02-06-2024, 05:10 AM
|
|
غفر الله لها
|
|
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,263
|
|
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" 282.
هذه آية الدين، وهي أطول آيات القرآن، وقد اشتملت على أحكام عظيمة جليلة المنفعة والمقدار.
فبعد أن أمر- سبحانه - المؤمنين أن يسارعوا في التصدق على المحتاجين، وأن يجتنبوا الربا والمرابين، وبين لهم أن أموالهم تزكو وتنمو بالإنفاق في وجوه الخير، وتمحق وتذهب بتعاطى الربا، بعد أن وضح كل ذلك ساق لهم آية جامعة، متى اتبعوا توجيهاتها استطاعوا أن يحفظوا أموالهم بأفضل طريق، وأشرف وسيلة، وأن يصونوها عن الهلاك والضياع عندما يعطي أحدهم أخاه شيئا من المال على سبيل الدين أو القرض الحسن المنزه عن الربا.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ :هذا إرشاد منه-تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها.
قال ابنُ عبَّاسٍ : أشهَدُ أنَّ السَّلفَ المضمونَ إلى أجلٍ مُسمًّى قد أحلَّهُ اللَّهُ في كتابِهِ وأذِنَ فيهِ ، ثمَّ قرأَ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ"الراوي : أبو حسان الأعرج - المحدث : الألباني - المصدر : إرواء الغليل- الصفحة أو الرقم : 1369 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
" قَدِمَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ في الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَقالَ: مَن أَسْلَفَ في تَمْرٍ، فَلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلى أَجَلٍ مَعْلُومٍ."الراوي : عبدالله بن عباس- صحيح مسلم.
وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ : يُرشِد اللهُ عبادَه المؤمنين أنَّهم إذا حصَل بينهم مداينةٌ إلى وقتٍ معلوم، فليُوثِّقوه بالكتابة، وليكن مَن يَكتُب بينهم عارفًا بالكتابة، معروفًا بالعدل والإنصاف،أي يكتب بدقة من غير ميل إلى أحد الجانبين.
وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ فَلْيَكْتُبْ: ولا يمتنع مَن يعرف الكتابةَ أن يكتُب بين النَّاس، كما تفضَّل الله عليه بتعليمه.نهى الله-تبارك وتعالى- من كان قادرًا على الكتابة عن الامتناع عنها متى دُعِيَ إليها فقال:وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ. ويتحرى العدل والحق في كتابته، وأن يلتزم فيها ما تقتضيه أحكام الشريعة الإسلامية.
وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا : والإملال معناه الإملاء.فهما لغتان معناهما واحد.أى: وعلى المدين الذي عليه الدين وقد التزم بأدائه أن يمل على الكاتب هذا الدين، وذلك ليكون إملاؤه إقرارا به وبالحقوق التي عليه الوفاء بها.وعليه كذلك أن يراقب الله-تبارك وتعالى- في إملائه فلا ينقص من الدين الذي عليه شيئا، لأن هذا الإنقاص ظلم حرمه الله-تبارك وتعالى-.
فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ: فإن كان المَدِين الذي عليه المال جاهلًا، أو لا يُحسِن التصرُّف، أو ضعيفًا لصِغَر أو جنون، أو ليس بمقدوره الإملاءُ لمانعٍ- فلْيَقُم بالإملاء نيابةً عنه مَن يتوَّلى شؤونه، وليتحرَّ الوليُّ الصدقَ، والعدلَ في إملائه.
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى:
أي: اطلبوا شاهدين عدلين من الرجال ليشهدوا على ما يجرى بينكم من معاملات مؤجلة، لأن هذا الإشهاد يعطي الديون والكتابة توثيقا وتثبيتا.والسين والتاء في قوله"واستشهدوا" للطلب..فإن لم يتيسر رجلان للشهادة فليشهد رجل وامرأتان كائنون مرضيون عندكم بعدالتهم.
وهذا الوصف وإن كان في جميع الشهود إلا أنه ذكر هنا للتشديد في اعتباره، لأن اتصاف النساء به قد لا يتوفر كثيرًا.مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ :اختاروا الشهداء من الذين يُرتضى قولُهم، ويقيمون الشهادة على وجهها الحق بدون التأثر بأي نوع من أنواع المؤثرات.
أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى : قال القرطبي: معنى تضل تنسى، والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء، ويبقى المرء حيران بين ذلك ضالا .والمعنى: جعلنا المرأتين بدل رجل واحد في الشهادة، خشية أن تنسى إحداهما فتذكر كل واحدة منهما الأخرى.
إذ المرأة لقوة عاطفتها، وشدة انفعالها بالحوادث، قد تنسى أو لا تتحرى الدقة، فكان من الحكمة أن يكون مع المرأة أخرى في الشهادة بحيث يتذكران الحق فيما بينهما.
وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا: ولا يمتنع الشهود عن أداء الشهادة وتحملها متى دُعُوا إليها، لأن الامتناع عن تحمل الشهادة وأدائها قد يؤدي إلى ضياع الحقوق.
وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ :أي لا تسأموا أن تكتبوه على كل حال قليلا أو كثيرا، وقدم الصغير على الكبير اهتماما به وانتقالا من الأدنى إلى الأعلى.
