عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 07-09-2017, 01:46 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,225
Arrow

الإيمان باليوم الآخر
ومن تمام الإيمان بالله ورسله وكتبه: الإيمانُ باليوم الآخر، وهو كلُّ ما جاء به الكتاب والسنّة ممَّا يكون بعد الموت من أحوال الموت والبرزخ والقبر، والقيامة والجنة والنار، ومتعلقات ذلك كلِّه داخل بالإيمان باليوم الآخر.
وقد تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث المتنوعة في فتنة القبر، وعذابه ونعيمه، وأنَّ الميت تعاد إليه روحه في قبره فيُسأل عن ربه ودينه ونبيه، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، فيقول المؤمن: الله ربي، ومحمد نبيي، والإسلام ديني، فيفسح له في قبره وينوّر له فيه، ويُنَعَّمُ فيه إلى يوم القيامة، كما وُصِفَ ذلك وفُصِّلَ في السنّة.
وأما الكافر والمنافق فيضله الله عن الصواب لظلمه وكفره، فيضيق عليه قبره، ولا يزال يعذب إلى أن تقوم الساعة.
ومن المذنبين من يعذّب في القبر مدة بقدر ذنوبه، ثم يرفع عنه العذاب، ومنهم من يرفع عنه العذاب بشفاعة أو دعاء أو صدقة أو نحو ذلك.
ثم إذا تكامل الآدميون وماتوا جميعاً أمر تعالى إسرافيل بالنفخ في الصور، فيخرجون من قبورهم إلى موقف يوم القيامة، حفاة عراة غرلاً، مهطعين إلى الداع كأنَّهم إلى نصب يوفضون، يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفداً، ويساق المجرمون إلى جهنم ورداً، فيقفون موقفاً عظيماً لا تتصور العقول عظمه وفظاعته وهوله، ولكن الله يخففه على المؤمنين.
ويسيل العرق منهم فيكونون على قدر أعمالهم، منهم من يأخذه إلى كعبيه، وإلى ركبتيه، وإلى حقويه، وإلى حَلقه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، وتدنوا الشمس منهم فتكون على قدر ميل منهم، ويصيب الخلق من الهمِّ والكرب ما الله به عليم، فيفزعون إلى من يشفع لهم إلى ربهم ليريحهم من هذا الموقف، ويفصل بينهم، فيأتون آدم، ثم نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، وكلُّهم يعتذر ويدفعهم إلى من بعده.
فإذا جاءوا لعيسى صلى الله عليه وسلم قال: اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم عبدٍ غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتون محمداً صلى الله عليه وسلم فيجيب طلبتهم ويلبي دعوتهم، ثم يأتي إلى تحت العرش فيسجد لله سجدة عظيمة، يفتح الله عليه من الثناء والتحميد والتمجيد لله ما لم يفتحه على أحد من الأولين والآخرين ويقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يُسمع، وسل تعطَ، واشفع تشفع، ويبعثه الله ذلك المقام المحمود الذي يحمده فيه الأولون والآخرون أهل السماء وأهل الأرض - -حديث الشفاعة الطويل الذي أورد معناه المصنف رواه البخاري (رقم: 7410)، ومسلم (رقم: 193)..
وينزل الله للفصل بين عباده ومحاسبتهم، وحينئذ تنشر دواوين الأعمال الحاوية لحسنات العباد وسيئاتهم، وكلٌّ يُعطى كتابه، فيكون عنوان أهل السعادة أن يعطوا كتبهم بأيمانهم، فيكون ذلك أول البشرى بما تحتوي عليه كتبهم من الخيرات، ويعطى أهل الشقاء كتبهم بشمائلهم، ومن وراء ظهورهم بشارة لهم بالشقاوة، وفضيحة لهم بين الخلائق.
فمن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها، ويحاسب الكفار محاسبة توبيخ وفضيحة بين الخلائق، ثم يؤمر بهم إلى النار، ويحاسب الله بعض المؤمنين حساباً يسيراً يضع الله عليه كنفه ويقرره بذنوبه، فإذا ظن أنَّه هالك قال الله له: إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فلا يطلع عليها أحد من الخلق، ويعطى كتابه بيمينه، وتوضع الموازين التي توزن بها الأعمال الصالحة والسيئة، "فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ "المؤمنون: 102، 103 .
وينقسم الناس ثلاثة أقسام: قسم مستحقون للثواب المحض، سالمون من العقاب، وهم السابقون وأصحاب اليمين، الذين أدوا الواجبات، وتركوا المحرمات، وتابوا مما جنوه من المخالفات.
