عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 06-12-2019, 02:00 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
Post

حقيقة موافقات عمر للقرآن


الحمد لله
أولًا:
هذه المسألة تسمى "موافقات عمر للقرآن" وهي ثابتة في أخبار صحيحة؛ ومن ذلك:
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، " وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ" وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى "، وَآيَةُ الحِجَابِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ وَالفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ"عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ"، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ "رواه البخاري :402.
و عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ " وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِي الْحِجَابِ، وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ "رواه مسلم :2399.
وهذه الموافقات يزيد عددها عما هو مذكور في هذين الحديثين.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وليس في تخصيصه العدد بالثلاث، ما ينفي الزيادة عليها، لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه، من مشهورها قصة أسارى بدر، وقصة الصلاة على المنافقين، وهما في الصحيح.
وصحح الترمذي من حديث بن عمر " أنه قال ما نزل بالناس أمر قط، فقالوا فيه، وقال فيه عمر ؛ إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر ".
وهذا دال على كثرة موافقته، وأكثر ما وقفنا منها بالتعيين على خمسة عشر، لكن ذلك بحسب المنقول " انتهى من "فتح الباري" 1 / 505.
وقد ألف في جمع ذلك بعض أهل العلم.
وحقيقة هذه الموافقات؛ هو أن القرآن كان ينزل مفرقًا على النبي صلى الله عليه وسلم، وكثير من الآيات كان لها سبب لنزولها، كسؤال أو حادثة تقع، ومن ضمن ذلك أن عمر رضي الله عنه كان يبدي رأيه في بعض المسائل المهمة التي تعرض، فكان القرآن ينزل ليبين الصواب في ذلك، فيتفق أن يكون رأي عمر رضي الله عنه هو المصيب، ولهذا يدخل أهل العلم هذه الموافقات في أسباب النزول.
وقد اختُص عمر رضي الله عنه بكثرة موافقته للقرآن؛ لما رزقه الله من العلم والفقه في الدين، مع الفراسة الصادقة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ.
قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: العِلْمَ : رواه البخاري :82 ، ومسلم :2391.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ .
وقَالَ ابْنُ عُمَرَ " مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ ، فَقَالُوا فِيهِ ، وَقَالَ فِيهِ عُمَرُ ؛ إِلَّا نَزَلَ فِيهِ القُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ ".
رواه الترمذي :3682: وقال " وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ".
ثانيًا:
ثم موافقات عمر رضي الله عنه بالنسبة لمجموع القرآن هي وقائع قليلة، ولم يكن رضي الله عنه معصوما من الخطأ، بل ربما أخطأ في بعض ذلك؛ كما في حادثة صلح الحديبية.
عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ، قَالاَ: ...
" فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَمْ نَقْضِ الكِتَابَ بَعْدُ ، قَالَ: فَوَاللَّهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَجِزْهُ لِي ، قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ، قَالَ: بَلَى فَافْعَلْ ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ مِكْرَزٌ: بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ، قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إِلَى المُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا، أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ؟ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ .
قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا، قَالَ: بَلَى ، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ، قَالَ: بَلَى ، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي .
قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ العَامَ ، قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ .
قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟
قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الحَقِّ .
قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ العَامَ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ!!
قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ -: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا ... " رواه البخاري :2731.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
" وقول عمر: فعملت لذلك أعمالا، كأنه يشير إلى أنه استغفر مما فعل ؛ واعتذر " انتهى من " كشف المشكل" 4 / 57.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قوله: قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ -: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا المراد بالأعمال، الأعمال الصالحة لِيُكَفِّرَ عنه ما مضى من التوقف في الامتثال ابتداء، وقد ورد عن عمر التصريح بمراده بقوله أَعْمَالًا ؛ ففي رواية بن إسحاق" وكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق ، من الذي صنعت يومئذ ؛ مخافة كلامي الذي تكلمت به . " انتهى من "فتح الباري" 5 / 346.
ينظر جواب السؤال رقم: 294924.
ثالثًا:
سواء صدق رأي عمر رضي الله عنه ، أم أخطأ ؛ فإنه كان لا يعمل بمجرد رأيه ؛ فلا مدخل لذلك في نزول الوحي، حتى يقول من لا يفهم : إنه له دورا في توجيه الوحي، أو تأثيرا فيه ؛ فإن الوحي ينزل من عند رب العالمين ، مالك الملك ، علام الغيوب ، جل أن يكون لبشر يد فيه ، أو صنع ، أو مدخل بقول ، أو إشارة ؛ بل عمر نفسه ما كان يعمل برأيه في ذلك أو غيره ، أو صوابه أو خطئه ؛ إنما يعمل بالوحي المنزل من عند رب العالمين ، وإذا هوي شيئا ، أو أشار به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن يبقى في دائرة ما هويه ، ونصح ، أو أشار به ، لا يعمل به هو وغيره ، حتى ينزل تشريعه من عند رب العالمين ، أو بيان الوحي بما أصاب فيه عمر وغيره ، أو أخطؤوا .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" فأما درجة السابقين الأولين كأبي بكر وعمر فتلك لا يبلغها أحد، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"قَدْ كانَ يَكونُ في الأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فإنْ يَكُنْ في أُمَّتي منهمْ أحَدٌ، فإنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ منهمْ."الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2398 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر =

قال صلى الله عليه وسلم "إنَّ اللَّهَ جعلَ الحقَّ على لسانِ عمرَ وقلبِهِ".وقالَ ابنُ عمرَ: ما نزلَ بالنَّاسِ أمرٌ قطُّ فقالوا فيهِ وقالَ فيهِ عمرُ أو قالَ ابنُ الخطَّابِ فيهِ - شَكَّ خارجةُ - إلَّا نزلَ فيهِ القرآنُ على نحوِ ما قالَ عمرُ"الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3682 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =

ومع هذا فالصّدّيق أكمل منه، فإن الصّدّيق كمل في تصديقه للنبي، فلا يتلقى إلا عن النبي ، والنبي معصوم، والمحدَّث كعمر يأخذ أحيانا عن قلبه ما يلهمه ويحدث به، لكن قلبه ليس معصوما، فعليه أن يعرض ما ألقي عليه على ما جاء به الرسول، فان وافقه قبله، وان خالفه رده.
ولهذا قد رجع عمر عن أشياء، وكان الصحابة يناظرونه ويحتجون عليه، فإذا بُينت له الحجة من الكتاب والسنة رجع إليها وترك ما رآه " انتهى من "الرد على المنطقيين" ص 513 - 514.
فالحاصل؛ أن عمر رضي الله عنه لم يكن متدخلًا في الوحي، وإنما كان رضي الله عنه شديد الاتباع للوحي.
والله أعلم.


المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب


رد مع اقتباس