المبحـــث الأول
العمـــل بالكتـــاب والســـنة
المطلـــب الأول : وجــوب العمــل بالكتــاب والســنة
اعلـم أن نصـوص الكتـاب والسـنة التـي لا تُحْصَـى ، قـد تضافـرت بإلـزام جميـع المكلفيـن بالعمـل بكتـاب الله وسـنة رسـوله صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم .
قـال تعالـى : { اتَّبِعُـواْ مَـا أُنـزِلَ إِلَيْكُـم مِّـن رَّبِّكُـمْ وَلاَ تَتَّبِعُـواْ مِـن دُونِـهِ أَوْلِيَاء قَلِيـلًا مَّا تَذَكَّـرُونَ } .سورة الأعراف / آية : 3 .
والمـراد بمـا أُنـزل إليكـم : هـو القـرآن والسـنة المُبَيِّنَـة لـه ، لا آراء الرجـال .
وقـال تعالـى : { فَـلاَ وَرَبِّـكَ لاَ يُؤْمِنُـونَ حَتَّـىَ يُحَكِّمُـوكَ فِيمَـا شَـجَرَ بَيْنَهُـمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِـهِمْ حَرَجـًا مِّمَّـا قَضَيْـتَ وَيُسَـلِّمُواْ تَسْـلِيمًا } . سورة النساء / آية : 65 .
وقـال تعالـى : { قُـلْ إِن كُنتُـمْ تُحِبُّـونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِـي يُحْبِبْكُـمُ اللهُ ... } .سورة آل عمران : آية : 31 .
وقـال تعالـى : { فَـإِن لَّمْ يَسْـتَجِيبُوا لَـكَ فَاعْلَـمْ أَنَّمَـا يَتَّبِعُـونَ أَهْوَاءهُـمْ وَمَـنْ أَضَـلُّ مِمَّـنِ اتَّبَـعَ هَـوَاهُ بِغَيْـرِ هُـدًى مِّـنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْـدِي الْقَـوْمَ الظَّالِمِيـنَ } .سورة القصص / آية : 50 .
والاسـتجابة لـه صلـى الله عليـه وعلـى آلـه وسـلم بعـد وفاتـه هـي الرجـوع إلـى سـنته صلـى الله عليـه وعلـى آلـه وسـلم ، وهـي مُبَيِّنَـة لكتـاب الله .
قـال تعالـى : { مَّـنْ يُطِـعِ الرَّسُـولَ فَقَـدْ أَطَـاعَ اللهَ ... } .
سورة النساء / آية : 80 .
وقـال تعالـى : { إِنَّمَـا كَـانَ قَـوْلَ الْمُؤْمِنِيـنَ إِذَا دُعُـوا إِلَـى اللهِ وَرَسُـولِهِ لِيَحْكُـمَ بَيْنَهُـمْ أَن يَقُولُـوا سَـمِعْنَا وَأَطَعْنَـا وَأُوْلَئِـكَ هُـمُ الْمُفْلِحُـونَ * وَمَـن يُطِـعِ اللهَ وَرَسُـولَهُ وَيَخْـشَ اللهَ وَيَتَّقْـهِ فَأُوْلَئِـكَ هُـمُ الْفَائِـزُونَ }سورة النور / آية : 51 ، 52 .
ولاشـك عنـد كـل أحـد مـن أهـل العلـم أن طاعـة الله ورسـوله المذكـورة فـي هـذه الآيـات ونحوهـا مـن نصـوص الوحـي ، محصـورة فـي العمـل بكتـاب الله وسـنة رسـوله صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم .
فنصـوص القـرآن والسـنة كلهـا دالـة علـى لـزوم تدبـر الوحـي ، وتفهمـه وتعلمـه والعمـل بـه .
صحيح فقه السنة / ج : 1 / ص : 34 .
* * * * *
المطلـــب الثانــي : التمســـك بالكتــاب والســنة
إن قـوة الأمـة فـي ولائهـا لربهـا .وترابطهـا فـي ارتباطهـا بدينـه .
وعزتهـا فـي إعزازهـا لكلماتـه .وشـرفها فـي دعوتهـا إليـه .
ورخاءهـا فـي طاعتـه .وعافيتهـا وأمنهـا فـي اعتصامهـا بـه .
والخيـر جميعًـا فـي إيمانهـا وعملهـا بكتـاب الله وسـنة رسـوله صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم .
وقـد آمنـت أمـة محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي عهدهـا الأول بذلـك كلـه ، فعضـت بنواجذهـا علـى كتـاب ربهـا وسـنة نبيهـا ، وقبضـت علـى دينهـا قبضـة المؤمـن الموقـن بجمـال وكمـال دينـه ، وصلاحـه لقيـادة الحيـاة وهدايـة النـاس ، فعـاش الكتـاب والسـنة حينـذاك فـي القلـوب إيمانًـا وعقيـدة ، وفـي العقـول فكـرًا وثقافـة ، وفـي النفـوس واعظًــا ومربيًـا ، وبيـن النـاس حاكمًـا وقاضيًـا ، وبالجملـة فقـد كانـا - أي الكتاب والسنة كانا- فـي حيـاة المسـلمين روحًـا وغايـة وفـي جماعتهـم بِنْيَــةً وقوامًـا وشـريعة ونظامًـا .
ولمـا كـان ذلـك هـو حـال أمـة الإسـلام أعزهـا الله بعـزه وحماهـا بحمايتـه وأيدهـا بجنـود مـن عنـده وحقـق فيهـا وعـده ، كمـا قـال تعالـى :{ يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـوا إِن تَنصُـرُوا اللهَ يَنصُرْكُـمْ وَيُثَبِّـتْ أَقْدَامَكُـمْ } .سورة محمد / آية : 7 .
فلمـا وهنـت عضدتهـا علـى دينهـا ، وتداعـت قبضتهـا علـى الكتـاب والسـنة ، وراحـت تهتـدي بغيـر هـدي محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وتحتكـم إلـى غيـر حكمـه ، وتركـت الدعـوة إلـى الله ، قَـلَّ عزهـا وغـرب مجدهـا .
مقدمة جامع الأحاديث القدسية / عصام ... الصبابطي / ج : 1 / ص : 9 .
* * * * *
المطلـــب الثالــث : الموقــف مــن الأئمــة المتبوعيــن
" اعلـم أن موقفنـا مـن الأئمـة ـ رحمهم الله ـ الأربعـة وغيرهـم ، هـو موقـف سـائر المسـلمين المنصفيـن منهـم ، وهـو موالاتهـم ومحبتهـم وتعظيمهـم وإجلالهـم والثنـاء عليهـم بمـا هـم عليـه مـن العلـم والتقـوى واتباعهـم فـي العمـل بالكتـاب والسـنة الصحيحـة ، وتقديمهـا علـى رأيهـم ، وتعلُّـم أقوالهـم للاسـتعانة بهـا علـى الحـق وتـرك مـا خالـف الكتـاب والسـنة الصحيحـة منهـا .
وأمـا المسـائل التـي لا نـص فيهـا ، فالصـواب النظـر فـي اجتهادهـم فيهـا ، وقد يكـون اتبـاع اجتهادهـم أصـوب مـن اجتهادنـا لأنفسـنا ، لأنهـم أكثـر علمًـا وتقـوى منـا ، ولكـن علينـا أن ننظـر ونحتـاط لأنفسـنا فـي أقـرب الأقـوال إلـى رضـا الله وأحوطهـا وأبعدهـا مـن الاشـتباه " . ا . هـ .
( أضواء البيان / 7 / 555 ) . حاشية صحيح فقه السنة / ج : 1 / ص : 35 .
· ولتمـــام الفائــدة نــورد :
أ : أقــوال الأئمــةِ فـي اتِّبــاع الســنة وتــرك أقوالِهــم المُخالِفَــة لهــا :
أولًا : أبـو حنيفـة ـ رحمه الله ـ :
فأولهـم الإمـام أبـو حنيفـة النعمـان بـن ثابـت ـ رحمه الله ـ ، وقـد روى عنـه أصحابـه أقـوالاً شـتى وعبـارات متنوعـة ؛ كلهـا تـؤدي إلـى شـيءٍ واحـد وهـو : وجـوب الأخـذ بالحديـث ، وتـرك تقليـد آراء الأئمـة المخالفـة لـه ، منهـا قولـه ـ رحمه الله ـ : " إذا صـح الحديـث فهـو مذهبـي " .
