العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى عام > ملتقى عام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-12-2017, 01:50 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
Arrow الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة

المجـلـس الأول

الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.
مقدمة
لابد للمسلم في هذه الحياة من وقفات يقفها مع نفسه ، يعيد فيها تقويم أمورَهُ ، ويتفكر في مصيره ، ويصحح بها مسارَهُ ، فقطار الحياة يمضي بنا شئنا أم أبينا ، ولابد من وقت نتركه فيه كما تركه مَن سَبَقَنَا .
لقد سبقنا إلى القبور أُناسٌ كثيرون ، لهم أحلام وطموحات مثلنا ، يُمْسون ويصبحون عليها ، وفجأة جاءهم ملك الموت ، في هذه اللحظات العصيبة ، انكشفت لهم حقيقة الوجود في الدنيا ، وأنها مرحلة من رحلة طويلة . رحلة العودة إلى الله . وتمنوا في هذه اللحظات أن ينصرف عنهم ملك الموت ولو للحظة يصلحون فيها ما أفسدوا .
قال تعالى" حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ"سورة المؤمنون / آية : 99 ، 100 .
فإذا كان هذا هو حال الكثير ممن سبقنا إلى لقاء الموت فلماذا لا نعتبر بهم حتى لا نقع فيما وقعوا فيه ؟
إن من فضل الله علينا أننا مازلنا في الأمنية التي يتمناها هؤلاء في العودة إلى الدنيا .فهل لنا أن نفعل ما يتمنون فعله لو كانوا مكاننا ؟ !
هل لنا أن نبدأ في تصحيح المسار ، ووضع الدنيا في حجمها الصحيح ، والزهد فيها ، والتعامل معها على أنها مزرعة للآخرة ؟ !
ولنحذر من حب الدنيا والحرص عليها فحب الدنيا هو الذي عَمَّرَ النار بأهلها ، والزهد في الدنيا هو الذي عَمَّرَ الجنة بأهلها .
ومما يعين على الزهد فيها ، والعمل للآخرة :
ذكر الموت ، وكفى بالموت واعظًا.
إننا نحتاج حاجة عظيمة إلى السماع والتفكر في هذه المسألة؛ لأنها أساس التقوى، و لُب العملِ الصالحِ، وهي دافعٌ مهمٌ من الدوافع على الإقبال على الله -عز وجل- بأعمال صالحة إذا فكر الإنسان في الميت، يفكر كيف قد سالت العيون، وتفرقت الخدود، مساكين أهل القبور، على يمينهم التراب، وعلى يسارهم التراب، ومن أمامهم التراب، ومن خلفهم التراب،ومن فوقهم تراب ، كانوا أهل الدور والقصور، فصاروا أهل التراب والقبور، كانوا أهل نعمة، فصاروا أهل الوحشة والمحنة، وصارالبقاء فناء؛ كيف تبدلت أجزاؤهم في قبورهم؟ وخلت منهم مجالسُهم، وبيوتهُم، وانقطعت آثارُهم، وستكون عاقبتُنَا مثلُ عاقبتِهم، نفدت الأعمار، وبقيت الأوزار، والأموال قد فنيت، والأزواج قد نُكحت، والدور قد خُربت؛ ما حالُ أزواجِهم، ما حالُ أيتامِهم، ما عاقبُة أموالِهم، الأعمال قد انقطعت، والحسرات قد بقيت، يا أيها الناس: ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم، من الموت طالبه، والقبر بيته، والتراب فراشه، والدود أنيسه، وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر، كيف يكون حاله؟ اللهم سلم سلم واختم لنا بالصاحات
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا " إنَّ اللهَ - تعالى - إذا أراد بعبدٍ خيرًا استعملَهُ، فقيل : فكيف يستعملهُ يا رسولَ اللهِ ؟ قال : يوفقه لعملٍ صالحٍ قبل الموتِ" .الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : تخريج مشكاة المصابيح- الصفحة أو الرقم: 5218 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
فلابد أن نعمل، ونعمل ونعمل حتى يكون موت كل واحد منا على عمل صالح؛ لأن الموت على عمل صالح هو من علامات حسن الخاتمة .
-خطَب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطبةً ما سمِعتُ مثلَها قَطُّ قال"لو تَعلَمونَ ما أعلَمُ لضَحِكتُم قليلًا ولبَكيتُم كثيرًا " . قال فغطَّى أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجوهَهم لهم خَنينٌ ، فقال رجلٌ : من أبي ؟ قال : فلانٌ . فنزَلَتْ هذه الآيةُ " لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 4621 - خلاصة حكم المحدث صحيح- هنا.
الشرح: خَطَب رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال«لو تَعْلَمُونَ» مِن عَظمةِ اللهِ وشِدَّةِ عِقابِه لأهلِ الجرائمِ، وأهوالِ القيامةِ «ما أَعْلَمُ؛ لَضَحِكْتم قليلًا ولَبَكَيْتُم كثيرًا» فغَطَّى أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وُجوهَهم لهم خَنِينٌ، أي: صوتٌ مرتفِع مِن الأنفِ بالبُكاء مع غُنَّةٍ، وهو دونَ الانتِحاب. فقال رجلٌ: مَن أبي؟ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: أبوك فُلان. فنَزَلَتْ هذه الآيةُ مِن سُورةِ المائدةِ"لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ".
وفي الحديثِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهِ عليه وسلَّم أعظمُ النَّاس خَشيةً لربِّه؛ لأنَّ خَشيةَ اللهِ إنَّما تكونُ على مِقدارِ العِلمِ بِه، ولمَّا لم يَعلمْ أحدٌ كعِلمِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، لم يَخشَ كخَشيتِه.
وفيه:فضلُ الصَّحابةِ وبُكاؤُهم عندَ موعظةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ لهم.
وفيه: النَّهيُ عن كَثرةِ السُّؤالِ وتَكلُّفِ ما لا يَعْنِي.
هنا
لابد أن نعمل، ونعمل ونعمل حتى يكون موت كل واحد منا على عمل صالح؛ لأن الموت على عمل صالح هو من علامات حسن الخاتمة.
فلنتدبر أحوال الميت بعد نزع روحه ، وقد تصلبت أطرافه ، وشخص بصره ، واستسلم جسده ليد المُغَسِّل ، فلا كلام ، ولا حِراك ، ولا اعتراض ، وبعد تكفينه يُحمل على الأكتاف فيصلى عليه ، ثم يوضع في حفرة ضيقة من الأرض ، ويُهَال عليه التراب ، فلا منفذ يبقى للهواء ولا للضياء ، ثم بعد فترة يتحلل اللحم ويتساقط من فوق العظام ، وشيئًا فشيئًا تتحول العظام إلى تراب .
والله أعلم بحاله أمُنَعَّم أم غير ذلك ؟ !
لا فرق في هذا بين الجميل والدميم ، والشاب والهرم ، والغني والفقير .
فهي رحلة بدايتها هذه الحياة ثم الموت والقبر والنشور ؛ثم الجنة أو النار .
فالدنيا دار امتحان ، ونهاية الامتحان هي اللحظة التي قدرها الله لنهاية حياة العبد ، فيأتي ملك الموت ومن ورائه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب ..... يأتي ملك الموت لنزع الروح وإنهاء الوجود في قاعة الامتحان ؛ في هذه اللحظات يرى العبد الملائكة لأول مرة في حياته ؛يُرْفع الستار بين عالَم الغيب وعَالَم الشهادة وتنكشف الحقيقة :
قال تعالى " لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ" . سورة ق / آية : 22 .

-" الميِّتُ تحضرُهُ الملائِكَةُ، فإذا كانَ الرَّجلُ صالحًا، قالوا: اخرجي أيَّتُها النَّفسُ الطَّيِّبةُ، كانت في الجسدِ الطَّيِّبِ، اخرجي حميدةً، وأبشري برَوحٍ ورَيحانٍ، وربٍّ غيرِ غضبانَ، فلا يزالُ يقالُ لَها ذلِكَ حتَّى تخرُجَ، ثمَّ يُعرَجُ بِها إلى السَّماءِ، فيُفتَحُ لَها، فيقالُ: مَن هذا؟ فيقولونَ: فلانٌ، فيقالُ: مرحبًا بالنَّفسِ الطَّيِّبةِ، كانت في الجسدِ الطَّيِّبِ، ادخُلي حميدةً، وأبشِري برَوحٍ وريحانٍ، وربٍّ غيرِ غضبانَ، فلا يزالُ يقالُ لَها ذلِكَ حتَّى يُنتَهَى بِها إلى السَّماءِ الَّتي فيها اللَّهُ عزَّ وجلَّ، وإذا كانَ الرَّجلُ السُّوءُ، قالَ: اخرُجي أيَّتُها النَّفسُ الخبيثَةُ، كانَت في الجسدِ الخبيثِ، اخرُجي ذميمةً، وأبشري بحَميمٍ، وغسَّاقٍ، وآخرَ من شَكْلِهِ أزواجٌ، فلا يزالُ يقالُ لَها ذلِكَ حتَّى تخرجَ، ثمَّ يعرجُ بِها إلى السَّماءِ، فلا يفتحُ لَها، فيقالُ: من هذا؟ فيقالُ: فلانٌ، فيقالُ: لا مرحبًا بالنَّفسِ الخبيثةِ، كانت في الجسدِ الخبيثِ، ارجعي ذميمةً، فإنَّها لا تفتحُ لَكِ أبوابُ السَّماءِ، فيرسلُ بِها منَ السَّماءِ، ثمَّ تصيرُ إلى القَبرِ"الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه -الصفحة أو الرقم: 3456 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- هنا

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-12-2017, 01:56 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
Exclamation

