عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 09-09-2020, 09:47 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,216
Post

*من خصائص قراءة سورة الكهف: تَنَزُّل السَّكِينَة:
"كانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الكَهْفِ، وإلَى جانِبِهِ حِصانٌ مَرْبُوطٌ بشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وتَدْنُو وجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أصْبَحَ أتَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرَ ذلكَ له فقالَ: تِلكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بالقُرْآنِ."الراوي : البراء بن عازب -المصدر : صحيح البخاري

بشَطَنَيْنِ :شَطَنَِيْنِ:الحبْلُ الطويل يُسْتقَى به من البئر، أو تُشدُّ الدابةُ.المعجم.
تِلكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بالقُرْآنِ:
أي: إنَّ هذه السَّحابةَ هي السَّكينةُ، أي: الملائكةُ وعليهمُ السَّكينةُ نزلوا يَستمعونَ لِلقرآنِ؛ ولذلك نَفَرَتِ الدَّابَّةُ لَمَّا رأتْهم، وهذا فيه فضلُ قِراءةِ القرآنِ وأنَّها سببُ نزولِ الرَّحمةِ وحضورِ الملائكةِ.

معنى السَّكِينَة اصطلاحًا: قال ابن القيِّم: هي الطُّمَأنِينة والوَقَار والسُّكون، الذي ينزِّله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدَّة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يَرِد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان، وقوَّة اليقين والثَّبات.انظر: مدارج السالكين :2/503.
وقال الجرجانى: السَّكِينَة: ما يجده القلب من الطُّمَأنِينة عند تنزُّل الغيب، وهي نور في القلب يَسْكُن إلى شاهده ويطمئن.انظر: التعريفات :1/159.الدرر السنية .موسوعة الأخلاق.

وعن ابن عبَّاس أنَّهُ دَفَعَ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا، وضَرْبًا وصَوْتًا لِلْإِبِلِ، فأشَارَ بسَوْطِهِ إليهِم، وقالَ: "أيُّها النَّاسُ، علَيْكُم بالسَّكِينَةِ؛ فإنَّ البِرَّ ليسَ بالإِيضَاعِ".
"صحيح البخاري .

"علَيْكُم بالسَّكِينَةِ" أي: لازموا الطُّمَأنِينة والرِّفق، وعدم المزَاحمة في السَّير.
السَّكينةُ والوقارُ مِن الصِّفاتِ الحَميدةِ التي حَثَّ عليها الشَّرعُ، خُصوصًا في العِباداتِ ومَواطنِ الزِّحامِ، كالحجِّ.
وفي هذا الحديثِ يَروي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه انْصَرَف مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن عَرَفةَ مُتوجِّهًا إلى المُزْدَلِفةِ، وعَرَفاتٌ: جَبَلٌ يقَعُ على الطَّريقِ بيْن مكَّةَ والطائفِ، ويَبعُدُ عن مكَّةَ حَوالَيْ :22 كم، وعلى بُعدِ :10 كم مِن مِنًى، و6 كم مِن مُزدلِفةَ، ويُقامُ عندَه أهمُّ مَناسِكِ الحجِّ، وهو الوقوفُ بعَرَفةَ يومَ التاسعِ مِن شَهرِ ذي الحجَّةِ. والمُزدلِفةُ: اسمٌ للمكانِ الذي يَنزِلُ فيه الحَجيجُ بعْدَ الإفاضةِ مِن عَرَفاتٍ، ويَبيتون فيه لَيلةَ العاشرِ مِن ذي الحِجَّةِ، وفيه المَشعَرُ الحرامُ، وتُسمى جَمْعًا، وتَبعُدُ عن عَرَفةَ حَوالَي:12 كم.
فسَمِعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الناسَ وَراءَه يَصيحون في الإبلِ ودَوابِّهم ويَضرِبونها؛ لتُسرِعَ في سَيرِها، فأشارَ بسَوطِه إليهم إشارةً يَنهاهُم فيها عن السُّرعةِ الشَّديدةِ، وأمَرَهُم بالهُدوءِ وتَخفيفِ السُّرعةِ، والْتزامِ الرِّفقِ وعدَمِ مُزاحمةِ الآخَرينَ ومُسابقتِهم، وعلَّلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهْيَه لهم بقَولِه: فإنَّ البِرَّ -الذي هو الخيرُ- لَيس بالإيضاعِ، وهو حَمْلُ الدَّابَّةِ على الإسراعِ في السَّيرِ، يعني: فَلَيْست طاعةُ اللهِ في سُرعةِ السَّيرِ. قيل: إنَّما نَهاهم عن الإيضاعِ والجرْيِ إبقاءً عليهم، ولئلَّا يَضُرُّوا بأنفُسِهم بالتَّسابُقِ مِن أجْلِ بُعدِ المسافةِ، ولأنَّهم راجعونَ مِن الوُقوفِ بعَرَفةَ وهو مَظِنَّةُ التَّعبِ والمشقَّةِ؛ فأرشدَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى الرِّفقِ والسَّكينةِ.
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ تَنظيمِ حَرَكةِ المرورِ، لا سيَّما عندَ الإِفاضةِ مِن عَرَفاتٍ، وإشرافِ المَسؤولينَ عليها.الدرر.

قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما:
كُلُّ سَكِينَةٍ في القُرْآنِ فَهي طُمَأْنِينَةٌ، إلّا الَّتِي في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: قالَ:رَأيْتُ النَّبِيَّ ؛ يَنْقُلُ مِن تُرابِ الخَنْدَقِ، حَتّى وارى التُّرابُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ. وهو يَرْتَجِزُ بِكَلِمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَواحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
اللهُمَّ لَوْلا أنْتَ ما اهْتَدَيْنا ولا تَصَدَّقْنا ولا صَلَّيْنا
فَأنْزِلْنْ سَكِينَةً عَلَيْنا — وثَبِّتِ الأقْدامَ إنْ لاقَيْنا.

قال صلى اله عليه وسلم" مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ، وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ، وَمَن بَطَّأَ به عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ. غيرَ أنَّ حَدِيثَ أَبِي أُسَامَةَ ليسَ فيه ذِكْرُ التَّيْسِيرِ علَى المُعْسِرِ."صحيح مسلم.
الشرح:
حَثَّ الشَّرعُ على قَضاءِ حَوائجِ النَّاسِ والتَّيسيرِ عليهم ونَفْعِهم بِمَا يَتَيَسَّرُ من مالٍ وعِلمٍ أو مُعاونَةٍ أو مُشاورَةٍ. وفي هذا الحديثِ يُبَيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الثَّوابَ والأجْرَ لِمَنْ فَعَلَ ذلك، فيَقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"مَنْ نَفَّسَ عن مُؤمنٍ كُرْبةً"، أي: رَفَعَ عَن مُؤمنٍ كُربةً، أي: حُزنًا وعَناءً وشِدَّةً، ولو حَقيرةً فَيكونُ الثَّوابُ وَالأَجْرُ أن يُنَفِّسَ اللهُ عنه كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القيامَةِ وتَنْفيسُ الكُرَبِ إِحسانٌ فَجزاه اللهُ جَزاءً وِفاقًا، "وَمَنْ يَسَّرَ عَلى مُعْسِرٍ"، والتَّيْسيرُ عَلى المُعْسِرِ في الدُّنيا مِن جِهةِ المالِ يَكونُ بأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا بإنْظَارِه إلى المَيْسَرَةِ، وتَارَّةً بالوَضْعِ عنه إنْ كان غَريمًا، وإلَّا فبِإعطائِهِ ما يَزولُ به إِعسارُهُ، وكِلاهُما له فَضْلٌ عَظيمٌ وجَزاؤُه أنْ يُيَسِّرَ اللهُ عليه في الدُّنيا والآخِرَةِ بَدَلَ تَيْسيرِه عَلى عَبدِه مُجَازاةً بِجِنْسِه، "وَمَنْ سَتَرَ مُسلِمًا" أي: بِثَوْبٍ، أو بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لِكَشْفِ حَالِه بَعْدَ أنْ رآه يَرْتَكِبُ ذَنبًا فَيَكونَ جَزاؤُه أن يَسْتُرَه اللهُ في الدُّنيا، أي: عَوْرَتَه أو عُيوبَه. وَيَسْتُرَه في الآخِرَةِ عن أَهْلِ المَوْقِفِ.
