عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 11-20-2019, 11:48 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,221
Arrow

* وَالإِيمَانُ بِالمِيزَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ،كَمَا جَاءَ -يُوزَنُ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَلا يَزِنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ -،وَتُوزَنُ أَعْمَالُ العِبَادِ كَمَا جَاءَ في الأَثَرِ،وِالإيمَانُ بِهِ والتَّصْدِيقُ - بِهِ-وَالإعْرَاضُ عَنْ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ وَتَرْكُ مُجَادَلَتِهِ.
الشرح:

إذا تمت محاسبة العباد على أعمالهم ، أُعطى كل عبد كتابه المشتمل على أعماله كلها.
فأما المؤمن فيعطاه بيمينه تكرمة له ، وهو الناجي المسرور يوم القيامة قال الله تعالى " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا *وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا " القيامة /7-9 .
أما الكافر والمنافق وأهل الضلال فيعطون كتبهم بشمالهم من وراء ظهورهم قال الله تعالى " وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا *وَيَصْلَى سَعِيرًا" القيامة/10-12 . نسأل الله العافية لنا ولكم.
ثم يوضع الميزان لوزن أعمال العباد، قال القرطبي " فإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال ، لأن الوزن للجزاء ، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة ، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال ، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها " اهـ .
وقد دلت النصوص الشرعية على أن الميزان ميزان حقيقي له كِفَّتان ، توزن به أعمال العباد . وهو ميزان عظيم لا يقدر قدره إلا الله تعالى .

عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّهَ يَسْتَخْلِصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ هَذَا، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَيُخْرِجُ بِطَاقَةً فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ، وَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ "الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2639 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.

