلاً بعد نسل وقرنًا بعد قرن، قاله مجاهد والناس، فلفظة ذرأ: تزيد على لفظة: خلق معنى آخر ليس في خلق، وهو توالي الطبقات على مر الزمان.تفسير ابن عطية=هنا=
"وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" أي بعد تكثيركم وانتهاء آجالكم في هذه الدنيا تموتون وإلى الله تُحشرون ، وعلى أعمالكم تحاسبون.
فبعد هذا التّفرّق والشّتات، يجمعكم كما فرقكم، ويعيدكم كما بدأكم، وإليه وحده- لا إلى غيره- يكون مرجعكم للحساب والجزاء يوم القيامة.
نعمة تلو نعمة وتحذير تلو تحذير ، اللهم اجعلنا ممن يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسنَهُ.
*يوم الحشر
"يُحشرُ الناسُ يومَ القيامةِ حُفاةً عُراةً غُرلًا . قلتُ : يا رسولَ اللهِ ! النساءُ والرجالُ جميعًا ، يَنظرُ بعضُهُمْ إلى بعضٍ ؟ قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : يا عائشةُ ! الأمرُ أشدُّ مِنْ أنْ ينظرَ بعضُهمْ إلى بعضٍ".
الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : مسلم- المصدر : صحيح مسلم-
الصفحة أو الرقم: 2859 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر السنية=
الشرح:
يومُ القيامةِ يومٌ عظيمٌ وشديدٌ، يقومُ فيه النَّاسُ بَينَ يَدَي ربِّ العالَمِين للحسابِ، وفي هذا الحديثِ يَصِف النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لنا بعضَ ما في هذا اليومِ، حيث يقولُ "يُحْشَرُ النَّاسُ يومَ القيامةِ"، أيْ: يُجْمَعون بعد البَعثِ من الموت، ويَقُومون للحسابِ، "حُفاةً عُراةً غُرْلًا"، أيْ: وهم حُفاةٌ الأقدامِ بلا أحذيةٍ ولا نِعالٍ، وعُراةُ الأجسادِ بلا ثيابٍ ولا سُتُورٍ، غُرْلًا غير مَخْتونِين، قد ذهَب عنهم كلُّ ما كَانوا فيهِ في الدُّنيا وعَادُوا كما خَلَقَهم اللهُ؛ "كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ"الأنبياء: 104، قالت عائشةُ "يا رسولَ اللهِ، النِّساءُ والرِّجالُ جميعًا يَنظُرُ بعضُهم إلى بعضٍ؟!"، وهذا اسْتِفهامٌ واسْتِغرابٌ من أنْ يُجْمَعَ النُّاسُ عُراةً وعَوْراتهم ظَاهِرة أمام بعضِهم رجالًا ونساءً؛ فهل يَنظُرون إلى بعضِهم البَعضِ؟! فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "يا عائشةُ، الأمرُ أَشَدُّ مِن أنْ يَنظُرَ بعضُهم إلى بعضٍ"، أيْ: إنَّ شأنَ المُوقِفِ والحَشْرِ بَعْدَ البَعْثِ مِن الموتِ فيه من الأهوالِ ما يَأخُذُ اهْتِمامَ النَّاسِ وأَبْصارَهم عن النَّظرِ إلى العَوْراتِ، ومِنْها ما قال اللهُ تعالى"يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ"الحج: 2.الدرر السنية =
*قال الإمام مسلم في صحيحه:حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى أَبُو صَالِحٍ ، قال:حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ ، قال:حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ ، قال:حَدَّثَنِي الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ " ، قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ : فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ أَمْ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ ، قَالَ : " فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا " ، قَالَ : وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ" . صحيح مسلم » كِتَاب الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا ..» بَاب فِي صِفَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَعَانَنَا اللَّهُ ... .هنا=الراوي : المقداد بن الأسود - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2864 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
الشرح:
يومُ القيامةِ يومٌ عظيمٌ، وأهوالُه ومَواقفُه مُتعدِّدةٌ، منَ الحَشرِ، وانتِظارِ الحِسابِ، والمرورِ على الصِّراطِ وغيرِ ذَلك، ومِن أَوائلِ تلكَ المَواقفِ أن يَجمعَ اللهُ الخَلائقَ في ذلكَ المَحشرِ العَظيمِ فيَشتدَّ الكَرْبُ، وتَدنو الشَّمس منَ الرُّؤوسِ فتَشتدُّ الحرارةُ، وتَرشحُ الأَجسامُ بالعَرقِ الغزيرِ.
