عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 06-13-2017, 01:06 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,224
Arrow

الفصل الثالث
قواعد في أدلة الأسماء والصفات

* القاعدة الأولى*
الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته، هي: كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تثبت أسماء الله وصفاته بغيرهما.
*الشرح*
هذه القاعدة مهمة، وهي أن أسماءُ اللهِ وصفاتهِ لا تؤخذ إلا من الكتاب والسُنة.ولا تؤخذ من إجماع السلف؟ لأن إجماعٌ من السلف لايمكن أن يكون مبنيًا على غير الكتاب والسُنة أبدًا. وحينئذٍ فالمرجع هو الكتاب والسُنة ، لأن العلم بالأسماء والصفات العلم بهما من باب العلم بالخبر، وليست هي أحكامًا يدخل فيها القياس حتى نقول ؛ربما يكون إجماعٌ عن قياس، ولكنها أمورٌ تُدرك بالخبر، وحينئذٍ لا يمكن أن يوجد إجماع؛ إلا مستندًِا إلى خبر من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فالمرجع إذًا في إثبات الأسماء والصفات إلى الكتاب والسنة .لكن أحيانًا لانطلع على دليل الكتاب والسنة ؛ لكن نطلع على الإجماع .فنقول إن الإجماع هنا لابد أن يكون مستندًا إلى الكتاب والسنة.
*المتن*
وعلى هذا فما ورد إثباته لله تعالى من ذلك في الكتاب أو السنة وجب إثباته، وما ورد نفيه فيهما وجب نفيه، مع إثبات كمال ضده، وما لم يرد إثباته ولا نفيه فيهما وجب التوقف في لفظه فلا يثبت ولا ينفى لعدم ورود الإثبات والنفي فيه.
وأما معناه فيفصل فيه، فإن أريد به حق يليق بالله تعالى فهو مقبول. وإن أريد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب رده.
*الشرح*
القاعدة مفهومة. مادمنا نعتمد في الإثبات والنفي على الكتابوالسُنة؛ فما وردإثباته وجب إثباته وماورد نفيه وجب نفيه مع إثبات كمال ضده.فالظلم وردَ نفيه؛ فيُنفى عن الله الظلم مع إثبات كمال ضده وهو- كمال العدل. والبصر ورد إثباته فيجب علينا إثباته.
وهناك أشياء تنازع فيها المتأخرون لأنها مما أحدِث من علم الكلام. تنازع المُتأخرون فيها فمنهم من نفاها ومنهم من أثبتها ، والصواب أن نتوقف في اللفظ ونستفصل في المعنى، فاللفظ لانثبته ولاننفيه؛ والمعنى نستفصل عنه ؛ هذا إن لم يكن ذلك الاسم دالاً على نقصٍ؛ فيجب علينا نفيه بكل حال. أما إذا كان محتَمِلاً فإننا نتوقف في لفظه ونستفصل عن معناه.

*المتن*
فمما ورد إثباته لله تعالى: كل صفة دل عليها اسم من أسماء الله تعالى دلالة مطابقة، أو تضمن، أو التزام.
ومنه كل صفة دل عليها فعل من أفعاله كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين عباده يوم القيامة، ونحو ذلك من أفعاله التي لا تحصى أنواعها فضلاً عن أفرادها "وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ"إبراهيم : 27.
ومنه: الوجه، والعينان، واليدان ونحوها.
ومنه :الكلام، والمشيئة، والإرادة بقسميها: الكوني، والشرعي. فالكونية بمعنى المشيئة، والشرعية بمعنى المحبة.
ومنه :الرضا، والمحبة، والغضب، والكراهة ونحوها.
ومما ورد نفيه عن الله سبحانه لانتفائه وثبوت كمال ضده: الموت، والنوم، والسِنَة، والعجز، والإعياء، والظلم، والغفلة عن أعمال العباد، وأن يكون له مثيل أو كفؤ ونحو ذلك.

