عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 07-09-2017, 02:20 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,224
Arrow

الإشارة إلى ما في القرآن من براهين التوحيد

توحيد الألوهية والعبادة
لما كان توحيدُ الباري أعظم المسائل وأكبرها وأفرضها وأفضلها، وحاجة الخلق إليه وضرورتهم فوق كلِّ ضرورة تقدر، فإنَّ صلاحهم وفلاحهم وسعادتهم متوقفة على التوحيد نوّعَ الله الأدلة والبراهين على ذلك، وكانت أدلته واضحات، وبراهينه ساطعات.
فمن أوضح أدلته وأجلاها الاستدلال على ذلك باعتراف الخلق برّهم وفاجرهم، إلا شرذمة ملحدة، معطلة للباري. فالخلق كلُّهم مسلمهم وكافرهم قد اعترفوا بأنَّ الله هو الخالق وما سواه مخلوق، وهو الرازق ومن سواه مرزوق، وهو المدبِّر وما سواه مُصَرَّف مُدبَّر، وهو المالك وما سواه مملوك. فهذا يدل أكبر دلالة على أنَّه لا يستحق العبادة سواه.
ولهذا يستدل به على المشركين ويأخذهم باعترافهم كقوله"قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ "89المؤمنون.وآيات كثيرة جدًا فيها هذا المعنى، لأنَّه برهان واضح، ينقل الذهن منه بأول وهلة، بأنَّ من هذا شأنه وعظمته، أنَّه هو المنفرد بالوحدانية المستحقة للعبودية وإخلاصِ الدين له.

ومن براهين التوحيد: إخباره في عدة آيات أنَّ جميع ما يُعبد من دونه مخلوق، فقير عاجز، لا يستطيع نفعًا ولا دفعًا ولا جلب خير لعابده، ولا وقاية شر، ولا ينصر من عبده ولا أنفسهم ينصرون.
ومن كان بهذه المثابة فمن السفه والحمق الجنوني عبادته وخوفه ورجاؤه، وتعليق القلوب به، وإنَّما يجب تعليق القلوب بالغني المطلق، الذي ما بالعباد من نعمة ولا خير إلا منه، ولا يدفع المكاره إلا هو.
وهذا أيضًا برهان آخر: أنَّه لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو، وهو الذي يجيب المضطرين، وينقذ المكروبين، ويكشف السوء عن المضطهدين، وهو الذي جعل لعباده الأرض قرارًا، وأجرى لهم فيها أنهارًا، وجعلها مهاداً مهيئة لجميع مصالحهم ومنافعهم، وأنزل من السماء ماءً فأنبت به حبًا ونباتًا، وجنات ألفافًا، وأنبت به حبًا، وعنباً وقضبًا، وزيتونًا ونخلاً، وحدائق غلباً، وفاكهةً وأبًّا، متعًا لكم ولأنعامكم.
وهو الذي يطعم عباده ويسقيهم، وإذا مرضوا يشفيهم، وهو الذي يحيي ويميت، وإذا قضى أمرًا قال له كن فيكون.
وهو الذي يُطعِم ولا يُطعَم، ويُجير ولا يُجار عليه، ويُغيث ولا يُغاث.
وهو الذي خلق الإنسان وعلّمه الكتابة والبيان، وعلّم القرآن، وجعل الشمس والقمر والكواكب للمصالح المتنوعة والحسبان، والسماء رفعها ووضع الميزان، وأمر عباده أن يسلكوا طريق العدل، ولا يطغوا في الميزان.
وهو الذي مرج البحرين، هذا عذب فرات سائغ شرابه، وهذا ملح أُجاج، ومن كلٍّ تأكلون لحمًا طريًا، وتستخرجون منه حلية تلبسونها، وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون.
وهو الذي سخّر لعباده جميع ما في السموات والأرض، وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة، وآتاهم من كلِّ ما سألوه بلسان المقال ولسان الحال.
وهو الذي جعل لهم الليل لباسًا، والنهار معاشًا، "وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "73:القصص .
وهو الذي خلق من الماء بشرًا، فجعله نسبًا وصهرًا، وجعلهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا.
وهو الذي جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، والقوى الظاهرة والباطنة.
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر.
وهو الذي بيده الملك والحمد، وبيده الخير، ويُعِز، ويُذِل، ويُعطي، ويمنع، ويقبض، ويبسط.
وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه، وله المثل الأعلى.
وهو الذي جعل لعباده الأنعام، فمنها ركوبهم، ومنها يأكلون، ولهم فيها منافع ومشارب، وتحمل أثقالهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة، ويخلق ما لا تعلمون.
وهو الذي أوحى إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً، ومن الشجر ومما يعرشون.. الآيات.
وهو الذي خلق لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة، ورزقكم من الطيبات.
وهو الذي جعل لكم من بيوتكم سكنًا، وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتًا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثًا ومتاعًا إلى حين.
وهو الذي خلق لكم من الجبال أكنانًا، وجعل لكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا تتزينون به.
وهو الذي جعل لكم المساكن كفاتاً أحياءً في الدور وأمواتًا في القبور، "أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ"10" البلد،"أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ "23"المرسلات .
ألمْ يتفضل بما هو أعظم من ذلك بالنعم الدينية والأخروية التي هي السبب في السعادة الأبدية.
ألم يمنَّ على المؤمنين بالإسلام والإيمان، ويبعث فيهم رسولاً يتلو عليهم آياته، ويزكيهم ويعلِّمهم الكتاب والحكمة، ويزكيهم ويعلِّمهم ما لم يكونوا يعلمون.
ألم يوضح لهم الصراط المستقيم، ويكمل لهم الدين، ويمنّ عليهم بالهداية التامة، هداية التعليم والتفهيم والإرشاد، وهداية التوفيق والعمل والانقياد.
ألم يخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة، ومن ظلمات الغفلة إلى نور الإنابة إليه وذكره.
ألم ييسرهم لليسرى ويجنّبهم العُسرى.
ألم يحبّب إليهم الإيمان ويزيّنه في قلوبهم، ويكرِّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ويجعلهم من الراشدين فضلاً منه ونعمة، والله عليم حكيم.
ألم يعصمهم من موبقات الآثام، ويحفظهم من فتن الشكوك والشبهات والأوهام.
ألم يفتح لهم أبواب التوبة والرحمة، ويأمرهم بالأسباب التي يدركون بها رحمته وينجون بها من عقابه.
ألم يجعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والسيئة بواحدة، ومآلها العفو والصفح والغفران، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، ويأخذ الصدقات وأنَّ الله هو التواب الرحيم.
"قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ "53"الزمر ، "وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى" 82طه .
ألم يكن جانب فضله وكرمه ورحمته في جميع الأمور سابقًا وغالباً: «إن رحمتي سبقت غضبي» -- رواه البخاري (رقم: 7553)، ومسلم (رقم: 2751).، وفي لفظ: «غلبت».
فللرحمة السبق والإحاطة والسعة، ولها الغلبة بحيث يضمحل معها أسباب العقوبة كما تقدم في الحسنات والسيئات، وإنَّ العبد لو أفنى عمره في المعاصي، ثم في ساعة واحدة قبل أن يغرغر تاب وأناب، غَفَرَ له كلَّ ذلك وأبدل سيئاته حسنات.
وأنَّ أدنى مثقال حبة خردل من إيمان يمنع الخلود في النار، وأنَّ الكفار والفجار وأصناف العصاة يبارزون المولى بالمخالفات والعظائم، وهو يعافيهم ويرزقهم ويُدِرُّ عليهم النعم ويستعتبهم، ويعرض عليهم التوبة، ويُخبِرهم أنَّهم إن تابوا عفى عنهم وغفر لهم، حتى إذا ماتوا وهم كفار ولم يكن فيهم من الخير مثقال ذرة وَلاَّهُمْ ما تولوا لأنفسهم ورضوا لها من الشقاء الأبدي.
وإذا كان جميع ما فيه الخلق من النعم والأفراح والمسرَّات أسبابها ومسبباتها، الظاهرة منها والباطنة، الدينية والدنيوية، كلُّها من الله، وهو الذي تفضل بها من غير سبب منهم، فإن حصل بعض الأسباب الواقعة من الخلق التي ينالون بها نعمه ورحمته، فتلك الأسباب هو الذي أعطاهم إياها، فمنه كلُّ شيء محبوب، وجميع الشرور والمكاره هو الذي دفعها ويسّر دفعها.