"إنَّ اللهَ سيُخلِّصُ"، أي: يُميِّزُ ويَخْتارُ، "رجُلًا مِن أمَّتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ"، أي: يُنادَى به لِيُحاسَبَ، "فيَنشرُ عليهأي: فيَفتَحُ ويَعرِضُ عليه، "تِسعةً وتِسعين سِجلًّاأي: كُتبَ وصَحائِفَ أعمالِه السَّيِّئةِ الَّتي كان يَعمَلُ بها في الدُّنيا، "كلُّ سِجلٍّ مِثلُ مَدِّ البصَرِ"، وهذا بيانٌ لِمِقدارِ طولِ وعَرضِ السِّجلِّ، "ثمَّ يقولُ"، أي: اللهُ عزَّ وجلَّ لهذا الرَّجلِ "أتُنكِرُ مِن هذا"، أي: مِن المكتوبِ في تلك السِّجِلَّاتِ، "شيئًا؟"، أي: هل تَجِدُ فيها شيئًا لم تَفعَلْه؟ "أظَلَمَك كتَبَتي الحافِظون؟"، والمرادُ الملائكةُ الحفَظةُ الكتَبةُ لكلِّ إنسانٍ في الدُّنيا، فيقولُ الرَّجلُ "لا يا ربِّفيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ "أفَلَك عُذرٌ؟"، أي: ألَك عُذرٌ تُعذَرُ به ممَّا قدَّمتَ مِن أعمالٍ سيِّئةٍ في الدُّنيا، أو لك مِن الحسناتِ الَّتي قد تَغفِرُ لك مِن بعضِ تلك الأعمالِ؟ فيقولُ الرجلُ "لا يا ربِّ"، أي: ليس له عذرٌ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ "بلى، إنَّ لك عِندَنا حسَنةًأي: لك حسَنةٌ لم تَظهَرْ بتلك السِّجلَّاتِ، "وإنَّه لا ظُلمَ عليك اليومَ أي: إنَّ اليومَ يومٌ يُحاسَبُ فيه المرءُ دونَ ظُلمٍ يقَعُ عليه أو أن يُبخَسَ في حقِّه.
قال "فيُخرِجُ بِطاقةًأي: صَحيفةً صغيرةً، وهذا إشارةٌ إلى المفارَقةِ الَّتي بينَها وبينَ السِّجلَّاتِ، مكتوبٌ "فيها: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه"، قيل: هي كَلمةُ التَّوحيدِ الَّتي آمَن بها وأوَّلُ نُطقِه لها، وقيل: إنَّها الوحيدةُ الَّتي جاءَت مَقبولةً عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، فيَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ "احضُرْ وزنَك أي: ميزانَك الَّذي يَزِنُ لك سِجلَّاتِك الَّتي بها عمَلُك السَّيِّئُ وضَعْ فيه تلك البطاقةَ، فيقولُ الرَّجلُ "يا ربِّ، ما هذه البطاقةُ؟! ما هذه السِّجلَّاتُ؟!أي: يَتعجَّبُ الرَّجلُ بمُقارنَتِه بينَ وزنِ تلك البطاقةِ الصَّغيرةِ وبينَ عِظَمِ السِّجلَّاتِ الَّتي نُشِرَت له، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ "فإنَّك لا تُظلَمُأي: لن يقَعَ عليك ظلمٌ، إشارةً إلى أنَّ الأعمالَ كلَّها ستُعرَضُ على الميزانِ حتَّى وإن كانت قليلةً.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "فتُوضَعُأي: في الميزانِ، "السِّجلَّاتُ في كِفَّةٍ، والبطاقةُ في كِفَّةٍ؛ فطاشَت أي: خَفَّت الكِفَّةُ الَّتي بها "السِّجلَّاتُ، وثَقُلتأي: ووُزِنَت الكِفَّةُ الَّتي بها "البِطاقةُ، ولا يَثقُلْ مع اسمِ اللهِ شيءٌ"، أي: إنَّ ثِقلَ كلمةِ التَّوحيدِ أكبرُ وأعظمُ من أن يَبلُغَها ويُساوِيَها شيءٌ في الميزانِ، فلا يَرجُحُ ولا يَغلِبُ "مع اسمِ اللهِ شيءٌولا يُقاوِمُه شيءٌ من المعاصي، بل يتَرجَّحُ ذِكرُ اللهِ تعالى على جميعِ المعاصي.
ويَحتمِلُ أنْ يوزَنُ السِّجلُّ الَّذي كُتِب فيه الأعمالُ، وهذا يَختَلِفُ باختلافِ الأحوالِ، أو أنَّ اللهَ يُجسِّمُ الأفعالَ والأقوالَ، فتُوزَنُ فتَثقُلُ الطَّاعاتُ وتَطيشُ السَّيِّئاتُ؛ لثِقَلِ العبادةِ على النَّفسِ وخفَّةِ المعصيةِ عليها؛ ولذا ورَد "حُفَّت الجنَّةُ بالمكارهِ، وحُفَّت النَّارُ بالشَّهواتِ"، والواجبُ هو الإيمانُ بأنَّ اللهَ يُقيمُ الميزانَ بالقِسْطِ والعدلِ، وبالكيفيَّةِ الَّتي يَشاؤُها سبحانه، ولا تُقاسُ أمورُ الآخرةِ بأمورِ الدُّنيا.


*حقيقة الموزون يوم القيامة :
ومع وضوح قيام الوزن كإحدى الحقائق الغيبيّة التي وردت بها النصوص، وأجمع السلف عليها، إلا أن خلافًا قد ورد بينهم حول طبيعة ما سيوضع في تلك الموازين وفقًا لبعض الألفاظ الواردة فيما يوزن فيها، وكانت أقوال أهل العلم على النحو الآتي:
القول الأول: أن الله تعالى يضع في الموازين أعمال العباد، فهي وإن كانت معانٍ مجرّدة، إلا أن الله تعالى –وهو القادر على كل شيء-، يحوّلها إلى أجسامٍ حقيقيّة، فتوضع الحسنات في إحدى كفّتي الميزان، والسيئات في الكفّة الأخرى.
والدلائل على وزن الأعمال يوم القيامة كثيرةٌ جدًا، منها قوله تعالى"
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ"المؤمنون: 102-103.

ويدل على وزن الأعمال ما صح عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ"مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ " صحيح سنن الترمذي 1629.
القول الثاني: أن العامل نفسه يوزن كذلك، فيكون مقياس تفاضلهم في الميزان على الأعمال لا على الأبدان، فيثقل المرء بثقل أعماله، ويخفّ بخفّتها وقلّتها.

