المتن
وأما العقل فمن وجوه:
الأول: أنه قد علم بالضرورة أن بين الخالق والمخلوق تبيانًا في الذات، وهذا يستلزم أن يكون بينهما تباين في الصفات؛ لأن صفة كل موصوف تليق به، كما هو ظاهر في صفات المخلوقات المتباينة في الذوات، فقوة البعير مثلاً غير قوة الذرة، فإذا ظهر التباين بين المخلوقات مع اشتراكها في الإمكان والحدوث، فظهور التباين بينها وبين الخالق أجلى وأقوى.
الثاني: أن يقال: كيف يكون الرب الخالق الكامل من جميع الوجوه مشابهًا فيصفاته للمخلوق المربوب الناقص المفتقر إلى من يكمله، وهل اعتقاد ذلك إلاتنقص لحق الخالق؟! فإن تشبيه الكامل بالناقص يجعله ناقصًا.
تمثيل الكامل بالناقص يجعله ناقصًا، بل إن المُقارنة بينهما تُوجب النقص كما قيل:
ألم تر أن السيف ينقصُ قَدرُهُ.. إذا قيل إن السيفَ أمضى من العصا.
أي لو قلت :" عندي سيف عظيم جدًا من أحسن السيوف ، وهو أمضى من العصا"، فلن يعد الناس قولك هذا شيئًا ، لأنه لامقارنة بينهما من الأصل.
هذا ليس بشيءٍ لأن العصا ما يمضى إلا إذا ضربت به شيئًا لينًا يتفرط ، لكن لو ضربت به شيئًا لايتفرط ولو كان لينًا مامضى به لوتضرب كورة لينة هل يُمزقها؟ لايمزقها لكن السيف لو تضرب به خشبة مزقها. المهم أن تمثيل الكامل بالناقص يجعله ناقصًا.
الثالث: أننا نشاهد في المخلوقات ما يتفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية، فنشاهد أن للإنسان يدًا ليست كيد الفيل، وله قوة ليست كقوة الجمل، مع الاتفاق في الاسم، فهذه يد وهذه يد، وهذه قوة وهذه قوة، وبينهما تباين في الكيفية والوصف، فعلم بذلك أن الاتفاق في الاسم لا يلزم منه الاتفاق في الحقيقة.
والتشبيه كالتمثيل، وقد يفرق بينهما بأن التمثيل التسوية في كل الصفات، والتشبيه التسوية في أكثر الصفات،لكن التعبير بنفي التمثيل أولى لموافقة القرآن:"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"الشورى11
الواقع أن التعبير بالتمثيل أولى لوجهين:
أحدهما: أن هذا تعبير القرآن.
الثاني: أن نفي التشبيه على سبيل الإطلاق غيرُسديدٍ ، لأنه ما من شيئين موجودين إلا وبينهما تشابه من حيثُ الجملة ، فالوجود للخالق وللمخلوق اشتركا في أصل الوجود وإناختلفا في حقيقتة، فوجود الخالق واجبٌ لازمٌ,أزليٌّ,أبدِيٌّ ووجود المخلوق جائزٌ,ممكنٌ,قابلٌ للعدم كماهو ظاهر.
السمع للخالق والمخلوق بينهما اشتراك في أصل المعنى؛ لكن هذا يختلف عن هذا،هذا من جهة
ومن جهة ثانية: أن بعض الناس يجعل إثبات الصفات تشبيهًا. فإذا قلنا:"من غير تشبيهٍ " أوْهَمَ مَنْ لايدري أننا نُريد" من غير إثباتٍ" ؛ لأن بعض الناس يجعل كُلَّ مُثبَتٍ مُشَبِّهاً.فإذا قلنا:"من غيرتشبيهٍ" ظن الظان الذي لايدري عن معنى ما نُريد أن المراد:" من غير إثباتٍ الصفة " ؛لأنه لم يدرس في الكتب التي عنده إلا أن إثباتَ الصفاتِ تشبيهٌ، ولهذا يُسمَّوْن المُثبِتة :المشبِهة.
فمن ثم صار التعبير بنفي التمثيل أولى من التعبير بنفيالتشبيهلهذين الوجهين: الأول: موافقة القرآن.الثاني :أن نفي التشبيه على الإطلاق لايصلح إذ مامن شيئين موجودين إلا وبينهما اشتراكٌ في أصل الشيء وهذا الاشتراك نوعٌ من التشابه لكنه ليس مماثلة.المماثلة تقتضي المساواة من كل وجه؛ والمشابهة تقتضي المساواة في أكثر الصفات.
