عرض مشاركة واحدة
  #57  
قديم 06-14-2017, 02:59 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,252
Arrow

المتن
واعلم أن تفسير المعية بظاهرها على الحقيقة اللائقة بالله - تعالى - لا يناقض ما ثبت من علو الله تعالى بذاته على عرشه.
الشرح
سبق لنا أن معية َاللهِ لخلقه حقيقة ٌوليس بها مجازٌ؛بل هي حقيقة ولكنها معية ٌتليقُ بالله كسائر صفاته ، فهي وإن اشتركت مع معيةِ المخلوق في أصل المعنى وهو المصاحبة ُوالمُقارنة ُلكنها لاتُماثلُ معية ُالمخلوق.كما أنَّ علمَ اللهِ مُشترَكٌ مع علم المخلوق في أصل المعنى ولكن يختلف بل وجودُ اللهِ مشترِكٌ مع وجود المخلوق في أصل المعنى ولكن يختلف.وقد سبق لنا هل مثل هذه الألفاظ من باب المشترك اللفظي أم من باب المُتواطئ ولكن تختلفُ بحسب الإضافات؟وقلنا إن الصحيح أنها من باب المتواطئ ولكن تختلف بحسب الإضافات وذلك أن المشترك اللفظي لاينطبقُ عليها لأن الاشتراك اللفظي لايتفقُ فيه المشتركان في أيِّ معنىً من المعاني أوفي أيِّ وجهٍ من الوجوهِ .هل إثباتُنا لمعيةِ الله على حقيقتها يُنافي ما ثبتَ من علوه؟ الجواب:لأ.
المتن
وذلك من وجوه ثلاثة:
الأول: أن الله - تعالى - جمع بينهما لنفسه في كتابه المبين المنزه عن التناقض، وما جمع الله بينهما في كتابه فلا تناقض بينهما.
الشرح
وقد سبق في آية الحديد أنَّ اللهَ استوى على العرش وأنه مع خلقه.فإذا كان كذلك ؛أي أنَّ اللهَ جمع بينهما فإنه لايمكن أن يكونَ بينهما تناقضٌ أبداً ؛لأن ما جمع اللهُ بينه معناهُ أنَّ الجمعَ مُمكنٌ غيرُ محالٍ والمتناقضاتُ الجمعُ بينهم محالٌ. فإذًا نقولُ بمجرد أن اللهَ جمع بين العلو والمعية لنفسه ؛فإننا نعلم علمَ اليقين أنه لاتناقض بينهما ؛ لأن القرآن لايدلُ على محالٍ.
المتن
وكل شيء في القرآن تظن فيه التناقض فيما يبدو لك فتدبره،
الشرح
كل شيء في القرآن تظن فيه التناقض فيما يبدو لك فتدبره هذه قاعدة مهمة جدًا ؛ونردفها بقاعدة أخرى لاتلق لها بهذا البحث لكنها مهمة أيضًا.وهي: كل شيء في القرآن تظن فيه التناقض فاعلم أن هذا الظن خطأ بلا شك ،لأن التناقض مستحيل ،فلا تجتمع المتناقضات في القرآن أبدًا .
القاعدة الثانية: كل شيء من الواقع تظن أن القرآن يخالفه فهو ظن خطأ .
مثال ذلك : قوله تعالى " أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ"17" وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ"18" وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ"19" وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ"20"الغاشية.