فمن كان هذا شأنه العظيم وخيره الجسيم، أليس هو الذي يستحق أن يبذل له خالص العبودية، وصفو الوداد، وأحق من عُبد، وأولى من ذُكر وشُكر، فتباً لمن أشرك به من هو مضطر إليه في كلِّ أحواله، فقير في جميع أموره.
ومن براهين التوحيد: ما يصف الله به الأوثان ومن عُبد من دونه من النقص العظيم، وأنَّها فاقدة للكمال، وربما كانت فاقدة أيضاً للأقوال والأفعال، وأنَّها لا تخلق ولا ترزق باعتراف عابديها، وليس لها ملك ولا شركة في الملك، وليس لها مظاهرة لله ولا معاونة بوجه من الوجوه، وليس الله محتاجًا إليها، ولا إلى غيرها، بل هو الغني الحميد.
"وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ "20 النحل ، ولا يملكون لهم نفعاً ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، ولا ينصرونهم ولا أنفسهم ينصرون، "وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ *"الأحقاف6،5 . "إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ "الحج: 73 ، "إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ "الأعراف: 194، ، "أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى "يونس: 35،"مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ "41:العنكبوت .
إلى غير ذلك من الصفات الناقصة التي وصف الله بها كلَّ ما عبد من دونه، وهي معلومة حتى عند العابدين لها، ولكنَّهم يزعمون الزعم الباطل أنَّهم يريدون أن تشفع لهم أو تقربهم إليه زلفى.
وهذا القصد الخبيث أعظم مُبعد لهم عن الله، فإنَّه لا يُتقرب إليه إلا بما يحب، ولا يُتوسل إليه إلا بالإيمان والتوحيد الخالص، والأعمال الخالصة لوجهه. ومن تقرب إليه بالشرك لم يزدد منه إلا بُعدًا، وبذلك قطع الصلة بينه وبين ربه فاستحق الخلود في النار وحرّم الله عليه الجنة.
ومن براهين التوحيد: أيامه بين عباده، وإكرامه للرسل وأتباعهم الذين قاموا بتوحيده، وإنجائهم من الشرور والعقوبات، وإحلاله المثلات بالأمم المشركة بالله، المستكبرة عن عبادة الله، المكذبة لرسل الله لما حذرهم وأنذرهم، وأقام عليهم الحجج المتنوعة والآيات المفصلة على توحيده وصدق رسله، فكذبوا فأوقع بهم أنواع العقوبات المتنوعة، "فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ 40:العنكبوت .
ثم خاتمة ذلك ما نصر به خاتم رسله محمدًا صلى الله عليه وسلم حين بعثه بالتوحيد الخالص والنهي عن الشرك، فقاومه أهل الأرض الأقربين منهم والأبعدين، ومكروا في نصر باطلهم، وإبطال الحق الذي معه المكرات العظيمة، فخذلهم الله ونصر نبيه وأتباعه النصر الذي لا مثيل له، إنَّ في ذلك لآية على أنَّ دين الله الذي هو التوحيد والإيمان هو الحق، وأنَّ ما يدعون من دونه هو الباطل، وأنَّ رسوله هو الصادق الأمين، وأنَّ جميع من عاداه لفي أعظم الغي والضلال والشقاء.
ومن البراهين على التوحيد وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وهو داخل في الإيمان بالله ورسوله، والإيمان بالغيب، ما قصّه الله في كتابه من الغيوب الماضية والحاضرة والمستقبَلة التي لا تزال تحدث شيئًا فشيئًا طبق ما أخبر به القرآن.
فمن ذلك ما أخبر به عن تفاصيل الوقائع الماضية في قصص الرسل في أنفسهم، ومع أقوامهم من أتباعهم وأعدائهم تفصيلاً ليس لأحد طريق إلى تحصيله، إلا الوحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ونهاية ما عند خواص أهل الكتاب من تلك التفاصيل نتف وقطع لا يحصل منها قريباً مما يحصل بالقرآن.
ولهذا يخبر في أثناء هذا القصص أنَّ إتيان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بها دليل على رسالته، كقوله بعدما ذكر قصة موسى مبسوطة، "وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ "46. القصص.
أي أنَّه لا سبيل لك إلى معرفة هذه الأمور بتلقِّ عن أحد، ولا وصول لذلك إلا من جهة الوحي الذي أوحاه إليه، وكذلك ذكر الله هذا المعنى في آخر قصة يوسف المطولة في قوله"وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ "يوسف: 102 الآية. وفي قصة مريم وزكريا"وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ"آل عمران: 44 .
