عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-13-2019, 09:57 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
Arrow

وظاهر هذا الحديث أنه عام في كل مسؤول ، لأن قوله صلى الله عليه وسلم " شيئًا " غير محدد ولا مخصص ، بل هو نكرة ، ومن المقرر في علم الأصول : أن النكرة في سياق النهي تفيد العموم .
قال النووي في " شرح مسلم " (7/132) : " فيه التمسك بالعموم ؛ لأنهم نهوا عن السؤال فحملوه على عمومه ، وفيه الحث على التنزيه عن جميع ما يسمى سؤالا وإن كان حقيرا والله أعلم " انتهى .
وترك سؤال الناس مطلقًا ، أمر لا يطيقه كل الناس ، لذلك لم يبايع النبي صلى الله عليه وسلم جميع الصحابة عليه ، ولم يأمرهم به ، وقد استنبط بعض العلماء ذلك من إسراره صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة .
قال الأبي في " شرح مسلم " 2/173 " الذي يترجح أنها لا ترجع إلى التكليف ، وإلا لوقع بيانها لوجوب التبليغ عليه صلى الله عليه وسلم " انتهى .
قال العيني في " شرح سنن أبي داود " 6/393 " قوله "وأسر كلمة خفية " يشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم أسر النهي عن السؤال ، ليخص به بعضهم دون بعضه ولا يعمهم بذلك ؛ لأنه لا يمكن العموم ، إذ لا بد من السؤال ، ولا بد من التعفف ، ولا بد من الغنى ، ولا بد من الفقر ، وقد قضى الله تبارك وتعالى بذلك كله ، فلا بد أن ينقسم الخلق إلى الوجهين " انتهى .
وجاء في معنى حديث عوف بن مالك : حديثُ ثوبان رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسم قال"مَنْ يَتَقَبَّلُ – وفي رواية يتكفل - لِي بِوَاحِدَةٍ وَأَتَقَبَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : أَنَا. قَالَ "لَا تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا " فَكَانَ ثَوْبَانُ يَقَعُ سَوْطُهُ وَهُوَ رَاكِبٌ ، فَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ نَاوِلْنِيهِ حَتَّى يَنْزِلَ فَيَتَنَاوَلَهُ . رواه أبو داود :1450، وغيره ، وصححه الألباني .
فهذا ثوبان رضي الله عنه فهم عموم هذا الأمر ، فكان لا يسأل أحدًا أن يناوله السوط .
قال الآبادي في " عون المعبود " 5/39:في شرح قوله صلى الله عليه وسلم " وأتكفل له بالجنة " " أي أوَّلا من غير سابقة عقوبة ، وفيه إشارة إلى بشارة حسن الخاتمة " انتهى .
وقيده بعض أهل العلم بطلب الحاجات من الناس ، أو طلب أموالهم ؛ قال السندي في حاشيته على النسائي :1/564 " لا تسأل الناس شيئا" أي من مالهم ، وإلا فطلب ماله عليهم لا يضر والله أعلم " انتهى .
فهذه الأحاديث عامة في كل مسؤول ، ومن أراد تحصيل ما فيها من الأجر العظيم ، وهو تكفل النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة ، فليترك سؤال الناس في القليل والكثير ، والجليل والحقير ، وليس ذلك واجبًا ، ولكنه من الكمالات ، وليس كل الناس يستطيع فعله .
قال القرطبي في " المفهم " 3/86 " وأخذه صلى الله عليه وسلم على أصحابه في البيعة ألا يسألوا أحدا شيئا : حملٌ منه على مكارم الأخلاق ، والترفع عن تحمل منة الخلق ، وتعليم الصبر على مضض الحاجات ، والاستغناء عن الناس ، وعزة النفوس ، ولمَّا أخذهم بذلك التزموه في جميع الأشياء وفي كل الأحوال ، حتى فيما لا تلحق فيه منة ؛ طردا للباب ، وحسما للذرائع " انتهى .
إلا أن ذلك ـ أيضًا ـ مقيد بغير حالة الضرورة ، فما لم يضطر المرء إلى سؤاله : لم يسأله ، وما دفعته الضرورة إليه ، فلا حرج عليه في سؤاله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" مَسْأَلَةُ الْمَخْلُوقِ " مُحَرَّمَةً فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا أُبِيحَتْلِلضَّرُورَةِ وَفِي النَّهْيِ عَنْهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ " انتهى من "مجموع الفتاوى" 10/182 .
والله أعلم .
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب
رد مع اقتباس