وقسم مستحقون للعقاب المحض، والمخلدون في نار جهنم، وهم جميع من لم يؤمن بالرسل الإيمان الصحيح، من مشرك ومستكبر، وجاحد ومنافق، ويهودي ونصراني ومجوسي، وجميع من حكمت عليه النصوص الصحيحة بالخروج من الإسلام.
وقسم ثالث ظالمون لأنفسهم مخلطون، فهؤلاء من رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة ولم يدخل النار، وَمَنْ استوت حسناته وسيئاته فهم أهل الأعراف، وهو موضع عال مشرف على الجنة والنار، يقيمون فيه ما شاء الله تعالى، ثم يتداركهم المولى برحمته فيدخلهم الجنة.
ومَنْ رجحت سيئاته على حسناته، فلا بد من دخوله النار بقدر
ذنوبه، ثم بعد ذلك يدخل الجنة إلا أن تحصل له شفاعة، فإنَّ الشفاعة لأهل الذنوب والمعاصي ثابتة، يشفع محمد صلى الله عليه وسلم، ويشفع الأنبياء، ويشفع خواص المؤمنين فيمن استحق النار أن لا يدخلها، وفيمن دخلها وأعماله تقتضي الزيادة على تلك المدة أن يخرج منها، ويخرج الله من النار أقوامًا برحمته.

وينصب الصراط على متن جهنم، يمر الناس عليه على قدر أعمالهم، فمن مرّ عليه فهو من الناجين، ولا يدع الله في النار أحداً في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان، ويبقى فيها أهلها الذين هم أهلها خالدين أبداً، لا يفتر عنهم عذابها.
وقد وصف الله تعالى عذاب النار وصفة أهلها بأفظع الأوصاف، وأنَّ الله يجمع لهم بين أصناف العقاب، يعذبهم بالنار المحرقة التي تطّلع على الأفئدة، وكلما احترقت جلودهم بُدّلوا جلوداً غيرها، ليعاد عليهم العذاب ويذوقوا شدته، وبالجوع المفرط والعطش المفرط.
فالجوع والعطش، من أعظم العذاب والآلام، وما يغاثون به إذا طلبوا الشراب والطعام عذابٌ أشد وأفظع، فإنَّهم إذا استغاثوا للشراب أغيثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه، فلا يدعهم العطش الشديد حتى يتناولوه، فيقطع منهم الأمعاء، ويستغيثون للطعام فيؤتون بالزقوم الذي حرارته أعظم من حرارة الرصاص المذاب، وهي في غاية المرارة وقبح الريح، فيغلي في بطونهم كغلي الحميم، ويسلسل المجرمون بسلاسل من نار، وتغل أيديهم إلى أعناقهم ويسحبون في الحميم، ثم في النار يسجرون.
ويترددون في عذابهم بين لهب النار وحرارتها التي لا يمكن وصفها، وبين برد الزمهرير البارد الذي يكسر العظام من قوة برده، ويجمع لهم بين جميع ألوان العذاب، وبين عذاب الحجاب عن ربهم، وبين اليأس من رحمته، وآخر أمرهم العذابُ المؤبد والشقاء السرمدي.
وأما الجنة وما أعد الله فيها لأهلها من النعيم، وما عليه أهلها من السرور القلبي والروحي والبدني، فقد ذكر الله أوصاف الجنة مبسوطاً مفصلاً في كثير من الآيات، وأطلقه معمَّماً شاملاً في آيات، مثل قوله تعالى"لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ "35"ق ، "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ "يونس: 26 ، "وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ "الزخرف: 71 ، "فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ "السجدة: 17 ، "وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا "20) :الإنسان ، "وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ "74:الزمر ، إلى غير ذلك من الآيات العامة الشاملة لنعيم الأبدان، وسرور الأرواح، وأفراح القلوب، وشهوات النفوس، مما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ووصف نعيمها مفصلاً، فتقدم ذكر رؤية الباري الذي هو أعلى نعيم يحصل لأهل الجنة، والتمتع بلقائه ورضوانه، وسماع كلامه وخطابه.
وأخبر تعالى أنَّ جميع أصناف الفواكه الموجودة في الدنيا موجودٌ في الجنة ما يشبهها في الاسم فقط، لا في الحسن واللذة وطيب الطعم والتنعم بتناوله، وفيها أشياء ليس لها في الدنيا نظير، ولهذا قال"فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ" 52الرحمن ، وقوله"وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ"21:الواقعة. وذللت قطوفها أي ثمارها تذليلاً، كقوله"وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ "الرحمن: 54. يتناوله القائم والقاعد والماشي وعلى أيِّ حال.
