عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 03-14-2019, 06:34 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
Arrow

تحويل القِبلة
القِبْلَة :
هي الجهة التي يولِّي الإنسان وجهه شطرها في صلاته أو في أثناء العبادة .
وعن قبلة الأنبياء السابقين ، يقول الشيخ" أبو الوفاء درويش " في كتابه القبلة :
" ليس لدينا نصوص صحيحة نعرف منها أين كانت القبلة التي كان آدم وذريته ، ونوح ومن معه ، يولُّون وجوهَهُم شطرها .
أما عن قبلة إبراهيم عليه السلام : ليس لدينا نصوص تدلنا على القبلة التي كان يتجه إليها إبراهيم عليه السلام قبل أن يرفع القواعد من البيت .وأما بعد أن بَنَى البيتَ الحرامَ المبارك ببكة ،فلاشك أن البيت كان قبلته وقبلة "إسماعيل "عليهما السلام ، وقبلة العرب بعد ذلك " .
* واختلف العلماء في تحديد الجهة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها عند صلاته بمكة .
ورجح ابن حجر العسقلاني في فتح الباري /المجلد الأول / ص : 119 / قول ابن عباس الآتي :
فقال ابن عباس وغيره : كان صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس ، لكنه لا يستدبر الكعبة ، بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس .
قال العسقلاني : وقد صححه الحاكم وغيره
* وورد في كتاب صفة صلاة النبي للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله / ص : 76 :
" كان صلى الله عليـه وسلم يصلي نحو بيت المقدس ـ والكعبة بين يديه ـ قبل أن تنزل هذه الآية " قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ".سورة البقرة / آية : 144 .
فلما نزلت استقبلَ الكعبة ، فبينما الناس بقباء في صلاة الصبح ؛ إذ جاءهم آتٍ فقال :إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أُنزل عليه الليلة قرآن ، وقد أُمِرَ أن يستقبل الكعبة ، [ ألا ] فاستقبلوها . وكانت وجوههم إلى الشام ،فاستداروا ، [ واستدار إمامهم حتى اسـتقبل بهم
القبلة ] " .
* فعن ابن عمر ، قال :
بينما الناس في صلاة الصبح بِقُبَاء إذ جاءهم آتٍ فقال : إنَّ رسولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أُنزِلَ عليه الليلةَ . وقد أُمر يستقبل الكعبة فاستقبِلوها . وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة .
صحيح مسلم . متون / ( 5 ) ـ كتاب : المساجد ومواضع الصلاة / 2 ـ باب : تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة / حديث رقم : 13ـ 526 / ص : 128 .

تحويل القِبْلَة :
اقتضت حكمة الله عز وجل أن يبعث على الناس في عهد النبوة بين الفينة والفينة ريحَ فتنة يبتلي بها النفوس ؛ ليظهرَ الصادقَ في إيمانه ، الذي لا تزلزله الفتن ، ولا تنال منه الزعازع ، من المنافق الذي لا يلبث أن يتكشف ما فينفسه من ظلمات الشكوك ، وعوامل الهزيمة فيذوب في الفتنة كما يذوب الملح في الماء .
فكان تحويل القبلة من هذه الابتلاءات الكبرى التي أراد الله بها هز المجتمع الإسلامي لتتساقط عن شجرته المباركة الأوراق اليابسة والثمرات العفنة ، ولا يبقى إلا القوي الجيد الذي له من صلابة الإيمان وقوة اليقين ونور البصيرة ما يَرُد عنه مضلات الفتن وينجيه من بوائِقِها .
* فعن البراء بن عازبٍ أن النبي ـ صلى الله عليه
وسلم
ـ كان أولَ ما قَدِمَ المدينةَ نزل على أجداده أو قال : أخوالهِ من الأنصار ، وأنه صلى قِبلَ بيت المقدسِ ستة عَشَرَ شهرًا ، أو سبعة عشرَ شهرًا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبلَ البيتِ ، وأنه صلى أول صلاةٍ صلاها صلاة العصر ، وصلى معه قوم ، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال :أشهد بالله لقد صليتُ مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قِبَلَ مكةَ ، فداروا كما هم قِبَلَ البيتِ وكانت اليهودُ قدأعجبهم إذ كان يصلي قِبَلَ بيتِ المقدسِ وأهلُ الكتابِ . فلما ولى وجهه قِبَلَالبيتِ أنكروا ذلك .