المجـلـس الثاني

الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.
كفى بالموت واعظًا
شرح مختصر لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - من الاحتضار إلى الاستقرار؛ برواياته الصحيحة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده لا شريك له، القائل"كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ"آل عمران:185.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد القائل" إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ؛ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "أخرجه البخاري برقم: 1379 في كتاب " الجنائز "، ومسلم: 2866 في " الجنة... ". عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما..
والقائل"استجيروا باللهِ من عذابِ القبرِ ؛ فإنَّ عذابَ القبرِ حقٌّ"الراوي : أم خالد أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 932 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.هنا.. وبعد:
فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ:خرَجْنا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ في جِنازةِ رجلٍ منَ الأنصارِ، فانتَهينا إلى القبرِ ولمَّا يُلحَدْ، فجلسَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ وجَلَسنا حولَهُ كأنَّما على رءوسِنا الطَّيرُ- أي هُم لشدة سكونهم ووقارهم كأنهم جمادات تحط الطير فوقها.- ، وفي يدِهِ عودٌ ينْكتُ بِهِ في الأرضِ، فرفعَ رأسَهُ، فقالَ: استَعيذوا باللَّهِ من عذابِ القبرِ مرَّتينِ، أو ثلاثًا، زادَ في حديثِ جريرٍ هاهنا وقالَ: وإنَّهُ ليسمَعُ خفقَ نعالِهم إذا ولَّوا مدبرينَ حينَ يقالُ لَهُ: يا هذا، مَن ربُّكَ وما دينُكَ ومن نبيُّكَ ؟ قالَ هنَّادٌ: قالَ: ويأتيهِ ملَكانِ فيُجلِسانِهِ فيقولانِ لَهُ:مَن ربُّكَ ؟ فيقولُ: ربِّيَ اللَّهُ، فيقولانِ:ما دينُكَ ؟ فيقولُ: دينيَ الإسلامُ، فيقولانِ لَهُ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكم ؟ قالَ:فيقولُ: هوَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، فيقولانِ: وما يُدريكَ ؟ فيقولُ: قرأتُ كتابَ اللَّهِ فآمنتُ بِهِ وصدَّقتُ زادَ في حديثِ جريرٍ فذلِكَ قولُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ" يُثبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا" فينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن قَد صدقَ عَبدي، فأفرِشوهُ منَ الجنَّةِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى الجنَّةِ، وألبسوهُ منَ الجنَّةِ قالَ: فيأتيهِ من رَوحِها وطيبِها قالَ: ويُفتَحُ لَهُ فيها مدَّ بصرِهِ .قالَ: وإنَّ الْكافرَ فذَكرَ موتَهُ قالَ: وتعادُ روحُهُ في جسدِهِ، ويأتيهِ ملَكانِ فيُجلسانِهِ فيقولانِ: من ربُّكَ ؟ فيقولُ:هاهْ هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولانِ لَهُ: ما دينُكَ ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولانِ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكُم ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري، فُينادي منادٍ منَ السَّماءِ:أن كذَبَ، فأفرشوهُ منَ النَّارِ، وألبِسوهُ منَ النَّارِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى النَّارِ قالَ: فيأتيهِ من حرِّها وسمومِها قالَ: ويضيَّقُ عليْهِ قبرُهُ حتَّى تختلِفَ فيهِ أضلاعُهُ زادَ في حديثِ جريرٍ قالَ: ثمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أعمى أبْكَمُ معَهُ مِرزبَةٌ من حديدٍ لو ضُرِبَ بِها جبلٌ لصارَ ترابًا قالَ: فيضربُهُ بِها ضربةً يسمَعُها ما بينَ المشرقِ والمغربِ إلَّا الثَّقلينِ فيَصيرُ ترابًا قالَ: ثمَّ تعادُ فيهِ الرُّوحُ"الراوي : البراء بن عازب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 4753 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. هنا.
"إنَّ المَيِّتَ إذا وُضِعَ في قبرِه إنَّه يسمعُ خفقَ نِعالِهم حين يُولونَ مُدبرينَ ، فإنْ كان مؤمنًا كانتِ الصَّلاةُ عند رأسِهِ ، وكان الصِّيامُ عن يمينِهِ ، وكانتِ الزَّكاةُ عن شمالِهِ وكان فعلُ الخَيراتِ مِن الصَّدقةِ والصَّلاةِ والمَعروفِ والإحسانِ إلى النَّاسِ عندَ رجلَيْهِ ،فيُؤتَى مِن قِبَلِ رأسِهِ فتقولُ الصَّلاةُ ما قِبَلي مَدخلٌ ، ثمَّ يُؤتَى عن يمينِهِ فيقولُ الصِّيامُ ما قِبَلي مَدخلٌ ، ثمَّ يُؤتَى عن يسارِهِ فتقولُ الزَّكاةُ : ما قِبَلي مَدخلٌ ، ثمَّ يُؤتَى من قِبَلِ رجلَيْهِ فيقولُ فِعلُ الخَيراتِ من الصَّدقةِ والصَّلاةِ والمعروفِ والإحسانِ إلى النَّاسِ : ما قِبَلي مَدخلٌ ، فيُقالُ لهُ ، اجلسْ فيجلسُ قد مُثِلَتْ لهُ الشَّمسُ ، وقد أذِنَتْ للغروبِ ، فيُقالُ لهُ:........، ماذا تقولُ فيهِ وماذا تشهدُ عليهِ ؟ قال : فيقولُ: محمَّدٌ ، أشهدُ أنَّهُ رسولُ اللهِ ، وأنَّهُ جاء بالحقِّ مِن عندِ اللهِ ، فيُقالُ لهُ : على ذلكَ حَيِيتَ ، وعلى ذلكَ متَّ ، وعلى ذلكَ تُبعَثُ إن شاءَ اللهُ ثمَّ يُفتَحُ لهُ بابٌ مِن أبوابِ الجنَّةِ ،فيُقالُ لهُ: هذا مقعدُكَ منها وما أعدَّ اللهُ لكَ فيها ، فيزدادُ غِبطةً وسرورًا ثمَّ يُفتَحُ لهُ بابٌ مِن أبوابِ النَّارِ فيُقالُ لهُ: هذا مقعدُكَ وما أعدَّ اللهُ لكَ فيها لَو عصَيتَه* - في رواية البخاري عن أنس - رضي الله عنه -: " يقال له:انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا ".-، فيزدادُ غبطةً وسرورًا ،ثمَّ يُفسَحُ لهُ في قبرِهِ سبعونَ ذراعًا ، ويُنَوَّرُ لهُ فيهِ ، .......فذلكَ قَولُه: "يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ".
وإنَّ الكافرَ إذا أُتيَ من قِبَلِ رأسِه لَم يُوجَدْ شيءٌ ثمَّ أُتيَ عن يمينِهِ فلا يُوجَدُ شيءٌ ثمَّ أُتيَ عن شمالِهِ فلا يُوجَدُ شيءٌ ثمَّ أُتيَ من قِبَلِ رجلَيْهِ فلا يُوجَدُ شيءٌ فيُقالُ لهُ اجلسْ فيجلسُ مَرعوبًا خائفًا فيُقالُ أرأيتُكَ هذا الرَّجلَ الَّذي كان فيكُم ماذا تقولُ فيهِ وماذا تشهدُ عليهِ فيقولُ : أيُّ رجلٍ ؟ ولا يهتَدي لاسمِهِ ، فيُقالُ لهُ : محمَّدٌ ، فيقولُ : لا أدري ، سمِعتُ النَّاسَ قالوا قَولًا ، فقلتُ كما قال النَّاسُ ! فيُقالُ لهُ : على ذلِكَ حَييتَ وعليهِ متَّ وعليهِ تُبعَثُ إن شاءَ اللهُ ثمَّ يُفتَحُ لهُ بابٌ من أبوابِ النَّارِ، فيُقالُ لهُ: هذا مقعدُكَ من النَّارِ وما أعدَ اللهُ لكَ فيها فيزدادُ حسرةً وثُبورًا ثمَّ يُفتَحُ لهُ بابٌ من أبوابِ الجنَّةِ فيُقالُ لهُ : هذا مقعدُكَ منها وما أعدَّ اللهُ لكَ فيها لَو أطعتَهُ فيزدادُ حسرةً وثُبورًا ثمَّ يُضيَّقُ عليهِ قبرُهُ حتَّى تختلفَ فيهِ أضلاعُهُ فتلكَ المَعيشةُ الضَنكةُ الَّتى قال اللهُ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى"الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح الترغيب-الصفحة أو الرقم: 3561 - خلاصة حكم المحدث : حسن هنا .

*"فيأتِيِه آتٍ قبيحُ الوجهِ قبيحُ الثيابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فيقولُ أبْشِرْ بِهوانِ من اللهِ وعذابٍ مُقيمٍ فيقولُ وأنتَ فبَشَّرَكَ اللهُ بالشَّرِّ مَن أنتَ فيقولُ أنا عملُك الخبيثُ كنتَ بطيئًا عن طاعةِ اللهِ سريعًا في معصيتِه فَجَزاك اللهُ شرًّا يُقَيَّضُ له أعْمَى أصمُّ أبْكمُ في يدِه مِرْزَبَّةٌ لو ضرب بها جبلًا كان ترابًا فيضْرِبُه ضربةً فَيَصِيرُ تُرابًا ثم يُعيدُه اللهُ كما كان فيضرِبُه ضربةً أُخرى فيَصِيِحُ صيحةً يسمعُه كلُّ شيءٍ إلا الثَقلَيْنِ قال البرَاءُ ثم يُفتحُ له بابٌ ويُمَهَّدُ له من فُرُشِ النَّارِ".الراوي : البراء بن عازب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب -الصفحة أو الرقم: 3558-خلاصة حكم المحدث : صحيح - هنا .

*
" خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، وَكَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ:
"
اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ؛ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ _ عَلَيْهِ السَّلام _ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ! اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللهِ وَرِضْوَانٍ ". قَالَ: " فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ". قَالَ: " فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلا يَمُرُّونَ _ يَعْنِي بِهَا _ عَلَى مَلإٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلاَّ قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟! فَيَقُولُونَ: فُلانُ بْنُ فُلانٍ؛ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ؛ فَيُفْتَحُ لَهُمْ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ؛ فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى. قَالَ: "فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الإِسْلامُ. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيَقُولانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ. فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي؛ فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ ". قَالَ: " فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ ". قَالَ: " وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ. فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ!. فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ؛ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي ".
قَالَ: " وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمْ الْمُسُوحُ ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللهِ وَغَضَبٍ ". قَالَ: فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلإٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلاَّ قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟! فَيَقُولُونَ: فُلانُ بْنُ فُلانٍ؛ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلا يُفْتَحُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ "الأعراف: من الآية40. فَيَقُولُ اللهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى. فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ". ثُمَّ قَرَأَ"وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ"الحج: من الآية31. فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي. فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ؛ فَأَفْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَ، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوؤُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ. فَيَقُول:ُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ! فَيَقُولُ: رَبِّ لا تُقِمْ السَّاعَةَ". - قَالَ: " ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا ". قَالَ: " فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ؛ فَيَصِيرُ تُرَابًا ". قَالَ: " ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ- ".
*********************
دمج الروايات مع العزو ليبرز تسلسل الأحداث
" خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، وَكَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ- أي:هم لشدة سكونهم ووقارهم كأنهم جمادات تحط الطير فوقها.-، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ:
" اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ؛ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ- وهو كل ما يطيب به الميت - مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ _ عَلَيْهِ السَّلام _ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ! اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللهِ وَرِضْوَانٍ ". قَالَ: " فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي-أي فَم قربة الشرب- السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ". قَالَ: " فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلا يَمُرُّونَ _ يَعْنِي بِهَا_ عَلَى مَلإٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلاَّ قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟! فَيَقُولُونَ: فُلانُ بْنُ فُلانٍ؛ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ؛ فَيُفْتَحُ لَهُمْ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ؛ فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى. قَالَ: "فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ- في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند الترمذي: " أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ، وَللآخَرِ النَّكِيرُ... "-فَيُجْلِسَانِهِ- وفي حديث أبي هريرة: "إنَّ المَيِّتَ إذا وُضِعَ في قبرِه إنَّه يسمعُ خفقَ نِعالِهم حين يُولونَ مُدبرينَ ، فإنْ كان مؤمنًا كانتِ الصَّلاةُ عند رأسِهِ ، وكان الصِّيامُ عن يمينِهِ ، وكانتِ الزَّكاةُ عن شمالِهِ وكان فعلُ الخَيراتِ مِن الصَّدقةِ والصَّلاةِ والمَعروفِ والإحسانِ إلى النَّاسِ عندَ رجلَيْهِ ،فيُؤتَى مِن قِبَلِ رأسِهِ فتقولُ الصَّلاةُ ما قِبَلي مَدخلٌ ، ثمَّ يُؤتَى عن يمينِهِ فيقولُ الصِّيامُ ما قِبَلي مَدخلٌ ، ثمَّ يُؤتَى عن يسارِهِ فتقولُ الزَّكاةُ : ما قِبَلي مَدخلٌ ، ثمَّ يُؤتَى من قِبَلِ رجلَيْهِ فيقولُ فِعلُ الخَيراتِ من الصَّدقةِ والصَّلاةِ والمعروفِ والإحسانِ إلى النَّاسِ : ما قِبَلي مَدخلٌ ،هنا، فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الإِسْلامُ. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيَقُولانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ. فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي؛ فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ- في رواية البخاري عن أنس - رضي الله عنه " يقال له: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا ". وفي رواية أبي داود عن أنس - رضي الله عنه -: " فَيَقُولُ: دَعُونِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِّرَ أَهْلِي! فَيُقَالُ لَهُ: اسْكُنْ. وفي حديث أبي هريرة عند ابن حبان _ 3113_ والحاكم " وَإِنْ كَانَ كَافِرًا... يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ قِبَلِ الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَنْزِلِكَ، وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللهُ لَكَ لَوْ كُنْتَ أَطَعْتَهُ. فَيَزْدَادُ حَسْرَةً وَثُبُورًا".- ". قَالَ: " فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ ". قَالَ: " وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ. فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ!. فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ؛ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي ".
قَالَ: " وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمْ الْمُسُوحُ- وهو الكساء من الشعر، وهو داخل في الخشن من الثياب - ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللهِ وَغَضَبٍ ". قَالَ: فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ- حديدة ذات شُعَب مُعَقَّفة يشوى بها اللحم، وهي في عصرنا شبيهة بالقضيب الذي يعلق به الفرُّوج ليُشوى.-مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلإٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلاَّ قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟! فَيَقُولُونَ: فُلانُ بْنُ فُلانٍ؛ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلا يُفْتَحُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"الأعراف: من الآية40 .أي حتى يدخل في ثقب الإبرة. فَيَقُولُ اللهُ _ عَزَّ وَجَلَّ " اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى. فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ". ثُمَّ قَرَأَ"وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ"الحج: من الآية31. فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ- كلمة يقولها الخائف المُتَحيِّر لعجز لسانه عن النطق.-لا أَدْرِي. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي- في رواية البخاري عن أنس - رضي الله عنه - زيادة " كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِ. فَيُقَالُ: لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ ". أي: من الدراية والتلاوة؛ ..أي لا فهمتَ، ولا قرأتَ / لا دَرَيْتَ : لا علمتَ بنفسك بالاستدلال، ولا تَلَيْتَ : ولا اتَّبعتَ العلماءَ لتتعلمَ منهم. والله أعلم.-. فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ؛ فَأَفْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا- السموم: الريح الحارة.-، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ- يدخل بعضها في بعض.-، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوؤُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ. فَيَقُول:ُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ - -أنا عملُك الخبيثُ كنتَ بطيئًا عن طاعةِ اللهِ سريعًا في معصيتِه فَجَزاك اللهُ شرًّا - هنا -! فَيَقُولُ: رَبِّ لا تُقِمْ السَّاعَةَ". قَالَ: " ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ -أي: ملَك أعمى وأبكم، والأبكم: الذي لا يَنطق ولا يسمع. وإنما جعل الملَك الموكَّل بعذاب القبر أعمى وأبكم كي لا يرى حال المعذب، ولا يسمع استغاثته، وبذلك يكون بعيدًا كل البعد عن الإشفاق بحاله.- مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ - مِطرقة- مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا ". قَالَ: " فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ- أي: الإنس والجن - ؛ فَيَصِيرُ تُرَابًا ". قَالَ: " ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ "
أخرجه بطوله عن البراء بن عازب - رضي الله عنه -:
الإمام أحمد _ واللفظ له _: برقم: 18534، وقال محققه شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح؛ رجاله رجال الصحيح. وأبو داود _ بسند صحيح _: 4753 في كتاب " السُّنة "، والحاكم: 114 في " الإيمان "، والزيادة التي بين مضلعتين من لفظ أبي داود. والحديث أخرج قِطَعًا منه: البخاري: 1369 في " الجنائز " ومسلم: 2871 في " الجنة " والترمذي: 3120 في " التفسير "، وقال: حسن صحيح.
وأخرجه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -:
البخاري: 1374 في كتاب " الجنائز " ومسلم: 2870 في " الجنة... "، وأبو داود: 3231، والنسائي: ج4 ص97 و98 _ كلاهما _ في "الجنائز ".
وأخرجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -:
الترمذي: 1071، والنسائي: ج4 ص8، والحاكم: 1443، وابن حبان: 3014و3113 _ كلهم _ في كتاب " الجنائز ".

