#11
|
||||
|
||||
8- تَحَلَّ بِالْمُرُوءَةِ التَّحَلِّي بـ ( الْمُروءةِ ) وما يَحْمِلُ إليها ، من مَكارِمِ الأخلاقِ وطَلاقةِ الوَجْهِ ، وإفشاءِ السلامِ وتُحَمُّلِ الناسِ والأَنَفَةِ من غيرِ كِبرياءَ والعِزَّةِ في غيرِ جَبَرُوتٍ والشهامةِ في غيرِ عَصَبِيَّةٍ والْحَمِيَّةِ في غيرِ جَاهليَّةٍ .
وعليه فتَنَكُّبُ ( خَوارِمِ الْمُروءةِ ) في طَبْعٍ أو قولٍ أو عَمَلٍ من حِرفةٍ مَهِينَةٍ أو خَلَّةٍ رَديئةٍ كالعُجْبِ والرياءِ والبَطَرِ والْخُيلاءِ واحتقارِ الآخرينَ وغِشْيَانِ مَواطِنِ الرِّيَبِ . هنا *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ ) هنا القارئ : الأمر الثامن - تَحَلَّ بِالْمُرُوءَةِ : التَّحَلِّي بـ ( الْمُروءةِ ) وما يَحْمِلُ إليها ، من مَكارِمِ الأخلاقِ وطَلاقةِ الوَجْهِ ، وإفشاءِ السلامِ وتُحَمُّلِ الناسِ والأَنَفَةِ من غيرِ كِبرياءَ والعِزَّةِ في غيرِ جَبَرُوتٍ والشهامةِ في غيرِ عَصَبِيَّةٍ والْحَمِيَّةِ في غيرِ جَاهليَّةٍ . الشيخ : نعم . يقول التحلي بالمروءة , فما هي المروءة ؟ حدها الفقهاء رحمهم الله , في كتاب الشهادات , قالوا : هي فعل ما يجمله ويزينه , واجتناب ما يدنسه ويشينه . وهذه عبارة عامة، كل شي يجملك عند الناس ويزينك ويكون سببا للثناء عليك , فهو مروءة , وإن لم يكن من العبادات , وكل شيء بالعكس فهو خلاف المروءة . ثم ضرب لهذا مثلا , فقال من مكارم الأخلاق , فما هو كرم الخُلُق ؟ أن يكون الإنسان دائما متسامحًا , أو أن يتسامح في موضع التسامح , ويأخذ بالعزم في موضع العزيمة . ولهذا جاء الدين الإسلامي وسطًا بين التسامح الذي تضيع به الحقوق , وبين العزيمة التي ربما تحمل على الجور , فنضرب مثلا بالقصاص : وهو قتل النفس بالنفس , يذكر أن بني اسرائيل انقسمت شرائعهم في القصاص إلى قسمين : قسم أوجب القتل , ولا خيار لأولياء المقتول فيه , وهي شريعة التوراة . لأن شريعة التوراة تميل إلى الغلظة والشدة . وقسم آخر أوجب العفو , وقال: إنه إذا قتل الإنسان عمدا فالواجب على أولياؤه التسامح . هكذا نقرأ في الكتب المنقولة , لأننا لم نقف على نص في الإنجيل وإلا فإن الأصل أن شريعة الإنجيل هي شريعة التوراة , وقد قال الله تعالى " وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ "المائدة 45 . لكن فيما ينقل عن بني إسرائيل نسمع هذا . فجاء دين الاسلام وسطا وجعل الخيار لأولياء المقتول , إن شاءوا قتلوا قصاصا ولهم الحق , وإن شاءوا عفوا مجانا , وإن شاءوا أخذوا الدية .فصار الأمر في ذلك واسعا . ومعلوم أن كل عاقل يخير في مثل هذه الأمور , سيختار ما فيه المصلحة العامة , يقدمها على كل شيء . فمثلا إذا كان هذا الرجل شريرا -يعني القاتل- وأولياء المقتول يحبون المال وقالوا نريد أن نعفو إلى الدية , لأننا محتاجون ليس عندنا مال نقول: هذا ليس من الحكمة , انظر الى المصلحة العامة , وأنتم إذا تركتم شيئا لله عوضكم الله خيرا منه . اقتلوا هذا القاتل . ولهذا أوجب شيخ الإسلام ابن تيمية تبعا للإمام مالك رحمه الله , أوجب قتل القاتل غيلة , حتى لو عفا أولياءه, حتى لو كان له صغار يحتاجون إلى المال , فإنه يجب أن يقتل , لأن القتل غيلة لا يمكن التخلص منه . إذ أن الإنسان اغتيل في حال لا يمكن أن يدافع عن نفسه , والمغتال مفسد في الأرض ,"إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ 33"المائدة. إذن , مكارم الأخلاق ما هي ؟ هي أن يتخلق الإنسان بالأخلاق الفاضلة الجامعة بين العدل والإحسان , فيأخذ بالحزم في موضع الحزم , وباللين واليسر في موضع اللين واليسر. طلاقة الوجه، أيضا طلاقة الوجه هذه من مكارم الأخلاق , وهل مثلا أطلق وجهي لكل إنسان حتى لو كان من أجرم المجرمين أو على حسب الحال؟ على حسب الحال , أطلق الوجه في ستة من تسعة : ما معناها؟ يعني في الثلثين والثلث دعه لما تقتضيه الحاجة. ليكن سيمتك طلاقة الوجه , هذا أحسن شيء , تجذب الناس إلى نفسك , ويحبك الناس, ويستطيعون أن يفضوا إليك ما يخفونه من أسرارهم . لكن إذا كنت عبوسا , تعض على شفتك السفلى , فإن الناس يهابوك , ولا يستطيعون أن يتكلموا معك . لكن إذا اقتضت الحال أن لا تطلق الوجه , فافعل . ولهذا لا يلام الإنسان على العبوسة لومًا مطلقا , ولا يمدح على تركها مدحا مطلقا . إفشاء السلام : يعني نشره وإظهاره على كل أحد؟ لا ليس على كل أحد، على من يستحق أن يسلم عليه , على المسلم وإن كان عاصيا , وإن كان زانيا وإن كان سارقا وإن كان مرابيا وإن كان يشرب الخمر , لإنه مسلم ألقي إليه السلام. لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه المؤمن -أو قال أخاه- فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" . فإن فعل المؤمن منكرا , ولاسيما إذا كان منكرا عظيما يخشى منه أن يتفتت المجتمع الإسلامي , فحينئذ يكون هجره واجبا هجره إن نفع الهجر, وإنما أقول ذلك لئلا يرد علينا قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن غزوة تبوك , فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بهجره , أمر أن يهجره الناس فهجروه وصاروا لا يتكلمون معه , حتى إنه ذات يوم تسور حديقة أبي قتادة رضي الله عنه , وهو ابن عمه وأحب الناس إليه , فسلم على أبي قتادة فلم يرد عليه السلام , سلم ثانيا فلم يرد عليه السلام, سلم ثالثا فلم يرد عليه السلام, فقال : أنشدك الله , هل تعلم أني أحب الله ورسوله , " يعني أنت كيف تهجرني وأنا أحب الله ورسوله " وهل تعلم؟ يعني ألم تعلم ؟ ولم يرد عليه . ما قال نعم ولا لا قال : الله ورسوله أعلم . ما أجاب، لماذا ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم, ولو أمرهم أن يفعلوا أكبر من ذلك لفعلوا . المهم أن الصحابة هجروه لأنه تخلف عن غزوة تبوك وكان هجره بأمر من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تصوروا يا إخوان يأتي ويسلم على الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : فلا أدري أحرك شفتيه برد السلام أم لا . يعني هو لا يسمع الرد قطعا لكن لا يدري هل حرك شفتيه بالسلام أم لا. ولكن الرسول يحبه , لأنه إذا قام يصلي -كعب- جعل النبي صلى الله عليه وسلم يسارقه النظر ينظر إليه . فهل هذا الهجر الذي وقع من الصحابة لكعب بن مالك هل أثر أو لم يؤثر ؟ أثر، أثر رجوعا عظيما إلى الله عز وجل ,"وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 118"التوبة. , ظنوا بمعنى أيقنوا , لجؤوا إلى الله , ففرج الله عنهم . فهذا أثر تأثيرا عظيما , وحصل به مصلحة عظيمة , تُتلى قصتهم في كتاب الله عز وجل , يقرؤها المسلمون كلهم في صلواتهم وفي خلواتهم . يذكرونهم كلما مروا بذكرهم هذه فائدة عظيمة ثم فيها محنة عظيمة أيضا لكعب , جاءه كتاب من ملك غسان , فقال له في الكتاب : إنه بلغنا أن صاحبك قلاك -يعني أبغضك وهجرك وتركك- , فالحق بنا نواسك , " يعني ائت إلينا نجعلك مثلنا " "كأنه يشير أن يجعله ملكا على غسان " فماذا فعل ؟ رأى أن هذه فتنة عظيمة , ذهب بالورقة فسجَّر بها التنور , يعني أحرقها , إحراقا تاما كراهة لها ولما تضمنته , ولئلا تغلبه نفسه في المستقبل حتى يجيب لهذا الطلب . وهكذا يكون الإيمان وهذه لا شك أنها محنة عظيمة , حصلت من أجل هذه القصة . فالحاصل أن إفشاء السلام الأصل فيه أنه عام , لكل أحد من المسلمين , إلا من جاهر بمعصية , وكان من المصلحة أن يُهجر فليُهجر . أما غير المسلمين فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم"لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ". فيحرم علينا أن نبدأ اليهود والنصارى ومن سواهم أخبث منهم فلا نبدأه بالسلام ، إن سلموا نرد عليهم , لقول الله تعالى : "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " . فإذا قالوا : السلام عليكم , نقول : عليكم السلام صراحة لأن الآية ناطقة بذلك "حيوا بأحسن منها أو ردوها" . ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما أمر أن نقول : وعليكم , لأنهم يقولون السام عليكم , كما جاء ذلك مصرحا به في حديث عبد الله بن عمر قال إن اليهود أو قال أهل الكتاب يقولون السام عليكم فإذا سلموا فقولوا وعليكم . القارئ : وعليه فتَنَكُّبُ "خَوارِمِ الْمُروءةِ " في طَبْعٍ أو قولٍ أو عَمَلٍ من حِرفةٍ مَهِينَةٍ أو خَلَّةٍ رَديئةٍ كالعُجْبِ والرياءِ والبَطَرِ والْخُيلاءِ واحتقارِ الآخرينَ وغِشْيَانِ مَواطِنِ الرِّيَبِ . الشيخ : لما ذكر المروءة أنه ينبغي لطالب العلم أن يتحلى بها , قال تنكَّب يعني أبعد عن خورام المروءة , في طبع أو قول أو عمل : يعني في طباعك حاول أن تكون طباعك ملائمة للمروءة , ومن المعلوم أنه ليس التكحل في العينين كالكحل, وليس التطبع كالطبع , لكن الإنسان مع ممارسة الشيء ربما يكون الكسب غريزة , والتطبع طبيعة , وإلا فإن الإنسان لو حاول ما يحاول من الأخلاق وطبعه ليس كذلك سيجد صعوبة , لكنه مع التمرن تحسن الحال . وهذا مُجرب , فقد سمعنا عن بعض الناس الذي كان بعيدا عن العلم وعن طلب العلم له أخلاق سيئة , ثم لما منَّ الله عليه بالعلم بالهداية وطلب صارت أخلاقه