عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01-12-2020, 02:31 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,221
Arrow

وسائل الثبات على الحق والنجاة من الفتن:
*اعتزال مواطن الفتن:
إنَّ مَن خالَط الفِتَنَ لم يسلَمْ دِينُه مِن الإثمِ، وقد مدَح اللهُ سبحانه وتعالى مَن فَرَّ بدِينِه خشيةَ الفِتنةِ عليه، فقال حكايةً عن أصحابِ الكهفِ"وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا" الكهف: 16.
ويدخل اعتزال مواطن الفتن التوغل في الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة ،دون قيود وضوابط شرعية ،فالحذر الحذر.

*شكر النعم وعدم التألي على الله:
قال تعالى" وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" إبراهيم :7.
فلنشكر الله على نعمة الإيمان ، ولنقلع عن السخرية والحكم على عباد الله لظاهر أعمالهم ،لكن نحمد الله على المعافاة والدعاء بالثبات على الحق.
قال تعالى"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " الحجرات:11.
"أنَّ رَجُلًا قالَ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وإنَّ اللَّهَ تَعالَى قالَ: مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ، فإنِّي قدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ، أوْ كما قالَ."الراوي : جندب بن عبدالله - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2621 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر.

الشرح:
في هذا الحديثِ يَحكي النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ رَجلًا قال: واللهِ لا يَغفِرُ اللهُ لِفلانٍ؛ قالَه استِكثارًا، أو استِكبارًا لذَنبِه، أو تَعظيمًا لنَفْسِه حينَ جَنى عَليه، فَقال ربُّ العزَّةِ: مَن ذا الَّذي يَتأَلَّى عَليَّ؟! أي: يَتحَكَّمُ عليَّ ويَحلِفُ باسمِي أنَّي لَا أَغفِرُ لفُلانٍ؟! فإِنِّي قدْ غَفرتُ لفُلانٍ؛ وأَحبطتُ عَملَك، أي: أَذهبتُه سُدًى وأَبطلْتُه؛ وذلكَ لأنَّه قالَ ما قالَ إِعجابًا بعَملِه، وإِعجابًا بنَفسِه، واستِكبارًا عَلى عِبادِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
في الحديثِ: النَّهيُ عنِ الكِبْرِ والعُجْبِ.
وفيهِ: النَّهيُ عنِ احتِقارِ أَحدٍ منَ المُسلمينَ.الدرر.



*كثرة ذكر الله تعالى ، منها المحافظة على أذكار الصباح والمساء وكذلك قراءة القرآن وتدبر به فالقرآن من أعظم أسباب الوقاية قال الله تعالى" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الأنفال:2.

*ملازمة الصحبة الصالحة المعينة على الثبات:

"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا "28.
اصبرنفسك واحبسها وثبتها مع المؤمنين العُبَّاد المنيبينَ إلى الله ،فإن في صحبتهم من الفوائد، ما لا يُحصى.فالصحبة الصالحة تذَكِّر بالطريق المستقيم وتعين عليه.
" وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ " أي: لا تجاوزهم بصرك، وترفع عنهم نظرك واهتمامك.

وفيه درس عظيم : أن الإنسان بحاجة إلى التذكير وإن كان قويًا فالمصباح مع المصباح أكثر إنارة للطريق والمصباح الواحد قد تضعف إنارته في أي لحظة ولو كان قويًا .والحذر الحذر فقد يغتر الإنسان ويشعر بأنه لا حاجة إلى التذكير أو يغفل عن ذلك فيحتاج إلى التنبيه مهما بلغ .فذلك من الزاد والتزود في السير إلى الله والدار الآخرة .وفيه تربية للنفس على الافتقار والضعف والتواضع .

*الإكثار من العمل الصالح :
إنَّ للعمل الصالِح وكَثرة العِبادة وكثرة ذكر الله عز وجل واستغفارهِ أثرًا عظيمًا في الوقايةِ من الفِتَن والكُروب ، قبل وقوعها والنجاة منها إذا وَقَعتَ ، قال تعالى عَن نَبيّه يونس عليه الصلاة والسلام " فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" ، قال السعدي رحمه الله تعالى أي " في وقته السابق بكثرة عبادته لربه ، وتسبيحه ، وتحميده ، وفي بطن الحوت حيث قال‏" ‏لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" .
ومِن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم"بادِروا بالأعمالِ فتنًا كقطعِ الليلِ المظلمِ ، يصبحُ الرجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا ، أو يمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا ، يبيعُ دينَه بعرضٍ من الدنيا " . مسلم 118 ، وفي هذا حَثٌّ على الأعمال الصالِحة قبل تعذّرها والانشغال عنها بما يحدث مِن الفِتَن الشائكة المُتكاثِرة .

*الدعاء ، الدعاء وعدم التألي على الله!
قال تعالى"
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " البقرة:186.
فدعاء الله عَزَّ وَجل ، والتضرّع إليه ، والاستعانة به ، والتبرؤ من الحَول والقوّة ، مِن أنجع الوسائل وأنفعها في الوقاية مِن الفتن والنجاة منها ، وفي الِهداية إلى الحق والثَبات عليه ، لا سيما عند التباسهِ بالباطل واختلاف الناس فيه ، وذلكَ لأنَّ مالِكَ القلوب ومُقلّبها هو الله عز وجل ، لا يهدي إلى الحق ، ولا يثبّت العَبد عليه إلا هو : قال الله عز وجل "يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء "إبراهيم:27. ، ومِن أنفع الأدعية في ذلك ما كانَ يدعو به صلى الله عليه وسلم ويحافظ عليه كل ليلة في الاستفتاح به في قيام الليل " اللهمَّ ربَّ جبرائيلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ ، فاطرَ السماواتِ والأرضِ ، عالمَ الغيبِ والشهادةِ ، أنت تحكم بين عبادِك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدِني لما اختُلفَ فيه من الحقِّ بإذنِك إنك تهدي من تشاءُ إلى صراطٍ مستقيم " مسلم 770 .
ومِن ذلك ما رواه زيد بن ثابت رضي الله عنهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "
تعوَّذوا باللهِ من الفتنِ ، ما ظهرَ منها وما بطنَ " ، قالوا " نعوذُ باللهِ من الفتنِ ، ما ظهرَ منها وما بطنَ " . مسلم 2867 .

يَقولُ التَّابعيُّ شَهْرُ بنُ حَوشَبٍ في هذا الحديثِ:"قُلتُ لأمِّ سلمةَ : يا أمَّ المؤمنينَ ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كانَ عندَكِ ؟ قالَت : كانَ أَكْثرُ دعائِهِ : يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ قالَت : فقُلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ ؟ قالَ : يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ ، فمَن شاءَ أقامَ ، ومن شاءَ أزاغَ . فتلا معاذٌ " رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا" الراوي : شهر بن حوشب - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3522- خلاصة حكم المحدث : صحيح.

فمن نعم الله علينا البصيرة بالحق والثبات عليه .قال تعالى" وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" إبراهيم :7.


قال شيخ الإسلام "ولا تقَع فتنةٌ إلا مِن تَرك ما أمَر الله،

الاستقامة :1/39.

قال شيخ الإسلام "
وكل نعمةٍ منه فضلٌ وكل نِقمةٍ منه عدل"مجموع الفتاوى.
"
رد مع اقتباس