عرض مشاركة واحدة
  #31  
قديم 06-07-2017, 12:29 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
root


قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ الزخرف:67.
"المرءُ على دينِ خليلِهِ فلينظر أحدُكم من يخالِلْ"
الراوي: - المحدث: الألباني - المصدر: الإيمان لابن تيمية - الصفحة أو الرقم: 60-خلاصة حكم المحدث: حسنالدرر السنية

على دين خليله:أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته
فلينظر :فليتأمّل وليتدبّر
من يخالل:من المخالة وهي المصادقة والإخاء فمَن رضي دينه وخُلُقه صادقه ومَن لا ،تجنّبه


"سبعةٌ يظلُّهم اللهُ يومَ القيامةِ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه : إمامٌ عادلٌ ، وشابٌ نشأَ في عبادةِ اللهِ ، ورجلٌ ذكر اللهَ في خلاءٍ ففاضت عيناه ، ورجلٌ قلبُه معلقٌ في المسجدِ ، ورجلان تحابا في اللهِ ، ورجلٌ دعته امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ إلى نفسِها فقال : إني أخافُ اللهَ ، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُه ما صنعتْ يمينُه
" الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6806-خلاصة حكم المحدث: صحيح.الدرر السنية

"ما مِنْ مسلِمَينِ يلتقيانِ فيُسَلِّمُ أحدُهما على صاحِبِهِ ، ويأخُذُ بيدِهِ ، لا يأخذُ بيدِهِ إلَّا للهِ ، فلا يفْتَرِقانِ حتى يُغْفَرَ لهما" الراوي: البراء بن عازب المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5778-خلاصة حكم المحدث: حسن.الدرر السنية

لماذا نركز على هذا المفهوم؟ لأن الالتقاءات التي تحدث اليوم بين الناس -أيها الإخوة- ليست لله، ولا في الله، وإنما هي من أجل عرضٍ من الدنيا زائل.
الآن الناس يتلاقون فيسلم الواحد على الثاني، ويأخذ بيده ويصافحه، لكن إذا نظرت في الحقيقة لماذا يصاحبه؟ ولماذا يسلم عليه؟ ولماذا يأخذ بيده؟ تجد الغرض من وراء هذا كله مصلحة دنيوية، الآن الناس يلتقون لكن اللقاءات على الماديات الفانية:
"وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ"الرحمن 27
"ما تحابا الرجلان إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه" الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الأدب المفرد - الصفحة أو الرقم: 423-خلاصة حكم المحدث: صحيحالدرر السنية

معناه المحب في ازدياد، وكلما أحببت أخاك أكثر كلما ازددت فضلًا عند الله، فمعنى ذلك: أن الأفراد في المجتمع المسلم متلاصقون في غاية التلاصق، ويحب بعضهم بعضًا حبًا جمًّا، هكذا يريد الله من المسلمين، ولذلك المجتمع الإسلامي مجتمع متماسك لا يمكن أن تتخلله الشائعات ولا الأشياء المغرضة ولا وشايات الأعداء ومخططاتهم؛ لأنه إذا كان الأفراد في تلاحم، فمن أين ينفذ الشر؟ وكيف ينفذ؟.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم موضحًا الأجر العظيم للمحبة في الله والأخوة في الله وبعض بنودها، يقول عليه الصلاة والسلام عن الله عز وجل في حديث قدسي

"المتحابُّونَ في اللهِ في ظلِّ العرشِ يومَ لا ظلَّ إلا ظِلُّهُ ، يغبِطُهُمْ بمكانِهم النبيونَ والشهداءُ . ثم قال : فخرجتُ فأتيتُ عبادةَ بنَ الصامتِ فحدَّثتُه بحديثِ معاذٍ ، فقال عبادةُ بنُ الصامتِ : سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقول ، عن ربِّهِ تبارك وتعالى " حقَّتْ محبَّتي على المتزاورينَ فيَّ ، وحقَّتْ محبَّتي على المتحابِّين فيَّ ، وحقَّتْ محبَّتِي على المتناصحينَ فيَّ ، وحقَّتْ محبَّتي على المتباذِلينَ فيَّ ، و هم على منابرَ من نورٍ ؛ يغبِطُهم النبيونَ والصديقونَ بمكانهم". الراوي: معاذ بن جبل المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الموارد - الصفحة أو الرقم: 2129-خلاصة حكم المحدث: صحيحالدرر السنية



