عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01-31-2019, 11:12 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,224
Arrow

حكم طلب العلم


طلب العلم الشرعي فرض كفاية إذا قام به من يكفي صار في حق الآخرين سنة، وقد يكون طلب العلم واجباً على الإنسان عيناً أي فرض عين، وضابطه أن يتوقف عليه معرفة عبادة يريد فعلها أو معاملة يريد القيام بها، فإنه يجب عليه في هذه الحال أن يعرف كيف يتعبد لله بهذه العبادة وكيف يقوم بهذه المعاملة، وما عدا ذلك من العلم ففرض كفاية وينبغي لطالب العلم أن يشعر نفسه أنه قائم بفرض كفاية حال طلبه ليحصل له ثواب فاعل الفرض مع التحصيل العلمي.
ولا شك أن طلب العلم من أفضل الأعمال، بل هو من الجهاد في سبيل الله، ولاسيما في وقتنا هذا حين بدأت البدع تظهر في المجتمع الإسلامي وتنتشر وتكثر، وبدأ الجهل الكثير ممن يتطلع إلى الإفتاء بغير علم، وبدأ الجدل من كثير من الناس ، فهذه ثلاثة أمور كلها تحتم على الشباب أن يحرص على طلب العلم.
العثيمين

*ذكرالإمام الخطيب البغدادي في كتابه العظيم ـ تاريخ بغداد" في ترجمة القاضيأبي يوسف (يعقوب بن إبراهيم ـ المتوفى سنة182) تلميذ الإمام أبي حنيفةرحمهم الله أجمعين، عن أبي يوسف وهو يحكي عن نشأته قال: "كنت أطلب الحديثوالفقه وأنا مقل رث الحال، فجاء أبي يوماً وأنا عند أبي حنيفة، فانصرفت معهفقال: يا بني لا تمدن رجلك مع أبي حنيفة فإن أبا حنيفة خبزه مشوي (يعني فيسعة وغنى) وأنت تحتاج إلى المعاش.. فقصرت عن كثير من الطلب وآثرت طاعةأبي، فتفقدني أبو حنيفة وسأل عني، فجعلت أتعاهد مجلسه.. فلما كان أول يومأتيته بعد تأخري عنه قال لي: ما شغلك عنا؟ قلت: الشغل بالمعاش وطاعة والديفجلست، فلما انصرف الناس دفع إلي صرة وقال: استمتع بهذه. فنظرت فإذا فيهامائة درهم، فقال لي: الزم الحلقة وإذا نفذت هذه فأعلمني، فلزمت الحلقة،فلما مضت مدة يسيرة دفع إلي مائة أخرى ثم كان يتعاهدني، وما أعلمته بخلّةقط ولا أخبرته بنفاذ شيء، وكان كأنه يُخبَر بنفاذها حتى استغنيت وتمولت".
وفيكتاب "مناقب أبي حنيفة" للموفق الخوارزمي زيادة، قال أبو يوسف: "فلزمتمجلسه 29 سنة حتى بلغت حاجتي، وفتح الله لي ببركته وحسن نيته ما فتح منالعلم والمال، فأحسن الله عني مكافأته وغفر له".
وبعد أن ذكر الخطيبهذه القصة مباشرة ساق قصة أخرى في نشأة أبي يوسف، ولكنه ساقها بصيغةالتمريض والتضعيف فقال الخطيب رحمه الله: "وحُكِىَ أن والد أبي يوسف ماتوخلف أبا يوسف طفلاً صغيراً وأن أمه هي التي أنكرت عليه حضوره حلقة أبيحنيفة.
ثم ساق السند إلىأبي يوسف القاضي قال: "توفي أبي إبراهيم بن حبيب وخلفني صغيراً في حجر؛ أميفأسلمتني إلى قصار (خياط) أخدمه، فكنت أدع القصار وأمر إلى حلقة أبي حنيفةفأجلس أستمع، فكانت أمي تجيء خلفي إلى الحلقة فتأخذ بيدي وتذهب بي إلىالقصار، وكان أبو حنيفة يعنى بي لما يرى من حضوري وحرصي على التعلم، فلماكثر ذلك على أمي وطال عليها هربي قالت لأبي حنيفة: "ما لهذا الصبي فسادغيرك، هذا صبي يتيم لا شيء له، وإنما أطعمه من مغزلي وآمل أن يكسب دانقاًيعود به على نفسه". فقال لها أبو حنيفة: مرِّي يا رعناء.. هو ذا يتعلم أكلالفالوذج بدهن الفستق. فانصرَفَت عنه، وقالت له: أنت شيخ قد خرفت وذهبعقلك.
ثم لزمته فنفعنيالله بالعلم ورفعني حتي تقلدت القضاء، وكنت أجالس الرشيد وآكل معه علىمائدته، فلما كان في بعض الأيام قدم إلي هارون فالوذج، فقال لي هارون: يايعقوب، كُلْ منه فليس كل يوم يعمل لنا مثله. فقلت: وما هذا يا أميرالمؤمنين؟ فقال: هذا "فالوذج بدهن الفستق" فضحكت، فقال لي: مم ضحكت؟ فقلت: خيراً.. أبقى الله أمير المؤمنين قال: لتخبرني - وألح علي - فخبرته بالقصةمن أولها إلى آخرها، فعجب من ذلك وقال: لعمري إن العلم ليرفع وينفع ديناًودنيا، وترحم على أبي حنيفة، وقال: كان ينظر بعين عقله مالا يراه بعينرأسه".
وهذه القصة وإن كان في سندها ضعف إلا أنها تقر حقيقة لا تحتمل التكذيب ألا وهي "أن العلم لا يخذل أهله"، بل كما قال الرشيد: "إن العلم ليرفع وينفع ديناً ودنيا"..



