#1
|
||||
|
||||
![]() تفسير سورة الإنسان نزلت هذه السورة على القول الراجح عند العلماء في العهد المكي قبل الهجرة، فإنها فيها وعد ووعيد ككل السور المكية، وفيها تثبيت وتصبير للنبي -صلى الله عليه وسلمَ- إذا هو مستضعف يلاقي الأذى يحتاج إلى من يصبره. فالسورة آياتها وألفاظها وأسلوبها كالقرآن الذي نزل في مكة قبل الهجرة، ولكن يرى البعض أنها مدنية كلها إلا قول الله – تعالى"فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا"الإنسان: 24؛ لأن الآثم والكفور كان في مكة ولم يكن في المدينة، وكان الكفار يعرضون على الرسول -صلى الله عليه وسلمَ- بعض العروض لكي يترك هذا الدين، وهذا الكلام الذي يقوله، وليأخذ من الدنيا ما أراد: سُلْطَة، مالا، جاها.. وهكذا.. فالله -تعالى- قال"وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا" وقيل مدنية خاصة لورود كلمة "أسيرًا" فلم يكن عند المسلمين أسيرًا يطعمونه إلا في المدينة بعد الهجرة حين كان الجهاد، لكن لم يكن عندهم أسرى في مكة، فلم يواجهوا عدوًا، ولم يخوضوا حربًا، ولم يأسِرُوا أحدًا، لذا قال البعض: إنها مدنية، لكن الراجح عند العلماء: إنها مكية، ولا مانع من ذكر إطعام الأسير فكان بين القبائل في حروبهم أسرى، وهناك مغتصبون. فضائل السورة وخصائصها: أنَّه يُستحَبُّ القِراءةُ بها في صلاةِ الصُّبحِ يومَ الجُمُعةِ في الرَّكعةِ الثَّانيةِ: " أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقْرَأُ في صَلَاةِ الفَجْرِ يَومَ الجُمُعَةِ "الم تَنْزِيلُ"السَّجْدَةِ، وَ"هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ" ، وَأنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقْرَأُ في صَلَاةِ الجُمُعَةِ سُورَةَ الجُمُعَةِ، وَالْمُنَافِقِينَ."الراوي : عبدالله بن عباس -صحيح مسلم. الشرح:كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عنهم يَحرِصونَ حِرْصًا شَديدًا على اتِّباعِ سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وكانوا يَقِفونَ على دَقائِقِ سُنَّتِهِ الشَّريفةِ؛ ماذا كان يَقرَأُ في كُلِّ صَلاةٍ؟ وهلْ كان يُطيلُ أو يُقْصِرُ؟ وهكذا. وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبْدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كان يُواظِبُ على قِراءةِ سُورةِ السَّجدةِ في الرَّكعةِ الأُولى مِن صَلاةِ الفَجرِ كُلَّ يومِ جُمُعَةٍ، وأمَّا في الرَّكعةِ الثَّانيةِ فكان يَقرأُ سُورةَ الإنسانِ"هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ"؛ ولعلَّ ذلِك لِمَا اشتمَلَتْ عليه هاتانِ السُّورتانِ مِن ذِكرِ ما كان وما يَكونُ مِن المَبدأِ والمَعادِ؛ كخَلْقِ آدَمَ عليه السَّلامُ، وحَشْرِ الخَلائقِ وبَعْثِهم مِن القُبورِ إلى الجَنَّةِ والنَّارِ، وأحوالِ يَومِ القيامةِ، وأنَّها تقَعُ يَومَ الجُمُعةِ.الدرر السنية. مِن أهَمِّ مقاصِدِ السُّورةِ: تعريف جنس الإنسان بنفسهِ ببدايته ونهايته ، وانقِسامِهم لمؤمنٍ وكافرٍ، ومآلِهم يومَ القيامةِ. وهي من سور المفصل التي فضل الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء: " أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبعَ الطِّوالَ ، وأُعطِيتُ مكانَ الزَّبورِ المئين ، وأُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المثانيَ ، وفُضِّلتُ بالمُفصَّلِ ."