#1
|
||||
|
||||
شرح حديث أم زرع
شرح حديث أم زرع قال البخاري في صحيحه : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن وعلي بن حجر ، قالا: أخبرنا عيسى بن يونس ، قالَ : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عن عبد الله بن عروة ،عن عروة ، عَنْ عَائِشَةَ قالتْ"جَلَسَ إحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، فَتَعَاهَدْنَ وتَعَاقَدْنَ ألَّا يَكْتُمْنَ مِن أخْبَارِ أزْوَاجِهِنَّ شيئًا؛ قالتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ، علَى رَأْسِ جَبَلٍ، لا سَهْلٍ فيُرْتَقَى، ولَا سَمِينٍ فيُنْتَقَلُ، قالتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لا أبُثُّ خَبَرَهُ، إنِّي أخَافُ ألَّا أذَرَهُ، إنْ أذْكُرْهُ أذْكُرْ عُجَرَهُ وبُجَرَهُ، قالتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِيَ العَشَنَّقُ؛ إنْ أنْطِقْ أُطَلَّقْ، وإنْ أسْكُتْ أُعَلَّقْ، قالتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لا حَرٌّ ولَا قُرٌّ، ولَا مَخَافَةَ ولَا سَآمَةَ، قالتِ الخَامِسَةُ: زَوْجِي إنْ دَخَلَ فَهِدَ، وإنْ خَرَجَ أسِدَ، ولَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ، قالتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إنْ أكَلَ لَفَّ، وإنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وإنِ اضْطَجَعَ التَفَّ، ولَا يُولِجُ الكَفَّ لِيَعْلَمَ البَثَّ. قالتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ -أوْ عَيَايَاءُ- طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ له دَاءٌ، شَجَّكِ أوْ فَلَّكِ أوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ، قالتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي المَسُّ مَسُّ أرْنَبٍ، والرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ، قالتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ العِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ البَيْتِ مِنَ النَّادِ، قالتِ العَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ، وما مَالِكٌ؟! مَالِكٌ خَيْرٌ مِن ذَلِكِ، له إبِلٌ كَثِيرَاتُ المَبَارِكِ، قَلِيلَاتُ المَسَارِحِ، وإذَا سَمِعْنَ صَوْتَ المِزْهَرِ، أيْقَنَّ أنَّهُنَّ هَوَالِكُ، قالتِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أبو زَرْعٍ، وما أبو زَرْعٍ؟! أنَاسَ مِن حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، ومَلَأَ مِن شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إلَيَّ نَفْسِي، وجَدَنِي في أهْلِ غُنَيْمَةٍ بشِقٍّ، فَجَعَلَنِي في أهْلِ صَهِيلٍ وأَطِيطٍ، ودَائِسٍ ومُنَقٍّ، فَعِنْدَهُ أقُولُ فلا أُقَبَّحُ، وأَرْقُدُ فأتَصَبَّحُ، وأَشْرَبُ فأتَقَنَّحُ، أُمُّ أبِي زَرْعٍ، فَما أُمُّ أبِي زَرْعٍ؟! عُكُومُهَا رَدَاحٌ، وبَيْتُهَا فَسَاحٌ، ابنُ أبِي زَرْعٍ، فَما ابنُ أبِي زَرْعٍ؟! مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ، ويُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الجَفْرَةِ، بنْتُ أبِي زَرْعٍ، فَما بنْتُ أبِي زَرْعٍ؟! طَوْعُ أبِيهَا، وطَوْعُ أُمِّهَا، ومِلْءُ كِسَائِهَا، وغَيْظُ جَارَتِهَا، جَارِيَةُ أبِي زَرْعٍ، فَما جَارِيَةُ أبِي زَرْعٍ؟! لا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا، ولَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا، ولَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا، قالَتْ: خَرَجَ أبو زَرْعٍ والأوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةً معهَا ولَدَانِ لَهَا كَالفَهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِن تَحْتِ خَصْرِهَا برُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَنِي ونَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا، وأَخَذَ خَطِّيًّا، وأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا، وأَعْطَانِي مِن كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا، وقالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ ومِيرِي أهْلَكِ، قالَتْ: فلوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أعْطَانِيهِ، ما بَلَغَ أصْغَرَ آنِيَةِ أبِي زَرْعٍ، قالَتْ عَائِشَةُ: قالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ."الراوي : عائشة أم المؤمنين - صحيح البخاري.باب حسن المعاشرة مع الأهل ."يا عائشةُ ! كنتُ لك كأبي زرعٍ لأمِّ زرعٍ ، إلا أنَّ أبا زرعٍ طلَّق ، و أنا لا أُطلِّقُ ."الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 141 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. وفي رواية للهيثمي "إحدى عشرة امرأةً اجتمعنَ في الجاهليةِ فتعاهدن لتُخبِرَنَّ كلُّ امرأةٍ بما في زوجِها ولا تكذِب" الشرح: ما أعظم خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وأزواجه صلى الله عليه وسلم، وما أعظم لغة العرب وما أجملها!ففي حديث أم زرع تجد العجب العجاب من الوصف، إحدى عشرة امرأة، كل واحدة تصف أخلاق زوجها، والنبي يسمع عائشة وهي تذكر كلام هؤلاء النسوة، وفي آخر المطاف يعلق النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة فيها منهج لكيفية معاملاته لنسائه وقد آتاه الله جوامع الكلم وَفاءُ كلٍّ من الزَّوجَينِ للآخَرِ وحُسنُ المعاشَرةِ بينهما، من الأخلاقِ الإسلاميَّةِ العظيمةِ التي حثَّ عليها الإسلامُ، وطَبَّقها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانت حياتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أروعَ نموذجٍ في هذا الميدانِ. فما أعظم خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وأزواجه صلى الله عليه وسلم، وما أعظم لغة العرب وما أجملها!ففي حديث أم زرع تجد العجب العُجَاب من الوصف، إحدى عشرة امرأة، كل واحدة تصف أخلاق زوجها، والنبي يسمع عائشة وهي تذكر كلام هؤلاء النسوة، وفي آخر المطاف يعلق النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة فيها منهج لكيفية معاملاته لنسائه وقد آتاه الله جوامع الكلم.يقول البخاري: باب حسن المعاشرة مع الأهل.. يقول: كيف يكون المسلم مع أهله في حسن المعاشرة، وفي وطء الكنف ولين الجانب وفي السهولة.. كيف يكون؟ ثم يأتي بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم مع عائشة، ويظهر لنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام مع كثرة أشغاله وأعماله وارتباطاته وما يأتيه من نوائب، بل أمور الأمة تدار على كفه عليه أفضل الصلاة والسلام، وأحداث الأمة وجهادها وإدارتها وقيادتها؛ ومع ذلك وجد وقتًا يستمع إلى مثل هذا الكلام، وهذا من لين جانبه وحلمه ومن بره عليه أفضل الصلاة والسلام، كما قال تبارك وتعالى" وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ "القلم:4. ففي هذا الحديثِ تقُصُّ أمُّ المُؤمِنينَ عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها قِصَّةَ إحْدَى عَشْرةَ امرَأةً - اجتمعنَ في الجاهليةِ-، "تَعاهَدْنَ وتَعاقَدْنَ"، أي: أَلْزَمْنَ أنْفُسَهنَّ عَهدًا، وعَقَدْنَ على الصِّدقِ مِن ضَمائرِهنَّ عقدًا ألَّا يَكتُمْنَ مِن أخبارِ أزْواجِهنَّ شيئًامدحًا أو ذمًّا. قالتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ، علَى رَأْسِ جَبَلٍ، لا سَهْلٍ فيُرْتَقَى، ولَا سَمِينٍ فيُنْتَقَلُ: إن زوجي متكبر سيء الخُلُق ، لا أصل إلى رضاه إلا بشق النفس وبذل الجهد ، وشبّهته في رداءته بلحم جمل غثٍّ شديد الهزال على رأس جبل وعر لا يوصل إليه إلا بعسر ومشقّةٍ . "علَى رَأْسِ جَبَلٍ"أي: إنَّه مِثلُ لحمِ الجَملِ شَديدِ الهُزالِ، وهذا الجبلُ " لا سَهْلٍ فيُرْتَقَى"؛ لأنَّه كثيرُ الصُّخورِ، ولا اللَّحمُ "ولَا سَمِينٍ فيُنْتَقَلُ"، أي: يُتَحمَّلُ مِن أجْلِه الصِّعابُ لِنقلِه. فهي غيرُ راضيةٍ عن زَوْجِها لسُوءِ خُلُقِه وغِلظةِ طباعِه، فهي تُشَبِّهُه بلَحمِ الجَملِ الذي تعافُه النَّفسُ، وتُشَبِّهُ سُوءَ خُلُقِه بالجَبَلِ الوَعْرِ، فليتَه كان مع غثاثَتِه مُتاحًا سَهْلَ المُرتقى، بل هو على رأسِ جبلٍ صَعبِ المطلَعِ، وفي الوقتِ نَفْسِه لا يستحِقُّ هو أن يُتحَمَّلَ مِن أجلِه المشاقُّ للوُصولِ إليه!
__________________
|
|
|