عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 05-12-2017, 01:30 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,225
Exclamation

المجـلـس الخامس
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه .


@نعود لحديث كعب بن مالك :

قال كعب بن مالك " إنه ما تخلف عن رسول الله "؛ عن غزوة غزاها قط.كل غزوات الرسول "؛ قد شارك فيها كعب- رضي الله عنه- فهو من المجاهدين في سبيل الله إلا في غزوة بدر، فقد تخلَّف فيها كعب وغيره لأن النبي - عليه الصلاة والسلام- خرج من المدينة لا يريد القتال.وإنما خرج للعير، ولكن الله جمع بينه وبين عدوِّه على غير ميعاد، وكانت غزاةً مباركةً ولله الحمد.
ثم ذكر بيعته النبي "؛ ليلة العقبة في منى ، حيث بايعوا النبيَّ ؛ على الإسلام وقال: إنني لا أحبُّ أن يكون لي بدلها بدر.
يعني هي أحبُّ إليه من غزوة؛ لأنها بيعة عظيمة.
رضي الله عنه- يُسلِّي نفسه بأنه إن فاتته بدرٌ فقد حصلت له بيعة العقبة، فرضي الله عن كعب وعن جميع الصحابة.
يقول رضي الله عنه: إني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلَّفت عنه في تلك الغزوة- أي: غزوة تبوك- كان قويَّ البدن، ياسر الحال، حتى إنه كان عنده راحلتان في تلك الغزوة، وما جمع راحلتين في غزوة قبلها أبدًا، وقد استعد وتجهَّزَ- رضي الله عنه - وكان من عادة النبي "أنه إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها، أي: أظهر خلاف ما يريد، وهذا من حكمته وحنكته في الحرب، لأن لو أظهر وجهه تبيّن ذلك لعدوِّه، فربما يستعد له أكثر، وربما يذهب عن مكانة الذي قصده النبي "فيه
إلا في غزوة تبوك، فإن النبي ؛ بَيَّنَ أمرَها ووضَّحها وجلاَّها لأصحابه؛ وذلك لأمور:
أولاً: أنها كانت في شدة الحر حين طابت الثمار، والنفوس مجبولة على الركون إلى الكسل وإلى الرخاء.
ثانيا: أن المدى بعيد من المدينة إلى تبوك، ففيها مفاوز ورمالٌ وعطشٌ وشمس.
ثالثًا: أن العدو كثير وهم الروم، اجتمعوا في عدد هائل حسب ما بلغ النبي "؛ ، فلذلك جلّى أمرها وأوضح أمر الغزوة، وأخبر أنه خارج إلى تبوك إلى عدوٍّ كثير، وإلى مكان بعيد حتى يتأهب الناس.
فخرج المسلمون مع رسول الله ؛ ولم يتخلَّف إلا من خذله الله بالنفاق، وثلاثة رجال فقط هم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، رضي الله عنهم. هؤلاء من المؤمنين الخُلَّص، لكن تخلَّفوا لأمر أراده الله عز وجل. أما غيرهم ممن تخلَّف فإنهم منافقون منغمسون في النفاق، نسأل الله العافية. فخرج النبي - عليه الصلاة والسلام- بأصحابه- وهم كثير- إلى جهة تبوك حتى نزل بها، ولكن الله تعالى لم يجمع بينه وبين عدوه، بل بقي عشرين يومًا في ذلك المكان، ثم انصرف على غير حرب .
نزل الجيش الإسلامي بتبوك، فعسكر هناك، وهو مستعد للقاء العدو، وقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيهم خطيبًا، فخطب خطبة بليغة، أتي بجوامع الكلم، وحض على خير الدنيا والآخرة، وحذر وأنذر، وبشر وأبشر، حتى رفع معنوياتهم، وجبر بها ما كان فيهم من النقص والخلل من حيث قلة الزاد والمادة والمؤنة‏.‏ وأما الرومان وحلفاؤهم فلما سمعوا بزحف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أخذهم الرعب، فلم يجترئوا على التقدم واللقاء، بل تفرقوا في البلاد في داخل حدودهم، فكان لذلك أحسن أثر بالنسبة إلى سمعة المسلمين العسكرية، في داخل الجزيرة وأرجائها النائية، وحصل بذلك المسلمون على مكاسب سياسية كبيرة خطيرة، لعلهم لم يكونوا يحصلون عليها لو وقع هناك اصطدام بين الجيشين‏.‏

