عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 05-12-2017, 12:48 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,224
Exclamation

المجـلـس الرابع
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه .
*بعض فضائل كعب بن مالك
هو أحد شعراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحد صاحبه الكرام، وأحد الثلاثة الذين خُلِّفوا فتاب الله عليهم، وأحد الذين شهدوا العقبة، وله عدة أحاديث، تبلغ الثلاثين، اتفقا البخاري ومسلمٌ على ثلاثة منها، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين. وقد روى عنه بنوه .

هذا حديثُ كعب بن مالك، في قصَّةِ تَخَلُّفهِ عن غزوة تبوك، وكانت غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرةإلا أنه كانت هناك قوة تعرضت للمسلمين - قبلها- من غير مبرر، وهي قوة الرومان ـ أكبر قوة عسكرية ظهرت على وجه الأرض في ذلك الزمان ـ بداية هذا التعرض كانت بقتل سفير رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ـ الحارث بن عُمير الأزدي ـ على يدي شُرَحْبِيل بن عَمْرو الغَسَّاني، حينما كان السفير يحمل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى عظيم بُصْرَي،" فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ قَتْل رسوله، فأرسل إلى مؤتة ثلاثة آلاف من المسلمين في جُمادى الأولى من السنة الثامنة من الهجرة النبوية" هنا، و تركت أروع أثر في نفوس العرب، قريبهم وبعيدهم‏.‏
*
غزوةِ مُؤتَةَ- أمَّرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غزوةِ مُؤتَةَ زيدَ بنَ حارثةَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "إنْ قُتِلَ زيدٌ فجعفرٌ، وإن قُتِلَ جعفرٌ فعبدُ اللهِ بنُ رَواحَةَ" . قال عبدُ اللهِ : كنتُ فيهم في تلك الغزوةِ، فالتَمَسْنا جعفرَ بنَ أبي طالبٍ، فوجَدْناه في القَتلَى، ووجَدْنا ما في جسدِه بضعًا وتسعين، من طعنةٍ ورَميَةٍ .الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري- المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 4261 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية.
الشرح :.....فلمَّا وَقَعَت المَعركةُ قُتِلَ هؤُلاءِ الثَّلاثةُ على التَّرتيبِ المَذكورِ، قالَ عَبدُ اللَّه بنُ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهُما: كُنتُ فيهم في تلكَ الغَزوةِ فالْتَمَسْنا، أي: طَلَبْنا جَعْفَرَ بنَ أبي طالِب بَعدَ أنْ قُتِلَ فوَجَدناهُ في القَتْلَى، أي: بَينَ القَتلَى وَوَجَدْنا ما في جَسدِه بِضعًا وتِسعينَ مِن طَعْنَة بِرُمحٍ ورَميةٍ بِسَهمٍ.
وفي هذا الحديث: دليلُ النُّبوَّةِ; لأنَّهُ أَخْبَرَ بإِصابتِهم في المَدينةِ وهُم بمُؤْتةَ.
وفيه: ما يَدُلُّ على شَجاعةِ جَعْفَرٍ رضي اللَّهُ عَنه، وأنَّهُ كان به بِضْعٌ وسَبعونَ جِراحةً كُلُّها لَيسَت في ظَهرِه. الدرر السنية.
- أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نعى زيدًا وجعفرًا وابنَ رواحةَ للناسِ قبلَ أن يأتيَهم خبرُهم، فقال: أخذ الرايةَ زيدٌ فأصيبَ، ثم أخذَ جعفرٌ فأصيبَ، ثم أخذ ابنُ رواحةَ فأصيبَ. وعيناه تذرِفان: حتى أخذَ الرايةَ سيفٌ من سيوفِ اللهِ، حتى فتحَ اللهُ عليهم.الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4262 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.- الدرر السنية.