فكلُّ هذا يدل أكبر دلالة على رسالة وصحة ما جاء به من التوحيد، حيث جاءتهم هذه الأمور المفصلة بطريقة لا سبيل إليها إلا بالوحي.
ومثل ذلك خبره عن الملائكة والملأ الأعلى، وقصة آدم وسجود الملائكة له بعد تلك المراجعات فقال"مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ "69:ص .
وأعظم من ذلك كلِّه وأجلّ، إخباره صلى الله عليه وسلم عن الرب العظيم وقصّه لصفاته العظيمة مفصلة، بحيث جاء هذا القرآن بما لم يأتِ به كتاب قبله. وأخبر عن الله أخبارًا عظيمة عجزت قُدَرُ الأولين والآخرين أن يأتوا بما يقاربها، أو بما ينقضها، أو ينقض بعضها.
فجميع الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، جميع ما فيها من الخبر عن الله فإنَّه في القرآن، وفي القرآن زيادات عظيمة وتوضيحات تدل أكبر دلالة على أنَّ من جاء به إمام الرسل وسيد الخلق، وأنَّ هذا القرآن مهيمن على ما قبله من الكتب، وأنَّ كلَّ حق قاله وتكلم به أحد من الخلق فهو في ضمن القرآن.
فإن قيل: فكيف تجعلون هذا البرهان الذي هو الخبر عن الله وعن كماله ونعوت جلاله، من براهين رسالة محمد وأدلة التوحيد وأنتم في مقام التكلم مع الموافق والمخالف والمعترف برسالة محمد صلى الله عليه وسلم والمنكر لها، وذلك من أمور الغيب التي لا يعترف بها إلا كلُّ مؤمن، وأنتم تريدون جعله برهاناً يسلِّم بصحته حتى المخالفون المنكرون لرسالته، إذا سلكوا طريق الإنصاف والاعتراف بالحقائق الثابتة التي يسلمها جميع العقلاء المعتبرين.
قيل في الجواب عن هذا الإيراد: هذا البرهان يتضح وينجلي بأمور:
منها: أنَّ الذي جاء به رجل أميّ لا يقرأ ولا يكتب، وقد نشأ بين أميين لم يجالس أحداً من أهل العلم، ولم يدرس كتابًا، ولم يزل على هذه الحال حتى جاء بهذا الكتاب الذي معظمه هذه الإخبارات الجليلة المتناسبة المحكمة، فبمجرد النظر إلى هذه الحالة التي عليها محمد صلى الله عليه وسلم وإتيانه بهذا الكتاب برهان قوي يضطر إليه الناظر أنَّه حق، وما احتوى عليه حق، وأنَّه لا سبيل له إلى ذلك إلا بالوحي والرسالة.
ثانيًا: أنَّه صدق جميع الكتب وجميع ما أخبرت به الرسل، فجميع ما في كتب الله من التوحيد والصفات، وما أخبرت به الرسل عن ذلك فما جاء به محمد يصدق ذلك ويوافقه ويشهد له مع ما هو عليه صلى الله عليه وسلم من الوصف المذكور.
ثالثًا: أنَّ هذه الأسماء الحسنى والصفات العليا التي أخبر بها عن الله كلَّها متصادقة، يصدق بعضها بعضًا، ويناسب بعضها بعضًا، حيث دلّ كلُّ معنى منها على الكمال المطلق بكلِّ وجه وبكلِّ اعتبار، الذي لا كمال فوقه بل لا يمكن عقول العقلاء أن تتصوَّر معنى واحدًا من معاني تلك الأوصاف، فهذا أكبر دليل على أنَّها حق، وأنَّ من جاء بها هو رسول الله حقًا.
رابعًا: أنَّ آثارها ومتعلقاتها في الوجود والخلق والأمـر مشهودة محسوسة؛ فآثار ما أخبر به من العظمة والملك والسلطان، وآثار ما أخبر به من العلم المحيط والحكمة الواسعة، وآثار ما أخبر به من الرحمة والجود والكرم، وآثار ما أخبر به من إجابة الدعوات، وتفريج الكُرُبات، وإزالة الشِّدَّات، وآثار ما أخبر به من كمال القدرة، ونفوذ الإرادة وكمال التصرف والتدبير، إلى غير ذلك مما أخبر به عن الله، فإنَّ آثاره تلك في الوجود مشهودة لكلِّ أحد، لا ينكرها أو يتوقف فيها إلا مكابر، فهو يخبر صلى الله عليه وسلم عن غيب محكم، يشاهد الخلق من آثاره ما يدلهم دلالة قاطعة على ذلك.