فوائد
*يقول كعب بن مالك رضي الله عنه: إن الرسول صلى الله عليه وسلم تجهَّز هو والمسلمون وخرجوا من المدينة.
أما هو - رضي الله عنه- فتأخَّر وجعل يغدو كل صباح يرحِّل راحلته ويقول: ألْحَق بهم، ولكنه لا يفعل شيئاً، ثم يفعل كل يوم، حتى تمادى به الأمر ولم يدرك.
وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا لم يبادر بالعمل الصالح فإنه- حَرِيٌ أن يُحرمَ إياه.
فالإنسان إذا علم الحق ولم يقبله ويذعنْ له من أول وهلة، فإن ذلك قد يفوته ويحرم إياه- والعياذ بالله-

ومن فوائد هذا الحديث: شدَّةُ امتثال الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ودليل ذلك ما جَرَى لأبي قتادة - رضي الله عنه- مع كعب بن مالك رضي الله عنه
-
لم يرد عليه لما سأله- أنشُدُكَ باللهِ ! هل تعلمنَّ أني أحبُّ اللهَ رسولَه ؟
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجب التحرز من أصحاب الشر وأهل السوء الذين ينتهزون الضعف في الإنسان والفرص في إضاعته وهلاكه.
فإن هذا الملكَ- ملكَ غسَّان- انتهز الفرصة في كعب بن مالك- رضي الله عنه- يدعوه إلى الضلال لعله يرجع عن دينه إلى دين هذا الملك بسبب هذا الضيق.
ومن فوائد الحديث: قوَّةُ كعب بن مالك- رضي الله عنه- في دين الله وأنه من المؤمنين الخُلَّص، فبعض الناس- والعياذ بالله- يقول: آمنا بالله، ولكن إيمانه ضعيف، إذا أوذيَ في الله ارتدَّ- والعياذ بالله- وفسق وترك الطاعة، وكعب بن مالك رضي الله عنه أُوذِيَ في الله إيذاءً أيما أيذاء، لكنه صَبَر واحتسب وانتظر الفرج، ففرَّج الله له تفريجًا لم يكن لأحد غيره وصاحبيه،، أنزل الله فيهم ثناءً عليهم آيات تتلى إلى يوم القيامة.
"
وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "التوبة118
نحن نقرأ قصتهم في القرآن في صلاتنا! وهذا فضل عظيم، قصَّتهم تُقرأ في الصلاة، في الصلوات الخمس، في صلاة النافلة، سرًّا وعلنًا.
ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: أنه ينبغي للإنسان إذا رأى فتنة أو خوف فتنة أن يُتلِف هذا الذي يكون سببًا لفتنته.
فإن كعبًا لما خاف على نفسه أن تميل فيما بعد إلى هذا الملك ويتَّخذ هذه الورقة وثيقة، حرقها رضي الله عنه.
فالمهمُّ أنك إذا رأيت شيئًا يصدُّك عن ذكر الله فأبعِدهُ عنك بأي وسيلة تكون، حتى لا يكون سببًا لإلهائك عن ذكر الله.
فلما تمت أربعون ليلة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى كعب وصاحبيه هلال بن أمية ومرارة بن الربيع - رضي الله عنهم- أن يعتزلوا نساءهم.
وجاءت زوجةُ هلال بن أمية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بأنه في حاجة إليها لتَخدمه؛ لأنه ليس له خادم، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم بشرط أن لا يقربها، فقالت: إنه والله ما به من حركة إلى شيءيعني أنه ليس له شهوة في النساء، وأنه مازال يبكي- رضي الله عنه- منذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجرهم إلى يومه هذا، أربعون يومًا يبكي؛ لأنه ما يدري ماذا تكون النهاية.
