عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-08-2020, 06:31 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,217
Post


*الفتنة الثالثة:فتنة العلم:
وتتمثل في قصة موسى مع الخَضِر:
ظنّ موسى عليه السلام أنه أعلم أهل الأرض ولا يوجَد مَن هو أعلَم مِنه.فَأوْحى اللهُ لَه أنَّ هُناكَ رَجُلًا اسْمُه الخَضِرُ عنده علم ليس عند موسى عليه السلام.

قال البخاري في صحيحه:حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرٌو ، قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ نَوْفًا البَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ ؟ فَقَالَ : كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ ؟ فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُ ، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ العِلْمَ إِلَيْهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ . قَالَ : يَا رَبِّ ، وَكَيْفَ بِهِ ؟ فَقِيلَ لَهُ : احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ ، فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ ، وَحَمَلاَ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ ، حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا وَنَامَا ، فَانْسَلَّ الحُوتُ مِنَ المِكْتَلِ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي البَحْرِ سَرَبًا ، وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا ، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ : آتِنَا غَدَاءَنَا ، لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ، وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ المَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ "أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ" قَالَ مُوسَى " ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا " فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ ، إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ ، أَوْ قَالَ تَسَجَّى بِثَوْبِهِ ، فَسَلَّمَ مُوسَى ، فَقَالَ الخَضِرُ : وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ ؟ فَقَالَ : أَنَا مُوسَى ، فَقَالَ : مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا قَالَ : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ، يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لاَ تَعْلَمُهُ أَنْتَ ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لاَ أَعْلَمُهُ ، قَالَ : سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ، وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ ، لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا ، فَعُرِفَ الخَضِرُ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ ، فَجَاءَ عُصْفُورٌ ، فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ، فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي البَحْرِ ، فَقَالَ الخَضِرُ : يَا مُوسَى مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَنَقْرَةِ هَذَا العُصْفُورِ فِي البَحْرِ ، فَعَمَدَ الخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ ، فَنَزَعَهُ ، فَقَالَ مُوسَى : قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا ؟ قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ؟ قَالَ : لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا - فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا - ، فَانْطَلَقَا ، فَإِذَا غُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ ، فَأَخَذَ الخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلاَهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ ، فَقَالَ مُوسَى : أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ ؟ قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ؟ - قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : وَهَذَا أَوْكَدُ - فَانْطَلَقَا ، حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ، قَالَ الخَضِرُ : بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى : لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ، قَالَ : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى ، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا" .صحيح البخاري / كتاب العلم/باب ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله/حديث رقم 121 .
" قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ ؟ فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُ " إن موسى عليه السلام عندما سُئِل هذا السؤال من أعلم أهل الأرض أجاب إجابة يحسب أنها صائبة نظرًا للقرائن والمميزات المتوفرة فيه، حيث كان نبيًّا ورسولًا من أولي العزم من الرسل وكَلِيم اللهِ الذي كلمه تكليمًا ،وصاحب المعجزات الكثيرة، وهو الذي أَنزلَ اللهُ عليه التوراة، فرأى موسى أن يجيب بقوله أنا، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يُعلّم موسى عليه السلام أن العلم أوسع من أن يُدْرَك كلُّه، فالعلم واسع ومتشعب الاختصاصات، ولا يمكن لبشرٍ أن يحيط بكل العلوم والمعارف يقول الله " وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ "يوسف:76. فمهما أوتي العالم من العلم فإن علمَهُ يبقى محدودًا وقليلًا " وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا " الإسراء:85.

فَأوْحى اللهُ لَه أنَّ هُناكَ رَجُلًا اسْمُه الخَضِرُ عنده علم ليس عند موسى عليه السلام.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" إنَّما سُمِّيَ الخَضِرَ أنَّهُ جَلَسَ علَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ، فَإِذَا هي تَهْتَزُّ مِن خَلْفِهِ خَضْرَاءَ." صحيح البخاري.

