عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 09-07-2018, 05:49 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
Post

"إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ"الملك:12.
= لما ذكر سبحانه حالة الأشقياء الفجار، ذكر حالة السعداء الأبرار فَعَقَّبَ الرهبة بالرغبة ،أي لما ذكر سبحانه ما أعد للكافرين المعرضين عن خشية الله وهذا ترهيب ؛ أعقبه بما أعد للذين يخشون ربهم بالغيب من المغفرة والثواب وهذا ترغيب. .
فقال" إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ" أي: في جميع أحوالهم، حتى في الحالة التي لا يطلع عليهم فيها إلا الله، فلا يُقْدِمُونَ على معاصيه، ولا يقصرون فيما أمر به.
هؤلاء الذين يخشون ربهم بالغيب، يعبدون الله بأعلى درجات العبادة وهي الإحسان:

وهذا لا يتمُّ للعبد إلَّا إذا كان شعوره قويًّا بخشية الله بالغيب، وبمراقبة الله عزَّ وجلَّ حتى كأنَّه يراه تعالى ويشاهده، أو على الأقلِّ يشعر نفسه بأنَّ الله تعالى مطَّلع عليه، وناظرٌ إليه، وهذا ما أرشد إليه الرَّسول صلى الله عليه وسلم في قوله"الإحْسَان أن تعبد الله كأنَّك تراه ،فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك".

المقام الأول للإحْسَان: أن تعبد الله كأنَّك تراه وهو أعلاهما.
وفي هذا المقام: تعبُد اللهَ عبادةَ مَن يرى اللهَ تعالى، ويراه اللهُ تعالى؛فإذا استشعرت ذلك فإنَّك لا تستبقي شيئًا مِن الخضوعِ والخشوعِ والإخلاصِ، وحفظِ القلبِ والجوارحِ، ومراعاةِ الآدابِ الظَّاهرةِ والباطنةِ في كل أمورك وتحقق العبودية بحقها مع كل نَفَس .
المقام الثاني. :للإحْسَان:فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك.
فإن عجَز عن المقام الأول وشقَّ عليه انتقَل إلى مَقامٍ آخرَ، وهو أن يعبُدَ اللهَ على أنَّ اللهَ يراه ويطَّلِعُ على سِرِّه وعلانيتِه، ولا يَخفى عليه شيءٌ مِن أمرِه.