*ويومُ مُؤْتَة كان سَنَةَ ثمانٍ مِن الهجرة، وهو اليومُ أعْطَى رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فيه الرَّايةَ لزيدِ بنِ حارثةَ، وقال: إنْ قُتِلَ، فأميرُكم جعفرُ بنُ أبي طالبٍ، فإنْ قُتِلَ جعفرٌ فأميرُكم عبدُ اللهِ بنُ رَوَاحةَ، فاستُشْهِد الثلاثةُ، ثمَّ أخَذَها خالدُ بنُ الوليدِ واجْتَمَعوا عليه وتأمَّر على الجَيشِ، ففَتَح اللهُ عليه، وكان عِدَّةُ المُسلِمينَ ثلاثةَ آلافٍ، وعِدَّةُ الكافِرين مِئتي ألف؛ مِئة ألفٍ من الرُّوم، ومِئة ألف مِن نصارَى العربِ، ولم يُقتَلْ من المسلمين يَومئذٍ إلَّا اثنا عَشرَ رجلًا. الدرر السنية ..
- سَمِعْتُ خالدَ بنَ الوليدِ يقولُ : لقد انقطَعَتْ في يدِي يومَ مُؤتَةَ تسعةُ أسيافٍ، فما بَقِيَ في يدِي إلا صفيحةٌ يَمانِيَّةٌ .
الراوي : قيس بن أبي حازم - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 4265 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية .
الشرح :كانَ خالدُ بنُ الوليدِ مِنْ فُرسانِ الصَّحابةِ الشُّجعانِ، وقد سمَّاهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم سيفَ اللهِ المَسْلولَ؛ لقوَّتهِ وبَسالَتِهِ ودِفاعهِ عن الإسلامِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ خالدُ بنُ الوليدِ: لقدِ انقَطَعتْ يعني تَكَسَّرتْ وتحطَّمتْ في يدِي يَومَ مُؤتةَ تِسعةُ أَسيافٍ؛ وذلكَ منْ قوَّةِ بأْسِهِ وشِدَّته في القتالِ، فما بقِيَ؛ يعني: فما ثَبَتَتْ في يدي إلَّا صَفيحةٌ يَمانِيةٌ، وهي سيفٌ نَصْلُهُ عريضٌ من صُنعِ اليَمنِ.
وكان عِدَّةُ المُسلِمينَ ثلاثةَ آلافٍ، وعِدَّةُ الكافِرين مِئتي ألف؛ مِئة ألفٍ من الرُّوم، ومِئة ألف مِن نصارَى العربِ، ولم يُقتَلْ من المسلمين يَومئذٍ إلَّا اثنا عَشرَ رجلًا. الدرر السنية
*قَالَ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ : ....أَنَّ خَالِدًا لَمَّا حَازَ الْمُسْلِمِينَ وَبَاتَ ، ثُمَّ أَصْبَحَ وَقَدْ غَيَّرَ هَيْئَةَ الْعَسْكَرِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَتَوَهَّمَ الْعَدُوُّ أَنَّهُمْ قَدْ جَاءَ لَهُمْ مَدَدٌ ، حَمَلَ عَلَيْهِمْ خَالِدٌ حِينَئِذٍ فَوَلَّوْا فَلَمْ يَتْبَعْهُمْ ، وَرَأَى الرُّجُوعَ بِالْمُسْلِمِينَ هِيَ الْغَنِيمَةُ الْكُبْرَى ."البداية والنهاية" (4/ 247 . هنا
فتح الباري بشرح صحيح البخاري

* غزوة تبوك وحديث كعب بن مالك :
في شهر رجب - في السنة التاسعة من الهجرة -وهو من الأشهر الأربعة الحرم هذا الشهر العظيم وقعت فيه غزوة عظيمة وملحمة نفسية كبيرة كانت آخر غزوة غزاها الرسول صلى الله عليه وسلم.
غزوة لم يحدث فيه قتال بين الصفين ولا تلاحم بين الفريقين وإنما كانت معركة كاشفة فاضحة كشفت المنافقين وفضحت كل من في قلبه مرض من المدسوسين الذين كانوا يعيشون بين أظهر المسلمين إنها غزوة تبوك التي وقعت في شهر رجب لسنة تسع من الهجرة النبوية.لقد كان الرومان – أعظم دولة في ذلك الزمان يعدون العدة لمواجهة المسلمين في المدينة.