الراوي : واثلة بن الأسقع الليثي أبو فسيلة - المحدث : الألباني - المصدر بداية السول في تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم - الصفحة أو الرقم : 59 خلاصة حكم المحدث : صحيح- التخريج : أخرجه أحمد (16982)، والطبراني. الشرح:القُرآنُ الكريمُ هو كَلامُ اللهِ عزَّ وجلَّ، وهو أفضَلُ الكَلامِ وأعظَمُه، وفي قِراءتِهِ وتِلاوتِهِ أجْرٌ كبيرٌ، وقد خُصَّت بالفَضلِ بعضُ السُّوَرِ والآياتِ الَّتي يَكونُ لِقارئِها فَضْلٌ عظيمٌ في الأجْرِ والثَّوابِ، كما في هذا الحَديثِ، حيثُ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "أُعْطيتُ مَكانَ التَّوْراةِ" بمَعْنى أعْطاني اللهُ بَدَلًا من التَّوْراةِ وما فيها "السَّبْعَ الطِّوالَ" والتَّوْراةُ هي كِتابُ اللهِ الذي أنزَلَهُ على مُوسى عليه السَّلامُ، والسَّبعُ الطِّوالُ المُرادُ هُنا سَبعُ سُوَرٍ طِوالٍ كبارٍ مِن البَقَرةِ إلى التَّوبةِ، وقيلَ: المُرادُ: البَقَرةُ، وآلُ عِمرانَ، والنِّساءُ، والمائدةُ، والأنْعامُ، والأعْرافُ، ويُونُسُ، وقيلَ: المُرادُ: البقرةُ، وآلُ عِمرانَ، والنِّساءُ، والمائدةُ، والأنْعامُ، والأعْرافُ، والأنْفالُ مع بَراءةَ سورةٌ واحدةٌ، وقد بُيِّنَ فيهِنَّ الأمْثالُ، والخَبَرُ، والعِبَرُ، والفَرائِضُ، والحُدودُ، والقَصَصُ، والأحْكامُ، "وأُعْطيتُ مَكانَ الزَّبورِ المِئينَ"، والزَّبورُ هو كِتابُ اللهِ الَّذي أنزَلَهُ على نَبيِّهِ داودَ عليه السَّلامُ - بَدَلًا من الزَّبورِ وما فيها، ويُقصَدُ بالمِئينَ السُّوَرُ الَّتي عَدَدُ آياتِها أكثَرَ من المِئةِ، وقيلَ: أوَّلُها ما يَلي الكَهْفَ لِزَيادةِ كُلٍّ منها على مِئةِ آيةٍ أو التي فيها القَصَصُ أو غَيرُ ذلِكَ، "وأُعْطيتُ مَكانَ الإنْجيلِ المَثانيَ"، والإنْجيلُ هو كِتابُ اللهِ الَّذي أنزَلَهُ على نَبيِّهِ عيسى عليه السَّلامُ - بَدَلًا من الإنْجيلِ وما فيها، وقيلَ: المَثاني هي السُّوَرُ الَّتي آياتُها مِئةٌ أو أقَلُّ، أو ما عدا السَّبْعَ الطِّوالَ إلى المُفصَّلِ، وسُمِّيَتْ مَثانيَ؛ لأنَّها أثْنَتِ السَّبْعَ، أو لِكَونِها قَصُرَتْ عنِ المِئينَ وزادتْ على المُفصَّلِ، أو لأنَّ المِئينَ جُعِلت مَبادِئَ، والَّتي تَليها مَثاني ثُمَّ المُفصَّلُ، وقيلَ غَيرُ ذلِكَ، وقيلَ: المثاني هي سُورةُ الفاتِحةِ، وسُمِّيَت بذلِكَ؛ لأنَّها سَبعُ آياتٍ، وتُثنَّى في الصَّلاةِ، وتُكرَّرُ قِراءتُها في كُلِّ ركعةٍ، وقيلَ: لأنَّها استُثنِيَت لهذه الأُمَّةِ فلم تَنزِلْ على أحَدٍ قَبلَها ذُخرًا لها، "وفُضِّلتُ بالمُفصَّلِ" بمَعْنى زادني اللهُ من فَضلِهِ بأنْ أعْطاني وأنزَلَ عليَّ سُوَرَ المُفصَّلِ، وهي السُّوَرُ القَصيرةُ من القُرآنِ، وقيلَ: إنَّ مَبدَأَها من الحُجُراتِ إلى آخِرِ القُرآنِ، وقيلَ غَيرُ ذلِكَ . الدرر السنية. وفي الحديث أن القرآن نسخ الكتب السابقة ، واشتمل على ما لم تشتمل عليه الكتب السابقة. المُفَصَّلَ هو المُحْكَمُ: عن سعيد بن جبير قال: إنَّ الذي تَدْعُونَهُ المُفَصَّلَ هو المُحْكَمُ، قَالَ: وقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: تُوُفِّيَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَنَا ابنُ عَشْرِ سِنِينَ، وقدْ قَرَأْتُ المُحْكَمَ."