عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 07-08-2017, 02:43 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,233
Arrow

الشهيد المهيمن المحيط
أي المطّلع على جميع الأشياء، الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن، والخفيات والجليَّات، والماضيات والمستقبَلات، وسمع جميع الأصوات خفيها والجليَّات، وأبصر جميع الموجودات دقيقها وجليلها، وصغيرها وكبيرها، وأحاط علمُه وقدرته وسلطانه، وأوليته وآخريته، وظاهريته وباطنيته بجميع الموجودات، فلا يحجبه عن خلقه ظاهر عن باطن، ولا كبير عن صغير، ولا قريب عن بعيد، ولا يخفى على علمه شيء، ولا يشذ عن ملكه وسلطانه شيء، ولا ينفلت عن قدرته وعزته شيء، ولا يتعاصى عليه شيء، ولا يتعاظمه شيء.
وجميع أعمال العباد قد أحصاها وقد علم مقدارها ومقدار جزائها في الخير والشر، وسيجازيهم بما تقتضيه حكمته وحمده وعدله ورحمته، والملوك والجبابرة وإن عظمت سطوتهم، وعظم ملكهم، واشتد جبروتهم، وتفاقم طغيانهم، فإنَّ الله لهم بالمرصاد قد أحاط بأحوالهم، وأحصى وراقب كلَّ حركاتهم وسكناتهم، ونواصيهم بيده، وليس لهم خروج عن تصرفه وإرادته ومشيئته.
أين المفرُ والإلهُ الطالب والمجرمُ المغلوبُ ليس الغالب - القائل لهذا البيت هو نفيل بن حبيب، قاله حين رأى ما أنزل الله عز وجل من نقمته بأبرهة ومَنْ معه حينما قصدوا هدم البيت الحرام.
انظر: تفسير الطبري (15/303)، ولفظه فيه: «والأشرم المغلوب».-

فهذه الأسماء الثلاثة ترجع إلى سعة علمه، وإحاطته بكلِّ شيء، وإلى عظمة ملكه وسلطانه، وإلى شهادته لعباده وعلى عباده بأعمالهم، وإلى الجزاء وانفراد الرب بتصريف العباد، وإجرائهم على أحكام القدر، وأحكام الشرع، وأحكام الجزاء، والله أعلم.
الحميد المجيد
أي: الذي له جميع المحامد والمدائح كلِّها، وهي جميع صفات الكمال، فكلُّ صفة من صفاته يحمد عليها، ويحمد على آثارها ومتعلقاتها، فيحمد على كلِّ تدبير دبّره ويدبره في الكائنات، ويحمد على ما شرعه من الشرائع وأحكمه من الأحكام، ويحمد على توفيقه أوليائه وعلى خذلانه لأعدائه، كما يحمد على إثابته للطائعين وعقوبته للعاصين، وله الحمد على ما تفضل به على العباد من النعم والخيرات والبركات التي لا يمكن العباد إحصاؤها ويتعذر عليهم استقصاؤها.
فحمده تعالى قد ملأ العالم العلوي والسفلي، وله الحمد في الأولى والآخرة، وقد عمَّ حمده كلَّما يتقلَّب فيه العباد، لكون ذلك راجعاً إلى حكمته وعدله وفضله وإحسانه، ووضعه الأمور مواضعها، وهو الحميد الذي يحمده أنبياؤه وأصفياؤه وخيار خلقه، وهو تعالى الحميد الذي يحمدهم على ما أنعم به عليهم فمنه السبب والمسبب.
وأما المجد فهو سعة الصفات وعظمتها، فالمجيد يرجع إلى عظمة أوصافه وكثرتها وسعتها، وإلى عظمة ملكه وسلطانه، وإلى تفرده بالكمال المطلق والجلال المطلق والجمال المطلق، الذي لا يمكن العباد أن يحيطوا بشيء من ذلك، فإذا جُمع بين الحميد المجيد صار اسمُ الحميد أخصَّ بكثرة الأوصاف وسعتها، واسم المجيد أخصَّ بعظمتها وتوحده بالمجد.

