عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 03-13-2019, 10:54 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
Arrow

"تَحَمَّلْتُ حَمالَةً، فأتَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أسْأَلُهُ فيها، فقالَ: أقِمْ حتَّى تَأْتِيَنا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لكَ بها، قالَ: ثُمَّ قالَ" يا قَبِيصَةُ إنَّ المَسْأَلَةَ لا تَحِلُّ إلَّا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمالَةً، فَحَلَّتْ له المَسْأَلَةُ حتَّى يُصِيبَها، ثُمَّ يُمْسِكُ، ورَجُلٌ أصابَتْهُ جائِحَةٌ اجْتاحَتْ مالَهُ، فَحَلَّتْ له المَسْأَلَةُ حتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ، أوْ قالَ: سِدادًا مِن عَيْشٍ، ورَجُلٌ أصابَتْهُ فاقَةٌ حتَّى يَقُومَ ثَلاثَةٌ مِن ذَوِي الحِجا مِن قَوْمِهِ: لقَدْ أصابَتْ فُلانًا فاقَةٌ، فَحَلَّتْ له المَسْأَلَةُ حتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ، أوْ قالَ سِدادًا مِن عَيْشٍ، فَما سِواهُنَّ مِنَ المَسْأَلَةِ يا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُها صاحِبُها سُحْتًا.

الراوي : قبيصة بن مخارق الهلالي - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم
- الصفحة أو الرقم: 1044 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
*الشرح
هذا الحديثُ يوضِّح جانبًا عملِيًّا مِن التربِيَةِ النبويَّةِ للمسلمين على العِفَّةِ وعِزَّةِ النفسِ، وعدمِ سؤالِ الناسِ إلَّا في الحالاتِ التي بيَّنها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للصَّحابِيِّ الذي جاء يَستَعِينُه بعدَ أن تحمَّل على نفسِه بمالٍ لِيُصْلِحَ بينَ الناسِ، فأعانَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّه مِمَّن يَحِقُّ له السؤالُ ويَستَحِقُّ الصَّدقَةَ.
وهذا الحديثُ له مقدِّمةٌ توضيحيَّةٌ تُبيِّن السببَ المُلجِئَ الذي أَجْبَرَ الصحابِيَّ على طلبِ العَوْنِ مِنَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال الصحابيُّ: "تَحمَّلْتُ حَمالَةً"، أي: تَكفَّلْتُ دَينًا، والحَمالَةُ: هي المالُ الذي يَتحمَّلُه الإنسانُ، أي: يَستَدِينُه ويَدْفَعُه في إصلاحِ ذاتِ البَيْنِ، كالإصلاحِ بينَ قَبِيلَتَيْنِ، ونحو ذلك.
"فأَتَيْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أَسْأَلُهُ فيها، فقال: أَقِمْ حتَّى تَأتِيَنا الصَّدَقةُ، فنَأمُرَ لكَ بها"، أي: ذهَبْتُ أطلُب مِن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم العَوْنَ على الحَمالَةِ، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: انْتَظِرْ حتَّى تَأتِيَنا الصَّدقةُ مِن زَكَوَاتِ الناسِ فنُعْطِيَك منها، وإنَّما حلَّتْ له المسألةُ واستَحَقَّ أن يُعطَى مِن الزَّكاةِ؛ لأنَّه استَدانَ لغيرِ مَعْصِيَةٍ.
ثُمَّ قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم له موضِّحًا الأصنافَ التي تَحِلُّ لها أن تسألَ الناسَ: "يا قَبِيصَةُ، إنَّ المسألةَ لا تَحِلُّ إلَّا لأحدِ ثلاثةٍ"؛ الصِّنْفُ الأوَّلُ: "رَجُلٌ تحمَّلَ حَمالَةً فحَلَّتْ له المسألةُ حتَّى يُصِيبَها ثُمَّ يُمْسِكُ"، أي: مَن تَحمَّلَ دَينًا على نفسِه لِلإصلاحِ بينَ الناسِ، فهذا يَطلُب من الناسِ مالًا، "حتَّى يُصيبَها"، أي: يُصِيبَ ويَأخُذَ ما تَحمَّلَه مِنَ الحَمالَةِ، فيَأخُذ مِن الصدقةِ بقَدْرِها، "ثُمَّ يُمسِكُ"، أي: يُمسِكُ ويَمتَنِعُ عن المسألةِ والطلَبِ.
والصِّنفُ الثاني الذي تَحِلُّ له المسألةُ: "ورَجُلٌ أصابَتْه جَائِحَةٌ" الجائِحَةُ: الآفَةُ التي تُهلِكُ الثِّمارَ والأموالَ، وتَستأصِلُها، فمَن أصابَتْه الآفةُ السَّماوِيَّةُ، واستأصَلَتْ ثِمارَه أو أموالَه، "فحَلَّتْ له المسألةُ حتَّى يُصيبَ قِوَامًا مِن عَيْشٍ، أو قال: سِدَادًا من عَيْشٍ"، أي: حَلَّتْ له المسألةُ حتَّى يَحصُلَ على ما يقومُ بحاجتِه الضروريَّةِ، وما يتقوَّم به من العَيْشِ، والقِوَامُ والسِّدادُ: هما ما يُغنِي من الشيءِ، وما تُسَدُّ به الحاجةُ، وكلُّ شيءٍ يُسَدُّ به شيءٌ فهو سِدَادٌ.
والصِّنفُ الثالثُ الذي تَحِلُّ له المَسْأَلةُ: "ورَجُلٌ أصابَتْه فاقَةٌ حتَّى يَقُومَ ثلاثةٌ مِن ذَوِي الحِجَا مِن قومِه: لقد أصابَتْ فُلانًا فاقةٌ، فحلَّتْ له المسألةُ حتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِن عَيْشٍ، أو قال: سِدَادًا مِن عَيْشٍ"، أي: أصابَه الفَقْرُ الشديدُ، واتَّضَحَ وظَهَر "حتَّى يقومَ ثلاثةٌ مِن ذَوِي الحِجَا"، أي: حتَّى يَشْهَدَ ثلاثةٌ مِن قومِه مِن ذَوِي الفَهْمِ والعَقْلِ يقولون: "لقد أصابَتْ فُلانًا فاقةٌ" وقيَّدهم بِذَوِي العُقولِ تنبيهًا على أنَّه يُشترَطُ في الشَّهادةِ: التيقُّظُ، فلا تُقبَلُ من مُغَفَّلٍ، وجعَلهم من قومِه؛ لأنَّهم أعلمُ بحالِه.
وهؤلاءِ هم الذين تَحِلُّ لهم المسألةُ كما ورَد في الحديثِ، "فما سِوَاهُنَّ مِنَ المسألةِ -يا قَبِيصَةُ- سُحْتًا، يَأكُلُها صاحبُها سُحْتًا" السُّحْتُ: هو الحَرامُ الذي لا يَحِلُّ كَسْبُه؛ لأنَّه يُسحِتُ البَرَكَةَ، أي: يُذهِبُها.
وقولُه: "يَأكُلها صاحبُها سُحتًا" يُفِيدُ أنَّ آكِلَ السُّحتِ لا يَجِدُ لِلسُّحتِ الذي يَأكُله شُبهةً تَجعلُها مباحةً لنفسِه، بل يَأكُلها مِن جِهَةِ السُّحتِ والحرامِ.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن مسألةِ الناسِ إلَّا لِلضَّرورَةِ المُلجِئَةِ.
وفيه: بيانُ أصنافِ مَن تَحِلُّ لهم المسألةُ مع بيانِ الأسبابِ المُلجِئَةِ لذلك.
وفيه: أنَّ مَن أخَذَ أموالَ الناسِ بغيرِ حقٍّ فإنَّه يَأكُلُ سُحتًا وحَرامًا .

