عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 07-10-2025, 01:49 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,353
Post

"إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا"4.

إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ :أي إنا هيأنا لمن كفروا بنعمتنا وخالفوا أمرنا.
سَلَاسِلَوَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا: إنَّا هَيَّأْنا للكافِرينَ سَلَاسِلَ يُقادُونَ بهاإلى الجحيم، كما قال تعالى" ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ"الحاقة: 32. ،وَأَغْلَالًا: بها تشد أيديهم إلى أعناقهم ويوثقون بها ؛نحو قوله تعالى " إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ. فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ"غافر:71. ، وَسَعِيرًا : أي: نارًا تستعر أي تشتعل بشدة بأجساد المسلسلين المغلولين الذين أُلقوا فيها فتحرق أبدانهم، " كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ " النساء:56.وهذا العذاب دائم لهم أبدًا، مخلدون فيه سرمدًا.
"ما بيْنَ مَنْكِبَيِ الكافِرِ في النَّارِ، مَسِيرَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ، لِلرَّاكِبِ المُسْرِعِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الوَكِيعِيُّ: في النَّارِ. "الراوي : أبو هريرة - صحيح مسلم.
"ضِرْسُ الكافِرِ -أوْ نابُ الكافِرِ- مِثْلُ أُحُدٍ، وغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاثٍ "الراوي : أبو هريرة - صحيح مسلم.
وفي هذا الحَديثِ يخبِرُنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ مَسافةَ ما بيْن مَنكِبَيِ الكافرِ -والمَنكِبُ: مُجتمَعُ العَضُدِ والكتِفِ- تكونُ يومَ القيامةِ مسيرةَ ثَلاثةِ أيَّامٍ للرَّاكبِ المُسرِع، فعَظُم خَلقُه؛ ليَعظُمَ عَذابُه، ويُضاعَفَ أَلَمُه، وعند مُسلمٍ عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"ضِرْسُ الكافِرِ -أو نابُ الكافِرِ- مِثلُ أُحُدٍ، وغِلَظُ جِلْدِه مَسيرة ثلاثٍ"، وكلُّ هذا يَدُلُّ على عِظَمِ خَلْقِ أهلِ النَّارِ يومَ القيامةِ؛ وذلك حتَّى يتَحمَّلوا شِدَّةَ عَذابِ النَّارِ، فهَيئتُهم الَّتي كانوا عليها في الدُّنيا لا تَقْوى على تَحمُّلِ العَذابِ، فبَدَّل اللهُ خَلْقَهم حتَّى يُذيقَهم العَذابَ الأليمَ.الدرر السنية.
"
إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا"
5. "عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا" 6.
هذه الآية وما يأتي بعدها شُروعٌ في بيانِ حُسنِ حالِ الشَّاكرينَ، إثرَ بَيانِ سُوءِ حالِ الكافرينَ ، فلَمَّا أوجز اللهُ تعالى في جزاءِ الكافِرِ؛ أتْبَعَه جزاءَ الشَّاكِرِ وأطنَبَ فيه؛ للتأكيد وللتَّرغيبِ.
إِنَّ الْأَبْرَارَ: وهم الذين برت قلوبهم – فاضت بالامتثال والإحسان- بما فيها من محبة الله ومعرفته، والأخلاق الجميلة، فبرت جوارحهم ، واستعملوها بأعمال البر.
والْبَرُّ هو الإنسانُ المطيعُ لله-تبارك وتعالى- طاعة تامة، والمسارع في فعل الخير، والشاكر لله-تبارك وتعالى- على نعمه.
قال في الصحاح: جمع البر الأبرار، وجمع البارّ البررة، والأبرار هم أهل الطاعة والإخلاص والصدق وقال قتادة: هم الذين يؤدون حق الله.
والبرفي لغة العرب معناه: السعة والتوسع، ومنه البَر الذي هو خلاف البَحر، ومنه اشتق البِرُّ وهو التوسع في فعل الخير، ومن معنى الكلمة في اللغة واشتقاقها نفهم معناها في سياق الآيات المذكورة.
البِرُّ اصطِلاحًا:
قال الرَّازيُّ: البِرُّ: اسمٌ جامعٌ للطَّاعاتِ وأعمالِ الخيرِ المُقَرِّبةِ إلى اللهِ تعالى.
الدرر السنية/موسوعة الأخلاق والسلوك
.والبِرُّ يُطلَقُ باعتبارينِ:
أحَدُهما:
باعتبارِ مُعاملةِ الخَلقِ بالإحسانِ إليهم، وربَّما خُصَّ بالإحسانِ إلى الوالِدَينِ، فيُقالُ: بِرُّ الوالِدَينِ، ويُطلَقُ كثيرًا على الإحسانِ إلى الخَلقِ عُمومًا.
والمعنى الثَّاني من معنى البِرِّ: أن يُرادَ به فِعلُ جميعِ الطَّاعاتِ الظَّاهِرةِ والباطنةِ، كقَولِه تعالى" وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ "
البقرة: 177 .
فالبِرُّ بهذا المعنى يدخُلُ فيه جميعُ الطَّاعاتِ الباطنةِ، كالإيمانِ باللهِ وملائكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه؛ والطَّاعاتِ الظَّاهِرةِ، كإنفاقِ الأموالِ فيما يحِبُّه اللهُ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والوفاءِ بالعَهدِ، والصَّبرِ على الأقدارِ، كالمَرَضِ والفَقرِ، وعلى الطَّاعاتِ، كالصَّبرِ عندَ لِقاءِ العَدُوِّ
فائدة: معنى بر الوالدين أي طاعة الله فيما أمر بحقهما والإحسان إليهما.
كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا ورَجُلًا قدْ ظُلِّلَ عليه، فَقالَ: ما هذا؟ فَقالوا: صَائِمٌ، فَقالَ: ليسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ. "الراوي : جابر بن عبدالله - صحيح البخاري.
يَرْوي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان في سَفَرٍ، فرَأى قومًا مُجتمِعينَ حَولَ رجُلٍ قدْ جُعِلَ عليه شَيءٌ يُظلِّلُه مِن الشَّمسِ؛ لِما حَصَل له مِن شِدَّةِ العطَشِ والتَّعَبِ، فسَأَلَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ماذا أصاب صاحبَكم؟ فبَيَّنوا أنَّ سَببَ ضَعْفِه كان لصَومِه ولم يَأخُذْ برُخصةِ الإفطارِ في السَّفرِ، فأخْبَرَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه"ليسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ" أي:ليس مِن حُسنِ الطَّاعةِ والعِبادةِ الصَّومُ في السَّفرِ إذا بلَغَ بالصَّائمِ هذا المَبلَغَ مِن المَشقَّةِ، واللهُ قد رخَّص للصَّائمِ بالفِطْرِ، سواءٌ كان الصِّيامُ فَرْضًا أو تَطوُّعًا، وقد جاءتِ الرُّخصةُ بفِطرِ المسافرِ في قَولِ اللهِ تعالَى"وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ"البقرة: 185 ، ويَتأكَّدُ الفطرُ إذا كان المسافرُ في حَجٍّ أو جِهادٍ؛ لِيَقْوى عليه.
وقد وَرَدَ
مَشروعيَّةُ الصِّيامِ للمُسافرِ إذا قَوِيَ عليه،كما في الصَّحيحَينِ عن أبي الدَّرداءِ رَضيَ اللهُ عنه قال"خرَجْنا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعضِ أسفارِه في يومٍ حارٍّ، حتى يَضَعَ الرَّجلُ يَدَه على رَأسِه مِن شِدَّةِ الحَرِّ، وما فِينا صائمٌ إلَّا ما كان مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وابنِ رَواحةَ"
الصحيحين.
يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا: أي: إنَّ الطَّائِعينَ الصَّادِقينَ الَّذين يَسعَونَ في أعمالِ البِرِّ والخَيرِ يَشرَبونَ مِن كأسٍ مُمتَزِجٍ شَرابُها بالكافورِ. والكأس في اللغة الإناء فيه الشراب.
وذكر- سبحانه - هذه الأشياء في هذه السورة- من الكافور- والزنجبيل، وغيرهما، لتحريض العقلاء على الظفر في الآخرة بهذه المتع التي كانوا يشتهونها في الدنيا، على سبيل تقريب الأمور لهم، وإلا فنعيم الآخرة لا يقاس في لذته ودوامه بالنسبة لنعيم الدنيا الفاني.
قال ابن عباس:كل ما ذكر في القرآن مما في الجنة وسماه، ليس له من الدنيا شبيه إلا في الاسم.
فالكافور، والزنجبيل، والأشجار والقصور، والمأكول والمشروب، والملبوس والثمار، لا يشبه ما في الدنيا إلا في مجرد الاسم.
"عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ: أي: أن الأبرار يشربون من كأس، ماؤها ينبع من عين في الجنة، هذا الماء له بياض الكافور ورائحته وبرودته.
عِبَادُ اللَّهِ :مراد بهم : الأبرار . وهو إظهار في مقام الإضمار للتنويه بهم بإضافة عبوديتهم إلى الله تعالى إضافة تشريف .
يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا:
صفة أخرى للعين، أي: يتصرَّفُ عِبادُ اللهِ في عَينِ الشَّرابِ بإنباعِها وإجرائِها حيث شاؤُوا، أي: يسيرونها ويجرونها إلى حيث يريدون، وينتفعون بها كما يشاءون، ويتبعهم ماؤها إلى كل مكان يتجهون إليه.
فالتعبير بقوله:
يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا إشارة إلى كثرتها وسعتها وسهولة حصولهم عليها.
ثم ذكر ما لأجله استحقوا هذه الكرامة فقال:

رد مع اقتباس