الحكيم
أي الموصوف بكمال الحكمة، وبكمال الحكم بين عباده. فالحكمة هي سعة العلم والاطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها، وعلى سعة الحمد حيث يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها، ولا يتوجه إليه سؤال ولا يقدح في حكمته مقال، فله الحكمة في خلقه وأمره.
أما الحكمة في خلقه فإنَّه خلق الخلق بالحق، ومشتملاً على الحق، وكان غايته ونهايته الحق، خلقها بأحسن نظام، ورتَّبها بأكمل إتقان، وأعطى كلَّ مخلوق خلقه اللائق به، بل أعطى كلَّ جزء من أجزاء المخلوقات، وكلَّ عضو من أعضاء الحيوانات خلقته وهيئته اللائقة به، بحيث لا يرى الخلقُ في خلق الرحمن تفاوتًا ولا فطورًا، ولا خللاً ولا نقصاً، بل لو اجتمعت عقول الخلق ليقترحوا مثلاً وأحسن من هذه الموجودات لم يقدروا.
وهذا أمر معلوم قطعًا من العلم بصفاته، فإذا كان من المعلوم لكلِّ منصف مؤمن أنَّ الله له الكمال الذي لا يحيط به العباد، وأنَّه ما من كمال تفرضه الأذهان ويقدِّره المقدرون إلا والله أعظم من ذلك وأجلّ، كانت
أفعاله ومخلوقاته وجميع ما أوصله إلى الخلق أكملَ الأمور وأحسنها، وأنظمها وأتقنها، "صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ "النمل: 88 .

فالفعل يتبع في كماله وحسنه فاعله، والتدبير منسوب إلى مدبِّره، والله تعالى كما لا يشبهه أحد في صفاته في العظمة والحسن والجمال، فكذلك لا يشبهه أحد في أفعاله. وقد تحدَّى عباده في مواضع كثيرة من كتابه، هل يجدون أو يشاهدون في مخلوقاته نقصًا وخللاً، ومن ادّعى شيئًا من ذلك بسفاهة عقله وعظم جراءته، فقد نادى على عقله بين العقلاء بالحمق والجنون.
وأما الحكمة في شرعه وأمره، فإنَّه تعالى شرع الشرائع وأنزل الكتب، وأرسل الرسل ليعرفه العبادُ ويعبدوه، فأيُّ حكمة أجلّ من هذا، وأيُّ فضل وكرم أعظم من هذا.
فإنَّ معرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص العمل له، وحمده وذكره، وشكره والثناء عليه أفضلُ العطايا منه لعباده على الإطلاق، وأجلُّ المناقب لمن يمنُّ الله عليه بها، وأكمل السعادة والفلاح والسرور للقلوب والأرواح، كما أنَّها هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية والفلاح السرمدي.
فلو لم يكن في أمره وشرعه إلا هذه الحكمة التي هي أصل الخيرات، وأكمل اللذات، وأكبر الوسائل والمقاصد، ولأجلها خلقت الخليقة، ولأجلها حق الجزاء، ولأجلها خلقت الجنة والنار، ولأجلها جرت على الخليقة أحكامُ الملكِ الجبارِ الشرعيةُ والجزائيةُ لكانت كافيةً شافيةً.
هذا وقد اشتمل شرعه على كلِّ خير، فأخباره تملأ القلوب علماً وعقائد صحيحة، وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها، ويحصل لها من المعارف أفضل الغنائم والمكاسب. وأوامره كلُّها منافع ومصالح، وتثمر الأخلاقَ الجميلة والمناقب الثمينة، والأعمال الصالحة، والهدي الكامل، والأجر العظيم، والثواب الجسيم. ونواهيه كلُّها موافقة للعقول الصحيحة والفطر المستقيمة، لأنَّها لا تنهى إلا عما يضر الناس في عقولهم وأخلاقهم وأعراضهم وأبدانهم وأموالهم.
وبالجملة فالمصالح الخالصة أو الراجحة تأمر بها، والمفاسد الخالصة أو الراجحة تنهى عنها، فهو الحكيم في خلقه وأمره. وكذلك أحكام الجزاء على الأعمال في غاية المناسبة والموافقة للحكمة جملة وتفصيلاً، والله أعلم.