فإن قال قائل: كيف سطحت؟ ونحن نشاهد الأرض الآن كروية، فهل القرآن يناقض الواقع؟
الجواب:
".قال قائلٌ كيف سُطحت ونحن نُشاهِدُ الأرضَ أنها كروية وليس عندنا إشكالٌ في ذلك أبدًا فالقرآن يُناقضُ الواقع؟ نقول هذا مستحيلٌ.مستحيل أن القرآن يُناقض الواقع أبداً.قال اللهُ تعالى:" تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا "الفرقان61
وقال:" وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا "نوح16 ونحنُ نعلمُ أن أهل الأرض وصلوا إلى القمربدون أن ينالهم شيءٌ مع أن الذي يَقربُ من السماء وإيش يُصاب؟ بالشُهب التي تحرقه كما قال تعالى عن الجن"وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا "الجن9 ؛والنبي-صلى الله عليه وسلم-أشرَفُ الخلقِ ومعه أشرفُ الملائكةِ ما استطاع أن يدخلَ السماء إلا بعد استئذانٍ وإذنٍ. إذن كون القمر في السماء يُخالفُ الواقع فهل نُكذبُ الواقع أم ماذا نصنع؟
نقول:الواقع لايُمكن تكذيبه ولوأن أحدًا كذبَ الواقع على أن ظاهر القرآن يُخالفه لكان أكبرَ مُسئٍ إلى القرآن ولالأ؟ لأن الكفار يقولون:إن هذاالقرآن يُخالفُ الواقع.ما يمكن.إذن القرآنُ الذي يُخالفُ كاذبٌ لأن الواقع مايكذب؟.إذا كان الواقعُ لايكذب يكون القرآن هو الكاذب وحينئذٍ يكون الذي يقول ذلك مُسيئًا إلى القرآن وإلى الإسلام أعظم إساءةٍ وهو لايدري. طيب ماذا نقول عن الآية الأولى"وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ" مع أن الواقع أنها كروية؟ لا إشكال فيه.إيش نقول؟ لايمكن أن يكونَ المرادُ بالآية مافهمتَ من أن الأرضَ ممدودة ولكنها سُطِحت أي جُعلت كالسطح باعتبار مصالحُ الخلقِ كلُّ الناسِ بمنطقتهم يعتقدون أن الأرض إيش؟ مسطحة ٌلأنها كبيرة ُالحجمِ وكروِيتُها لا تَبِينُ إلا بقَدْرٍ كبير فهو إذن مسطَّحٌ ونقولُ له اقرأ: "إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ"1" وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ"2" وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ"3" وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ"4" الانشقاق".
متى هذا؟يوم القيامة.قال اللهُ-سبحانه وتعالى-"إذا الأرضُ مُدت"هي الآن غيرُممدودة إذن فهي مطوية مكورة وحينئذٍ يتبينُ لنا أنَّ القرآن لايُخالف الواقع.
وكذلك بالنسبة للقمر :" تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا "الفرقان61
نقول إنَّ اللهَ جعل في السماء أي في العلو" تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا "أي في العلو ولايلزم أن يكون العلو هو السماء ذاتُ الأجرام" وَقَمَرًا مُّنِيرًا ".بعض العلماء يقول إنَّ القمرَ له وجهان وجهٌ إلى الأرض فيه نورٌ ووجهٌ إلى السماء فيه نورٌ فهو ينور على السماء ويُنور على الأرض فيكون نورًا في السماء ونورًا في الأرض.وبعض العلماء يقول"فيهن" أي في جهتهن أي في جهة العلو. على كل حال هاتان القاعدتان مهمتان وهما:أولًا :أن القرآن لايمكن ان يقع فيه التناقض فإن ظننتَ أن فيه تناقضًا فالظنُ خطأ. ثانيًا :القرآن لايمكن أن يُخالف الواقع فإن ظننتَ أنه يُخالفُ الواقع فالظنُ خطأ. في المسألة الأخيرة:يبقى عندنا كيف الخطأ؟ هل هو في الواقع أو في مخالفة القرآن له؟نعم في مخالفة القرآن له؟ مايمكن يُخالفه لكن قد تظن أن الواقعَ يُخالفهُ وهوفي الواقع لايُخالفه فحينئذٍ يكون هذا الظنُ الخاطئُ.
