36 ـ ولاَ يَتِمُّ الحُكْمُ حَتَّى تَجْتَمِعْ ** كُلُّ الشُّرُوطِ والمَوَانِعْ تَرْتَفِعْ
الحُكْمُ:يقصد الحكمالشرعي سواء أكان تكليفيًّا أم وضعيًّا، وهو المقصود في كلام الناظم -رحمه الله-.
الأحكام التكليفية خمسة أنواع وهي :
الإيجاب ، التحريم ، الاستحباب ، الكراهة ، الإباحة.
الأحكام الوضعية : الحكم الوضعي هو خطاب الله بجعل أمر ما علامة على أمر آخر .
والأحكام الوضعية خمسة ، وهي : السبب ، الشرط ، المانع ، الصحة ، الفساد.
الشروط ثلاثة :
الأول : شرط الصحة : وهو ما يلزم من عدمه عدم الصحة ، ولا يلزم من وجوده الإيجاد .
مثاله : يشترط لصحة الصلاةِ الوضوء ، وإذا انعدم الوضوء ـ عند الصلاة ـ انعدمت صحة الصلاة . فيلزم من عدم الشرط عدم صحة الصلاة . لكن هل يلزم من وجود الطهارة ؛ أي الوضوء أداء الصلاة ؟ لا يلزم لأن الإنسان قد يتوضأ لأمر غير الصلاة ، كأن يتوضأ مثلاً لقراءة القرآن ونحو ذلك .
الثاني : شرط الأداء : وهو ما يلزم من وجوده أداء العبادة . مثاله دخول وقت الظهر مثلاً ، يلزِمُ أداء صلاة الظهر ، فشرط أداء صلاة الظهر دخول الوقت .
الثالـث : شـرط الوجـوب : وهـو مـا يلـزم مـن وجـوده وجـوب العبـادة ، ويلـزم مـن عدمـه ، عـدم وجـوب العبـادة . مثالــه : الحـج شـروط وجوبـه هـي : الإسـلام ، الاسـتطاعة ، الحريـة ، البلـوغ .
ومن أعظم شروط الأعمال كلها : الإخلاص ، وكونها على السُّنَّةِ .
والمَوَانِعْ تَرْتَفِعْ : ما يلزم من وجوده العدم ، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته .
مثاله : الحيض مانعٌ لصحة الصلاة ، فيلزم من وجوده عدم الصلاة ، لكن لا يلزم من عدمه وجود ولا عدم للصلاة ، لذاته .
مثاله:الميراث : لا يرث إلا شخص قام به شرط الإرث ، وهو : موت المورِّث ، وتحقق حياة الوارث عند موت المورِّث ، وانتفى عنه مانعه وهو : القتل العمد العدوان ، واختلاف الدين .
وحاصل كلام الناظم ـ رحمه الله ـ : هو تقرير قاعدة كلية وهي :
" أن الحكم الشرعي لا يتم إلا باستكمال شروطه وانتفاء موانعه "
من المُسَلَّم به عند أهل السنة والجماعة : أننا لا نجزم لأحدٍ من هذه الأمة بجنةٍ ولا نارٍ ؛ حتى تتوفر له شروط دخول الجنة ، وتنتفي عنه موانع دخولها . ومن أين لنا بالشروط التي لا يعلمها إلا علام الغيوب ، وببعض الموانع التي لا يمكن أن يحكم بانتفائها ، لأنها من سرائر النفس التي لا يعلمها إلا علام الغيوب ؟ ! .والجواب الصحيح : أن يُقال : ما ذُكر في النصوص الصحيحة من الوعد والوعيد فهو حق ، وذلك العمل موجب له . ولكن لابد من وجود الشروط كلها ،وانتفاء الموانع كلها ، حتى يُحكم له بأحدهما .
37 ـ ومَنْ أَتى بِما عَلَيْهِ مِنْ عَمَلْ ** قَدِ استَحَقَّ مَالَهُ عَلى العَمَلْ
استَحَقَّ: أي استوجب ، وصار أحق من غيره .
والمعنى : والمراد أن الإنسانَ إذا طُلب منه عمل معين ، وَرُتب على هذا العمل جزاءً معينًا ، فإنه إذا أتى بهذا العمل ـ تامًّا باجتماع كل شروطه وانتفاء كل موانعه ـ وجب له ما رُتب على هذا العمل . والعكس بالعكس.
وهذه القاعدة كما تنطبق على المعاملات تنطبق أيضًا على العبادات في الدنيا والآخرة .مثاله:رجل اتفق مع أجير على أن يبني له جدارًا وأن له كذا وكذا أجرة، فإذا قام بهذا العمل استحق أجرته.