واستدلّ القائلون لهذا القول بحديث أبي هريرة رضي الله عنه.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَقَالَ اقْرَءُوا " فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا " رواه البخاري 4729 .

وكذلك يدل عليه ما ثبت من أن ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الأَرَاكِ وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مِمَّ تَضْحَكُونَ " قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ " حسن إسناده الألباني في شرح الطحاوية برقم 571 ص 418 .
نسأل الله تعالى أن يثقل موازيننا .

بعد هذه الأقوال يمكن أن نتساءل: ما الذي يوضع في الميزان يوم القيامة؟ والجواب هو بالعودة إلى المعنى الذي تمّ ذكره في بداية الموضوع، بأن المقصود من وضع الموازين هو بيان أثر الأعمال في نجاة الشخص أو خسارته يوم القيامة، فوزن الأعمال هو الأصل في ذلك، ولا إشكال في كونِ الأعمال الموزونة أصلها معانٍ، فالله القادر على كلّ شيء، وسعت قدرتُه في تحويل المعاني إلى أجسامٍ لها وزن، وقد ضرب الله لنا مثلاً بتحويل الموت إلى كبشٍ يوم القيامة ثم يُذبح بين الجنّة والنار –كما ثبت في الحديث الصحيح-.

"يُؤْتَى بالمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أمْلَحَ، فيُنادِي مُنادٍ: يا أهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ ويَنْظُرُونَ، فيَقولُ: هلْ تَعْرِفُونَ هذا؟ فيَقولونَ: نَعَمْ، هذا المَوْتُ، وكُلُّهُمْ قدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنادِي: يا أهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ ويَنْظُرُونَ، فيَقولُ: وهلْ تَعْرِفُونَ هذا؟ فيَقولونَ: نَعَمْ، هذا المَوْتُ، وكُلُّهُمْ قدْ رَآهُ، فيُذْبَحُ ثُمَّ يقولُ: يا أهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فلا مَوْتَ، ويا أهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فلا مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ"وَأَنْذِرْهُمْ يَومَ الحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأمْرُ وهُمْ في غَفْلَةٍ"، وهَؤُلاءِ في غَفْلَة أهْلُ الدُّنْيا "وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ"الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4730 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.

ولا إشكال في إمكانِ وزنِ العاملين يوم القيامة فقد وردت النصوص السابقة في حقّهم، إلا أنه يبدو -والله أعلم- أنهم في الغالب لن يوزنوا يوم القيامة، بمعنى: لن يوضع كلّ مكلّفٍ في الميزان فيُوزن مع عمله، لأن المقصود الأعظم من وضع الميزان هو إجراء التفاضل بين الأعمال، وبالأعمال يظهر حال المكلّف ويتحدّد مصيره، أما النصوص التي ذكرتْ وزن الرجل العظيم وبأنه لا يزن عند الله جناح بعوضة، فليس صريحًا في كون المكلّفين جميعًا يوضعون في الميزان كما توضع الأعمال، بل إن سياق الحديث يبيّن معنى حقارةِ قدره، فلا يُعتدّ به، ولا يكون له عند الله منزلة، فكأنّه بيانٌ عن حالةٍ تبيّن طبيعة الوزن، لا أنها تُثبت حقيقته وحصوله كحالةٍ مستقرّة.
قال السفاريني" هذا ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلًا للذي يغترّ ببعض الأجسام، وهو كنايةٌ عن عدم اكتراث الله بالأجساد؛ فإن الله لا ينظر إلى الصور، وإنما ينظر إلى الأعمال والقلوب.
قال صلى الله عليه وسلم"إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم. فكم من جسمٍ وسيمٍ وهو عند الله من أصحاب الجحيم، فهذا محمل الحديث الصحيح".
"إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ."، فَاللهُ سبحانه وتعالى لا ينظرُ إلى أَجسامِ العباد؛ هلْ هي كبيرةٌ أو صغيرةٌ، أو صحيحةٌ أو سقيمةٌ، ولا ينظرُ إلى الصُّورِ؛ هل هي جميلةٌ أو ذميمةٌ؛ كلُّ هذا ليس بِشيءٍ عندَ اللهِ، وكذلكَ لا يَنظرُ إلى الأنسابِ؛ هلْ هي رفيعةٌ أو دنيئةٌ، ولا ينظرُ إلى الأموالِ ولا ينظرُ إلى شيءٍ مِن هذا أبدًا، لَيسَ بَيْنَ اللهِ وبَيْنَ خلْقِه صلةٌ إلا بِالتَّقْوى؛ فمَنْ كان للهِ أتقى كان مِنَ اللهِ أقربَ وكان عندَ اللهِ أكرمَ؛ إذَنْ فعلى المَرْءِ ألَّا يَفخرَ بِمالِه ولا بِجَمالِه ولا بِبدنِه ولا بِأولادِه ولا بِقُصوره ولا بِسيَّارتِه، ولا بِشيءٍ مِن هذه الدُّنْيا أبدًا، إنَّما إذا وفَّقه اللهُ لِلتَّقوى؛ فهذا مِن فضلِ اللهِ عليه؛ فَلْيحمدِ اللهَ عليه، وإنْ خُذِلَ فلا يَلومَنَّ إلَّا نفْسَه.الدرر السنية.

وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه فكذلك، فنصّ الحديث"لهما أثقل في الميزان من أحد" فلو وُزن ابن مسعودٍ رضي الله عنه يوم القيامة لكان وزنُ ساقيه تثقلان على جبل أحد، وما كان ثقلهما إلا بسبب فعل صاحبهما من الحسنات الكثيرة التي بسببها فاقت وزن جبلٍ كامل، أما القدر الزائد من الفهم، وهو أن العاملين سيوزنون مع أعمالهم، فيحتاج إلى نصٍّ أكثر وضوحًا، كمثل الحديث الذي رواه أحمد، وقد تقدّم، وفيه"توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة" فهو نصٌّ في بابه، إلا أن الحديث فيه ضعفُ من جهة راويه أبي لهيعة.
والحق أن القول بوزنِ العاملين له قوّة، وقال به عددٌ كبير من العلماء، إلا أن القول بوزن الأعمال فقط هو الأظهر، وهو رأي السفاريني والقرطبي وابن عبد البر وغيرهم، ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين، والعلم عند الله تعالى.

-هنا -


* وَالإِيمَانُ بِالمِيزَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ،كَمَا جَاءَ -يُوزَنُ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَلا يَزِنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ -،وَتُوزَنُ أَعْمَالُ العِبَادِ كَمَا جَاءَ في الأَثَرِ،وِالإيمَانُ بِهِ والتَّصْدِيقُ - بِهِ-وَالإعْرَاضُ عَنْ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ وَتَرْكُ مُجَادَلَتِهِ.
يعني يجب على المسلم الإيمان بالميزان والإيمان به يعني بالميزان والتصديق به والإعراض عمن رد ذلك، وترك مجادلته، من هو الذي رد ذلك؟ المعتزلة ردوا النصوص فلا نجادلهم ، لأن الجدال معهم عقيم ، كيف نجادل من رد النصوص ، لا نخاصم ولا نجادل ولكن نبين لهم النصوص، فإن قبلوها فالحمد لله وإن تركوها فلا نجادلهم؛ ولهذا قال:
وَالإعْرَاضُ عَنْ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ وَتَرْكُ مُجَادَلَتِهِ.
مقتبس من موقع حلقات جامع شيخ الإسلام ابن تيمية.

