عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 07-11-2017, 11:56 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,225
Arrow

النوع الثاني من علوم القرآن ومقاصده
علم الآداب والأخلاق الكاملة
القرآن الكريم كتاب تعليم وإرشاد، وكتاب تربية على أكمل الأخلاق، وأحسن الآداب، وأسمى الأوصاف، وحث عليها بكلِّ وسيلة، وزجر عن ضدها، لا يوجد خلق كامل وإلا وقد دلّ عليه القرآن، ولا أدب حميد إلا وقد دعا إليه وبيّنه، والأخلاق الكاملة والآداب السامية تجعل صاحبها مستقيم الظاهر والباطن، معتدل الأحوال، مكتمل الأوصاف الحسنة، طاهر القلب نقيّه من كلِّ درن وآفة ونقص، قوي القلب، متوجهاً قلبه إلى أعلى الأمور وأنفعها، قائماً بالحقوق الواجبة والمستحبة، محموداً عند الله وعند خلقه، قد حاز الشرف والاعتبار الحقيقي، وسلم من كلِّ دنس وآفة، قد تواطأ ظاهره وباطنه على الاستقامة، وسلوكِ طريق الفلاح، وعلُوُ مكانة المتخلق بأخلاق القرآن وآدابه لا يمتري فيه من له أدنى مسكةٍ من عقل، لأنَّ العقل من أكبر الشواهد على حسن ما جاء به الشرع.

ولهذا ينبّه الله أولي العقول والألباب، ويوجّه إليهم الخطاب، لأنَّه كلَّما كمل عقل الإنسان عرف كمال ما جاء به الشرع، وأنَّه يستحيل وجود قانون أو نظام أو غيرها يقارب ما جاء به القرآن كمالاً وفضلاً، ورفعة وعلواً ونزاهةً، ويُعرف ذلك بتتبع ما جاء به القرآن.

فمن أخلاقه وآدابه التي فاقت جميع الأخلاق: الحثُ على
الإخلاص لله في الأقوال والأفعال، والإنابة إلى الله في جميع الأحوال،كما أمر الله بالإخلاص في آيات عديدة، وأثنى على المخلصين والمنيبين إليه، وأخبر أنَّهم المنتفعون بالآيات.


فالإنابة هي انجذاب القلب، وإقباله التام على الله، ويتحقَّق ذلك بالإخلاص لله في كلِّ ما يأتي العبد وما يذر، في معاملته لله والقيام بعبوديته، وفي معاملته للخلق والقيام بحقوقهم. فأصل استقامة القلب بهذين الأمرين، فإنَّ المنيب المخلص لله تعالى قد استقام على الصراط المستقيم، وقد تواطأ ظاهره وباطنه على الخير المحض، وقد سهلت عليه الأعمال بما في قلبه من قوة الإنابة، وما يرجو من ربه من جزيل الثواب.

ولا يخفى أنَّ النصيحة التي هي الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة»-رواه مسلم (رقم: 55).-ثلاثاً، لا يمكن وجودها ولا تمامها إلا بهذين الأمرين. فالمنيب المخلص لله لا تجده إلا ناصحاً لله ولرسوله، ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم.

قال تعالى"وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ "الزمر: 54."مُنِيبِينَ إِلَيْهِ "الروم: 31،"إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ" .سبأ: 9. ، "وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ "ق: 33 .

وقال تعالى"وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ "البينة: 5."أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ "الزمر: 3.

وقال في وصف النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار أفضلِ هذه الأمة"يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا "المائدة: 2 .

وقال تعالى"لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا "114:النساء .
فالمخلص لله قد علق قلبه بأكمل ما تعلقت به القلوب من رضوان ربه وطلب ثوابه، وعمل على هذا المقصد الأعلى فهانت عليه المشقات-رواه مسلم (رقم: 55).-وسهلت عليه النفقات، وسمحت نفسه بأداء الحقوق كاملة موفرة، وعلم أنَّه قد تعوض عما فقده أفضل الأعواض وأجزل الثواب وخير الغنائم.

وأيضًا من ثمرات الإخلاص أنَّه يمنع منعًا باتًا من قصد مراءاة الناس وطلب محمدتهم، والهرب من ذمهم، والعمل لأجلهم، والوقوف عند رضاهم وسخطهم، والتقيد بإرادتهم ومرادهم، وهذا هو الحرية الصحيحة أن لا يكون القلب متقيدًا متعلقًا بأحدٍ من الخلق.


ومن ثمرات الإخلاص أنَّ العمل القليل من المخلص يعادل الأعمال الكثيرة من غيره، وأن أسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال: «لا إله إلا الله خالصًا من قلبه» - كما ثبت ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المخرج في صحيح البخاري (رقم: 99).-، وأنَّه أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه - حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رواه البخاري :رقم: 1423-.. وأنَّ المخلص يصرف الله عنه من السوء والفحشاء ما لا يصرفه عن غيره. قال تعالى عن يوسف"كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ "يوسف: 24. قرئ بكسر اللام وفتحها، وهما متلازمتان، لأنَّ الله تعالى لإخلاصهم جعلهم من المخْلَصين.

فالمخلصون هم خلاصة الخلق وصفوتهم، وهل يوجد أكمل ممن خلصت إرادتهم ومقاصدهم لله وحده، طلباً لرضاه وثوابه، وتفرعت أعمالهم الظاهرة والباطنة على هذا الأصل الطيب الجليل، ومثلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ
"كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا "إبراهيم: 24، 25 .

ومن ثمرات الإخلاص الطيبة: أنَّ المخلص إذا عمل مع الناس

إحساناً قوليًا، أو فعليًا أو ماليًا أو غيره، لم يبال بجزائهم ولا شكرهم لأنَّه عامل الله تعالى، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولا يثني عزمه ونشاطه قلة شكرهم له، فقد قال تعالى في حق المخلصين"إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا "9: الإنسان.




رد مع اقتباس