عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 01-31-2019, 11:13 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,224
افتراضي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أما بعد:
فإن للعلم الشرعي أهمية كبرى في الإصلاح، وفي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى بالعلم، وحث عليه، وأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحث عليه، وكان سلف الأمة يتميز بالاهتمام بالعلم، والاشتغال به، والعناية بتحصيله، ونحن أحوج ما نكون إلى العلم الشرعي لا سيّما في مثل هذه الأوقات، وفي مثل هذه الأزمان التي انتشر فيها الفساد العقائدي والأخلاقي إلى درجة كبيرة، فالعناية بالعلم أمر مهم جداً بالنسبة للدعاة إلى الله سبحانه وتعالى.

يقول الله سبحانه وتعالى: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ "[محمد:19]، ويقول سبحانه وتعالى: "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "[آل عمران:18]، وروى البخاري عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).
فالفقه في الدين علامة على إرادة الله سبحانه وتعالى لصاحب العلم الخير، فهو يعلم الإنسان صحة عقيدته وصحة عمله، ويعلمه الأخلاق والآداب الفاضلة، وكذلك يعلمه كيفية تصحيح عقائد الناس، وكيفية تصحيح أعمالهم وأخلاقهم وأهدافهم، والدعوة إذا خلت من العلم فهي دعوة فاشلة وباطلة؛ لأنها ستكون من البدع، وسيدعو صاحبها إلى البدع والضلالات والانحرافات، وكما وقع في تاريخ المسلمين من أشخاص ينتسبون إلى الدعوة، ويشتغلون بها، فلما اشتغلوا بها على غير بصيرة وعلى غير علم شرعي وقعوا في البدع وفي الضلالات.
ولهذا فإن رموز أهل البدع في تاريخ المسلمين كلهم ليسوا من أهل العلم، ولا يعرفون بالاشتغال بالعلم، فمثلاً: من أكبر الطوائف الضالة المنحرفة في تاريخ المسلمين الجهمية، ورأسها هو الجهم بن صفوان ، وهو لا يعرف عند أهل العلم بطلب للحديث، ولا بطلب للفقه، ولا العناية ولا اشتغال به، وكذلك أئمة البدع والضلالات على مر العصور لا يعرفون بالعلم، ولا يعرفون باشتغالهم بالعلم واهتمامهم به، ولهذا وقعت منهم هذه البدع، وأصبحوا ضالين مضلين، والعياذ بالله.
ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان عندما تظهر الفتن في حياة الناس يكون سبب ذلك انتشار وبروز الجهل، وخفاء العلم، ونسيانه عند الناس.
وأول شرك وقع فيه الإنسان كان بسبب نسيان العلم، وظهور الجهل، فوقع الشرك في أول أمة شركية وهم قوم نوح، ثم بعد ذلك جاء التوحيد على يد نوح عليه السلام، ثم بعد ذلك وقع الشرك، وهكذا حتى جاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأظهر التوحيد والتزمت به هذه الأمة.
فالعلم الشرعي له أهمية كبرى في الإصلاح، وفي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وبين الدعوة وبين العلم ارتباط كبير جداً، وقد عني السلف الصالح رضوان الله عليهم بعلم العقيدة بالذات؛ وسبب ذلك: أن علم العقيدة هو الذي يبنى عليه صحة دين الإنسان، يعني: كونه مسلماً أو غير مسلم، وكونه من أهل الجنة الخالدين فيها، أو من أهل النار الخالدين فيها، وهذا مبني على العقيدة؛ ولهذا اعتنوا بها اعتناء كبيراً، وشرحوها ووضحوها في واقعهم العملي وفي مصنفاتهم التي كتبوها للناس.
هنا

جوانب عناية السلف بالعقيدة



وكانت عناية السلف الصالح رضوان الله عليهم بالعقيدة من جانبين:
الجانب الأول: هو تصحيح العقيدة.
والجانب الثاني: هو تعميق العقيدة في النفوس.
أما تصحيح العقيدة فهو: إزالة الشوائب التي قد تعلق بها سواءً من أهل البدع والضلالات، أو من تسويلات الشيطان ووساوسه التي يحدثها في نفس الإنسان، ولهذا أوضحوا العقائد وبينوها، وصححوها تصحيحاً واضحاً، وتصحيح السلف رضوان الله عليهم لهذه العقيدة اتخذ مسلكين:
المسلك الأول: هو مسلك عرض العقيدة.
والمسلك الثاني: هو مسلك الرد على الطوائف الضالة في العقيدة.