"معية"هي ذاتية لكنها ليست في الأرض كما يقول أهلُ الاختلاط نقول هو نفسه معنا لكنه في السماء,حتى النزول إلى السماء الدنيا نقول إنه ينزل بذاته كما قال العلماء أيضًا ولكن هذا النزول ليس كنزول المخلوق أنه إذا نزل يخلو منه العرش أو يكون شيءٌ من السموات فوقه.وعلينا أن نؤمن بهذا ولا نتعرض لهذه التقديرات.هذه التقديرات ماحدثت إلا أخيرًا والمسلمون في عهد الصحابة أخذوا القرآن بظاهره وتركوا هذه التقديرات ماقالوا:يخلو منه العرش أو لايخلو ولاقالوا إنه معنا يكون في الأرض لأنهم عرفوا أنه مُنزَّهٌ عن ذلك.فالواجب علينا أن نأخذ القرآن بظاهره.الإمام أحمد أنكر على ابنه عبدالله مسألة ًدون هذا.لما قال:يا أبتي إن الرسول يقول في رمضان تُصفد الشياطين ونحنُ نرى الإنسان يُصرع يصرعه الشيطان كيف هذا؟ فقال له: أعرض عن هذا هكذا جاء الحديث.نهاه أن يُعارض الحديث بالواقع ماراح يتأول الحديث ليوافق الواقع.قال أعرض عن هذا هكذا جاء الحديث.وهذا الواجب علينا يا إخوان الواجب علينا فيما جاءت به النصوص في أمورٍ لاندركها نحنُ أن نُسلم ونقول:سمعنا وآمنا وصدقنا كون الواحد يقول لماذا ولماذا يعني مثل ماقال بعض الإخوان بعض الناس بعدما تفتح العلم الكوني قالوا إذا كان اللهُ ينزلُ إلى السماء الدنيا في ثلث الليل لازم أن يكون دائمًا في السماء الدنيا لأن الثلث لايزال في السماء الدنيا نقول: أعرض عن هذا ياأخي لاتُقدِّرهذا الشيء.أنت ما دام الثلث عندك فالنزولُ حاصلٌ وإذاطلع الفجر انتهى النزول هكذا قل هكذا وأؤمن بالله هكذا أيضًا كلُ شيءٍ أضافه اللهُ لنفسه فاعلم أنه مُضافٌ إلى نفسه حقيقة ولايحتاج أن نقول بذاته كما قال ابنُ القيم في"مختصرالصواعق"قال:"كلُ ما أضافه الله إلى نفسه فهو يعني به نفسه ولانحتاج أن نقول بذاته إلا إذا أُلجِئنا إلى ذلك".مثل مايجئ واحد يُجادل يقول"ينزل إلى السماء الدنيا":يعني ينزل أمره نقول لأ ينزل بذاته وإلا كان المفروض ألانقول بذاته أيضًا.ولهذا أنكر بعض العلماء الذين يتحفظون تحفظًا كاملاً على العلماء الآخرين من أهل السُنة أن قالوا:إنه ينزل بذاته قالوا:لاتقل بذاته ماقاله الرسول-صلى الله عليه وسلم-"استوى على العرش"صرحَ بعض العلماء بالقول إنه استوى بذاته على العرش ؛ وقال آخرون من المتحفظين قال:لاتقل بذاته اللهُ ما قال بذاته.فيقول ابنُ القيم:هذا خطأ كلُ شيءٍ أضافه اللهُ إلى نفسهِ فإنما هو إلى ذاته ولاحاجة أن يَذكر الذات لأن هذا معروفٌ ولهذا لم نقل خلق السمواتِ بذاته خلق الأرض بذاته أنزلَ المطرَ بذاته لاحاجة لأن المعروف أن الشيءَ إذا أُضيفَ إلى الشيءِ فهو إلى نفس الشيء. "وهومعكم"كذلك مثل هذا الشيء نقول هو معكم نفسُه؟سبحانه وتعالى معنا لكن لانقول إنه معنا في الأرض مختلطًا بنا هذا كفرٌ ؛و لكن نقول هو على عرشه وهو معنا حقيقةً مافيه إشكال والحمدُ لله.
وقول المؤلف:"لا تناقض فيه"التناقض هو أبلغ لأن الاختلاف قد يمكن الجمع فتجده يختلف من وجه دون آخر.والمراد من ب قوله تعالى "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا"النساء82 ، مايشمل هذا أما الاختلاف الظاهري الذي يمكن الجمع فهذا لايسمى اختلافًا في الحقيقة.يوجد أشياءٌ في القرآن ظاهرها الاختلاف مثل" يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا "النساء42 ؛ومع ذلك يقولون:"وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ "الأنعام23، فهذا ظاهرها الاختلاف لكن يمكن الجمع بينهما فيزول هذا الاختلاف. المسألة على التناقض أنه لايمكن الجمع فإذا أمكن الجمع فليس بمتناقض حتى وإن كان ظاهره الاختلاف ولهذا يُعَبِّرُ العلماء فيقولون:ظاهره التعارض.
رد مع اقتباس