= الدرر =
"أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ علَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ له مِن أنْ يَأْتِيَ رَجُلًا، فَيَسْأَلَهُ أعْطَاهُ أوْ مَنَعَهُ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1470 - خلاصة حكم المحدث : صحيح=الدرر =

الشرح

يُقسِم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم باللهِ الَّذي رُوحُه بيدِه على أنَّ العملَ مهما يكُنْ نوعُه فهو أفضلُ مِن سؤالِ النَّاس وإراقةِ ماءِ الوجه لهم، وأنَّه مهما يكُنْ شاقًّا عنيفًا فهو أرحمُ مِن مَذلَّةِ السُّؤالِ.
في الحديثِ: التَّرغيبُ في السَّعيِ والعملِ، وطَرقِ الأسبابِ المشروعةِ لكَسْبِ الرِّزق بشرفٍ وكرامةٍ وعزَّةِ نفسٍ.
وفيه: مُحاربةُ الإسلام للتسوُّلِ والبَطالةِ؛ ولذلك أوجب السَّعيَ والعملَ، ولو كان شاقًّا؛ كالاحتطابِ مثلًا.

=الدرر =


سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فأعْطَانِي ثُمَّ قالَ: يا حَكِيمُ، إنَّ هذا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فمَن أَخَذَهُ بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ له فِيهِ، ومَن أَخَذَهُ بإشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ له فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ ولَا يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، قالَ حَكِيمٌ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ لا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شيئًا حتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، يَدْعُو حَكِيمًا إلى العَطَاءِ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ منه، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فأبَى أَنْ يَقْبَلَ منه شيئًا، فَقالَ عُمَرُ: إنِّي أُشْهِدُكُمْ يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ علَى حَكِيمٍ، أَنِّي أَعْرِضُ عليه حَقَّهُ مِن هذا الفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى تُوُفِّيَ.