وقَوْلُهُ"واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كان الْعَبْدُ في عَوْنِ أَخيهِ"، أي: مَنْ كان ساعيًا في قَضاءِ حاجَتِهِ، وفيه: تَنبيهٌ على فَضيلَةِ عَوْنِ الأَخِ على أُمورِه، وإِشارَةٌ إلى أنَّ المكافَأَةَ عليها بِجِنْسِها مِنَ العِنايَةِ الإِلَهِيَّةِ سَواءٌ كان بقَلْبِه أو بَدَنِه أو بِهما؛ لدَفْعِ المَضارِّ أو جَلْبِ المنافِعِ، إذِ الكُلُّ عَوْنٌ، "ومَنْ سَلَكَ"، أي: دَخَلَ أو مَشَى طَريقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلمًا، وهو يَشْمَلُ الطَّريقَ الحِسِّيَّ الَّذي تَقْرَعُهُ الأقدامُ مِثْلَ أن يأتيَ الإنسانُ مِن بَيتِه إلى مَكانِ العِلمِ، سَواءٌ كان مَكانَ العِلمِ مَسجِدًا أو مَدرَسَةً أو كُلِّيَّةً أو غَيرَ ذلك، سَهَّلَ اللهُ له به طَريقًا إلى الجَنَّةِ.
وقَوْلُهُ"وَمَا اجْتَمَعَ قَومٌ في بيتٍ من بُيوتِ اللهِ، يَتلونَ كِتابَ اللهِ، ويَتَدارسونَه بَينهم"، وهذا فيه فَضْلُ الاجتِماعِ عَلى تِلاوَةِ القُرآنِ في المَسجِدِ ومُدارسَتِه، فَيكونُ ذلك سَببًا في نُزولِ السَّكينَةِ عليهم، وهي ما يَحصُلُ به صَفاءُ القلبِ بنورِ القُرآنِ وذَهابِ ظُلْمتِه النَّفْسانِيَّة. "وغَشِيَتْهُم الرَّحمَةُ"، أي: غَطَّتْهُم وسَتَرَتْهُم الرَّحمةُ."وحَفَّتْهُم الملائِكَةُ"، طافوا بِهم وأَدارُوا حَولَهم؛ تَعظيمًا لصَنيعِهم. "وذَكَرَهمُ اللهُ فِيمَن عندَه مِن المَلَأِ الأَعْلَى"، وهي الطَّبقَةُ الأُولى مِنَ المَلَائِكَةِ، ذَكَرَهم اللهُ تعالى مُباهاةً بِهم، ثُمَّ يُبَيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ " مَن بَطَّأَ به عَمَلُه لم يُسْرِعْ به نَسَبُه"، مَن كان عَمَلُه ناقصًا، لم يُلْحِقْه نَسبُهُ بمَرْتَبَةِ أَصحابِ الأَعْمالِ؛ فَيَنْبَغي ألَّا يَتَّكِلَ على شَرَفِ النَّسَبِ، وفَضيلَةِ الآباءِ، ويُقَصِّرَ في العَمَلِ . الدرر.


"إذَا أتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعلَيْكُم بالسَّكِينَةِ، فَما أدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وما فَاتَكُمْ فأتِمُّوا."الراوي : أبو قتادة الحارث بن ربعي - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 635 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
وَلِهَذا أخْبَرَ سُبْحانَهُ عَنْ إنْزالِها عَلى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وعَلى المُؤْمِنِينَ في مَواضِعِ القَلَقِ والِاضْطِراب،كَيَوْمِ الهِجْرَةِ، إذْ هو وصاحِبُهُ في الغارِ والعَدُوُّ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ. لَوْ نَظَرَ أحَدُهم إلى ما تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَرَآهُما.
قال تعالى" إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"التَّوبة: 40.