ملتقى أهل الحديث
اللهم لا تسلب منا ساعة النزع إيماننا، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.
*************************

مُبشرات من حديث البراء بن عازب
" الميِّتُ تحضرُهُ الملائِكَةُ، فإذا كانَ الرَّجلُ صالحًا، قالوا: اخرجي أيَّتُها النَّفسُ الطَّيِّبةُ، كانت في الجسدِ الطَّيِّبِ، اخرجي حميدةً، وأبشري برَوحٍ ورَيحانٍ، وربٍّ غيرِ غضبانَ، فلا يزالُ يقالُ لَها ذلِكَ حتَّى تخرُجَ، ثمَّ يُعرَجُ بِها إلى السَّماءِ، فيُفتَحُ لَها، فيقالُ: مَن هذا؟ فيقولونَ: فلانٌ، فيقالُ: مرحبًا بالنَّفسِ الطَّيِّبةِ، كانت في الجسدِ الطَّيِّبِ، ادخُلي حميدةً، وأبشِري برَوحٍ وريحانٍ، وربٍّ غيرِ غضبانَ، فلا يزالُ يقالُ لَها ذلِكَ حتَّى يُنتَهَى بِها إلى السَّماءِ الَّتي فيها اللَّهُ عزَّ وجلَّ،....."
الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه الصفحة أو الرقم: 3456 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- هنا."
إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ؛ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "أخرجه البخاري برقم: 1379 في كتاب " الجنائز "ومسلم: 2866 في " الجنة... ". عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما..
"
استجيروا باللهِ من عذابِ القبرِ ؛ فإنَّ عذابَ القبرِ حقٌّ"الراوي : أم خالد أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 932 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.هنا.
بعد أن يجيب عن الأسئلة الثلاث بتثبيت الله له ينادي منادٍ من السماء .
" يُثبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا" فينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن قَد صدقَ عَبدي، فأفرِشوهُ منَ الجنَّةِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى الجنَّةِ، وألبسوهُ منَ الجنَّةِ قالَ: فيأتيهِ من رَوحِها وطيبِها قالَ: ويُفتَحُ لَهُ فيها مدَّ بصرِهِ....."الراوي : البراء بن عازب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 4753 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. هنا.
"إنَّ المَيِّتَ إذا وُضِعَ في قبرِه إنَّه يسمعُ خفقَ نِعالِهم حين يُولونَ مُدبرينَ ، فإنْ كان مؤمنًا كانتِ الصَّلاةُ عند رأسِهِ ، وكان الصِّيامُ عن يمينِهِ ، وكانتِ الزَّكاةُ عن شمالِهِ وكان فعلُ الخَيراتِ مِن الصَّدقةِ والصَّلاةِ والمَعروفِ والإحسانِ إلى النَّاسِ عندَ رجلَيْهِ ،فيُؤتَى مِن قِبَلِ رأسِهِ فتقولُ الصَّلاةُ ما قِبَلي مَدخلٌ ، ثمَّ يُؤتَى عن يمينِهِ فيقولُ الصِّيامُ ما قِبَلي مَدخلٌ ، ثمَّ يُؤتَى عن يسارِهِ فتقولُ الزَّكاةُ : ما قِبَلي مَدخلٌ ، ثمَّ يُؤتَى من قِبَلِ رجلَيْهِ فيقولُ فِعلُ الخَيراتِ من الصَّدقةِ والصَّلاةِ والمعروفِ والإحسانِ إلى النَّاسِ : ما قِبَلي مَدخلٌ ، ...." بعد أن يجيب عن الثلاث أسئلة
" فيُقالُ لهُ : على ذلكَ حَيِيتَ ، وعلى ذلكَ متَّ ، وعلى ذلكَ تُبعَثُ إن شاءَ اللهُ ثمَّ يُفتَحُ لهُ بابٌ مِن أبوابِ الجنَّةِ ،فيُقالُ لهُ: هذا مقعدُكَ منها وما أعدَّ اللهُ لكَ فيها ، فيزدادُ غِبطةً وسرورًا ثمَّ يُفتَحُ لهُ بابٌ مِن أبوابِ النَّارِ فيُقالُ لهُ: هذا مقعدُكَ وما أعدَّ اللهُ لكَ فيها لَو عصَيتَه *، فيزدادُ غبطةً وسرورًا ،ثمَّ يُفسَحُ لهُ في قبرِهِ سبعونَ ذراعًا ، ويُنَوَّرُ لهُ فيهِ ، ويُعادُ الجسدُ لِما بُدِئَ منهُ فتُجعَلُ نسَمتُهُ في النَّسَمِ الطَّيِّبِ وهيَ طيرٌ تُعلَقُ من شجرِ الجنَّةِ...... فذلكَ قَولُه: "يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ".... الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح الترغيب-الصفحة أو الرقم: 3561 - خلاصة حكم المحدث : حسن هنا .

حال الهالك نسأل الله العافية
"....وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا- السموم: الريح الحارة.-، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ- يدخل بعضها في بعض.-، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوؤُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ. فَيَقُول:ُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ - -أنا عملُك الخبيثُ كنتَ بطيئًا عن طاعةِ اللهِ سريعًا في معصيتِه فَجَزاك اللهُ شرًّا - هنا -! فَيَقُولُ: رَبِّ لا تُقِمْ السَّاعَةَ". - قَالَ: " ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ -أي: ملَك أعمى وأبكم، والأبكم: الذي لا يَنطق ولا يسمع. وإنما جعل الملَك الموكَّل بعذاب القبر أعمى وأبكم كي لا يرى حال المعذب، ولا يسمع استغاثته، وبذلك يكون بعيدًا كل البعد عن الإشفاق بحاله.- مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ - مِطرقة- مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا ". قَالَ: " فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ- أي: الإنس والجن - ؛ فَيَصِيرُ تُرَابًا ". قَالَ: " ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ " .
*************

ضمَّةُ القبرِ
الحمد لله
أولا :
ضمَّةُ القبرِ أوَّلُ ما يلاقيه الميتُ في عالم البرزخ ، وقد جاءت بإثباتها نصوص صريحة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، منها :
*عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ للقبرِ ضغطةً لو كان أحدٌ ناجيًا منها نجا سعدُ بنُ معاذٍ"الراوي : عبدالله بن عمر و عائشة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامعالصفحة أو الرقم: 2180 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - هنا .
*عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن سعد بن معاذ رضي الله عنه حين توفي" هذا الذي تحركَ له العرشُ ، وفُتحتْ له أبوابُ السماءِ ، وشهِدَه سبعونَ ألفًا من الملائكةِ ، لقد ضُمَّ ضمةً ، ثمَّ فُرِّجَ عنه ".الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح النسائي الصفحة أو الرقم: 2054 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - هنا.
ثانيا :
اختلف أهل العلم في المؤمن ، هل تصيبه ضمة القبر ، وكيف يكون حاله فيها ، على قولين:
القول الأول
تصيب ضمة القبر كل مؤمن وتشتد عليه ، غير أن المؤمن الصالح سرعان ما يفرج عنه ويفسح له في قبره ، فلا يطول العذاب عليه ، أما الفاسق فتشتد عليه الضمة ويطول عليه ضيق لحده بحسب ذنبه ومعصيته.
قال أبو القاسم السعدي رحمه الله
" لا ينجو من ضغطة القبر صالح ولا طالح غير أن الفرق بين المسلم والكافر فيها دوام الضغط للكافر وحصول هذه الحالة للمؤمن في أول نزوله إلى قبره ثم يعود إلى الانفساح له " انتهى.

القول الثاني :
تصيب ضمة القبر المؤمنين الصالحين ولكنها ضمة رفق وحنان ، ليس فيها أذى ولا ألم ، أما المسلمون العاصون فتشتد عليهم سخطا بحسب كثرة ذنوبهم وسوء أعمالهم .

عن محمد التيمي رحمه الله قال :

"كان يقال : إن ضمة القبر إنما أصلها أنها أُمُّهُم ، ومنها خُلقوا ، فغابوا عنها الغيبة الطويلة ، فلما رد إليها أولادها ضمتهم ضم الوالدة الشفيقة التي غاب عنها ولدها ثم قدم عليها ، فمن كان لله مطيعاً ضمته برفق ورأفة ، ومن كان لله عاصيًا ضمته بعنف سخطاً منها عليه" .

ذكره السيوطي في حاشيته على " سنن النسائي " (3/292) من رواية ابن أبي الدنيا، وذكره في " بشرى الكئيب بلقاء الحبيب " (ص/5) تحت باب : " ذكر تخفيف ضمة القبر على المؤمن ".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" هذا الحديث – يعني حديث " لقد ضم القبر سعدا ضمة.." - مشهور عند العلماء ، وعلى تقدير صحته: فإن ضمة الأرض للمؤمن ضمة رحمة وشفقة ، كالأم تضم ولدها إلى صدرها ، أما ضمتها للكافر فهي ضمة عذاب والعياذ بالله ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإنسان إذا دفن أتاه ملكان يسألانه عن ثلاثة أصول : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فالمؤمن يقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد ، أسأل الله أن يجعل جوابي وجوابكم هذا ، أما المنافق أو المرتد - أعاذنا الله وإياكم من هذا – فيقول : هاه هاه لا أدري ، سمعت الناس يقولون قولاً فقلته ، فيضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله ، يدخل بعضه في بعض من شدة الضم ، ففرق بين ضم الأرض للكافر أو المرتد وضمها للمؤمن ." انتهى باختصار
" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/161، سؤال رقم/17 .
مقتبس من موقع الإسلام سؤال وجواب


دخول الملَكَين على المتوفى
يا له من موقف عَصيب! تأمل أخي الحبيب وأنت وحدك في قبرك قد أصابك ما أصابك من هول المطلع، ومشاهد لم تعهدها من قبل، وأنت لم تُفِقْ منها، وإذ بملَكين أسودين أزرقين يدخلان عليك!
يا الله!! اللهم ثبتنا يا أرحم الراحمين.
يصف النبي - صلى الله عليه وسلم - هذَيْنِ الملكَيْنِ
"إذا قُبرَ الميِّتُ - أو قالَ أحدُكم - أتاهُ ملَكانِ أسودانِ أزرَقانِ يقالُ لأحدِهما المنْكَرُ والآخرِ النَّكيرُ فيقولانِ ما كنتَ تقولُ في هذا الرَّجلِ فيقولُ ....."
الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 1071 - خلاصة حكم المحدث : حسن - هنا .
ضمة القبر نائلة كل أحد، لكنها تختلف من شخص لآخر . فعَذَابُ القَبْرِ وَنَعِيمُهُ حَقٌّ،وَقَدِ اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، وَأَمَرَ بِهِ في كُلِّ صَلاةٍ.
وَفِتْنَةُ القَبْرِ حَقٌّ، وسُؤالُ مُنْكَرٍوَنَكِيرٍ حَقٌّ، هنا .
وفِتْنَةُ القَبْرِ:سُؤَالُ المَيِّتِ عنْ رَبِّهِ ودِينِهِ ونبِيِّهِ.
"إذا تشَهدَ أحدُكم فليتعوَّذْ باللَّهِ من أربعٍ ، مِن عذابِ جَهنَّمَ وعذابِ القبرِ وفتنةِ المَحيا والمماتِ ومن شرِّ المَسيحِ الدَّجَّالِ ، ثمَّ يَدعو لنفسِه بما بدا لَه"الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح النسائي -الصفحة أو الرقم: 1309 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. هنا
"إذا فرغ أحدُكم من التشهدِ الآخرِ . فليتعوذْ باللهِ من أربعٍ : من عذابِ جهنمَ . ومن عذابِ القبرِ. ومن فتنةِ المحيا والمماتِ . ومن شرِّ المسيحِ الدجالِ . وفي روايةٍ : إذا فرغ أحدُكم من التشهدِ ولم يذكرِ الآخرَ .الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 588 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. هنا .
"كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يدعو: اللهم إني أعوذُ بك من عذابِ القبرِ، ومن عذابِ النارِ، ومن فتنةِ المحيا والمماتِ، ومن فتنةِ المسيحِ الدجالِ".
الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري- المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 1377
- خلاصة حكم المحدث صحيح. هنا .
في هذا الحديثِ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَدعُو ويقولُ: "اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بك" أي: أَلْجَأُ إليك وأَعتَصِم بك وأَستَجِيرُ بك أن تُنَجِّيَنِي "مِن عذابِ القَبْرِ" أي: عُقوبَتِه، "ومِن عذابِ النَّارِ"، وأَعُوذُ بك "مِن فِتنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ" الفِتنَةُ: هي الامتِحانُ والاختِبارُ، وما مِن عبدٍ إلَّا وهو مُعرَّضٌ للابتلاءِ والفِتَن في الدُّنيا والآخرةِ؛ ولذلك فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد علَّم أُمَّتَه الاستِعاذَةَ مِن الفِتَنِ، وفِتنةُ المَحْيَا يَدُخُل فيها جميعُ أنواعِ الفِتَنِ الَّتِي يتعرَّض لها الإنسانُ في الدُّنيا كالكُفرِ والبِدَعِ والشَّهَواتِ والفُسوقِ، وفِتنةُ المَماتِ يدخُل فيها سُوءُ الخاتِمَةِ وفِتنةُ القَبْرِ وغيرُ ذلك. وقولُه "ومِن فِتنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ"، أي: أنْ أُصِدِّقَه أو أَقَعَ تحتَ إغوائِه، وهذا تعليمٌ لِأُمَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفي الحديثِ: إثباتٌ لعذابِ القَبرِ، والردُّ على مَن يُنكِرُه. هنا .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-12-2017, 12:43 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
Exclamation

