عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 07-08-2017, 10:43 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,224
Arrow

القول في نزول الرب إلى السماء الدنيا

وإتيانه ومجيئه يوم القيامة
وذلك أنَّ الله تعالى فعّال لما يريد، وقد تواترت السنة بنزول الرب إلى السماء الدنيا. والكتاب قد دلّ على كمال قدرته، وأنَّه الفعّال لما يريد،وأنَّه ليس له مثيل ولا شبيه، فإذا أخبر المعصوم -صلى الله عليه وسلم- بنزوله إلى السماء الدنيا، فما عذر المؤمن إذا لم يعتقد ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، وأنَّه ليس كمثله شيء فهو ينزل كيف يشاء مع كمال علوه، فإنَّ علوه من صفاته الذاتية، ونزوله وإتيانه من أفعاله الاختيارية التابعة لقدرته ومشيئته.
وقال تعالى"وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا " الفجر:22 ، وقال تعالى"هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ "الأنعام: 158. الآية.
وهذا صريح لا يقبل التأويل بوجه، ومن تأوّل هذا فكلُّ صفاته بل وأسمائه الحسنى يتطرّق إليها هذا التأويل، بل التحريف الباطل المنافي للكتاب والسنّة.

القول في رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة
على هذا جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين والهدى، وبه أخبر الله في كتابه في عدة آيات منها قوله تعالى"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ "22" إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ "23" القيامة. أي حسنة نيّرة من السرور والنعيم، تنظر إلى وجه الملك الأعلى.
وقال تعالى"كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ "15: المطففين . وهذا من أدلِّ الأدلة على أنَّ المؤمنين غير محجوبين عن ربهم، لأنَّ الله توعَّد المجرمين بألم الحجاب، فيستحيل أن يُحجب المؤمنون عنه ويكونوا كأعدائه.
وفي عموم قوله تعالى"عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ "23: المطففين. ما يدل على رؤية الباري، فهم ينظرون إلى ما أعطاهم مولاهم من النعيم الذي أعظمه وأجلّه رؤية ربهم، والتمتع بخطابه ولقائه.
وقال تعالى"لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ "يونس: 26. يعني: للذين أحسنوا في عبادة الخالق، بأن عبدوه كأنَّهم يرونه، فإن لم يصلوا إلى ذلك استحضروا رؤية الله تعالى، وأحسنوا إلى عباد الله بجميع وجوه البر والإحسان القولي والفعلي والمالي. فهؤلاء لهم الحسنى وهي الجنة بما احتوت عليه من النعيم المقيم، وفنون السرور، ولهم أيضاً زيادة على ذلك وهو رؤية الله والتمتع بمشاهدته، وقربه ورضوانه والحظوة عنده، بذلك فسّرها النبي صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم (برقم: 181) من حديث صهيب الرومي رضي الله عنه.- ، وكذلك قوله تعالى"لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا " جمعت كلَّ نعيم، "وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ "ق: 35 ، وهو النظر إلى وجه الله الكريم، والتمتع بلقائه وقربه ورضوانه.
وكذلك ما في القرآن من التعميم لجميع أصناف النعيم، فإنَّ أعظم ما يدخل فيه رؤيةُ وجهه الذي هو أعلى من كلِّ نعيم، كقوله تعالى"وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ "الزخرف: 71 ، فكلُّ ما تعلَّقت به الأماني والشهوات والإرادات، فهو في الجنة حاصل لأهلها، وجميع ما تلذه الأعين من جميع المناظر العجيبة المسِرَّة، فإنَّه فيها على أكمل ما يكون.
وقوله"تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ "الأحزاب: 44 ، فهذا إخبار عن تحية الكريم لهم، وأنَّه سلَّمهم من جميع الآفات، وسلَّم لهم جميع اللذات والمشتهَيات، وإخبار عن رؤيته وقربه ورضوانه، لأنَّ اللقاء تحصل به هذه الأمور.

ذكر أصول الإيمان الكلية
قد ذكر الله الإيمان ذكرًا عامًا مطلقًا في مثل قوله"آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ "النساء : 131، "وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ" الحديد : 19، "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا "، وذكره مقيدًا بما يجب الإيمان به.
وأجمع الآيات المقيدة هي الآية العظيمة التي فرض الله فيها على الناس الإيمان بجميع أصوله الكلية، وهي قوله تعالى"قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ "136" البقرة وقد أخبر أنَّ الرسول والمؤمنين قاموا بهذه الأصول في قوله"آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ"
- كما في صحيح مسلم :برقم: 181. من حديث صهيب الرومي رضي الله عنه-.
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ "285"البقرة .