السميع البصير، العليم الخبير
أي السميع لجميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، سرها وجهرها، "سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ "الرعد: 10 .
البصير الذي أبصر كلَّ شيء دقَّ وجلَّ، فيبصر دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في ظلمة الليل، ويبصر جريان الأغذية في عروق الحيوانات وأغصان النباتات. ولقد أحسن من قال - أوردها صاحب الكشاف (1/57) ولم ينسبها لقائل.-:

يا مَنْ يرى مدَّ البعوضِ جناحَها في ظلمةِ الليلِ البهيمِ الأليلِ
ويرى نياطَ عروقِها في نحرِها والمخَ من بين العظامِ النحلِ
امنن عليَّ بتوبةٍ تمحو بها ما كان مني في الزمانِ الأولِ

العليم بكلِّ شيء، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يعزب عن علمه شيء، أحاط علمه بالواجبات والمستحيلات والجائزات، وبالماضيات والحاضرات والمستقبلات، وبالعالم العلوي والسفلي، وبالخفيات والجليات، "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ "59.الأنعام . يعلم السر وأخفى، ويعلم ما أكنته الصدور وما توسوس به النفوس، وما فوق السموات العلى وما تحت الثرى.
الخبير الذي أدرك علمه السرائر، واطّلع على مكنون الضمائر، وعلم خفيات البذور ولطائفَ الأمور، ودقائق الذرات في ظلمات الديجور- الديجور: الظلام. معجم مقاييس اللغة لابن فارس (2/329).-.
فالخبير يرجع إلى العلم بالأمور الخفية التي هي في غاية اللطف والصغر، وفي غاية الخفا ومن باب أولى وأحرى علمه بالظواهر والأمور الجلية، والعليم يدل بالمطابقة على الأمرين، وكثيراً ما يأتي ذكر هذه الأسماء الكريمة في سياق الأعمال وجزائها، ليوقظ القلوب وينبهها على إكمالها وإحسانها وإتقانها وإخلاصها وليرغبهم ويُرهبهم.

اللطـيـف
اللطيف من أسمائه الحسنى له معنيان:
أحدهما: بمعنى الخبير، وهو أنَّ علمه دقَّ ولَطف حتى أدرك السرائر والضمائر والخفيَّات.
والمعنى الثاني: اللطيف الذي يوصل أولياءه وعباده المؤمنين إلى الكرامات والخيرات بالطرق التي يعرفون والتي لا يعرفون، والتي يريدون وما لا يريدون، وبالذي يحبون والذين يكرهون -وانظر أمثلة نفيسة جداً لهذا المعنى في كتاب «المواهب الربانية من الآيات القرآنية» للمؤلف رحمه الله (ص: 70 وما بعدها).-،- فيلطف بأوليائه، فييسرهم لليسرى ويجنبهم العُسرى، ويلطف لهم فيقدر أمورًا خارجية عاقبتها تعود إلى مصالحهم ومنافعهم. قال يوسف صلى الله عليه وسلم"إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ "يوسف: 100 ، أي حيث قدَّر أمورًا كثيرة خارجية عادت عاقبتها الحميدة إلى يوسف وأبيه، وكانت في مبادئها مكروهة للنفوس ولكن صارت عواقبها أحمدَ العواقب، وفوائدها أجلَّ الفوائد.

المبدئ المعيد
قال تعالى"وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ "الروم: 27. "كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ".الأنبياء: 104 .
فهو تعالى الذي ابتدأ خلق المكلَّفين ثم يعيدهم بعد موتهم، ابتدأهم ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وليرسل إليهم الرسل وينزل عليهم الكتب ويأمرهم وينهاهم، لم يخلقهم عبثاً ولا سدى، ثم إذا انقضت هذه الدار وظهر الأبرار من الفجار، وتمَّت هذه الأعمار، أعادهم بعدما أماتهم ليجزيهم الثواب على إيمانهم وطاعاتهم، والعقاب على كفرهم وعصيانهم جزاءً دائماً بدوام الله، وإعادةُ الخلق أهون عليه من ابتدائه وذلك كلُّه على الله يسير.
وعموم ما دل عليه هذان الاسمان الكريمان يشمل كلَّ إبداء وإعادة لهذه المخلوقات، فالناس في هذه الدار في إبداء وإعادة في نومهم ويقظتهم، كلَّ يوم يعادون ويبدأون. وهذه الأرض كلَّ عام في إبداء وإعادة، يحييها بالماء والأمطار، ثم يعود النبت هشيماً والأخضر رميمًا، ثم هكذا أبدًا ما داموا في هذه الدار رحمة بهم ومتاعًا لهم ولأنعامهم، وذلك كلُّه تابعٌ لحكمته ورحمته.
رد مع اقتباس