عن سعد بن أبي وقَّاصٍ قال: كُنَّا مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ستَّةَ نَفَرٍ، فقال المشركون: اطردْ هؤلاء؛ لا يجترؤون علينا، قال: وكنتُ أنا وابن مسعود، ورجلٌ من هذيل، وبلال، ورَجُلان نسيتُ اسْمَيْهما، فوقع في نَفْس رسول الله ما شاء الله أن يقع، فحدَّث نَفْسَهُ فأنزل الله - عزَّ وجلَّ "وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ"الأنعام: 521.
يأمر الله تعالى نبيَّهُ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلم - والأمر عامٌّ له ولأمَّته بلزوم الصالحين، ومصابرة النفس على مصاحبتهم، والبقاء معهم، خصوصًا الفقراء منهم والضعفاء؛ فالآية نزلت فيهم، والمكث معهم أبعد عن مظاهر الدنيا وفتنتها، ثمَّ ذَكَرَ أهمَّ صفاتهم، وهي شغل أوقاتهم بالعبادة بحسب الأحوال، لا يريدون بذلك رياءً ولا سمعةً، ولا ليقال: فلانٌ قارئٌ أو عابدٌ، أو عَرَضًا من الدنيا زائلٌ، إنما يريدون بذلك وجهَ الله - تعالى - وطلبَ مرضاته، ثم نهاه - تعالى - عن مصاحبة أهل الدنيا؛ فقال: "وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"؛ أي: لا تَتَطلَّعْ إلى مصاحبة غيرهم من أهل الشَّرف والغِنى؛ لما يَحْصُل بذلك من اشتغال القلب بزينة الدنيا عن أمر الآخِرة.
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي - رحمه الله -: "فإن ذلك يوجِب تعلُّق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخِرة، فإنَّ زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر القلب، فيغفل عن ذِكْر الله، ويُقبِل على اللذَّات والشَّهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبديَّة، والندامة السَّرْمَدِيَّة". اهـ2.
ثم نهاه نهيًا آخر؛ فقال"وَلا تُطِع مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا"، فنهاه عن طاعة الغافلين عن ذِكْر الله، المتَّبعين أهواءهم، الذين أضاعوا دِينَهم، فطاعة مَنْ هذه صفته هي الخسارة الحقيقية في الدنيا والآخرة.
وفي هذه الآية الكريمة فوائد كثيرة:
الأولى: الحثُّ على الصبر:
والمراد بالصبر: هو الصبر على طاعة الله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وقد ذكر الله الصبرَ في أكثر من تسعين موضعًا من كتابه؛ لأهميته ومكانته العظيمة؛ بل إنه في الآية الواحدة يتكَرَّرُ الأمر بالصبر؛ كما في قوله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"آل عمران: 200.
والثانية: استحباب ذِكْر الله، والدعاء طَرَفَي النهار:
قال الشيخ ابن سعدي - رحمه الله "لأن الله مَدَحَهم بفِعْلِه، وكلُّ فعلٍ مَدَحَ الله فاعِلَهُ دَلَّ على أنَّ الله يحبُّه، وإذا كان يحبُّه؛ فإنه يأمر به ويُرَغِّبُ فيه"3. اهـ.

قال تعالى"وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ"ق: 39، وعن أنسٍ - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال"لأَنْ أَقْعُدَ مع قومٍ يذكرون الله من صلاة الغَدَاة حتى تطلع الشمس - أحبُّ إليَّ من أن أعتق أربعةً من وَلَد إسماعيل، ولأن أجلس مع قومٍ يذكرون الله من صلاة العصر حتى تغرب الشمس - أحبُّ إليَّ من أن أعتق أربعةً"4.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال"لأَنْ أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر - أحبُّ إليَّ ممَّا طَلَعَت عليه الشمس"5.

الثالثة:الحثُّ على مجالَسة الصالحين الأخيار:
حتى لو كانوا فقراء أو ضعفاء؛ فإن في مجالستهم خيرًا كثيرًا؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال"لا تصاحِب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامكَ إلا تقيٌّ"6.
قال أبو سليمان الخطَّابي: "وإنَّما حذَّر من صُحبة مَنْ ليس بتقيٍّ، وزَجَر عن مخالَطته ومؤاكلته؛ لأنَّ المُطاعَمَة تُوقِعُ الأُلْفَةَ والمودَّة في القلوب". اهـ7.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال"الرجل على دين خليله؛ فلينظر أحدُكم مَنْ يُخَالِل"8.
قال الشاعر:
عَنِ المَرْءِ لا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فَكُلُّ قَرِينٍ بالمُقَارِنِ يَقْتَدِي
الرابعة: الزُّهد في الدنيا، والرَّغبة في الآخِرة:
كما قال تعالى"وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى"طه: 131، وكما قال تعالى"وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ* وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ"الزخرف: 33 - 35.
الخامسة: الحثُّ على الإخلاص لله تعالى:
فقد ذكر الله في الآية الأخرى عن عباده الصالحين أنهم يريدون بهذا العمل وجه الله، لا رياءً ولا سمعة؛ كما قال تعالى"إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا"الإنسان:9.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
-------
1 صحيح مسلم 4/1878- برقم 2413.
2 تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص425.
3 تفسير ابن سعدي ص425.
4 سنن أبي داود 3/324- برقم 3667.
5 صحيح مسلم 4/2072- برقم 2695.
6 سنن أبي داود 4/259- برقم 4833.
7 شرح السنة للبغوي 13/69.
8 سنن أبي داود 4/259، برقم 4832.
الألوكة
رد مع اقتباس