المجلس الثالث

الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة

سياقة الموت ووصايا الصالحين
قال الإمام مسلم في صحيحه
حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ ‏ ‏وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ ‏ ‏وَإِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ ‏ ‏كُلُّهُمْ ‏، ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي عَاصِمٍ ‏ -‏وَاللَّفْظُ ‏ ‏لِابْنِ الْمُثَنَّى ‏- قال: ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏الضَّحَّاكُ- يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ -‏ ‏قَالَ: أَخْبَرَنَا ‏ ‏حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ‏، ‏قَالَ :حَدَّثَنِي ‏ ‏يَزِيدُ
ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ ‏، ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ ‏، ‏قَالَ :‏
حَضَرْنَا ‏ ‏عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ‏ ‏وَهُوَ ‏ ‏فِي سِيَاقَةِ ‏ ‏الْمَوْتِ فَبَكَى طَوِيلًا وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ :يَا أَبَتَاهُ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏بِكَذَا أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏بِكَذَا . قَالَ :فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ ‏ ‏مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ،‏ ‏إِنِّي كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مِنِّي وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدْ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ قَالَ فَقَبَضْتُ يَدِي قَالَ:
"مَا لَكَ يَا ‏ ‏عَمْرُو"‏ ‏قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ
قَالَ:" تَشْتَرِطُ بِمَاذَا"؟. قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ ‏:
" ‏أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ"
وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا
فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي ‏ ‏فَشُنُّوا ‏ ‏عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ ‏ ‏جَزُورٌ ‏ ‏وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي
صحيح مسلم / 1-كتاب الإيمان /54- باب ‏كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج‏ / حديث رقم :192-(121) / ص: 39

تعقيب
عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن صحابة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ذلك كان حالهم وخوفهم من
الآخرة رغم ما قدموه وبذلوه من تضحيات وجهاد في
سبيل الله وإيثار للآخرة الباقية وزهدهم في الدنيا
الفانية عندما انفتحت لهم فلم تدخل قلوبهم بل كانت
تحت أقدامهم ومع ذلك كانوا أشدَّ خوفًا من الحساب
والقبر ولقاء الملكين ... بينما نحن الآن رغم قلة
أعمالنا الصالحة وحرصنا على الدنيا وزهدنا في الآخرة أكثر اطمئنانا منهم رضي الله عنهم
ولا حول ولا قوة إلا بالله نسأل الله ان يرحمنا
برحمته ويرعانا برعايته ويحفظنا بحفظه ويثبتنا على القول الثابت في الدنيا والآخرة