وفي هذا الحديثِ سببُ تسميةِ الخَضِر بهذا الاسمِ، وهو أنَّه جلَس على فَروةٍ بيضاءً، أي: جلَس على أرضٍ يابسةٍ، فإذا هي تهتزُّ مِن خَلفِه خضراءَ، أي: أنبتَتْ وخرَج منها الزَّرعُ بمجرَّدِ جلوسِه عليها، وقيل: أراد به الهشيمَ مِن نباتِ الأرضِ، اخْضَرَّ بعدَ يُبسِه وبياضه، فإن كان الخَضِرُ نبيًّا فهي مِن معجزاتِه الَّتي أجراها اللهُ على يديهِ، وإنْ كان وليًّا فهي إحْدى كَراماتِه الَّتي يخصُّ اللهُ بها مَن يشاءُ مِن عبادِه الصَّالحين.الدرر.

قَالَ موسى عليه السلام : يَا رَبِّ ، وَكَيْفَ بِهِ ؟ فَقِيلَ لَهُ : احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ ، فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ "

و المِكْتَل هو الزنبيل ، فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ:أي المكان الذي تفقد فيه الحوت هو مكان وجود الخَضِر ، فَسافَرَ إليه موسى عليه السَّلامُ لشدة رغبته في الخير وطلب العلم، حيث قال لفتاه - أي: خادمه الذي يلازمه في حضره وسفره، " لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ" أي: لا أزال مسافرًا وإن طالت علي الشقة، ولحقتني المشقة، حتى أصل إلى مجمع البحرين، وهو المكان الذي أوحي إليه أنك ستجد فيه عبدًا من عباد الله العالمين، عنده من العلم، ما ليس عندك.

"فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ ، وَحَمَلاَ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ ، حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا وَنَامَا ، فَانْسَلَّ الحُوتُ مِنَ المِكْتَلِ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي البَحْرِ سَرَبًا "
سلك الحوت سبيله في البحر، فأمسك الله جريه الماء، حتى صارت على الحوت مثل الطاق، يعني: صار منفذ الحوت في البحر كأنه في حجر، يعني: محفور السرب هذا الذي دخل فيه الحوت كأنه محفور في الحجر، يعني: لما دخل الحوت ما رجع الماء مرة أخرى، وإنما بقي مثل لما ضرب موسى ، البحر فانفلق فصار فيه طريقًا يبسًا، أمسك الله عن الماء خاصية الرجوع مرة أخرى.

قال موسى" ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا" الكهف: 64، يعني: نحن نريد أن نفقد الحوت حتى نعرف المكان الذي نفقد فيه الحوت، فنعرف مكان الرجل الصالح ، فرجعا يقصان - يتتبعان- آثارهما حتى أتيا الصخرة.
"فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ ، إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ"
كان هذا الرجل الخضر، فذهب للقائه والتعلم منه، وَحَدَثَتْ بَينَهما حَوادِثُ خَرقِ السَّفينةِ، وقَتلِ الغُلامِ، وَبِناءَ الجِدارِ، تَبَيَّنَ مِنها لموسى عليه السَّلامُ "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" حَيثُ تَبَيَّنَ لَه مَدى عِلمِ الخَضِر بِما أعْلَمه اللهُ مِن الغُيوبِ وَحَوادِث القُدرةِ مِمَّا لا تَعلَم الأنبياءُ مِنه إِلَّا ما أُعلِموا بِه مِن الخالِقِ عَزَّ وَجَلَّ.
فلم يصبر على ما فعله الْخَضِر في الثلاث قصص،لقصور علمه عن الحكمة في أفعاله.
"أَمَّا السَّفِينَةُ" التي خرقتها "فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ" يقتضي ذلك الرقة عليهم، والرأفة بهم. " فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا"أي: كان مرورهم على ذلك الملك الظالم، فكل سفينة صالحة تمر عليه ما فيها عيب غصبها وأخذها ظلما، فأردت أن أخرقها ليكون فيها عيب، فتسلم من ذلك الظالم.
"وَأَمَّا الْغُلَامُ" الذي قتلته " فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا"وكان ذلك الغلام قد قدر عليه أنه لو بلغ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا، أي: لحملهما على الطغيان والكفر، إما لأجل محبتهما إياه، أو للحاجة إليه أو يحدهما على ذلك، أي: فقتلته، لاطلاعي على ذلك، سلامة لدين أبويه المؤمنين، وأي فائدة أعظم من هذه الفائدة الجليلة؟" وهو وإن كان فيه إساءة إليهما، وقطع لذريتهما، فإن الله تعالى سيعطيهما من الذرية، ما هو خير منه، ولهذا قال"فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا "أي: ولدًا صالحًا، زكيًا، واصلًا لرحمه، فإن الغلام الذي قتل لو بلغ لعقهما أشد العقوق بحملهما على الكفر والطغيان.
"وَأَمَّا الْجِدَارُ" الذي أقمته " فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا"أي: حالهما تقتضي الرأفة بهما ورحمتهما، لكونهما صغيرين عدما أباهما، وحفظهما الله أيضا بصلاح والدهما.

