عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-28-2019, 08:50 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
Arrow الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ

"الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ"

النجم/ 32 .
الحمد لله
هذه الآية الكريمة في سورة النجم ، وهي تذكر صفات المحسنين الذين هم أهل الجنة ، قال الله تعالى "وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ" النجم/31، 32 .
وقد اختلف المفسرون والأئمة في معنى اللَّمَمَ على أقوال ، منها :
1- روي عن جماعة من السلف : أنه الإلمام بالذنب مرة ، ثم لا يعود إليه ، وإن كان كبيرًا ، قال البغوي : هذا قول أبي هريرة ، ومجاهد ، والحسن ، ورواية عن ابن عباس .
2- وقال سعيد بن المسيب : اللَّمَمَ :هو ما ألم بالقلب . أي ما خطر عليه .
3- وقال الحسين بن الفضل : اللَّمَمَ : النظر من غير تعمد ، فهو مغفور ، فإن أعاد اللمم : فليس بلمم ، وهو ذنب .
4- وذهبت طائفة إلى أن اللَّمَمَ: ما فعلوه في الجاهلية قبل إسلامهم ، فالله لا يؤاخذهم به ، وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين : أنتم بالأمس كنتم تعملون معنا ، فأنزل الله هذه الآية ، وهذا قول زيد بن ثابت ، وزيد بن أسلم .
5- وذهب جمهور العلماء إلى أن "اللَّمَمَ" هو صغائر الذنوب .
روى البخاري :6243: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا ، أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ" .
قَالَ الرَّاغِب : اللَّمَمَ: مُقَارَفَة الْمَعْصِيَة ، وَيُعَبَّر بِهِ عَنْ الصَّغِيرَة .
وقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُرَاد بِاللَّمَمَ مَا ذَكَرَهُ اللَّه فِي قَوْله تَعَالَى " الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ " وَهُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ . وَقَالَ فِي الآيَة الأُخْرَى "إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ " فَيُؤْخَذ مِنْ الآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّمَمَ مِنْ الصَّغَائِر وَأَنَّهُ يُكَفَّر بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِر اهـ .
وذكر النووي رحمه الله كلام الخطابي ثم قال :
" هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي تَفْسِير اللَّمَم , وَقِيلَ : أَنْ يُلِمّ بِالشَّيْءِ وَلا يَفْعَلهُ , وَقِيلَ : الْمَيْل إِلَى الذَّنْب . وَلا يُصِرّ عَلَيْهِ , وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِظَاهِرٍ . وَأَصْل اللَّمَم وَالإِلْمَام الْمَيْل إِلَى الشَّيْء وَطَلَبَهُ مِنْ غَيْر مُدَاوَمَة . وَاَللَّه أَعْلَم " اهـ .
قال الحافظ :
وَمُحَصَّل كَلَام اِبْن عَبَّاس تَخْصِيصه بِبَعْضِهَا" يعني : تخصيص اللَّمَم ببعض الذنوب الصغار" , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَة اللَّمَم أَوْ فِي حُكْم اللَّمَم . اهـ .
وروى الترمذي :3284: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما " الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ ". قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" إِنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لا أَلَمَّا" . صححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال في تحفة الأحوذي :
اخْتَلَفَت أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ اللَّمَمِ ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ صَغَائِرُ الذُّنُوبِ . . وَهو الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ. اهـ .
وقال القرطبي رحمه الله :
‏"إِلَّا اللَّمَمَ" وهي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله وحفظه. اهـ .
وقال ابن جرير :
" وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال "إِلَّا" بمعنى الاستثناء المنقطع، ووجه معنى الكلام " الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ " بما دون كبائر الإثم ، ودون الفواحش الموجبة للحدود في الدنيا ، والعذاب في الآخرة ، فإن ذلك معفو لهم عنه ، وذلك عندي نظير قوله جل ثناؤه "إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا" النساء/31 . فوعد جل ثناؤه باجتناب الكبائر ، العفو عما دونها من السيئات ، وهو اللمم الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم "العينان تزنيان ، واليدان تزنيان ، والرجلان تزنيان ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه" وذلك أنه لا حد فيما دون ولوج الفرج في الفرج ، وذلك هو العفو من الله في الدنيا عن عقوبة العبد عليه ، والله جل ثناؤه أكرم من أن يعود فيما قد عفا عنه ". اهـ
وقد ورد في السنة الصحيحة إطلاق اللَّمَم على من يعمل الذنوب المرة ونحوها ، ولم يداوم على ذلك .
وهو موافق لمعنى اللَّمَم في اللغة .
ففي حديث الإفك :
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنْ كُنْت أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّه " رواه البخاري :2661، ومسلم :2770 .
قال النووي : مَعْنَاهُ : إِنْ كُنْت فَعَلْتِ ذَنْبًا وَلَيْسَ ذَلِكَ لَكِ بِعَادَةٍ , وَهَذَا أَصْل اللَّمَم. اهـ .
وقد جمع السعدي رحمه الله في تفسيره بين المعنيين ، فقال :ص 976 :
" الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ " أي : يفعلون ما أمرهم الله به من الواجبات التي يكون تركها من كبائر الذنوب ، ويتركون المحرمات الكبار من الزنا وشرب الخمر وأكل الربا والقتل ونحو ذلك من الذنوب العظيمة "إِلا اللَّمَمَ" وهو الذنوب الصغار التي لا يصر صاحبها عليها ، أو التي يُلِم العبد بها المرة بعد المرة على وجه الندرة والقلة ، فهذه ليس مجرد الإقدام عليها مخرجًا للعبد من أن يكون من المحسنين ، فإن هذه مع الإتيان بالواجبات وترك المحرمات تدخل تحت مغفرة الله التي وسعت كل شيء ، ولهذا قال " إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ " فلولا مغفرته لهلكت البلاد والعباد ، ولولا عفوه وحلمه لسقطت السماء على الأرض ، ولما ترك على ظهرها من دابة ، ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ " اهـ .
وليس معنى الآية الإذن لهم في ارتكاب "اللَّمَم" وهي الصغائر ، بل المعنى : أنهم يجتنبون الكبائر ، ثم ما وقع منهم من الصغائر - على سبيل الزلة والخطأ - فإنه يقع مغفورًا لهم باجتنابهم الكبائر .
والله تعالى أعلم .

المصدر: الإسلام سؤال وجواب


رد مع اقتباس