فعلى كلِّ مؤمن أن يؤمن بالله، ويَدْخُلُ في الإيمان بالله الإيمانُ بكلِّ ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال ونفي أضدادها.
وأركان ذلك ثلاثة: الإيمان بالأسماء كالعزيز الحكيم العليم الرحيم.. إلى آخرها.
والإيمان بالصفات: كالإيمان بكمال عزة الله وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته.
والإيمان بأحكام الصفات ومتعلقاتها: كالإيمان بأنَّه يعلم كلَّ شيء، ويقدر على كلِّ شيء، ورحمته وسعت كلَّ شيء.. إلى آخرها.
فهذا الإيمان بالله المتعلق بالعلم والاعتقاد، ثم يتبع هذا الإيمان بالله المتعلق بالحب والإرادة، وهو التأله لله والقيام بعبوديته، امتثالاً لأمره، واجتناباً لنهيه. ولهذا كان القيام بالدين كلِّه تصديقاً واعتقاداً وانقياداً داخلاً بالإيمان بالله.
وبهذا يُعرف أنَّ إطلاق الإيمان في كثير من الآيات القرآنية يشمل هذا كلَّه، لأنَّه رتب على المطلق من الأمر والمدح والثواب ما رتبه على المقيد. فجميع الأوصاف الجميلة داخلة في الإيمان، وكذلك الإيمان التام ينفي الأخلاق الرذيلة كما قال تعالى"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ "4"الأنفال .
فوصفهم بالإيمان القلبي وأعمالِ القلوب مـن التوكل والزيادة في الإيمان، وبأعمال الجوارح من إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة بالقيام بحقه وحق خلقه. وأخبر أنَّ هؤلاء هم الذين حققوا الإيمان، وأنَّ لهم من الله المغفرة الكاملة والثواب التام.
وقال تعالى"قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ 2" إلى أن قال"أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .11" المؤمنون .
فأخبر عنهم بالفلاح، وبشّرهم بالمنازل العالية، كما وصفهم بالإيمان الكامل الذي أثّر في قلوبهم الخضوع والخشوع في أشرف العبادات، وحفظ ألسنتهم وفروجهم وجوارحهم، وبإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ومراعاتهم للأمانات الشاملة لحقوق الله وحقوق خلقه، وأنَّهم مراعون لها، قائمون بها، وبالعهود التي بينهم وبين الله، والتي بينهم وبين خلقه.
وقد ذكر ما يشبه ذلك في سورة المعارج، وكذلك ذكر الله خصال الإيمان في قوله"وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ "البقرة: 177. الآيات، فحيث أطلق الله الإيمان، أو أثنى على المؤمنين مطلقاً دخلت فيه جميع هذه الأمور.
وقد يخص بعضها بالذكر ولكنها متلازمة لا يتم بعضها إلا ببعض.
ومن الإيمان بالملائكة: الإيمان بأنَّهم قد جمعوا خصال الكمال ونزّههم الله في أصل خلقتهم من جميع المخالفات، فهم عباد مكرمون عند ربهم لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وقد جعل الله كثيراً منهم وظائفهم التدبير لحوادث العالم، وأقسم بهم في عدة آيات، فهم المدبِّرات أمراً والمقسِّمات والملقيات للأنبياء والرسل ذكرًا عذرًا أو نذرًا، وهم الحفظة على بني آدم يحفظونهم بأمر الله من المكاره، ويحفظون عليهم أعمالهم خيرها وشرها، وقد وصفوا في الكتاب والسنّة بصفات جليلة، يتعين على العبد الإيمان بكلِّ ما أخبر به الله ورسوله عنهم وعن غيرهم.
ومن الإيمان بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم: الإيمان بأنَّ الله اختصهم بوحيه ورسالته، وجعلهم وسائط بينه وبين عباده في تبليغ رسالاته وأمره وشرعه، وجمع فيهم من صفات الكمال ما فاقوا فيه الأولين والآخرين، من الصدق العظيم، والأمانة التامة، والقوة العظيمة، والشجاعة، والعلم العظيم، والدعوة والتعليم، والإرشاد والهداية، والنصح التام، والشفقة والرحمة بالعباد، والحلم والصبر الواسع، واليقين الكامل.
فهم أعلى الخلق علومًا وأخلاقًا، وأكملهم أعمالاً وآدابًا، وأرفعهم عقولاً، وأصوبهم آراء، وأسماهم نفوسًا.
اختارهم الله واصطفاهم وفضّلهم واجتباهم، بهم عُرِف الله، وبهم وحّد، وبهم عُرف الصراط المستقيم، وعلى آثارهم وصل أهل الجنة إلى كلِّ نعيم، فلهم على العباد الإيمانُ بهم، والاعترافُ بكلِّ ما جاءوا به، ومحبتُهم وتعزيرهم وتوقيرهم واحترامهم، واقتفاء آثارهم والاهتداء بهديهم.