يقول رضي الله عنه:فلما مضى عشر ليال بعد هذا، وكنت ذات يوم أصلي الصبح على سطح بيت من بيوتنا لأنه كما مرَّ كانوا- رضي الله عنهم- قد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، واستنكروا الناس، يأتون إلى المسجد لا يكلمهم أحد، وإن سلَّموا لم يردَّ عليهم، وإن مرَّ بهم أحد لم يسلِّمْ عليهم، ضاقت عليهم الأرض. فصار ذات يوم يصلي الصبح في بيته على سطحه. يقول: فسمعت صارخًا يقول وهو على سلْعٍ - وهو جبل معروف في المدينة- أوفى عليه وصاح بأعلى صوته يقول: يا كعب بن مالك أبشر يا كعب بن مالك أبشر!
يقول: فخررت ساجدًا، وعرفت أنه قد جاء فرج وركب فارس من المسجد يؤم كعب بن مالك ليُبَشِّره، وذهب مُبَشِّرون إلى هلال بن أمية ومرارة بن الربيع يُبَشِّرونها بتوبة الله عليهما . فانظر إلى فرح المسلمين بعضهم مع بعض، كل يذهبُ يسعى ويركضُ من جهة.
يقول: فجاء الصَّارخ، وجاء صاحب الفرس، فكانت البُشرى للصارخ؛ لأن الصَّوت أسرعُ من الفرس، يقول: فأعطيته ثَوْبَيَّ الإزارَ والرِّداء، وليس يملك غيرهما، لكن استعار من أهله أو من جيرانه ثوبين فلبسهما، وأعطى ثوبيه هذا الذي بَشَّره.
والله بُشْرى عظيمة، بشرى من الله سبحانه وتعالى عظيمة، أن ينزل الله توبتهم ويَمُنَّ عليهم بالتوبة.
ثم نزل متوجهًا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجزاه الله عن أمته خيرًا- قد بشَّر الناس بعد صلاة الصبح بأن الله أنزل توبته على هؤلاء الثلاثة؛ لأنه يُحِبُ من أصحابه وأمته أن يتوبوا ويرجعوا إلى الله.
يقول: فذهبت أتأمَّمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أقصده، فجعل الناس يُلاقونني أفواجًا، يعني جماعات، يهنِّئونه بتوبة الله عليه. رضي الله عنه.
هؤلاء القوم يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم، فلم يحسدوهم على ما أنعم الله به عليهم من إنزال القرآن العظيم بتوبتهم، بل جعلوا يهنِّئونهم حتى دخل المسجد.
وفيه:
*
شدَّةُ هجر النبي - عليه الصلاة والسلام- لهؤلاء الثلاثة، حتى إنه أمرهم أن يعتزلوا نساءهم، والتفريق بين الرجل وامرأته أمره عظيم.
*
شدَّةُ امتثال الصحابة-رضي الله عنهم- لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه- رضي الله عنه- ما تردد، ولا قال: لعلي أراجعُ الرسول عليه الصلاة والسلام، أو قال للرسول الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم : ارجع إليه لعله يسمح، بل وافق بكل شيء.
:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رحيما بأمته، فإنه بعد أن أمرهم باعتزال النساء رخَّص لهلال بن أمية، لأنه يحتاج لخدمة امرأته.
*
حرص الصحابة - رضي الله عنهم- على التسابق إلى البُشرى؛ لأن البشرى فيها إدخال السرور على المسلم. وإدخال السرور على المسلم مما يقرِّب إلى الله عز وجل؛ لأنه إحسان والله- سبحانه وتعالى- يحب المحسنين ولا يُضيعُ أجرهم.
فلذلك ينبغي لك إذا رأيت من أخيك شيئا يَسَّرَهُ، كأن يكون خبرًا سارًا أو رؤيا سارَّة أو ما أشبه ذلك، أن تبشره بذلك، لأنك تدخل السرور عليه. هنا

رد مع اقتباس