خامسًا: هذه النعوت العظيمة التي أخبر بها عن الله، لا يمكن التعبير عن آثار معرفتها في قلوب العارفين بها من التعظيم والإجلال الذي ليس له نظير، ومن الودِّ والسرور والابتهاج الذي لذَّات الدنيا بالنسبة إليه أقل من قطرة بالنسبة إلى البحر، وهم خلق لا يحصي عددهم إلا الذي خلقهم، وهم عِلْيَةُ الخلق، وخلاصة الوجود، وأكمل الناس أخلاقاً وآدابًا، وأرجحهم عقولاً وأصوبهم، إلا وقد اتفقوا على هذا الأمر العظيم ليس اتفاقًا علميًا فحسب، بل هو اتفاق اعتقادي علميّ يقينيّ وجدانيّ ضروريّ.
فهذا الاتفاق الذي ليس له نظير، وهو من آثار ما أخبر به النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه من الكمالات من أعظم البراهين على صدق رسالته، وصحة ما جاء به من التوحيد الخالص.
فإن قلت: قد يتفق طوائف من الخلق على بعض الأمور التي ليست بحق ويكثرون جدًا. وقد اتفق العقلاء على أنَّ ذلك ليس دليلاً على صوابهم إن لم يكن لهم بذلك برهان.
فالجواب: إنَّ الأمر كذلك، ولكن ما ذكرنا من اتفاق أهل المعرفة بالله لا يشبهه شيء من تواطئ الطوائف واتفاقها، كما ذكرنا أنَّه مبني على العلم اليقيني والبرهان الوجداني، والآثار الجميلة الجليلة التي لا يمكن أن تقع خطأ، أو عن غير بصيرة، وهم بهذا الوصف الذي ذكرنا. ولهذا قال تعالى"شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "18"آل عمران . فذكر شهادة أولي البصائر من الأنبياء والعلماء الربانيين على التوحيد، وأنَّها من أعظم البراهين عليه.
وكذلك أخبر عن الملائكة والجنة والنار، وتفاصيل ذلك بأمور يعلم أنَّه لا يمكن أن يأتي بها إلا نبي مرسل، موحى إليه من الله بذلك. فمعارف الخلق وعلومهم تقصر غاية القصور عن بيان بعض ذلك، ولكنَّها رحمة الله وهدايته لعباده بعثها على يد خاتم الرسل وأكملهم رسالة، وحظهم من هذه الرحمة بحسب نصيبهم من هذه الهداية.
وأما الغيوب الحاضرة والمستقبلة الدال كلُّ واحد منها على صدقه وحقّية ما جاء به، فكيف بجميعها، فكيف إذا انضمت إلى براهين رسالته التي لا تحصى أجناسها، فضلاً عن أفرادها.
فمن ذلك ما في القرآن من وعده لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يتم الله أمره وينصره، ويعلي دينه ويظهره على الدين كلِّه، ويخذل أعداءه ويجعلهم مغلوبين مقهورين أذلّين.
وهذا كثير جدًا مثل قوله تعالى"هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ"9:الصف ، "وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ "الصف: 8 ، "وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا "الفتح:3 ، "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ "الأنفال: 39 ،"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ "الأنفال: 36 ، "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ":الأنفال :64، إلى غير ذلك من الآيات التي أخبر بها بهذه الأمور العظيمة والأوعاد الصادقة التي وقعت طبق ما أخبر الله به، فازداد بذلك المؤمنون إيماناً. ولهذا يذكر تعالى نعمته في قوله تذكيراً لعباده المؤمنين: "وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "26:الأنفال .
وكذلك قوله"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "70:الأنفال. وقد فعل ذلك.
وقوله لرسوله والمؤمنين"وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ " الآية .الفتح: 20. ، وقد فعل. وأخبر أنَّ صلح الحديبية فتح مبين، مع ما فيه من تلك الشروط التي كرهها أكثر المؤمنين، ثم تبين لكلِّ أحد بعد ذلك أنَّه فتح مبين، فيه من المصالح للإسلام والمسلمين ما لا يمكن إحصاؤه.