وأما التكييف: فهو أن يعتقد المثبت أن كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا، من غير أن يقيدها بمماثل. وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: "وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا"طه 110
وإذا كنا لانُحيطُ به علمًا ؛ فكيف يُمكن أن نُكيِّف صفاته؟؛ لا يمكن أن نُكيِّف صفاته إلا إذا أحطنا به علمًا؛ وإلا كنا كاذبين وقائلين بغير الحق.
وقوله: "وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً"الإسراء36. ومن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفات ربنا؛ لأنه تعالى أخبرنا عنها ولم يخبرنا عن كيفيتها، فيكونُ تكييفُنا قفوًا لما ليس لنا به علم، وقولاً بما لا يمكننا الإحاطة به.
وأما العقل: فلأن الشيء لا تعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بكيفية ذاته أو العلم بنظيره المساوي له،أو بالخبر الصادق عنه،وكل هذه الطرقِ منتفية في كيفية صفات الله - عز وجل - فوجب بطلان تكييفها.
هذه القاعدة مهمة جدًا ،وهي : أن الشيء لاتُعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بأحد ثلاثة أشياء:
أولاً: العلم بكيفية ذاته.
ثانيًا: العلم بنظيره المساوي له.
ثالثًا:بإخبارالصادق عنه.
وكل هذه الطرق منتفية في كيفية صفات الله تعالى.
فمثلا : إذا قلنا بأن لله سمعا ، فإننا لا نستطيع أن تُكيف هذا السمع؛ لأنك لاتستطيع أن تعرف كيفية ذات الله فكذلك كيفية سمعه.
وليس لله تعالى نظير حتى تعرف سمع الله بمعرفة سمع نظيره،ولم يخبرنا الرسول- صلى الله عليه وسلم- بذلك بكيفية سماعه ، فتوقف علمنا بكيفية هذه الصفة وغيرها من الصفات عند مجرد إثباتها.
مثال آخر : "ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" الفرقان 59 ؛ لايمكن أن نعرف كيفية الاستواء، لأننا لم نعرف كيفية ذات الله ، وليس هناك نظير استوى على شيء مثل العرش حتى نعرف كيفية استوائه عز وجل ، ولم يخبرنا الله عز وجل بكيفية استوائه على العرش ، ولهذا قال بعض العلماء :
إذا قال لك الجهمي كيف استوى الله على العرش ؟فقل له:إنَّ اللهَ أخبرنا أنه استوى على العرش ؛ ولم يخبرنا كيف استوى.
وقال بعضهم :إذا قال لك كيف استوى؟ فقل له:كيف هوَ بذاته؟ فسيقول:لاأعرف كيفية ذاته.فقل له:إذن لانعرف كيفية صفاته؛ لأن الكلامَ في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات.
وأيضًا فإننا نقول: أي كيفية تقدرها لصفات الله تعالى؟
إن أي كيفية تقدرها في ذهنك، فالله أعظم وأجلُّ من ذلك.
وأي كيفية تقدرها لصفات الله تعالى فإنك ستكون كاذبًا فيها؛ لأنه لا علم لك بذلك.
صحيح هذا إيرادٌ مُفحمٌ.نقول
أولاً: أيُّ كيفية تُقدرها لصفاتِ الله، فالله أعظمُ وأجلُّ مما قدرت . فمثلا أي كيفية تُقدرها لاستواء الله على العرش، فاستواء الله في حقيقته أعظم وأجل مما قدرت، فلا يمكن لذهنك أن يفرض استواءً كاملاً استواءً كاملاً على أكمل مايكون من الاستواء إلا والله أعظم من ذلك. وكذلك نقول في صفة الوجه وصفة اليد وما أشبهها.
ثانيًا: أيُّ كيفية تُحددها في صفات الله فأنتَ كاذبٌ فيها قطعًا ؛ لأنه ليس عندك علمٌ بهذا إطلاقاً ، لأن الله تعالى ماأخبرنا عن كيفية تلك الصفات ، فأيُّ كيفية نقدرها نكون فيها كاذبين.
فمثلاً:"صفة ُالكلام"؛ فإنا نعلم أن الله-سبحانه وتعالى- يتكلم ونعلم المُتَكلَّمَ به ، ولكن كيف يتكلم الله؟ اللهُ أعلمُ.كيف صوته بالكلام؟اللهُ أعلمُ. مانعرف.الآن مثلا الطيورتنطق والإنسانُ ينطق؛هل النُطق سواءٌ؟ ماهو سواءٌ
"عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ" النمل 16 .ماكل أحدٍ يعرف منطق الطير ،بل إنك أنت العربي تتكلم والعجمي يتكلم هل كيفية أدائك للحروف ككيفية أدائه للحروف؟ أبدًا. وأعني بالعجم هنا مَنْ ليس بعربي وأما العجم معروفون فعجم فارس الآن حروفهم حروف عربية لكن تختلف في الترتيب.