صحيح البخاري . متون / 2 ـ كتاب : الإيمان / 30 ـ باب :الصلاة من الإيمان ... / حديث رقم : 40 / ص : 15 .

ولما كان شأن ذلك التحويل عظيمًا حيث اتخذ منه أعداء الإسلام فرصة للطعن وإثارةالشكوك ، كقولهم : إن كانت القبلة الأولى حقًا ،فقد تركها ، وإن كانت الثانية هي الحق ،فقد كان على باطل .
وكقولهم : إن محمدًا مضطرب في أمره ، ينقض اليوم ما أبرم بالأمس ، يصلي كل يوم إلى قبلة . إلى غير ذلك من العبارات التي كانوا يريدون بها بلبلة الأفكار والتأثير على ضعفاء الإيمان من المسلمين ، وقد بلغوا من ذلك بعض ما أرادوا ، فارتد الناس من ضعفة الإيمان عن دينهم .

ونظرًا لما صاحب أمر التحويل من الإرجاف والطعن ، فقد نزلت قبله آيات كثيرة تتحدث عن النسخ الذي كاناليهود ينكرونه .
" مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قدِيرٌ " .سورة البقرة / آية : 106 .
كما تحدثت ـ الآيات ـ عن رغبة أهل الكتاب في أن يردوا المؤمنين كفارًا مثلهم من بعد ما تبين لهم الحق ، قال تعالى "وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء " . سورة النساء / آية : 89 .
* ثم ذكرت الآيات بعد ذلك أن اليهود والنصارى يختلف بعضهم على بعض ويشهدون بعضهم على بعض بأنهم ليسوا على شيء وهم يتلون الكتاب ، قال تعالى "وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ " . سورة البقرة / آية : 113 .

* وإنه من تمام النعمة على الأمة التي تعد شريعتها متصلة بشريعة إبراهيم ـ عليه السلام ومجددة لها أن تكون قبلتها هي قبلة إبراهيم ـ عليه السلام ـ لتتم لها الهداية والنعمة
فقد ذكر سبحانه ما قام به " إبراهيم " من رفع قواعدالبيت الحرام بمعونة ولده " إسماعيل " عليهما السلام ودعائهما بعد الفراغ من ذلك بأن يتقبل الله عملهما ، وأن يجعل ذريتهما أمة مسلمة له سبحانه وأن يريهما مناسكهما ويتوب عليهما ، وأن يبعث في هذه الأمة المسلمة رسولًا منها يتلو عليهم آيات الله ،ويزكيهم ، ويعلمهم الكتاب والحكمة قال تعالى "
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَوَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"
سورةالبقرة / آية : 127 : 129 .
* ثم أخبر أن ملة إبراهيم وهي الإسلام الذي يقوم على التوحيد الخالص من كل شائبة ، لا يرغب عنها إلا كل سفيه أحمق ، وأن إبراهيم وصى بها بنيه ، وكذلك يعقوب عليهما السلام قال تعالى "وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ* إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ*أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" سورة البقرة / آية : 130 : 133 .

* وإنه لمن تمام النعمة على الأمة التي تعد شريعتها متصلة بشريعة إبراهيم عليه السلام ، ومجددة لها أن تكون قبلتها هي قبلة إبراهيم لتتم بها الهداية والنعمة ، تحقيقًا لقول الله تبارك وتعالى" وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ".سورة البقرة / آية : 150 .
* فمن تمام النعمة التوجه لقبلة إبراهيم ـ عليه السلام ـ . قال تعالى "
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" .سورة البقرة / آية : 150.

