عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 05-12-2017, 01:58 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,224
Arrow

المجـلـس السابع
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
التوبة والاعتصام بالكتاب والسنة الصحيحة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه .
لا شك أن الاعتصام بالكتاب والسنة هو أساس وأصل النجاة في الدنيا والآخرة.والاعتصام: هو الاستمساك،قال ابن منظور رحمه الله"الاعتصام: الاستمساك بالشيء" لسان العرب، 12/404 .فالاعتصام: التمسك بالشيء، ويقال: استعصم: استمسك .قال الله تعالى "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا" سورة آل عمران، الآية: 103 .
أمر الله تعالى بالأخذ بالكتاب العزيز، وردّ كل ما يحتاجه الناس وكل ما تنازعوا فيه إليه، فقال تعالى"فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً". سورة النساء، الآية: 59 .قال الإمام ابن كثير – رحمه الله "قال مجاهد وغير واحد من السلف: أي إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا أمر من الله تعالى بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى"وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله" سورة الشورى، الآية: 10 .
والقرآن الكريم أَمَرَ بالأخذ بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، والانتهاء عن كل ما نهى عنه، قال الله تعالى "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ" سورة الحشر، الآية: 7 ..
ومن اعتصم بالله تعالى كفاه من الشرور كلها أولها شر النفس التي بين جنبي الإنسان . قال تعالى " إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي " .سورة يوسف / 53.
"إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ"فاطر6. والنفس والشيطان هما العدوان اللذان لا يفارقان العبدَ أبدًا . ولكن إذا اعتصم العبدُ بالله سبحانه وتعالى لن يصلا إليه.
ولهذا ذكر ابن القيم وذكر غيره من أئمة السلف أن عداوة النفس وعداوة الشيطان أعظم من عداوة العدو الخارجي ، فإن العدو الخارجي تعرفه بشكله وبمظهره وتعد له العُدة ، لكن من منا يعد العُدة لنفسه الأمارة بالسوء ؟ إن لم يعتصم الإنسانُ بطاعة الله تعالى والالتزام بمنهجه فسرعان ما ينساق وراء تلك بالشهوات وبالشبهات ويضل عن سواء الصراط , ولا تحصل له الاستقامة على دين الله تعالى.
سبحان ربي إذ جعل من طبيعة هذه النفوس أنها جاهلة, وجعل من طبيعتها الظلم فاجتمع فيها الجهل والظلم .
قال تعالى "إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً" .سورة الأحزاب /72 .
وهذا الجهل والظلم لابد من دفعهما عن العبد المسلم , وإلا أصبحت نفسه جهولة ظلومة ، عند ذلك يصدر منه كل عمل قبيح وكل عمل يبعده عن الله .
ويرتفعُ جهلُ الإنسانِ بالعلمِ النافعِ ، وهو العلم الموافق للكتاب والسنة ذاك الذي أنزله الله على رسوله وجعله نورًا يستضيء به الناسُ في ظُلُمات الشُّبُهات والشَّهَوات وغيرها . إنه النور الذي أنزله الله على رسوله في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا"النساء174.
التفسير الميسر : يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم, وهو رسولنا محمد, وما جاء به من البينات والحجج القاطعة, وأعظمها القرآن الكريم, مما يشهد بصدق نبوته ورسالته الخاتمة, وأنزلنا إليكم القرآن هدًى ونورًا مبينًا.ا.هـ
الله أكبر من كان في يده يحمل مِشْعَل النـور فإنه لا يضل . وكم تحيط بالناس من الظُلمَ العظيمة منكرات ومعاصي وشبهات وغيرها من الأمور , ولكن نور الإيمان والوحي يمشي به الإنسان في طريقه فيضيء له الطريق , وإذا ارتفـع الجهل بالعلم الذي هو علم الكتاب والسنة . ولكن كيف يرتفع الظلم ؟
إنه يرتفع بالعمل الصالح الذي يُخْرج الإنسانَ عن وصف الظلم . فإذا عمل الإنسان بما عَلِم , ذهب عنه ظلمُ نفسهِ واهتدى لطريق الخير والاستقامة .
"وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ"14" وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ"15" قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"16. القصص.
فإغواء الشيطان والوقوع في المعاصي من ظلم النفس.
وظلم النفس يرتفع بالتوبة النصوح والعمل الصالح الذي يُخْرج الإنسانَ عن وصف الظلم . فإذا عمل الإنسان بما عَلِم , ذهب عنه ظلمُ نفسهِ واهتدى لطريق الخير والاستقامة .
نستخلص علاج "ظَلُومًا جَهُولاً" :
جَهُولاً: تُعالجَ بالعلم النافع ؛
ظَلُومًا تُعالجَ والتوبة والعمل الصالح .
"وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ "البقرة 35.
"قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ "الأعراف23.

التـوبـة
أمَرَ اللهُ سبحانه عبادَه بالتوبةِ ، قال تعالى :
"وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "النور 31 .
"وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى"طه 82
فعباد الرحمن إذا اقترفوا معصية بحكم ضعفهم البشري وجهلهم, أقلعوا وتابوا ونَدِمُوا .
فهم إما تائبون من ذنب اقترفوه , أو من عمل قصروا فيه , أو من كمال لم يدركوه , أو من نِعم لم يستطيعوا القيام بشكرها . ولذلك أمرنا ربنا بالتوبة إليه .
فالتوبة ليست خاصة بالمذنب الجاني , بل عامة في حق جميع المؤمنين الذين يريدون الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة .
*
فعن أبي هريرة ؛ قال : سمعتُ رسولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقـول " والله , إني لأستغفرالله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " .

البخاري / كتاب : الدعوات / باب : استغفار النبي في اليوم والليلة / 11 /101 , فتح.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو المعصوم , وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر , يتوب إلى الله في اليوم أكثر من سبعين مرة والتوبة واجبة على الفور والدوام من كلِّ ذنبٍ صغيرًا كان أم كبيرًا . وقد جاء الوحى المبين على النبي الأمي بالحث على هذا الأمر العظيم
والتوبة هي :
الرجوع إلى الله تعالى وترك ما يُغضِب الله ظاهرًا وباطنًا ؛ ندمًا على ما مضى ، وتركًا في الحال ، وعزمًا على ألا يعود ، والاستقامة على الحق ؛ بفعل ما يحبه الله تعالى ، ويرضاه
والواجب على المسلم إذا تلبس بمعصية أن يبادر إلى التوبة في الحال بدون تمهل لأنه :
أولا :لا يدري في أي لحظة يموت .
ثانيًا : لأن السيئاتِ تجرُّ أخواتِهَا .
وقد أثنى الله سبحانه في كتابه العزيز على من يسارع بالتوبة :
قال تعالى " وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْوَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ" .
سورة آل عمران / آية : 135 ، 136 .
فبـادر ...أيهـا الصحيح بالتوبة النصوح ، وسارع يا مسلم للنجاة ، وتذكر أن الصحة لا تدوم ، وأن اللحظة لا تعود ، وأن الموت الذي تفر منه آت لا محالة ،واشكر ربك بالتوبة والعبادة والذكر والندم ، واسأله سبحانه الثبات على الحق والخير ...وتذكر لن ينفعك يوم الدين إلا عملك الصالح ، ومنها التوبة التي تمحي الذنوب الصغائر والكبائر .
رد مع اقتباس