- كان أبو لُؤْلُؤَةَ عبدًا لِلْمُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ ، وكان يَصْنَعُ الأَرْحاءَ ، وكان المُغِيرَةِ يَسْتَغِلُّهُ كلَّ يَوْمٍ [ بِ ] أربعةِ دراهمَ ، فَلَقِيَ أبو لُؤْلُؤَةَ عمرَ بنَ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ فقال : يا أميرَ المؤمنينَ ! إِنَّ المُغِيرَةَ قد أَثْقَلَ عليَّ غَلَّتِي ، فَكَلِّمْهُ يُخَفِّفْ عَنِّي ، فقال لهُ عمرُ: اتَّقِ اللهَ وأَحْسِنْ إلى مَوْلاكَ– [ ومِنْ نِيَّةِ عمرَ أنْ يَلْقَى المُغِيرَةَ فَيُكَلِّمَهُ يُخَفِّفُ ] ، فَغَضِبَ العبدُ وقال : وسِعَ الناسَ كلَّهُمْ عدلُكَ غَيري ! فَأَضْمَرَ على قَتْلِه ، فَاصْطَنَعَ خِنْجَرًا لهُ رَأْسانِ ، وسَمَّهُ ، ثُمَّ أَتَى بهِ الهُرْمُزَانِ ؛ فقال : كَيْفَ تَرَى هذا ؟ فقال :أَرَى أنَّكَ لا تَضْرِبُ بهِذا أحدًا إلَّا قَتَلْتَهُ. قال : وتَحَيَّنَ أبو لُؤْلُؤَةَ عمرَ ، فَجاء في صَلاةِ الغَدَاةِ ، حتى قامَ ورَاءَ عمرَ ، وكان عمرُ إذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ يقولُ : أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ، فقال كما كان يقولُ ؛ فلمَّا كَبَّرَ عمرُ ؛ وجَأَهُ أبو لُؤْلُؤَةَ في كَتِفِهِ ، ووَجَأَهُ في خَاصِرَتِه ، وسقطَ عمرُ ، وطَعَنَ بِخِنْجَرِهِ ثلاثَةَ عشرَ رجلًا ، فَهلكَ مِنْهُمْ سبعَةٌ ، وحُمِلَ عمرُ ، فذهبَ بهِ إلى منزلِه ، وصاحَ الناسُ ؛ حتى كَادَتْ تَطْلُعُ الشمسُ ، فنادَى الناسُ عبدَ الرحمنِ بنَ عوفٍ : يا أيُّها الناسُ ! الصَّلاةَ. الصَّلاةَ. قال : فَفَزِعُوا إلى الصَّلاةِ ، فَتَقَدَّمَ عَبْدُ الرحمنِ بْنُ عَوْفٍ ؛ فَصلَّى بِهمْ بِأَقْصَرِ سُورَتَيْنِ في القرآنِ ، فلمَّا قَضَى صَلاتَهُ ؛ تَوَجَّهوا إلى عمرَ ، فَدعا عمرُ بِشَرَابٍ لَينظرَ ما قدرُ جُرْحِهِ ، فَأُتِيَ بِنَبيذٍ فَشربَهُ ، فَخَرَجَ من جُرْحِهِ ، فلمْ يَدْرِ أَنَبيذٌ هو أَمْ دَمٌ ؟ فَدعا بِلَبَنٍ فَشربَهُ ؛ فَخَرَجَ من جُرْحِهِ ، فَقَالوا : لا بأسَ عليكَ يا أَمِيرَ المؤمنينَ ! فقال : إنْ يَكُنِ القَتْلُ بَأْسًا فقد قُتِلْتُ ، فَجعلَ الناسُ يُثْنُونَ عليهِ ، يقولونَ : جَزَاكَ اللهُ خيرًا يا أَمِيرَ المؤمنينَ ! كُنْتَ وكُنْتَ ، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ ، ويَجِيءُ قومٌ آخَرُونَ َيُثْنُونَ عليهِ ، فقَالَ عمرُ :أما واللهِ على ما تَقُولونَ ؛ ودِدْتُ أَنِّي خرجْتُ مِنْها كَفَافًا لا عليَّ ولا لي ، وأنَّ صُحْبَةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سَلِمَتْ لي . فَتَكَلَّمَ ابنُ عباسٍ وكان عندَ رأسِهِ ، وكان خَلِيطَهُ ؛ كأنَّهُ من أهلِهِ ، وكان ابْنُ عباسٍ يُقْرِئُهُ القرآنَ ، فَتَكَلَّمَ ابْنُ عباسٍ فقال:لا واللهِ لا تَخْرُجُ مِنْها كَفَافًا ، لقدْ صَحِبْتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فَصَحِبْتَهُ وهوَ عَنْكَ رَاضٍ بِخَيْرِ ما صَحِبَهُ صاحِبٌ ، كُنْتَ لهُ ، وكُنْتَ لهُ ، وكُنْتَ لهُ ، حتى قُبِضَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهوَ عَنْكَ رَاضٍ ، ثُمَّ صَحِبْتَ خَلِيفَةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؛ فَكُنْتَ تُنَفِّذُ أمرَهُ ، وكُنْتَ لهُ ، وكُنْتَ لهُ ، ثُمَّ ولِيتَها يا أَمِيرَ المؤمنينَ ! أنتَ ، فَوَلِيتَها بِخَيْرِ ما ولِيَها [ والٍ ] ؛ وإنَّكَ وكُنْتَ تَفْعَلُ ، وكُنْتَ تَفْعَلُ ، فكانَ عمرُ يَسْتَرِيحُ إلى حَدِيثِ ابنِ عباسٍ ، فقال لهُ عمرُ : كَرِّرْ [ عليَّ ] حديثَكَ ، فَكَرَّرَ عليهِ . فقَالَ عمرُ : أما واللهِ على ما تقولُ ؛ لَوْ أنَّ لي طِلاعَ الأرضِ ذهبًا لافْتَدَيْتُ بهِ اليومَ من هَوْلِ المَطْلَعِ ! قد جَعَلْتُها شُورَى في سِتَّةٍ : عثمانَ ، وعليِّ بنِ أبي طَالِبٍ ، وطلحةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ ، والزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ ، وعَبْدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ ، وسَعْدِ بنِ أبي وقَّاصٍ ، رِضْوَانُ اللهِ عليهم أجمعينَ . وجعلَ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ مَعَهُمْ مُشِيرًا ، وليسَ مِنْهُمْ ، وأَجَّلهُمْ ثَلاثًا ، وأمرَ صُهَيْبًا أنْ يصلِّيَ بِالناسِ ، رَحْمَةُ اللهِ عليهِ ورِضْوَانُهُ". الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الموارد -الصفحة أو الرقم: 1836 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - هنا .
"ثم غزا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غزوةَ تبوكَ . وهو يريد الرُّومَ ونصارى العربِ بالشامِ . قال ابنُ شهابٍ : فأخبرني عبدُالرحمنِ بنُ عبدِالله بنِ كعبِ بنِ مالكٍ ؛ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ كعبٍ كان قائدَ كعبٍ ، من بنيه ، حين عَمِيَ . قال : سمعتُ كعبَ بنَ مالكٍ يحدِّثُ حديثَه حين تخلَّفَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غزوةِ تبوكَ . قال كعبُ بنُ مالكٍ : لم أتخلَّفْ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غزوةٍ غزاها قطُّ . إلا في غزوةِ تبوكَ . غيرَ أني قد تخلَّفتُ في غزوةِ بدرٍ . ولم يعاتِبْ أحدًا تخلَّفَ عنه . إنما خرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمسلمون يريدون عِيرَ قريشٍ . حتى جمع اللهُ بينهم وبين عدوِّهم ، على غيرِ مِيعادٍ . ولقد شهدتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليلةَ العقبةِ . حين تواثقْنا على الإسلامِ . وما أحبُّ أنَّ لي بها مَشهدَ بدرٍ . وإن كانت بدرٌ أذكرُ في الناس منها . وكان من خبري ، حين تخلَّفتُ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، في غزوةِ تبوكَ ، أني لم أكن قط أقْوى ولا أيسرَ مني حين تخلَّفتُ عنه في تلك الغزوةِ . واللهِ ! ما جمعتُ قبلَها راحلتَين قطُّ . حتى جمعتُهما في تلك الغزوةِ . فغزاها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حرٍّ شديد ٍ. واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا . واستقبل عدوًّا كثيرًا . فجلَّا للمسلمين أمرَهم ليتأهَّبوا أُهبَةَ غَزوِهم . فأخبرهم بوجهِهم الذي يريدُ . والمسلمون مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كثيرٌ . ولا يجمعهم كتابٌ حافظٌ ( يريد ، بذلك ، الدِّيوانَ ) . قال كعبٌ : فقلَّ رجلٌ يريد أن يتغيَّبَ ، يظن أنَّ ذلك سيخفى له ، ما لم ينزل فيه وحيٌ من اللهِ عزَّ وجلَّ . وغزا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تلك الغزوةِ حين طابت الثمارُ والظِّلالُ . فأنا إليها أصعرُ . فتجهَّز رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمسلمون معه . وطفِقتُ أغدو لكي أتجهزَ معهم . فأرجعْ ولم أقضِ شيئًا . وأقول في نفسي : أنا قادرٌ على ذلك ، إذا أردتُ . فلم يزلْ ذلك يتمادى بي حتى استمرَّ بالناس الجِدُّ . فأصبح رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غاديًا والمسلمون معه . ولم أقضِ من جهازي شيئًا . ثم غدوتُ فرجعتُ ولم أقضِ شيئًا . فلم يزلْ ذلك يتمادَى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزوُ . فهممتُ أن أرتحلَ فأدركَهم . فيا ليتني فعلتُ . ثم لم يُقَدَّرْ ذلك لي . فطفقتُ ، إذا خرجتُ في الناس ، بعد خروج رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، يُحزِنُني أني لا أرى لي أُسوةً . إلا رجلًا مغموصًا عليه في النِّفاقِ . أو رجلًا ممن عذَر اللهُ من الضُّعفاءِ . ولم يَذكرْني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتى بلغ تبوكًا فقال ، وهو جالسٌ في القومِ بتبوكَ " ما فعل كعبُ بنُ مالكٍ ؟ " قال رجلٌ من بني سلمةَ : يا رسولَ اللهِ ! حبَسه بُرداه والنظرُ في عَطِفَيه . فقال له معاذُ بنُ جبلٍ : بئسَ ما قلتَ . واللهِ ! يا رسولَ اللهِ ! ما علِمْنا عليه إلا خيرًا . فسكت رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . فبينما هو على ذلك رأى رجلًا مبيضًا يزول به السَّرابُ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " كُن أبا خَيثمةَ " ، فإذا هو أبو خيثمةَ الأنصاريُّ . وهو الذي تصدَّق بصاعِ التمرِ حين لمَزه المنافقون . فقال كعبُ بنُ مالكٍ : فلما بلغني أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد توجَّه قافلًا من تبوكَ ، حضرني بثِّي . فطفقتُ أتذكَّر الكذبَ وأقول : بم أَخرجُ من سخَطِه غدًا ؟ وأستعينُ على ذلك كلَّ ذي رأيٍ من أهلي . فلما قيل لي : إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد أظلَّ قادمًا ، زاح عني الباطلُ . حتى عرفتُ أني لن أنجوَ منه بشيءٍ أبدًا . فأجمعتُ صدقةً . وصبَّح رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قادمًا . وكان ، إذا قدِم من سفرٍ ، بدأ بالمسجدِ فركع فيه ركعتَين . ثم جلس للناس . فلما فعل ذلك جاءه المُخلَّفون . فطفِقوا يعتذرون إليه . ويحلِفون له . وكانوا بِضعةً وثمانين رجلًا . فقبِل منهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علانيتَهم . وبايعَهم واستغفرَ لهم . ووكَل سرائرَهم إلى الله . حتى جئتُ . فلما سلمتُ ، تبسَّم تبسُّمَ المُغضَبِ ثم قال " تعالِ " فجئتُ أمشي حتى جلستُ بين يدَيه . فقال لي " ما خلَّفك ؟ ألم تكن قد ابتعتَ ظهرَك ؟ " قال قلتُ : يا رسولَ اللهِ ! إني ، واللهِ ! لو جلستُ عند غيرِك من أهلِ الدنيا ، لرأيتُ أني سأخرج من سَخَطِه بعُذرٍ . ولقد أعطيتُ جَدلًا . ولكني ، واللهِ ! لقد علمتَ ، لئن حدَّثتُك اليومَ حديثَ كذبٍ ترضَى به عني ، ليوشِكنَّ اللهُ أن يُسخِطَك عليَّ . ولئن حدَّثتُك حديثَ صدقٍ تجِد عليَّ فيه ، إني لأرجو فيه عُقبى اللهِ . واللهِ ! ما كان لي عذرٌ . واللهِ ! ما كنتُ قطُّ أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلَّفتُ عنك . قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " أما هذا ، فقد صدق . فقُمْ حتى يقضيَ اللهُ فيك " فقمتُ . وثار رجالٌ من بني سلمةَ فاتَّبعوني . فقالوا لي : واللهِ ! ما علِمناك أذنبتَ ذنبًا قبلَ هذا . لقد عجزتَ في أن لا تكون اعتذرتَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، بما اعتذر به إليه المُخلَّفون . فقد كان كافيك ذنبَك ، استغفارُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لك . قال : فواللهِ ! ما زالوا يُؤنِّبونني حتى أردتُ أن أرجعَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . فأُكذِّبُ نفسي قال ثم قلتُ لهم : هل لقِيَ هذا معي من أحدٍ ؟ قالوا : نعم . لقِيه معك رجلان ِ. قالا مثلَ ما قلتَ . فقيل لهما مثلُ ما قيل لك . قال قلتُ : من هما ؟ قالوا : مرارةُ بنُ ربيعةَ العامريِّ ، وهلالُ بنُ أميةَ الواقفيُّ . قال فذكروا لي رجلَين صالحَين قد شهدا بدرًا فيهما أُسوةٌ . قال فمضيتُ حين ذكروهما لي . قال ونهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المسلمين عن كلامِنا ، أيها الثلاثةَ ، من بين من تخلَّف عنه . قال ، فاجتنبَنا الناسُ . وقال ، تغيَّروا لنا حتى تنكَّرتْ لي في نفسي الأرضُ . فما هي بالأرضِ التي أعرفُ . فلبثْنا على ذلك خمسين ليلةً . فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتِهما يبكيان . وأما أنا فكنتُ أشَبَّ القومِ وأجلدَهم . فكنت أخرج فأَشهد الصلاةَ وأطوفُ في الأسواقِ ولا يكلِّمني أحدٌ . وآتي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأسلِّم عليه ، وهو في مجلسِه بعد الصلاةِ . فأقول في نفسي : هل حرَّك شفتَيه بردِّ السلامِ ، أم لا ؟ ثم أصلِّي قريبًا منه وأسارقُه النظرُ . فإذا أقبلتُ على صلاتي نظر إليَّ . وإذا التفتُّ نحوه أعرض عني . حتى إذا طال ذلك علي من جفوةِ المسلمين ، مشيتُ حتى تسوَّرتُ جدارَ حائطِ أبي قتادةَ ، وهو ابنُ عمي ، وأحبُّ الناسِ إليَّ . فسلَّمتُ عليه . فواللهِ ! ما ردَّ عليَّ السلامَ . فقلتُ له : يا أبا قتادةَ ! أنشُدك بالله ! هل تعلمنَّ أني أحبُّ اللهَ رسولَه ؟ قال فسكتَ . فعدتُ فناشدتُه . فسكت فعدتُ فنا شدتُه . فقال : اللهُ ورسولُه أعلمُ . ففاضت عينايَ ، وتولَّيتُ ، حتى تسوّرتُ الجدارَ . فبينا أنا أمشي في سوقِ المدينةِ ، إذا نِبطيٌّ من نَبطِ أهلِ الشامِ ، ممن قدم بالطعامِ يبيعُه بالمدينة . يقول : من يدلُّ على كعبِ بنِ مالكٍ . قال فطفِق الناسُ يشيرون له إليَّ . حتى جاءني فدفع إلي َّكتابًا من ملِك غسَّانَ . وكنتُ كاتبًا . فقرأتُه فإذا فيه : أما بعد . فإنه قد بلغنا أنَّ صاحبَك قد جفاك . ولم يجعلك اللهُ بدارِ هوانٍ ولا مَضِيعةٍ . فالحَقْ بنا نُواسِك . قال فقلتُ ، حين قرأتُها : وهذه أيضًا من البلاءِ . فتيامَمتُ بها التَّنُّورَ فسجَرتُها بها . حتى إذا مضت أربعون من الخمسين ، واستلبثَ الوحيُ ، إذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يأتيني فقال : إن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يأمرك أن تعتزلَ امرأتَك . قال فقلتُ : أُطلِّقُها أم ماذا أفعل ؟ قال : لا . بل اعتزِلْها . فلا تقرَبنَّها . قال فأرسل إلى صاحبي بمثلِ ذلك . قال فقلتُ لامرأتي : الْحَقي بأهلِك فكوني عندهم حتى يقضي اللهُ في هذا الأمرِ . قال فجاءت امرأةُ هلال ِبنِ أميَّةَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . فقالت له : يا رسولَ الله ِ! إنَّ هلالَ بنَ أميَّةَ شيخٌ ضائعٌ ليس له خادمٌ . فهل تكره أن أخدمَه ؟ قال " لا . ولكن لا يَقربنَّكِ " فقالت : إنه ، واللهِ ! ما به حركةٌ إلى شيءٍ . وواللهِ ! ما زال يبكي منذ كان من أمرِه ما كان . إلى يومه هذا . قال فقال لي بعضُ أهلي : لو استأذنتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في امرأتِك ؟ فقد أذِن لامرأةِ هلالِ بنِ أميَّةَ أن تخدمَه . قال فقلتُ : لا أستأذنُ فيها رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . وما يُدريني ماذا يقول رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، إذا استأذنتُه فيها ، وأنا رجلٌ شابٌّ . قال فلبثتُ بذلك عشرَ ليالٍ . فكمل لنا خمسون ليلةً من حين نُهِيَ عن كلامِنا . قال ثم صليتُ صلاة َالفجرِ صباح خمسينَ ليلةٍ ، على ظهرِ بيتٍ من بيوتِنا . فبينا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذكر اللهُ عزَّ وجلَّ منا . قد ضاقَت علي نفسي وضاقت عليَّ الأرضُ بما رَحُبَتْ ، سمعتُ صوتَ صارخٍ أَوفَى على سَلعٍ يقول ، بأعلى صوتِه : يا كعبُ بنَ مالكٍ ! أبشِرْ . قال فخررتُ ساجدًا . وعرفتُ أن قد جاء فرجٌ . قال فآذَنَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الناسَ بتوبةِ اللهِ علينا ، حين صلَّى صلاةَ الفجرِ . فذهب الناسُ يبَشِّروننا . فذهب قبل صاحبي مُبشِّرون . وركض رجلٌ إليَّ فرسًا . وسعى ساعٍ من أسلمَ قبلي . وأوفى الجبلَ . فكان الصوتُ أسرعَ من الفرسِ . فلما جاءني الذي سمعتُ صوتَه يُبشِّرُني . فنزعتُ له ثوبي فكسوتُهما إياه ببشارتِه . واللهِ ! ما أملِك غيرهما يومئذٍ . واستعرتُ ثوبَين فلبستُهما . فانطلقتُ أتأمَّمُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . يتلقَّاني الناسُ فوجًا فوجًا ، يُهنِّئونني بالتوبةِ ويقولون : لِتُهنِئَك توبةَ اللهِ عليك . حتى دخلتُ المسجدَ ، فإذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جالسٌ في المسجدِ ، وحولَه الناسُ . فقام طلحةُ بنُ عُبيدِالله ِيهرولُ حتى صافحَني وهنَّأني . واللهِ ! ما قام رجلٌ من المهاجرين غيرُه . قال فكان كعبٌ لا ينساها لطلحةَ . قال كعبٌ : فلما سلّمتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال ، وهو يبرق وجهُه من السُّرورِ ويقول " أبشِرْ بخيرِ يومٍ مرَّ عليك منذُ ولدتْك أمُّك " قال فقلتُ : أمِن عندك ؟ يا رسولَ اللهِ ! أم من عندِ اللهِ ؟ فقال " لا . بل من عندِ اللهِ " وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا سُرَّ استنار وجهُه . كأنَّ وجهَه قطعةُ قمَرٍ . قال وكنا نعرف ذلك . قال فلما جلستُ بين يدَيه قلتُ : يا رسولَ اللهِ ! إنَّ من توبتي أن أنخلعَ من مالي صدقةً إلى اللهِ وإلى رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . " فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " أمسِكْ بعضَ مالِك . فهو خيرٌ لك " قال فقلتُ : فإني أُمسِكُ سَهمي الذي بخَيبرَ . قال وقلتُ : يا رسولَ اللهِ ! إنَّ اللهَ إنما أنجاني بالصِّدقِ . وإنَّ من توبتي أن لا أُحدِّثَ إلا صدقًا ما بقِيتُ . قال فواللهِ ! ما علمتُ أن أحدًا من المسلمين أبلاه اللهُ في صدقِ الحديثِ ، منذ ذكرتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى يومي هذا ، أحسنَ مما أبلاني اللهُ به . واللهِ ! ما تعمَّدتُ كذبةً منذُ قلتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، إلى يومي هذا . وإني لأرجو أن يحفظَني اللهُ فيما بقِيَ . قال : فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ :"لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " [ 9 / التوبة / 117 و - 118 ] حتى بلغ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[ 9 / التوبة / 119 ] .
قال كعبٌ : واللهِ ! ما أنعم اللهُ عليَّ من نعمةٍ قطُّ ، بعد إذ هداني اللهُ للإسلام ، أعظمُ في نفسي ، من صِدقي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . أن لا أكون كذَبتُه فأهلِك كما هلك الذين كذبوا . إنَّ اللهَ قال للذين كذبوا ، حين أنزل الوحيُ ، شرَّ ما قال لأحدٍ . وقال اللهُ : سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ "95" يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ" 9 / التوبة / 95 و - 96. قال كعب : كنا خُلِّفْنا ، أيها الثلاثة ، عن أمرِ أولئك الذين قبِلَ منهم رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ حين حلفوا له . فبايعَهم واستغفَر لهم . وأرجأ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمرَنا حتى قضى اللهُ فيه . فبذلك قال اللهُ عزَّ وجلَّ : وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا . وليس الذي ذكر اللهُ مما خلَّفنا ، تخلَّفنا عن الغزوِ . وإنما هو تخليفُه إيانا ، وإرجاؤه أمرَنا ، عمن حلف له واعتذرَ إليه فقبل منه . وفي رواية : أنَّ عُبيدَاللهِ بنَ كعبِ بنِ مالكٍ ، وكان قائدَ كعبٍ حين عَمِ- ، قال : سمعتُ كعبَ بنَ مالك ٍيحدثُ حديثَه ، حين تخلَّفَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غزوةِ تبوك َ. وساق الحديثَ . وزاد فيه ، على يونس : فكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قلَّما يريد غزوة ًإلا ورَّى بغيرِها . حتى كانت تلك الغزوةُ . ولم يذكر ، في حديثِ ابن أخي الزهريِّ ، أبا خَيثمةَ ولحوقَه بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ .
الراوي : كعب بن مالك - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2769
- خلاصة حكم المحدث : صحيح - هنا .انظر شرح الحديث رقم 7067

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-12-2017, 12:48 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
Exclamation

المجـلـس الرابع
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه .
*بعض فضائل كعب بن مالك
هو أحد شعراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحد صاحبه الكرام، وأحد الثلاثة الذين خُلِّفوا فتاب الله عليهم، وأحد الذين شهدوا العقبة، وله عدة أحاديث، تبلغ الثلاثين، اتفقا البخاري ومسلمٌ على ثلاثة منها، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين. وقد روى عنه بنوه .

