عرض مشاركة واحدة
  #64  
قديم 06-07-2017, 01:55 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,217
افتراضي

مجلس رقم 59

{{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا *}}.الكهف 77
قوله تعالى: { {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} } ولم يعين الله عزّ وجل القرية فلا حاجة إلى أن نبحث عن هذه القرية، بل نقول: قرية أبهمها الله فنبهمها.
{ {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} } أي: طلبا من أهلها طعاماً.
{ {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} } ولا شك أن هذا خلاف الكرم، وهو نقص في الإيمان؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ»
تفسير العثيمين

- من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ ، ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يُؤذِ جارَه ، ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليُكرِمْ ضيفَه
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6475- خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الدرر السنية


استطعم: أي طلب الطعام، وطلَبُ الطعام هو أصدق أنواع السؤال، فلا يسأل الطعام إلا جائع محتاج، فلو سأل مالاً لقلنا: إنه يدخره، إنما الطعام لا يعترض عليه أحد، ومنْعُ الطعام عن سائله دليل بُخْل ولُؤْم متأصل في الطباع، وهذا ما حدث من أهل هذه القرية التي مَرّا بها وطلبَا الطعام فمنعوهما.
والمتأمل في الآية يجد أن أسلوب القرآن يُصوّر مدى بُخْل هؤلاء القوم ولُؤْمهم وسُوء طباعهم، فلم يقُلْ مثلاً: فأبوا أن يطعموهما،بل قال: { فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا..} [ الكهف: 77] وفرْق بين الإطعام والضيافة، أَبَوْا الإطعام يعني منعوهما الطعام، لكن أَبَوْا أن يُضيّفوهما، يعني كل ما يمكن أنْ يُقدَّم للضيف حتى مجرد الإيواء والاستقبال، وهذا مُنْتَهى ما يمكن تصوُّره من لُؤمْ هؤلاء الناس
هنا

{ {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} } أي: أنه مائل يريد أن يسقط،
تفسير العثيمين

لا مانع أنْ يكون للجدار إرادة على أساس أن لكل شيء في الكون حياةً تناسبه، ولله تعالى أن يخاطبه ويكون بينهما كلام.
ألم يقل الحق سبحانه: { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض..} [ الدخان: 29]
فإذا كانت السماء تبكي فقد تعدَّتْ مجرد الكلام، وأصبح لها أحاسيس ومشاعر، ولديها عواطف قد تسمو على عواطف البشر، فقوله:
{ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض..} [ الدخان: 29]
دليل على أنها تبكي على فَقْد الصالحين.

وهذا دليل انسجام العبد المؤمن مع الكَوْن من حوله، فالكون ساجد لله مُسبِّح لله طائع لله يحب الطائعين وينُبو بالعاصين ويكرههم ويلعنهم؛ لذلك العرب تقول: (نَبَا به المكان) أي: كرهه لأنه غير منسجم معه، فالمكان طائع وهو عاصٍ، والمكان مُسبِّح وهو غافل.
وعلى هذا الفهم فقوله تعالى
: { يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ..} [ الكهف: 77] قول على حقيقته.
إذن: فهذه المخلوقات لها إحساس ولها بكاء، وتحزن لفقد الأحبة، وفي الحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليَّ قبل أن أُبعث» .
ورُوِي في السيرة حنين الجذع إلى رسول الله، وتسبيح الحصى في يده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ.

- إنِّي لأعرفُ حجرًا بمكَّةَ كان يسلِّمُ عليَّ قبل أنْ أُبعثَ . إنِّي لأعرفهُ الآن الراوي: جابر بن سمرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2277
خلاصة حكم المحدث:
صحيح
الدرر السنية

- أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ خطبَ إلى لزقِ جذعٍ واتَّخذوا لَهُ منبرًا ، فخطبَ علَيهِ فحنَّ الجذعُ حَنينَ النَّاقةِ ، فنزلَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فمَسَّهُ فسَكَتَ الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3627-خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية

- إني انطلقتُ التمسُ رسولَ اللهِ في بَعضِ حوائطِ المدينةِ فإذا رسولُ اللهِ قاعدٌ فأقبل إليه أبو ذَرٍّ حتى سلم على النبيِّ قال أبو ذَرٍّ : وحَصَياتٌ موضوعةٌ بين يديه فأخذهن في يدِهِ فسَبَّحْنَ في يدِهِ ثم أخذهن فوضعهن على الأرضِ فَخَرَسْنَ ثم أخذهن فوضعهن في يدِ عُمَرَ فسَبَّحْنَ في يدِهِ ثم أخذهن فوضعهن في يَدِ عثمانَ فسَبَّحْنَ ثم أخذهن فوضعهن في الأرضِ فَخَرَسْنَ الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: الألباني - المصدر: تخريج كتاب السنة - الصفحة أو الرقم: 1146-خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية




هنا
" إسناد الإرادة ههنا إلى الجدار على سبيل الاستعارة فإن الإرادة في المحدثات بمعنى الميل والانقضاض هو السقوط"
ابن كثير
- فإن قيل: هل للجدار إرادة؟

فالجواب: نعم له إرادة، فإن ميله يدل على إرادة السقوط، ولا تتعجب إن كان للجماد إرادة فها هو «أُحُد» قال عنه النبي صلّى الله عليه وسلّم إنه: «يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»
- خرَجتُ معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى خَيبَرَ أخدِمُه ، فلما قدِم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم راجعًا وبَدا له أُحُدٌ ، قال : ( هذا جبلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه ) . ثم أشار بيدِه إلى المدينةِ ، قال : ( اللهمَّ إني أُحَرِّمُ ما بين لابتَيها ، كتحريمِ إبراهيمَ مكةَ ، اللهمَّ بارِكْ لنا في صاعِنا ومُدِّنا ) . الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2889- خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الدرر السنية


والمحبة وصف زائد على الإرادة، أما قول بعض الناس الذين يجيزون المجاز في القرآن: إنَّ هذا كناية وأنه ليس للجماد إرادة فلا وجه له.
{ {فَأَقَامَهُ} } أي أقامه الْخَضِرُ، لكن كيف أقامه؟ الله أعلم، قد يكون أقامه بيده، وأن الله أعطاه قوة فاستقام الجدار، وقد يكون بناه البناء المعتاد، المهم أنه أقامه، ولم يبين الله تعالى طول الجدار ولا مسافته ولا نوعه فلا حاجة أن نتكلف معرفة ذلك.
{ {قَالَ} } أي: موسى: { {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} } ولم ينكر عليه أن يبنيه ولا قال: كيف تبنيه وقد أبوا أن يضيفونا؟! بل قال: { {لَوْ شِئْتَ} } وهذا لا شك أنه أسلوب رقيق فيه عرض لطيف { {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} } أي عِوَضاً عن بنائه.
* * *
{{قَالَ هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا *}}.
قوله تعالى: { {قَالَ} } أي قال الْخَضِرُ لموسى: { {هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} } أي انتهى ما بيني وبينك فلا صحبة. { {سَأُنَبِّئُكَ} } أي سأخبرك عن قُربٍ قبل المفارقة { {بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} }، وإنما قلنا: «سأخبرك عن قرب» لأن السين تدل على القرب بخلاف سوف، وهي أيضاً تفيد مع القرب التحقيق.
{ {بِتَأْوِيلِ} } أي بتفسيره وبيان وجهه.
* * *

تفسير العثيمين
رد مع اقتباس