وفي هذا الحَديثِ تَدنِّي الشَّمس يومَ القيامةِ منَ الخَلقِ، حتَّى تكونَ منهم كمِقدارِ مِيلٍ، قال سُليمُ بنُ عامرٍ: فَواللهِ ! ما أدْري ما يَعني بالمِيلِ؟ أَمسافةُ الأرضِ، أي: أَراد المَسافةَ الَّتي هيَ عندَ العَربِ مِقدارُ مَدِّ البصرِ منَ الأرضِ، أمِ الميلُ الَّذي تَكتِحلُ به العينُ. فيَكونُ النَّاس على قَدرِ أَعمالِهم في العَرَقِ، فمِنهم مَن يَكونُ إلى كَعبيْه، ومِنهم مَن يَكونُ إلى رُكبتَيْه، ومِنْهم مَن يَكونُ إلى حَقْوَيْه، وهوَ مَعقدُ الإِزار، أو طَرفا الوَركَيْنِ، ومِنهم مَن يَلجُمُه العرقُ إلجامًا، أي: يصلُ إلى فيهِ وأُذنَيْه فيكونُ له بمَنزلَةِ اللِّجامِ منَ الحَيواناتِ، كَما قالَ الرَّاوي"وأَشارَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بيدِه إلى فيهِ"، فَتَتراكمُ في هذا الموقفِ الأَهوالُ، وتَدنو الشَّمسُ، ويَكونُ زحامُ بعضِهم بعضًا، فيُشدَّد أمرُ العَرقِ على البعضِ ويُخفَّف على البَعض بحَسَبِ أَعمالِهم .= الدرر =
*طول يوم النشور نسأل الله السلامة: قال صلى الله عليه وسلم:
"يومَ يقومُ الناسُ لربِّ العالمين مقدارَ نصفِ يومٍ من خمسين ألفِ سنةٍ فيهونُ ذلك على المؤمنِ كتدلِّي الشمسِ للغروبِ إلى أن تغربَ"الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب- الصفحة أو الرقم: 3589 - خلاصة حكم المحدث : صحيح .الدرر السنية =
الشرح:
أخْبَرَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ببَعْضِ أُمورِ الآخِرَةِ، وما فيها مِن أهْوالٍ، وبيَّن ما يُلاقيهِ المُؤْمِنُ مِن رحْمةِ اللهِ، وما يُلاقيهِ العُصاةُ والكَفَرةُ من الخِزْيِ والهَوانِ، ومِن ذلك ما وَرَدَ في هذا الحديثِ حيثُ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "يوْمَ يَقومُ الناسُ لرَبِّ العالَمين"، أي: يوْمَ القِيامَةِ ويوْمَ حَشْرِ الخَلائِقِ أمامَ رَبِّ العالَمين، وقيامُهم فيه للهِ خاضِعينَ، وفي هذا اليومِ أنَّ النَّاسَ يُحْشرَون مِن قُبورِهم إلى أرْضِ المَحْشَرِ؛ فيُجْمَعون في صَعيدٍ واحدٍ؛ لانتِظارِ مُحاسبتِهم في يوْمٍ عظيمٍ "مِقْدارَ نِصْفِ يوْمٍ من خَمْسينَ ألْفَ سَنَةٍ" وتَحْديدُ الوَقتِ بأنَّه نِصْفُ يومٍ مِنْ أيامِ يومِ القيامةِ، أي: خَمْسُ مِئةِ عامٍ مِنْ أعْوامِ الدُّنيا، وقد قال تعالى"وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ"الحج: 47، فالمُرادُ بذلك: يومُ القيامةِ على الأخَصِّ يُطوِّلُهُ اللهُ؛ فيكونُ كخَمْسينَ ألْفَ سَنَةٍ، وإلَّا