|
#1
|
||||
|
||||
أوقاتنا أعمارنا
رابط تحميل الملف كاملاً
وهنا إلكتروني مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِمُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. ثم أَمَّا بَعْدُ:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا". "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" أَمَّا بَعْدُ: وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة ، ومادة حياته الأبدية في النعيم المقيم ، وهو يمر أسرع من السحاب ، فما كان من وقته وعمله لله(1) ، وبالله (2) ، وفي الله (3) ، فيكون عمله خالصًا موافقًا لشريعة الله على وجه الاستعانة به سبحانه فهو حياته وعمره ، وما كان غير ذلك فليس محسوبًا من حياته وإن عاش طويلًا فهو يعيش عيشة البهائم قال ابن القيم في فوائد الفوائد / المبحث العاشر : في أعماق النفس / ( 1 ) فصل : كيف تصلح حالك / ص : 323" "..... وذلك أنك في وقتٍ بين وقتين ، وهو في الحقيقة عمرُك ، وهو وقتك الحاضرُ بين ما مضى وما تستقبل ، فالذي مضى تصلحُهُ بالتوبة والندم والاستغفار ، وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولا نصب ولا معاناةَ عملٍ شاق ، إنما هو عملُ القلب ، وتمتنعُ فيما تستقبلُ من الذنوب ، وامتناعك تركٌ وراحةٌ ، ليس هو عملًا بالجوارح يشق عليك معاناتُه ، وإنما هو عزم ونية جازمة ..... " . ا . هـ . وقال ابن القيم في فوائد الفوائد / المبحث العاشر ..... / ( 9 ) فصل : جمع الهمم على الله وحده / ص : 337 : علامة صحة الإرادة أن يكونَ همُّ المريدِ رضا ربه ، واستعدادَهُ للقائه ، وحُزنَهُ على وقتٍ مرَّ في غير مرضاته ، وأسفَه على [ فـوْتِ ] قُربهِ والأنسِ به . وجُمَّاعُ ذلك : أن يصبحَ ويمسي وليس له همٌّ غيرَه . ا . هـ . ( 1 ) لله ---> المراد به الإخلاص ، أي إخلاص العمل لله .( 2 ) بالله ---> المراد به الاستعانة به سبحانه ، فلا يعتد بنفسه ولا يعتمد عليها وإنما يستعين بالله . ( 3 ) في الله ---> أي في شرعه ، فلا يتجاوز الشرع ، ولا يبتدع في دين الله ما ليس منه . شرح القواعد المثلى / ص : 322. |
#2
|
||||
|
||||
ويقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ :
كل نَفَسٍ أو كل عرَقٍ سيخرج في الدنيا في غير طاعة الله أو فائدة في الحياة ـ [ تعين على حسنة ] ـ سيخرج يوم القيامة حسرة وندامة . ا . هـ . ما بين المعكوفتين تصرف . عندما يخلص الإنسان لربه وخالقه ويشتغل بكل دقيقة من وقته وعمره في طاعة ربه يُبارك الله له في عمره وإن كان قصيرًا ، والرجال لا يقاسون بطول أعمارهم ، وإنما يقاسون بأعمالهم ، والله عز وجل تعبدنا بحسن الأعمال وذلك في مقدورنا وفي إمكاننا بإذن ربنا ، ولم يتعبدنا بطول أعمارنا فإن ذلك ليس بمقدورنا ولا بإرادتنا ،فالإنسان الذي يعرف حق وقتِه وقيمته ينبغي عليه أن يعمِّر وقتَه بالخيرات ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ويسارع فيها ، فكلما تيسر إليه خير بادر إليه تطبيقًا للآية : ويقول عمار بن رجاء : سمعت عبيد بن يعيش " شيخ البخاري ومسلم " يقول " أقمتُ ثلاثين سنة ما أكلتُ بيدي بالليل ، كانت أختي تُلَقِّمُني وأنا أكتب الحديث " .ا . هـ .