هؤلاء :الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ،لهم البشارة بالمغفرة وبالأجر الكبير:
" لَهُمْ مَغْفِرَةٌ" لهم مغفرة لذنوبهم،وقدم المغفرة تطمينًا لقلوبهم لأنهم يخشون المؤاخذة على ما وقعوا فيه من المعاصي ومن اللمم ونحوه ،وإذا غفر الله ذنوبهم؛ وقاهم شرها، ووقاهم عذاب الجحيم.
ثم أعقبت بالبشارة"
وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " البشارة بالأجر الكبير وهو ما أعده لهم في الجنة، من النعيم المقيم، والملك الكبير، واللذات المتواصلات، والمشتهيات، والقصور العاليات، والحور الحسان، والخدم والولدان.
وأعظم من ذلك وأكبر، رضا الرحمن، الذي يحله الله على أهل الجنة.تفسير السعدي و تفسير ابن عاشور .
فكان الكلامُ جاريًا على قاعدة تقديم التخلية على التحْلية ، أو تقديم دفع الضُّر – ضُر الذنوب بمغفرتها برحمته -على جلب النفع وهو الأجر الكبير، والوصف بالكبير بمعنى العظيم نظير ما تقدم آنفًا في قوله "إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ"الملك : 9 .
وتنكير "مَغْفِرَةٌ" للتعظيم بقرينة مقارنته ب "أَجْرٌ كَبِيرٌ"وبقرينة التقديم .تفسير ابن عاشور.
وأهم ما يميز الإنسان هو أن الله سبحانه وتعالى أعطاه عقلاً، و بهذا العقل يستطيع أن يعرف حقيقةً غائبةً عن حواسِّه، فالحيوان أعطاه الله حواسّ إلا أنه يرى بهذه الحواس محيطَهُ فقط، أما الإنسان فقد أعطاه الله حواسًا يرى بها محيطه، وأعطاه عقلاً وقلبًا يكْشِفُ له ما غَيَّبه عن حواسِّه، و هذه ميزةٌ كبيرةٌ للإنسان، فالله سبحانه وتعالى لا تُدركه الأبصار،فمعرفة الله سبحانه تكون بالعقل والقلب معًا، فالتفكر في مخلوقات الله يكون بالعقل، ثم ينتقل من دائرة العقل إلى دائرة اليقين بالقلب، وقد قَرَنَتِ الآياتُ القرآنية التفكر في خلق السماوات والأرض -وهذا يكون بالعقل- بالتوجه القلبي لذكر الله وعبادته.فقال الله تعالى"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"آل عمران:190-191.
وقال صلى الله عليه وسلم:
"ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً : إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ ."الراوي : النعمان بن بشير - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 52-خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
الشرح:
فهذه كلمةٌ جامعةٌ لصلاحِ حركاتِ بني آدَمَ وفسادِها، وأنَّ ذلك كلَّه بحسَبِ صلاحِ القلب وفسادِه، فإذا صلَح القلبُ صلَحَت إرادتُه، وصلَحَت جميعُ الجوارحِ، فلم تنبعِثْ إلَّا إلى طاعةِ اللهِ، واجتنابِ سَخَطِه، فقنِعَتْ بالحلالِ عنِ الحرامِ، وإذا فسَد القلبُ فسَدَت إرادتُه، ففسَدَتِ الجوارحُ كلُّها، وانبعثَتْ في معاصي الله عزَّ وجلَّ، وما فيه سَخَطُه، ولم تقنَعْ بالحلالِ، بل أسرَعَتْ في الحرامِ بحسَبِ هوى القلبِ ومَيلِه عنِ الحقِّ. - الدرر السنية-
فهذا القلب تتجاذبه قوتان «قوة الهوى» وما تميل إليه النفس وتشتهي، وقوة «الإيمان» أو التصديق والاطمئنان بما في العقل من أفكار وقناعات، والأقوى منهما وقت اتخاذ القرار هو الذي يستولى على الإرادة، ويوجه القرار لصالحه،فعندما يسمع المسلم أذان الفجر ويريد أن ينهض من نومه للصلاة فإن صراعًا ينشب داخله، بين إيمانه بأهمية وضرورة القيام لصلاة الفجر وبين هوى نفسه وحبها للراحة والنوم وعدم التعرض للمشقة، فإن استيقظ فإنما أيقظه إيمانه الذي كان أقوى من الهوى في هذه اللحظة، وإن نام فإنما أنامه هواه الذي كان أقوى من إيمانه في هذه اللحظة.
فلنقوي إيمانَنَا ونسقي شجرة الإيمان في قلوبنا ،وهذه بعض وسائل الثبات على الحق وزيادة الإيمان المورِّث لخشية الله.
مرافقة الأخيار:
"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " الكهف:28 .
=الدعاء:
- إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُمْ كَما يَخلَقُ الثّوبُ ، فاسْألُوا اللهَ تعالَى : أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلوبِكمْ"الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 1590 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر السنية-
اللهم جدد الإيمان في قلوبنا.
=الذكر: فإن المدومة على ذكر الله يغرس شجرة الإيمان في القلب، ويغذيها وينميها. إن الإنسان كلَّما ارتقى خاف بعقله، وكلَّما هبط مستواه خاف بحواسِّه، فالإنسان حينما يرى الخطر أمامه بعينه يخافه، أما الإنسان العاقل هو الذي يُدرِك الخطر البعيد فيخشاه في الوقت المناسب
*الفرق بين الخشية والخوف:

فالخشية هي خوف الله عز وجل المقرون بالهيبة والتعظيم ولا يصدر ذلك إلا من عالم بالله .
وأما الخوف فهو خوف مجرد ذعر يحصل للإنسان ولو بلا علم، ولهذا قد يخاف الإنسان من شيء يتوهمه، قد يرى في الليلة الظلماء شبحًا لا حقيقة له فيخاف منه، فهذا ذعر مبني على وهم، لكن الخشية تكون عن علم.
«الخشية» تكون لعظم المخشيّ؛ و«الخوف» لضعف الخائف وإن كان المخوف ليس بعظيم،فكل خشية خوف وليس كل خوف خشية ولهذا يخاف الإنسان من الأسد ولكنه لا يخشاه أما الله عز وجل فإن الإنسان يخاف منه ويخشاه قال الله تعالى"فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ " المائدة 44
وإن المؤمن في هذه الحياة لا غنى له عن أمرين؛ حتى يلقى الله - تعالى - الخوف والرجاء، فهو يحب ربه ويرجوه، ويخافه ويخشاه ولا يعصيه، وهما جناحان لا غنى للعبد عنهما، كجناحي الطائر إذا استويا، استوى الطير وتمَّ طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت.
"صنَع النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيئًا فرخَّص فيه، فتَنَزَّه عنه قَومٌ، فبلَغ ذلك النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فخطَب فحمِد اللهَ ثم قال "ما بالُ أقوامٍ يتنَزَّهونَ عن الشيءِ أصنعُه، فواللهِ إني لأعلمُهم باللهِ، وأشدُّهم له خَشيَةً"
الراوي : عائشة أم المؤمنين المحدث : البخاري المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6101- خلاصة حكم المحدث : صحيح-
«صَنَع»، أي: عَمِل «النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم شيئًا فرخَّص فيه، فتنزَّه عنه قومٌ»، أي: تَباعَدوا واحْترَزُوا عنه صِيانةً لدِينهم في ظنِّهم، «فبَلَغ ذلك النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فخَطَب» الناسَ لِتَعُمَّ الفائدةُ «فحَمِد اللهَ تعالى، ثُمَّ قال: ما بَالُ أقوامٍ»، أي: ما حالُهم؟ ولم يُسمِّهم سَترًا عليهم وتأليفًا لهم، «يَتنَزَّهون عن الشَّيءِ أَصنَعُه؟!» فإنْ كان هذا منهم لأمرٍ شرعيٍّ «فواللهِ إنِّي لَأعلَمُهم بالله»؛ لأنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم هو رسولُه والمخبِر عنه، «وأشدُّهم له»، أي: أكثرُهم لله «خَشْيَةً»، والخَشيةُ: هي الخوفُ مع مع العِلم، فلمْ يَبْقَ لهم عُذرٌ في تَرْكِ ما صَنَع نَبِيُّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
في الحديثِ:رِفقُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأُمَّتِه، وعدَمُ مواجهتِه بالعِتابِ لِمَن يُعاتِبُه.
وفيه: خُطورةُ التنقُّصِ مِمَّا ثَبَت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِعلًا وتركًا.
وفيه: أنَّ العِلمَ باللهِ والخشيةِ منه هي ما يُجنِّب المُسلِمَ الزَّلَلَ والضَّلالَ.الدرر السنية
ولقد جاء في السنة موقف من مواقف تعليم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأُمَّته عن هذين الأمرين؛ لكي يقف العبد عندهما ويجعلهما نُصْب عينيه، فلا يغفل عنهما؛ فعن أنس - رضي الله عنه"أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ دخلَ على شابٍّ وَهوَ في الموتِ فقالَ "كيفَ تجدُكَ" قالَ واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أرجو اللَّهَ وإنِّي أخافُ ذنوبي فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ "لا يجتَمِعانِ في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطِنِ إلَّا أعطاهُ اللَّهُ ما يرجو وآمنَهُ ممَّا يخافُ"
الراوي : أنس بن مالك-المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 983 -
خلاصة حكم المحدث : حسن.
وكلما زاد خوف العبد من ربِّه، زاد عمله، وقل عُجْبه، وقلت معصيته، وكلما قلَّ خوف العبد من ربِّه، نقص عمله، وزاد عجبه، وكثرت معصيته.

فالخوف صفة بارزة من صفات عباد الله الصالحين، لا غنى لهم عنها في مسيرهم إلى الله – تعالى - فتراهم يؤدون حقوق الله، وهم خائفون وجلون من عدم قبولها.فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت"سألتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ عن هذِهِ الآيةِ "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ" قالت عائشةُ : أَهُمُ الَّذينَ يشربونَ الخمرَ ويسرِقونَ قالَ"لا يا بنتَ الصِّدِّيقِ ، ولَكِنَّهمُ الَّذينَ يصومونَ ويصلُّونَ ويتصدَّقونَ ، وَهُم يخافونَ أن لا تُقبَلَ منهُم"أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ"الراوي : عائشة أم المؤمنين-المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3175-خلاصة حكم المحدث : صحيح.
خطَب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطبةً ما سمِعتُ مثلَها قَطُّ قال" لو تَعلَمونَ ما أعلَمُ لضَحِكتُم قليلًا ولبَكيتُم كثيرًا " .قال فغطَّى أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجوهَهم لهم خَنينٌ ، فقال رجلٌ : من أبي ؟ قال " فلانٌ " .فنزَلَتْ هذه الآيةُ"لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .
الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-
الصفحة أو الرقم: 4621
- خلاصة حكم المحدث : صحيح
وفي الحديثِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهِ عليه وسلَّم أعظمُ النَّاس خَشيةً لربِّه؛ لأنَّ خَشيةَ اللهِ إنَّما تكونُ على مِقدارِ العِلمِ بِه، ولمَّا لم يَعلمْ أحدٌ كعِلمِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، لم يَخشَ كخَشيتِه.
وفيه:فضلُ الصَّحابةِ وبُكاؤُهم عندَ موعظةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ لهم.
وفيه:النَّهيُ عن كَثرةِ السُّؤالِ وتَكلُّفِ ما لا يَعْنِي.الدرر السني
" لو تَعلَمونَ ما أعلَمُ لضَحِكتُم قليلًا ولبَكيتُم كثيرًا " أي: لو أنكم علمتم ما أعلمه من عظمة الله عز وجل، وانتقامه ممن يعصيه، لطال بكاؤكم وحزنكم وخوفكم مما ينتظركم، ولما ضحكتم أصلاً، فالقليل هنا بمعنى المعدوم، وهو مفهوم من السياق. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب

ولقد بلغ سلفنا الصالح مبلغًا عظيمًا في هذا الباب من شدة خوفهم من الله - تعالى -
رُوي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال "لو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحدًا، لخفت أن أكون أنا هو"؛ "التخويف من النار"؛ لابن رجب، ص :17. فانظروا لهذا الخليفة الراشد، وقد شهد له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالجنة يقول أنه يخاف ألا يكون من أهل الجنة، فماذا نقول نحن وقد قصرت بنا أعمالنا، وغلبت علينا الذنوب والمعاصي، ونحن نأمل دخول الجنة مع التقصير في العمل ومحبة طول الأمل
ورُوي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: "كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه، فقال لي: ضع رأسي، قال: فوضعته على الأرض، فقال: "ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي"
ورُوي أن أبا هريرة - رضي الله عنه - بكى في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: "أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بُعد سفري، وقِلَّة زادي، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يُؤخذ بي"
ونحن والله في أشد الحاجة لمثل هذا الكلام أن نستشعره في قلوبنا، فإذا كان هذا الصحابي الجليل وصاحب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والحافظ لكثير من أحاديثه، يقول هذا الكلام، فما نقول نحن وقد قلَّت طاعتنا، وكثرت ذنوبنا، فإلى الله المشتكى من أحوالنا.
ورُوي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس في أصل جبل، يخشى أن ينقلب عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه، فقال به هكذا"، ولو نظر كل منَّا لنفسه وحاسبها، لوجد أنه يقع في كثير من المعاصي وهو لا يشعر، وهذا من الغفلة العظيمة عن محاسبة النفس.
ورُوي أن علي بن الحسينكان إذا توضأ اصفرَّ وتغيَّر، فيقال: مالك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟
فكيف به لو نظر لحال بعضنا الآن وهم داخلون إلى الصلاة في ضحك وسواليف، وانشغال بالدنيا! بل يدخل الواحد منَّا إلى الصلاة ويخرج، ولم يخشع قلبه أو تدمع عينه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ " المؤمنون: 57 – 61.
وقيل "أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله - عزَّ وجلَّ - وكل قلب ليس فيه خوف، فهو قلب خرب".الألوكة

الخوف من الله وثمراته
هذه بعض الثمرات التي قد ينالها المرء من مخافة الله عز وجل . فمن ثمرات الخوف من الله :
-
يظله الله يوم لا ظل إلا ظله:
" سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ : إمامٌ عدلٌ ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ ، فقال : إني أخافُ اللهَ ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ ".الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري -المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 1423 - خلاصة حكم المحدث : صحيح