ومما لم يرد إثباته ولا نفيه لفظ "الجهة" فلو سأل سائل هل نثبت لله تعالى جهة؟
قلنا له: لفظ الجهة لم يرد في الكتاب والسنة إثباتًا ولا نفيًا، ويغني عنه ما ثبت فيهما من أن الله تعالى في السماء. وأما معناه فإما أن يراد به جهة سفل أو جهة علو تحيط بالله أو جهة علوعلو لا تحيط به.
فالأول باطل لمنافاته لعلو الله تعالى الثابت بالكتاب والسنة، والعقل والفطرة، والإجماع.
والثاني باطل أيضًا؛ لأن الله تعالى أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته.
والثالث حق؛ لأن الله تعالى العلي فوق خلقه ولا يحيط به شيء من مخلوقاته.
*الشرح*
فمما ورد فيه النزاع"الجهة".
فهل اللهُ في جهة؟ الجواب: الجهات إما عُلوأو سُفل. والعُلو إما أن يُحيط بالله أولايُحيط به.فإن أردت بالجهة جهة السُفل –كما يقول من يقول:إن الله تعالى في كل مكان بذاته- ؛فهذا باطلٌ بلاشكٍ، لأنه مُخالفٌ لما ثبتَ من عُلوهِ الدال على كماله.
وإن أردتَ أنه في جهةٍ تُحيط ُبه ؛جهةٍ عُليا لكن تُحيط ُبه؛-حوله الجدران وفوقه السقف وما أشبه ذلك - فهذا باطلٌ لأن اللهَ تعالى لا يُحيط ُبه شيءٌ من مخلوقاته.
وإن أردت جهة عُلوٍ لا تُحيط ُبه بل هي عدمٌ ،مافوقه شيءٌ ولاعن يمينه ولاعن شماله شيءٌ.فكل ما هو فوق فهو عدم.يعني مافي شيءٌ من المخلوقات ،فهذه جهة عُلو لاتُحيط ُبه ، فهذا حقٌ ، لأن الله-سبحانه وتعالى-فوق كل شيء.لايحاذيه شيء من مخلوقاته أبدًا ؛فكل شيء هو تحته سبحانه .إذن هذه جهة علو لكن بدون إحاطة يعني بدون أن يُحيط َبه شيءٌ من المخلوقات وهذا حقٌ . والدليل على ذلك أي على علو الله بذاته من كتاب الله وسُنة رسوله وإجماع الصحابة والعقل والفطرة.
*المتن*
ودليل هذه القاعدة السمع والعقل.
فأما السمع فمنه قوله تعالى"وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"الأنعام 155، وقوله: "فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" الأعراف 158، وقوله"وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" الحشر 7، وقوله"مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا" النساء 80، وقوله: "فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" النساء 59، وقوله: "وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ" المائدة 49.
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على وجوب الإيمان بما جاء في القرآن والسنة.
وكل نص يدل على وجوب الإيمان بما جاء في القرآن ؛فهو دال على وجوب الإيمان بما جاء في السنة؛ لأن مما جاء في القرآن الأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والردَّ إليه عند التنازع. والرد إليه يكون إليه نفسهِ في حياته وإلى سنته بعد وفاته.
فأين الإيمان بالقرآن لمن استكبرعن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم المأمور به في القرآن؟
وأين الإيمان بالقرآن لمن لم يرد النزاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أمر الله به في القرآن؟
وأين الإيمان بالرسول الذي أمر به القرآن لمن لم يقبل ما جاء في سنته؟
ولقد قال الله تعالى"وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" النحل 89. ومن المعلوم أن كثيراً من أمور الشريعة العلمية والعملية جاء بيانها بالسنة، فيكون بيانها بالسنة من تبيان القرآن.
*الشرح*
هذا كله يدل على أن ماجاء في السُنة من ذلك فهو كما جاء في القرآن سواءً بسواءٍ.
رد مع اقتباس