عرض مشاركة واحدة
  #76  
قديم 06-07-2017, 02:04 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
افتراضي

مجلس التاسع والستون
23 جمادى الآخر 1436 هـ
"الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا *" الكهف 101
"الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي " أي تغافلوا وتعاموا وتصامموا عن قبول الهدى واتباع الحق كما قال: " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا فهو له قرين " وقال هنا "وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا " أي لا يعقلون عن الله أمره ونهيه.
تفسير ابن كثير

قوله تعالى: { {كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} } هؤلاء الكافرون كانت أعينهم في غطاء عن ذكر الله، لا ينظرون إلى ذكر الله، وقد ذكر الله تعالى فيما سبق ـ في نفس السورة ـ أنَّ {{عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً}} [الكهف: 57] .
فالقلوب، والأبصار، والأسماع كلها مغلقة.
{ {وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} } هل المراد لا يريدون؟ كقوله تعالى: {{هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ}} [المائدة: 112] ، أي: هل يريد؟ أو المعنى أنهم لا يستطيعون { {سَمْعًا} } أي سمع الإجابة، وليس سمع الإدراك؟
الجواب: يحتمل المَعْنَـيَيْن جميعاً، وكلاهما حق.
تفسير الشيخ العثيمين

" كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي ْ" أي: معرضين عن الذكر الحكيم، والقرآن الكريم، وقالوا: " قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ْ" وفي أعينهم أغطية تمنعهم من رؤية آيات الله النافعة، كما قال تعالى: " وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ْ}
" وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ْ" أي: لا يقدرون على سمع آيات الله الموصلة إلى الإيمان، لبغضهم القرآن والرسول، فإن المبغض لا يستطيع أن يلقي سمعه إلى كلام من أبغضه، فإذا انحجبت عنهم طرق العلم والخير، فليس لهم سمع ولا بصر، ولا عقل نافع فقد كفروا بالله وجحدوا آياته، وكذبوا رسله، فاستحقوا جهنم، وساءت مصيرا.
تفسير السعدي

أي: على أبصارهم غشاوة تمنعهم إدراك الرؤية، ليس هذا وفقط، بل: " وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً" الكهف: 101 .
والمراد هنا السمع الذي يستفيد منه السامع، سَمْع العبرةوالعِظَة، وإلا فآذانهم موجودة وصالحة للسمع، ويسمعون بها، لكنه سمَاعٌ لا فائدةَ منه؛ لأنهم ينفرون من سماع الحق ومن سماع الموعظة ويسدُّون دونها آذانهم، فهم في الخير أذن من طين، وأذن من عجين كما نقول.
أما المؤمنون فيقول الحق تبارك وتعالى فيهم: " وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرسول ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع1 مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق" المائدة: 83] .
مقتبس من هنا