الراوي : عبدالله بن عباس-صحيح البخاري. الشرح:كان عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما عند وفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صغيرًا في السِّنِّ، إلَّا أنَّه كان من كِبارِ الصَّحابةِ في العِلمِ والفَهمِ، لا سِيَّما في إتقانِ القُرآنِ الكريمِ وفَهمِ مَعانيه. وفي هذا الحديثِ يخاطِبُ التابعيُّ سَعيدُ بنُ جُبَيرٍ بعضَ تلامِذَتِه قائلًا لهم"إنَّ الَّذي تَدعونَهُ المُفَصَّلَ" من سُوَرِ القُرآنِ الكريمِ "هو المُحكَمُ". ومعنى المُحكَمِ، أي: الَّذي لم يُنسَخْ وكان واضِحًا في لَفْظِه ومعناه. والمُفصَّلُ هو السُّوَرُ التي كَثُر الفَصلُ بينها، وهو مِن سُورةِ "ق" إلى آخِرِ القُرآنِ، وقيل: مِن سُورةِ الحُجُراتِ إلى آخِرِ القُرآنِ، وقيل: من سُورةِ محمَّدٍ. ثمَّ أخبَرَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم توُفِّيَ، وهو ابنُ عَشْرِ سِنينَ، وَقَد قَرَأَ المُحْكَمَ. يعني: المفصَّلَ. والقراءةُ هنا بمعنى الحِفظِ، ويحتَمِلُ أن يكونَ قَولُ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما"وأنا ابنُ عَشرِ سِنين"راجِعًا إلى وَقتِ حِفظِ المفَصَّلِ مِنَ القُرآنِ، لا إلى عُمُرِه وقتَ وَفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقد كان عُمُرُه عند وفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثلاثَ عَشْرةَ سَنةً، وقيل: خمسَ عَشرةَ سَنةً. وعليه يكونُ تقديرُ كَلامِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: توفِّيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد جمعتُ المُحكَمَ وأنا ابنُ عَشرِ سِنينَ. ويُؤخَذُ منه أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما لَم يَكُنْ يَحفَظُ جَميعَ القُرآنِ في عَهدِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وَإنَّما حَفِظَهُ بعْدَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وفي الحَديثِ: تَعليمُ الصِّبيانِ القُرآنَ.الدرر السنية. سورة الإنسان أول سورة بحسب ترتيب المصحف تفتتح بأسلوب الاستفهام ،فهذه السورة بدأت بسؤال: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ...... " عدد السور التي افتتحت بالاستفهام ستة : الإنسان ، النبأ، الغاشية، الشرح ، الفيل، الماعون. ومن مقاصدها البارزة: تذكير الإنسان بنعم الله-تبارك وتعالى- عليه، حيث خلقه- سبحانه - من نطفة أمشاج، وجعله سميعًا بصيرًا، وهداه السبيل. وحيث أعد له ما أعد من النعيم الدائم العظيم.. متى أطاعه واتقاه. كما أن من مقاصدها: إنذار الكافرين بسوء العاقبة إذا ما استمروا على كفرهم. وإثبات أن هذا القرآن من عند الله-تبارك وتعالى- وأَمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته بالصبر والإكثار من ذكر الله-تبارك وتعالى- بكرة وأصيلا. وبيان أن حكمته -تبارك وتعالى- قد اقتضت أنه: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ بعلمه المطلق ، وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذابًا أَلِيمًا، جزاءًا وفاقًا. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|