عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 05-19-2019, 01:08 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
Arrow

أحوال المصلي على الكرسي



بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

رفع الحرج ودفع المشقَّة قاعدة شرعية وأصل قطعي من أصول شريعتنا السمحاء، فالمشقَّة كما هو معلوم تجلب التيسير، وعلى هذا فالمصلي بناءً على هذا الأصل العظيم إذا عجز عن الإتيان بأركان الصلاة أو ببعضها على هيئاتها الشرعية سقط عنه ما عجز عنه، وأتى به بحسب حاله وبما تيسَّر له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد اتفق المسلمون على أنَّ المصلي إذا عجز عن بعض واجباتها كالقيام أو القراءة أو الركوع أو السجود أو ستر العورة أو استقبال القبلة أو غير ذلك سقط عنه ما عجز عنه " مجموع الفتاوى:8/438 .
وليس كل مشقَّة أو عذر يسقط به الركن في الصلاة، فضابط هذا الأمر أن يلحق المصلي عند الإتيان به مشقَّة شديدة أو زيادة في المرض، قال النووي رحمه الله : " قال أصحابنا ولا يشترط في العجز أن لا يتأتَّى القيام ولا يكفي أدنى مشقَّة بل المعتبر المشقَّة الظاهرة " المجموع :4/310 .
وقال الشوكاني رحمه الله " والمعتبر في عدم الاستطاعة عند الشافعية هو المشقَّة أو خوف زيادة المرض أو الهلاك لا مجرد التألم " نيل الأوطار :3/237 .
وقال ابن عثيمين رحمه الله " الضابط للمشقَّة : ما زال به الخشوع، والخشوع هو حضور القلب والطمأنينة " الشرح الممتع :4/461 .

وقد أجمع أهل العلم أنَّ من صلى الفريضة جالساً وهو قادر على القيام فصلاته باطلة، لقوله تعالى "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ"البقرة:238، ولقوله عليه الصلاة والسلام « صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنبك » رواه البخاري .

- أحوال المصلي على الكرسي :

الحال الأولى : أن يكون عاجزًا عن القيام بالكليّة مع عدم القدرة على الإتيان بالركوع والسجود على هيئتهما، ففي هذه الحالة يصلي جالسًا، لقوله عليه الصلاة والسلام « صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا » رواه البخاري ، ويومئ بالركوع والسجود، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، فعن جابر رضي الله عنه، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لمريض صلّى على وسادة، فرمى بها وقال « صلِّ على الأرض إن استطعت، وإلا فأومِ إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك »رواه البيهقي وصححه الألباني في الصحيحة :323 .

الحال الثانية : أن يكون قادرًا على بعض القيام ولا يلحقه معه مشقَّة شديدة أو زيادة في المرض، ففي هذه الحالة يصلي قائماً حسب استطاعته، فإذا شقّ عليه جلس، قال تعالى " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ "‏التغابن‏:‏16، قال السَّعدي رحمه الله " فهذه الآية تدل على أنَّ كل واجب عجز عنه العبد، أنه يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور، وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم « إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم »متفق عليه" تفسير السعدي :ص1031 ، ثم يأتي بعد ذلك بالركوع قائمًا، والقيام منه على هيئته، وكذلك السجود على الأرض مع القدرة .

الحال الثالثة : أن يلحقه مع القيام مشقَّة شديدة أو زيادة في المرض، ففي هذه الحالة يصلي جالسًا، قال ابن عثيمين رحمه الله : " فإذا كان إذا قام قلق قلقًا عظيمًا ولم يطمئن، وتجده يتمنّى أن يصل إلى آخر الفاتحة ليركع من شدّة تحمُّله، فهذا شقَّ عليه القيام فيصلي قاعدًا " الشرح الممتع :4/461، لكن بشرط أن يأتي بتكبيرة الإحرام في حال القيام أولاً ثم يجلس، فلو أتى بها جالسًا لم تصح صلاته، قال النووي " يجب أن تقع تكبيرة الإحرام بجميع حروفها في حال قيامه، فإن أتى بحرف منها في غير حال القيام لم تنعقد صلاته فرضًا بلا خلاف"المجموع :3/296، ثم يأتي بعد ذلك بالركوع قائمًا مع القدرة، والقيام منه على هيئته مع القدرة، وكذلك السجود على الأرض مع القدرة .