قال أبو جعفر: يقول تعالى ذِكْرُهُ: فأنزل الله طمأنينته وسكونه على رسوله، وقد قيل: على أبي بكر، "وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا"، يقول: وقوَّاه بجنود من عنده من الملائكة، لم تروها أنتم "وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ"، وهي كلمة الشِّرك السُّفْلَى، لأنَّها قُهِرت وأُذِلَّت، وأبطلها الله تعالى، ومَحَق أهلها، وكلُّ مقهور ومغلوب فهو أسفل من الغالب، والغالب هو الأعلى.
"وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا"، يقول: ودين الله وتوحيده وقول لا إله إلَّا الله، وهي كلمته "الْعُلْيَا"، على الشِّرك وأهله، الغالبة . جامع البيان للطبري :5/326.

*وكَيَوْمِ الحُدَيْبِيَةِ حِينَ اضْطَرَبَتْ قُلُوبُهم مِن تَحَكُّمِ الكُفّارِ عَلَيْهِمْ، ودُخُولِهِمْ تَحْتَ شُرُوطِهِمُ الَّتِي لا تَتحَمَّلُها النُّفُوسُ.
قال تعالى "هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا "4.الفتح.
وهم الصحابة يوم الحديبية ، الذين استجابوا لله ولرسوله وانقادوا لحكم الله ورسوله ، فلما اطمأنت قلوبهم لذلك ، واستقرت ، زادهم إيمانًا مع إيمانهم .تفسير ابن كثير.
وفيها بشارة المؤمنين بحسن عاقبة صلح الحُدَيْبِيَة، وأنه نصر وفتح، فنزلت به السكينة في قلوب المسلمين، وأزال حزنهم من صدهم عن الاعتمار بالبيت، وكان المسلمون عِدَّة لا تُغلب من قلة، فرأوا أنهم عادوا كالخائبين، فأعلمهم الله بأن العاقبة لهم، وأن دائرة السوء على المشركين والمنافقين.
قوله تعالى"لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا "الفتح: 18.
وقوله: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ أي: من الصِّدق والوفاء، والسَّمع والطَّاعة." فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ" وهي الطُّمَأنِينة . "وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا" وهو ما أجْرَى الله على أيديهم من الصُّلح بينهم وبين أعدائهم، وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتَّصل بفتح خيبر، وفتح مكة، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم، وما حصل لهم من العزِّ والنَّصر والرِّفعة في الدُّنيا والآخرة؛ ولهذا قال" وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا "الفتح: 18
.

قال ابن القيم: إنَّ هذهِ الهُدْنةَ كانتْ مِنْ أعظَمِ الفُتُوحِ، فإنَّ الناسَ أَمِنَ بعضُهُمْ بَعْضًا، واخْتَلَطَ المسلمونَ بالكُفَّارِ، وبادَؤوهُم بالدَّعوةِ وأَسْمَعُوهُمُ القُرآنَ، وناظَرُوهُم على الإسلامِ جَهْرَةً آمِنينَ، وظَهَرَ مَنْ كانَ مُخْتَفِيًا بالإسلامِ، ودَخَلَ فيهِ في مُدَّةَ الهُدْنةِ مَنْ شاءَ اللهُ أنْ يَدْخُلَ، ولهذا سَمَّاهُ اللهُ فَتْحًا مُبينًا. انتهى.
وقال النوويُّ: قالَ العلماءُ: والمصلحةُ الْمُتَرتِّبةُ على إتمامِ هذا الصُّلْحِ ما ظَهَرَ مِنْ ثَمَراتهِ الباهرةِ وفوائدهِ الْمُتَظاهِرَةِ التي كانتْ عاقِبَتُها فتْحَ مكَّةَ وإسلامَ أهلِها كُلِّها، ودُخُولَ الناسِ في دِينِ اللهِ أفواجًا. انتهى.الشيخ بن ناصر الشثري.


