عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 05-12-2017, 03:50 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,224
Exclamation

الثالث عشر
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه .
تابع لا عيش إلا عيش الآخرة
تابع ورع وزهد عمر بن عبد العزيز
إن سألتمْ عن سرِّ عظَمَةِ عمر، وندرةِ تَكرارِ شخصية عمر، فهو ذاك التَّحَوُّل العجيب في حياته؛ لقد كان ابن عبدالعزيز قبل الخلافة يعيشُ حياةَ البَذَخِ والتَّرَف، فكان يمتلك أعلى القُصُور، وتُضَمَّخ ثيابُه بأغلى العُطُور، وَيركَبُ أحسنَ المراكب، ويَلْبَسُ أبْهى الحُلل، حتى قال عن نفسه: ما لبسْتُ ثوبًا قط، فَرُئِي عليَّ، إلاَّ خُيِّلَ إليَّ أنه قد بَلِي.
هذا الرجلُ المُتْرَفُ الذي بلغَ في المظهريةِ غايتَها، تَحَوَّلَ منَ النقيضِ إلى النقيض، من الغِنى الفاحش إلى الزُّهْد المعضل.
لم تتغَيَّرْ حالُه بسبب موتِ قريب، ولا بفجيعةٍ لعزيز، ولا أنه قد كبر في السِّنِّ، أو اعتلَّه المرض، كلاَّ، لقد كانتْ نقطةُ التحوُّلِ في حياةِ عمر أن تولَّى الخلافة، فأصْبَحَتْ خزائنُ الدُّنيا بحذافيرها بين يديه في هذه اللَّحظة، التي تضعف فيها النُّفوس، كانت نقطة الاستقامة والتحوُّل في حياة عمر.
عندها غيَّر عمر مسار حياته؛ لأنه تَيَقَّن أنَّه قد تَحمَّلَ حِملاً عظيمًا كبيرًا، فَرفَضَ أطايبَ الحياةِ ومناعمها، ولاذَ بِتَقَشُّفٍ وشَظَفٍ، لا يَكاد يُطاق.
بدأ ابن عبدالعزيز خلافته بإصلاح مملكتِه، فبدأ بنفسِه، فنظَر إلى ثروتِه، فباعَ ما يملك، وردَّه في بيت المال، ثم غدا على زوجته فاطمة بنت عبدالملك. .الألوكة

فاطمة زوجة الخليفة عمر بن عبد العزيز
هي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص، أحد خلفاء الدولة الأموية، وأمها أم المغيرة بنت خالد بن العاص، وأخوتها الخلفاء الثلاثة: الوليد وسليمان ويزيد، وزوجها الخليفة عمر بن عبد العزيز، فهي كما قال الشاعر فيها:
بنت الخليفة والخليفة جدها 000أخت الخلائف والخليفة زوجها