وصل الخبر إلى قيادة الجيش الإسلامي بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان المسلمون في تلك الفترة في قحط شديد وبلاء عظيم وعسر وجدب وقلة ظهر وكان الجو شديد الحرارة في قوة حرارة الصيف الملتهب. وفي نفس الوقت كانت الثمار قد بدأت على النضج واقترب موعد حصاد الزروع وفوق هذا وذاك كان العدو بعيدًا جدًا جدًا من المسلمين والطريق وعْرَة والمسافة طويلة وليس مع المسلمين ما يكفيهم من المؤنة والمعونة.قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن الموقف يحتاج إلى حسم شديد فلو ترك الرومان يزحفون نحو المدينة لوصلوا إلى بلاد الإسلام وجاسوا خلال الديار.
لذا قرر النبيُّ صلى الله عليه وسلم الموقف وأعلن في الناس أن يتجهزوا للقتال وأعلن بكل صراحة ووضوح أنه يريد لقاء الروم ولم يوري لهم كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل في معاركه وغزواته السابقة. هنا
ولم يكن من المسلمين أن سمعوا صوت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يدعو إلى قتال الروم إلا وتسابقوا إلى امتثاله، فقاموا يتجهزون للقتال بسرعة بالغة، وأخذت القبائل والبطون تهبط إلى المدينة من كل صوب وناحية، ولم يرض أحد من المسلمين أن يتخلف عن هذه الغزوة ـ إلا الذين في قلوبهم مرض وإلا ثلاثة نفر ـ حتى كان يجيء أهل الحاجة والفاقة يستحملون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ؛ ليخرجوا إلى قتال الروم، فإذا قال لهم‏:‏ "‏لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ‏"‏التوبة‏:‏92‏‏‏.‏ هنا .
- جاءَ عثمانُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بألفِ دينارٍ قالَ الحسَنُ بنُ واقعٍ : وفي موضعٍ آخرَ من كتابي ، في كمِّهِ حينَ جَهَّزَ جيشَ العُسرةِ فينثرَها في حجرِهِ . قالَ عبدُ الرَّحمنِ : فرأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يقلِّبُها في حجرِهِ ويقولُ " ما ضرَّ عثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ مرَّتينِ".
الراوي : عبدالرحمن بن سمرة - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3701 - خلاصة حكم المحدث : حسن - الدرر السنية .
- خلَّف رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ ، في غزوةِ تبوكَ . فقال : يا رسولَ اللهِ ! تُخلِّفُني في النساءِ والصِّبيانِ ؟ فقال " أما ترضى أن تكونَ مني بمنزلةِ هارونَ من موسى ؟ غيرَ أنهُ لا نبيَّ بعدي " .
الراوي : سعد بن أبي وقاص المحدث : مسلم المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2404 خلاصة حكم المحدث : صحيح
. الدرر السنية
...فقال عليٌّ: تُخلِّفُني في النِّساءِ والصِّبيانِ؟ كأنَّه استنقَص تَرْكَه وراءَه، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا القولَ.
"
غيرَ أنهُ لا نبيَّ بَعْدِي"، لَمَّا شبَّهه في تخليفِه إيَّاه بهارونَ حين خلَّفَهُ موسى، خافَ أنْ يتأوَّلَ مُتأوِّلٌ فيدَّعِيَ النُّبوَّةَ لِعَليٍّ، فقال: "غيرَ أنهُ لا نبيَّ بَعْدِي".الدرر السنية.

* فتخلَّفَ المنافقون عن هذه الغزوة ولجأوا إلى الظل والرطب والتمر، وبَعُدَتْ عليهم الشُّقَّة والعياذ بالله.
أما المؤمنون الخُلَّص، فإنهم خرجوا مع النبي عليه الصلاة والسلام ولم يُثْنِ عزمَهُم بُعْدُ الشُّقَّة ولا طيبَ الثمار
إلا أن كعب بن مالك- رضي الله عنه- تخلَّف عن غزوة تبوك بلا عذر، وهو من المؤمنين الخُلَّص، ولهذا قال " إنه ما تخلف عن رسول الله "؛ عن غزوة غزاها قط.كل غزوات الرسول "؛ قد شارك فيها كعب- رضي الله عنه- فهو من المجاهدين في سبيل الله إلا في غزوة بدر.