*ملخص أحداث صلح الحديبية : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في شهر ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة ومعه ألف وأربعمائة ، متوجهًا إلى مكة يريد العمرة ، فلما كان بذي الحُلَيفة ـ ميقات أهل المدينة ـ قَلَّد الهَدْي وأشْعره ، وأحرم بالعمرة .
"خَرَجَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ مِنَ المَدِينَةِ في بضْعَ عَشْرَةَ مِئَةً مِن أصْحَابِهِ، حتَّى إذَا كَانُوا بذِي الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الهَدْيَ، وأَشْعَرَ وأَحْرَمَ بالعُمْرَةِ."الراوي : المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري .
قلَّد النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الهَدْيَ وأَشْعَرَه، والتَقليدُ: أنْ يُجعَلَ في أعناقِ الهَدْيِ قِلادةٌ تُميِّزُه عن غَيرِه؛ مِن جِلدٍ، أو نَعلَين، أو نحْوِها. والإشعارُ: أنْ يُطْعَنَ في سَنامِ البَدَنةِ بسِكينٍ أو نحْوِ ذلك حتَّى يَسيلَ دَمُها، وفائدةُ الإشْعارِ: الإعلامُ بأنَّها صارتْ هَدْيًا، فيَتبَعُها مِن الفُقراءِ مَن يَحتاجُ إليها، وحتَّى لو اختَلَطَت بغَيرِها تَميَّزَت، أو ضلَّتْ عُرِفَتْ، مع ما في ذلِك مِن تَعظيمِ شِعارِ الشَّرعِ، وحَثِّ الغيرِ عليه.

وبعث عينًا له من خُزاعة يخبره عن قريش ، فلما كان بعُسْفان أتاه عينه وأخبره أن قريشًا قد جمعوا له جموعًا ، وأنهم مقاتلوه وصادُّوه عنِ البيتِ .
وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية -الثنية في اللغة تعني الطريق في الجبل أي طريق بين جبلين، وثنية الوداع يقصد بها الموقع التاريخي الواقع على مدخل المدينة المنورة، ويدل اسمها على أنها كانت مكان توديع المسافرين منها-التي يهبط عليهم منها بركت راحلته ، فقال الناس : خلأت القصواء ، خلأت القصواء - أي : حرنت وأبت السير - ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ما خَلَأَتِ القَصْوَاءُ، وما ذَاكَ لَهَا بخُلُقٍ، ولَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الفِيلِ " ثم قال " والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إلَّا أعْطَيْتُهُمْ إيَّاهَا، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ" ثم زجرها فوثبت به ، فعدل بها حتى نزل بأقصى الحديبية على حوض قليل الماء ، فلم يلبث الناس أن نزحوه ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش " فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِن كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أمَرَهُمْ أنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ " فلم يزل يجيش لهم بالرِّي حتى صدروا عنه .
وفزعت قريش لنزوله عليهم ، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم رجلًا من أصحابه ، فدعا عثمان بن عفان ، فأرسله إلى قريش ، وقال " إنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أحَدٍ، ولَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، ، وادعهم إلى الإسلام " ، وأمره أن يأتي رجالًا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات ، فيدخل عليهم ويبشرهم بالفتح ، ويخبرهم أن الله عز وجل مُظهِر دينَه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالإيمان ، فانطلق عثمان ، فمر على قريش ، فبلّغ الرسالة ، وقد أجاره أحد بني عمه ، وحمله على فرس حتى دخل مكة .
ثم إنه بَلَغَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قُتِل ، فدعا إلى البيعة على أن لا يفروا.
"وكانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوانِ بَعْدَ ما ذَهَبَ عُثْمانُ إلى مَكَّةَ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِهِ اليُمْنَى: هذِه يَدُ عُثْمانَ. فَضَرَبَ بها علَى يَدِهِ، فقالَ: هذِه لِعُثْمانَ" صحيح البخاري.
قال تعالى"لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا "الفتح: 18.
وقوله: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ أي: من الصِّدق والوفاء، والسَّمع والطَّاعة." فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ" وهي الطُّمَأنِينة .