طيبة , لأنه مرن نفسه على هذه الأخلاق حتى صارت كأنها من طباعه وغرائزه . من حرفة مهينة , أو خلة رديئة : الخلة يعني الخصلة , والحرفة المهينة هي كل ما يحترفه الإنسان من عمل . ثم ضرب لذلك أمثلة بقوله كالعُجب , أن يعجب الإنسان بنفسه , فإذا استنبط فائدة قال : هذه الفائدة ما شاء الله أنا استنبطتها هذه ما يستنبطها أكبر عالم , ثم أٌعجب بنفسه , ورأى نفسه كبيرا وانتفخ . الرياء أن يرائي الناس بأن يتكلم في العلوم أمامهم حتى يروا أنه عالم فيقال : هذا عالم . البطر: رد الحق , وهذه تحصل في المجادلات والتعصب لرأي من الآراء , أو لمذهب من المذاهب , تجده يغمط الآخرين يرد الحق لأنه خلاف ما يرى . الخيلاء نتيجة العجب , يعني يُظهر نفسه بمظهر العالم الواسع العلم , ومن ذلك أن يكون للعلماء في بلد ما زيُّ خاص في اللباس, فيأتي هذا الإنسان البادئ بالعلم فيلبس لباس كبار العلماء ليظن الظان أنه من كبار العلماء , فهذا من الخيلاء. كذلك أيضا احتقار الآخرين , فالبطر هو احتقار الآخرين هو الكبر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام "الكبر بطر الحق وغمط الناس" . أي احتقارهم , وغِشْيَان مواطن الريب . يعني المواطن التي تكون محل الشك فيه وفي مروءته وأخلاقه يتجنبها. "رحم الله امرءًا كف الغيبة عن نفسه" , وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أطهر الخلق , قال للرجلين الأنصاريين وهو مع زوجه صفية رضي الله عنها , قال : إنها صفية . فكيف بغيره . فالحاصل أنك لا تثق بنفسك وتقول إن الناس لن يظنوا بي شيئا , فأنت وإن كنت عند الناس بهذه المثابة , لكن الشيطان يلقي في قلوبهم الشر, حتى يتهموك بما أنت منه برئ , فتجنب مواطن الريب حتى تسلم من الريبة . الأنفة من غير كبرياء : يعني أن يأنف الانسان من الأشياء المهينة التي توجب ضعته عند الناس لكن بدون كبرياء. العزة في غير الجبروت : أن يكون عزيز النفس , قويا لكن من غير جبروت , بمعنى أن لا يذل أمام خصمه , عند المناظرة أو غير المناظرة , بل يتصور أنه غالب , لكن بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى الجبروت , فإنه إذا أدى إلى الجبروت صار خلقا ذميما . عكس ذلك من يكون ذليلا حتى وإن كان عنده علم لا يستطيع أن يناظر ولا أن يجادل , ولا أن يتكلم مع الغير فتجده يُهزم حتى في مواطن الحق التي أصاب فيها . الشهامة في غير عصبية : واضحة أن يكون الإنسان شهما معتزا بنفسه لكن من غير عصبية , لا يقول أنا من القبيلة الفلانية ولي شهامة , أنا من تميم ، أنا من قريش ، أنا من كذا، أنا من كذا . والحمية في غير جاهلية : أن يكون عند الإنسان حمية وغيرة , لكن في الحق لا في الجاهلية . * شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ) القارئ: تحل بالمروءة : التحلي بـ "المروءة" ، وما يحمل إليها، من مكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه، وإفشاء السلام، وتحمل الناس، والأنفة من غير كبرياء، والعزة في غير جبروت، والشهامة في غير