*
غزوة بدر
وكانت في السابعِ عشر من شهرِ رمضان في العامِ الثاني للهجرة ، و فيها عنده كتب الله النصر للمسلمين :
فقد تخلَّف فيها كعب وغيره لأن النبي - عليه الصلاة والسلام- خرج من المدينة لا يريد القتال، ولذلك لم يخرج معه إلا ثلاثمائةٍ وبضعة عشر رجلاً فقط؛ لأنهم كانوا يريدون أن يأخذوا عيرًا لقريش، أي إبل محمَّلة قَدِمَتْ مِنَ الشام تريد مكة وتَمُرُّ بالمدينة.
فخرج النبي - عليه الصلاة والسلام- من أجل أن يستقبل هذه العير ويأخذها، وذلك لأن أهل مكة أخرجوا النبي "؛ وأصحابه من ديارهم وأموالهم؛ فلهذا كانت أموالُهم غنيمةً للنبي- عليه الصلاة والسلام- ويحل له أن يخرج ليأخذها، وليس في ذلك عدوان من رسولِ اللهِ "؛ وأصحابِهِ، بل هذا أخذٌ لبعض حقهم.
خرج الرسول "؛ في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ليس معهم إلا سبعون بعيرًا وفَرسَان فقط؛ وليس معهم عُدَّةٌ والعدد قليل، ولكنَّ الله جمع بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد لينفذَ اللهُ ما أرادَ عزَّ وجلَّ.
فسمع أبو سفيان - وهو قائد العير- أن النبي "؛ خرج إليه ليأخذ العير؛ فعدل عن سَيْرِهِ إلى الساحلِ وأرسل إلى قريش صارخًا يستنجدهم - أي يستغيثهم- ويقول: هلمُّوا أنقذوا العِير.
فاجتمعت قريش، وخرج كُبراؤها وزُعماؤها وشُرفاؤها فيما بين تسعمائةٍ إلى ألف رجل.
خرجوا كما قال الله عنهم، خرجوا من ديارهم "بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه"الأنفال:47ولما كانوا في أثناء الطريق وعلموا أن العير نَجَت تراجعوا فيما بينهم وقالوا: العير نجت، فما لنا وللقتال؟ فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نقدم بدرًا فنقيم فيها ثلاثًا ننحرُ الجزور، ونسقى الخمور، ونطعمُ الطعام، وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدًا !
هكذا قالوا، بطرًا واستكبارًا وفخرًا، ولكن- الحمد لله- صارت العرب تتحدث بهم بالهزيمة النكراء التي لم يَذُق العرب مثلها، لما التقوا بالنبيِّ- عليه الصلاة والسلام- وكان ذلك في رمضان في السنة الثانية من الهجرة، في اليوم السابع عشر منه، التقوا فأوحى الله عز وجل إلى الملائكة : "أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ"الأنفال: 12، انظر! في الآية تثبيتٌ للمؤمنين وإلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا، فما أقربَ النصر في هذه الحال ؟!رعب في قلوب الأعداء، وثبات في قلوب المؤمنين.
فثبَّتَ الله المؤمنينَ ثباتًا عظيمًا، وأنزل في قلوب الذين كفروا الرعب.
قال الله سبحانه "فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ"الأنفال:12، أي : كل مفْصَل، اضربوا فالأمر مُيَسَرٌ لكم.
فجعل المسلمون- ولله الحمد- يجلدون فيهم؛ فقتلوا سبعين رجلًا وأسروا سبعين رجلًا، والذين قُتلوا ليسوا من أطرفهم، الذين قُتلوا كلهم من صناديدهم وكبرائهم، وأُخذَ منهم أربعةُ وعشرون رجلاً يُسحَبون سحبًا وأُلْقُوا في قُليب من قُلُبِ بدر، سُحبوا حتى أُلقوا في القليب جثثًا هامدةً، ووقف عليهم النبي - عليه الصلاة والسلام_ وقال لهم: يا فلان ابن فلان، يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، هل وجدتم ما وعَدَ ربكُم حقًا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا. فقالوا : يا رسول الله، كيف تكلم أُناسًا قد جَيّفوا؟ قال " والله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يجيبون؛ لأنهم موتى.