ثم بين- سبحانه - ثلاث فوائد تعود عليهم إذا ما امتثلوا ما أمرهم الله-تبارك وتعالى- به، فقال: ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ: واسم الإشارة ذَلِكُمْ يعود إلى كل ما سبق ذكره في الآية من الكتابة والإشهاد ومن عدم الامتناع عنهما، ومن تحرى الحق والعدل.أَقْسَطُ بمعنى أعدل.
يقال: أقسط فلان في الحكم يقسط إقساطًا إذا عدل فهو مقسط.
قال-تبارك وتعالى-: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.الحجرات:9.
وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ: معنى أَقْوَمُ أبلغ في الاستقامة التي هي ضد الاعوجاج.
أى: أثبت لها وأعون على إقامتها وأدائها.
وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا : أي: أقرب إلى زوال الشك والريبة.
أي أن الأوامر والنواهي السابقة إذا نفذت على وجهها كان تنفيذها أعدل في علم الله-تبارك وتعالى- وأعون على إقامة الشهادة إذ بها يتم الاعتماد على الحفظ، وأقرب إلى عدم الشك في جنس الدين وقدره وأجله، وإذا توفرت هذه الفوائد الثلاث في المعاملات ساد الوفاق والتعاون بين الناس، أما إذا فقدت فإن الثقة تزول من بينهم، ويحل محلها النزاع والشقاق.
ثم أباح- سبحانه - في التجارة الحاضرة عدم الكتابة فقال: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها:
والتجارة الحاضرة التي تدور بين التجار: هي التي يجرى فيها التقابض في المجلس أو التي يتأخر فيها الأداء زمنًا يسيرًا.التي تكثرون إدارتها والتعامل فيها، لأنه لو كلفكم بذلك لشق الأمر عليكم، وهو- سبحانه – "ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ"الحج:78.
ولأن أمثال هذه التجارات التي يحصل فيها التقابض ويكثر تكرارها، لا يتوقع فيها التنازع أو النسيان.
وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ: أمر منه- سبحانه - بالإشهاد عند البيع، وهذا الأمر للإرشاد والتعليم عند جمهور العلماء.لأنه أحوط وأبعد مما عسى يقع من الاختلاف.
ثم نهى- سبحانه - عن المضارة فقال: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ.
والمضارة: إدخال الضرر.نهى الدائن والمدين عن أن ينزل أحدهما ضررا بالكاتب أو الشاهد لحملهما على كتابة غير الحق أو قول غير الحق، فإنهما أمينان، والإضرار بهما قد يحملهما على الخيانة وفي ذلك ضياع للأمانة وذهاب للثقة.
ولذا قال-تبارك وتعالى- بعد ذلك وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ.
ثم ختم- سبحانه - الآية الكريمة بالأمر بخشيته.
وبتذكيرهم بنعمه فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
أي: واتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فهو- سبحانه - الذي يعلمكم ما يصلح لكم أمر دنياكم وما يصلح لكم أمر دينكم متى اتقيتموه واستجبتم له، وهو- سبحانه - بكل شيء عليم لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
ثم بين- سبحانه - ما يحب على المسلمين فعله إذا لم يتمكنوا من كتابة ديونهم بأن كانوا مسافرين وليس معهم كاتب فقال-تبارك وتعالى-"وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" 283.
أي: إن كنتم مسافرين ولم تجدوا كاتبًا يكتب بينكم ويحصل به التوثق فرهان مقبوضة - أي: يقبضها صاحب الحق وتكون وثيقة عنده حتى يأتيه حقه، ودل هذا على أن الرهن غير المقبوضة لا يحصل منها التوثق، ودل أيضا على أن الراهن والمرتهن لو اختلفا في قدر ما رهنت به، كان القول قول المرتهن، ووجه ذلك أن الله جعل الرهن عوضا عن الكتابة في توثق صاحب الحق، فلولا أن قول المرتهن مقبول في قدر الذي رهنت به لم يحصل المعنى المقصود، ولما كان المقصود بالرهن التوثق جاز حضرا وسفرا، وإنما نص الله على السفر، لأنه في مظنة الحاجة إليه لعدم الكاتب فيه، هذا كله إذا كان صاحب الحق يحب أن يتوثق لحقه، فما كان صاحب الحق آمنا من غريمه وأحب أن يعامله من دون رهن فعلى من عليه الحق أن يؤدي إليه كاملا غير ظالم له ولا باخس حقه وليتق الله ربه في أداء الحق ويجازي من أحسن به الظن بالإحسان ولا تكتموا الشهادة لأن الحق مبني عليها لا يثبت بدونها، فكتمها من أعظم الذنوب، لأنه يترك ما وجب عليه من الخبر الصدق ويخبر بضده وهو الكذب، ويترتب على ذلك فوات حق من له الحق، ولهذا قال تعالى: ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم وقد اشتملت هذه الأحكام الحسنة التي أرشد الله عباده إليها على حكم عظيمة ومصالح عميمة دلت على أن الخلق لو اهتدوا بإرشاد الله لصلحت دنياهم مع صلاح دينهم، لاشتمالها على العدل والمصلحة، وحفظ الحقوق وقطع المشاجرات والمنازعات، وانتظام أمر المعاش، فلله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه لا نحصي ثناء عليه.
|