هذا حديثُ كعب بن مالك، في قصَّةِ تَخَلُّفهِ عن غزوة تبوك، وكانت غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرةإلا أنه كانت هناك قوة تعرضت للمسلمين - قبلها- من غير مبرر، وهي قوة الرومان ـ أكبر قوة عسكرية ظهرت على وجه الأرض في ذلك الزمان ـ بداية هذا التعرض كانت بقتل سفير رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ـ الحارث بن عُمير الأزدي ـ على يدي شُرَحْبِيل بن عَمْرو الغَسَّاني، حينما كان السفير يحمل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى عظيم بُصْرَي،" فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ قَتْل رسوله، فأرسل إلى مؤتة ثلاثة آلاف من المسلمين في جُمادى الأولى من السنة الثامنة من الهجرة النبوية" هنا، و تركت أروع أثر في نفوس العرب، قريبهم وبعيدهم‏.‏
*
غزوةِ مُؤتَةَ- أمَّرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غزوةِ مُؤتَةَ زيدَ بنَ حارثةَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "إنْ قُتِلَ زيدٌ فجعفرٌ، وإن قُتِلَ جعفرٌ فعبدُ اللهِ بنُ رَواحَةَ" . قال عبدُ اللهِ : كنتُ فيهم في تلك الغزوةِ، فالتَمَسْنا جعفرَ بنَ أبي طالبٍ، فوجَدْناه في القَتلَى، ووجَدْنا ما في جسدِه بضعًا وتسعين، من طعنةٍ ورَميَةٍ .الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري- المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 4261 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية.
الشرح :.....فلمَّا وَقَعَت المَعركةُ قُتِلَ هؤُلاءِ الثَّلاثةُ على التَّرتيبِ المَذكورِ، قالَ عَبدُ اللَّه بنُ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهُما: كُنتُ فيهم في تلكَ الغَزوةِ فالْتَمَسْنا، أي: طَلَبْنا جَعْفَرَ بنَ أبي طالِب بَعدَ أنْ قُتِلَ فوَجَدناهُ في القَتْلَى، أي: بَينَ القَتلَى وَوَجَدْنا ما في جَسدِه بِضعًا وتِسعينَ مِن طَعْنَة بِرُمحٍ ورَميةٍ بِسَهمٍ.
وفي هذا الحديث: دليلُ النُّبوَّةِ; لأنَّهُ أَخْبَرَ بإِصابتِهم في المَدينةِ وهُم بمُؤْتةَ.
وفيه: ما يَدُلُّ على شَجاعةِ جَعْفَرٍ رضي اللَّهُ عَنه، وأنَّهُ كان به بِضْعٌ وسَبعونَ جِراحةً كُلُّها لَيسَت في ظَهرِه. الدرر السنية.
- أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نعى زيدًا وجعفرًا وابنَ رواحةَ للناسِ قبلَ أن يأتيَهم خبرُهم، فقال: أخذ الرايةَ زيدٌ فأصيبَ، ثم أخذَ جعفرٌ فأصيبَ، ثم أخذ ابنُ رواحةَ فأصيبَ. وعيناه تذرِفان: حتى أخذَ الرايةَ سيفٌ من سيوفِ اللهِ، حتى فتحَ اللهُ عليهم.الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4262 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.- الدرر السنية.
*ويومُ مُؤْتَة كان سَنَةَ ثمانٍ مِن الهجرة، وهو اليومُ أعْطَى رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فيه الرَّايةَ لزيدِ بنِ حارثةَ، وقال: إنْ قُتِلَ، فأميرُكم جعفرُ بنُ أبي طالبٍ، فإنْ قُتِلَ جعفرٌ فأميرُكم عبدُ اللهِ بنُ رَوَاحةَ، فاستُشْهِد الثلاثةُ، ثمَّ أخَذَها خالدُ بنُ الوليدِ واجْتَمَعوا عليه وتأمَّر على الجَيشِ، ففَتَح اللهُ عليه، وكان عِدَّةُ المُسلِمينَ ثلاثةَ آلافٍ، وعِدَّةُ الكافِرين مِئتي ألف؛ مِئة ألفٍ من الرُّوم، ومِئة ألف مِن نصارَى العربِ، ولم يُقتَلْ من المسلمين يَومئذٍ إلَّا اثنا عَشرَ رجلًا. الدرر السنية ..
- سَمِعْتُ خالدَ بنَ الوليدِ يقولُ : لقد انقطَعَتْ في يدِي يومَ مُؤتَةَ تسعةُ أسيافٍ، فما بَقِيَ في يدِي إلا صفيحةٌ يَمانِيَّةٌ .
الراوي : قيس بن أبي حازم - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 4265 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية .
الشرح :كانَ خالدُ بنُ الوليدِ مِنْ فُرسانِ الصَّحابةِ الشُّجعانِ، وقد سمَّاهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم سيفَ اللهِ المَسْلولَ؛ لقوَّتهِ وبَسالَتِهِ ودِفاعهِ عن الإسلامِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ خالدُ بنُ الوليدِ: لقدِ انقَطَعتْ يعني تَكَسَّرتْ وتحطَّمتْ في يدِي يَومَ مُؤتةَ تِسعةُ أَسيافٍ؛ وذلكَ منْ قوَّةِ بأْسِهِ وشِدَّته في القتالِ، فما بقِيَ؛ يعني: فما ثَبَتَتْ في يدي إلَّا صَفيحةٌ يَمانِيةٌ، وهي سيفٌ نَصْلُهُ عريضٌ من صُنعِ اليَمنِ.
وكان عِدَّةُ المُسلِمينَ ثلاثةَ آلافٍ، وعِدَّةُ الكافِرين مِئتي ألف؛ مِئة ألفٍ من الرُّوم، ومِئة ألف مِن نصارَى العربِ، ولم يُقتَلْ من المسلمين يَومئذٍ إلَّا اثنا عَشرَ رجلًا. الدرر السنية
*قَالَ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ : ....أَنَّ خَالِدًا لَمَّا حَازَ الْمُسْلِمِينَ وَبَاتَ ، ثُمَّ أَصْبَحَ وَقَدْ غَيَّرَ هَيْئَةَ الْعَسْكَرِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَتَوَهَّمَ الْعَدُوُّ أَنَّهُمْ قَدْ جَاءَ لَهُمْ مَدَدٌ ، حَمَلَ عَلَيْهِمْ خَالِدٌ حِينَئِذٍ فَوَلَّوْا فَلَمْ يَتْبَعْهُمْ ، وَرَأَى الرُّجُوعَ بِالْمُسْلِمِينَ هِيَ الْغَنِيمَةُ الْكُبْرَى ."البداية والنهاية" (4/ 247 . هنا
فتح الباري بشرح صحيح البخاري

* غزوة تبوك وحديث كعب بن مالك :
في شهر رجب - في السنة التاسعة من الهجرة -وهو من الأشهر الأربعة الحرم هذا الشهر العظيم وقعت فيه غزوة عظيمة وملحمة نفسية كبيرة كانت آخر غزوة غزاها الرسول صلى الله عليه وسلم.
غزوة لم يحدث فيه قتال بين الصفين ولا تلاحم بين الفريقين وإنما كانت معركة كاشفة فاضحة كشفت المنافقين وفضحت كل من في قلبه مرض من المدسوسين الذين كانوا يعيشون بين أظهر المسلمين إنها غزوة تبوك التي وقعت في شهر رجب لسنة تسع من الهجرة النبوية.لقد كان الرومان – أعظم دولة في ذلك الزمان يعدون العدة لمواجهة المسلمين في المدينة.
وصل الخبر إلى قيادة الجيش الإسلامي بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان المسلمون في تلك الفترة في قحط شديد وبلاء عظيم وعسر وجدب وقلة ظهر وكان الجو شديد الحرارة في قوة حرارة الصيف الملتهب. وفي نفس الوقت كانت الثمار قد بدأت على النضج واقترب موعد حصاد الزروع وفوق هذا وذاك كان العدو بعيدًا جدًا جدًا من المسلمين والطريق وعْرَة والمسافة طويلة وليس مع المسلمين ما يكفيهم من المؤنة والمعونة.قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن الموقف يحتاج إلى حسم شديد فلو ترك الرومان يزحفون نحو المدينة لوصلوا إلى بلاد الإسلام وجاسوا خلال الديار.
لذا قرر النبيُّ صلى الله عليه وسلم الموقف وأعلن في الناس أن يتجهزوا للقتال وأعلن بكل صراحة ووضوح أنه يريد لقاء الروم ولم يوري لهم كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل في معاركه وغزواته السابقة. هنا
ولم يكن من المسلمين أن سمعوا صوت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يدعو إلى قتال الروم إلا وتسابقوا إلى امتثاله، فقاموا يتجهزون للقتال بسرعة بالغة، وأخذت القبائل والبطون تهبط إلى المدينة من كل صوب وناحية، ولم يرض أحد من المسلمين أن يتخلف عن هذه الغزوة ـ إلا الذين في قلوبهم مرض وإلا ثلاثة نفر ـ حتى كان يجيء أهل الحاجة والفاقة يستحملون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ؛ ليخرجوا إلى قتال الروم، فإذا قال لهم‏:‏ "‏لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ‏"‏التوبة‏:‏92‏‏‏.‏ هنا .
- جاءَ عثمانُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بألفِ دينارٍ قالَ الحسَنُ بنُ واقعٍ : وفي موضعٍ آخرَ من كتابي ، في كمِّهِ حينَ جَهَّزَ جيشَ العُسرةِ فينثرَها في حجرِهِ . قالَ عبدُ الرَّحمنِ : فرأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يقلِّبُها في حجرِهِ ويقولُ " ما ضرَّ عثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ مرَّتينِ".
الراوي : عبدالرحمن بن سمرة - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3701 - خلاصة حكم المحدث : حسن - الدرر السنية .
- خلَّف رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ ، في غزوةِ تبوكَ . فقال : يا رسولَ اللهِ ! تُخلِّفُني في النساءِ والصِّبيانِ ؟ فقال " أما ترضى أن تكونَ مني بمنزلةِ هارونَ من موسى ؟ غيرَ أنهُ لا نبيَّ بعدي " .
الراوي : سعد بن أبي وقاص المحدث : مسلم المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2404 خلاصة حكم المحدث : صحيح
. الدرر السنية
...فقال عليٌّ: تُخلِّفُني في النِّساءِ والصِّبيانِ؟ كأنَّه استنقَص تَرْكَه وراءَه، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا القولَ.
"
غيرَ أنهُ لا نبيَّ بَعْدِي"، لَمَّا شبَّهه في تخليفِه إيَّاه بهارونَ حين خلَّفَهُ موسى، خافَ أنْ يتأوَّلَ مُتأوِّلٌ فيدَّعِيَ النُّبوَّةَ لِعَليٍّ، فقال: "غيرَ أنهُ لا نبيَّ بَعْدِي".الدرر السنية.