ما بين المعكوفتين تصرف. قال الله تعالى " وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى" . سورة طه / آية : 84 . وللحديث : احرص على ما ينفعك . * فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، احرِص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجِز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلتُ كان كذا وكذا ، ولكن قل : قَدَرُ اللهِ ، وما شاءَ فعلَ ، فإن لو تفتح عملَ الشيطانِ " . صحيح مسلم . متون / ( 46 ) ـ كتاب : القدر/ ( 8 ) ـ باب : في الأمر بالقوة وترك العجز ، ..... /حديث رقم :34 ـ (2664) / ص : 677 . احرِص على ما ينفعك ..... ولا تعجِز : احرص على طاعة الله تعالى والرغبة فيما عنده ، واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك ، ( ولا تعجِز ) ولا تكسل عن طلب الطاعة ولا عن طلب الإعانة . صحيح مسلم شرح النووي / ج : 16 / ( 46 ) ـ كتاب : القدر / ( 8 ) ـ باب : في الأمر بالقوة و 000 / ص : 329 . * " افعلوا الخيرَ دهركم ، وتعرضوا لنفحاتِ رحمة الله ، فإن لله نفحاتٍ من رحمته ، يصيب بها من يشاء من عباده ، وسلوا الله أن يستر عوراتِكم ، وأن يؤمِّن رَوعاتِكم " . أخرجه الطبراني في الكبير . وحسنه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في سلسلة الأحاديث الصحيحة /ج : 4 / حديث رقم : 1890 / ص : 511 . وفضل سبحانه من أيام العام " أيام العشر من ذي الحجة " وخص فيها يوم عرفة بجائزة عظيمة لمن فاز بصيامه . * قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " أفضل أيام الدنيا أيام العشر " . رواه البزار عن جابر . صححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في : صحيح الجامع الصغير وزيادته / الهجائي /ج : 1 / حديث رقم : 1133 / ص : 253 وهكذا هذا على سبيل المثال لا الحصر . فلنتحر الأوقات الفاضلة ليربو عملُنا ولتغْفر ذنوبُنَا ، ولنفوز بجنة ربِّنا . ولذا كان العزم على تجميع بحيث صغير ليكون إعانة لنا على معرفة حقيقة أعمارنا ، وما يجب علينا تجاهها ، ووسِمَ هذا البحث بـ : " أوقاتنا أعمارنا " . وهو يحوي عدة مباحث موضحة بفهرس موضوعات البحث . نسأل الله أن تنفعنا هـذه الرسالة وإياكم ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وسلم . * * * * * |
#3
|
||||
|
||||
المبحث الأول أوقاتنا أعمارُنا =============== ما نحن إلا أنفاس إذا مر نَفَس مر بعضنا ، وإذا مرت لحظة فقدنا جزءًا من رأس مالنا . فالموفق هو الذي يُسابق اللحظات ، ويغتنم الأوقات ، ولا يدع لحظة من عمره تمر إلا أودع فيها عبادة أو أكثر وجدد فيها إيمانه . فالوقت أو الزمن كالمال كلاهما يجب الحرص عليه والاقتصاد في إنفاقه وتدبير أمره . وإن كان المال يمكن جمعه وادخاره بل وتنميته فإن الزمن عكس ذلك فكل دقيقة ولحظة ذهبت لن تعود إليك أبدًا ولو أنفقت أموال الدنيا أجمع . وإذا كان الزمن مقدرًا بأجل معين وعُمْر محدد لا يمكن أن يقدم أو يؤخر ، وكانت قيمته في حسن إنفاقه ، وجب على كل إنسان أن يحافظ عليه ويستعمله أحسن استعمال ، ولا يفرط في شيء منه قل أو كثر . * عن ابن مسعود ، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس ، عن عُمُرِهِ فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاهُ ، ومالِه من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وماذا عَمِلَ فيما علِمَ " . سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 35 ) ـ كتاب : صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ / ( 1 ) ـ باب : في القيامة / حديث رقم : 2416 / ص : 544 / صحيح . * عن أبي بَرْزَةَ الأسلمي ، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم" لا تزول قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْئَلُ عن عُمُرِهِ فيما أفناه ، وعن عمله فيم فعل ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه ، وعن جسمهِ فيم أبلاه " . سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 35 ) ـ كتاب : صفة القيامة والرقائق والورع ..... / ( 1 ) ـ باب : في القيامة / حديث رقم : 2417 / ص : 545 / صحيح . ـ فاللبيب الذي يفطن إلى هذا فيجتهد في فعل ما يستغل به أوقاته وقوته ، يجتهد في أن يجعل كل لحظة من لحظاته عبودية يزيد بها إيمانه ، فإن فاته العمل فلا تفوته النية ، حتى لا يكون في هذه اللحظة مغبونًا ، فإن رأس مال العبد صحته وفراغه . * فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم" نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس : الصحة ، والفراغ " . صحيح البخاري . متون / ( 81 ) ـ كتاب : الرقاق / ( 1 ) ـ باب : لا عيش إلا عيش الآخرة / حديث رقم : 6412 / ص : 752 . يعني أن هذين الجنسين من النعم مغبون فيهما كثير من الناس ، أي مغلوب فيهما ، وهما الصحة والفراغ . فإذا كان الإنسان فارغًا صحيحًا فإنه يغبن كثيرًا في هذا ، لأن كثيرًا من أوقاتنا تضيع بلا فائدة ونحن في صحة وعافية وفراغ ومع ذلك تضيع علينا كثيرًا ، ولكننا لا نعرف هذا الغبن في الدنيا ، إنما يعرف الإنسان الغبن إذا حضره أجله ، وإذا كان يوم القيامة ، ومما يدل على ذلك قول الله تعالى : " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ *لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ". سورة المؤمنون / آية : 99 ، 100 . وقال عز وجل "وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ" .سورة المنافقون / آية : 10 . الواقع أن هذه الأوقات الكثيرة تذهب علينا سُدَى لا ننتفع منها ، ولا ننفع أحدًا من عباد الله ، ولا نندم على هذا إلا إذا حضر الأجل ؛ يتمنى الإنسان أن يُعْطَى فرصة ولو دقيقة واحدة لأجل أن يستعتب ، ولكن لا يحصل ذلك . ثم إن الإنسان قد لا تفوته هذه النعـة ، بل قد لا تفوته هاتان النعمتان : الصحة والفراغ بالموت بل قد تفوته قبل أن يموت ، قد يمرض ويعجز عن القيام بما أوجب الله عليه ، قد يمرض ويكون ضيق الصدر لا ينشرح صدره ويتعب ، وقد ينشغل بإيجاد النفقة له ولعياله حتى تفوته كثير من الطاعات . ولهذا ينبغي للإنسان العاقل أن ينتهز فرصة الصحة والفراغ بطاعة الله عز وجل بقدر ما يستطيع . شرح رياض الصالحين / للشيخ العثيمين / ج : 1 / ( 11 ) ـ باب : المجاهدة / شرح حديث رقم : ( 3 / 97 ) / ص : 451 . ـ وقد كان السلف ـ رضي الله عنهم ـ أحرص ما يكونون على أوقاتهم لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمتها . وكانوا يحرصون كل الحرص على ألاَّ يمر يوم أو بعض يوم أو بُرهة من الزمان وإن قَصُرَت دون أن يتزودوا منها بعلم نافع أو عمل صالح أو مجاهدة للنفس أو إسداء نفع للغير حتى لا تتسرب الأعمار سُدى وتضيع هَباء وتذهب جُفاءً وهم لا يشعرون . قال الشاعرُ : إذا مر بي يوم ولم أقتبس هدى *ولم أستفد علمًا فما ذاك من عمري . رسالة اقتربت الساعة / محمود المصري / بتصرف . ا . هـ . * عن ابن عباس قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " اغتنم