الراوي : حكيم بن حزام - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 1472 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
الشرح
المالُ مِن فِتَنِ الحياةِ الدُّنيا التي يَنبغي لِلْمُؤمِن أنْ يَصُونَ نفسَه عنها، ويَحترِزَ مِن الوُقوعِ فيها.
وفي هذا الحديثِ: يُرشِد النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حَكِيمَ بنَ حِزَامٍ رضِي اللهُ عنه إلى الطَّرِيق الأَمْثَلِ لأخذِ المالِ، وذلك عندما سَأَله حَكِيمُ بنُ حِزَامٍ أن يُعطِيَه فأَعْطَاه ثلاثَ مراتٍ، ثُمَّ قال له صلَّى الله عليه وسلَّم «يا حَكِيمُ، إنَّ هذا المالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ»، أي: كالفَاكِهَةِ الخَضِرَةِ في المَنْظَرِ، الحُلْوَةِ في المَذَاقِ؛ ولذلك تَرْغَبه النُّفوسُ وتَمِيلُ إليه وتَحرِص عليه، «فمَنْ أَخَذه بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِك له فيه»، أي: مَن أَخَذه بغيرِ إِلْحَاحٍ في السُّؤالِ ولا طَمَعٍ ولا حِرْصٍ ولا إكراهٍ أو إحراجٍ للمُعطِي، كَثُر ونَمَا وكان رِزْقًا حَلالًا يَشْعُر بِلَذَّتِه، «ومَن أَخَذَه بإشرافِ نَفْسٍ لم يُبَارَكْ له فيه» يعني: مَن أَخَذه بإلحاحٍ في السؤالِ وتَطلُّعٍ لِمَا في أيدِي غيرِه وشِدَّةِ حِرْصٍ على تَحصِيلِه مع إكراهِ المُعطِي وإحراجِه، لم يكن له فيه بَرَكَةٌ، «وكان كالذي يَأكُل ولا يَشْبَع»، فلا يَقْنَع بما يَأْتِيه؛ فكُلَّما ازْدَادَ أَكْلًا ازْدَادَ جُوعًا، وكُلَّما جَمَع مِن المالِ شيئًا ازْدَادَ رغبةً في غيرِه وازداد شُحًّا وبُخْلًا بِما في يدِه وحِرصًا عليه. ثم قال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «اليَدُ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى»، أي: إنَّ الإنسانَ الذي يُعطِي خيرٌ مِن الإنسانِ الذي يَأخُذ. فلمَّا سَمِع حَكِيمٌ رضِي اللهُ عنه هذه الوَصِيَّةَ مِن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «يا رَسولَ الله، والذي بَعَثَك بالحقِّ، لا أَرْزَأُ أحدًا بعدك شيئًا حتَّى أُفارِقَ الدُّنيا» يعني: لا أَنْقُص أحدًا مِن مالِه شيئًا بالطَّلَبِ منه، يُرِيد أنَّه لن يَأخُذَ مِن أحدٍ شيئًا بعد ذلك، فكان رضِي اللهُ عنه لا يَأخُذ مِن الفَيْءِ- وهو ما أُخِذ مِن الكُفَّار مِن غيرِ قِتالٍ- شيئًا بعد ذلك في زَمَنِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضِي اللهُ عنه وفي زَمَنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضِي اللهُ عنه؛ حتَّى إنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رضِي اللهُ عنه لَمَّا عَرَض عليه مِنَ الفَيْءِ وأَبَى: أَشْهَدَ الناسَ عليه أنَّه يَعرِض عليه مِن الفَيْءِ فيَأْبَى أن يَأخُذَ منه شيئًا، وظَلَّ كذلك حتَّى تُوُفِّيَ رضِي اللهُ عنه.
وفي الحديثِ: أنَّ سؤالَ السُّلطانِ أو الإمامِ ليس بِعَارٍ.
وفيه: أنَّ السَّائلَ إذا أَلْحَفَ لا بَأْسَ بِرَدِّه ووَعْظِه وأَمْرِه بالتعفُّفِ وتَرْكِ الحِرْصِ.
وفيه: أنَّ الإنسانَ لا يَسأل إلَّا عند الحاجةِ والضَّرُورَة.
وفيه: أنَّ الأخذَ مع سَخَاوَةِ النَّفْسِ يَحصُل معه أجرُ الزُّهْد والبَرَكةُ في الرِّزق.
وفيه: فضيلةٌ ظاهرةٌ لحَكيمِ بنِ حِزامٍ رضي الله عنه. = الدرر =
رد مع اقتباس