وأنَّ أنهارها تجري من تحتهم أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفّى، ولهم فيها من كلِّ الثمرات.
ووصف فرشهم بأنَّ بطائنها من إستبرق وهو أعلى أنواع الحرير، فكيف بالظهائر، وأنَّ لباسهم فيها الحرير، وحليهم الذهب والفضة واللؤلؤ وأنواع الجواهر الفاخرة، وذلك شامل لذكورهم وإناثهم، وأنَّ أزواجهم الحور العين خيّرات الأخلاق، حِسَان الأوجه، جمع الله لهنَّ بين الحسن والجمال الباطن والظاهر، كأنَّهنَّ الياقوت والمرجان من حسنهنَّ وصفائهنَّ، وأنَّهنَّ عُرُب متحببات إلى أزواجهنَّ بحسن التبعُّل، ولطف الآداب، وحسن الحركات والألفاظ الرقيقة والحواشي المليحة.
وأنَّهنَّ أبكارٌ أترابٌ في غاية سن الشباب وقوته، وفي كمال الصفاء بينهنَّ وعدم التباغض، بل نزع الغل من صدور جميع أهل الجنة، إخواناً على سرر متقابلين، وأنَّهنَّ مطهراتٌ من جميع الآفات، مطهراتٌ من الأدناس الحسية والأدناس المعنوية، كاملاتٌ مكملاتٌ، وأنَّهنَّ قاصرات طرفهن على أزواجهنَّ من حسن أزواجهنَّ وعفتهنَّ، قاصراتٌ طرف أزواجهنَّ عليهنَّ من جمالهنَّ الفائق الذي لا يبغي بعلها بها بدلاً، ولا يقول لو أنَّ هذا الوصف أكمل من هذا، لأنَّه يرى ما يحير لبّه، ويذهل عقله من الحسن الباهر، والبهاء التام.
وأنَّهم في الجنة متعاشرون مع أحبابهم وأصحابهم، يتزاورون ويتطارحون الكلام الطيب، والأحاديث الشائقة، ويتذاكرون نعم الله وآلاءه عليهم، سابقاً ولاحقاً، ويسبِّحون الله بكرة وعشياً، وأنَّ الله نزّههم من البول والأدناس، وكلِّ ما لا تشتهيه النفوس، بل طعامهم وشرابهم يخرج عرقاً أطيب من المسك الأَذْفَر، وأنَّ الله جمع بينهم وبين من صلح من آبائهم وأمهاتهم وأولادهم وزوجاتهم ليتم نعيمهم، ويكمل سرورهم.
وهذه الآية تجمع كلَّ نعيم تتعلق به الأماني، وتطلبه النفوس وهي قوله تعالى: "ذَوَاتَا أَفْنَانٍ "48 :الرحمن. وهي جمع فن، لا جمع فنن، أي كلُّ نوع وجنس من النعيم والسرور موجود فيهما، حاصل على أكمل الوجوه وأتمها، وتمام ذلك الخلود الدايم، والنعيم المستمر، والأفراح المتواصلة التي تزداد على الدوام. فجميع ما ورد به الكتاب والسنّة من أحوال الدارين وتفاصيل ذلك كلِّه داخلٌ في الإيمان باليوم الآخر.
والإيمان باليوم الآخر على درجتين:
أحدهما: التصديق الجازم الذي لا ريب فيه بوجود ذلك على حقيقته. فهذا لا بد فيه من الإيمان.
والدرجة الثانية: التصديق الراسخ المثمر للعمل، فإنَّ من علم ما أعد الله للطائعين من الثواب، وما للعاصين من العقاب علماً واصلاً إلى القلب، فلا بد أن يثمر له هذا الإيمان الجد في الأعمال الموصلة إلى الثواب، والحذر من الأعمال الموجبة للعقاب.
ومن أصول أهل السنّة والجماعة أنَّ الدين والإيمان اسم يجمع اعتقادات القلوب وأعمالها وأعمال الجوارح، وأنَّه يزيد وينقص ويتفاضل أهل الإيمان فيه تفاضلاً عظيماً، وجعلهم الله في كتابه ثلاث طبقات:
سابقين إلى الخيرات، وهم الذين أدّوا الواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات والمكروهات، وفضول المباحات.