خمسًا قبل خمسٍ : حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك " . رواه الحاكم والبيهقي عن ابن عباس ـ وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع ..... / الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 1077 / ص : 244 . * عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو تعلمون ما أعلمُ ، لبكيتم كثيرًا ، ولضحكتم قليلاً ، ولخرجتم إلى الصُّعدات ؛ تجأرون إلى الله تعالى ..... " . أخرجه الحاكم ..... وحسنه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع الصغير وزيادته /الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 5262 / ص : 933 . * عن عبد الله بن عمرو ، قال : مَرَّ بي رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وأنا أُطَيِّنُ حائطًا لي ! أنا ، وأمي ، فقال " ما هذا يا عبد الله " ؟ فقلتُ : يا رسول الله أُصلحه ، فقال : " الأمرُ أسْرَعُ مِنْ ذاكَ " . سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / ( 35 ) ـ أول كتاب الأدب /( 172 ) ـ باب : [ ما جاء ] في البناء / حديث رقم : 5235 / ص : 946 / صحيح . * عن الأعمش قال : مَرَّ عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن نعالج خُصًا لنا وَهَى ، فقال " ما هذا " ؟ . فقلنا : خصٌّ لنا وَهَى فنحن نُصْلِحه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أرى الأمرَ إلاَّ أعجل من ذلك " سنن أبي داود / ( 35 ) ـ أول كتاب الأدب / ( 172 ) ـ باب : [ ما جاء ] في البناء /حديث رقم : 5236 / ص : 946 / صحيح . ما يقصد صلوات الله وسلامه عليه ، أنْ يمنعهم من إصلاح ذلك الخص - البيـت - ، ولكن يقصد يذكرهم بأن الآخرة هي المتاع ، وبأن الموتَ آتٍ لا مَحالة ، وبأن العاقل اللبيب هو الذي يصلحُ هنالِك قبل أن يهتم بإصلاح هذا الفاني . ولاشك أن نصيحتَهُ أيضًا تتضمنُ عدم الانشغال الزائد بالدنيا ، الذي يُلْهِي المؤمن ، ويجعل الدنيا في النهاية كأنها الهدف وكأنها الغاية ، وكأنها هي المقصودة المُرَادة . " إن الأمرَ أعجلُ من ذلك " ---> يعني إن الموت آتٍ لا مَحَالة ، ولابد أن تستعدوا للقاء الله عز وجل ، أي لا تبالِغُوا في إصلاح دنياكم ، ولا تُبالِغُوا في الاهتمام بها ، كما هو الحالُ الآن ، الناسُ يهتمون بالدنيا اهتمامًا مُبَالَغًا فيه . الدنيا عند المؤمن لابد أن تكون بِقَدَر ، ولابد فعلًا أنْ تكون وسيلة ، وإذا كانت وسيلة قطعًا لن يهتم المؤمن بالمظاهر الكاذبة ، وبالأُمور التي يُقصَدُ بها التفاخر والتباهِي ، المؤمن سيكون فعلًا قَصْدُهُ أن يستعينَ بها على حَسَنَة ، هذا قدر الدنيا عنده ، أنها توصله ، هي مَعْبَر ، هي جِسر ، فلن يهتم المؤمنُ بها في هذه الحالة إلا ما يُعين منها على طاعة اللهِ عز وجل . فقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " إن الأمر أعجل من ذلك " ---> أي لا تُبَالِغُوا في الاهتمام بأموركم الدنيوية . وفي الحديث الصحيح أيضًا : " ما قلَّ وكفَى خيرٌ مما كَثُرَ وألْهَى " . مسند أبي يعلي ، عن أبي سعيد . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته / ج : 2 /حديث رقم : 5653 / ص : 987 . [ السلسلة الصحيحة تحت رقم : 945 ] . ـ لا عيش إلا عيش الآخرة : هذا الحديث واضح الدلالة في أن الإنسان كلما كَثُرَ انشغاله بالدنيا كلما كانت سببًا في إلهائه وانشغاله . أشرطة شرح رياض الصالحين . * ..... قال : حدثنا سهل بن سعد الساعديُّ كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الخندق وهو يحفر ونحن ننقُلُ التراب ويمرُّ بنا فقال " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة " . صحيح البخاري . متون / ( 81 ) ـ كتاب : الرقاق / ( 1 ) ـ باب : لا عيش إلا عيش الآخرة / حديث رقم : 6414 / ص : 752 . ـ ملعونة الدنيا : ..... قال سمعتُ أبا هريرة يقول : سمعتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " ألا إن الدنيا ملعونة (1) ، ملعونٌ ما فيها ، إلا ذكرُ الله وما والاه (2) وعالمٌ أو متعلم " . سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / ( 33 ) ـ كتاب : الشهادات عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ / ( 14 )ـ باب منه / حديث رقم : 2322 / ص : 525 / حديث حسن . ( 1 ) ملعونة : أي مبغوضة . ( 2 ) وما والاه : أي قاربه من الطاعة الموصلة لمرضات الله . ولا يُفهم من هذا الحديث سب الدنيا مطلقًا ولعنها ، بل الملعون ـ المبغوض ـ منها ما يبعد عن الله تعالى ويُشغل عنه . ـ عن البراء قال : كنا مع رسول الله في جنازة فجلسَ على شفيرِ القبرِ فبكى حتى بلَّ الثرى ، ثم قال " يا إخواني لمثل هذا فأعدُّوا " . سنن ابن ماجه / [ المجلد الواحد ] / ( 37 ) ـ كتاب : الزهد / ( 19 ) ـ باب : الحزن والبكاء /حديث رقم : 4195 / ص : 696 . حسن . فلنُعِد أنفسنا لذلك اليوم العصيب ، الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون ، وكل منا آتيه وحده ، نسأل الله الثبات على الحق. |
#4
|
||||
|
||||
المبحث الثاني انتبه الحساب فردي ==================== يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته ، لا يهمه غيره من الناس ، وإنما سيأتي يوم القيامة ، ويُسأل عن حاله ، عن عمله ، عن نفسه هو ، لن يُسأل عن غيره . وقال سبحانه "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ " . سورة المدثر / آية : 38 . وقال سبحانه "وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا " .سورة مريم / آية : 95 . فالحساب حساب فردي ، ولن ينفع أحدٌ أحدًا . قال تعالى " ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَتَ نُوحٍ وَاِمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ" .سورة التحريم / آية : 10 . وقال سبحانه "فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ " . سورة عبس / آية : 33 ـ 37 . وقال سبحانه "وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَـوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئذٍ للهِ " .سورة الانفطار / آية : 17 ـ 19 . " وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ " . سورة القمر / آية : 53 . عن عدي بنِ حاتمٍ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم" ما منكم أحدٌ إلا سيكلمه ربُّهُ ليس بينه وبينه تُرجُمَان ، فينظرُ أيمنَ منه فلا يرى إلا ما قَدَّمَ من عملِه ، وينظرُ أشأمَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم ، وينظرُ بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ، فاتقوا النارَ ولو بشقِ تمرةٍ " . صحيح البخاري . متون / ( 97 ) ـ كتاب : التوحيد / ( 36 ) ـ باب : كلام الرب عز وجل يومالقيامة مع الأنبياء وغيرهم / حديث رقم : 7512 / ص : 871 . النجـاة : ــــ فهيا نلتمس طريق النجاة ، ونبحث عن معالم هذا الطريق لنكون من أهله . وأول الطريق تعاهد القلب وتحسسه في كل وقت وحين . |