-سبب للنجاة من كل سوء:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-" ثلاثٌ كفَّاراتٌ ، و ثلاثٌ درجاتٌ ، و ثلاثٌ مُنجِياتٌ ، و ثلاثٌ مُهلِكاتٌ ؛ فأما الكفَّاراتُ ، فإسباغُ الوُضوءِ في السَّبَرَاتِ ، و انتِظارُ الصَّلاةِ بعد الصَّلاةِ ، و نقلُ الأقدامِ إلى الجَماعاتِ ، وأمَّا الدَّرجاتُ فإطعامُ الطعامِ ، وإفشاءُ السلامِ ، والصَّلاةُ باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ ، و أمَّا المنجِياتُ ، فالعَدلُ في الغَضبِ و الرِّضَا ، و القَصدُ في الفقرِ والغِنَى ، و خَشيةُ اللهِ في السِّرِّ و العَلانيةِ ، و أمَّا المهلِكاتُ ، فشُحٌّ مُطاعٌ ، و هوًى مُتَّبَعٌ ، و إعجابُ المرءِ بنَفسِه"الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب -الصفحة أو الرقم: 453 - خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره.
"إسباغُ الوُضوءِ في السَّبَرَاتِ"والإسباغ: هو الإحسان وموافقة السنة. السَّبَرَاتِ أي المكاره, عندما يثقل الوضوء على العبد بسبب البرد, أو الكسل عنه, فإنه يعظم أجره, ولذلك صارت المحافظة على الوضوء لكل صلاة من علامات الإيمان, حتى لو كان المسلم على طهارة, لقوله صلى الله عليه وسلم"استَقيموا ولن تُحصوا واعلَموا أنَّ مِن أفضلِ أعمالِكُمُ الصَّلاةَ ،ولا يحافظُ علَى الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ"الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه- الصفحة أو الرقم: 227 - خلاصة حكم المحدث : صحيح

"استَقيموا ولن تُحصوا"ولن تستطيعوا أن تحصوا ثواب الاستقامة .خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان
"انتِظارُ الصَّلاةِ بعد الصَّلاةِ"، وذلك أن في انتظار الصلاة بعد الصلاة دلالة على تعلق قلب والمراد بها تعلق القلب بالصلاة والمسجد, كلما فرغ من فريضة تعلق قلبه بالتي بعدها, فتجده مشغولاً بهذه العبادة قلباوقالبا, فكره مشغول بها, وبدنه مشغول بأدائها, والمواظبة عليها.

-
ثناء الله عليهم:

قال تعالى "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"السجدة:16-17.
ترتفع جنوب هؤلاء الذين يؤمنون بآيات الله عن فراش النوم, يتهجدون لربهم في صلاة الليل, يدعون ربهم خوفًا من العذاب وطمعًا في الثواب, ومما رزقناهم ينفقون في طاعة الله وفي سبيله.التفسير الميسر
وقال تعالى"أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ "الزمر9 .

-
حصول المغفرة الموجبة لدخول الجنة:

كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال"كان رجلٌ يُسْرِفُ على نفسِه ، فلمَّا حضَرَه الموتُ قال لبنيه : إذ أنا مِتُّ فأحرِقوني ، ثمَّ اطحَنوني ، ثمَّ ذُرُّوني في الرِّيحِ ، فواللهِ لئن قدَر عليَّ ربِّي ليُعَذِّبَنِّي عذابًا ما عذَّبه أحَدٌ ، فلمَّا مات فُعِلَ به ذلك ، فأمَر اللهُ الأرضَ فقال : اجمَعي ما فيك منه ، ففعَلَتْ ، فإذا هو قائمٌ ، فقال : ما حمَلَك على ما صنَعْتَ ؟ قال : يا ربِّ خشيتُك ، فغفَر له. وقال غيرُه : مخافتُك يا ربِّ"الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3481 - خلاصة حكم المحدث :صحيح.
وعن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" يعجَبُ ربُّكم مِن راعي غنمٍ في رأسِ شظيَّةٍ بجبلٍ ، يؤذِّنُ بالصَّلاةِ ، ويصلِّي ، فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: انظروا إلى عبدي هذا يؤذِّنُ ، ويقيمُ الصَّلاةَ ، يخافُ منِّي ، قد غفَرتُ لعبدي وأدخلتُهُ الجنَّةَ"الراوي : عقبة بن عامر- المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود -الصفحة أو الرقم: 1203- خلاصة حكم المحدث : صحيح
- ومن أعظم فضائل الخوف: حصول الأمن في الآخرة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم"قال اللهُ عزَّ وجلَّ ، و عزَّتي لا أَجْمَعُ لعبدي أَمْنَيْنِ و لا خَوْفَيْنِ ، إنْ هو أَمِنَنِي في الدنيا أَخَفْتُهُ يومَ أَجْمَعُ فيهِ عبادِي ، و إنْ هو خَافَنِي في الدنيا أَمَّنْتُهُ يومَ أَجْمَعُ فيهِ عِبادِي"الراوي : شداد بن أوس - المحدث : الألباني - المصدر : السلسلة الصحيحة-الصفحة أو الرقم: 742 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
رد مع اقتباس