الحال الرابعة : أن يكون عاجزًا عن الركوع على هيئته مع القدرة على القيام، ففي هذه الحالة لا يجوز له الجلوس ولا يسقط عنه القيام ولا القيام من الركوع، ويومئ بالركوع قائمًا، قال ابن قدامة رحمه الله " ومن قدر على القيام، وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام . ويصلي قائمًا فيومئ بالركوع " المغني : 2/107، ويأتي بالسجود على هيئته على الأرض مع القدرة .

الحال الخامسة : أن يكون عاجزًا عن السجود على هيئته مع القدرة على القيام، ففي هذه الحالة لا يجوز له الجلوس ولا يسقط عنه القيام ولا القيام من الركوع، ويومئ بالسجود جالسًا، قال ابن قدامة رحمه الله " ومن قدر على القيام، وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام... ثم يجلس فيومئ بالسجود " المغني : 2/107، ويأتي بالركوع قائمًا على هيئته، وإذا استطاع أن يضع يديه في السجود على الأرض فليفعل، وإن لم يستطع جعلهما على ركبتيه، قال ابن باز رحمه الله " أما في حال السجود فالواجب أن يجعلهما على الأرض إن استطاع، فإن لم يستطع جعلهما على ركبتيه، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال « أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم؛ على الجبهة – وأشار بيده على أنفه - واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين »رواه البخاري ومسلم" مجموع فتاوى ابن باز :12 / 245، 246 .

- موضع الكرسي في الصف لا يخلو من حالين :

الحال الأولى : أن يجلس المصلي على الكرسي في صلاته كلها، ففي هذه الحالة كما قال ابن عثيمين رحمه الله : " يجعل أرجل الكرسي الخلفية بمحاذاة أرجل المصلين " موقع الإسلام سؤال وجواب رقم: 9209
، مع الأخذ في الاعتبار مراعاة موضع الجلوس، بحيث تكون عجيزته محاذية وموازية لأرجل المصلين، سواءً تقدَّمت أرجل الكرسي أو تأخرت، فالعبرة في التقدّم وعدمه للقائم بالعَقِب، وهو مؤخر القدم، وبالألية للقاعدين، وبالجنب للمضطجعين .انظر الموسوعة الفقهية:6/21.

الحال الثانية : أن يجلس المصلي على الكرسي في ركوعه أو سجوده فقط دون القيام، ففي هذه الحالة كما أفاد الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله بأنّ العبرة بالقيام، فيحاذي الصف عند قيامه . وعلى هذا سيكون الكرسي خلف الصف، فينبغي أن يكون في موضع بحيث لا يتأذى به من خلفه من المصلين . موقع الإسلام سؤال وجواب رقم : .50684

وكل ما سبق ذكره وبيانه متعلق بصلاة الفريضة، أما صلاة النافلة فالأمر فيها واسع، فيجوز له الجلوس ولو بدون عذر لكنه خلاف الأفضل وله نصف أجر القائم، فعن عمران بن حصين - وكان مبسورًا – قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً، فقال « إن صلى قائمًا فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائمًا فله نصف أجر القاعد »رواه البخاري، وهذا الحديث محمول على صلاة النفل كما أشار إليه ابن بطّال في شرحه .شرح صحيح البخاري لابن بطال: 3/102 .
أما لو كان عاجزًا عن القيام فصلى جالسًا فأجره أجر القائم، قال النووي رحمه الله " وأما إذا صلى النفل قاعدًا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائمًا "شرح صحيح مسلم: 6/14 .

هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .


جمع وإعداد / عبد الرحمن بن جار الله العجمي=هنا=
رد مع اقتباس