اقسم لنا من خشيتك، ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا،

" وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرسول ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع1 مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق" المائدة: 83] .
"تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ "
أقف عند كلمة تفيض من الدمع، لمَ استخدم الله سبحانه وتعالى كلمة تفيض ؟.. لأن العين ممزوجة بالدمع، وهذا الدمع يخرج من غدد دمعية، يسيل على القرنية من أجل تسهيل مسح العين في الدقيقة ستةً عشر مرة، هل يستطيع سائق سيارة أن يقود سيارته في المطر من دون مساحات، وكلما ارتقى الإنسان جعل لهذه المساحات حركات ثلاث، حركة سريعة، لتواجه اشتداد الهطول، وحركة أبطأ منها وحركة نوبية لتواده الرذاذ، كذلك الله عز وجل زوَّد العين بالجفنين يمسحان القرنية بشكل نوبي، من دون أن يكلفك مشقة تحريك الجفنين حركة الجفنين حركة لا إرادية، أنت مرتاح، أنت منهمك في التفكير في التعبير، في العمل، في الإنجاز، والجفنان يمسحان القرنية ستةً عشر مسحة في الدقيقة، ولو مُسحت القرنية ستةَ عشر مسحة في الدقيقة من دون سائل يسهل هذا المسح لتخرشت القرنية، ولذهب صفاؤها، وذهبت شفافيتها، وللتهبت.. لابد من دمع يسهِّل هذه الحركة، لكن هذا ليس ماءً عادياً، إنه ماءً مذيباً، ماءً قلوياً، لو أن حبة رمل صغيرة، دخلت العين لآلمت صاحبها أشد الإيلام، لكن بعد ساعة أو أكثر يذهب أثرها، أين ذهبت، الدمع أذابها، يستطيع الدمع أن يذيب حبة الرمل، الدمع ماء قلوي.
هذا الماء الذي ينزل من الغدة ويمسح القرنية أين يذهب ؟.. يذهب إلى قناة دمعية هي أدق قنوات الإنسان، لا تكاد تُرى، أين تصب هذه القناة ؟.. في الأنف، لماذا في الأنف وليس في الفم ؟ لأنها إذا صبت في الأنف جعلته رطباً، وإذا جعلته رطباً، سطوح الأنف سطوح دافئة رطبة، إذا دخلها الهواء علقت الذرات التي يحملها الهواء غير المرغوب فيها في هذه السطوح، فدخل الهواء إلى الرئتين نقياً دافئاً، لذلك يُعد الأنف أرقى فلتر، أو أرقى جهاز تسخين في الإنسان، مجموعة سطوح متداخلة، ساخنة، لزجة، ما الذي جعلها لزجة ؟.. دمع العين الذي أدى وظيفة في العين ثم انتقل إلى الأنف ليرطبه.
فما هو البكاء ؟
البكاء إذا كانت غزارة الدمع الذي ينهمر من الغدد أكثر من طاقة تصريف القناة الدمعية، ماذا يحصل ؟ يحصل الفيضان، لو فتحت على برميل خمسة إنش، وفتحته فتحةً تعادل إنش واحد لفاض البرميل البكاء في التعريف العلمي ازدياد إفراز الغدد الدمعية على طاقة تصريف القناة الدمعية، عندئذ يبكي الإنسان وتفيض عيناه بالدموع.
"تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ"
هنا

إذن: فكراهية أولئك للمسموع جعلتهم كأنهم لا سَمْعَ لهم، ، يعني لا تريد أنْ تسمعَ، ومن أقوال أهل الفكاهة: قال الرجل لصاحبه: فيك مَنْ يكتم السرَّ؟ قال: نعم، قال: أعْطني مائة جنيه، قال: كأنِّي لم أسمع.
ولذلك حكى القرآن عن كفار مكة قولهم:
" لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ" فصلت: 26.
يعني: شَوِّشُوا عليه، ولا تُعطوا الناس فرصة لسماعه، ولو أنهم علموا أن القرآن لا يؤثر في سامعه ما قالوا هذا، لكنهم بأذنهم العربية وملكتهم الفصيحة يعلمون جيداً أن القرآن له تأثير في سامعه تأثيراً يملك جوانب نفسه، ولابُدَّ لهذا العربي الفصيح أنْ يهتزّ للقرآن، ولابُدَّ أنه سيعرف أنه مُعْجِز، وأنه غير قَوْل البشر، وحتماً سيدعوه هذا إلى الإيمان بأن هذا الكلام كلام الله، وأن محمداً رسول الله؛ لذلك قال بعضهم لبعض محذراً: { لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ} [ فصلت: 26] .
وفي آية أخرى يقول الحق تبارك وتعالى: " وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍأَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ الله تتلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" الجاثية: 78 .
وقد يتعدَّى الأمر مجرد السماع إلى منْع الكلام كما جاء في قوله تعالى: " أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات فردوا أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ" إبراهيم: 9
فليس الأمر منْع الاستماع، بل أيضاً منع الكلام، فربما تصل كلمة إلى آذانهم وهم في حالة انتباه فتُؤثّر فيهم، أي منعوهم الكلام كما يُقال: اسكت، أو أغلق فمك.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ أَفَحَسِبَ الذين كفروا}
مقتبس من هنا
رد مع اقتباس