ولما تمت البيعة رجع عثمان إلى المسلمين . وسارت الرسل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين لأجل الصلح ، حتى جاء سهيل بن عمرو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد سهل لكم من أمركم .
ثم عرض سهيل الشروط التي تريدها قريش ، وهي :
- وضع الحرب بين المسلمين وقريش عشر سنوات
- من جاء المسلمين من قريش يردّونه، ومن جاء قريشًا من المسلمين لا يلزمون بردّه.
- أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم من غير عمرة هذا العام ، ثم يأتي العام المقبل فيدخلها بأصحابه بعد أن تخرج منها قريش ، فيقيم بها ثلاثة أيام ليس مع أصحابه من السلاح إلا السيف في القراب والقوس .
- من أراد أن يدخل في عهد محمد من غير قريش دخل فيه ، ومن أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه .
ودخلت قبيلة خُزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل بنو بكر في عهد قريش.
وقد كانت الحروب والعداوات بين خزاعة – التي دخلت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين بني بكر – التي دخلت في عهد قريش - منذ غابر الأزمان , فأضحت كل واحدة في أمن من الأخرى , ولكن حصل غدر من بني بكر , فخرج نوفل بن معاوية في جماعة معه في شهر شعبان للسنة الثامنة من الهجرة فأغاروا على خزاعة ليلًا , وهم على ماء يقال له الوتير , فأصابوا منهم رجالًا , وتناوشوا واقتتلوا , وأعانت قريش بني بكر بالسلاح , بل وقاتل رجال منهم مع بني بكر مستترين بظلمة الليل , حتى حازوا خزاعة إلى الحرم ، فقالت بنو بكر : يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم ، إلهك ! إلهك ! فقال : لا إله اليوم ، يا بني بكر أصيبوا ثأركم , فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم , أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟!
وانطلق عمرو بن سالم الخزاعي إلى رسول الله في المدينة مستغيثًا ومستنجدًا فقال له عليه السلام : نصرت يا عمرو بن سالم .
وسرعان ما أحست قريش بخطئها وغدرها , فخافت من عواقبه الوخيمة , فبعثت قائدها أبا سفيان ليجدد الصلح , لكنه لم يفلح , فعاد أدراجه إلى مكة .
ثم تجهز النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الصحابة بالجهاز , وأعلمهم أنه سائر إلى مكة , ثم تم بعد ذلك الفتح ، ودخل الناس في دين الله أفواجا .
والشاهد من هذا كله : أن قريشا لما أعانت بني بكر بالسلاح ، وقاتلت معهم خزاعة التي كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان ذلك نقضًا للصلح الذي أبرمته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية . وقد علِمت قريش ذلك ، ومن ثَمّ جاء أبو سفيان ليجدد الصلح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان من واجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصر المتحالفين معه من خزاعة ، كما أن قريشا نصرت ، بل وحاربت مع حلفائها من بني بكر . الإسلام سؤال وجواب.
ولمزيد تفصيل - هنا-

وكَيَوْمِ حُنَيْنٍ، حِينَ ولَّوْا مُدَبِّرِينَ مِن شِدَّةِ بَأْسِ الكُفّارِ، لا يَلْوِي أحَدٌ مِنهم عَلى أحَدٍ.
قال تعالى "لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ "25"ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ "26.التوبة.

النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما فتح مكة، سمع أن هوازن اجتمعوا لحربه، فسار إليهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أصحابه الذين فتحوا مكة، وممن أسلم من الطلقاء أهل مكة، فكانوا اثني عشر ألفا، والمشركون أربعة آلاف، فأعجب بعض المسلمين بكثرتهم، وقال بعضهم‏:‏ لن نغلب اليوم من قلة‏.‏
الرسول وصحابته الكرام، يدخلون إلى وادي حنين، وفجأة تنهال عليهم السهام والرماح من كل جانب، فيرتبك الجيش ويسعى إلى الفرار، إلا ثلة قليلة على رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم ثبتوا معه، وجعلوا
يقاتلون المشركين، وجعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يركض بغلته نحو المشركين ويقول‏"‏
أنا النبيُّ لا كَذِبْ، أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ‏"صحيح البخاري.‏ ولما رأى من المسلمين ما رأى، أمر العباس بن عبد المطلب أن ينادي في الأنصار وبقية المسلمين، وكان رفيع الصوت، فناداهم‏:‏ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَيْ عَبَّاسُ، نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ، فَقالَ عَبَّاسٌ: وَكانَ رَجُلًا صَيِّتًا، فَقُلتُ بأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ قالَ: فَوَاللَّهِ، لَكَأنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتي عَطْفَةُ البَقَرِ علَى أَوْلَادِهَا، فَقالوا: يا لَبَّيْكَ، يا لَبَّيْكَ، قالَ: فَاقْتَتَلُوا وَالْكُفَّارَ"صحيح مسلم.
أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟أي: لا تنسَوْا بَيعتَكم الواقعةَ تحتَ الشَّجرةِ وما يترتَّبُ عليها مِن الثَّمرةِ،-والسَّمُرَة هي الشجرة التي بايع تحتها الصحب الكرام نبيهم على الثبات وعدم الفرار إذا ما لاقوا قريش عند الحديبية- ، وبمجرد أن سمعوا النداء، حول الصحابة المعنيون بالنداء وجوه دوابهم من الفرار إلى الهجوم.
كان الفارس الشاعر
دُرَيد بن الصَّمَّة مع الكفار يوم حنين ولكنه كان شيخا هرما فقد بصره ويحمل في هودج لكي ينتفع قومه برأيه، فلما توقف الركب، سأل‏:‏ بأي واد أنتم‏؟‏ قالوا:‏ بأوطاس، قال‏:‏ نعم مجال الخيل!‏ لا حزن ضرس، ولا سهل دهس، فما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟‏ قالوا‏:‏ ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم‏.‏ قال‏:‏ فأين مالك‏؟‏ قيل:‏ هذا مالك ودعي له، فقال‏:‏ يا مالك، إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء‏؟‏ قال‏:‏ سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم. قال‏:‏ ولم ذاك‏؟ قال‏:‏ أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله، ليقاتل عنهم. فرد عليه قائلا‏:‏ راعي ضأن والله!‏ وهل يرد المنهزم شيء‏؟‏ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك‏.‏ ومن هذه القصة أردت الاستشهاد بقول الخبير العسكري دُرَيد بن الصَّمَّة الذي زاد عمره وقتها على المائة عام عندما قال مستنكرا: وهل يَرُدُّ المنهزمَ شيءٌ؟‏، فالإنسان إذا فَرَّ يصيبه العمى عن كل شئ إلا عما ينقذ حياته، فلحظة الفرار هي لحظة هزيمة نفسية وتحطم معنوي وشلل فكري وعاطفي، يترك فيها الرجل أعز الناس إلى قلبه وأقربهم منه رَحِمًا، وهنا فقط ندرك قيمة النداء الذي أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم على لسان عمه العباس جهوري الصوت، ذلك النداء الذي انتشل الصحابة من بئر الفرار السحيق، ليستردوا عزيمتهم، ويتحولوا في لحظة من الفرار والانهزام، إلى أسود مزمجرة تهجم على الكفار وتمزقهم كل ممزق. طريق الإسلام .
فلما سمعوا صوته أَيْ عَبَّاس، عطفوا عطفة رجل واحد، فاجتلدوا مع المشركين، فهزم اللّه المشركين، هزيمة شنيعة، واستولوا على معسكرهم ونسائهم وأموالهم‏.‏
وذلك قوله تعالى ‏"‏لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ‏"‏ وهو اسم للمكان الذي كانت فيه الوقعة بين مكة والطائف‏.‏
‏"‏إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا‏"‏ أي‏:‏ لم تفدكم شيئا، قليلًا ولا كثيرًا ‏"‏وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ‏"‏ بما أصابكم من الهم والغم حين انهزمتم ‏"‏بِمَا رَحُبَتْ‏"‏ أي‏:‏ على رحبها وسعتها، ‏"‏ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ‏"‏ أي‏:‏ فارين منهزمين‏.

"ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏"
أي: أنزل عليهم ما يُسكِّنهم ويُذهب خوفهم، حتَّى اجترؤوا على قتال المشركين بعد أن ولَّوا . تفسير القرطبى :8/101.‏ والسَّكِينَة ما يجعله اللّه في القلوب وقت القلاقل والزلازل والمفظعات، مما يثبتها، ويسكنها ويجعلها مطمئنة، وهي من نِعَمِ اللّه العظيمة على العباد‏.‏
"وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا‏"‏ وهم الملائكة، أنزلهم اللّه معونة للمسلمين يوم حنين، يثبتونهم، ويبشرونهم بالنصر‏.‏تفسير السعدي.ومصادر أخرى.

رد مع اقتباس