العبد الصالح يحفظه الله في نفسه وفي ذريته " وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا" . السعدي .فصلاح الأب ممتد الأثر ودائم النفع ، إذ في الآية دعوة لأن يبدأ الآباء بتربية أنفسهم قبل تربية أبناءهم ، فستكون الثمار يانعة وباقية .صيد الفوائد.
" فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا" أي: فأراد ربك أن يكبَرا ويبلغا قوتهما، ويستخرجا كنزهما.
"رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ" أي: هذا الذي فعلته رحمة من الله، آتاها الله عبده الخضر،
والمال قد يكون رحمة وإن كان مكنوزًا.

"وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي"أي: أتيت شيئا من قبل نفسي، ومجرد إرادتي، وإنما ذلك من رحمة الله وأمره.

"ذَلِكَ" الذي فسرته لك " تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا"
ثم تأتي آية العصمة من فتنة العلم بنسبته لله –تعالى- وبالتواضع للحق والخلق، وعدم الغرور بالعلم، فها هو الْخَضِر -عليه السلام- لم يغترَّ بعلمه، بل نسب ذلك إلىالله تعالى؛ اعترافًا بفضله وحمدًا له فقال"
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي"الكهف:82. ويتواضع له موسى بقوله"قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا"الكهف:69.
فوطن موسى عليه السلام نفسه على الصبر ولم يفعل.
قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، لَوَدِدْنا لو صَبَرَ" صحيح البخاري.
وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم"يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى ، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا"صحيح البخاري-كتاب العلم - باب ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله –حديث :121.

وهو بَيانٌ لرَغبتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَلتزِمَ مُوسى عليه السَّلامُ بشَرْطِ الصَّبرِ مع الخَضِرِ حتَّى يُقَصَّ عَلَيْنا مِن الأعاجيبِ والغرائبِ التي كانت ستُصاحِبُهما في رِحلتِهما.

ثم بيّن الله في نهاية هذه القصة طريق العصمة من هذه الفتنة فتنة العلم وذلك بالصبر على طلب العلم ،مع التواضع وعدم الغرور والاستكبار بالعلم " قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا "الكهف: 69 .
ونسبة ذلك إلى الله تعالى؛ اعترافًا بفضله وحمدًا له.
"
وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي"الكهف:82."
فالعلم النافع رزق من الله لا يعطيه الله الا لمن يحب،فمن رزق العلم النافع فقد أراد الله به خيرا،وهو رزق تتعلق به سعادة الدنيا والآخرة.
قال صلى الله عليه وسلم"مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ". الراوي : معاوية بن أبي سفيان-صحيح مسلم.



الفتنة الرابعة: فتنة السلطان:

عن عيَاض بن حِمَار،أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ ذَاتَ يَومٍ في خُطْبَتِهِ" ...... ، وَأَهْلُ الجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ...." صحيح مسلم.

وأهلُ الجنَّةِ ثلاثةٌ، أي: ثلاثةُ أجناسٍ مِنَ الأشخاصِ، الأوَّلُ: ذو سلطانٍ، أي: حَكَمٌ، مُقسِطٌ، أي: عادلٌ، مُتصدِّقٌ، أي: مُحسِنٌ إلى النَّاسِ، مُوفَّقٌ، أي: الَّذي هُيِّئَ له أسبابُ الخيرِ، وفُتحَ له أبوابُ البِرِّ.
والثَّاني: رجلٌ رَحيمٌ، أي: رحيم - على الصَّغيرِ والكبيرِ رقيقُ القلبِ لكلِّ ذي قُربى خُصوصًا. ومُسلمٍ، أي: لكلِّ مُسلِمٍ عمومًا.
والثَّالثُ: عَفيفٌ، أي: مُجتَنِبٌ عمَّا لا يَحلُّ، مُتعفِّفٌ، أي: عَنِ السُّؤالِ، مُتوكِّلٌ على الملِكِ المتعالِ في أمْرِه، ذُو عِيالٍ، أي: لا يحمِلُه حُبُّ العيالِ ولا خوفُ رزقِهم على ترْكِ التَّوكُّلِ بِارتكابِ سُؤالِ الخلْقِ، وتحصيلِ المالِ الحرامِ والاشتغالِ بهم عَنِ العلمِ والعملِ مِمَّا يجبُ عليه، ويُحتملُ أنَّه أشارَ بِالعَفيفِ إلى ما في نَفْسِه مِنَ القوَّةِ المانعةِ عَنِ الفواحشِ، وبِالمتعفِّفِ إلى إبرازِ ذلك بِالفعلِ واستعمالِ تلكَ القوَّةِ؛ لإظهارِ العفَّةِ عَن نفسِه. الدرر.

-قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ : كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي ، اعْلَمْ ، أَبَا مَسْعُودٍ ، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ ، قَالَ : فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: اعْلَمْ ، أَبَا مَسْعُودٍ ، اعْلَمْ ، أَبَا مَسْعُودٍ ، قَالَ : فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي . فَقَالَ " اعْلَمْ ، أَبَا مَسْعُودٍ ، أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ " . قَالَ : فَقُلْتُ : لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا ،.... غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ ، فَسَقَطَ مِنْ يَدِي السَّوْطُ مِنْ هَيْبَتِهِ".صحيح مسلم/كِتَابُ الْأَيْمَانِ/بَابُ صُحْبَةِ الْمَمَالِيكِ ، وَكَفَّارَةِ مَنْ لَطَمَ عَبْدَهُ/حديث رقم 3236.

"كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِن خَلْفِي صَوْتًا: اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عليه، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هو رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، هو حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقالَ" أَما لو لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ".الراوي : أبو مسعود عقبة بن عمرو - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم: 1659 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.





اعلمْ أبا مسعودٍ، أنَّ اللهَ تعالى أقدَرُ عليكَ منكَ على هذا الغلامِ، أي: فاحْذَرِ انتقامَه، ولا تَحملْكَ قدرتُكَ على ذلكَ المملوكِ، أنْ تَتعدَّى فيما مَنعَ اللهُ منه، مِن ضرْبِه عُدوانًا.الدرر السنية.

وفتنة السلطان تتمثل في في قصة ذي القرنين، الملك العادل الذي مَلَكَ مشارقَ الأرضِ ومغاربَهَا، وآتاه الله تعالى من كل شيء سببًا."وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا" آتاه الله كل أسباب التمكين ،كان عند ذي القرنين جنود، جيش، أسلحة، أموال.إنها فتنة السلطان الغالب والقوة القاهرة، التي تقود إلى البطش والظلم والأثرة، ونجد علاج هذه الفتنة في صفات هذا الملك الصالح الذي لم يتجبر بسلطانه، ولم يستعل على الناس بقوته؛ بل قام بإحقاق الحق وإزهاق الباطل وإقامة العدل، ورفع الظلم، ونصر المظلوم.
وآتيناه من كل شيء سببًا، يعني فتحنا له الطرق للحصول على أسباب القوة، يسرناها له من علم، وقدرة، وآلة، وعقل، فَأَتْبَعَ سَبَبًا، أي سلك السبل الموصلة إلى تحقيق أسباب القوة، والحصول عليها، إذًا فتح الله الطرق وهو سلكها و استثمرها بحول من الله وقوة.
فقد ثبت إيمانه وعدله في قوم ظهر عليهم ،وخَيَّرَهُ اللهُ –تعالى- فيهم، فحكمَ فيهم بحكمِ الشريعةِ العادلةِ "قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا"الكهف:88.

"أَمَّا مَنْ ظَلَمَ" بالكفر " فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا" أي: تحصل له العقوبتان، عقوبة الدنيا، وعقوبة الآخرة.تفسير السعدي.
ثم ظهر تسخيرُه لسلطانهِ وقوتهِ في طاعة الله
؛ من رفع الظلم، ونصرة المستضعفين، عندما مر بقوم من الترك شَكُوا إليه إغارة يأجوج ومأجوج عليهم، ورجوه أن يبني حاجزًا يحجزهم عنهم مقابل مال يدفعونه إليه، فتعفَّف عن جُعْلِهم، وبادر إلى نجدتهم وبناء السد، معترفًا بفضلِ اللهِ تعالى عليه بالسلطان والمال "قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا "الكهف:94-95"