* ثم أمرهم بما لا يتم كل ذلك إلا به ، وهو الاستعانة بالصبر والصلاة ، وأخبرهم أنه مع الصابرين ، قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " .سورة البقرة / آية : 153 .
ولنرجع إلى شرح بقية الحديث من قول البراء بن عازب ـ رضي الله عنه" فصلى مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل ولم يعرف اسم ذلك الرجل ، ولا القوم الذين مر بهم وهم يصلون في مسجدهم ، ولكنهم على كل حال ليسوا أهل قباء ، فإن أهل قباء لم يعلموابتحويل القبلة إلا في صلاة الصبح .
كما جاء في حديث ابن عمر : بينما الناس في صلاة الصبح بِقُبَاء إذ جاءهم آتٍ فقال :إنَّ رسولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أُنزِلَ عليه الليلةَ . وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبِلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة .
صحيح مسلم / 5 ـ كتاب : المساجد ومواضع الصلاة / 2 ـ باب :تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة / حديث رقم :13 ـ 526 / ص : 128 .

* وقد اختلف في أول صلاة صلاها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الكعبة بعد التحويل ،فحديث " البراء بن عازب " هنا يفيد أنها صلاة العصر .

* وَرُوِيَ عن ابن سعيد بن المعلى أنها صلاةالظهر ، وأنه هو وصاحب له كانا أول من صلى مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى القبلة الجديدة .
وَرُوِيَ كذلك أن الأمر بالتحويل نزل بعد ماصلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ركعتين من الظهر ، فاستدار في الصلاة ، وكان ذلك في مسجد بني سلمة ، فسمي
المسجد " ذا القبلتين " .

* ويؤخذ من حديث البراء بن عازب جملة من الأحكام الأصولية والفرعية ، ذكرها العلامة ابن دقيق العيد في شرحه على عمدة الأحكام عند الكلام على حديث ابن عمر المتقدم ، ونحن نجملها فيما يأتي :
ـ قبول خبر الواحد ، وعادة الصحابة في ذلك اعتداد بعضهم بنقل بعض ، وورد عنهم
في ذلك ما لا يُحصى ، ومعنى ذلك أن خبر الواحد العدل ، يفيد العلم بمضمونه ويجب العمل به ، خلافًا للمتكلمين من المعتزلة وغيرهم .


ـ جواز نسخ السُّنة بالكتاب ، فإنما الصلاة إلى بيت المقدس إنما كانت بالسنة ، إذ لا نص في القرآن على ذلك ، وتحويل القبلة إلى الكعبة إنما كان بالكتاب .

ـ دلَّ الحديثُ على أن حكم " الناسخ " لا يثبت في حق المكلف قبل بلوغ الخطاب له ، فإنهم بنوا ـ صلاتهم ـ على ما فعلوه من الصلاة
جهة بيت المقدس ، ولو ثبت الحكم في حقهم قبل بلوغ الخبر إليهم ؛ لكانت صلاتهم إلى بيت المقدس باطلة ، فلا يجوز البناء عليها ، بل كان يجب استئنافها، أي : إعادتها من جديد .

ـ فيه دليل على جواز تنبيه من ليس في الصلاة لمن هو فيها ، وأن يَفْتَح عليه القراءة .

5 ـ قال الطحاوي : في هذا دليل على أن من لم يعلم بفرض الله تعالى ، ولم تبلغه الدعوة ، ولا أمكنه استعلام ذلك من غيره ، فالفرض غير لازم له ، والْحُجَّة غير قائمة عليه .
تعقيب :
ـ نقل الإمام القرطبي عن أبي حاتم البستي قال : صلى المسلمون إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرًا أيام ، وذلك أن قدومه صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة كان يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة ، خلت من شهر ربيع الأول ، وأمره الله عز وجل باستقبال الكعبة يوم الثلاثاء للنصف الأول من شعبان

ـ ويحكي ابن كثير في البداية والنهاية ، وكذلك في تفسيره أن ذلك كان في رجب سنة اثنتين على رأس ستة عشر شهرًا .على أن الخلاف في وقت التحويل لا يهمنا بقدر ما يهمنا ما يفعله الناس في المواسم بما طغى على ما وقع فيها من أحداث هامة من أمر الإسلام .
مجلة التوحيد العدد الخاص بشعبان : 1414 هـ ، 1415 هـ .
رد مع اقتباس