* حين بلغت فاطمة مبلغ النساء تزوجها ابن عمها عمر بن عبد العزيز، الذي تربى في كنف أبيها عبد الملك وتحت عنايته، وعاشت فاطمة مع زوجها عمر عيشة مترفة منعمة، فقد أضحى عمر والي المدينة، ورزقهما الله منه بابنين اثنين هما: إسحاق ويعقوب.
ودامت هذه الحياة الهنيئة حتى كان عام تسع وتسعين من الهجرة حين تولى زوجها خلافة الأمة، فانقلبت حياته، وغدا – وهو الشاب الذي غُذّي من آنية الملك - إمامًا زاهدًا تثقل مسئولية الخلافة كاهله.
*لما وَلِيَ الخلافة أحدث في نفسه تغييرًا شاملاً وانقلابًا خطيرًا، وظهر آثار هذا التغيير واضحة جليَّة على جميع تصرفاته، وفي مجتمعه.
لقد قام منهجه التغييري على قواعدَ وأسس مستمدة ومستوحاة من شرع الله.
وكان من هذه القواعد والأسس قاعدةٌ كان لها الأثر الكبير في تكوين شخصيته وانطلاقته المباركة، ألا وهي الزهد في الدنيا، قاعدة التجرد المطلَق، والنزاهة في أروع صورها!
.الألوكة
عندما تولَّى "عمر" الخلافة نَظَرَ في بيت مال المسلمين، ثم نظر إلى ما في يده، ثم نظر إلى ما في يد أمراء بني أُميَّة، فماذا فعل ؟
بدأ بنفسه، فدعا زوجه فاطمة ابنةَ الخليفة عبدالملك بن مروان، وزوجةَ الخليفة عمر بن عبد العزيز، وأختَ الخلفاء الأربعة: الوليد، وسليمان، ويَزِيد، وهشام، هم خلفاء بحكم الوراثة، فسألها عمر سؤالاً، قال لها: اختاري يا فاطمة، قالت: أيَّ شيءٍ اختار يا أمير المؤمنين؟
قال لها: إما أن تختاري الذهب والجواهر والزُّمُرُّد ومتاع الدنيا، وإما أن تختاري عمر بن عبدالعزيز، نَعَمْ، خَيَّرَها عمر بين نفسه وبين ما تملك من زينة زُفَّتْ بها؛ لأنها بنت الخليفة.
فماذا قالت فاطمة؟ هذه السيدة المسلمة التي تربَّت في مدارس الإسلام، ونهلت من مناهل القرآن، قالت بلسان اليقين، ومنطق الحق المبين: والله لا أختار عليك أحدًا يا أمير المؤمنين، هذا ذهبي، وتلك ثياب زفافي المرصَّعة بالماس والزُّمُرُّد، ثم قالت: إلى أين تريد الذهاب بها يا عمر؟ قال: سأذهب بها إلى بيت مال المسلمين؛ لتكون للفقراء والمساكين!
الله أكبر، هذا هو العدل كله، وهذه هي النزاهة كلُّها، وهذا هو الزُّهد كلُّه، والإخلاص كلُّه.
يا عمر، إلى أين تذهب بجواهرها وذهبها وزينتها وثياب زفافها؟ إلى أين تذهب بهذا كلِّه يا عمر؟ إلى بيت مال المسلمين؛ لتكون للفقراء والمساكين !وإذا بفاطمة تقول بلسان يَقِينها: جعلني الله وإياك - يا عمر - فِداءً لله ورسوله.
وعندما مات عمر، وتولَّى الخلافة بعده "يزيد بن عبدالملك" أخو فاطمة، فقال لها: يا فاطمة، أنا أعلم أنَّ عمر أخَذَ مالك كلَّه، ووضعه في بيت المال، أتأذنين أنْ أعيدَه إليك؟ فقالت له بلسان الحقِّ: ماذا تقول يا يَزِيد؟! أتريد أن آخذَ شيئًا وضعه عمر في بيت مال المسلمين؟! فو الله الذي لا إله إلا هو، لن أطيعَهُ حيًّا وأغضبه ميِّتًا أبدًا، وما غادَرَتْ بيتَها قط بعد عمرَ، حتى وافتها المنيَّةُ - رضي الله عنها.
هكذا كان عمر، وإلى كمْ عمر نحتاج من الرجال في عصرنا هذا؟! وإلى كمْ فاطمة نحتاج من النساء؟!
ثم انقلب عمر بعد أن بدأ بنفسه إلى بني أُميَّة، فقطع كلَّ صلاتٍ كانوا يأخذونها وأعطياتٍ كانوا يستلمونها، نظر إلى بيت المال، فإذا اسمه بيت مال المسلمين، ليس بيتَ مال عمر، ولا بيت مال الأمراء، ولكن بيت مال المسلمين.
فكلُّ مال أُخِذَ من بيت مال المسلمين فدُفِع إلى أمير، قام عليه عمر فردَّه من حيث أُخِذ، واستشاط أمراء بني أُميَّة غضبًا، فأرسلوا إليه ابنَه عبدالملك، فقالوا: يا عبدالملك، إما أن تستأذنَ لنا على أبيك، وإما أن تبلِّغه عنَّا، قال: قولوا، قالوا: أخبِره أنَّ مَن كان قبله من الأمراء يعطوننا أعطيات ويصلوننا بصلاتٍ، وأنه قد قطعها عنَّا، مُرْهُ فليردَّها علينا، وأَبْلَغَ عبدالملك أباه المقالةَ، فقال: ارْجِع إليهم، فقل لهم: إن أبي يقول: إني أخاف إن عصيتُ ربِّي عذابَ يومٍ عظيم، إني أخاف إن عصيتُ ربِّي عذابَ يوم عظيم.
أرأيْتُم كيف حافظ عمر على أموال المسلمين؟ فيا أصحاب الوظائف، يا أيُّها الأُمَنَاء على المسلمين، حافظوا على أموال المسلمين كما تحافظون على أموالكم، وخذوا الدرس والعِبْرة من ابن عبدالعزيز، واجعلوا شعاركم: "إني أخاف إن عصيتُ ربِّي عذابَ يوم عظيم"
هنا.المجلس العلمي



رد مع اقتباس