فاليوْمُ عِنْدَ اللهِ كأَلْفِ سَنَةٍ، وقيل: المُرادُ في الجَميعِ: يومُ القِيامةِ، والاخْتِلافُ يكونُ بحسَبِ حالِ المؤمنِ والكافِرِ، "فَيَهُونُ ذلك على المُؤْمِنِ"، أي: يُسهِّلُ اللهُ مِقْدارَ هذا الموقِفِ على المُؤْمِنِ ويُخفِّفُه؛ لأنَّ أعْمالَه الصَّالحةَ تُظِلُّه؛ فيكونُ مِقْدارُ اليوْمِ له "كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُروبِ إلى أَنْ تَغْرُبَ"، أي: مثلَ مِقْدارِ ابْتِداءِ غُروبِ شَمْسِ يوْمٍ في الدُّنيا إلى انْتِهاءِ غُروبِها، وهو وقْتٌ قصيرٌ، وقليلُ الحرارةِ، وَوَرَدَ عندَ أحْمدَ أنَّه يُخفَّفُ على المُؤْمِنِ؛ حتى يكونَ أخَفَّ عليه من صَلاةٍ مكتوبةٍ.
وفي الحديثِ: بَيانُ خُطورَةِ الموقِفِ يوْمَ القيامَةِ، وضَرورةُ عَمَلِ المرْءِ له .الدرر السنية =
وفي رواية أخرى:قولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" "يومُ القيامَةِ على المؤمنينَ كقدْرِ ما بينَ الظٌّهرِ والعصرِ"
الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع- الصفحة أو الرقم: 8193 - خلاصة حكم المحدث : صحيح . الدرر السنية=
الشرح:
مِن نِعمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ على أهْلِ الإيمانِ يومَ القِيامةِ أنَّهم يُخفَّفُ عنهم كُلُّ شَيءٍ، حتى الانتظارُ في أرضِ المحشَرِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "يومُ القِيامةِ على المؤمنينَ" وهم الذين أحْسَنوا طاعةَ اللهِ عزَّ وجلَّ في الدُّنيا، وآمَنوا به إيمانًا يَقينِيًّا، والمُرادُ: يكونُ طُولُ وزمَنُ يومِ القِيامةِ عليهم "كقَدْرِ ما بيْن الظُّهرِ والعصرِ"، وهذا بَيانٌ لِقِصَرِه عليهم؛ تخفيفًا ورَحمةً بهم، والأصلُ في هذا اليومِ أنَّه شَديدٌ على الكافرينَ وقْتًا وحالًا؛ ففي رِوايةِ ابنِ حِبَّانَ: "يقومُ الناسُ لرَبِّ العالَمينَ مِقدارَ نِصفِ يومٍ مِن خَمسينَ ألْفَ سَنةٍ، يَهُون ذلك على المؤمنينَ كتَدلِّي الشمسِ للغُروبِ إلى أنْ تَغرُبَ".
وفي الحديثِ: بَيانُ أهمِّيَّةِ الإيمانِ، وأنَّه يَنفَعُ المؤمنينَ يومَ القيامةِ. الدرر السنية=
______
"وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" الملك 25.
التفسير الإجمالي : أي: ويقول هؤلاء الجاحدون للرسول صلى الله عليه وسلم ولأصحابه ،المنكرين للمعاد المستبعدين وقوعه، على سبيل التهكم والاستهزاء:
"وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" أي: متى يقع هذا الذي تخبرنا بكونه من الاجتماع بعد هذا التفرق؟.