عصبية، والحمية في غير جاهلية. وعليه فتنكب "خوارم المروءة" ، في طبع، أو قول، أو عمل، من حرفة مهينة، أو خلة رديئة، كالعجب، والرياء، والبطر، والخيلاء، واحتقار الآخرين، وغشيان مواطن الريب. الشيخ: إذن هذا هو الأدب الثامن من آداب طالب العلم : "التحلي بالمروءة". تقدم معنا أنَّ المروءة : التزام الصفات المحمودة عند الخلق ، واجتناب الصفات غير المرغوب فيها عند الخلق ، التحلي بالمروءة من "مكارم الأخلاق" ، ومن أمثلة المروءات التي يحسن لطالب العلم أن يلتزم بها ، أن يكون ملازما للأخلاق الفاضلة ، يحسن التعامل مع الآخرين ومن ذلك "طلاقة الوجه" بحيث لا يكون مُعبِّسا أو يكون مُعرضا بوجهه عن طلابه أو عن زملائه ، ومن المروءة "إفشاء السلام" ومن المروءة "تحمل الناس" ، المراد بتحمل الناس الصبر على أذيتهم ، ومن المروءة "الأنفة من غير كبرياء" ، والمراد بالأنفة ترفُّع النفس عن ما لا يليق بها ، بحيث لا يفعل الإنسان فعلا لا يكون مناسبا لحاله ، وكذلك "العزة بغير جبروت" فلا يُقدم على فعل لا يليق به ، فيرفع نفسه ، "والشَّهامة في غير عصبية" يعني : يكون مُقدِّما للخير للآخرين ، شهما ، كريما ، لكن لا يكون دافعه لذلك العصبية ونفع قرابته فقط وإنما يكون دافعه لذلك التقرب لله - جل وعلا- ، وكذلك مما تقتضيه المروءة "الحمية في غير جاهلية" والمراد بالحمية أن يحميَ المؤمنون بعضهم بعضا عما لا يليق بهم ، ولا يكون الدافع لذلك صفة من صفات أهل الجاهلية. وعليه "فتنكُّب خوارم المروءة" ، ليس من شأن أهل الإسلام خوارم المروءة تَقدَّم لنا أمثلتها ، سواءً كانت هذه الخوارم في "طبع" كأن يكون مِخْراقا كأن يكون عجلا ، أو في " قول" بأن يتكلم بالكلام غير اللائق ، كأن يسب ويقدح الآخرين ، أو في "عمل" كأن يبتذل نفسه في الذهاب إلى أماكن لا تليق به ، وكذلك يجتنب "الحرف المهينة" التي يحتقرها الناس ؛ لأنَّ طالب العلم ينبغي أن يوجد له مكانة في الناس من أجل أن يقبلوا ما ينشره من العلم ، وعندما يمتهن حرفة مهينة فإنه حينئذ يكون مناقِضا ويكون مما لا تقبله نفوس الناس ، وبالتالي لا يسمعون له ولا يأخذون ما لديه من علم. وهكذا يجتنب الأوصاف الرديئة (الخلة) يعني : الوصف ، الرديء يعني : السيء غير المقبول؛ ومن ذلك (العجب) بأن يرى الإنسان لنفسه فضلا ، (والرياء) بأن يكون مقصوده بما يؤديه من العمل اطلاع الناس عليه ، (والبَطَر) وهو نوع من أنواع الكبرياء ويكون فيه جحد للحق ، (والخيلاء) بترفع النفس عما يكون مناسبا لها ، ومظنَّة أن للنفس فضلا على الغير ، (واحتقار الآخرين) ، وكذلك ترك (مَواطن الريب) يعني : المَواطن التي يُظن فيها الإنسان بظن السوء ، من أمثلة ذلك : عندما يذهب الإنسان إلى الأمكنة التي فيها معازف هذا موطن من مواطن الريب ، ولو لم يكن مقصده مكان العزف وكان يقصد محلا مجاورا له هذا من خوارم المروءة ؛ لأنَّ هذا من مواطن الريب ولذلك يجتنبه الإنسان ، وهكذا أيضا المحال التي فيها معاصي يجتنبها طالب العلم ؛ لأنَّ هذه من مواطن الريب ، وإذا