عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 10-27-2018, 04:24 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
افتراضي


"قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ"الملك:23.
هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ تَوْجِيهِ اللَّهِ تَعَالَى الْخِطَابَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ لِلتَّبْصِيرِ بِالْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ وَمَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ مِنَ الْوَعِيدِ أَوِ التَّهْدِيدِ إِلَى خِطَابِهِمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ مَا سَيُذْكَرُ ؛ تَفَنُّنًا فِي الْبَيَانِ وَتَنْشِيطًا لِلْأَذْهَانِ حَتَّى كَأَنَّ الْكَلَامَ صَدَرَ مِنْ قَائِلَيْنِ وَتَرْفِيعًا لِقَدْرِ نَبِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِعْطَائِهِ حَظًّا مِنَ التَّذْكِيرِ مَعَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ .
وَالْانْتِقَالُ هُنَا إِلَى الْاسْتِدْلَالِ بِفُرُوعِ الْمَخْلُوقَاتِ بَعْدَ الْاسْتِدْلَالِ بِأُصُولِهَا-
أَنشَأَكُمْ - ، وَمِنَ الْاسْتِدْلَالِ بِفُرُوعِ أَعْرَاضِ الْإِنْسَانِ بَعْدَ أَصْلِهَا ، فَمِنَ الْاسْتِدْلَالِ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ ، إِلَى الْاسْتِدْلَالِ بِخَلْقِ الْإِنْسَانِ وَمَدَارِكِهِ ، ....." هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ " .
وَالضَّمِيرُ هُوَ - يعود - إِلَى الرَّحْمَنِ مِنْ قَوْلِهِ "مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ" .
وَالْإِنْشَاءُ : الْإِيجَادُ .
وَإِفْرَادُ السَّمْعِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ مصْدَرٌ ، أَيْ جَعَلَ لَكُمْ حَالَةَ السَّمْعِ ، وَأَمَّا الْأَبْصَارُ فَهُوَ جَمْعُ الْبَصَرِ بِمَعْنَى الْعَيْنِ ،....
وَ الْأَفْئِدَةُ: الْقُلُوبُ ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْعُقُولُ ، وَهُوَ إِطْلَاقٌ شَائِعٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ .
وَ "قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ" حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ ، أَيْ أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ النِّعَمِ فِي حَالِ إِهْمَالِكُمْ شُكْرَهَا .
وَقَدِ اسْتُعْمِلَ قَلِيلًا فِي مَعْنَى النَّفْيِ وَالْعَدَمِ .
مقتفاط من كتاب :التحرير والتنوير- سورة الملك = هنا=

وبصيغة أخرى: قل لهم -أيها الرسول-: الله هو الذي أوجدكم من العدم، وجعل لكم السمع لتسمعوا به، والأبصار لتبصروا بها، والقلوب لتعقلوا بها - فأعطاكم وسائل الإدراك هذه التي تمكنكم ،إن أنتم استعملتموها بحقها، من الوصول إلى خالقكم الحق، وذلك بتدبر آيات الله في الكون- التي ذُكِرَت في أولِ السورةِ -و التدبر في أسمائه وصفاته وقدرته وآياته.ولكن:
" قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ " أي: قلما ما تؤدون شكر هذه النعم لربكم الذي أنعم بها عليكم باستعمال هذه القوى التي أنعم الله بها عليكم فيما خُلِقَت له بطاعته، وامتثال أوامره، وترك زواجره.

وكذلك شكر الشاكر قليل فقوله تعالى " قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ " هذا باعتبار شكر الشاكر ، وقوله "وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ" هذا باعتبار الأفراد الشاكرين
*قال أبو السعود " وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ " لتسمعُوا آياتِ الله وتمتثلُوا بما فيهَا من الأوامرِ والنواهِي وتتعظُوا بمواعظِهَا " وَالأَبْصَارَ " لتنظرُوا بها إلى الآياتِ التكوينيةِ الشاهدةِ بشؤون الله عزَّ وجلَ "وَالأَفْئِدَةَ " وهي القلوب ، لتتفكرُوا بهَا فيمَا تسمعونَهُ وتشاهدونَهُ من الآياتِ التنزيليةِ والتكوينيةِ وترتقُوا في معارجِ الإيمانِ والطاعةِ .
فذكر الله سبحانه وتعالى طريق الفهم ومكان الفهم ، فطريق الفهم هو : السمع والبصر ، ومحل الفهم والوعي : هو القلب ..
سليمان بن محمد اللهيميد، ومصادر أخرى .
=شُكر النِّعَم :

الشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره؛ فهذه القواعد هي أساس الشكر ومنزلة الشكر…
" قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ "

"وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ "13: سبأ.
فأكثرهم, لم يشكروا اللّه تعالى على ما أولاهم من نعمه, ودفع عنهم من النقم.
والشكر: اعتراف القلب بمنة اللّه تعالى, وتلقيها افتقارًا إليها, وصرفها في طاعة اللّه تعالى, وصونها عن صرفها في المعصية.تفسير السعدي = هنا =

شكر النعم يزيدها:
"وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ "7 : إبراهيم.

