عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 10-15-2020, 08:59 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
root

حصول العصمة بفواتح سورة الكهف أم بخواتيمها؟

"مَن حَفِظَ عَشْرَآياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ".الراوي : أبو الدرداء -المصدر : صحيح مسلم.
"

ومن قرأ عشرَ آياتٍ من آخرِها ثم خرج الدَّجالُ ؛ لم يُسلَّطْ عليه "الراوي : أبو سعيد الخدري -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترغيب- الصفحة أو الرقم:1473-خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره .
-الترجيح من جهة السند والطريق.

قال ابن القيم رحمه الله في كتابه جلاء الأفهام :
"ومن ذلك ما ثبت عن النبي انه قال
مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ. رواه مسلم واختلف فيه فقال بعض الرواة من أول سورة الكهف وقال بعضهم من آخرها وكلاهما في الصحيح لكن الترجيح لمن قال من أول سورة الكهف لأن في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان في قصة الدجال فإذا رأيتموه فاقرؤوا عليه فواتح سورة الكهف ولم يختلف في ذلك وهذا يدل على أن من روى العشر من أول السورة حفظ الحديث ومن روى من اخرها لم يحفظه . 379-من طبعة دار عالم الفوائد التي أشرف عليها الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله.

الترجيح من جهة المتن والمعنى
*حصول العصمة بفواتح سورة الكهف أو خواتيمها: الأصل فيه أن يكون لوجود مناسبة بين مدلول الآيات وفتنة الدجال، ومن الجائز أن يكون لمحض التعبد، أو لصرف الإرادة الإلهية القاضية بجعل بعض القران عاصما من الدجال دون بعضه، مع حصول التساوي بين جميع القران؛ فيكون تخصيص بعض الآيات دون بعض يعود لتخصيص تعبدي غير معقول المعنى، والأصل أن يكون التخصيص راجعا لمعنى مناسب.
ومتى أمكن العثور على المناسبة لم تجز الصيرورة إلى ما يضادها، لأنه يلزم منه اعتماد ما يكون مخالفا للأصل، مع قيام القرينة الدالة على إحراز المناسبة الموافقة للأصل.
والراجح أن العصمة تحصل بفواتح السورة، لا بخواتمها،
للأدلة التالية:
1- أن فواتحها تتحدث عن فرار الفتية بدينهم من فتنة الملك، واعتصامهم بالكهف المانع من اطلاع الملك عليهم.
وهو يناسب تمام المناسبة حال فرار المؤمنين من المسيح الدجال، واعتصامهم بالجبال عنه.
كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال:" ليَفِرَّنَّ الناسُ من الدجال في الجبال"
فحصل التشابه بينهم في العلة الموجبة للفرار، وفي العلة الغائية من الفرار، وفي طريقة التحصن والاعتصام.
فالعلة الموجبة للفرار هي خوف الفتنة والقتل، والعلة الغائية من الفرار هي تحصيل السلامة في الدين، وطريقة التحصن هي الاعتصام بالجبال، وكهوف الجبال.
فأولئك فروا بدينهم وهولاء فروا بدينهم، وأولئك فروا من أجل فتنة الملك، وهولاء فروا من أجل فتنة الدجال، وأولئك اعتصموا بكهف في جبل، وهولاء اعتصموا بالجبال.
2- أن الله يأمر الأرض- قبل خروج الدجال- فَتَحْبِسُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ، فَلا تُنْبِتُ خَضْرَاءَ، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
وقد قال الله في فواتح السورة" إنا جاعلون ما عليها صعيدا جرزا"
وهذا وإن كان يوم القيامة إلا أنه لا يخلو من مناسبة، فظهور الدجال من إرهاصات الساعة.
3- أن الآية العاشرة مختومة بدعاء يناسب حال الفارين من الدجال" ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا".
ثم قال تعالى " فضربنا على أذانهم في الكهف سنين عددا" فكان هذا الضرب منه على آذانهم من رحمته لهم، ولما كانت الرحمة الصادرة في حقهم مغايرة للرحمة الحاصلة لأمة محمد لم يناسب أن تكون هذه الآية من جملة الآيات المتلوة على الدجال.
فالخلاص من فتنة الدجال يكون بقتله بحربة المسيح عليه السلام، وهذا رحمة من الله ولكنها مغايرة للرحمة التي حصلت للفتية.
4- أن تلاوة هذه الآيات وحفظها يستدعي استحضار ما انتهى إليه أمر الفتية الذين تمسكوا بدينهم، من حصول ألطاف الله لهم، ونجاتهم من فتنة الملك، والثناء الباقي لهم بعد موتهم، فيحصل عند المتعرضين لفتنة الدجال من الثقة بالله، واليقين بأن العاقبة للمتقين، ومن الإيمان ما يكون سببا لثباتهم على الحق.
5- أنها لو كانت خواتيم الكهف لكان بداية الآيات العشر هي قوله تعالى" الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا"
وهي صفة لموصوف قبلها، ولا يحسن البداءة بصفة مقطوعة عن موصوفها.

6- دل الاستقراء على اعتبار المطابقة بين مدلول الآيات ومقتضى الحال، كالتحصن بالمعوذات المناسب مدلولها لدفع شر المخلوقات، وبين مدلول الآيات والفضل المترتب عليها، فدل على اعتبار جنس المناسبة في جنس مقتضى الحال، كقراءة الآيات التي تناسب المسحور، أو الآيات المناسبة لتعسر الولادة، وغير ذلك.
فقد ثبت الدليل على قيام المناسبة بين مدلول الآيات الخاصة مع مقتضى الحال، في وقائع معينة، وهو موجب لتوريث الظن باعتبار جنس المناسبة في جنس المقتضى للحال، كما لو دلت وقائع محصورة ثابتة عن المشرع على استخدام أداة القياس للتوصل إلى الحكم الشرعي، كان ذلك دليلا على صلاحية جنس القياس كأداة لاستفادة الأحكام الشرعية، ولم يكن ذلك مختصا بتلك الوقائع.
وكما لو ثبت بناء بعض الأحكام الشريعة على سد الذريعة، في أحكام خاصة، كان ذلك دليلا على اعتبار جنس سد الذرائع في بناء الأحكام، ولم يكن ذلك مقصورا على تلك الموارد، كما يقول به من يمنع بناء الأحكام على عنوان سد الذريعة.
والمقصود هنا: أنه قد حصلت المناسبة بين فواتح السورة مع مقتضى الحال، ولم تحصل المناسبة مع خواتيم السورة، فكان هذا مسوغا للترجيح.
فهذا ترجيح من جهة المتن والمعنى، وذاك ترجيح من جهة السند والطريق.
ملتقى أهل الحديث.
رد مع اقتباس