والوعد: مصدر بمعنى الموعود، والمقصود به ما أخبرهم به صلى الله عليه وسلم من أن هناك بعثًا وحسابًا وجزاءً.. -قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ"-
ومن أن العاقبةَ والنصرَ للمؤمنينَ.-أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ" الملك : 20.-
التفسير المفصل:
"وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ إِنَّمَا الْعَلَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ "لَمَّا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ مُعَارَضَةٌ لِلْحُجَّةِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ إِلَى هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ انْحَصَرَ عِنَادُهُمْ فِي مَضْمُونِ قَوْلِهِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فَإِنَّهُمْ قَدْ جَحَدُوا الْبَعْثَ وَأَعْلَنُواْ بِجَحْدِهِ وَتَعَجَّبُواْ مِنْ إِنْذَارِ الْقُرْآنِ بِهِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ"وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ"
سبأ :7،8.أي: وقال الذين كفروا بعضهم لبعض، ألا تريدون أن ندلكم ونرشدكم إلى رجل، هذا الرجل يخبركم ويحدثكم، بأنكم إذا متم، وفرقت أجسامكم في الأرض كل تفريق، وصرتم رفاتا وعظاما، وأصبحتم طعامًا في بطون الطيور والوحوش.
إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي: إنكم بعد هذا التمزيق والتفريق، تخلقون خلقًا جديدًا، وتعودون إلى الحياة مرة أخرى، للحساب على أعمالكم التي عملتموها في حياتكم.
وَكَانُواْ يَقُولُونَ "مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" وَاسْتَمَرُّواْ عَلَى قَوْلِهِ ، فَلِذَلِكَ حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّكْرِيرِ .
أي: متى وقت البعث الذي تزعمه على قولك؟ لا إقرارا منهم لأصل البعث، بل ذلك سفه منهم وتعجيز، فليس في تعيين وقته فائدة، وإنما الفائدة والمدار على تقريره والإقرار به وإثباته ، وإلا فكل ما هو آت فإنه قريب.
وَالْوَعْدُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ ، أَيْ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ ؟ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَشْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ " وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ " فَالْإِشَارَةُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ " هَذَا " ظَاهِرَةٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ وَعْدٌ آخَرَ بِنَصْرِ الْمُسْلِمِينَ ، فَالْإِشَارَةُ إِلَى وَعِيدٍ سَمِعُوهُ .
وَالْاسْتِفْهَامُ بِقَوْلِهِمْ "مَتَى هَذَا الْوَعْدُ" مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهَكُّمِ لِأَنَّ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ يَسْتَهْزِئُواْ بِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى "فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا "الإسراء:51.- أي: يهزونها إنكارًا وتعجبًا مما قلتَ-
وَأَتَوْا بِلَفْظِ "الْوَعْدِ" اسْتِنْجَازًا لَهُ - أي: طلب قضاءَها ممّن وعده إيّاها-؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْوَعْدِ الْوَفَاءُ .
وَضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يَلْهَجُونَ بِإِنْذَارِهِمْ بِيَوْمِ الْحَشْرِ ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ سَبَإٍ .
وَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَنْ يُجِيبَ سُؤَالَهُمْ بِجُمْلَةٍ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِمْ بَلْ عَلَى ظَاهِرِ الْاسْتِفْهَامِ عَنْ وَقْتِ الْوَعْدِ عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ ، بِأَنَّ وَقْتَ هَذَا الْوَعْدِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَوْلُهُ " قُلْ " هُنَا أَمْرٌ بِقَوْلٍ يَخْتَصُّ بِجَوَابِ كَلَامِهِمْ وَفُصِلَ دُونَ عَطْفٍ يُجْرِيَانِ الْمَقُولَ فِي سِيَاقِ الْمُحَاوَرَةِ ، وَلَمْ يُعْطَفْ فِعْلُ " قُلْ "بِالْفَاءِ جَرْيًا عَلَى سُنَنِ أَمْثَالِهِ الْوَاقِعَةِ فِي الْمُجَاوَبَةِ وَالْمُحَاوَرَةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهِ الْكَثِيرَةِ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَلَامُ التَّعْرِيفِ فِي " الْعِلْمُ" لِلْعَهْدِ ، أَيِ الْعِلْمُ بِوَقْتِ هَذَا الْوَعْدِ . وَهَذِهِ هِيَ الْلَّامُ الَّتِي تُسَمَّى عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ . وَهَذَا قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ .
"وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ "قَصْرٌ إِضَافِيٌّ ، أَيْ مَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ بِوُقُوعِ هَذَا الْوَعْدِ لَا أَتَجَاوَزُ ذَلِكَ إِلَى كَوْنِي عَالِمًا بِوَقْتِهِ .
وَالْمُبِينُ : اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَانَ الْمُتَعَدِّي ، أَيْ مُبَيِّنٌ لِمَا أُمِرْتُ بِتَبْلِيغِهِ . التحرير والتنوير لابن عاشور = هنا=
"قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ " "وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ"
أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَهُمْ أَنَّ عِلْمَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْوَعْدَ الصِّدْقَ هُوَ مِمَّا يَنْفَرِدُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَأَنْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ نَذِيرٌ يَعْلَمُ مَا عُلِّمَ، وَيُخْبرُ بِمَا أُمِرَ أَنْ يُخْبرَ بِهِ.تفسير ابن عطية=هنا=
نذير أنذركم عقابه ، وأخوّفكم عذابه الذي أحلَّه بأمم من قبلكم.
قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُعِلْمُ وَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ عِنْدَ اللَّهِ فَلَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ . نَظِيرُهُ " قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي" . الْآيَةَ .
وهذا من البدهيات والمسلمات، لم يقل: سنة ألفين، ولا سنة ألفين وأربعة، ولا بعد هرمجدون، ولا هذه التخاريف، كما قال الله سبحانه هنا"قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ" .
وقال سبحانه "يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ " الأعراف : 187 ،"قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى" طه : 52 .
"وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ" هذه مهمتي، وأنا أعرف قدري فلا أتجاوزه، وهذه الآية أصل في أن الشخص يعرف قدره، ويقف عند العلم الذي علمه الله إياه، ولا يتعالم ولا يدخل برأسه في كل شيء، فالرسول سئل عن مسائل لم يعلمه الله إياها فأمسك، فقد سئل عن الروح فقال الله له: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"الإسراء:85 .
وسئل عن الساعة فقال"ما المسئول عنها بأعلم من السائل"فكان صلى الله عليه وسلم يقف عند ما لا يعلمه.
أما أن تدعي أنك تعرف في كل شيء، فهذا من الجهل والغباء، ولذلك قال عدد كثير من السلف وليس واحدًا أو اثنين: ينبغي للعالم أن يُعَلِّم جلساءَه شيئًا هامًا ألا وهو"الله أعلم" ، يمسكهم بهذا الشعار، كلما سئلوا عن شيء لا يعرفونه فليصدروا الإجابة به" الله أعلم" .
وقد قيل للقاسم بن محمد أو لابنه: إنه يعد عيبًا على من هو في مثلك من الفضل أن تسأل عن شيء ولا نجد عندك فيه علمًا! فقال: وأشد منه عارًا أن يقول الشخص عن الله أو عن رسوله بغير علم.
فينبغي أن يرفع الشخص شعار"الله أعلم" ، فالرسول هنا سئل"مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ" فليس هذا من علمه، بل هو أمر خارج عن طاقته، وخارج عن حدود معرفته، "قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ" أي: عملي الإنذار والتذكير.
سلسلة التفسير الشيخ مصطفى العدوي = هنا =
فالإنذار هو الإخبار مع التخويف . أنذركم عقاب الله أن ينزل بكم في الدنيا، وأنذركم عذابه في الآخرة. مبين: يقول: أبين لكم إنذاري ذلك وأظهره، لتنيبوا من شرككم وتحذروا ما أنذركم من ذلك،
وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَيْ مُخَوِّفٌ وَمُعَلِّمٌ لَكُمْ. تفسير القرطبي . هنا=
|