أي: ما أعطاني ربي من المُلْكِ والمالِ خير من خراجكم، وطلب معونتهم على بناء السد- وانظر إلى حُسن سياستِهِ حينما أشركهم في العمل والبناء- هنا تبرز الموهبة العظيمة لذي القرنين في استثمار الطاقات البشرية، وفي نقل الناس المتخلفين إلى ناس منتجين، وتحويل الناس الكسالى إلى قوم عاملين،ثم وضع لهم مخطط العمل، وطلب منهم طلبات محددة، وأنت إذا أردت أن تنقل ناس كسالى من عالم الخمول إلى عالم العمل، ليس فقط أن تخطب فيهم خطبة عصماء، وتقول: ألا تريدون العمل، ألا تقومون يجب عليك القيام بنشاط، وإنما تضع خطة، وتطالبهم بالعمل بناء على هذه الخطة، وهناك أهداف محددة" آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ" الكهف:96. اجمعوا لي قطع الحديد، وذو القرنين عنده قوة ممكن يجمع بالاستغناء عنهم، لكن هو يريد أن يحول هذه الأمة الفاشلة، المتخلفة، الكسولة، إلى أمة منتجة، تساعد، وتعمل، وتشتغل، وتنتج.هاتوا قطع الحديد فإذًا جمعوا قطع الحديد، وارتفعت القطع بعضها فوق بعض، وصارت كومًا كبيرًا، حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ "الكهف: 96. بين الجبلين، إذًا الثغرة هذه سدت، صار بين الجبلين كله قطع حديد، "حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ "الكهف: 96. ساوهما، أي الجبلين،" قَالَ انْفُخُوا " الكهف: 96، هذا عمل آخر، تؤججون نارًا، لكي ينصهر هذا الحديد، ويلتحم بعضه مع بعض، وإيقاد النار يحتاج إلى نفخ بالمنافخ" حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا"الكهف: 96. والحديد إذا أوقد عليه، يصبح كالنار، "حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا" أي: نحاسًا مذابًا، فأفْرَغَ عليه القِطْرَ، فاسْتَحْكَمَ السدُّ استحكامًا هائلًا، وامتنع من وراءه من الناس، من ضرر يأجوج ومأجوج.، وهذا النحاس المذاب سيغلف هذا السد الحديدي الذي انصهر فكان قطعة واحدة، التحم بعضه ببعض من الحرارة، ثم أفرغ عليه النحاس المذاب.قال علماء المعادن: إن الحديد المغلف بالنحاس المذاب سبيكة قوية جدًا من أقوى السبائك التي يعرفها البشر، إن اقتحام جدار من حديد ملبس بالنحاس من أصعب الأِشياء.
ولما أتم بناءه لم يفاخر بذلك، أو يعلن به على الملأ، أو يَمُنَّ به على القوم؛ ليكتسب بذلك دعاية، أو يظهر به قوة، أو يحوز به شرفًا، أو يسجله في سجل إنجازاته، بل نسب الفضل في ذلك لله تعالى صاحب الفضل والمنِّ، واعترف بقدرة الله تعالى على هذا السد وتدميره في أجلٍ لا يعلمه إلا هو سبحانه
"قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا "الكهف:98.


عن أبي هريرة رضي الله عنه،عنِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في السَّدِّ قالَ" يحفِرونَهُ كلَّ يومٍ، حتَّى إذا كَادُوا يخرقونَهُ قالَ الَّذي علَيهِم: ارجعوا فستخرقونَهُ غدًا، قال: فيعيدُهُ اللَّهُ كأشدِّ ما كانَ، حتَّى إذا بلغَ مدَّتَهُم وأرادَ اللَّهُ أن يبعثَهُم على النَّاسِ. قالَ الَّذي علَيهِم: ارجعوا فستَخرقونَهُ غدًا إن شاءَ اللَّهُ واستَثنى، قالَ: فيرجعونَ فيجدونَهُ كَهَيئتِهِ حينَ ترَكوهُ فيخرقونَهُ، ويخرُجونَ على النَّاسِ، فيستقونَ المياهَ، ويفرُّ النَّاسُ مِنهم، فيرمونَ بسِهامِهِم إلى السَّماءِ فترجعُ مخضَّبةً بالدِّماءِ، فيقولونَ: قَهَرنا مَن في الأرضِ وعلَونا مَن في السَّماءِ، قسوةً وعلوًّا، فَيبعثُ اللَّهُ عليهم نَغفًا في أقفائِهِم فيَهْلِكونَ، قال: فوالَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيدِهِ إنَّ دوابَّ الأرضِ تَسمنُ وتبطرُ وتشكُرُ شَكَرًا مِن لحومِهِم" صحيح سنن الترمذي-تحقيق الشيخ الألباني.