ثانيًــا : مالــك بـن أنـسٍ ـ رحمه الله ـ :
قـال : " إنمـا أنـا بشـر أخطـئ وأصيـب ، فانْظـروا في رأيـي ؛ فكـل مـا وافـق الكتـاب والسـنة فخـذوه ، وكـل مـا لـم يوافـق الكتـاب والسـنة فاتركـوه " .
ثالثًــا : الشــافعي ـ رحمه الله ـ :
قـال : " مـا مـن أحـد إلا وتذهـب عليـه سـنة لرسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وتَعْـزُب عنـه .
فمهمـا قلـتُ مـن قــول ، أو أصَّـلْتُ مـن أصــل فيـه عـن رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
خـلاف مـا قلـتُ ؛ فالقـول مـا قـال رسـولُ الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وهـو قولـي " . ا . هـ .
رابعًــا : أحمـد بـن حنبـل ـ رحمه الله ـ :
قـال : " لا تقلدنـي ، ولا تقلـد مالكًــا ولا الشـافعي ، ولا الأوزاعـي ولا الثـوري ، وخـذ مـن حيـث أخـذوا " ا . هـ .
مقدمة صفة صلاة النبي / للشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / ص : 49 ، ... .
ولمـن أراد التوسـع فـي أقـوال الأئمـة فليرجـع إلـى كتـاب " صفـة صـلاة النبـي " للشـيخ محمـد ناصـر الديـن الألبانـي ـ رحمه الله ـ .
ب : تَــرْكُ الأتْبَــاعِ بعــضَ أقْــوالِ أئِمَّتِهِــمُ اتِّبَاعًــا للسُّــنَّةِ :
كـان أتبـاع الأئمـة لا يأخـذون بأقـوال أئمتهـم كلهـا ، بـل قـد تركـوا كثيـرًا منهـا لمَّـا ظهـر لهـم مخالفتهـا للسـنة ، حتـى أن الإماميـن : " محمـد بـن الحسـن " و " أبـا يوسـف " رحمهمـا الله قـد خالفـا شـيخهما أبـا حنيفـة فـي نحـو ثلـث المذهـب ، وكُتـب الفـروع -أي كتب الفقه .-كفيلـة ببيـان ذلـك .
ونحـو هـذا يُقـال فـي " الإمـام المزنـي " وغيـره مـن أتبـاع الشـافعي وغيـره .
ولـو ذهبنـا نضـرب علـى ذلـك الأمثلـة لطـال بنـا الكـلام .
وخلاصـــة القـــول :
..... ، فإنمـا أخذنـا هـذا المنهـج - المقصود به اتباع الكتاب والسنة الصحيحة -منهـم ـ أي مـن الأئمـة الأربعـة وغيرهـم ـ كمـا سـبق بيانـه .
فَمَـنْ أعـرض عـن الاهتـداء بهـم فـي هـذا السـبيل ؛ فهـو علـى خطـر عظيـم ؛ لأنـه يسـتلزم الإعـراض عـن السـنة ، وقـد أُمِرْنَـا عنـد الاختـلاف بالرجــوع إليهـا والاعتمـاد عليهـا ؛ كمـا قـال تعالـى : { فَـلاَوَرَبِّـكَ لاَ يُؤْمِنُـونَ حَتَّـىَ يُحَكِّمُـوكَ فِيمَـا شَـجَرَ بَيْنَهُـمْ ثُـمَّ لاَ يَجِـدُواْ فِـي أَنفُسِـهِمْ حَرَجـاً مِّمَّـا قَضَيْـتَ وَيُسَـلِّمُواْ تَسْـلِيمًا } . سورة النساء / آية : 65 .
أسـأل الله تعالـى أن يجعلنـا ممـن قـال فيهـم :
{ إِنَّمَـا كَـانَ قَـوْلَ الْمُؤْمِنِيـنَ إِذَا دُعُـوا إِلَـى اللهِ وَرَسُـولِهِ لِيَحْكُـمَ بَيْنَهُـمْ أَن يَقُولُـوا سَـمِعْنَا وَأَطَعْنَـا وَأُوْلَئِـكَ هُـمُ الْمُفْلِحُـونَ * وَمَـن يُطِــعِ اللهَ وَرَسُـولَهُ وَيَخْـشَ اللهَ وَيَتَّقْـهِ فَأُوْلَئِــكَ هُـمُ الْفَائِـزُونَ }سورة النور / آية : 51 ، 52 .
مقدمة صفة صلاة النبي / للشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / ص : 55 .
* * * * *