* فتخلَّفَ المنافقون عن هذه الغزوة ولجأوا إلى الظل والرطب والتمر، وبَعُدَتْ عليهم الشُّقَّة والعياذ بالله.
أما المؤمنون الخُلَّص، فإنهم خرجوا مع النبي عليه الصلاة والسلام ولم يُثْنِ عزمَهُم بُعْدُ الشُّقَّة ولا طيبَ الثمار
إلا أن كعب بن مالك- رضي الله عنه- تخلَّف عن غزوة تبوك بلا عذر، وهو من المؤمنين الخُلَّص، ولهذا قال " إنه ما تخلف عن رسول الله "؛ عن غزوة غزاها قط.كل غزوات الرسول "؛ قد شارك فيها كعب- رضي الله عنه- فهو من المجاهدين في سبيل الله إلا في غزوة بدر.
*
غزوة بدر
وكانت في السابعِ عشر من شهرِ رمضان في العامِ الثاني للهجرة ، و فيها عنده كتب الله النصر للمسلمين :
فقد تخلَّف فيها كعب وغيره لأن النبي - عليه الصلاة والسلام- خرج من المدينة لا يريد القتال، ولذلك لم يخرج معه إلا ثلاثمائةٍ وبضعة عشر رجلاً فقط؛ لأنهم كانوا يريدون أن يأخذوا عيرًا لقريش، أي إبل محمَّلة قَدِمَتْ مِنَ الشام تريد مكة وتَمُرُّ بالمدينة.
فخرج النبي - عليه الصلاة والسلام- من أجل أن يستقبل هذه العير ويأخذها، وذلك لأن أهل مكة أخرجوا النبي "؛ وأصحابه من ديارهم وأموالهم؛ فلهذا كانت أموالُهم غنيمةً للنبي- عليه الصلاة والسلام- ويحل له أن يخرج ليأخذها، وليس في ذلك عدوان من رسولِ اللهِ "؛ وأصحابِهِ، بل هذا أخذٌ لبعض حقهم.
خرج الرسول "؛ في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ليس معهم إلا سبعون بعيرًا وفَرسَان فقط؛ وليس معهم عُدَّةٌ والعدد قليل، ولكنَّ الله جمع بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد لينفذَ اللهُ ما أرادَ عزَّ وجلَّ.
فسمع أبو سفيان - وهو قائد العير- أن النبي "؛ خرج إليه ليأخذ العير؛ فعدل عن سَيْرِهِ إلى الساحلِ وأرسل إلى قريش صارخًا يستنجدهم - أي يستغيثهم- ويقول: هلمُّوا أنقذوا العِير.
فاجتمعت قريش، وخرج كُبراؤها وزُعماؤها وشُرفاؤها فيما بين تسعمائةٍ إلى ألف رجل.
خرجوا كما قال الله عنهم، خرجوا من ديارهم "بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه"الأنفال:47ولما كانوا في أثناء الطريق وعلموا أن العير نَجَت تراجعوا فيما بينهم وقالوا: العير نجت، فما لنا وللقتال؟ فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نقدم بدرًا فنقيم فيها ثلاثًا ننحرُ الجزور، ونسقى الخمور، ونطعمُ الطعام، وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدًا !
هكذا قالوا، بطرًا واستكبارًا وفخرًا، ولكن- الحمد لله- صارت العرب تتحدث بهم بالهزيمة النكراء التي لم يَذُق العرب مثلها، لما التقوا بالنبيِّ- عليه الصلاة والسلام- وكان ذلك في رمضان في السنة الثانية من الهجرة، في اليوم السابع عشر منه، التقوا فأوحى الله عز وجل إلى الملائكة : "أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ"الأنفال: 12، انظر! في الآية تثبيتٌ للمؤمنين وإلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا، فما أقربَ النصر في هذه الحال ؟!رعب في قلوب الأعداء، وثبات في قلوب المؤمنين.
فثبَّتَ الله المؤمنينَ ثباتًا عظيمًا، وأنزل في قلوب الذين كفروا الرعب.
قال الله سبحانه "فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ"الأنفال:12، أي : كل مفْصَل، اضربوا فالأمر مُيَسَرٌ لكم.
فجعل المسلمون- ولله الحمد- يجلدون فيهم؛ فقتلوا سبعين رجلًا وأسروا سبعين رجلًا، والذين قُتلوا ليسوا من أطرفهم، الذين قُتلوا كلهم من صناديدهم وكبرائهم، وأُخذَ منهم أربعةُ وعشرون رجلاً يُسحَبون سحبًا وأُلْقُوا في قُليب من قُلُبِ بدر، سُحبوا حتى أُلقوا في القليب جثثًا هامدةً، ووقف عليهم النبي - عليه الصلاة والسلام_ وقال لهم: يا فلان ابن فلان، يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، هل وجدتم ما وعَدَ ربكُم حقًا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا. فقالوا : يا رسول الله، كيف تكلم أُناسًا قد جَيّفوا؟ قال " والله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يجيبون؛ لأنهم موتى.
* للحديث الآتي:"أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ترك قتلى بدرٍ ثلاثًا . ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم فقال " يا أبا جهلِ بنَ هشامٍ ! يا أميةَ بنَ خلفٍ ! يا عُتْبَةَ بنَ ربيعةَ ! يا شيبةَ بنَ ربيعةَ ! أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقًّا ؟ فإني قد وجدتُ ما وعدني ربي حقًّا " فسمع عمرُ قول النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . فقال : يا رسولَ اللهِ ! كيف يسمعوا وأنى يجيبوا وقد جَيَّفوا ؟ قال " والذي نفسي بيدِه ! ما أنتم بأسمعَ لما أقول منهم . ولكنهم لا يقدرون أن يُجيبوا " ثم أمر بهم فسُحبوا . فأُلقوا في قليبِ بدرٍ .الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2874 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر السنية.
نصرَ اللهُ نبيَّهُ، وسمى اللهُ هذا اليوم "يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ"الأنفال:41 .
هذا اليوم فرّق الله فيه الحق والباطل تفريقًا عظيمًا. وانظر إلى قدرة الله عز وجل في هذا اليوم، انتصر ثلاثمائة رجل وبضعة عشر رجلاً على نحو ألف رجل أكمل منهم عُدَّةً وأقوى، وهؤلاء ليس معهم إلا عدد قليل من الإبل والخيل، لكنَّ نصرَ اللهِ عز وجل إذا نزلَ لقومٍ لم يقم أمامهم أحد، وإلى هذا أشار الله بقوله "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ"، ليس عندكم شيء "فاتقوا الله لعلكم تشكرون"آل عمران: 123.
اطَّلع الله عليهم وقال لهم:اعمَلُوا ما شئتم فقد غَفَرتُ لكم.
كل معصيةٍ تقعُ منهم فإنها مغفورة، لأن الثمن مقدَّم.
فهذه الغزوة صارت سببًا لكل خير، حتى إن حاطب بن أبي بلتعة- رضي الله عنه- لمَّا حصَلَ منه ما حَصَل في كتابه لأهل مكة عندما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يغزوهم غزوة الفتح كتب هو- رضي الله عنه- إلى أهل مكة يخبرهم، ولكن الله أَطْلَعَ نبيّه على ذلك.
- بعثني رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنا والزُّبَيْرَ والمِقْدَادَ، فقال " انطلقوا حتى تأتوا رَوْضَةَ خاخٍ، فإن بها ظَعِينَةً معها كتابٌ، فخذوهُ مِنها" . قال : فانطلقنا تَعادَى بنا خَيْلُنَا حتى أتينا الرَّوْضَة، فإذا نحن بالظَّعِينَةِ، قُلْنا لها : أخرجي الكتابَ، قالتْ: ما معي كتابٌ، فقُلْنا، لَتُخْرِجِنَّ الكتابَ، أولَنُلْقِيَنَّ الثيابَ، قال : فأخرجتهُ من عِقاصِها، فأتينا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإذا فيه : من حَاطِبِ بْنِ أبي بَلْتَعَةَ، إلى ناسٍ بمكةَ مِن المشركينَ، يُخْبِرُهم ببعض أمر رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم . فقال : رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم " يا حاطِبُ، ما هذا ؟" . قال : يا رسولَ اللهِ، لا تَعْجَلْ علَيَّ، إني كنتُ امْرأً مُلْصَقًا في قريشٍ، يقول : كنتُ حَليفًا، ولم أكن من أنْفُسِها، وكان من معك من المهاجرينَ، من لهم قَراباتٌ يَحْمونَ أهْلِيهِمْ وأمْوَالهمْ، فأحببتُ إذ فاتني ذلك من النسَبِ فيهم، أن أتَّخِذَ عِندَهمْ يَدًا يَحْمونَ قَرابَتِي، ولم أفعله رْتِدَادًا عن ديني، ولا رضًا بالكفرِ بعدَ الإسلام . فقال : رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم " أما إنه قد صدَقَكم" . فقال عُمر : يا رسولَ اللهِ، دَعْنِي أضْرِبْ عُنُقَ هذا المُنافِقِ. فقال " إنه قد شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ علَى مَن شَهِدَ بَدْرًا فقال : اعملوا ما شِئْتُمْ فقد غفرتُ لكم" . فأنزل الله السورةَ : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ- إلى قوله -فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ" .الراوي : علي بن أبي طالب - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 4274 - خلاصة حكم المحدث : صحيح . الدرر السنية .


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-12-2017, 01:30 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
Exclamation

المجـلـس الخامس
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه .


@نعود لحديث كعب بن مالك :

قال كعب بن مالك " إنه ما تخلف عن رسول الله "؛ عن غزوة غزاها قط.كل غزوات الرسول "؛ قد شارك فيها كعب- رضي الله عنه- فهو من المجاهدين في سبيل الله إلا في غزوة بدر، فقد تخلَّف فيها كعب وغيره لأن النبي - عليه الصلاة والسلام- خرج من المدينة لا يريد القتال.وإنما خرج للعير، ولكن الله جمع بينه وبين عدوِّه على غير ميعاد، وكانت غزاةً مباركةً ولله الحمد.
ثم ذكر بيعته النبي "؛ ليلة العقبة في منى ، حيث بايعوا النبيَّ ؛ على الإسلام وقال: إنني لا أحبُّ أن يكون لي بدلها بدر.
يعني هي أحبُّ إليه من غزوة؛ لأنها بيعة عظيمة.
رضي الله عنه- يُسلِّي نفسه بأنه إن فاتته بدرٌ فقد حصلت له بيعة العقبة، فرضي الله عن كعب وعن جميع الصحابة.
يقول رضي الله عنه: إني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلَّفت عنه في تلك الغزوة- أي: غزوة تبوك- كان قويَّ البدن، ياسر الحال، حتى إنه كان عنده راحلتان في تلك الغزوة، وما جمع راحلتين في غزوة قبلها أبدًا، وقد استعد وتجهَّزَ- رضي الله عنه - وكان من عادة النبي "أنه إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها، أي: أظهر خلاف ما يريد، وهذا من حكمته وحنكته في الحرب، لأن لو أظهر وجهه تبيّن ذلك لعدوِّه، فربما يستعد له أكثر، وربما يذهب عن مكانة الذي قصده النبي "فيه
إلا في غزوة تبوك، فإن النبي ؛ بَيَّنَ أمرَها ووضَّحها وجلاَّها لأصحابه؛ وذلك لأمور:
أولاً: أنها كانت في شدة الحر حين طابت الثمار، والنفوس مجبولة على الركون إلى الكسل وإلى الرخاء.
ثانيا: أن المدى بعيد من المدينة إلى تبوك، ففيها مفاوز ورمالٌ وعطشٌ وشمس.
ثالثًا: أن العدو كثير وهم الروم، اجتمعوا في عدد هائل حسب ما بلغ النبي "؛ ، فلذلك جلّى أمرها وأوضح أمر الغزوة، وأخبر أنه خارج إلى تبوك إلى عدوٍّ كثير، وإلى مكان بعيد حتى يتأهب الناس.
فخرج المسلمون مع رسول الله ؛ ولم يتخلَّف إلا من خذله الله بالنفاق، وثلاثة رجال فقط هم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، رضي الله عنهم. هؤلاء من المؤمنين الخُلَّص، لكن تخلَّفوا لأمر أراده الله عز وجل. أما غيرهم ممن تخلَّف فإنهم منافقون منغمسون في النفاق، نسأل الله العافية. فخرج النبي - عليه الصلاة والسلام- بأصحابه- وهم كثير- إلى جهة تبوك حتى نزل بها، ولكن الله تعالى لم يجمع بينه وبين عدوه، بل بقي عشرين يومًا في ذلك المكان، ثم انصرف على غير حرب .
نزل الجيش الإسلامي بتبوك، فعسكر هناك، وهو مستعد للقاء العدو، وقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيهم خطيبًا، فخطب خطبة بليغة، أتي بجوامع الكلم، وحض على خير الدنيا والآخرة، وحذر وأنذر، وبشر وأبشر، حتى رفع معنوياتهم، وجبر بها ما كان فيهم من النقص والخلل من حيث قلة الزاد والمادة والمؤنة‏.‏ وأما الرومان وحلفاؤهم فلما سمعوا بزحف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أخذهم الرعب، فلم يجترئوا على التقدم واللقاء، بل تفرقوا في البلاد في داخل حدودهم، فكان لذلك أحسن أثر بالنسبة إلى سمعة المسلمين العسكرية، في داخل الجزيرة وأرجائها النائية، وحصل بذلك المسلمون على مكاسب سياسية كبيرة خطيرة، لعلهم لم يكونوا يحصلون عليها لو وقع هناك اصطدام بين الجيشين‏.‏

فوائد
*يقول كعب بن مالك رضي الله عنه: إن الرسول صلى الله عليه وسلم تجهَّز هو والمسلمون وخرجوا من المدينة.
أما هو - رضي الله عنه- فتأخَّر وجعل يغدو كل صباح يرحِّل راحلته ويقول: ألْحَق بهم، ولكنه لا يفعل شيئاً، ثم يفعل كل يوم، حتى تمادى به الأمر ولم يدرك.
وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا لم يبادر بالعمل الصالح فإنه- حَرِيٌ أن يُحرمَ إياه.
فالإنسان إذا علم الحق ولم يقبله ويذعنْ له من أول وهلة، فإن ذلك قد يفوته ويحرم إياه- والعياذ بالله-