وهذه الأمور ثابتة لجميع الأنبياء، ولنبينا صلى الله عليه وسلم من هذه الأوصاف أعلاها وأكملُها. فلقد جمع الله به من الكمال ما فرقه في غيره من الأنبياء والأصفياء، وله على أمته أن يقدموا محبته على محبة أنفسهم وأولادهم ووالديهم والناس أجمعين، وأن يقوموا بحقه، وهو القيام بشرعه وتعلمه وتعليمه، واتباعه ظاهرًا وباطنًا، ويعتقدوا أنَّه خاتم الأنبياء، وأفضل الخلق أجمعين، وأنَّه أصدق الخلق وأنصحهم وأعظمهم في كلِّ خصلة حميدة، ومنقبة جميلة، وأنَّه أكمل الله به الدين، وأتمَّ به النعمة على المؤمنين، وشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وخصّه بخصائص لم تكن لأحد قبله من الرسل، وأيّده بالآيات البيّنات والمعجزات الظاهرات، والبراهين القواطع، والأنوار السواطع.
صفاته صلى الله عليه وسلم من أكبر الأدلة على صدقه، وأنَّه رسول الله حقاً، وما بعث به من الهدى والرشد والرحمة، والعلوم الربانية، والمعارف الإلهية، والعبوديات الظاهرة والباطنة المزكية للقلوب، المنمّية للأخلاق، المثمرة لكلِّ خير من أعظم البراهين على رسالته، وأنَّها من عند الله.
وما جاء به من القرآن العظيم، وما احتوى عليه من علوم الغيب والشهادة، ومن علوم الظاهر والباطن، ومن علوم الدنيا والدين والآخرة، ومن الهداية إلى كلِّ خير، والتحذير من كلِّ شر، ومن الإرشاد إلى أقوم الطرق وأهدى السبل، وأقرب الوسائل وأرجح الدلائل، كلُّ ذلك دليل وبرهان على أنَّه من عند الله، تنزيل من حكيم حميد، وأنَّ من جاء به هو الرسول الأمين والصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
ولهذا نقول: ومن الإيمان بالله ورسوله: الإيمان بهذا القرآن العظيم، وأنَّه كلام الله حقيقة منزل غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، وأنَّه تكلم به حقاً، وبلغه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم، وبلغه محمد صلى الله عليه وسلم لأمته، فنقلته الأمة كلُّها بأسرها قرناً بعد قرن.
ولهذا كان هذا القرآن متواترًا تواترًا لا يقاربه شيء من الكلام المنقول، وهذا من حفظ الله، فإنَّه تعالى أنزله وتكفّل بحفظه.
ومن تمام الإيمان به التصديق التام بكلِّ خبر أخبر به عن الله، وعن المخلوقات، وعن أمور الغيب وغيرها، وأنَّه لا يمكن أن يأتي خبر صحيح ينقضه، أو يَرِد بما يخالف الحس، بل يعلم أنَّ كلَّ ما خالفه فإنَّه باطل بنفسه.
ومن تمام الإيمان به الإقبالُ على معرفة معانيه، والعمل بكلِّ ما دلّ عليه بالتصديق بأخباره، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه.
وقد وصف الله القرآن بأنَّه هدى ورحمة وشفاء لما في الصدور من أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات، وأنَّه تبيان لكلِّ شيء، فما من شيء يحتاجه الناس في أمور دينهم ودنياهم، إلا وقد بيّنه أتم بيان، وأمر عند التنازع في الأمور كلِّها أن ترد إليه، فيفصل النزاع ويحل المتشابهات بلفظه الصريح، أو بمعانيه المتنوعة التي بيّنتها السنّة، وبلّغها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وأمر العباد بتدبُّره والتفكر في معانيه.
وأخبر أنَّ أحكامه أحسنُ الأحكام، وأخباره أصدق الأخبار، ومواعظه أنجع المواعظ، فهو المبِيْنُ لكلِّ ما يحتاجه الخلق، وهو المفصّل لجميع العلوم؛ كلُّه، محكمٌ من جهة الحِكَمِ والحُكْم والإتقان والانتظام، وكلُّه متشابه في حسنه وبيانه وحقه، وتصديق بعضه لبعض، وبعضه محكم من جهة التوضيح والتصريح، وبعضه متشابه من جهة الإجمال والإطلاق، يجب ترجيعه ورده إلى المحكم ليتضح الأمر ويزول اللبس، فيه الدليل والمدلول، يحتوي على جميع الأدلة النقلية والعقلية والفطرية قد جمع الله فيه كلَّ خير ونفع للعباد.
رد مع اقتباس