«إنَّكَ لن تدَعَ شيئًا اتِّقاءَ اللَّهِ، جَلَّ وعَزَّ، إلَّا أعطاكَ اللَّهُ خيرًا منهُ »
الراوي: رجل من أهل البادية-المحدث: الوادعي - المصدر: الصحيح المسند - الصفحة أو الرقم: 1523-خلاصة حكم المحدث: صحيح.
ومن تطبيق ذلك : لما عقر سليمان الخيل غضبًا له إذ شغلته عن ذكره ، فأراد ألا تشغله مرة أخرى ، أعاضه عنها متن الريح .

قال تعالى "وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ *وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ "

"إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ"
أي : إذ عُرض على سليمان في حال مملكته وسلطانه الخيل الصافنات .قال مجاهد : وهي التي تقف على ثلاث وطرف حافر الرابعة ، والجياد : السراع . وكذا قال غير واحد من السلف .تفسير ابن كثير .

فقال ندمًا على ما مضى منه، وتقربًا إلى اللّه بما ألهاه عن ذكره، وتقديمًا لحب اللّه على حب غيره" إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ " أي: آثرت حب الخير، الذي هو المال عموما، وفي هذا الموضع المراد الخيل " عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " أي:حتى توارت واختفت عن نظري بسبب حلول الظلام الذي يحجب الرؤية.

فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ: قيل:إنما هو تكريمها، وقيل :وقال السدي : ضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف .

"وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ"

"وَلَقَدْ " اللام للتوكيد، وقد للتوكيد، واللام المؤكدة للقسم.

"وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ "اختبرناه، ولم يبين لنا هنا ما هي هذه الفتنة، فنحن نقف عندما أوقفنا الله عليه، ولو كان فيه مصلحنا لنا لبينه، ولكن هناك إسرائيليات كثيرة جاءت في هذا المقام.الشيخ محمد صالح المنجد =هنا=
"
وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا" هو شق الولد الذي اختبر به سليمان ربنا عز وجل، كما جاء في حديث:
"قال سليمانُ بنُ داودَ : لأطوفَنَّ الليلةَ على سبعينَ امرأةً ، تحملُ كلُّ امرأةٍ فارسًا يُجاهدُ في سبيلِ اللهِ ، فقال لهُ صاحبُهُ : إن شاء اللهُ ، فلم يَقُلْ ، ولم تحملْ شيئًا إلا واحدًا ، ساقطًا أَحَدُ شِقَّيْهِ . فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ "لو قالها لجاهدوا في سبيلِ اللهِ" .الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- الدرر=

الشرح:
يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ سليمانَ بنَ داودَ عليهما السَّلامُ قال: لأَطُوفَنَّ اللَّيلةَ على مئةِ امرأةٍ أو تسعٍ وتسعينَ، أي: واللهِ لأُجامِعَنَّ مئةً أو تسعًا وتسعينَ، كلُّهنَّ يأتي بفارسٍ يُجاهِدُ في سبيل الله، فقال له صاحبُه- وهو المَلَك-: قلْ: إنْ شاءَ اللهُ، فلم يقلْ عليه السَّلامُ: إنْ شاءَ اللهُ؛ لنِسيانِه، فلم يَحمِلْ منهنَّ إلَّا امرأةٌ واحدةٌ، جاءتْ بشِقِّ رجُلٍ، أي: بنِصف رجُل، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: والذي نفسُ محمَّدٍ بيده، لو قال: إنْ شاء الله، لَجاهَدوا في سبيل الله عزَّ وجلَّ فُرسانًا أجمعونَ.
في الحديثِ: طلبُ الولد لنيَّةِ الجهادِ في سَبيلِ اللهِ تعالى.
وفيه: أنَّ مَن قال: إنْ شاء الله، وتبرَّأَ من مَشيئتِه، ولم يُعطِ الحظَّ لنفْسه في أعمالِه، فهو حريٌّ أن يَبلُغَ أمَلَه، ويُعطَى أُمنيتَه.الدرر=

"قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ "
واستغفر سليمان، وقال يطلب من ربه أعطني ملكًا لَا يفكر فيه أحد من بعدي، ولا يناله سواي، " إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ "، فاستعمل الاسم المناسب في التوسل إلى الله سبحانه وتعالى وقد أتاه الله ذلك.الشيخ محمد صالح المنجد =هنا=
"فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ "ص: 30:36.