شرح الحديث:
يأجوجُ ومأجوجُ أُمَّتانِ عظيمتانِ مِن بَنِي آدَمَ ، وخُروجُهم في آخِرِ الزَّمانِ مِن أشراطِ السَّاعةِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن خُروجِ يأجوجَ ومأجوجَ في آخِرِ الزَّمانِ، وعن إفسادِهم وشَرِّهم في الأرضِ وكيف يكونُ هَلاكُهم، حيثُ يقولُ أبو هُريرةَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "في السَّدِّ"، والسَّدُّ هو الحاجِزُ والمانِعُ، والمقصودُ به السَّدُّ الَّذي بَناه ذو القرنَين،.... فكان حاجزًا وحائلًا بين النَّاسِ وبين وُصولِ يأجوجَ ومأجوجَ إليهم، "قال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يَحْفِرونَه"، أي: يأجوجُ ومأجوجُ يَنقُبون خلفَ السَّدِّ "كلَّ يومٍ"، أي: مُستمرِّين في حَفرِه يومًا بعدَ يومٍ، "حتَّى إذا كَادُوا"، أي: اقتَربوا "يَخْرِقونه"، أي: يتَعدَّوْن السَّدَّ، ويَهدِمونه، "قال الَّذي عليهم"، وهو قائدُهم وسيِّدُهم: "ارْجِعوا"، أي: عُودوا، "فستَخرِقونه غدًا"، أي: ستَفتَحون هذا السَّدَّ غدًا، قال "فيُعيدُه اللهُ"، أي: فيُرجِعُ اللهُ السَّدَّ "كأشَدِّ"، أي: أقوى وأمتَنِ "ما كان" عليه قبلَ ذلك، "حتَّى إذا بلَغ مُدَّتَهم"، أي: حتَّى إذا وصَلوا إلى الوقتِ الَّذي يَفتَحون فيه السَّدَّ، "وأراد اللهُ"، أي: قدَّر اللهُ "أن يَبعَثَهم على النَّاسِ"، أي: أن يُخرِجَهم اللهُ على النَّاسِ، "قال الَّذي عليهم"، أي: أميرُهم "ارجِعوا فستَخرِقونه غدًا"، أي: عُودوا فستَهْدِمونه غدًا "إن شاءَ اللهُ واستَثنى"، أي: ذُكِّر بأنْ يَستَثْنيَ ويقولَ: إنْ قدَّر لنا اللهُ ذلك، "قالأي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "فيَرجِعون" ويَعودون "فيَجِدونه"، أي: السَّدَّ "كهَيئتِه"، أي: كما ترَكوه عليه في اليومِ السَّابقِ مِن الهدمِ، "فيَخرِقونه" ويَهدِمونه، "ويَخرُجون على النَّاسِ"، أي: مِن كلِّ ناحيةٍ، "فيَستَقون"، أي: يَشرَبون "المياهَ"، حتَّى تَجِفَّ الأنهارُ، "ويَفِرُّ النَّاسُ منهم"، أي: يَهرُبُ النَّاسُ ويتَحصَّنون منهم، "فيَرمون"، أي: يُصوِّبُ يأجوجُ ومأجوجُ بسِهامِهم إلى السَّماءِ، "فتَرجِعُ"، أي: تَعودُ السِّهامُ "مُخضَّبةً"، أي: مَصبوغةً بالدِّماءِ، فِتنةً مِن اللهِ وبلاءً لهم، فيَقولون "قهَرْنا مَن في الأرضِ"، أي: انتقَمْنا مِن أهلِ الأرضِ، "وعلَوْنا مَن في السَّماءِ"، أي: غلَبْنا أهلَ السَّماءِ، "قَسْوةً وعُلوًّا"، أي: كان قولُهم هذا عن تَكبُّرٍ وكبرٍ لكُفرِهم، "فيَبعَثُ اللهُ عليهم نَغَفًا"، أي: فيُرْسِلُ اللهُ عليهم نوعًا مِن الحشَراتِ، والدِّيدانِ يُسمَّى النَّغَفَ، "في أقفائِهم"، أي: يَكونُ هذا الدُّودُ مِن وَراءِ أعناقِهم، ورُؤوسِهم "فيَهْلِكون"، أي: يَموتون.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "فوالَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيدِه"، أي: والَّذي حياةُ وأمرُ محمَّدٍ بيَدِه، "إنَّ دَوابَّ الأرضِ"، وهي ما يَدِبُّ على الأرضِ مِن السِّباعِ والهوامِ والحشَراتِ "تَسْمَنُ"، أي: تَزدادُ وتَصير سَمينةً، "وتَبطَرُ وتَشكَرُ شَكَرًا مِن لُحومِهم"، أي: تَمتَلِئُ بُطونُهم شِبَعًا مِن الأكلِ مِن لَحمِهم.
وفي الحَديثِ: بيانُ دلائلِ نبوَّتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفيه: بيانُ شِدَّةِ فِتنةِ يأجوجَ ومأجوجَ، وعِظَمِ خَلْقِهم. الدرر السنية.