ينبغي على العبد المسلم أن يحرص أن يكون ميزانه ثقيلاً يوم القيامة؛ لأن هذا فيه الفلاح والنجاح، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان من دعاءه إذا أخذ مضجعه من الليل: باسم الله وضعت جنبي، اللهم اغفر لي ذنبي، وأخسئ شيطاني، وفك رهاني، وثقل ميزاني، واجعلني في الندي الأعلى[رواه الحاكم في المستدرك: 1982، وصححه الألباني صحيح الجامع الصغير: 4649] يعني: الملأ الأعلى.
قال المناوي:
"بِسمِ اللهِ"، أي: مُستَعينًا باللهِ، ومستصحِبًا لقُدرتِه في حِفْظي، "وضَعتُ جَنْبي"، أي: باسمِ اللهِ وضَعتُ بدَني على الفِراشِ، وباسمِ اللهِ وضَعتُ جَنبي على حالٍ يُقوِّيني ويُمكِّنُني مِن عبادتِه، مصاحبًا لاسمِه أو متبرِّكًا به، "اللَّهمَّ اغفِرْ لي ذَنْبي"، ولعلَّ مَقصودَه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن ذلك تَعليمُ أمَّتِه التَّوبةَ مِن الذُّنوبِ وطلَبَ المغفرةِ مِن اللهِ؛ لأنَّ اللهَ قد غفَر له ما تقَدَّم مِن ذَنبِه وما تأخَّر، وناسَبَ أن يَختِمَ يومَه بسُؤالِ الغُفرانِ؛ فيَكونَ خَتْمُ صحيفةِ عمَلِه طلَبَ المغفرةِ.
"وأَخْسِئْ شَيطاني"، أيِ: ادفَعْه بالذِّلَّةِ واطرُدْه عنِّي، "وفُكَّ رِهاني"، والرِّهانُ هو ما يُجعَلُ وثيقةً في الدَّينِ، والمرادُ: خلِّصْ نَفْسي مِن عِقالِ ذُنوبي، وخلِّصْ رقَبتي عن كلِّ حقٍّ عليَّ، ومن عقابِ ما اقتَرَفتُ مِن الأعمالِ الَّتي لا تَرْضاها بالعَفوِ عنها، أو خلِّصْها مِن ثِقَلِ التَّكاليفِ بالتَّوفيقِ للإتيانِ بها، والرِّهانُ مِن الحبسِ؛ لأنَّ نفسَ الإنسانِ مرهونةٌ ومحبوسةٌ بعَمَلِها؛ لقولِه تعالى"كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ"الطور: 21.
"وهذا دعاء يجمع خير الدنيا والآخرة، فتتأكد المواظبة عليه كلما أُريد النوم، وهو من أجل الأدعية المشروعة عنده على كثرتها" فيض القدير: 1/225.

"ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقلُ من حُسنِ الخلقِ ، وإنَّ صاحبَ حُسنِ الخلقِ ليبلُغُ بِهِ درجةَ صاحبِ الصَّومِ والصَّلاةِ"الراوي : أبو الدرداء | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي.

"ما مِن شيءٍ أثقلٌ في الميزانِ مِن حُسْنِ الخُلُقِ".
الراوي : أبو الدرداء | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود.
في هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ما مِن شَيءٍ، أي: ما مِن ثَوابِ لِعملٍ من الأعمالِ، أثقلُ في الميزانِ، أي: عِندَما تُوزَن الحسناتُ، مِن حُسن الخلقِ؛ لأنَّه لا يقدِرُ عليه إلَّا أصحابُ العزائمِ القويَّةِ؛ فيُحسن خُلقَه مع اللهِ عزَّ وجلَّ بالرِّضا بقضاءِ اللهِ وقَدرِه، والصَّبرِ والحمدِ عندَ البَلاءِ، والشُّكرِ له عندَ النِّعمةِ والعطاءِ، ويكونُ حَسَنَ الخُلقِ مع الناسِ بكفِّ الأذى عنهم، وبَذْلِ العطاءِ لهم، وطلاقةِ الوَجهِ مع الصَّبرِ على آذاهم.الدرر.

"كَلِمَتانِ حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ."الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري .

وفي هذا الحديثِ: بيانُ سَعةِ رحمةِ اللهِ بِعبادِه، حيثُ يَجزي على العملِ القليلِ بِالثَّوابِ الجزيلِ.

عَنْ جُوَيْرِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ " رواه مسلم :2726.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ" خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَّتَانِ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ يُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا وَيَحْمَدُ عَشْرًا وَيُكَبِّرُ عَشْرًا فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَذَلِكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ.." رواه أحمد :6616- وأبو داود:5065- والترمذي:3410- والنسائي:1331. وابن ماجه:926. وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب


عَنْ أُبَيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ" مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِهِ مِنْ أُحُدٍ" رواه الإمام أحمد :20256- وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير
رد مع اقتباس