ومن فوائد هذا الحديث: شدَّةُ امتثال الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ودليل ذلك ما جَرَى لأبي قتادة - رضي الله عنه- مع كعب بن مالك رضي الله عنه
-
لم يرد عليه لما سأله- أنشُدُكَ باللهِ ! هل تعلمنَّ أني أحبُّ اللهَ رسولَه ؟
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجب التحرز من أصحاب الشر وأهل السوء الذين ينتهزون الضعف في الإنسان والفرص في إضاعته وهلاكه.
فإن هذا الملكَ- ملكَ غسَّان- انتهز الفرصة في كعب بن مالك- رضي الله عنه- يدعوه إلى الضلال لعله يرجع عن دينه إلى دين هذا الملك بسبب هذا الضيق.
ومن فوائد الحديث: قوَّةُ كعب بن مالك- رضي الله عنه- في دين الله وأنه من المؤمنين الخُلَّص، فبعض الناس- والعياذ بالله- يقول: آمنا بالله، ولكن إيمانه ضعيف، إذا أوذيَ في الله ارتدَّ- والعياذ بالله- وفسق وترك الطاعة، وكعب بن مالك رضي الله عنه أُوذِيَ في الله إيذاءً أيما أيذاء، لكنه صَبَر واحتسب وانتظر الفرج، ففرَّج الله له تفريجًا لم يكن لأحد غيره وصاحبيه،، أنزل الله فيهم ثناءً عليهم آيات تتلى إلى يوم القيامة.
"
وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "التوبة118
نحن نقرأ قصتهم في القرآن في صلاتنا! وهذا فضل عظيم، قصَّتهم تُقرأ في الصلاة، في الصلوات الخمس، في صلاة النافلة، سرًّا وعلنًا.
ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: أنه ينبغي للإنسان إذا رأى فتنة أو خوف فتنة أن يُتلِف هذا الذي يكون سببًا لفتنته.
فإن كعبًا لما خاف على نفسه أن تميل فيما بعد إلى هذا الملك ويتَّخذ هذه الورقة وثيقة، حرقها رضي الله عنه.
فالمهمُّ أنك إذا رأيت شيئًا يصدُّك عن ذكر الله فأبعِدهُ عنك بأي وسيلة تكون، حتى لا يكون سببًا لإلهائك عن ذكر الله.
فلما تمت أربعون ليلة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى كعب وصاحبيه هلال بن أمية ومرارة بن الربيع - رضي الله عنهم- أن يعتزلوا نساءهم.
وجاءت زوجةُ هلال بن أمية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بأنه في حاجة إليها لتَخدمه؛ لأنه ليس له خادم، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم بشرط أن لا يقربها، فقالت: إنه والله ما به من حركة إلى شيءيعني أنه ليس له شهوة في النساء، وأنه مازال يبكي- رضي الله عنه- منذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجرهم إلى يومه هذا، أربعون يومًا يبكي؛ لأنه ما يدري ماذا تكون النهاية.
يقول رضي الله عنه:فلما مضى عشر ليال بعد هذا، وكنت ذات يوم أصلي الصبح على سطح بيت من بيوتنا لأنه كما مرَّ كانوا- رضي الله عنهم- قد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، واستنكروا الناس، يأتون إلى المسجد لا يكلمهم أحد، وإن سلَّموا لم يردَّ عليهم، وإن مرَّ بهم أحد لم يسلِّمْ عليهم، ضاقت عليهم الأرض. فصار ذات يوم يصلي الصبح في بيته على سطحه. يقول: فسمعت صارخًا يقول وهو على سلْعٍ - وهو جبل معروف في المدينة- أوفى عليه وصاح بأعلى صوته يقول: يا كعب بن مالك أبشر يا كعب بن مالك أبشر!
يقول: فخررت ساجدًا، وعرفت أنه قد جاء فرج وركب فارس من المسجد يؤم كعب بن مالك ليُبَشِّره، وذهب مُبَشِّرون إلى هلال بن أمية ومرارة بن الربيع يُبَشِّرونها بتوبة الله عليهما . فانظر إلى فرح المسلمين بعضهم مع بعض، كل يذهبُ يسعى ويركضُ من جهة.
يقول: فجاء الصَّارخ، وجاء صاحب الفرس، فكانت البُشرى للصارخ؛ لأن الصَّوت أسرعُ من الفرس، يقول: فأعطيته ثَوْبَيَّ الإزارَ والرِّداء، وليس يملك غيرهما، لكن استعار من أهله أو من جيرانه ثوبين فلبسهما، وأعطى ثوبيه هذا الذي بَشَّره.
والله بُشْرى عظيمة، بشرى من الله سبحانه وتعالى عظيمة، أن ينزل الله توبتهم ويَمُنَّ عليهم بالتوبة.
ثم نزل متوجهًا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجزاه الله عن أمته خيرًا- قد بشَّر الناس بعد صلاة الصبح بأن الله أنزل توبته على هؤلاء الثلاثة؛ لأنه يُحِبُ من أصحابه وأمته أن يتوبوا ويرجعوا إلى الله.
يقول: فذهبت أتأمَّمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أقصده، فجعل الناس يُلاقونني أفواجًا، يعني جماعات، يهنِّئونه بتوبة الله عليه. رضي الله عنه.
هؤلاء القوم يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم، فلم يحسدوهم على ما أنعم الله به عليهم من إنزال القرآن العظيم بتوبتهم، بل جعلوا يهنِّئونهم حتى دخل المسجد.
وفيه:
*
شدَّةُ هجر النبي - عليه الصلاة والسلام- لهؤلاء الثلاثة، حتى إنه أمرهم أن يعتزلوا نساءهم، والتفريق بين الرجل وامرأته أمره عظيم.
*
شدَّةُ امتثال الصحابة-رضي الله عنهم- لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه- رضي الله عنه- ما تردد، ولا قال: لعلي أراجعُ الرسول عليه الصلاة والسلام، أو قال للرسول الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم : ارجع إليه لعله يسمح، بل وافق بكل شيء.
:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رحيما بأمته، فإنه بعد أن أمرهم باعتزال النساء رخَّص لهلال بن أمية، لأنه يحتاج لخدمة امرأته.
*
حرص الصحابة - رضي الله عنهم- على التسابق إلى البُشرى؛ لأن البشرى فيها إدخال السرور على المسلم. وإدخال السرور على المسلم مما يقرِّب إلى الله عز وجل؛ لأنه إحسان والله- سبحانه وتعالى- يحب المحسنين ولا يُضيعُ أجرهم.
فلذلك ينبغي لك إذا رأيت من أخيك شيئا يَسَّرَهُ، كأن يكون خبرًا سارًا أو رؤيا سارَّة أو ما أشبه ذلك، أن تبشره بذلك، لأنك تدخل السرور عليه. هنا

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 05-12-2017, 01:33 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,270
Exclamation

المجـلـس السادس
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة

التقوى الدرة المفقودة
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه .

التقوى الدرة المفقودة

خلّ الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى

واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر مايـــرى

لا تحقرنّ صغيرة إن الجبال من الحصى

التقوى أن يجعل المسلم بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك وذلك بفعل طاعته واجتناب معاصيه..هنا .
*قيل في التقوى
التقوى عباد الله! هي كما قال طلق بن حبيب:أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله.
وقوله: على نور من الله: أي على علم وبصيرة.
وقيل: التقوى هي: ألا يراك الله حيث نهاك، ولا يفتقدك حيث أمرك.دروس الشيخ أحمد فريد. التقوى.

- المسلمُ أخو المسلمِ لا يخونُهُ ولا يَكذِبُهُ ، ولا يخذلُهُ ، كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ : عِرضُهُ ومالُهُ ودمُهُ . التَّقوَى ههُنا. بِحسبِ امرئٍ منَ الشَّرِّ أن يحتقِرَ أخاهُ المسلمَ"

الراوي : أبو هريرة-المحدث : الألباني-المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 1927 -خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية .
*ومما يعين العبد على ذلك:التفكر في أمر الدنيا والآخرة ، ومعرفة قدر كل منهما ، فإن هذه المعرفة لا بد أن تقود الإنسان إلى السعي إلى الفوز في الآخرة بنعيم الجنان ، والنجاة من النار ، ولذلك أخبرنا الله عز وجل عن الجنة أنها "أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" آل عمران/133.
ومما يزيد التقوى في القلوب: اجتهاد الإنسان في طاعة الله تعالى، فإن الله يكافئه على ذلك بزيادة الهداية والتقوى ، فيعينه على القيام بما أمر الله به ، ويفتح له من أبوب الخير والطاعات وييسرها له ما لم يكن يسيرًا عليه من قبل . قال الله تعالى "وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ" محمد/17. الشيخ المنجد . هنا .
" يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ : من جاءَ بالحسنةِ فلهُ عشرُ أمثالِهَا وأزيدُ . ومن جاءَ بالسَّيِّئةِ ، فجزاؤهُ سيِّئةٌ مثلُها . أو أغفِرُ . ومن تقرَّبَ منِّي شبرًا ، تقرَّبتُ منه ذراعًا . ومن تقرَّبَ منِّي ذراعًا ، تقرَّبتُ منه باعًا . ومن أتاني يمشي ، أتيتُهُ هَرْوَلَةً . ومن لَقيَني بقُرابِ الأرضِ خطيئةٍ لا يشركُ بي شيئًا ، لقِيتُهُ بمثلِها مغفرةً . وفي روايةٍ : نحوَهُ . غيرَ أنَّه قال : فلَهُ عشرُ أمثالِها أو أزيدُ"الراوي : أبو ذر الغفاري - المحدث : مسلم- المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2687 - خلاصة حكم المحدث : صحيح . الدرر السنية .
الشرح
في هَذا الحديثِ أنَّ تَضعيفَ الحَسنَةِ بعَشَرَةِ أَمثالِها بفَضلِ اللهِ ورَحمتِه ووَعدِه الَّذي لا يُخلَفُ، والزِّيادةُ بَعدُ بكَثرةِ التَّضعيفِ إِلى سَبعِ مِئةِ ضِعفٍ وإِلى أَضعافٍ كَثيرةٍ يَحصُلُ لبَعضِ النَّاسِ دونَ بَعضٍ عَلى حَسبِ مَشيئتِه سُبحانَه وتَعالى.
وقَولُه"ومَن تَقرَّب مِنِّي شبرًا، تَقرَّبتُ مِنه ذِراعًا، ومَن تَقرَّب مِنِّي ذِراعًا، تَقرَّبتُ مِنه باعًا، ومَن أَتاني يَمشي، أَتيتُه هَرولةً"، فإقبالُ اللهِ عَلى العَبدِ إِذا أَقبلَ العَبدُ عَليه سُبحانَه وتَعالى أَكثرُ مِن إِقبالِ العَبدِ عَليه، ومَعنى "الباع" طُولُ ذِراعي الإِنسانِ وعَضُديْه.
"وَمن أَتاني"حالَ كَونِه"يمشي"، أي: في طاعَتِي"أَتيتُه هَرولةً"، الهَرولَةُ في اللُّغةِ: الإِسراعُ في المشيِ دونَ العَدْوِ، وصِفةُ الهَرولةِ للهِ عزَّ وجلَّ كَما تَليقُ بِه ولا تُشابِهُ هَرولةَ المخلوقِينَ.
ثُمَّ تَكلَّم عن صاحِبِ الخَطايا فَقال"وَمن لَقِيَني بقُرابِ الأَرضِ خَطيئةً" وقُرابُ الأَرضِ، أي: مِلؤُها، فَلو جاءَ بِما يَقرُبُ مِلأَها مِنَ الصَّغائرِ والكبائرِ، "لَقيتُه بِمثلِها مَغفرةً"، ما دام تائبًا عَنها، مُستغفِرًا مِنها، أمَّا إِذا لم يَتُبْ منَ الذُّنوبِ مَع تَحقيقِ التَّوحيدِ، فهُو تحتَ المشيئَةِ لقَولِه تَعالى"وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ"النساء: 116.الدرر السنية

*أمر الله عز وجل بتقواه ، وأخبر أن التقوى هي عنوان الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة ، فقال عز وجل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون"آل عمران/ 102، وقال عز وجل "وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ" النور/ 52
وأخبر أنه سبحانه مع المتقين، فقال "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ" النحل/ 128 ، وأنه وليهم ، فقال "وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ" الجاثية/ 19، وأن العاقبة للمتقين، فقال "وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" الأعراف/ 128، وأنهم أهل النجاة والفوز في الدنيا والآخرة، فقال "وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ"فصلت/ 18، وقال "ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا" مريم/ 72، وقال "إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا"النبأ/ 31. والمتقون من المؤمنين هم أولياء الله ، "أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ"يونس/62، 63. والآيات في ذلك كثيرة . الشيخ المنجد.هنا .
*التقوى مِنَّةٌ من الله على عباده، وهي سمو في التدين يتضمن طاعة الله عز وجل ومراقبته سرًا وجهرًا، ولشرف التقوى وفضلها شرف الله أهلها في الدنيا والآخرة، وآتاهم ثمرة عملهم طيبة في الدارين، كرماً منه وجودًا على عباده جزاء ما قدموا.الشيخ أحمد فريد. هنا .
التقوى هي وصية الله ورسله للأولين والآخرين
التقوى عباد الله! هي وصية الأولين والآخرين، قال الله عز وجل"وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ"النساء:131.
فلو كانت هناك خصلة هي أنفع للعباد في العاجل والآجل من تقوى الله عز وجل لأوصاهم الله عز وجل بها، فلما أوصى الله عز وجل الأولين والآخرين بتقوى الله عز وجل، كانت التقوى هي الغاية.
والتقوى كذلك عباد الله! هي وصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وسلم؛ لما وعظ الناس موعظة بليغة، وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقالوا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا؛ لأن المودع يبلغ الغاية في الوصية، ويجتهد في إخلاصها، فلما أوصاهم وصية بليغة عظيمة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، قالوا"يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال:أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد حبشي". الشيخ أحمد فريد هنا .
"وعظَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يومًا بعدَ صلاةِ الغداةِ موعِظةً بليغةً ذرِفَت منْها العيونُ ووجِلَت منْها القلوبُ فقالَ رجلٌ إنَّ هذِهِ موعظةُ مودِّعٍ فماذا تعْهدُ إلينا يا رسولَ اللَّهِ قالَ أوصيكم بتقوى اللَّهِ والسَّمعِ والطَّاعةِ وإن عبدٌ حبشيٌّ فإنَّهُ من يعِش منْكم يرَ اختلافًا كثيرًا وإيَّاكم ومحدَثاتِ الأمورِ فإنَّها ضَلالةٌ فمن أدرَكَ ذلِكَ منْكم فعليْهِ بِسُنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشدينَ المَهديِّينَ عضُّوا عليْها بالنَّواجذِ"الراوي: العرباض بن سارية - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2676 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية .
رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 04:40 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر