المبحـــث الثالـــث
مصـــادر التشـــريع
تعريــف مصــادر التشــريع :
المـراد بمصـادر التشـريع :
الطـرق التـي تسـتفاد وتسـتنبط مـن خلالهـا حقائـق التشـريع الإسـلامي .
أقســام مصـــادر التشـــريع :
تنقسـم مصـادر التشـريع باعتبـار مـا اتُّفِـقَ عليـه ، ومـا لـم يُتَّفَـق عليـه ، وذلـك بيـن الأئمـة المعتبريـن ، إلـى ثلاثـة أقسـام :
* مـا اتفـــق عليــه أئمــة المســلمين :
الكتـــاب ، والســنة .
* مـا اتفــق عليــه جماهيــر العلمـــاء ـ بعــد الكتـاب والســنة ـ :
الإجمـــاع ، والقيـــاس .
* مـا اختلــف فيــه علمـــاء المســلمين :
قـول الصحابـي ، شـرع مَـنْ قَبْلَنـا ، الاسـتصحاب ، المصالـح المرسـلة ، العـرف ، سـد الذرائـع .
التأسيس في أصول الفقه ... / ص : 98 / بتصرف .
المصـــدر الأول : القـــرآن الكريــم
القـرآن الكريـم هـو المصـدر الأول للتشـريع ـ وهـو كـلام الله تعالـى ـ المُنَـزَّل علـى رسـولِهِ محمـد بـن عبـد الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، ليكـون هدايـة للعالميـن .
وأنـواع الأحكـام التـي جـاء بهـا القـرآن ثلاثـة :
أ ـ أحكـام اعتقاديـة : وهـي مـا تتعلـق بالإيمـان بالله وملائكتـه وكتبـه ورسـله ... .
ب ـ أحكـام خُلُقِيَّـة : وهـي مـا تتعلـق بأعمـال القلـوب والحـث علـى مكـارم الأخـلاق ... .
" إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ " سورة الحجرات / آية : 12 ، " وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ "سورة الهُمزة / آية : 1 .
ج ـ أحكـام عمليـة : وهـي مـا تتعلـق بأفعـال الجـوارح مـن الأوامـر والنواهـي والتحذيـرات ... وهـذه مباحـث علـم الفقـه
* دَلالــة القــرآن علـى الأحكــام :
لا خـلاف فـي أن القـرآن الكريـم هـو عمـدة الشـريعة وأصـل أدلتهـا ، وآيـات القـرآن جميعهـا قطيعـة الثبـوت ، ونَقْلهـا عـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ نقـلاً متواتـرًا ، وقـد أجمـع المسـلمون علـى هـذا .
وأما آيـات القـرآن الكريـم مـن جهـة دَلالتهـا علـى مـا تضمنتـه مـن أحكـام ، فتنقسـم إلـى قسـمين :
الأول : آياتـه تـدل علـى قطعيـة الحكـم ، بحيـث لا يحتمـل تأويـلاً ، ولا مجـال لفهـم معنـى آخـر منه .
كمـا فـي قولـه تعالـى { وَلَكُـمْ نِصْـفُ مَـا تَـرَكَ أَزْوَاجُكُـمْ إِن لَّـمْ يَكُـن لَّهُـنَّ وَلَـدٌ... } .سورة النساء / آية : 12 .
فدَلالـة الآيـة واضحـة لا تحتمـل تأويـلاً علـى أن الـزوج إذا ماتـت زوجتـه ، ولـم يكـن لهـا ولـد ، ذكـرًا أو أنثـى ، فلـه نصـف تركتهـا .
الثانــي : آياتـه دلالتهـا علـى الحكـم ليسـت قطعيـة ، وهـو كـل آيـة اشـتملت علـى لفـظ ، يحتمـل أكثـر مـن معنـى .
كمـا فـي قولـه تعالـى { وَالْمُطَلَّقَـاتُ يَتَرَبَّصْـنَ بِأَنفُسِـهِنَّ ثَلاَثَـةَ قُـرُوَءٍ ... } .سورة البقرة / آية : 228.
فلفـظ " قُـرُوَءٍ " جمـع قُـرْء ، والقُـرْءُ فـي اللغـة العربيـة يطلـق بمعنـى : الطُّهْـر ، ويطلـق بمعنـى الحيـض .
فمـن فسـر " قُـرُوَءٍ " " بالحيضـات " كالأحنـاف والحنابلـة ، كـان المعنـى عندهـم :
علـى المطلقـات أن يمكثـن بعـد طلاقهـن مــدة ثـلاث حيضـات بـدون زواج ثـم بعـد ذلـك يتزوجـن إذا شـئن .
ومـن فسـر " قُـرُوَءٍ " بمعنـى الطُّهـر ، كالمالكيـة والشـافعية ، كـان المعنـى عندهـم :
علـى المطلقـات أن يمكثـن بعـد طلاقهـنَّ مـدة ثلاثـة أطهـار ثـم بعـد ذلـك يتزوجـن إذا شـئن .
فلفـظ " قُـرُوَءٍ " يحتمـل أن يـراد بـه الأطهـار ، ويحتمـل أن يـراد بـه الحيضـات ، فمـع هـذا الاحتمـال تكـون دِلالـة الآيـة علـى الحكـم ظنيـة لا قطعيـة .
وهكـذا نـرى آيـات القـرآن الكريـم جميعهـا قطعيـة الثبـوت مـن جهـة نقلهـا عـن النبـي ـ صلى اللهعليه وعلى آله وسلم ـ نقـلاً متواتـرًا كمـا أنزلهـا الله تعالـى علـى رسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عـن طريـق جبريـل ـ عليه السلام ـ .
وأمـا مـن جهـة دلالتهـا علـى مـا تضمنتـه مـن أحكـام ، فتـارة تكـون قطعيـة الدلالـة علـى الحكـم ، وهـذا هـو الأغلـب والأعـم ، وتـارة تكـون ظنيـة الدلالـة .الوجيز في أصول الفقه / ص : 163 / بتصرف .