ومن ذلك قوله"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ "التوبة: 28. الآية، وقد وقع ذلك كلُّه.
وإخباره أنَّه سيتوب على كثير من أئمة الكفر، وينصر عباده عليهم كقوله"قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ "التوبة ، وقوله"لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ "آل عمران: 128 ، وقوله"عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "7:الممتحنة. وقد فعل ذلك.
وقوله تعالى"سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ "البقرة: 142. وقد قالوا ذلك.
وقوله"فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ "البقرة: 137 ، "وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ "المائدة: 67 ، "أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ " الزمر: 36 ، "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ "30:الأنفال ، "إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا "17 "الطارق ، وقد أوقع بهم مصداق ذلك من الأخَذَات ما أوقع.
وقوله"وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى "4:الضحى. أي كلُّ حالة متأخرة من أحوالك خير لك من سابقتها، ومن تتبع سيرته وأحواله صلى الله عليه وسلم وجد ذلك عياناً، كلُّ وقت خيرٌ مما قبله في العز والتمكين وإقامة الدين، إلى أن قال له في آخر حياته"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا "المائدة: 3 .
وقال تعالى"الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ "الروم. وقد وقع ذلك كما أخبر.
وقال تعالى"وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ" الشعراء: 227 ،"وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ" الرعد: 42 . وهذا وعيد بأنَّ عواقبهم ستكون وخيمة فوقع طبق ما أخبر.
وقوله" فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ "5" بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ "6:القلم. وقد أبصر كلُّ أحد أنَّهم هم المفتونون.
وقوله"فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا "6" الشرح ، "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا "الطلاق: 7 ، وقد يسّر الله الأمور بعد عسرها، ووسعها بعد ضيقها وشدتها.
وقوله"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ِ "النور: 55. الآيات، وقد فعل وله الحمد، "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ "105 "الأنبياء .
وقال تعالى"قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ "الفتح: 16. وقد دعوا لذلك في وقت أبي بكر وعمر والخلفاء والملوك الصالحين.
وقوله"إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ "51 غافر ، "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ُ "الروم: 47 ، "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ "39الحج .
وقوله"لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ "الفتح: 27 الآية.
وقوله"سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ "الفتح: 15]الآية. - في الأصل "سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ" الآية، والصواب المثبت، والشاهد من الآية هو قوله تعالى"كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ" حيث إنَّ فيها ذكرَ وعد الله السابق لنبيه صلّى الله عليه وسلّم بأن تكون غنائمُ خيبر خاصة بمن شهد معه الحديبية -.
وقوله"سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ "التوبة: 95 ، وقد قالوا ما ذكر الله أنَّهم سيقولونه.
وقوله تعالى"أمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ "44" سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ "45 "القمر ، وقد وقع ذلك في بدر بعد هذا الكلام.
ومن ذلك قوله"تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ "4" فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ "5 ".المسد
وقوله"ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا "11" إلى قوله"سَأُصْلِيهِ سَقَرَ "26"المدثر. الآيات. فأخبر عن أبي لهب وامرأته، وعن هذا الوحيد بصلي النار، ومن لازم ذلك بقاؤهم على كفرهم وتكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم، فوقع وبقوا على ذلك حتى هلكوا.
وقوله"إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ "95.الحجر. فوعده بكفايته إياهم، فأوقع بهم العقوبات المتنوعة وهي معروفة بين أهل السير.
وقوله لما ذكر مكر رؤساء الكفر"جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ "11.ص ، وقوله "فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ .83 .الزخرف .
وقوله في آيات التحدي"فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ "البقرة: 24- فأخبر أنَّهم لن يفعلوا في المستقبل فلم يفعلوا، وكذلك في تحدي اليهود"قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا"البقرة: 94، 95] الآية. فلم يقع منهم التمني في وقت التحدي الذي دلّ عليه السياق.

- في الأصل "سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ" الآية، والصواب المثبت، والشاهد من الآية هو قوله تعالى: "كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ" حيث إنَّ فيها ذكرَ وعد الله السابق لنبيه صلّى الله عليه وسلّم بأن تكون غنائمُ خيبر خاصة بمن شهد معه الحديبية.


رد مع اقتباس