#5
|
||||
|
||||
المبحث الثالث حياة القلب وأغذيته ============== اعلم أن أي طاعات فرضها ونفلها إذا خلت من أعمال القلوب فهي أجساد بلا أرواح ، أجساد لا خير فيها ، بل قد تكون وبالًا على صاحبها ، فإن أول من تسعر بهم النار ثلاثة : قارئ ، وشهيد ، ومُنفق ، عملوا أعظم الأعمال ظاهرًا لكن لم يوافقها ما تعظم به باطنًا ، بل وافقها عكس ذلك فكان صاحبها من أول من تُسَعَّر بهم النار . مختصر غاية الرفق في تربية النفس ... / ص : 58 . * فعن سُليمان بن يسارٍ ، قال : تفرق الناسُ عن أبي هريرة فقال له ناتِلُ أهلِ الشام : أيها الشيخ ! حدثنا حديثًا سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ، قال : نعم ، سمعتُ رسولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول " إن أولَ الناس يُقضى يومَ القيامةِ عليه ، رجلٌ استُشهد فأُتيَ به فعرَّفَهُ نِعمَهُ فعرفها . قال : فما عمِلتَ فيها : قال : قاتلْتُ فيك حتى استُشهِدتُ . قال : كذبتَ ، ولكنك قاتلتَ لأن يُقالَ جريءٌ ، فقد قيل . ثم أُمِرَ به فسُحِبَ على وجههِ حتى أُلقيَ في النار . ورجلٌ تعلَّمَ العلْمَ وعلَّمَه وقرأ القرآن . فأُتيَ به ، فعرَّفه نِعَمَهُ فَعَرَفَها . قال : فما عملتَ فيها ؟ . قال : تعلمتُ العلمَ وعلمتُهُ وقرأتُ فيك القرآن . قال : كَذَبْتَ ، ولكنك تعلمتَ العلمَ ليُقَال عالمٌ ، وقرأت القرآن ليُقَال هو قارئ . فقد قِيل ، ثم أُمر به فسُحِبَ على وجهه حتى أُلقيَ في النار . ورجلٌ وسَّعَ اللهُ عليه وأعطاه من أصناف المال كله ، فأتيَ به ، فعرَّفَهُ نعمَهُ فعرَفَها . قال : فما عَمِلتَ فيها ؟ . قال : ما تركتُ من سبيلٍ تحبُّ أن يُنفقَ فيها إلا أنفقتُ فيها لك . قال : كذَبتَ ، ولكنَّكَ فعلتَ ليقالَ هو جَوَادٌ ، فقد قيل . ثم أُمِرَ به فَسُحِبَ على وجهه . ثم أُلقيَ في النار . صحيح مسلم / ( 33 ) ـ كتاب : الإمارة / ( 43 ) ـ باب : من قاتل للرياء والسمعة استحق النار / حديث رقم : 152 ـ ( 1905 ) / ص : 499 . ـ لذا قال صلى الله عليه وسلم :
" لا تعجبوا بعمل عامل ، حتى تنظروا بمَ يختمُ له " . رواه الطبراني عن أبي أمامة . وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في : صحيح الجامع الصغير وزيادته /مرتب هجائيًا / ج : 2 / حديث رقم : 7366 / ص : 1229 . "لا تعجبوا بعمل عامل " أي لا تعجبوا عجبًا يفضي إلى القطع بنجاته ، ..... . = ورد شرح الحديث في : فيض القدير شرح الجامع الصغير للأحاديث النبوية بالترتيب الهجائي ، للعلامة المنَاوي / ج : 6 / ص : 536 / شرح حديث رقم : 9828 : "حتى تنظروا بما يختم له " لأن الخاتمة بالخير والشر تفيد قوة الرجاء والخوف لا القطع بحاله الذي لا يعلمه إلا الله ، فإن العمل على الخاتمة وهي غيب عنا .ا . هـ لذلك يجب تعهد القلب وتحسسه في كل وقت وحين ، فإن أعمال القلوب أخطر وأعظم من أعمال الجوارح . ـ يقول شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : " واعلم أن أعمال القلوب هي الأصل المراد المقصود ، وأعمال الجوارح تبع لها ومكملة ومتممة " . ا . هـ . ـ يقول العز بن عبد السلام ـ رحمه الله ـ : " صلاح الأجساد موقوف على صلاح القلوب ، وفساد الأجساد موقوف على فساد القلوب " . لذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " ....... ، ألا وإن في الجسدِ مُضغةً ، إذا صَلَحَت صَلَحَ الجسدُ كلُّه ، وإذا فسدتْ ، فسد الجسدُ كلُّه ، ألا وهي القلبُ " . صحيح مسلم . متون / ( 22 ) ـ كتاب : المساقاة / ( 20 ) ـ باب : أخذ الحلال وترك الشبهات /حديث رقم : 107 ـ ( 1599 ) / ص : 418 . فالقلب مَلِك والأعضاء جنوده ، فإذا طاب الملك طابت جنوده ، وإذا خبث الملِك خبثت جنوده . مختصر غاية الرفق في تربية النفس والأسرة والمجتمع بالدين الحق / ص : 59 / بتصرف . * * * * * |
#6
|
||||
|
||||
أقسام القلوب القلوب على ثلاثة أقسام : وهو القلب الذي سَلِمَ من كل شهوة تخالف شرع الله ، ومن كل شبهة تُعارض خَبَرَهُ ، سَلم من عبودية غير الله وخلصت عبوديته لله : إرادة ومحبة ، وتوكلًا وإنابة وإخباتًا ، ورجاء وخشية ، فإن أحب أحب لله ، وإن أبغض أبغض لله ، وإن أعطى أعطى لله ، وإن منع منع لله ، يقدم محبة الله ومحبة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على محبة من سواهما . 2 ـ القلب الميت : وهو القلب الذي لا يعرف ربه ، ولا يعبده بأمره ، ولا بما يحبه ويرضاه ، بل هو عبد لهواه ، يدور مع شهواته ولذاته حيث دارت ، وإن أوردته موارد سخط الله وغضبه . 3 ـ القلب المريض : وهو قلب له حياة وبه علة ، تمده هذه مرة وهذه مرة وهو لِما غلب عليه منهما ، وهو بين داعيين : داع يدعوه إلى الله ورسوله والدار الآخرة ، وداع يدعوه إلى العاجلة وهو بحسب أقربهما منه بابًا .مختصر غاية الرفق ... / ص : 60 . علامات صحة القلب 1 ـ إيثار ما يحبه الله ويرضاه على ما يدعوه إليه هواه . 2 ـ العزوف عن الدنيا وشهواتها وملذاتها . بأن تكون الدنيا في يده وليست في قلبه . 3 ـ ومن علاماتها : أنه إذا فاته ورده من الطاعة تألم أشد الألم أعظم من تألُّم الحريص بفوات ماله وفقده . 4 ـ أن يكون شحيحًا بوقته أن يذهب سدى كأشد الناس شُحًا بماله . 5 ـ أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل ؛ فيحرص على الإخلاص فيه ، والمتابعة ، والإحسان ، وشُهود مِنَّة الله عليه وتقصير نفسه وتفريطه . 6 ـ ألاَّ يفتر عن ذكر ربه ، ولا يأنس بغيره إلا من يدله عليه ويذكره به .مختصر غاية الرفق ... / ص : 60 . *أسباب حياة القلب وأغذيته النافعة * أسباب حياة القلب هي الطاعات والمداومة عليها ، والبعد عن المعاصي والمداومة على ذلك . ..... قال حذيفة : سمعتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : "تُعرَضُ الفتنُ علَى القلوبِ كالحصيرِ عودًا عودًا فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتَ فيهِ نُكتةٌ سَوداءُ وأيُّ قلبٍ أنكرَها نُكِتَ فيهِ نُكتةٌ بَيضاءُ حتَّى تصيرَ علَى قلبَينِ علَى أبيضَ مِثلِ الصَّفا فلا تضرُّهُ فتنةٌ ما دامتِ السَّماواتُ والأرضُ والآخرُ أسوَدُ مُربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا لا يعرِفُ معروفًا ولا ينكرُ مُنكرًا إلَّا ما أُشرِبَ مِن هواهُ " . صحيح مسلم . متون / ( 1 ) ـ كتاب : الإيمان / ( 65 ) ـ باب : بيان أن الإسلام بدأ غريبًا ... / حديث رقم : 144 / ص : 45 . ففعل الطاعات والبعد عن المعاصي والشهوات يصقل القلب يومًا بعد يوم ، ويمده بمادة حياته يومًا بعد يوم حتى يقوى ويشتد فلا تضره فتنة . مختصر غاية الرفق في تربية النفس والأسرة والمجتمع بالدين الحق / د . محمد إبراهيم منصور / ص : 63 / بتصرف . |
|
|