فهذا الإمام العلمالقاضي الشهير والحافظ الكبير والعلامة الفقيه النحرير "شريك بن عبد الله" الذي ارتبط به وصف القضاء لكثرة ما قضاه فيه، يحكي عنه يحيى بن يزيد، كماجاء في تاريخ بغداد، يقول يحيى: "مر شريك القاضي بالمستنير بن عمرو النخعيفجلس إليه فقال: يا أبا عبد الله من أدبك؟ قال: أدبتني نفسي والله، ولدتبخراسان ببخارى فحملني ابن عم لنا حتى طرحني عند بني عم لي بنهر صرصر، فكنتأجلس إلى معلم لهم، فعلق بقلبي تعلم القرآن فجئت إلى شيخهم فقلت: يا عماه! الذي كنت تجرى علي ههنا أجره علي بالكوفة أعرف بها السنة وقومي، ففعل،قال: فكنت بالكوفة أضرب اللبن وأبيعه وأشتري دفاتر وطروساً فأكتب فيهاالعلم والحديث، ثم طلبت الفقه فبلغت ما ترى.
فقال المستنير بنعمرو لولده: سمعتم قول ابن عمكم، وقد أكثرت عليكم في الأدب ولا أراكمتفلحون فيه، فليؤدب كل رجل منكم نفسه، فمن أحسن فلها ومن أساء فعليها.
وقد أثبت هذا المعنىالإمام الهمام والعالم الرحال (أسد بن الفرات) الذي طوّف بين المشرقوالمغرب ولقي أعلام العلماء في الدنيا وتتلمذ على أساتذة الفقه والحديث حتىصار من أعلام مذهب الإمام مالك.. ثم بعد التطواف والتحمل بأنواع العلومرجع إلى القيروان فذاع صيته وظهر علمه وارتفع قدره؛ حتى ولاه الأمير قيادةالجيش والأسطول المتجه لغزو صقلية وقضاءه أيضا.. فخرج في حفل عظيم وجمعفخيم من أهل العلم ووجوه الناس، فلما رأى "أسد" الناس خاصتهم وعامتهم بينيديه وخلفه قال لهم بعد حمد الله : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يامعشر الناس، والله ما ولِيَ لي أبٌ ولا جد ولاية قط، ولا أحد من سلفي رأىهذا قط، وما رأيت ما ترون إلا بالأقلام ـ يعني بتعلم العلم وتحصيله وكتابتهوخدمته ـ، فأجهدوا أنفسكم، وأتعبوا أبدانكم في طلب العلم وتدوينه، واصبرواعلى شدته، فإنكم تنالون خيري الدنيا والآخرة".
ورحم الله الإمام ابن حزم الأندلسي حين قال:
من لم ير العلم أغلى .. .. .. من كل شيء يصاب
فليس يفلــــــح حتى .. .. .. يُحثَى علـــيه التراب.
فمن أراد الرفعة في الدنيا والآخرة فعليه بطلب العلم بشروطه وآدابه.. وما أصدق قول ابن هشام، وما كان أشد نصحه لطلبة العلم حين قال:
ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله .. .. .. ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل
ومن لم يذل النفس في طلب العلا .. .. .. يسيرا يعش دهرا طويلا أخا جهل.



هنا



رد مع اقتباس