وممن كتب مثلاً في عرض العقيدة وشرحها الإمام اللالكائي رحمه الله في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ومنهم عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في كتابه السنة، والبربهاري في كتاب شرح السنة، وعدد كبير من أهل العلم ألفوا كتباً سموها بالسنة، ومن الأئمة المشهورين البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة، فقد جعلوا في مصنفاتهم كتباً عن العقائد، مثلاًً: كتاب الإيمان، والرد على الجهمية وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، وكتاب التوحيد والرد على المرجئة والجهمية، وغيرهم ممن أفرد كتباً خاصة بالسنة وبالعقيدة، يشرحون فيها العقيدة الصحيحة، ويوضحونها للناس.
وكذلك صححوا عقائد الناس عن طريق الرد على الفرق الضالة، فهذا الدارمي رحمه الله يصنف كتاباً يسميه: الرد على الجهمية، وكذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله له كتاب سماه: الرد على الجهمية والزنادقة، وهناك عدد كبير من الأئمة صنفوا في الرد على الجهمية مثل ابن مندة رحمه الله فله كتاب في الرد على الجهمية، وبعض الأحيان قد يأخذون علماً من أعلام أهل البدع ويردون عليه، مثل رد الدارمي رحمه الله على بشر المريسي الحنفي بالذات، وقد خصوه برد خاص؛ لأنه كان إمام المعتزلة في زمانه، وعن بشر المريسي أخذ ابن أبي دؤاد الذي استطاع أن يقنع المأمون بفكرة خلق القرآن، وحصلت بعد ذلك الفتنة المشهورة والتي هي فتنة خلق القرآن، وامتحن بها أئمة أهل السنة، ونصر الله سبحانه وتعالى أئمة أهل السنة، وظفروا على أهل البدع، ومنذ ذلك الوقت أفل نجم المعتزلة فلم يظهر بعدها.
إذاً: هذه الجهة الأولى وهي تصحيح العقيدة.
الجهة الثانية: وهي تعميق العقيدة في النفوس، ومعنى ذلك: العناية والاشتغال بأعمال القلوب مثل: محبة الله سبحانه وتعالى، والخوف منه، والرجاء، والإنابة، والتوكل، والخشوع.. ونحو ذلك من أعمال القلوب، وهي من أعظم أعمال الإيمان، وهي من العقيدة؛ لأنه في فترة من الفترات ظن كثير من المنتسبين إلى السنة أن العقيدة هي مجرد عرض لبعض الأفكار في أسماء الله وفي صفاته وفي التوحيد وفي الإيمان، والرد على الفرق الضالة فقط، وظنوا أن هذه هي العقيدة، والعقيدة أشمل وأكبر من ذلك، فالعقيدة تعني: امتثال الاعتقاد الصحيح عملياً، وبناءه في النفس، ثم بعد ذلك إذا وجد ضلال في الاعتقاد فإنه يصحح، وإذا وجدت فرقة ضالة فإنه يرد عليها، والرد على أهل الضلال فرع من العقيدة وليس بأصل، فالأصل هو تعميق العقيدة في النفوس، ولهذا فإن آيات القرآن عنيت عناية كبيرة جداً في الاهتمام بتعميق الاعتقاد في نفوس الناس، فالسور المكية تتحدث كثيراً عن أسماء الله وعن صفاته، وتتحدث عن الإيمان، وعن معسكر أهل الإيمان، وتتحدث عن الكفر، وعن معسكر أهل الكفر، وعن صفات المؤمنين وعن صفات الكفار، وتميز بينهم، ففيها تمييز لصفوف أهل الإيمان وأهل الكفر، فالقرآن الكريم مليء بالعقيدة، بل لا تخلو آية من القرآن إلا وهي مبنية بناءً عقدياً، حتى الآيات التي تتحدث عن الأحكام الفقهية ففي