وأصحاب اليمين اقتصروا على أداء الفرائض، واجتناب المحارم.
وظالمين لأنفسهم خلطوا عملاً صالحاً، وآخر سيئاً، عسى الله أن يتوب عليهم.
قال تعالى"وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ "التوبة ، وقوله"لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ "الفتح: 4 ، "وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى "مريم: 76" . والهدى هو علوم الإيمان وأعماله، والنصوص على هذا الأصل من الكتاب والسنّة كثيرة جدًا.
وهو معلومٌ بالحس والوجدان؛ فإنَّ المؤمنين يتفاضلون في علوم الإيمان، قلة وكثرة، وقوة يقين وضعفه، ويتفاضلون في أعمال القلوب التي هي روح الإيمان وقلبه، مثل محبة الله وخوفه ورجائه، والتوكل عليه والإنابة إليه، والإخبات والخضوع والتعظيم. هذا أمر لا يمتري فيه من له أدنى عقل.
ويتفاضلون في أعمال الجوارح كالصلاة والزكاة والصيام والحج فرض ذلك ونفله، والقيام بحقوق الله وحقوق عباده من البر والصلة للأقارب والجيران والأصحاب والإحسان إلى الخلق تفاوتاً عظيماً.
فمن زعم أنَّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فقد قال ما خالف النقل والعقل والحس والواقع، حتى ولو فسَّره بمجرد التصديق، فإنَّه يتفاوت تفاوتًا ظاهرًا لكلِّ أحد.
ويتفرَّع على هذا الأصل أنَّ العاصي وصاحب الكبيرة لا يخرج من الإيمان بالكلية، ولا يعطى الاسم الكامل المطلق، فهو مؤمن بما معه من الإيمان، فاسق ناقص الإيمان بما تركه من واجبات الإيمان، ما معه من الإيمان الذي لا يخالطه كفر يمنعه من الخلود في النار.
وأما الإيمان المطلق الكامل، فإنَّه يمنع دخول النار بالكلية، وقد ذكرنا في القواعد أنَّ أسماء المدح والثناء على المؤمنين، وترتيب الثواب المطلق عليه ونفي العقاب إنَّما هو الإيمان الكامل، وأنَّ خطاب الله للمؤمنين بالأمر والنهي والتشريع يعمُّ كاملَ الإيمان وناقصَه - انظر القاعدة الثامنة والعشرين من كتاب المصنف «القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن» ص60..
ويتفرع أيضاً على هذا الأصل أنَّ العبد قد يجتمع فيه خير وشر، وإيمان وخصال كفر، أو نفاق، وأنَّه يستحق المدح على ما فيه من خصال الخير، والذم على ما فيه من خصال الشر.
ومن أصول أهل السنّة والجماعة: الإيمان بقضاء الله وقدره، وهو داخل في الإيمان به وبكتبه وبرسله، فيعلمون أنَّ الله قد أحاط بكلِّ شيء علماً، وأنَّه كتب في اللوح المحفوظ جميع الحوادث، صغيرها وكبيرها، سابقها ولاحقها، ثم قدّرها وأجراها بمواقيتها بحكمته وقدرته وعنايته وتمام علمه، وأنَّه كما أنَّ جميع الحوادث - إلى هنا انتهى المنسوخ في «بستان العارفين..» وجاء في خاتمته «.. وأنَّه كتب في اللوح المحفوظ جميع الحوادث بمواقيتها بحكمته وقدرته، وأنَّ أعمال العباد مع أنَّهم فاعلون لها حقيقة فإنَّها داخلة في قضائه وقدره، فالله خالقهم وخالق جميع صفاتهم، وخالق السبب التام خالقٌ للمسبب، فلا يجبرهم عليها بل وقعت بإرادتهم وقدرتهم، وهم الذين عملوها واستحقوا جزاءها من خير وشر، والله أعلم وصلى الله على محمد وسلم». وإلى هنا ـ كذلك ـ انتهت النسخة التي بعنوان: «فتح الرب الحميد..».
مرتبطة بحكمته وعلمه فإنَّها مرتبطة بقدرته، وأنَّه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنَّ أعمال العباد كلَّها خيرها وشرها داخلة في قضائه وقدرته، مع وقوعها طبق إرادتهم وقدرتهم، ولم يجبرهم عليها، فإنَّه خلق لهم جميع القوى الظاهرة والباطنة، ومنها القدرة والإرادة التي بها يختارون وبها يفعلون.
رد مع اقتباس