كذلك أيضًا في العبادات: إذا قام المسلم بالعبادة مخلصًا لله متبعًا لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه يجزئ عمله ويستحق أن يثاب عليه.
فالجزاء قد يدركه الإنسان في دنياه بما يحصل للإنسان من انشراح الصدر وسعة الرزق ونحو ذلك . بل لا يقتصر الأمر على الدنيا فإن الإثابة في الدنيا هي عاجل بشرى المؤمن ، وإلا فالأجر الحقيقي والكسب العظيم هو ما يحصل للإنسان في الآخرة .
وأجر الدنيا كما في قوله تعالى :
" مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً " .سورة النحل / آية : 97 .
وأجر الآخرة كما في قوله تعالى :
"وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" البقرة:25.
والأجر يتناسب مع قدر العمل وقيمته، فمن أتى بما عليه أي كما أُمر به أخذ الأجر الكامل المقابل لهذا العمل، وعليه فإن أنقص من عمله شيئًا نقص من أجره بمقدار ما أنقص.
- "إنَّ الرَّجلَ لينصرِفُ ، وما كُتِبَ لَه إلَّا عُشرُ صلاتِهِ تُسعُها ثُمنُها سُبعُها سُدسُها خُمسُها رُبعُها ثُلثُها ، نِصفُها "الراوي : عمار بن ياسر- المحدث :الألباني - المصدر :صحيح أبي داود.
مع أنه أدى الصلاة لكنه أنقص منها أي من خشوعها وحضور القلب فيها، ونحو ذلك، فنقص من الأجر بمقدار ما أنقص من العمل.
- "مَن شَهِدَ الجَنازَةَ حتَّى يُصَلِّيَ، فَلَهُ قِيراطٌ، ومَن شَهِدَ حتَّى تُدْفَنَ كانَ له قِيراطانِ، قيلَ: وما القِيراطانِ؟ قالَ: مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ."الراوي : أبو هريرة - صحيح البخاري .
وهكذا، فمن عمل عملًا دنيويًّا أو أخرويًّا استحق الأجر المقابل لذلك العمل، والأجر يتناسب مع ذلك العمل نقصًا وزيادة
38 ـوَكُلُّ حُكْمٍ دَائِرٌ معْ عِلَّتِهْ **وَهِيَ التي قَدْ أَوْجَبَتْ لِشِرْعَتِهْ
هذه القاعدة هي قاعدة أغلبية لا مُطَّرِدَة ، لأن لها استثناءات،
مثل:ما كان له ـ يعني الحكم ـ أكثر من عِلة ؛ فإن انتفاء بعض تلك العلل لا يوجب انتفاء الحكم ، كالحدث ببول وغائط ، فإنه يوجب عدم الصلاة حتى يرتفع الحدث ، فلو انتفت عِلة البول ، فلا يعني ذلك جواز مباشرة الصلاة وصحتها ؛ لأنه قد توجد علة أخرى ـ مثل الغائط ـ تمنع من الصلاة.
العلة: هي الوصف الظاهر المنضبط المناسب لترتيب حكمة التشريع.
هذا البيت فيه أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا،فإذا وُجدت العلة وُجِدَ الحكمُ، وإذا انتفت العلة انتفى الحكم.
عندما نقول: إن هذا الثوب نجس، فما هي علة الحكم بنجاسته؟
الجواب:وجود هذه النجاسة، فإذا زالت النجاسة بأي طريق فإنا نقول: إن الثوب طاهر لأن العلة قد زالت.
والعلة: هي الوصف الظاهر المنضبط المناسب لترتيب حكمة التشريع.
والأصل في الأحكام التعليل ، بمعنى أن تكون لها عِلَل معروفة ، ولكن بعض الأحكام لم يُدْرِك العلماءُ العلة فيها ، وتسمى أحكامًا تعبُّديةً ـ مثل تقبيل الحجر الأسود .
* فعن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه جاء إلى الحَجَرِ ، فقبله فقال"إني أعلمُ أنك حَجَر لا تنفع ولا تضر ، ولولا أني رأيتُ رسولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُقبلك ما قَبَّلتك ."سنن أبي داود / تحقيق الشيخ الألباني / 5 ـ أول كتاب : المناسك / 47 ـ باب :في تقبيل الحجر / حديث رقم : 1873 / ص : 325 / صحيح .
الحجَر: أي الحجر الأسود ، وتقبيله من مناسك الحج والعمرة .