الغالب تنتهي باسم من أسماء الله، قال تعالى: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[البقرة:228]، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[البقرة:218]، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ[آل عمران:154]، وحتى الآيات التي في الطلاق، والرجعة، والتي في البيع والشراء، والتي في الأموال، وهكذا نجد أنها تربط الإنسان بالعقيدة، وتبني الأحكام على العقائد، فالعقائد هي الأصول التي يبنى عليها كل شيء، فالأخلاق تنبني على العقائد، وكذلك الأعمال تنبني على العقائد، فالعقائد هي أصل وكل شيء يبنى عليها، ومن قوة المنهج السلفي أنه يربط كل شيء بالعقيدة، ويربط كل حياة الناس بالعقيدة فهو يربط الفقه بالعقيدة، ويربط السلوك والأخلاق بالعقيدة، ويربط السياسة بالعقيدة، ويربط اجتماعهم بالعقيدة، ويربط حياتهم الأسرية بالعقيدة، إذاً فالعقيدة قضية مهمة، ينبغي إدراكها والعناية بها.
والخلاف وقع في باب الأسماء والصفات، بالذات عندما ظهر الجعد بن درهم ، وقد ظهرت بوادر لهذا الخلاف في بداية زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقضي عليها، وقد جاء في الحديث: (أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتناقشون في القدر، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغضب كأنما فقئ في وجهه حب الرمان ونهاهم، وقال: أبهذا أمرتم؟ تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟!) فنهاهم عن ذلك.
وهذه حادثة وقعت وطريقة من طرق دراسة العقيدة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فكف الصحابة رضوان الله عليهم، لما نهاهم أن يضربوا كلام الله بعضه ببعض بغير علم.
الحادثة الثانية وقعت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهي قصة صبيغ بن عَسَل أو ابن عِسْل أو ابن عِسَل المشهورة، وهو أنه كان يتتبع ويشتغل بعناية المتشابه، مثل قوله تعالى: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فناداه عمر وقال له: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ ، قال: وأنا عبد الله عمر ، وقد كان أعد له عراجين النخل فضربه على رأسه حتى أدمى وجهه، وقال: كفى يا أمير المؤمنين! فقد ذهب والله! ما تجد في رأسي، فتركه عمر ، وقال: لو أنك من محلوقي الرءوس لفعلت بك وفعلت، يقصد: الخوارج، ثم بعد ذلك ذهب إلى البصرة وحبس فيها، أي: فرضت عليه إقامة جبرية، فلما خرجت الخوارج بعد ذلك قالوا: هيا يا صبيغ ! أي: اخرج معنا، فقال: نفعتني موعظة العبد الصالح، يقصد عمر الذي ضربه بعرجون النخل حتى أدمى رأسه، فأوقف عمر أيضاً هذا الطراز من البحث في باب أسماء الله وصفاته، وفي باب العقيدة عموماً.