قال الحسن البصري رحمه الله : لما عقر سليمان الخيل غضبًا لله - عز وجل - عوضه الله ما هو خير منها وأسرع الريح التي غدوها شهر ورواحها شهر ."
حَيْثُ أَصَابَ" أي : حيث أراد من البلاد .تفسير ابن كثير= هنا=
ولما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها في مرضاته ، أعاضهم عنها أن ملّكهم الدنيا وفتحها عليهم .
ولما احتمل يوسف الصديق ضيق السجن شكر له ذلك بأن مكّن له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء .


"وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ " أي: أعلم ووعد، " لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " من نعمي " وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ " ومن ذلك أن يزيل عنهم النعمة التي أنعم بها عليهم.
والشكر: هو اعتراف القلب بنعم الله والثناء على الله بها وصرفها في مرضاة الله تعالى. وكفر النعمة ضد ذلك.تفسير السعدي = هنا =


إن أكبر نعمة أنعم الله علينا أن هدانا للإيمان والإسلام مخلصين لله تعالى متبعين لرسوله صلى الله عليه وسلم.
إنَّ شُكرَ اللهِ - تعالى -على نِعَمهِ دليلٌ على صدقِ العبوديةِ لهُ - سبحانه -، قال - تعالى "يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقنَاكُم وَاشكُرُوا لِلّهِ إِن كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ"سورة البقرة: 172.
وقال - عز وجل - في سورة النحل"وَاشكُرُوا نِعمَتَ اللّهِ إِن كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ"سورة النحل: 114.
مداد = هنا =

والمسلم دائم الطلب من ربِّه تعالى أن يعينه على شكره تعالى ؛ إذ لولا توفيق الله لعبده ، وإعانته : لما حصل الشكر ، ولذا شرع في السنَّة الصحيحة طلب الإعانة من الله على شكره تعالى .
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ " يَا مُعَاذُ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ، فَقَالَ : أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ ، وَشُكْرِكَ ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ "
.رواه أبو داود : 1522 - والنسائي : 1303 ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

كيف يكون شكر العبد ربَّه على نعمه الجليلة ؟ يكون الشكر بتحقيق أركانه ، وهي شكر القلب ، وشكر اللسان ، وشكر الجوارح .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
الشكر يكون : بالقلب : خضوعًا واستكانةً ، وباللسان : ثناءً واعترافًا ، وبالجوارح : طاعةً وانقيادًا .
" مدارج السالكين " 2 / 246 .
وتفصيل ذلك :
- أما شكر القلب : فمعناه : أن يستشعر القلب قيمة النعم التي أنعمها الله على عبده ، وأن ينعقد على الاعتراف بأن المنعم بهذه النعَم الجليلة هو الله وحده لا شريك له ، قال تعالى " وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ" النحل/ 53 .
وليس هذا الاعتراف من باب الاستحباب ، بل هو واجب ، ومن نسب هذه النعم لغيره تعالى : كفر .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
الواجب على الخلق إضافة النعم إلى الله قولًا ، واعترافًا ، وبذلك يتم التوحيد ، فمن أنكر نعَم الله بقلبه ، ولسانه : فذلك كافر ، ليس معه من الدين شيء.
ومَن أقر بقلبه أن النعَم كلها من الله وحده ، وهو بلسانه تارة يضيفها إلى الله ، وتارة يضيفها إلى نفسه ، وعمله ، وإلى سعي غيره - كما هو جارٍ على ألسنة كثير من الناس - : فهذا يجب على العبد أن يتوب منه ، وأن لا يضيف النعم إلا إلى موليها ، وأن يجاهد نفسه على ذلك ، ولا يتحقق الإيمان ، والتوحيد إلا بإضافة النعَم إلى الله ، قولًا ، واعترافًا .
فإن الشكر الذي هو رأس الإيمان مبني على ثلاثة أركان : اعتراف القلب بنعَم الله كلها عليه ، وعلى غيره ، والتحدث بها ، والثناء على الله بها ، والاستعانة بها على طاعة المنعم ، وعبادته .
" القول السديد في مقاصد التوحيد " ص 140 .