خشي أن يُظن به ظن السوء احتاط لذلك ، وبذل من الأسباب ما يدفع مثل هذا الظن السيء ، ولذلك جاء في الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جاءته زوجته صفية فلبِثت معه في المسجد وهو معتكف ، فلما أرادت أن تنصرف انقلب معها وكانوا في ليل فشاهده بعض الأنصار رجلان من الأنصار فأسرعا ، فناداهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنها زوجتي صفية ، إنها زوجتي صفية ، دفعا للريبة فقالوا : أَوَفيك يا رسول الله ، قال صلى الله عليه وسلم : إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم ، وإني خشيت أن يلقي في قلوبكما شيئا ، وفي لفظ شرا كما ورد ذلك في الصحيح.نعم هنا * إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل السؤال : ما معنى [قتل الغيلة] الجواب : قتل الغيلة هو قتل الغدر الذي يكون فيه المغدور آمناً جانب الغادر كقتل المرأة لزوجها والأخ لأخيه وصاحب الدار لضيفه السؤال الثاني : ما معنى: فتَنَكُّبُ خَوارِمِ الْمُروءةِ ؟ ما معنى هذا الكلام ؟ اقتباس: الأنفة من غير كبرياء : يعني أن يأنف الانسان من الأشياء المهينة التي توجب ضعته عند الناس لكن بدون كبرياء. الجواب : التنكّب هو الإعراض والعدول عن الشيء كأنه مأخوذ من توليته المنكبية، كما ان الإدبار مأخوذ من توليته الدبر. قال الله تعالى"وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ" المؤمنون 74. أي معرضون عن الصراط المستقيم منحرفون مائلون غير مستقيمين على ما يحبه الله. والصراط المستقيم هو الطريق الوحيد الموصل إلى رضوان الله تعالى وجنته، فمن تنكَّب عن هذا الصراط لم يصل إلا إلى سخط الله وعقابه. والعرب تقول: ريح نَكْبَاءَ إذا خالفت المهب المعتاد. وقوله في الأنفة من غير كبرياء ( يعني أن يأنف الانسان من الأشياء المهينة التي توجب ضعته عند الناس لكن بدون كبرياء) بعض المِهَن الوضيعة - ولو كانت جائزة لا إثم فيها - فلا ينبغي لطالب العلم أن يعمل فيها ولا يجوز له أن يتكبر على أصحابها ، فأنفَته من هذه المهن الوضيعة هو لحفظ قدر العلم وأهله، وقد جرت عادة الناس على احتقار أصحاب هذه المهن ولا ينبغي لطالب العلم أن يضع نفسه في موضع يحتقره الناس فيه. وقد تكون بعض تلك المهن جائزة ويقبل بها من كان محتاجاً مضطراَ إليها ، ولا حرج عليه شرعاً فيها ، وهو كسب حلال ويرجى له فيه أجره إذا قصد به إعفاف نفسه وعياله، لكنه إذا أمكنه الانتقال إلى مهن لا يحتقرن الناس فهو خير له وأصلح. والمهن الوضيعة على قسمين: - مِهَن وضيعة حسًّا وهي التي تباشر فيها النجاسات غالباً كالزبالة واستخراج النجاسات من مجاري المياه ونحو ذلك، وهذه مهن جائزة ولا سيما عند الحاجة وإن كانت مكروهة لأهل العلم والفضل لكن لا يأثم صاحبها، وامتهانها خير من سؤال الناس واستجدائهم. - ومهن وضيعة معنى وهي التي يكون فيها ابتذال لكرامة الإنسان واعتياده على مساوي الأخلاق من الكذب والفحش والتفحش والإسفاف في القول والعمل ، وهذه مهن محرَّمة. هنا |
|
|