عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-09-2018, 06:57 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
Red face

كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ

يَقُولُ تَعَالَى" كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ" وَهَذَا شَامِلٌ لِكُلِّ فَاجِرٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَرَةِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَالْفَاسِقِينَ "لَفِي سِجِّينٍ "

ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ
" وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ" أَيْ: كِتَابٌ مَذْكُورٌ فِيهِ أَعْمَالُهُمُ الْخَبِيثَةُ، وَالسَّجِينُ: الْمَحَلُّ الضَّيِّقُ الضَّنْكُ، وَ "سِجِّينٍ" ضِدُّ "عِلِّيِّينَ" الَّذِي هُوَ مَحَلُّ كِتَابِ الْأَبْرَارِ، كَمَا سَيَأْتِي.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ
" سِجِّينٍ" هُوَ أَسْفَلُ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، مَأْوَى الْفُجَّارِ وَمُسْتَقَرُّهُمْ فِي مَعَادِهِمْ.

"وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ" ثُمَّ بَيَّنَهُمْ بِقَوْلِهِ "الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ" أَيْ: يَوْمَ الْجَزَاءِ، يَوْمَ يَدِينُ اللَّهُ النَّاسَ فِيهِ بِأَعْمَالِهِمْ.

"وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ" عَلَى مَحَارِمِ اللَّهِ، مُتَعَدٍّ مِنَ الْحَلَالِ إِلَى الْحَرَامِ.

"أَثِيمٍ" أَيْ كَثِيرِ الْإِثْمِ، فَهَذَا الَّذِي يَحْمِلُهُ عُدْوَانُهُ عَلَى التَّكْذِيبِ، وَيَحْمِلُهُ عُدْوَانُهُ عَلَى التَّكْذِيبِ وَيُوجِبُ لَهُ كِبْرُهُ رَدَّ الْحَقِّ، وَلِهَذَا "إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا" الدَّالَّةُ عَلَى الْحَقِّ، وَعَلَى صِدْقِ مَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُهُ، كَذَّبَهَا وَعَانَدَهَا، وَ قَالَ هَذِهِ "أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ" أَيْ: مِنْ تُرَّهَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَأَخْبَارِ الْأُمَمِ الْغَابِرِينَ، لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَكَبُّرًا وَعِنَادًا.

وَأَمَّا مَنْ أَنْصَفَ، وَكَانَ مَقْصُودُهُ الْحَقَّ الْمُبِينَ، فَإِنَّهُ لَا يُكَذِّبُ بِيَوْمِ [ ص: 1948 ]
الدِّينِ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَقَامَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ، وَالْبَرَاهِينِ السَّاطِعَةِ، مَا يَجْعَلُهُ حَقَّ الْيَقِينِ، وَصَارَ لِقُلُوبِهِمْ بِمَنْزِلَةِ الشَّمْسِ لِلْأَبْصَارِ ، بِخِلَافِ مَنْ رَانَ عَلَى قَلْبِهِ كَسْبُهُ، وَغَطَّتْهُ مَعَاصِيهِ، فَإِنَّهُ مَحْجُوبٌ عَنِ الْحَقِّ، وَلِهَذَا جُوزِيَ عَلَى ذَلِكَ، بِأَنْ حُجِبَ عَنِ اللَّهِ، كَمَا حَجَبَ قَلْبَهُ فِي الدُّنْيَا عَنْ آيَاتِ اللَّهِ" ثُمَّ إِنَّهُمْ" مَعَ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ الْبَلِيغَةِ "لَصَالُو الْجَحِيمِ"ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ تَوْبِيخًا وَتَقْرِيعًا" هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ" فَذَكَرَ لَهُمْ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعَذَابِ: عَذَابَ الْجَحِيمِ، وَعَذَابَ التَّوْبِيخِ، وَاللَّوْمَ.

وَعَذَابُ الْحِجَابِ عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْمُتَضَمِّنُ لِسُخْطِهِ وَغَضَبِهِ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَدَلَّ مَفْهُومُ الْآيَةِ، عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي الْجَنَّةِ، وَيَتَلَذَّذُونَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ أَعْظَمَ مِنْ سَائِرِ اللَّذَّاتِ، وَيَبْتَهِجُونَ بِخِطَابِهِ، وَيَفْرَحُونَ بِقُرْبِهِ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَتَوَاتَرَ فِيهِ النَّقْلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ
، التَّحْذِيرُ مِنَ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهَا تَرَيْنُ عَلَى الْقَلْبِ وَتُغَطِّيهِ شَيْئًا فَشَيْئًا، حَتَّى يَنْطَمِسَ نُورُهُ، وَتَمُوتَ بَصِيرَتُهُ، فَتَنْقَلِبُ عَلَيْهِ الْحَقَائِقُ، فَيَرَى الْبَاطِلَ حَقًّا، وَالْحَقَّ بَاطِلًا وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ. تفسير السعدي = هنا =

رد مع اقتباس