* للحديث الآتي:"أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ترك قتلى بدرٍ ثلاثًا . ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم فقال " يا أبا جهلِ بنَ هشامٍ ! يا أميةَ بنَ خلفٍ ! يا عُتْبَةَ بنَ ربيعةَ ! يا شيبةَ بنَ ربيعةَ ! أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقًّا ؟ فإني قد وجدتُ ما وعدني ربي حقًّا " فسمع عمرُ قول النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . فقال : يا رسولَ اللهِ ! كيف يسمعوا وأنى يجيبوا وقد جَيَّفوا ؟ قال " والذي نفسي بيدِه ! ما أنتم بأسمعَ لما أقول منهم . ولكنهم لا يقدرون أن يُجيبوا " ثم أمر بهم فسُحبوا . فأُلقوا في قليبِ بدرٍ .الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2874 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر السنية.
نصرَ اللهُ نبيَّهُ، وسمى اللهُ هذا اليوم "يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ"الأنفال:41 .
هذا اليوم فرّق الله فيه الحق والباطل تفريقًا عظيمًا. وانظر إلى قدرة الله عز وجل في هذا اليوم، انتصر ثلاثمائة رجل وبضعة عشر رجلاً على نحو ألف رجل أكمل منهم عُدَّةً وأقوى، وهؤلاء ليس معهم إلا عدد قليل من الإبل والخيل، لكنَّ نصرَ اللهِ عز وجل إذا نزلَ لقومٍ لم يقم أمامهم أحد، وإلى هذا أشار الله بقوله "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ"، ليس عندكم شيء "فاتقوا الله لعلكم تشكرون"آل عمران: 123.
اطَّلع الله عليهم وقال لهم:اعمَلُوا ما شئتم فقد غَفَرتُ لكم.
كل معصيةٍ تقعُ منهم فإنها مغفورة، لأن الثمن مقدَّم.
فهذه الغزوة صارت سببًا لكل خير، حتى إن حاطب بن أبي بلتعة- رضي الله عنه- لمَّا حصَلَ منه ما حَصَل في كتابه لأهل مكة عندما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يغزوهم غزوة الفتح كتب هو- رضي الله عنه- إلى أهل مكة يخبرهم، ولكن الله أَطْلَعَ نبيّه على ذلك.
- بعثني رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنا والزُّبَيْرَ والمِقْدَادَ، فقال " انطلقوا حتى تأتوا رَوْضَةَ خاخٍ، فإن بها ظَعِينَةً معها كتابٌ، فخذوهُ مِنها" . قال : فانطلقنا تَعادَى بنا خَيْلُنَا حتى أتينا الرَّوْضَة، فإذا نحن بالظَّعِينَةِ، قُلْنا لها : أخرجي الكتابَ، قالتْ: ما معي كتابٌ، فقُلْنا، لَتُخْرِجِنَّ الكتابَ، أولَنُلْقِيَنَّ الثيابَ، قال : فأخرجتهُ من عِقاصِها، فأتينا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإذا فيه : من حَاطِبِ بْنِ أبي بَلْتَعَةَ، إلى ناسٍ بمكةَ مِن المشركينَ، يُخْبِرُهم ببعض أمر رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم . فقال : رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم " يا حاطِبُ، ما هذا ؟" . قال : يا رسولَ اللهِ، لا تَعْجَلْ علَيَّ، إني كنتُ امْرأً مُلْصَقًا في قريشٍ، يقول : كنتُ حَليفًا، ولم أكن من أنْفُسِها، وكان من معك من المهاجرينَ، من لهم قَراباتٌ يَحْمونَ أهْلِيهِمْ وأمْوَالهمْ، فأحببتُ إذ فاتني ذلك من النسَبِ فيهم، أن أتَّخِذَ عِندَهمْ يَدًا يَحْمونَ قَرابَتِي، ولم أفعله رْتِدَادًا عن ديني، ولا رضًا بالكفرِ بعدَ الإسلام . فقال : رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم " أما إنه قد صدَقَكم" . فقال عُمر : يا رسولَ اللهِ، دَعْنِي أضْرِبْ عُنُقَ هذا المُنافِقِ. فقال " إنه قد شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ علَى مَن شَهِدَ بَدْرًا فقال : اعملوا ما شِئْتُمْ فقد غفرتُ لكم" . فأنزل الله السورةَ : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ- إلى قوله -فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ" .الراوي : علي بن أبي طالب - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 4274 - خلاصة حكم المحدث : صحيح . الدرر السنية .


رد مع اقتباس