*ومن اللطائف والحكم أن الفتن الأربع المذكورة في السورة اجتمعت في الدجال
:
فهو فتنة في الدين، إذ يفتن الناس في دينهم، ويدعوهم إلى الشرك، ويقهرهم عليه.

قال صلى الله عليه وسلم "........يا عبادَ اللهِ ! أَيُّها الناسُ ! فاثبُتوا فإني سأَصِفُه لكم صفةً لم يَصِفْها إياه قبلي نبيٌّ ، … يقولُ : أنا ربُّكم ، ولا تَرَوْنَ ربَّكم حتى تَمُوتُوا......"صحيح الجامع للشيخ الألباني.


وهو فتنة في المال إذ يمر بالخربة فتتبعه كنوزُهَا ويأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت.
قال صلى الله عليه وسلم ".......وَيَمُرُّ بالخَرِبَةِ، فيَقولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ،..."صحيح مسلم.


وهو فتنة في العلم إذ يخبر الرجل عن أبيه وأمه، ويقطع الرجل بسيفه حتى يمشي بين نصفيه ثم يدعوه فيأتي بأمر الله تعالى.

قال صلى الله عليه وسلم "....وإنَّ من فتنتِه أن يقولَ للأعرابيِّ : أرأيتَ إن بَعَثْتُ لك أباك وأمَّك أَتَشْهَدُ أني ربُّك ؟ فيقولُ : نعم ، فيتمثلُ له شيطانانِ في صورةِ أبيه وأمِّه ، فيقولانِ : يا بُنَيَّ اتَّبِعْهُ ، فإنه ربُّك " صحيح الجامع للشيخ الألباني.

قال صلى الله عليه وسلم "....ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ" صحيح مسلم.



وهو في فتنة في السلطان؛ إذ تدين له الممالك، ويعيث في الأرض فسادًا، وما من بلد إلا يبلغها سلطانه إلا مكة والمدينة. أكثر أتباع الدجال من اليهود والعجم والترك ، وأخلاط من الناس.

قال صلى الله عليه وسلم "...وإنِّ من فتنتِه أن يَمُرِّ بالحيِّ فيُكَذِّبونه ، فلا يَبْقَى لهم سائمةٌ إلا هَلَكَت . وإنَّ من فتنتِه أن يَمُرَّ بالحيِّ ، فيُصَدِّقونه ، فيأمرُ السماءَ أن تُمْطِرَ فتُمْطِرُ ، ويأمرُ الأرضَ أن تُنْبِتَ فتُنْبِتُ ، حتى تَرُوحَ مَواشِيهِم من يومِهِم ذلك أَسْمَنَ ما كانت ، وأَعْظَمَه ، وأَمَدَّه خَواصِرَ وأَدَرَّهُ ضُروعًا . وإنه لا يَبْقَى شيءٌ من الأرضِ إلا وَطِئَه وظَهَر عليه ، إلا مكةَ والمدينةَ ، لا يأتِيهِما من نَقَب من أنقابِهِما إلا لَقِيَتْهُ الملائكةُ بالسيوفِ صَلْتَةً " صحيح الجامع للشيخ الألباني.

قال صلى الله عليه وسلم "يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِن يَهُودِ أصْبَهانَ، سَبْعُونَ ألْفًا عليهمُ الطَّيالِسَةُ".صحيح مسلم.



فقراءة سورة الكهف تكون سببًا للنجاة من جميع فتن الدجال..ملتقى الخطباء. والشيخ المنجد .ومصادر أخرى.
رد مع اقتباس