فلما تقدم الزمان، وجاء زمن الدولة العباسية ظهر فيها من يطالب بالترجمة، ومن يطالب بتراجم كتب الفلاسفة، وممن ذكر ذلك السيوطي في كتاب اسمه: المنطق والكلام، وهو عن علم المنطق والكلام، وقد ذكر: أن المأمون أرسل إلى ملك الروم يطلب منه كتب الفلاسفة، وكان قد جمعها في مكان واحد وبنى عليها سوراً لا باب له؛ حتى لا يأخذها الرومان فتفرقهم، وعندما وصلت رسالة المأمون إلى ملك الروم نصحوه أن يعطي هذه الكتب للمأمون وقالوا المقولة المشهورة: إن هذه الكتب ما دخلت في بلد إلا فرقته ومزقته، وبالفعل أرسلها إلى المأمون ثم بعد ذلك ترجمت كتب الفلاسفة، وكانت هذه الترجمة وصمة عار في تاريخ المسلمين؛ لأن المسلمين ليسوا بحاجة إلى الفكر اليوناني الوثني في العقائد، فإن الله عز وجل أغنانا بالعقيدة الصحيحة، وبما ذكره في كتابه عن الكون، وعن الإنسان، وعن العقيدة التي ينبغي للإنسان أن يتمناها بعد الموت، ولهذا تعتبر هذه الحادثة من أعجب الحوادث؛ لأن العادة أن الأمة الضعيفة هي التي تأخذ من علوم الأمة القوية ومن أفكارها مثل حال العالم الإسلامي الآن فإنه يتقبل ما عند العالم الغربي من أفكار ونظريات، وهناك من يروج لها في حياة المسلمين اليوم، لكن العجيب أن الأمة في تلك الفترة كانت من أقوى الأمم، وكانت أمة رائدة قوية مسيطرة، ومع هذا أخذت من التراث اليوناني، وأصبح غزواً يونانياً على بلاد المسلمين.
فترجمت الكتب الفلسفية التي تتحدث عن الله، وعن الكون، وعن الإنسان، وعن النبوة، وعن العقائد، ترجمة هذه الكتب أثر تأثيراً كبيراً في عقول كثير ممن قرأها ممن ليس مشتغلاً بالعلم الشرعي، كما أن مناقشات كثير من هؤلاء الجهلة لأصحاب الديانات الأخرى، كالبوذية والديصانية وغيرها من الديانات الأخرى أثرت تأثيراً كبيراً في عقائد هؤلاء الأشخاص، وظهر مثل الجعد بن درهم الذي يقول: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، وظهر الجهم بن صفوان وأنكر صفات الله عز وجل وأسماءه، وقال: ليس لله صفات وليس له أسماء، وإذا سئل: أين الله؟ قال: هذا الهواء الذي يجري بيننا، وسبب ذلك: أنه ناقش طائفة من الطوائف الضالة تسمى السمنية، وهؤلاء ينكرون الأشياء غير المحسوسة، أي: أنهم ينكرون الغيب، فقالوا للجهم : أين إلهك؟ صفه لنا؟ هل هو شيء تحسه؟ قال: لا، قالوا له: هل هو شيء تذوقه؟ قال: لا، قالوا: هل هو شيء تراه؟ قال: لا، قالوا: إذن أين إلهك؟! يقول المؤرخون: فاعتكف الجهم في بيته أربعين يوماً لا يصلي، ثم بعد ذلك خرج على الناس وقال: إن إلهي هو هذا الهواء وليس له اسم وليس له صفة، وهذا أشبه ما يكون بالإلحاد، فأنكر وجود الله عز وجل لكن بطريقة أخرى.
والمهم: أنها ظهرت بوادر طوائف تنفي صفات الله عز وجل، وصنفوا الكتب في ذلك وكتبوها، وصارت لهم طوائف وسموا بأهل الكلام؛ لأنهم اشتغلوا فيما لا فائدة فيه. قال بعضهم: إن أول مسألة نوقشت هي مسألة كلام الله عز وجل، وقال بعضهم غير هذا.
الشاهد: هو أن هذه الدراسة ستكون في باب واحد من أبواب العقيدة وهو باب الأسماء والصفات، وأبواب العقيدة كثيرة: باب الإيمان، باب التوحيد: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، باب البعث والحياة البرزخية، باب النبوات.. وأبواب كثيرة.
وهذا باب توحيد الأسماء والصفات، والذي حواه هذا الكتاب المسمى: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى.
هنا


===========





الحديث الآحاد


هنا


تاريخ العقيدة وتدوينها
رد مع اقتباس