وأما شكر اللسان : فهو الاعتراف لفظًا – بعد عقد القلب اعتقادًا – بأن المنعم على الحقيقة هو الله تعالى ، واشتغال اللسان بالثناء على الله عز وجل .
قال تعالى في سياق بيان نعمه على عبده محمد صلى الله عليه وسلم "وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى " الضحى/ 8 ، ثم أمره في مقابل ذلك بقوله " وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ " الضحى/ 11 .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
أي : وكما كنت عائلًا فقيرًا فأغناك الله : فحدِّث بنعمة الله عليك ." تفسير ابن كثير " 8 / 427 .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا " .رواه مسلم 2734.

وأما شكر الجوارح : فهو أن يسخِّر جوارحه في طاعة الله ، ويجنبها ارتكاب ما نهى الله عنه من المعاصي والآثام .
وقد قال الله تعالى " اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا " سبأ/ من الآية 13 .

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ قَالَتْ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَقَالَ "يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا " .
رواه البخاري : 4557 ، ومسلم : 2820 .
الإسلام سؤال وجواب *
فشُكرُ النِّعَم هو باجتماعِ أمورٍ بمحبَّة المُنعِمِ – جل وعلا – على نعمِه، والخُضوعِ لله لما أنعَمَ عليك، مع تيقُّنِ القلبِ أن كل نعمةٍ تفضُّلٌ وإحسانٌ على العبدِ من جميعِ الوجوه، لا يستحِقُّها العبدُ على الله، والثناء على الربِّ باللسان بهذه النِّعَم،والقبولِ لها بتلقِّيها بالفاقَة والفقرِ إلى الله، وتعظيمِ النِّعمة، واستِعمالِ النِّعَم فيما يحبُّ الله – تبارك وتعالى -.
فمن استخدَمَ آلاءَ الله فيما يحبُّ الله ويرضَى، وجعلَها عونًا على إقامةِ الدين في نفسِه، وأدَّى بها الواجِبات المفروضَة عليه فيها بالإحسان إلى الخلقِ منها؛ فقد شكَرَها. ومن استخدَمَ نعمَ الله فيما يُبغِضُ الله، أو منَعَ الحقوقَ الواجِبةَ فيها؛ فقد كفَرَ النِّعمةَ.
وألا تُبطِرَه النِّعَم، ويُداخِلَه الغرور، ويُوسوِسَ له الشيطانُ بأنه أفضلُ من غيرِه بهذه النِّعَم، وأنه ما خُصَّ بها إلا لمزِيَّةٍ على من سِواه، وليعلَم أن الله يبتلِي بالخير والشرِّ؛ ليعلَمَ الشاكرين والصابِرين.
والإيمانُ نِصفُه شُكر، ونِصفُه صبر؛ قال الله تعالى"أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ"لقمان: 31.

واعلَموا أن العبدَ مهما أطاعَ ربَّه، وتقرَّبَ إليه بأنواعِ القُرُبات لن يقوم بشُكرِ ربِّه على الكمالِ والتَّمامِ، ولكن حسبُه أن يقومَ بالفرائِض، وينتهِيَ عن النواهِي، ويعلَم أنه لولا رحمةُ الله لكانَ من الخاسِرين، ويُلازِمَ الاستِغفارَ من التقصير، وأن يُكثِرَ الدعاءَ لربِّه بالمعُونَة والتوفيق، وأن يُكثِرَ من ذِكرِ الله تعالى؛ فالذِّكرُ يسبِقُ به إلى أجلِّ المقامات.
عن ابنِ عباسٍ – رضي الله عنهما -، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم «كانَ يقولُ في دعائِهِ ربِّ أعنِّي ولا تُعِنْ عليَّ، وانصُرني ولا تنصُرْ عليَّ، وامكُر لي ولا تَمكُر عليَّ، واهدِني ويسِّرِ الهدى لي، وانصُرني على من بغَى عليَّ، ربِّ اجعَلني لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مُطيعًا، إليكَ مُخبتًا، إليكَ أوَّاهًا مُنيبًا، ربِّ تقبَّل تَوبَتي، واغسِل حَوبَتي، وأجِب دعوَتي، واهدِ قلبي، وسدِّد لساني، وثبِّت حجَّتي واسلُلْ سَخيمةَ قلبي"الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه-الصفحة أو الرقم: 3103- خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر =


= هنا =

رد مع اقتباس