عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-21-2018, 03:38 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
root


قال شيخنا العلامة الفقيه محمد إبراهيم شقرة في كتابه المتع " إرشاد الساري إلى عبادة الباري ـ القسم الثاني الحج " (42 ـ44) :
" من يقرأُ الفقهَ على المذاهب كلِّها ، يروعه كثرة الدماءِ التي تُفرَضُ على كل مخالفة قد يرتكبها المسلم أثناء إحرامه ، وتأْديته مناسكه .
ونحن إذا أمعنا النَّظر ، وتجرَّدنا من العصبية المذهبية ، وتقصينا الأدلة التي جاءت في القرآن ، أو صحَّت نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علمنا أنَّ هذه الكثرة من الدِّماءِ ليست مشروعةً ، وأنَّ المشروع منها خمسة فقط :
الأول : دمُ التمتع والقران ، وهو الدم الذي يجب على الحاج الذي لبَّى بعمرة متمتعاً بها إلى الحج ، أو لبَّى بحج وعمرة قارناً بينهما .
الثاني : دم الفدية ، الذي يجب على الحاج إ ذا حلق شعره لمرض أو شيءٍ مؤْذٍ .
الثالث : دمُ الجزاءِ ، وهو الدم الذي يجب على المحرم إذا قتل صيدًا برِّيًا ، أما صيد البحر فلا شيءَ منه عليه .
الرابع : دمُ الإحصار ، ويكون بسبب انحباسه عن إتمام المناسك لمرض أو عَدُوًّ أو غير ذلك ، ولا يكون قد اشترط عند إحرامه ، أي لم يقل عند تلبية الحج : اللهم مَحِليِّ حيث حبستني.
الخامس : دمُ الوطءِ ، وهو دم يُفرض على الحاج إذا وطىءَ أثناء حجه ، فإن كان قد وطىءَ قبل رمي جمرة العقبة صبيحة يوم النحر فعليه بدنة ، مع بطلان حجهِّ ، وإن كان وطىءَ بعد الرمي وقبل طواف الإفاضة فعليه شاة .
ومثل الرجل في هذا المرأة سواءً بسواءٍ ، غير أنها إذا كانت مكرهةً في وطئِها فلا هدي عليها ، وأيضاً فإن حجَّها صحيح بخلاف زوجها الواطىءِ ، إن كان قد وطىءِ قبل رمي جمرة العقبة .
ولا يجب على الحاج دمٌ غير هذه الدماءِ ، إذ ليس على ذلك دليل يصلح للاعتماد عليه ، وقد اعتمد الفقهاءُ قديماً وحديثاً في كثرة الدماءِ التي يوجبونها في مخالفات الحج ، على أثر ابن عباس رضي الله عنهما المشهور وهو : " من نسي من نُسُكِهِ شيئاً أو تركه فليُهْرِقْ دماً " .
وهذا الأثر فضلاً عن كونه مُصادمًا لصريح السُّنة كما سنبين ، فهو قد تفرد به ابن عباس رضي الله عنهما ، فيُصْبح رأيًا ارتآه ابن عباس وحده ، مصادماً لصريح السُّنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلكم : " أن رجلاً جاءَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متضمِّخٌ بطيب، فقال: يا رسولالله ، كيف ترى في رجل أحرم في جُبَّةٍ بعدما تضَمَّخَ بطيب ؟ . فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ساعةً ، فجاءه الوحي ، ثم سُرِّيَ عنه فقال : أين الذي سأَلني عن العمرة آنفًا ، فالْتُمِسَ الرجلُ فجيءَ به فقال : أَمَّا الطِّيبُ الذي بك فاغسله ثلاث مرات ،وأما الجُبَّة فانزِعها ، ثم اصنع في العمرة كلَّ ما تصنع في حجَّك"
فهذا الحديث ، يدلّ دلالةً صريحةً ، على أن من أتى مخالفةً أو محظوراً من محظورات الإحرام ، فليس عليه إلا يدعه فقط ، لأن الرسول عليه السلام لم يأمر الرجل لابس الجبَّة المتضمخ بطيب النِّساء ـ وهو الخلوق كما جاء في روايةٍ أخرى ـ إلا أن ينزع الجبة ويغسل الطيب ، ولم يأمره بذبح هدي الجزاء ، ولو كان واجبًا لأمره به ، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، والحاجة قائمة هنا ، والوحي قد نزل بالحكم الفصل .
والصحابي مهما بلغ من منزلة وعلم ، فأثره لا يُقدم على سنة صحيحة صريحة من سنن الرسول صلوات الله عليه .
إذاً فمن الحق أن يقال : إن ابن عباس ـ رضي الله عنه ، على جلالة قدره في العلم ـ اجتهدا رأيه ، فلربما لم يبلغه هذا الحديث الصحيح ، واختلاف الصحابة مشهور لا يخفى ، وهو مبنيٌّ على هذا الأصل ، ألا وهو : خفاء السنن وعلى تفاوتهم في العلم .
ولا يقال هنا : إن الصحابة لم ينكروا عليه ، فعدم معرفتنا بذلك لا يعني أن الصحابة لم ينكروا غاية ما يقال : إنه لم يصلنا
ولا ننسى أن كثرة الدماء لم تؤد إلى التساهُل في المناسك فحسب ، بل إلى الاستهانة بأداء مناسك الحج ، وإتمامها على مثل ما بين الرسول عليه السلام ، وهذا أخطر ما في التدميم "
قال مبارك : وما رجحه شيخنا محمد إبراهيم شقرة هو مذهب أهل الظاهر ومال إليه الإمام الشوكاني ، والعلامة صديق حسان خان القنوجي وبه يقول شيخنا الإمام محمد ناصر الدين الألباني،
واختاره أيضًا مراد شكري في كتابه النفيس" المنخّلة النونية فيفقه الكتاب والسنة النبوية " 102: فقد قال في آخر بحثه حول هذه المسألة : ولذلك كان الأرجح ما ذهب إليه الظاهرية من أنه لا دم إلا ما ورد في النص ، ومن تأمل الخلاف الحاصل حول الدماء بين من قال به ؛ قطع يقينه بخلاف ما ذهبوا إليه ، "
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا " النساء 82-
ملتقى أهل الحديث = هنا=
رد مع اقتباس